رواية لم يبقى لنا الا الوداع الفصل العاشر 10 - بقلم منى احمد
(10) كيد مرودو.
ولجت منار إلى منزلها بجسد منتفض ووجه شاحب واستندت إلى باب مسكنها مغمضة العين لا تصدق رؤيتها لتلك الكراهية بعينه بل وأحستها منه والتي جعلتها حتى اللحظة تتساءل من منهما الضحية ومن الجلاد كي ينظر إليها وكأنها هي من قامت بخيانته وليس العكس، لم تنتبه منار في خضم خوفها الأعين التي حدقت بها بقلق فَفتحت عينيها فجأة بعدما أحست بأن هناك من ينظر إليها لِتتفاجأ بِشقيقتها عفاف تجلس وبِجوراها أخوتها، فكان أوان إخفاء ذعرها قد فات حين هبوا على أقدامهم وسارعوا إليها مخطفين إياها بين أذرعهم ليشكلوا حولها درعًا أذهب روعها عنها وجعل أنفاسها تهدأ ودموعها تتريث، وتلاقت عينا منار بعين عفاف لِوهلة أحست بعين والدتها تتفحصها فارتمت بين ذراعيها تنشد اشتمام رائحتها فيها وأغمضت عينها وسردت بصوت ممزق ما حدث لها وما مرت به على سمعهم جميعًا، وبِالخارج وقف شُهدي بأنفاس ثائرة ينصت إلى لوعة ابنته وهي تخبرهم بِمكنون صدرها فَأطرق لثوان استدار بعدها وغادر وقد عزم على حماية ابنته مهما كلفه الأمر.
وقف شُهدي أمام مؤسسة علام يحدق بالبناية بوجه متجهم وتقدم نحو رجل الأمن وأردف:
- لو سمحت أنا عايز أقابل المهندس أمجد المُشير أو صاحب الشركة الدكتور علام.
ابتسم الرجل بمودة وأجابه:
- والله يا أستاذ للأسف المهندس أمجد مش موجود النهاردة والدكتور مالوش أي مواعيد، عمومًا حضرتك ممكن تدخل مكتب السكرتارية وهما يحددوا لك ميعاد.
ازداد تجهم شُهدي واتبع الإرشادات فَاستقبلته سميرة بابتسامة هادئة واستمعت إلى سؤاله وأجابته بهدوء:
- لو حضرتك عايز تقابل المهندس أمجد فَهو هَيكون موجود على الساعة خمسة، بالنسبة للدكتور علام فَحضرتك ممكن تسيب كامل بياناتك وهَنبعت للدكتور وهو اللي هَيحدد الميعاد بِنفسه وهنبلغك.
رفع شُهدي عينه وتطلع إلى ساعة الحائط أمامه وزفر بضيق فما زال الوقت مُبكرًا على عودة أمجد وليس بيده شيء يفعله غير الانتظار، فَأومأ لها وجلس خارج مكتبها عازمًا على مقابلته.
ما أن صف أمجد سيارته أمام بوابة المؤسسة الرئيسية حتى صف سامر هو الآخر سيارته بِمواجهته وغادرها بوجه مُكفهر واتجه صوبه فَزم أمجد شفتيه وأشار إليه برأسه لِيتبعه، وما كاد أمجد يخطو نحو مكتبه حتى لمح شُهدي يجلس خارج مكتب السكرتارية فَعقد ما بين حاجبيه وكاد يتراجع لِمعرفته سبب وجود شُهدي فمن المؤكد أنه جاء لِمواجهته ومنعه من ملاحقة ابنته، لِيقطع سامر عليه طريق العودة في اللحظة نفسها التي رآه شُهدي فيها فَوقف بوجه عابس ينذر بالشر واتجه نحوه وواجهه قائلًا بحدة:
- تحب نتكلم هنا يا بشمهندس ونخلي اللي ما يشتري يتفرج ولا نتكلم برا أحسن.
تلفت أمجد حوله بقلق وأشار لِشُهدي بِمرافقته إلى الخارج لِيمنعه من فضحه وتاه عنه وجود سامر الذي لم يشأ تفويت الفرصة بعدما نبأه حدسه أن ذلك الرجل على صلة وثيقة بمنار، وبالخارج وقف شُهدي بِملامح قدت من حجر يرمقه بنفور لِعلمه أنه لن يردعه عن ابنته إلا الخوف، الخوف من خسارة ما جمعه فَزفر شُهدي مُستجمعًا قواه وبادره بقوله:
- بص يا ابني أنا طول عمري بِعاملك بِما يرضي الله وكنت بِعتبرك زي أحمد ابني وفتحت لك بيتي وأمنتك على بناتي وكنت فاكرك هتصون العشرة والمعروف اللي بينا لكن أنت لفيت من ورا ضهري وشاغلت بنتي ووقعتها فحبك، ورغم كده سامحتك وأديتك فرصة تانية تثبت لي فيها حُسن نوياك ووافقت تخطب منار وتكتب كتابك عليها وقلت أنك أكيد راجل زي والدك الله يرحمه وهتحافظ عليها، لكن عرفت معاك إن القول حاجة والفعل حاجة تانية علشان القول للي شبهك بتوع مصلحتهم إنما الفعل للرجاله اللي أنت بعيد عنهم ولا تمت لهم بِصلة.
زفر أمجد بحدة ورمقه شذرًا فَرفع شُهدي حاجبه بتحدي وأستطرد قائلًا:
- على فكرة أنا مش هَخاف من نظرة الغضب دي ولا من المركز اللي وصلت له بالدحلبة والضحك على الدقون ولا كمان يفرق معايا العنجهية الكدابة اللي محاوط بيها نفسك، أنا جايلك راجل لراجل يا ابن المُشير وخلاصة قولي ليك أنك لو مشلتش منار من دماغك وسيبتها فِحالها وبعدت عنها أنا هَخليك تخسر الهيلمان اللي أنت عايش فيه وهَعمل اللي بناتي استحرموا أنهم يعملوه فيك وهَروح لحد بيتك وهفضحك قصاد حماك الدكتور ومراتك، ومش كده وبس لا دا أنا هفضحك فكل مكان حتى الجامعة وعلى النت وهَخلي أصغر عيل يبص لك باستحقار، فاتقي شر الحليم إذا غضب يا أمجد وأبعد عن طريق بنتي علشان مترجعش تندم وأحمد ربنا أني سيبتك تروح لحال سبيلك من غير ما أحاسبك على اللي عملته فبنتي ووجعك ليها وقهرتها وكسرة قلبها.
أنهى شُهدي قوله واستدار مُغادرًا وتابعه أمجد بعيون قاتمة وهو يلعنه واشاح بوجهه أخيرًا لِيصدمه وقوف سامر على مقربه منه يحدجه باشمئزاز، وقبل أن ينبث بكلمة غادره مُسرعًا بخطواته حتى لحق بِشُهدي وسار بجواره فالتفت شُهدي نحوه ونظر إليه بحيرة فابتسم سامر ومد يده نحوه وصافحه قائلًا:
- سامر عثمان مدير الشركة اللي بنت حضرتك بتشتغل فيها، كنت حابب اتكلم مع حضرتك فموضوع مهم فإيه رأيك لو نقعد فأي كافيه ونشرب القهوة سوا؟
---
"وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
ليته أدرك معناها وتدبره ولكنه طغى وافترى، فما أن ولج أمجد مكتبه حتى التقط هاتفه وضغط بضعة أزرار وحين أجابه الطرف الآخر بادره بقوله:
- عايزك تطرد شُهدي أبو منار من المصنع وتلبغ المعلم شكران يستغنى عن خدماته، وتجمع كل الديانة اللي شُهدي مديون لهم وتقولهم أني عايز أقابلهم ضروري.
أنهى أمجد محادثته وارتمى فوق مقعد مكتبه وأردف بكراهية:
- وماله أما نشوف هتاكل أنت وعيالك منين يا عم شُهدي، وأبقى وريني هتعمل إيه لما يقبضوا عليك بسبب إيصالات الأمانة اللي عليك.
وعلى الجانب الأخر جلس حمدان يحدق بهاتفه يحاول استيعاب كلمات أمجد، فهو حين لجأ إليه عدة مرات لم يخيل إليه أنه سيطلب منه طرد شُهدي نظير مساعدته له، فهب على قدميه وسار نحو بوابة المدبغة فاستقبله شكران بالترحاب ولكنه ما أن وقع بصره عليه حتى سأله باهتمام عما أصابه، فجذبه حمدان بعيدًا عن السمع وقص عليه كل شيء.
توالت الأيام ثقيلة على شُهدي حتى مر أسبوع وهو يبحث عن عمل من مكان لمكان فبائت كل محاولاته بالفشل فعاد يجر أذيال الخيبة إلى منزله، بينما اتسعت ابتسامة أمجد ومراقبه يصف له المشهد فأمر بملازمة شُهدي كظله وأنهى الاتصال وسمح لسكرتيرة مكتبه بإدخال الرجال واستقبلهم بِكِبر وجلس أمامهم متفاخرًا بنفسه وبادرهم بعرضه فتبادلوا النظرات بحيرة حتى قطع أحدهم الصمت بقوله:
- يعني حضرتك عايز تدفع كل ديون شُهدي ونسلمك إيصالات الأمانة؟
أومأ أمجد تأكيدًا فزوى الرجل حاجبيه قائلًا:
- معلش يا بشمهندس بس أنا عندي فضول أعرف أنت هتستفاد إيه لما تدفع فلوس معودمة؟
لمعت عين أمجد بشماتة وأجابه بإيجاز:
- هستفاد كتير، المهم أنا مستني أسمع ردكم موافقين تسلموني إيصالات الأمانة وتاخدوا فلوسكم ولا لا؟
فجأة وبدون مقدمات ولج ضياء الغرفة وجال بعينه بين الحضور حتى حط بصره على أمجد الذي هب على قدميه واتجه صوبه مرحبًا فازاحه ضياء بإهمال وتجاوزه متخذًا مكانه على رأس الطاولة، فازدرد أمجد لعابه لِتصرفه الغريب واستدار مواجهًا الحضور وأردف بتردد:
- زي ما قلت لكم أنا هستنى ردكم ولو وافقتم هبعت لكم الفلـ...
ابتلع أمجد باقي كلمته حين فاجأه ضياء بقوله:
- ومين قالك إن في حد من الرجالة ممكن يوافق على عرضك يا بشمهندس؟
اضطربت ملامحه وزاغ بصره بين ملامح ضياء القاتمة ونظرات الأسف من ضيوفه، فردد بتلعثم:
- مـ ـش فـ ـافـ ـهـ ـم حـ حضرتك تقصد إيه؟
ضغط ضياء زرًا جانبيًا والتفت نحو الباب فاستدار أمجد بتوجس فصدمته رؤيته لشُهدي يلج إلى الداخل ويتبعه مراقبه، فتراجع بحيرة وأردف بحدة:
- أنت إيه اللي جابك هنا؟
هز شُهدي رأسه بأسف واتجه صوب ضياء وصافحه قائلًا:
- أنا مش عارف أشكر حضرتك أزاي على معروفك معايا أنا...
منعه ضياء من إكمال قوله رابتًا كتفه برفق ومردفًا:
- متقولش حاجة يا راجل يا طيب وبعدين أنا معملتش أي حاجة، والفضل بعد ربنا يرجع للمعلم حمدان اللي ربنا بعته ليا نجدة من السما علشان يفتح عيني على حقيقة البني آدم دا.
شحب وجه أمجد ما أن أنهى ضياء قوله وأدرك أنه كُشف أمامه وخسر كل شيء ولم يعد له مكان، وتابع مغادرة الرجال واحدًا تلو الأخر بقلق في اللحظة نفسها التي اتجه ضياء نحوه ووقف بمواجهته مُردفًا:
- أنا مش عايز أعرف أنت ليه عملت كده، أنا بس عايز أعرف ليان بنتي ذنبها إيه علشان تخدعها وتغشها وتكسرها بالشكل دا، بنتي عملت لك إيه وحش علشان يكون جزائها الغدر.
أطرق ضياء رأسه بحزن فاتجه شُهدي نحوه وأردف:
- لا بنتي ولا بنتك كان ليهم ذنب، والذنب ذنب طمعه اللي خلاه يفتكر أنه يقدر ياخد كل حاجة من الدنيا، فقرر ياخد المال والجاه والنفوذ لما يتجوز بنتك وياخد القناعة والزوجة اللي تسهر على راحته لما يتجوز بنتي.
رفع ضياء رأسه ونظر إليه وأردف:
- أنا لحد دلوقتي مش قادر أواجه ليان بالحقيقة وسيبها عايشة معاه على عماها، ومش عارف لو عرفت أني أنا اللي بعتها للبني آدم الخسيس دا هتعمل إيه، أنا مرعوب يا حج شُهدي وخايف عليها ليحصل لها حاجة، بنتي على قد ما تبان قوية وصريحة وبتوصل لهدفها على قد ما هي حساسة وهشة وبتنكسر من أقل حاجة.
أحس شُهدي بالعجز أمام ضياء فقد هزمته دموعه وكربه، بينما لزم أمجد مكانه لا يدري لِما يقف هكذا دون حراك وكأنه كائن بلا حول أو قوة، ليصدمه ضياء بقوله:
- للأسف أنا مش بأيدي أي حاجة أعملها فالوقت الحالي ومجبر أسكت ومتكلمش واتحمل وجود البني آدم دا علشان خاطر ليان اللي لو عرفت الحقيقة ممكن يجرى لها حاجة خصوصًا بعد ما الدكتورة كلمتني وقالت إن حملها حرج وأي أنفعال خطر عليها.
حاول أمجد الذي استمع إلى كلمات ضياء استمالته ولكنه صد محاولته هادرًا به بغضب:
- أنت تخرس وإياك تفتكر إنك لوي دراعي بتعب بنتي ولا ماسك عليا ذلة ولا تقول فنفسك أنك تقدر تبتذني، لا يا أمجد فوق وشوف أنت واقف قصاد مين أنا ضياء علام وبكلمة مني أرميك ورا الشمس وأسجنك، ولازم تعرف إن اللي رحمك من انتقامي ومانعني عنك أني مخليك لحد ما ليان تشد حيلها وتولد وبعدها هطردك فالشارع اللي جيت منه وهعرفها حقيقتك وحقارتك، ومن دلوقتي لحد ما ليان تولد أنت كل المطلوب منك أنك تبقى أراجوز فحياتها تفرحها وتسعدها وتكون خدام تحت رجلها وبس، وحط فعقلك إن لو خيالك وزك فمرة وفكرت أنك تلمح لها بأي حاجة ساعتها أنا همحيك من على وش الدنيا فاهم.
اتسعت عينا أمجد وأحس بالذلة أمامه والضعف فنظرات ضياء أكدت أنه قادر على تنفيذ تهديده وأنه لن يتردد بزجه في السجن إن أخطأ، فأومأ بخزي ليجهز عليه ضياء مُسددًا ضربة أخرى إلى كبريائه المزعوم بقوله:
- اعتبر نفسك فأجازة مفتوحة لحد ما ليان تولد وكل اللي هتقوله قصادها إنك اتفقت مع تلاتة مهندسين هيمسكوا الشغل علشان تفضى ليها وتراعيها بنفسك، دا بالنسبة للشغل أما منار بنت الحج شُهدي فأياك يا أمجد تحاول بس إنك ترفع عينك فيها مرة تانية ولا تقرب منها، منار خط احمر محظور عليك تجاوزه فاهم.
أطرق أمامه كعبدٍ ذليل لا يقوى على الرفض وحين أشار إليه بالإنصراف استجاب اتقاءًا للمزيد ليوقفه ضياء قبل تجاوزه باب المكتب قائلًا:
- على فكرة أنا قلت لليان إن الدكتورة أمرت بانفصالك عنها خلال فترة حملها حفاظًا على حياة البيبي، فياريت أول ما توصل البيت تنقل حاجتك وتنام بعيد عن بنتي وعلى فكرة أنا حطيت كاميرات مراقبة فكل شبر فالبيت فيا ريت تخلي بالك من تصرفاتك لإنها متراقبة ودلوقتي اتفضل وجودك معدش له أي لزوم.
---
بعد ساعات ولج شُهدي إلى مسكنه فوجد زوج ابنته الكبرى يجلس بجوارها بوجه متجهم فزم شفتيه واتجه إليه وصافحه وجلس بجواره وسأله عما به، فزفر عادل وأشار إلى غرفة ابنته قائلًا:
- عفاف منشفة دماغها يا عمي ومش عايزة تسمع كلامي وترجع معايا حتى بعد ما قلت لها إنها وحشت الولاد.
زفر عادل بيأس وهز رأسه باستسلام مُردفًا:
- أنا تعبت يا عمي ومبقتش عارف أراضي عفاف ولا أراضي والدتي، علشان كل واحدة فيهم شايفة إن التانية هتسرقني منها وكتير حاولت أوضح لهم أن كل واحدة ليها حب مختلف عن التانية جوايا ديروا وشهم عني، خصوصًا والدتي اللي اتكلمت معاها ودخلت خالي فالموضوع علشان يقعنها تفضل معاه، بس رفضت وياريتها رفضت وخلاص لا دي كل ما تشوف وشي تدعي عليا وتقول قلبي وربي غضبانين عليك يا عادل، فدلني يا عمي أعمل إيه معاهم هما الاتنين علشان أرتاح واريحهم.
جال شُهدي بعينه فوق ملامح عادل المجهدة ولاحظ عينه التي أحاط بها السواد فمال نحو أذنه وأردف:
- عايز تسمع نصيحتي علشان ترتاح؟
أومأ عادل بلهفة كالغريق الذي وجد قشته، فابتسم شُهدي بمكر وأردف هامسًا:
- أخبط دماغ الاتنين فبعض وقول لهم أنك زهقت من الوضع وهتاخد الولاد وترجع لوحدك، وخد ولادك من الشقة وروح أقعد يومين فأي حته استجم وغير جو وأقفل موبايلك، وسيب الوساوس والخوف يعلمهم الدرس طالما الاتنين بيعاندوا فبعض على حسابك.
اتسعت عينا عادل بصدمة ليومئ في النهاية وقد تبدلت ملامحه كُليًا ووقف قائلًا:
- أنا هعمل بنصيحتك يا عمي وهاخد الولاد يومين عن إذنك.
ومن مكانه لمح شُهدي ابنته الصغرى فأشار إليها وأردف:
- عايز وكالة روتير تذيع إن أبيه عادل ناوي يرجع الكويت بالولاد لوحده وأنه قرر يريح دماغه ويسيب عفاف ووالدته هنا، دا غير أنه ناوي يروح شرم يقضي يومين استجام مع الولاد قبل ميعاد السفر، هَتعرفي ولا أشوف وكالة غيرك؟
تصنعت رنا الحزن لثوان سرعان ما ابتسمت وأجابته بثقة:
- اعتبره حصل يا والدي بس بشرط لا هو مش شرط هو تمن خدمات، لو أبيه عادل ناوي يروح شرم بجد توافق أني أروح معاه.
مد شُهدي يده وقرض أذنها قائلًا:
- بتساوميني يا رنا.
حاولت رنا تخفيف ضغطه على أذنها قائلة:
- مش بساومك يا والدي بالعكس دا أنا هساعدك على اللي أنت عايز تعمله فعفاف وهساعدك فموضوع سامر كمان.
ضربها بخفة خلف رأسها وأشار إليها بالذهاب فوقفت بعناد أمامه عاقدة لساعديها فلم يجد شُهدي غير الموافقة على طلبها فتهلل وجهها بالسعادة وقبلت وجنته قائلة:
- ربنا ميحرمكش مني أبدًا يا بابا.
وتم لِشُهدي ما يريد وزكت رنا نيران الغيرة يومًا تلو الآخر بقلب شقيقتها عفاف التي حاولت التماسك ولكنها لم تستطع، فزوجها قرر هجرها وما زاد الأمر سوءً عليها هو عدم مبالاة ابنائها وكأنهم سعداء بقرار والدهم بإقصائها عنهم، بتلك اللحظة ربتت منار كتفها وأردفت:
- بطلي تكابري وتعاندي فنفسك ومع جوزك وقومي روحي راضيه طالما مظلمكيش.
رفعت عفاف وجهها إليها وأردفت:
- وأنا عمري ما قلت إن عادي بيظلمني لكن وجود والدته وتدخلها فكل كبيرة وصغيرة خنقني يا منار دي مش بتسيب حاجة إلا وتسأل وتدخل وعايزة تمشينا على مزاجها وأنا تعبت أعيش حياتها هي على حساب حياتي.
تابعت منار حركات شقيقتها المضطربة وأردفت:
- عارفة يا عفاف أنتِ مشكلتك فين؟
حدقت عفاف بها بتساؤل فزفرت منار قائلة:
- مشكلتك أنك شيفاها عايزة تعيشك على مزاجها، علشان كده مش متقبلة أي حاجة منها وهي شايفة أنك أخدتي ابنها منها خصوصًا لما سافر وسابها، علشان كده كل واحدة فيكم شايفة التانية عدوتها على الرغم من إنك لو سألتي نفسك هتعملي إيه كمان كام سنة لما ولادك يكبروا وكل واحد يعيش حياته وتلاقي نفسك بعيد عنهم هتعرفي أنها ست فجأة لقت نفسها لوحدها بعد ما ولادها كل واحد بعد عنها والحياة سرقتهم منها.
أطرقت عفاف تفكر بكلمات شقيقتها لتنتبه لقولها:
- حبيها يا عفاف واتقبلي وجودها واحتضنيها واتعاملي معاها على أنها ماما وقتها هتلاقي حياتك بقت أسهل وأريح وكل واحدة بتكمل التانية علشان الحياة تمشي، وازرعي جوا ولادك أزاي يبروا بيكم ببرك بوالدة عادل.
غادرت منار غرفتها فوجدت والدها ينظر إليها سعيدًا فابتسمت بحرج وأردفت بهمس:
- عرفت تلعبها صح يا بابا عمومًا اطمن عفاف دقيقة وهتلاقيها راجعة تقعد مع حماتها وهتعرف تحتوي كل حاجة من تاني.
ربت شُهدي كتفها وقبل جبهتها قائلًا:
- طيب وأنتِ يا قلب بابا مش ناوية تطمني قلبي عليكِ؟
ازدردت منار لعابها لتخفي غصتها وابتسمت بزيف قائلة:
- ما أنا بحاول يا بابا عمومًا كلها سنة وأخلص وتشوف منار تانية خالص.
جذبها شُهدي لتجلس بجواره وأردف:
- أنا عارف أنك لسه موجوعة يا بنتي ومش عارفة تتأقلمي على الحياة من غيره بس هو...
وضعت منار يدها فوق شفتي والدها وأردفت:
- بابا أرجوك متجبش سيرته ولا تتكلم عنه تاني حقيقي أنا مش متقبلة أسمع اسمه خصوصًا بعد ما عمو حمدان جالك وقالك على اللي عايز يعمله فيكِ ولولا أنه وعمو شكران والناس اللي ليها فلوس عندك عندهم ضمير كان زمانه أذيك.
انهمرت دموع منار ونكست رأسها بخزي وهتفت بلوعة:
- أنا لا يمكن كنت هسامح نفسي لو أمجد أذاك ولا مسك بسوء وصدقني من لحظة ما عرفت أنه كان بيخدعني وبيمثل عليا الحب وهو سقط من نظري ويمكن من قبلها من يوم ما عرفت أنه السبب فضياع الفرص مني علشان كان خايف من نجاحي وظهوري.
كفكف شُهدي دموعها وأردف:
- صدقيني يا بنتي البني آدم دا ميستحقش دمعة واحدة تنزل من عينك علشانه وربنا رحيم بيكِ أنه كشفه قبل ما تتورطي أكتر معاه ويا عالم لو كان اتجوزك كانت حياتك هتبقى شكلها إيه معاه.
أومأت منار قائلة:
- أنا بحمد ربنا ليل نهار وبصلي كل ليلة وبشكر ربنا أنه كشفه ورحمني من ابتلاءه.
أحاط شُهدي وجه ابنته وأردف:
- طب وسامر يا منار؟
هربت منار من ملاحقة عينه لها وأردفت:
- لسه بدري على أي خطوة يا بابا والمهندس سامر أنا بحترمه بس حاليًا هبقى بخدعه وبظلمه وبظلم نفسي لو قلت أني ممكن أقبل بيه فأرجوك أديني وقتي أنسى ووجعي يخف قبل ما أفكر فموضوع الارتباط وليك وعدي وكلمتي إني لو فأي وقت حسيت بأي مشاعر ناحيته أو ناحية أي حد تاني هتكون أول واحد أتكلم معاه حتى قبل ما أتكلم مع نفسي. عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية لم يبقى لنا الا الوداع" اضغط على اسم الرواية