رواية ليل و لعنة الزمن الفصل الثاني عشر 12 - بقلم فريدة عبدالرحمن
كانت واقفة قدّام البوابة…
شكلها مرآة، بس مفيش انعكاس.
سطحها ساكن… بس كأنه بيتنفس.
ليل مدّت إيدها، وهي مش واعية ليه.
وصوابعها لسه ما لمستش السطح، لما البوابة اتبدلت.
الضوء اللي فيها اتشوّه…
وبعدين شدّها.
صرخة صغيرة خرجت منها، والكل حاول يتحرك،
بس كانت اختفت…
في لحظة.
الجناح سكت.
الشعلة اللي في إيد ريان ترجّت.
زمردة قالت بصدمة:
– البوابة… اختارتها.
أويس بجنون وخوف عليها:
– ماذا… ماذااا؟ ليللل!!
ولسه بيجري ناحيـة البوابة،
ريان حاوطه بسرعة، بصوت عالي مرتجف:
– توقّف! توقّففف يا أويس!!
أويس بيحاول يفلت، عينيه مش شايفة غير المرآة:
– ليل! يا ريان… ليل دخلت جواها!
ريان مسك فيه أقوى، صوته حزين بس حاسم:
– اهداا… هنتصرف، هنتصرف! بس لو دخلت وراك، مش هنقدر نرجّعكم لتنين!
زمردة بسرعة، وهي بتلف وسط الرفوف القديمة:
– الكتاب! هاتوا الكتاب اللي كان مع جدتي!
يمكن في وسيلة… يمكن نقدر نوصلها بيه!
يُمنى جريت:
– حاضر! ثواني!
المكان كله بقى مشدود…
البوابة لسه واقفة في نصّ الغرفة،
لكن بدأت تطلع منها نبضات خفيفة…
زي دقّات قلب غريب، ما بيدقّش في عالمهم.
ليل فتحت عينيها…
ما كانتش فاكرة هي فين، بس الأرض تحتها ما كانتش أرض.
كانت ضباب… أو دخان جامد ماسكها كأنها واقفة على حاجة مش موجودة.
كل حاجة حواليها… سكون.
الهوى ما بيتحرّكش، السما مش موجودة، واللون الوحيد هو رمادي مائل للزرقة… لون البرد والنسيان.
خطوة.
رجليها سمعت صوت خافت تحتها… وكأن الضباب نفسه بيتألم.
همست لنفسها:
– ده... فين؟
أنا فين؟!
وفجأة…
نور خافت ظهر قدّامها،
وفي وسط النور، حد واقف… أو يمكن مش حد.
ظلّ طويل… ملامحه مش واضحة، بس عنيه موجودة… اتنين، لا… ثلاثة.
وصوت بيهمس من جواه:
– رحّبتي بلعنتك يا ليل…
دلوقتي، هتعرفي الحقيقة.
ليل رجعت خطوة، بس الضباب شبك في رجليها.
قالت بصوت مرتجف:
– إنت مين؟
الصوت كان حوالين عقلها، زي ما بيزحف جوا أفكارها.
صوت همس، خشن وغريب، كأنه جاي من ألف سنة:
– أنا جايلك…
إنتي، وأويس،
والمملكة كلها…
كلكم هتسقطوا…
في الوقت اللي أنا أختاره.
ضحكة بشر… بشر، بس مش كاملة.
ليل خدت نفس عميق… وقفت.
الضباب كان بيشدها، الأرض بتأن،
بس نظرتها ما اهتزتش.
قالت بثقة، وصوتها قطع السكون:
– لا أحد يقدر يهددنا…
إن كنت كيان… أو ظل… أو لعنة.
اظهر الآن.
الدنيا سكتت.
وبعدين…
الضباب اتفرّق فجأة.
والباب اللي وراها… فتح.
لكن اللي وراه ما كانش مجرد غرفة.
كان مشهد.
قصرها… بس مكسور.
الأرض متشققة، الحيطان بتنزف نور أحمر،
وأويس… واقف بعيد، غرقان في دم.
والظل وراها قال بهدوء شيطاني:
– دا مش مستقبل…
ولا ماضي.
دي الحقيقة… لو فشلتي.
ليل بصوت عالي، مليان نار:
– توقــــــف!!!
اللعنة عليك!!
ابتعد عنهممممم!!!
الصدى ارتدّ حواليها، وكأن الضباب نفسه انكمش.
الظل ضحك…
ضحك بشر.
بس الضحكة كانت فاضية…
كأنها فاكرة الإنسان… بس نسيه.
الصوت قال بهمس مشوّه:
– الغضب… هو أول باب.
---
🏰 نرجع لقصر أويس – قدّام بوابة المرآة:
الطقس بدأ.
زمردة رسمت الرمز في الأرض بالدم.
ريان واقف جمبها، عينه على البوابة،
ويُمنى بتجهّز الشمعة السودا، زي ما الكتاب بيقول.
أويس قاعد على ركبته، صوته مكسور، بس ثابت.
أويس بصوت عالي:
– إن كانت تسمعني…
ليل!
ارجعي!
زمردة بدأت تردّد:
– يا من علّقت بين الزمنين،
اسمعينا ولو مرة…
افتحي الباب، أو قولي كلمة،
قبل أن تنطفئ الشمعة.
الرمز في الأرض بدأ ينور…
دقّتين.
ثلاث.
فجــأة… المرآة ارتجّت.
سطحها بدأ يتحرك…
وظهر خيال بسيط… خيال بنت، من بعيد.
ريان قال بسرعة:
– إنها… هي!
أويس وقف، عينه بتدمع.
– ليل؟!!
المشهد – قدّام بوابة المرآة
السطح بيتحرّك، زي مية بتغلي في صمت.
الرمز بينور أكتر، ولأول مرة… ظهر وجه.
ليل.
كانت باينة جوا البوابة، واقفة في ضباب غريب،
ملامحها واضحة… لكنها مش شايفة حد.
كانت بتتحرك، بتزعق، بتصرخ.
إيدها ممدودة، وبتزعق على حد مش باين…
بتقول: "توقــــــف!! اللعنة عليك!! ابتعد عنهممممم!!!"
بس من برّه…
صوتها مش طالع.
زمردة بصوت مرعوب:
– إنها جوه! وبتواجهه… الوغد بدأ يظهر لها الحقيقة!
أويس فقد السيطرة… جري ناحيه البوابة، بيصرخ:
– ليــــــــــــل!!
أنا هناااا!!!
بصيلييييييي!!
أنا شايفكككك!!!
ريان حاول يمسكه:
– أويس، متدخلش! متتحركش!! ممكن البوابة تتقفل عليك!
أويس عنيه مليانة دموع، إيده على سطح المرآة،
صوته مكسور، بينادي من جواه:
– ليــــــل… لو شايفاني… بس بصيلي.
بصيلي يا جود قلبي…
لكن ليل…
كانت في عالم تاني.
شايفة كابوس، مش سامعة نداء الحب اللي بيترمي من بعيد.
زمردة قالت وهي بتقلب صفحات الكتاب بسرعة:
– لازم نعمل دفعة… لازم نوصل لها صوتنا أو نفتح البوابة بالكامل.
وفي اللحظة دي… سطح البوابة اتشق شق صغير…
وصوت خافت خرج.
كان صوت ليل… بس مش واضح.
زمردة شهقت:
– صوتها!! سمعناه!
داخل عالم البوابة –
ليل كانت لسه بتزعق بكل قوتها:
– توقــــــف!! اللعنة عليك! ابتعد عنهممم!!
لكن الضباب حوالينها اتكثّف فجأة…
وصوت الكائن رجع، أهدى… وأخطر.
– الغضب… بوابة.
لكن الحقيقة… عقاب.
وفجــــأة…
قوة خفية رفعت ليل من على الأرض.
مش بسرعة، لا… بهدوء مرعب.
جسمها بدأ يطلع لفوق، رجليها مش لامسة أي حاجة،
وشها بدأ يشحب، لونه يبهت، وعنيها تتسع كأنها شايفة الموت نفسه.
إيدها بتتحرك ببطء في الهوا،
بس مش قادرة تقاوم.
وصوت الكائن قرب وهمس:
– شوفي ما لا يُرى…
واحترقي بالصمت.
---
نرجع عند البوابة – في القصر:
سطح المرآة دلوقتي بدأ يعكس المشهد!
كلهم شافوا ليل…
مرفوعة في الهوا،
وشها أبيض زي الورق،
وشعرها بيطير حواليها،
لكنها ما بتتحركش… ما بتقاومش.
أويس صرخ بأعلى صوته:
– ليــــــــــل!! لأااااا!!!
ريان اتحرك فورًا:
– زمردة! افتحي البوابة بالكامل!! دلوقتي!!
زمردة بتقلب الكتاب بجنون، إيدها بترتعش:
– أنا بحاول! الطقس ناقص حاجة… حاجة أخيرة!
يُمنى صرخت:
– هي هتموت جواها!!!
ليل ما زالت معلّقة في الهوا.
الضباب بيلف حواليها زي أفعى…
كل نفس بتاخده بيكلفها روح.
لكن وسط الخنقة…
كلمتها خرجت حادة، موجوعة، ومليانة تحدّي:
– إنت جبان…
خايف تظهر قدامي،
فبتستعمل قوتك… وإنت متخفييييي!!
صوت صدى، ضحكة بشر مش كاملة.
الجو حوالينها ارتعش، كأن الظل اتحرك…
لكن ما اقتربش.
الصوت قال بهدوء تقيل:
– لن أظهر الآن… يا ليل.
لأنك… مش مستعدة.
لا تحاولي.
الصوت بدأ يدوّي جوا عقلها، بصوتها هي… وبصوت أويس… وبصوت زمردة.
**– لن تستطيعي
– لن تنجحي
– لن تنقذي
أويس صرخ بكل ما فيه، صوته خرج من جوه قلبه:
– لييييييييللللللللل!!!
---
في عالم البوابة –
ليل كانت لسه معلقة، ضعيفة، عينيها بتدور…
بس فجأة…
رفعت راسها.
نفسها اتهزّ،
وعينيها اتسعت.
بهمس طالع من بين الشفاه المرتجفة:
– أويس…؟
الصوت اللي حوالينها سكت لحظة.
---
في القصر – عند البوابة:
زمردة شهقت، وصرخت وهي بتشاور على البوابة:
– أويس!! أويس!!!
نادي تاني!! ليل سمعتك!!
أويس قرب من البوابة، مسك الرمز المرسوم بالدم، عينه ما سابتش وجه ليل:
– ليللللل!!!
متخافيش!!
أنا معاكي!! أنا شايفك!!
ارجعي…
ارجعيلي دلوقتي!
---
داخل البوابة –
الضباب اتشق، والظل حوالين ليل بدأ يهتز.
كأن في حاجة أقوى منه بدأت تخترق الحاجز.
ليل بدأت تتحرك بإيدها ببطء…
وشها لسه باهت، لكن في لمعة رجعت لعينيها.
صوت الكائن خرج غاضب:
– لاااا…
ما زال الوقت مبكرًا.
ما كان يجب أن تسمعيه!
والضباب بدأ يلف من تاني… لكن الضوء… الضوء كان بيزيد.
نور ذهبي بدأ يخرج من تحت ليل، ويمتد ناحية البوابة.
في عالم البوابة –
النور كان بيزيد حواليها، كأن صوت أويس بيخترق كل جدار وكل لعنة.
الضباب بدأ ينهار، والظل يصرخ:
– لاااااااااا!!!
ما خلصتش الرؤية بعد!
لسه ما شافِتش الحقيقة كاملة!!
لكن ليل كانت خلاص فاقت.
إيديها تحررت، والهوى بدأ يرجّ حواليها.
بصّت لقدّامها، وقالت بصوت واثق لأول مرة:
– أنا شوفت كفاية.
ودلوقتي… هرجع.
فتحت إيديها… والنور انفجر.
---
في القصر – قدّام بوابة المرآة
الرمز على الأرض اشتعل بنور أبيض نقي.
زمردة اتراجعت، ويُمنى غطّت عينيها.
أويس واقف… مش بيتحرّك.
عينه على البوابة، وقلبه متعلق بالنقطة اللي ظهر فيها النور.
وفجــــأة…
سطح المرآة انشق، بقوة صوت!
رياح خرجت، الكتب طارت، الشموع اتطفت…
وفي وسط الغبار والنور… ظهرت.
ليل.
وقعت على الأرض قدامهم، بصوت مكتوم،
وفستانها متغطي ببقايا ضباب،
لكن عينيها مفتوحة… وبتدور على حد.
أويس جري عليها فورًا، حضنها من غير ما يتكلم،
وهي همست، بصوت خفيف…
– أنا جيت…
متأخرة شوية،
بس جيت.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (ليل و لعنة الزمن) اسم الرواية