رواية الجدران الناطقة الفصل العاشر 10 - بقلم مريم عثمان

 رواية الجدران الناطقة الفصل العاشر 10 - بقلم مريم عثمان

تقدّمت آنا ببطء إلى الغرفة، عيناها متسعتان، أنفاسها متقطعة، وجسدها يتشنج تحت وطأة الرعب الذي ينهش عقلها
ثم تجمدت في مكانها
المشهد أمامها كان جحيمًا حيًّا
الطفلة الصغيرة مرمية على الأرض، غارقة في بركة من الدماء، ملابسها ممزقة، جسدها الصغير مشوّه، ملامحها مطموسة بالرعب والألم
تسبح في بركة من الدماء وملابسها ممزقة ووجهها شاحب لقد إغصبها بعنف لا يمكن أن يتخيل أحد منظره
آنا شهقت، كتمت صرختها، لكنها شعرت برغبة في التقيؤ، أرادت أن تتحرك، أن تهرب، أن تفعل أي شيء لكن قدميها ظلّتا مغروستين بالأرض كأنهما جزء من هذا الجحيم
أما الرجل، فكان يتحرك ببرود، كأنه لم يرتكب أبشع جريمة يمكن لإنسان أن يقترفها نهض، لف منشفة حول خصره، واتجه نحو الحمام كأن شيئًا لم يكن، كأن جسد الطفلة الممزق لم يكن سوى قطعة أثاث مهملة
ثم دوّى صوت صراخ مفزع في الممر
ياسمينا أين أنتِ؟
كانت المرأة تهرول عبر الممر، صوتها يرتجف بالقلق، دقات خطواتها تهزّ الأرض تحتها، وحين وصلت إلى الغرفة، وقفت للحظات مذهولة أمام المشهد المريع، ثم اندفعت كالمجنونة نحو ابنتها، سقطت على ركب
توقفت المرأة عند الباب للحظات، عيناها اتسعتا في صدمة مرعبة، ثم انطلقت كالمجنونة نحو جسد ابنتها الصغير الملقى وسط بقعة داكنة من الدماء ركعت، أمسكت بها، وهزتها بعنف، وكأنها تحاول إعادتها للحياة بالقوة
ياسمينا ياسميناااااا افتحي عينيكِ يا روحي
لكن الطفلة لم تتحرك، لم تجب، لم تنطق سوى أنفاس واهنة متقطعة، ونظرة ميتة معلقة بالسقف
بشفاه مرتجفة، همست الطفلة بصوت مخنوق، بالكاد يُسمع:
ماما
ثم غادرت الحياة
انطلقت صرخة المرأة ممزقة جدران المكان، صرخة لم تكن مجرد ألم، بل كانت انتحارًا للحياة داخلها، ذبحًا للروح، وكأن الموت اقتلعها مع ابنتها
لكن القاتل لم يتحرك
خرج من الحمام، جسده عارٍ إلا من المنشفة، مسح قطرات الماء عن شعره وهو يتثاءب بملل، ثم ألقى نظرة على المشهد كما لو كان يراقب حشرة تُسحق تحت قدمه
قال ببرود: لماذا كل هذا الصراخ؟
قتلتها لقد قتلت ابنتي يا وحش سأقتلك
كانت المرأة تهتز بالغضب، وجهها غارق في الدموع، لكن عينيها كانتا متوهجتين بجنون الانتقام في لحظة يأس، استلت سكينًا من صحن الفاكهة بجانبها، وانطلقت نحوه بسرعة البرق، لكن قبل أن تصل، كان قد أمسك بمعصمها بقوة، التوى السكين من يدها، ولفها بين ذراعيه كأنها دمية مهترئة، حتى شعرت بأن عظامها تكاد تتحطم تحت قبضته
وضع السكين على رقبتها وهمس بغلظة:
إن سمعت صوتك مرة أخرى، سأجعلكِ تتمنين لو متِّ بنفس الطريقة
ارتجفت المرأة، لكن عيناها كانتا تفيض بالكراهية والقهر
قالت بصوت مخنوق بين أنياب يأسها: إنها طفلة قتلت طفلة يا ابن الشيطان
ابتسم ببرود، وهو ينظر إلى السكين التي تقطر دمًا:
لا تلوميني، بل لومي نفسكِ لماذا تركتها هنا؟
صاحت المرأة: كنتُ أثق بك
قهقه ضاحكًا، رمى رأسه للخلف وقال بسخرية خبيثة:
الثقة؟ في أي زمن تعيشين يا غبية؟ أنا لم أفعل شيئًا، أنتي من جلبتِها إليّ بيديكِ، والآن تودين الصراخ؟
انتفضت المرأة بجنون، حاولت الفكاك من قبضته، لكنها كانت ضعيفة أمام قوته الوحشية
قالت بصوت مختنق بالكراهية: سأسجنك، سآخذ روحك العفنة إلى الجحيم
تأملها الرجل للحظة، ثم ابتسم ابتسامة أكثر حقارة، ورفع حاجبيه باستفزاز:
أوه حسنًا، أثبتي ذلك
ثم أطلق قنبلته القاتلة:
هل نسيتي أن ابنتك لها أخ مدمن؟ أعني تخيّلي لو أخبرتهم أنه دخل إلى هنا وهو في حالة سُكر، فقد السيطرة، واغتصب أخته الصغيرة قبل أن يقتلها ستكون قصة مؤثرة، أليس كذلك؟
تجمدت المرأة في مكانها
شهقت، ارتعش جسدها بالكامل
ثم سقطت على الأرض منهارة
كانت تراه ينظر إليها بشماتة، يمسك المنشفة، يجفف نفسه وكأن شيئًا لم يكن، ثم ألقى بها على الأرض واتجه نحو خزانته، يبحث عن ثياب يرتديها
قال بنبرة مستمتعة بينما يختار قميصًا من الحرير الأسود:
تعلمين؟ لم أجرب الصغيرات من قبل، لكن يا إلهي كانت حلوة، كالسكر تمامًا
شهقت المرأة بصوت مخنوق، وضعت يديها على أذنيها، لا تريد سماع المزيد، لكن صوته كان يتسلل كالإبر داخل عقلها
ثم أدار لها ظهره وقال بجفاف:
إما أن تأخذي النقود وتصمتي، أو خذي جثة ابنتك وغربي عن وجهي ليس لدي وقت لأضيع المزيد عليكِ
كان هذا آخر ما قاله
لكن في عقل المرأة، كانت صرخات ابنتها الأخيرة لا تزال تملأ المكان
وكان جحيمها قد بدأ للتو
ركعت المرأة أمام جسد ابنتها، أناملها ترتجف وهي تلامس وجه الطفلة البارد، وكأنها تأمل أن تبعث فيها الحياة من جديد كانت عيناها مفتوحتين على اتساعهما، نظرة رعب عالقة في حدقتيها الزجاجيتين، فمها الصغير نصف مفتوح وكأنه كان يصرخ حتى آخر نفس
شهقت الأم بحرقة، ضمتها إلى صدرها، وشعرت بآخر ما تبقى من روحها يُسحب معها
خلفها، كان الوحش يقف بلا مبالاة، يزرر قميصه وكأن ما حدث مجرد أمر عادي في يومه التفت إليها بابتسامة كسولة وهو يشد أكمام قميصه، ثم انحنى قليلًا نحوها، وهمس بصوت مخدر بالخبث:
هل ستأخذين المال؟ أم تفضلين أن تلحقي بها؟
رفعت المرأة عينيها إليه ببطء، لم يكن في نظرتها سوى الفراغ ثم فجأة، انفجرت بصرخة مدوية وهي تنهض بجنون، قفزت عليه بأظافرها مثل وحش جريح، تنهال عليه بالضرب والعض والصراخ، كأنها لم تعد بشرية، بل كائن خرج من الجحيم ليقتص منه
لكن هذا لم يدم طويلًا
بضربة واحدة، لطَمها على وجهها بقوة جعلت جسدها يطير ليسقط بقوة على الطاولة الزجاجية تحطم الزجاج تحتها، انغرزت الشظايا في جسدها، وارتطم رأسها بحافة الطاولة، فشعرت بعالمها ينهار حولها
زحف الدم على الأرض، امتزج بدم ابنتها، كأن القدر يسخر منها، يوحدهما حتى في الموت
اقترب منها بخطوات هادئة، ثم انحنى، أمسك بشعرها، وجرها على الأرض كجثة هامدة
أيتها الحمقاء، هل اعتقدتِ أنكِ تستطيعين لمسي؟ أنتِ لا شيء، مجرد خادمة، قذرة، بائسة، تبيع نفسها مقابل المال والآن فقدتِ حتى ذلك
رفع رأسها بقوة، دفعها إلى الحائط، غرس أصابعه حول رقبتها وبدأ يعصرها ببطء، متلذذًا بتخبطها، بانفجار عروقها، بارتعاش جسدها
همس في أذنها: أنظري إليّ أنظري إلى قاتل ابنتكِ
لكن المرأة لم تكن ترى شيئًا كل شيء أصبح أسود، صوت ابنتها الأخيرة يدوي داخل رأسها بلا توقف، صرخاتها، توسلاتها، أنفاسها الأخيرة
وفجأة، أطلقها
سقطت على الأرض تسعل بعنف، تلهث، تلتقط الهواء وكأنها خرجت من تحت الماء بعد غرق طويل
لقد غيرت رأيي قال وهو يراقبها تتلوى تحت قدميه، ثم أدار ظهره قائلًا: لن أقتلكِ الآن أريدكِ أن تعيشي بهذا الألم أريدكِ أن تستيقظي كل يوم وأنتِ تعرفين أنكِ السبب في موتها
ثم بصوت شيطاني، أضاف: أريدكِ أن تعيشي كجثة تمشي على الأرض
انفجر بضحكة عالية، خرج من الغرفة تاركًا إياها خلفه، غارقة بين دماء ابنتها، ممزقة أكثر من جسدها الصغير الذي لم يعد سوى ذكرى شوهتها يد الشيطان
وكان هذا مجرد بداية الجحيم........... عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية

تعليقات