رواية الجدران الناطقة الفصل الحادي عشر 11 - بقلم مريم عثمان
في صباح جديد، كانت آنا تبحث بجنون عن الحقيقة التي شعرت بها في الليلة الماضية، شيء ما كان مختبئًا خلف ذلك الحائط في آخر الممر، لكنها لم تكن متأكدة مما رأته
أنا واثقة لقد كان هنا، رأيت بابًا، لا يمكن أن أكون قد تخيلت ذلك تمتمت آنا وهي تمرر أصابعها المرتجفة على الجدار
من خلفها، جاء صوت والدتها ماريانا، ممزوجًا بالتعب والضيق: هل بدأتِ تتحدثين مع نفسك الآن؟ كفي عن هذه التفاهات وتعالي لمساعدتي
آنا زفرت بضيق، ثم صرخت: حاضر، أمي، قادمة
في المطبخ، كانت ماريانا منهمكة في تحضير الطعام، تقطع الخضار بضجر، وعقلها مثقل بقلقها تجاه تصرفات آنا الغريبة هذه الفتاة ستفقدني صوابي ذات يوم تمتمت لنفسها وهي تهز رأسها بيأس
أما آنا، فلم تستطع تجاهل إحساسها بأن هناك سرًا خلف ذلك الجدار بدأت تطرق عليه بأناملها برفق، ثم فجأة، ضغطت على نقطة ما دون قصد، لتدور الألواح الخشبية فجأة، ويُسحب جسدها إلى الداخل، لتجد نفسها وسط غرفة مظلمة مهجورة، يملؤها الغبار، وأطياف العناكب تنسج خيوطها في كل زاوية
يا إلهي كنتُ على حق همست وهي تسعل بقوة، تحاول دفع الغبار عن وجهها
أخرجت هاتفها بسرعة، وأضاءت الفلاش، تتفحص المكان بعناية الأوراق الممزقة متناثرة، أدراج مكسورة، ورائحة رطوبة كريهة تملأ المكان
لكن قبل أن تخطو خطوة أخرى، دوى صراخٌ حاد في أرجاء المنزل، كان صراخ والدتها
آنااااااااا
تجمد الدم في عروقها، سقط الهاتف من يدها، واندفعت بجنون نحو الحائط، تحاول فتحه مرة أخرى، لكن الباب السري لم يستجب
لا افتح افتح أيها اللعين صرخت وهي تضرب الجدار بقوة، لكن لا جدوى
وفجأة، سمعت صوت والدتها يصرخ بكلمات غامضة، صوتها مختنق، ممزوج بالهلع: الندّاهة الندّاهة
ثم، ومن العدم، انفجرت ألسنة اللهب في المطبخ، خرجت النيران بجنون، كأنها يدٌ شيطانية امتدت من الجحيم، تضرب كل شيء في طريقها
لاااااااااا
الزلازل ضربت الأرض، الأواني تناثرت، الجدران بدأت تتشقق، والدخان الأسود الكثيف تزاحم، يلتف حول المطبخ كسحابة جهنمية
في الداخل، كانت ماريانا تحترق
جسدها التوى، لهيب أزرق غريب التصق بملابسها، صرخاتها كانت تزلزل المنزل، لكنها لم تكن مجرد صرخات ألم كان هناك شيء آخر، شيء مخيف، كأنها كانت ترى شيئًا خلف النيران
أما آنا، فقد كانت عالقة خلف الجدار السري، تحاول أن تفعل أي شيء، أي شيء لتنقذ والدتها
لكن فجأة، انفتح الباب، دفعت نفسها خارجه بقوة، لتجد المنزل يعج برجال الإطفاء، النيران كانت في كل مكان، وصوت فرقعة الأخشاب المحترقة يطغى على كل شيء
أمي أمي صرخت آنا وهي تحاول الركض نحو المطبخ، لكن أحد رجال الإطفاء أمسك بها بقوة
لا يمكنك الدخول النيران تحيط بكل شيء صرخ الرجل
لكن آنا لم تكن ترى شيئًا سوى صورة والدتها، تحترق وهي تصرخ باسمها
أرجوك أمي في الداخل أمي هناك كانت تتوسل، تتخبط، تبكي بحرقة، لكن لا أحد يستطيع مساعدتها
وبعد دقائق ثقيلة كالجحيم، هدأت النيران أخيرًا، لكن الثمن كان فادحًا
من باب المطبخ، خرج المسعفون وهم يحملون كيسًا أسود
توقفت أنفاس آنا، ساقاها لم تعودا تحملانها، نظرت إلى الحامل، إلى ذلك الجسد المتفحم، ملامحه لم تعد واضحة لكنه كان بلا شك
أمـــــي
صرخت بكل ما أوتيت من روح، سقطت على ركبتيها، صوتها تمزق من شدة الألم، لكنها لم تكن قادرة على الحراك
وقبل أن يغشى عليها من شدة الصدمة، رأت شيئًا جعل الدماء تتجمد في عروقها
سراب الفتاة الصغيرة
كانت تقف هناك، عند باب المنزل، تراقبها بعينين خاليتين من الحياة، ثم استدارت، واختفت في الظلام
كانت ليلة مظلمة، ثقيلة كالكابوس، وعقل آنا عالق بين الصدمة والجنون منزلها أصبح كومة من الرماد، والدتها لم تعد سوى جثة متفحمة، وأطياف الرعب تتلاعب بعقلها المنهار
في المشرحة، حيث يرقد جسد والدتها، وقفت آنا ترتجف، ترفض تصديق ما تراه عيناها
لا ليست أمي هذا ليس حقيقيًا
مدّت يدها المرتعشة، كشفت الغطاء عن الجثة المتفحمة، وما رأته جعل معدتها تنقلب، عيناها اتسعتا برعب مطلق
وجه والدتها لم يكن كما هو كان مشوهًا، ممسوخًا، ملامحها تحولت إلى كيان غريب، عيناها جاحظتان، فمها مفتوح كأنها ماتت وهي تصرخ من شيء رأته قبل أن تلتهمها النيران
وفجأة، تحرك الفم
آآآآآآآآنااااا
تجمدت أطرافها، جسدها تصلب، ولم تستطع حتى الصراخ، فقط تراجعت إلى الخلف بعينين جاحظتين، تراقب الجثة وهي تنتفض للحظة، قبل أن تهدأ مجددًا
لقد تخيلت نعم، هذا مجرد وهم تمتمت وهي تحاول التقاط أنفاسها، لكنها شعرت أن هناك من يراقبها التفتت سريعًا، وجدت الطبيب الشرعي يحدق بها بعيون غريبة، كأنها لم تكن بشرية، كأنها مليئة بشيء أشد سوادًا من الموت نفسه
أمك لم تحترق بسبب النار فقط قال بصوت بارد، مخيف
حدقت به آنا، نبضها يتسارع، وكأن روحها على وشك مغادرة جسدها م-ماذا؟
اقترب الطبيب منها، همس في أذنها بشيء جعل دمها يتجمد في عروقها: لقد أخذتها الندّاهة
شهقت آنا، وتراجعت إلى الخلف، لكن قبل أن تنطق بكلمة، انطفأت الأضواء فجأة، والمشرحة غرقت في ظلام دامس
لم يكن هناك سوى صوت واحد
آآآآآآناااااا
لكن هذه المرة، الصوت لم يكن قادمًا من الطبيب، بل من الجثة
والجثة كانت تتحرك
ارتفع جسد والدتها ببطء، كأن شيئًا غير مرئي يجرها من الأعماق، رأسها مائل إلى الجانب، عظامها تصدر أصوات طقطقة مخيفة، ثم فجأة، فتحت عينيها المحروقتين ونظرت إليها مباشرة
أنقذيني آنااااااااا
انهارت آنا على الأرض، جسدها أصيب بالشلل، ولم تستطع حتى الصراخ
ثم، في لحظة خاطفة، انقضت الجثة عليها
لِمَ لَمْ تُنقِذينييييييييي؟
كانت أظافرها المتفحمة تغرز في رقبة آنا، وألم مميت اجتاح جسدها، شعرت وكأن أنفاسها تُسحب، كأن شيئًا يسلب روحها بالقوة
لكن فجأة، تلاشى كل شيء
استفاقت آنا وهي تصرخ، لتجد نفسها على سريرها، غارقة في العرق، قلبها يكاد يقفز من صدرها
حلم كان مجرد حلم تمتمت وهي تلهث، تحاول التقاط أنفاسها
لكن ما لم تنتبه إليه، هو أن يديها كانت مليئة بخدوش عميقة
وخارج نافذتها، كان هناك ظل طويل يراقبها بصمت، ينتظر عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية