رواية الجدران الناطقة الفصل الثالث عشر 13 - بقلم مريم عثمان

 رواية الجدران الناطقة الفصل الثالث عشر 13 - بقلم مريم عثمان

كانت يدي ترتجف بشدة بينما كنت أرفع الصورة التي سقطت على الأرض تمالكت نفسي بصعوبة، لكن عندما نظرت إليها، شعرت بدماء جسدي تتجمد كانت إيمان، الفتاة التي التقيت بها في الحي عندما أخدها ذلك الرجل إلى منزله كيف يمكن أن تكون صورتها هنا؟ في هذا المكان المظلم، الذي كان يختبئ فيه أكثر من مجرد أسرار هل كانت هذه صدفة؟ لم أكن أستطيع الهروب من الشعور بأنني كنت أعيش في كابوس لم أعد أستطيع الهروب منه
أخذت أبحث بشكل هستيري بين الأوراق المبعثرة على الطاولة، يدي تتحرك بسرعة غير طبيعية، كأنني كنت أسابق الزمن أو ربما الهلاك نفسه فجأة، اصطدمت عيناي بقسيمة زواج ممزقة، باسم سامح الشريف، مع اسم زوجته إيمان أحمد الأمين كانت هي نفس الفتاة فهل كانت متزوجة من الرجل الذي قتل الطفلة؟ وما العلاقة بينهما؟ كل سؤال كان ينهش عقلي، ولم أكن أستطيع التوقف
كانت الأجواء في هذا المكان غير طبيعية، وكان المكتب يبدو كالمقبرة المطمورة تحت الأرض كل زاوية، كل ركن، كان يحمل رائحة العفن والغموض كانت أصوات الهسيس تتسرب من الجدران، تتنقل من مكان لآخر، وكأنها همسات من الظلام ذاته، تحاول إغوائي لكشف الأسرار التي كانت مدفونة هنا منذ زمن في تلك اللحظة، بدأت أفقد قدرتي على التمييز بين الواقع والخيال كان جزء من روحي يحترق ببطء في هذا البيت اللعين، كان المكان يستهلكني أكثر فأكثر
وفي تلك الليالي العاصفة، حيث كانت الرياح تعصف بالأشجار بعنف، كنت أسمع الأنين القادم من الطابق السفلي كان الصوت متقطعًا، كأنما كان يأتي من الجدران نفسها، لكنّه كان يزداد قوة، وكأن هناك روحًا قديمة، مليئة بالحقد والكراهية، تحيا في هذا المكان شعرت بشيء ثقيل يضغط على صدري، وكأنني أسير في كابوس لن ينتهي لكنني لم أستطع الصمود أكثر دفعت الباب وركضت إلى الأسفل، حيث كانت الأجواء تقول لي أنني كنت على حافة المجهول
كنت على وشك الانهيار عندما سمعت صوت والدة سامح تصرخ من الطابق السفلي:
"ما الذي فعلته؟ هل هذا آخر ما توصلت إليه؟ ستدمر سمعتنا هل تدرك ماذا يعني أن يخرج أمر كهذا إلى الصحافة؟ سننتهي جميعًا ستسببين في دمار العائلة بأثرها"
ثم جاء صوت سامح ببرود قاتل، يجيب بلا أي خوف:
"لا يهمني سأحلها والدتها لن تفتح فمها سأعطيها بعض النقود وستصمت إن فتحت فمها، سأقتلها مثلما فعلت بابنتها هل تسمعين؟ ساقتلها"
والدة سامح لم تستطع تحمل هذه الكلمات، بدأت تصرخ بجنون، فزعًا:
"هل تظن أن الأمر سينتهي هكذا؟ وتلك الجثة؟"
لكن سامح، بغضبٍ شديد، رد:
"قلت لكِ، سأتولي الأمر بنفسي"
وما هي إلا لحظات حتى انهارت والدة سامح بالبكاء على ما يبدو، بينما كان هو يصعد إلى الأعلى، ثم يعود وهو يحمل جثة الطفلة الصغيرة
والدة سامح، بصوت مرعوب، سألته:
"إلى أين تأخذها؟"
أجاب سامح دون أن يهتز له جفن:
"سأدفنها في الحديقة ولن يعلم أحد عنها شيئًا"
كانت كلماتها تخرج بصعوبة من فمها:
"ماذا؟ هل تريد دفنها هنا في منزلي؟"
أجاب، متحاملًا على صوته:
"هل تريدين أن انتظر والدتها لتأتي بالشرطة إلى منزلي؟"
كان قلبها يكاد يقفز من صدرها، لكن خوفها أكبر من أن ينطق بكلمات أخرى، فهزت رأسها بلا حول ولا قوة ثم ترك سامح والدته تصرخ وتنازع نفسها بينما أخذ جثة الطفلة وخرج بها إلى الحديقة الخلفية
ذهب سامح إلى جانب المزرعة، حفر الأرض بيديه، وألقى بالجثة هناك ثم أشعل النار في جسدها حتى تفحمت، ليتمكن من دفنها في قبر ضيق بيديه، دون أن يترك أي أثر لما فعله
لكن ما إن انتهى، حتى شعرت بشيء يثير الرعب في صدري كانت الطفلة الصغيرة قد ظهرت خلفي، ولكن لم تكن كما كانت من قبل كان وجهها مشوهًا، كأنما تعرضت لحرق رهيب عيونها كانت مليئة بالحزن، ولكن في نظرتها كان هناك شيء آخر، شيء لا يمكن تحمله كان حزنها يتحول إلى غضب، وكأنها كانت تبحث عن شيء مفقود، شيء أخطر كانت تبحث عن حقها المفقود، الذي لن يسمح لها أحد بالتحقق منه
كانت يدي ترتجف، وعقلي يكاد ينفجر من التوتر والضغط النفسي ما كنت أراه لم يكن مجرد خيال، كان كابوسًا حيًّا كان يتجسد أمامي
ينما كانت الطفلة تقف خلفي، لم يكن الأمر مجرد رؤية شبحية كانت هناك قوة في عينيها المليئة بالدموع، لكن هذا الحزن قد تحول الآن إلى رغبة لا تُحتمل في الانتقام شعرت بشيء ثقيل يضغط على صدري، وكأنني كنت أستعد للاقتراب من الهاوية صمت المكان، ولكن كان الصوت الوحيد الذي أسمعه هو صوت دقات قلبي المتسارعة كان كل شيء من حولي يتلاشى في عتمة غريبة، وكأن المكان نفسه أصبح جزءًا من هذا الكابوس المتواصل
كنت أرى الطفلة الآن عن كثب، ووجهها المحترق يُظهر لي ألمًا يفوق ما يمكن أن يتخيله عقل بشري لم تكن تلك الطفلة البريئة التي عرفتها، بل كانت تجسدًا حقيقيًا للغضب، للظلم الذي لحق بها، وللروح التي لا يمكن أن تظل هادئة بعد أن تعرضت لهذا الرعب كان جسدها النحيل يتناثر في الهواء بشكل غريب، وكأنها كانت تطفو فوق الأرض، تختفي وتظهر في نفس اللحظة

في تلك اللحظات، شعرت بالهواء يصبح أكثر كثافة، ثقيلًا كما لو أن العالم من حولي كان يوشك على الانهيار فجأة، دوى صوت حاد من وراء أذني، صوت يشبه الهمسات، ولكنه كان أقوى بكثير كانت تلك همسات الأموات، أولئك الذين عاشوا في هذا المكان، أموات لا يزالون يحكمون قبضتهم على كل شيء هنا بدأت الأرض تحت قدمي ترتجف، والمكان بدأ يشع بحرارة غير طبيعية، وكأن هذه الجدران كانت تستعد لابتلاعنا جميعًا
صرختُ بأعلى صوتي، لكن صوتي بدا وكأنه يُبتلع في الزمان والمكان لم يكن لي وجود هنا سوى كظل عابر في هذا الكابوس اللامتناهي فجأة، انبعث صوت من بعيد، صوت سامح، وهو يقترب بخطواته الثقيلة كان يسير وكأن شيئًا لا يوقفه، وكان صوته يعبق بالقسوة
ثم، وكأن كل شيء قد انتهى في تلك اللحظة، غمر المكان صمت مرعب كان الهواء مليئًا بالروح الحانقة، والظلام يبتلع كل شيء وكان كل شيء على وشك الانهيار عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية

تعليقات