رواية آخر نفس الفصل التاسع 9 - بقلم رشا روميه
•• نصف العمى ••
زيد ...
أأنتِ عقاب لي أم إنتِ حظي الطيب ، ياليت كل الظروف عُكست لتبقي لي وحدى ، لم إجتمعت كل الأسباب لنفترق حتى قبل أن نقترب ، غنية فريدة من نوعك تحبين صديقي ، يا ليتك فتاة عادية ... يا ليتك لي ...
تنهد "زيد" بتحسر ومازال يطالع حسنائه وهى تزيل كل تلك الشوائب عن وجهها الجميل ...
كلما أزالت الألوان المختلطه من وجهها زادت نوراً وإشراقاً أكثر ...
لمح "هادى" يدنو منه بملامح ممزوجه بالتقزز ليسأله "زيد" بفضول ...
_ مالك ... العفاريت طالعه فى وشك ليه ...؟!!!
ألقى "هادى" بجسده إلى جوار "زيد" متذمراً ...
_ شوفى لى حل أخلص من اللازقه دى ... أنا مقدرش أكمل حياتى مع واحدة زيها ...
إعتدل "زيد" بدون فهم ليتسائل بإستنكار عما يلمح له "هادى" ...
_ قصدك مين ...؟؟! ... "ياسمين" ....؟؟!!
_ هو فيه غيرها ... !!!!
أثار كامل إنتباهه ليسأله بتلهف شديد ...
_ وضح كلامك .... عايزة تسيبها ليه ... إنت مجنون ... ؟؟؟
_ ده أنا أبقى مجنون لو كملت ... دى بقت مشوهه يا عم ... فاهم يعنى إيه ... مشووووهه ...!!!!
تحركت شفاه "زيد" بإشمئزاز من صديقه سطحى التفكير وأراد لو يلكمه لكمه تجعله يفيق من عنجهيته وأنانيته ، كاد أن ينفجر به غضباً لمجرد التفكير بها بتلك الصورة ثم سرعان ما تمالك نفسه متفكراً فى الأمر أن تلك هى فرصته للتقرب من "ياسمين" فكيف يضيعيها ....
_ ماشى ... سيبها... بس رأيي خليك صريح وواجهها بكلامك دة ... ملهاش لازمه اللف والدوران ....
تقوست شفاه "هادى" للأسفل وهو يلوح بكفيه رافضاً ...
_ لالالالالاااااااا .... أنا حخلع من سكات ... بلا مواجهه بلا وجع قلب ... خلينى كدة فى الخفيف خفيف ...
حرك "زيد" رأسه يميناً ويساراً بضيق من تصرفات صديقه يرفض تماماً إسلوبه وطريقته ....
رفع "هادى" حاجباه مشيراً تجاه الأمام قائلاً ...
_ الظاهر صاحبك لقى له حته طريه تطرى على قلبه ...
نظر "زيد" بنفس إتجاه إشارة "هادى" ليجد "عامر" وقد جلس إلى جوار "يارا" تعلو وجهه إبتسامه هائمه وكأن طيور الحب تحلق فوق رأسيهما ليلوح بيده بغير إهتمام وهو ينهض من جلسته ...
_ بس بس ... خليك فى حالك ...
يارا وعامر ...
إنتهز "عامر" فرصه إنشغال الجميع بوقتهم المستقطع ليتجه نحو "يارا" والتى كانت بإنتظاره أيضاً دون الإفصاح عن ذلك ...
_ تعبتى ...؟!!
_ لا عادى .... وإنت تعبت ...؟!!
_ لا أبداً .... أقعد معاكى ولا حضايقك ...؟؟؟
_ لا خالص ... إتفضل ...
لم تكن تعلم بأن تلك الرحله ستكون باباً جديداً بحياتها وأن تقابل شاب گ"عامر" يهتم بها ويتودد إليها بكل فرصه سانحه ...
كان حديثهم عام للغايه لكنهم كانوا سعداء بذلك القرب الجديد لتولد تلك الشرر بينهم وبدايه إعجاب من الطرفين لم يكن ليحسبا له حساب ...
زينه ...
إتجهت لـ"هادى" بعد تحرك "زيد" تحدثه عن عملها هى و"ياسمين" معه لكنه كان متعب للغايه ولم يلبث الحوار معهم سوى دقائق قليله ...
ياسمين ...
حاولت إلقاء نظره خاطفه على جرحها المتألم حين باغتها "زيد" بصوته الرجولى ...
_ كنت فاكر إن الكهف دايماً ضلمه بس غريبه أنا شايف نور جامد أوى ...
ضيقت "ياسمين" عيناها بعدم فهم متسائله عن هذا الطريق المضئ الذى يشير إليه "زيد" ...
_ فين ...؟! فين النور ده ... خلاص حنخرج ...؟!
علت عيناه تلك النظره الهائمه التى سحبت "ياسمين" ببحورها دون عودة ...
_ النور قدامى أهو .... مش فى أى حته تانيه ... إنتى النور إللى حينور لى طريقى ...
أشار بوجهه تجاهها لتتيبس بمحلها وقد إرتفعت دقات قلبها بقوة ، أيغازلها ...؟!! أهكذا يكون الغزل ... ياله من إحساس رائع لكن من الشخص الخطأ مرة أخرى ....
إبتلعت ريقها بإضطراب لتتهرب من مشاعر "زيد" التى فاضت حولها ، لقد أحبت ذلك الغزل ولو مؤقتاً ، لكنها لا يجب عليها فعل ذلك لتنفعل تنهره بقوة عن قربه المفاجئ ...
_ "زيد" ... لو سمحت ... إعرف حدودك ...
تدارك "زيد" نفسه ليبقى مشاعره لنفسه قبل أن يتنحنح معتذراً ...
_ إحم ... آسف ... أنا بس كنت جاى أقولك شكلك كدة أحلى بكتير من المكياج واللباس الضيق إللى كل الناس مبتنزلش عينها عنك بسببه ....
جميله ... طبيعيه ... محتشمه ... هكذا أحبت وهكذا أثنى عليها بخلاف "هادى" الذى لم يعجبه الأمر ، إطراء أحبته لكن طبعها الثائر جعلها ترفض ذلك منه لتهتف بحده وتهكم بذات الوقت ...
_ ولو ... خليك فى حالك يا أخ ...
_ أخ ...!!!
قالها "زيد" بتفاجئ ثم إبتسم بخفه عائداً إلى بقيه الشباب ...
بينما تجمعت الفتيات لإخراج فراشهم للمبيت فقد كاد اليوم أن ينتهى أيضاً وهم مازالوا لا يدركون الليل من النهار ...
****
فى المساء ...
بيت ياسمين ....
ترى من يرضى بنصف العمى ... ألهذه الدرجه نرضى ...
جلست "سعاد" وعلى ملامحها إرتسمت علامات للرضا والراحه حين إرتضت بنصف العمى وقد وصلت بإتصالات "مندور" المتواصله بمكان رحلة "ياسمين" ...
شعرت بالراحه لمجرد معرفه إلى أين ذهبت تحديداً حتى مع عدم معرفتها بأى شئ عنها وعن وضعها وأحوالها لكن يكفيها علمت أين ذهبت بالتحديد ...
إرتخى "مندور" بغرور وخيلاء لما توصل إليه كمن ظفر بعراكه مع الأسد ليجلس متفاخراً قائلاً ...
_ إطمنتى يا ستى ... أهى طلعت رحله تبع شركه معروفه ومشرف كمان ... نتصل بقى بالمشرف نطمن عليها ويبقى كله تمام ...
_ مش عارفه من غيرك كنت عملت إيه يا "مندور" ...
_ عشان تعرفى بس إنك متقدريش تستغنى عنى ...
بإبتسامه جانبيه وارتها كثيراً ثم أجابت كاذبه لما تشعر به ...
_ "مندور" ... الكلام ده قطعناه من زمان وخلاص ...
شعر "مندور" ببريق أمل جديد ليهتف مستغلاً تلك الفرصه ...
_ إللى إتقطع يوصل وترجع الميه لمجاريها ...
_ إحنا فى إيه ولا فى إيه ...!!!
_ ده هو ده إللى إيه وإيه وإيه ...
ليكمل "مندور" إستغلال فرصته جيداً وأخذ يحايل زوجته لربما ترضى لتعيد أسرته مرة أخرى بينما لم تكن "سعاد" متشبثه تماماً برفضها لقربه ...
****
قضيت ليله أخرى ولم يتغير شئ وأهل الصباح بينما الظلام مازال حالك بداخل الكهف ...
بدأت رحلة البحث عن مخرج مرة أخرى لكنها لم تستمر طويلاً حين تفاجئت المجموعه بنهايه هذا السرداب بطريق مسدود تماماً ....
وقفت المجموعه بصمت للحظات ما بين مشتت ومصدوم وفاقد للأمل ...
تطلعوا فيما حولهم بيأس لتبدأ أنظارهم وهمساتهم التى تحولت لصراخ منفعل تجاه "زيد" كما لو كان هو فقط المسئول عما يحدث لهم ...
_ حنعمل إيه دلوقتى ... الطريق طلع مسدود ...!!!!
_ ما تقول ياااا ... قائد مش إنت إللى خليتنا نمشى ...!!!!!
_ يعنى إيه ... مفيش مخرج ....!!!!
كانوا يلتمسون منه حلاً لما آلت إليه الأمور ، لكنه صمت تماماً وهو يتطلع بوجوههم اليائسه تتشبث بآخر أمل لهم بوجود حل عنده ...
لكن اليأس أصابه أيضاً لتتهاوى قوته قائلاً بصوت خافت إستطاع الجميع سماعه بوضوح بهذا المكان الصامت ...
_ للأسف ... مش عارف ... ده آخر الطريق ... معنديش حل يا جماعه ...
لكن قبل إنهيارهم قالت "يارا" ...
_ طب ما ممكن نرجع يمكن حد يكون وصل لحاجه ...
أومئ الجميع بالموافقه لتبدأ رحلة الرجوع لمدخل الكهف فربما تكون وصلت مجموعه اخرى لمخرج من الكهف ...
***
بيت ياسمين ....
حملت حقيبه يدها وهى تخرج مسرعه ومازالت تسند الهاتف إلى أذنها قائله ...
_ أنا نزلت خلاص يا "مندور" .... أستنى ... !!! أستنى إيه بس ... دة إنت بتقول إن المشرف نفسه محدش عارف يوصل له ... والمعلومات عنهم واقفه ومش عارفين هم فين بالضبط ... ماشى ماشى ... أنا جايه لك فى السكه على طول أهو ...
أغلقت باب الشقه من خلفها متجهه لمقابله "مندور" للذهاب لشركه الرحلات فبعد محاولات عدة للوصول لمشرف الرحله لم يتمكنوا من الوصول إليه فهاتفه أيضاً مغلق ولم يجدا سبيلاً سوى الذهاب لمقر الشركة نفسها للإستفسار عن الأمر ومعرفه أين هم تحديداً ...
****
الكهف ...
أكملت "ياسمين" طريقها ومازال الألم يدب بجسدها لكن فضولها لم يمنعها من الإقتراب لخطوات تجاه "زينه" الصامته منذ الأمس لتتسائل بتعجب ...
_ مالك يا "زينه" ... ساكته أوى من إمبارح مش عوايدك ...؟!!
تنفست "زينه" بضيق وهى تردف بغموض ...
_ مفيش ...
ألحت عليها "ياسمين" بالسؤال فهى ليست من طبعها الصمت بتلك الصورة ، كما شعرت بضيقها من خلال ردها المقتضب ...
_ مالك بجد ... إيه إللى مزعلك ... ؟!!
تفكرت "زينه" لبعض الوقت قبل أن تجيب تساؤل "ياسمين" بصوت ضعيف ...
_ مخنوقه من صاحبتك دى الصراحه ... حساها سهونه كدة مش مرتاحه لها خالص ...
أجابتها "ياسمين" بنفى قاطع ..
_ حرام عليكى ... دى طيبه وغلبانه ...
إشرأبت "زينه" برأسها قليلاً قبل أن تلقى شكوكها بقلب "ياسمين" أيضاً ...
_ دى غلبانه دى ...!!!! طب خدى بالك بقى أحسن شكلها بترسم على تقيل ...
أنهت عبارتها وهى تضرب كتف "ياسمين" بخفه وهى تستكمل محذرة "ياسمين" من "يارا" ....
_ دى وقعت "عامر" فى يوم ... وشايفاها كمان بتحاول تقرب من "هادى" الصبح ..
إتسعت عينا "ياسمين" العسليتان بإندهاش لتعيد بصرها تجاه "يارا" ثم تنظر تجاه "هادى" كما لو تود أن تتأكد من حديث "زينه" ...
بذات الوقت وقفت "يارا" برفقه "هادى" لتلاحظها "ياسمين" والتى شعرت بمدى سذاجتها ومدى خبث "يارا" وشرها ، أيعقل أن تكون بمثل تلك الوضاعه ، أيعقل أن تكون أعطتها حجماً أكبر من حجمها وإهتمام لا تستحقه مُدعيّه صفه الطيبه والضعف ...
إلتفت نحو "زينه" وقد امتلأت عيناها بتساؤلات عدة حين هتفت ...
_ معقول ده ...!!!! ممكن تكون بالخبث ده ...؟؟!! معقول ضحكت عليا وخدعتنى بمظهر البريئه الغلبانه ...!!!!
_ شفتى بقى ... المثل بيقولك إيه ... حرص ولا تخون .... وأنا من يوم ما شفتها مش مرتاحه لها ...
_ الظاهر عندك حق ....
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية