رواية احفاد المحمدي الفصل الثاني عشر 12 - بقلم سارة ياسر

   

رواية احفاد المحمدي الفصل الثاني عشر 12 - بقلم سارة ياسر

الفصل ال١٢
          
                
توتر الجو فجأة، كل شخص في الغرفة شعر أن الكلام يحمل ما هو أبعد من مجرد زواج... وكأن هناك أسرارًا ما زالت تحت السطح، تنتظر اللحظة المناسبة للظهور.



وفي وسط هذا التوتر... رنّ هاتف "رأفت"، نظر إليه للحظات، ثم شحب وجهه فجأة.



قال بصوت مشدوه:
– "دي... دي من رقم غريب... واسم المتصل: هالة الشريف."



تحدث محمد بجدية: "أظن إن الوقت جه يا رأفت... لازم نكشف كل حاجة... كفاية صمت السنين."



"رأفت" مال برأسه للأسفل كأنه يحمل ثقل عمر كامل، بينما البنات نظروا لبعضهم بذهول... و"ياسين" عقد حاجبيه، ينتظر الكلام بفارغ الصبر.



تابع "محمد": – "من ٢٥ سنة... ابني الكبير، حاتم المحمدي، حب بنت من عيلة شريفة... كانت أخت هالة، اسمها صفية، وكان حبهم أكبر من كل رفض بين العيلتين وقتها."



نظرت "ملك" بصدمة وقالت: – "يعني... صفية؟ ماما قالت اسمها مرة وهي بتحكيلنا عن العيلة... بس ماكنّاش نعرف..."



هز الجد رأسه بالإيجاب وأكمل: – "حاتم و صفية اتجوزوا رغم كل شيء، وخلفوا ولد... آسر. وكان أعز ما أملك بعد أبوه. لكن الموت كان أسرع..."



همست "سلمى" بصدمة: – "آسر... حفيدك؟"



التفت "آسر" بذهول نحو الجد، وعيناه تمتلئان بالدموع، صوته خرج مهموسًا: – "أنا؟... أنا واحد منكم؟"



رد "محمد" بصوت خافت لكن حاسم: – "أيوه، يا ابني... انت ابن ابني حاتم، وحفيد المحمدي زيك زي ياسين ومراد وزين وجاسر."



اشتعل المكان بهمهمات متقطعة، والجدة "زينب" أمسكت يد آسر بحنان: – "كنت لسه صغير لما مات أبوك، وأمك خافت عليك، خدت بعضكم ومشيت... لكن قلبي ما نسيكش أبدًا."



سأل "جاسر" بحدة وهو يحدق في آسر: – "طب ليه ماقلتوناش؟ ليه كل السنين دي ساكتين؟"



تدخل "رأفت" بهدوء وقال: – "لأننا كنا بنحاول نحميه، نحمي أمه من اللي حصل... انتو ما تعرفوش الهجوم اللي اتعرضوا له بعد وفاة حاتم، كانوا عايزين يصفّوا حساباتهم مع صفية، لكن أنا وقفت... خدتهم عندي، وربيت آسر زي ابني."



هنا نهض آسر، وصوته كان يرتجف: – "أنا... طول عمري فاكر نفسي ماليش سند، كنت شايل هم أمي لوحدي، لكن دلوقتي... طلع ليا جد وجدة... وأربعة إخوات!"



نهض "ياسين" واقترب منه، ناظرًا إليه للحظات طويلة قبل أن يربت على كتفه بقوة: – "ولاد المحمدي عمرهم ما بيقفلوا الباب على أهلهم."




        
          
                
هنا تنفّست "ملك" بعمق، وقد بدت متأثرة بشدة، نظرتها لآسر امتلأت بالمشاعر المعقدة، بينما "ليلى" لم تستطع حبس دموعها، و"جودي" تمتمت: – "ده يفسر كل حاجة... نظرات الجد ليك، وليه كانوا دايمًا بيعاملوك زيهم بالظبط وقعدتك معاهم في القصر."



في هذه اللحظة، نهض "محمد" وقال بصوت مهيب: – "دلوقتي، العيلتين بقوا عيلة واحدة... وكل شيء قدام الكل... ما فيش أسرار تاني."



في نفس اللحظة، بعدما هدأت القلوب قليلًا...



تنحنح "محمد المحمدي" بهدوء، وسحب كرسيه ليجلس، ثم قال بصوت ثابت:



– "نرجع لموضوعنا الأساسي... الجواز."



انتفضت "ليلى" واقفة من مكانها وقالت بحدة:
– "إنتو لسه مصممين؟! بعد كل ده؟"



"محمد" رفع يده بهدوء، كأنه يطلب منها الصبر:
– "يا بنتي، إحنا ما فرضناش حاجة... إحنا بس فتحنا الباب."



ثم نظر إلى "رأفت"، كأنما يعطيه الكلمة، وقال:
– "إنت رأيك إيه، يا رأفت؟ هل شايف إن ده الصح؟"



"رأفت" نظر إلى بناته واحدة تلو الأخرى، عيناه كانت مليئة بالحيرة والقلق، ثم قال:
– "أنا راجل شفت الدنيا كويس... عارف إن الجواز مش بالعافية، لكن كمان مش دايمًا الحب بييجي قبل الجواز... ساعات بييجي بعده."



نظرت إليه "سلمى" باستغراب، وصوتها خرج ضعيفًا:
– "يعني... توافق؟ توافق إننا نتجوز ناس بالكاد نعرفهم؟"



"رأفت" اقترب منها، وضع يده على كتفها، وقال:
– "أنا مش هفرض عليكي، يا بنتي، لكن خليني أقولك حاجة... لو في رجالة تستحق الثقة، وتحميكم... يبقوا أحفاد المحمدي."



"جودي" قالت بتوتر:
– "طيب... إحنا لسه ماخدناش قرار."



"محمد" ابتسم بحكمة وقال:
– "خدوا وقتكم... يومين. بعدها ترجعوا تقولوا قراركم، سوا أو لأ. وكل قرار له تبعاته، وأنا واثق إنكم هتختاروا الصح."



"مراد" تمتم وهو يعقد ذراعيه:
– "وأنا واثق إن كل واحد فينا اختار صح."



ردت "ليلى" بحدة:
– "إنتو اخترتوا، بس احنا لسه."



"زين" قال بابتسامة هادئة لكنها تحمل تهديدًا مبطنًا:
– "اللي نختاره بيبقى ملكنا... واللي يرفض، يبقى ضدنا."



قالت "ملك" بنبرة مستقيمة وهي تنظر لآسر:
– "أنا... محتاجة أفكر، لكن دلوقتي مش هقدر أقول حاجة."



أما "سلمى"، فأخفضت عينيها قليلًا ثم قالت:
– "أنا كمان."



"محمد" أومأ برأسه وقال:
– "خلاص... نديكم وقت، لكن افتكروا... القرار المرة دي هيغيّر كل حاجة."




        
          
                
ثم التفت إلى الحضور جميعًا وقال:
– "دلوقتي الكل يرتاح، وبنات رأفت يقعدوا عندنا الليلة دي... نفتح صفحة جديدة، بالعيلة كلها."



بينما بدأت الأجواء تهدأ نسبيًا، تبادل "الشباب" النظرات، وفي عيونهم لمعة غامضة...
أما البنات، فتوجهوا إلى الداخل بخطوات مترددة، وقلب كل واحدة منهن يعجّ بأسئلة لا حصر لها.



**



في جناح البنات...



كان الصمت يملأ المكان، وكل واحدة غارقة في بحر أفكارها.



"سلمى" كانت واقفة قدام الشباك، عينيها على الحديقة المظلمة، وصوتها طلع بهدوء متوتر:
– "أنا مش فاهمة حاجة... بجد. كل ده كان مستخبي؟ إحنا كنا عايشين في جهل كامل عن أهلنا، عن العيلة، عن اللي حوالينا..."



"ليلى" جلست على طرف السرير، إيديها متشابكة قدامها وهي بتقول بنبرة فيها وجع:
– "وأكتر حاجة مضايقاني... إن بابا كان عارف وساكت. كان بيحمينا؟ ولا كان بيخبّي عننا؟"



"جودي" همست وهي جالسة على الأرض، ظهرها للحائط وعينيها واسعة:
– "يعني آسر مش غريب... ده ابن عمي؟ وحفيد جدي؟"



"ملك" كانت قاعدة على الكرسي، ووشها شاحب شوية، لكنها قالت فجأة بصوت واضح:
– "الموضوع مش بس عن الماضي... إحنا مطالبين ناخد قرار مصيري في يومين... نتجوز؟!"



سلمى التفتت بسرعة، وقالت:
– "إحنا مش لعبة! مش لازم نقبل بس علشان هما شايفين كده صح!"



ردت ليلى بقسوة وهي بتبص لها:
– "وأنا موافقة... بس برضو، مش قادر أنكر إني... حاسة بحاجة تجاه جاسر."



سكتوا كلهم فجأة، وكأنهم اتفاجئوا من اعترافها.



"جودي" قالت بخجل:
– "حتى أنا... زين بيخوف، بس... مش زي ما كنت فاكرة."



ملك بصوت منخفض:
– "أنا مش عارفة مشاعري... مش فاهمة آسر، بس... لما عرفت إنه من العيلة، حسيت بحاجة غريبة جوايا... دفء، أمان."



سلمى قالت بهدوء وهي ترجع تبص من الشباك:
– "أنا... ياسين صعب، جامد، بس لما بيبصلي... بحس إنه شايفني فعلاً. بس ده ميكفينيش."



سادت لحظة من الصمت مرة تانية...
ثم قالت ليلى:
– "بكرة هنقعد مع بعض، ونفكر... ونقرر سوا. حتى لو اتفرقنا في القرار، بس نكون واخدين قرار بإرادتنا."



هزت "ملك" رأسها:
– "أيوه... مش هينفع نتهرب. لازم نواجه."



"جودي" قالت وهي بتتنهّد:
– "طب يلا ننام؟ لو عرفنا ننام يعني..."



ضحكت "سلمى" بسخرية مريرة:
– "لأ، بس نحاول... يمكن الحلم يكون أوضح من الواقع."



وتسلل الليل الثقيل على البنات، وكل واحدة غرقانة في دوامة مشاعرها...
ما بين خوف من المجهول، وشعور خفي بالانجذاب، وقلق من الغد الذي يقترب بثقلٍ لا يُحتمل.



****



ساد الصمت مجددًا... لكن هذه المرة لم يكن صمت ارتباك أو خوف، بل صمت ثقيل، مشحون بالدهشة والرهبة... وكأن كل فرد في الغرفة يُعيد ترتيب حياته في لحظة.



نظرات كثيرة تلاقت... بين قلوب تبحث عن أمان، وأخرى تصارع الغضب، وثالثة لا تدري أين تنتمي بعد الآن.



لكن وسط كل ذلك، كان هناك شيء يتغيّر بهدوء... شيء يشبه المصير حين يبدأ في كتابة فصله الجديد.



فالعائلة الآن لم تعُد كما كانت... ولا أحد بعد الليلة، سيبقى كما كان.
 
تعليقات