رواية حب في الدقيقة 90 الفصل الرابع عشر 14 - بقلم نعمة حسن
_ ١٤ _
~ كبش فداء ~
…………..
كان قاسم يقف أمام فيلا حبيب ينتظر خروج سارة التي اتصلت به منذ الصباح وطلبت منه أن يقوم بتوصيلها لذلك المركز الذي تتلقى به الدروس الخصوصية.
فتحت الباب واستقلت المقعد المجاور له وهي تقول بابتسامة:
_ صباح الخير قاسم.
ابتسم وقال بلطف:
_ صباح الخير آنسة سارة.
_ أنا آسفة، أصبحت أزعجك كثيرا أعرف ذلك.
_ لا أبدا، بالعكس أنا سعيد جدا لأنكِ أصبحتِ تثقين بي وتعتمدين عليّ.
أومأت بصمت وقالت:
_ هل زُرتنا بالأمس فعلا؟
_ أجل، طلبت السيدة والدتك أن أتحدث إلى والدك بخصوص الانتقال لمنزل آخر.
طالعتهُ بتعجب وقالت:
_ ماذا؟ وما السبب ؟
مط شفتيه بتعجب وقال:
_ تقول أنها لم تعد تشعر بالراحة في هذا البيت وتريد الانتقال لمدينة أخرى أو على الأقل لمنطقة أخرى أكثر هدوءا.
_ وهل تظن أن والدي سيقبل بذلك؟
_ في الحقيقة لا أعرف، ولكن على كل حال سأزوره غدا وأخبره.
نظرت إليه بانتباه وقالت بتوتر:
_ هل ستزوره؟
_ أجل.
_ هل.. هل يمكنني الذهاب برفقتك؟
أومأ موافقا وقال:
_ بالطبع يمكنك، والدك سيفرح كثيرا برؤيتك.
أومأت ثم قالت:
_ حسنا، أنت تعرف عنوان المركز أليس كذلك؟
_ بلى ، ولكن .. لمَ تذهبين للمركز لتلقي الدروس؟ يمكننا إحضار المدرسين للبيت بمنتهى السهولة.
ابتسمت وقالت:
_ لا داعي، يكفيني من التنمر والتهكم ما نلتهُ، سيصيحون حينها أنني الفتاة المدللة المرفهة، ومن يدري ربما يتجنبوني وقتها.. أرى أنه من الأفضل أن أظل هكذا.
_ كما تشائين، فلنذهب.
بعد أن قام بتوصيلها لوجهتها المنشودة قال:
_ للأسف لن أستطيع العودة لاصطحابك، لدي موعدا طارئا اليوم.
_ حسنا، سأتصل بحسين.. مع السلامة.
نزلت واتجهت للداخل بينما تحرك هو منطلقا لوجهته، وبعد أن تحرك مسافة قريبة اكتشف أنها قد نسيَت دفترها بالسيارة فعاد أدراجه كي يعيده إليها.
توقف أمام المركز ونزل من العربية، ثم دخل إلى المركز باحثا عنها ليصدم بما رآه..
مجموعة من الشباب والفتيات يقفون وكلا منهم يمسك بسيجارة يقوم بتدخينها بكل بساطة و باعتيادية.
ومن ضمنهم سارة التي تقف أمام شاب وهو يحيط عنقها بذراعه ويقربها إليه وكلا منهما ممسكا بسيجارة كباقي رفقتهما.
وقف يطالعها بحسرة للحظات وغضب في نفس الوقت وفور أن انتبهت لوجوده وتقابلت أعينهما حتى ألقى بالدفتر أرضا وغادر.
/////////////////////
كان عبدالله يقف بالمحل الخاص به، وبجواره يقف ابنه كريم الذي يقول:
_ أبي، هل حان الوقت لكي أشترك بالنادي لكي أتدرب على لعب الكاراتيه؟
سأله عبدالله بإيجاز:
_ هل ما زلت مصممًا؟ لقد ظننتك صرفت النظر عن ذلك الأمر.
_ نعم أنا مصمم، أرجوك أبي ها أنت ذا قد خرجت من السجن ويمكنك اصطحابي، طلبت من والدتي قالت أبيك لن يخرج من السجن الآن وأنا لن أستطيع اصطحابك يوما بعد يوم.
استوقفت كلمات كريم والده فسأله بانتباه:
_ هل قالت أني لن أخرج من السجن الآن؟
_ أجل، حتى أنها رفضت عرض حياة لاصطحابي والذهاب إلى النادي وكانت عصبية جدا ذلك اليوم.
استغرق ثوانٍ شاردًا وأخذت الظنون تعصف برأسه واحمرت عينيه بغضب وقال:
_ هل كانت تخرج وأنا غير موجود؟ هل كان يأتي أحدا لزيارتكم؟
_ لا لم يأتِ أحدا لزيارتنا، جدتي فقط كانت تأتي للمبيت معنا ثم انتقلنا للمبيت بشقة جدي فيما بعد.
سأله مستغربا:
_ وما السبب؟
_ لا أعرف، ولكن جدي عنّف أمي بشدة، لقد كنت بغرفة حياة ولكن صوت جدي كان عاليًا جدا ذلك اليوم وهو يعنّف أمي ويقول لها كلامًا لا أفهمه، وبعدها بقينا أنا وأمي بغرفة حياة.
قطب جبينه متعجبا وقال بفضول واهتمام شديدين:
_ مثل ماذا؟ ألا تتذكر أي شيء مما قاله جدك لها؟
_ لا أتذكر سوى أنه قال لجدتي صفية أن تبقي عينها على أمي طوال الوقت.
احتقن وجه عبدالله وهمس بضيق مكبوت:
_ تبا، ماذا فعلتِ يا عنبر، أقسم أن أقتلك إذا صح ظني.
هم بالخروج من المحل والذهاب لبيته ولكن فجأة تصدرت سيارة حمراء فخمة واجهة المحل ونزلت منها سيدة حسناء، كانت ترتدي فستانا أحمرا يصل طوله بالكاد إلى ركبتيها ، ويضيق عند منحنياتها فيبرزها بسخاء، دخلت وهي تطرق الأرض بكعب حذائها العالي الذي أضفى عليها أنوثةً طاغية.
وأخذت تتطلع يمينا ويسارا وهي تتجاهل عبدالله الذي يقف فاغرا فاهُ بانبهار ويتفحصها بعينين نهمتين، ثم نظرت إلى كريم وقالت:
_ مرحبا، هل أنت مالك المحل أم ماذا؟
وثب عبدالله من مكانه ووقف أمامها وهو يهذب شعره بيده ويقول:
_ لا، أنا هو مالك المحل، عبدالله الحداد.
ومد يده يصافحها فنظرت إلى يده الممدودة طويلا، ثم مدت أطراف أصابعها وصافحته ثم سحبتها سريعا وهي تقول:
_ أهلا أستاذ عبدالله، في الحقيقة كنت أقوم بزيارة قريبة لي تسكن هنا بحارتكم، ورأيت محلك فجئت لأشتري إطارًا احتياطيًا لسيارتي.
ثم اقتربت منه خطوة وقالت:
_ في الحقيقة لقد سألت عن سعر الإطار الاحتياطي فأصبت بصدمة عندما استمعت للسعر المطلوب..
وضمت شفتيها بإغواء خفي وقالت:
_ يا إلهي ما هذا الاستغلال ؟ الجميع يظنون أنني أملك الكثير من المال لأني أمتلك سيارة مثل سيارتي، لا يعرفون أنها كل ما ورثته عن المرحوم زوجي ولا أملك غيرها فعلا، برأيك ألا يُعد هذا استغلالا؟
نظر إليها عبدالله بعينين مرتخيتين وأجاب:
_ أجل، إنه استغلال فعلا، لقد انتزعت الرحمة من قلوب البشر!
أومأت وهي لا زالت تطالعه بعينيها المرسومتان بفن وقالت بنبرتها المذيبة:
_ للأسف هذه الحقيقة، وأنت ماذا ستفعل معي؟
أجابها بابتسامة مهزوزة:
_ كل خير إن شاء الله.
ابتسمت فأظهرت صفيّ اللؤلؤ خاصتها وقالت:
_ أقصد هل ستكون لطيفًا وتخفض سعر الإطار؟ أم أنك من تلك الفئة الاستغلالية كغيرك؟
ضحك وهو يشير بيده ويقول:
_ المحل ومالك المحل تحت أمرك.
ابتسمت بتألق وقالت:
_ شكرا لك، لا أريد المحل ولا مالك المحل، فقط أريد الإطار، هيا أخبرني كم ثمنه؟
انحنى وحمل الإطار، ثم اتجه لسيارتها وفتح الحقيبة الخلفية للسيارة ووضع الإطار بها، ثم عاد إليها وهو ينفض يديه ويقول بابتسامة:
_ مجانا لأجل عيونك، كي تتأكدي أن الدنيا لاتزال بخير وأنه يوجد في هذة الحياة أناس لا ينتمون لتلك الفئة الاستغلالية التي تتحدثين عنها.
تصنعت الانزعاج وقالت:
_ لا لا أرجوك، لا أستطيع أخذ شيء دون دفع ثمنه اعذرني
وفتحت حقيبتها لتخرج منها محفظتها فتعمدت إسقاط بطاقة عملها، ثم مدت يدها ببعض النقود وهي تقول:
_ تفضل، هل يكفي هذا ؟
تحرك عبدالله بخفة كي لا يلفت انتباهها، ووقف بحذائه فوق البطاقة الملقاة أرضا وهو يدفع يدها الممدودة بالنقود نحوها مرة أخرى متعمدا لمس يدها وقال بنبرة خبيثة:
_ أرجوكِ لا تقفي حائلا بيني وبين فعل الخير، أرجوكِ.
أطالت النظر لعينيه مما ألهب حواسه وهو لا يزال ممسكًا بيدها فسحبتها ووضعت النقود بالمحفظة مرة أخرى وأعادتها لحقيبتها وهي تقول:
_ حسنا، سأقبل مساعدتك هذه المرة فقط، ولكن إن عدت لأشتري منك شيئا آخرا لن أقبل أخذه مجانًا أبدا.
ابتسم بحماس وقال:
_ حسنا، كما تشاءين.
أومأت بابتسامتها المتمكنة وانصرفت بصمت؛ فراقبها هو متفحصا جسدها بجوع وهي تستقل سيارتها، وما إن تحركت حتى زفر زفرة قويةً وهو يقول:
_ يا إلهي، ما هذا، هل هناك صنفًا آخرًا من النساء لا نعرف عنه شيئا أم ماذا؟!
وانحنى ليلتقط بطاقتها التي يدوس عليها بحذائه ومسحها وهو يقول:
_ مدام سماهر/ مدربة رقص شرقي!!
وقرأ رقم الهاتف المدوّن أسفل البطاقة وأخذ يحدث نفسه ويقول:
_ مدربة رقص شرقي!! حسنا الآن فهمت لمَ هي بكل تلك الليونة!
ودسّ البطاقة بجيبه وهو يتمتم:
_ ربما أحتاج إليها مدربة الرقص الشرقي! من يدري؟
•••••••••••••••
يقف قاسم وبرفقته حياة بساحة الانتظار بالمشفى بعد أن دخل صبر لغرفة العمليات، ينتظران خروجه بخوف وترقب.
وجّه قاسم وجهه للحائط وأسند جبهته عليه وهو يحاول إخراس ذلك الصوت الذي يتردد بداخله ويقول:
_ ألم يجدر بك أن تكون أكثر مراعاة وتترك الأب لابنه في مثل تلك اللحظة!
عصر عينيه بغضب وأخذ يضرب بقبضته الحائط وهو يتحدث مجيبًا ذلك الصوت ويقول:
_ ما فعلتهُ هو الصواب، وجوده بجوار ابنه لم يكن ليفيده بشيء، أنا محق، ما فعلته هو الصواب.
لاحظت حياة توتره وانزعاج ملامحه الغامضة، فاقتربت منه ووقفت بجواره وهي تقول:
_ لا تخف، إن شاء الله سيكون بخير.
هز رأسه بهدوء وهو يدعو الله بداخله فقالت:
_ قاسم، من يكون هذا الطفل؟
فتح عينيه ونظر إليها بغضب وقال:
_ بربك حياة، هل هذا وقت فضولك وتساؤلاتك، ثم أنني أخبرتك أنه ابن صديق قديم وهو الآن مسافرا وأوصاني بابنه.
سار وجلس على إحدى مقاعد الانتظار، فسارت خلفه وجلست بجواره.
كان يدعو بداخله أن لا تفتش في الأمر كعادتها وتزعجه أكثر ولكنها حياة، حياة التي صار يعرفها أكثر من نفسه، ولكونها حياة التي يعرفها فلا بد أن تمارس هوايتها المفضلة.
كانت تنظر أمامها بشرود وهي تضم ذراعيها إلى صدرها وقالت:
_ الطفل اسمه صبر حسّان، حسّان هو نفس اسم الرجل الذي أتى للمحكمة بالأمس ونفى التهمة عن عبدالله وقال أن المخدرات له!
أغمض عينيه بتوتر استعدادا لما هو آت، حينها استدارت إليه والدموع تتلألأ بعينيها وهي تقول:
_ هل هذه صدفة؟
أجابها وهو لازال ينظر أمامه بشرود وقال بنبرة آسفة:
_ لا، ليست صدفة!
أغمضت عينيها بصدمة، فسالت الدموع على وجنتيها وهي تقول:
_ كنت أشعر، ولكنني رفضت التصديق.
ثم نظرت إليه باتهام وقالت بحدة:
_ أنت من أدخلت والده السجن بدلا من عبدالله أليس گذلك؟
_ بلى.
أجابها بهدوء فقالت بصدمة:
_ يا إلهي، لا أصدق، هل سجنت رجلا ظلما بدون وجه حق لأجل مصالحك الشخصية، والتي بالمناسبة لا أعرفها، يعني .. للآن أنا لا أعرف لماذا تراجعت عن معاقبة عبدالله وقدمت ذلك الرجل المسكين كبش فداء له!! حقيقةً لا أعرف لماذا فعلت ذلك؟ وما ذنب ذلك الطفل البريء الذي حرمتهُ من أبيه في مثل تلك اللحظة الحرجة!
كتمت نحيبها وأخفت عينيها بكفها وأخذت تبكي بشدة وهو لا يزال جالسا بجوارها يستمع إلى صوت بكائِها الذي أثار الضيق بداخله ولكنه تمسك بقناعه البارد.
رفعت حياة وجهها تنظر إليه في لحظة إدراك وقالت:
_ لأجل ذلك أنت تعالج الطفل على نفقتك الخاصة، أقنعت والده أن يكون كبش فداءٍ لعبدالله مقابل أن تعالج ابنه المسكين! لذلك أنت تجلس الآن بتلك الحالة خوفا على الطفل، تخاف أن يموت ويكون ذنب والده الذي حرمته من ابنه في رقبتك!
أغمض عينيه بتعب ولكنه لا يزال منصتا إليها بتركيز وهي تقول:
_ كيف استطعت فعل هذا؟ كيف تحولت وتبدل حالك هكذا ومتى؟ كيف أصبحت تستخدم البشر المساكين كأداة لتحقيق أهدافك بكل تلك الحقارة!
_ حيااة..
ناداها محذرا لئلا تتجاوز حدها ولكنها قالت بانفعال:
_ ماذا قاسم؟ ماذا؟ هل أنت راضِ عما فعلته ؟ انظر إلي قاسم وأخبرني.
فتح عينيه واستدار برقبته ونظر إليها بعينين ذابلتين، محتقنتين، هالها مظهرهما الذي ينم عن التعب والإرهاق الشديدين، وقال:
_ أنا متعب للغاية!
رق قلبها لحاله ولكنها لم تكن لتصمت فقالت:
_ ليس بعد قاسم، أنت لم تشعر بالتعب بعد، تعب الضمير أشد وأقسى!
ونظرت للأمام وصمتت ولكنها لم تتوقف عن البكاء، حينها نظر إليها وقال:
_ حسان كان صديقي فعلا.
أرهفت السمع إليه فأسند رأسه على الجدار من خلفه وبدأ بسرد ما حدث فقال:
_ حسان أيضا خانني وباعني، استغله الحقير عبدالله ونجح في إقناعه أن يكتم شهادته التي كانت ستصبح طوق نجاتي حينها، ساومهُ على علاج زوجته مقابل أن يكتم شهادة حق كان من الممكن أن تثبت براءتي، حسان أيضا ساهم في دخولي السجن وتسبب في ضياع عمري وشبابي ظلما.
طالعتهُ بملامح جامدة دون تعبير وقالت:
_ لهذا وددت معاقبته فدخل هو السجن وخرج عبدالله..
_ نعم.
_ قمت باستغلاله أنت مرة أخرى كما فعل عبدالله سابقا، وأقنعته بالاعتراف بتهمة لم يفعلها كما نجح عبدالله سابقا في إقناعه بالتنصل من مساعدتك، وساومته على علاج ابنه كما ساومهُ عبدالله على علاج زوجته!!
وضحكت بسخرية أقرب للحزن وقالت وهي تطالعه باحتقار:
_ بربك قاسم، ما الفرق بينك وبين عبدالله إذا !!
ضربت ملامحه الصدمة ونظر إليها بذهول وضيق شديد من تصريحها الصادم وقال:
_ عبدالله كان جانيا وأنا المجني عليه، عبدالله كان ظالما وأنا كنت المظلوم، عبدالله ذاك هو من اغتصب أختك وابتزها وابتز والديكِ وابتز حسان وهدد الجميع وسجنني بالنهاية، هل تقارنين بيني وبينه؟؟ هه.. لا أصدق!
نظرت إليه بعصبية وقالت:
_ وأنت ما الذي تفعله الآن؟ أنت تسير على نفس خطاه، أنت قمت بابتزاز صديقك أيضا وأدخلته السجن ظلم!
_ ليس ظلمًا، هذا هو عقابه وما يستحقه جرّاء كتم شهادة الحق.
طالعتهُ بعصبية وضيق وقالت:
_ هل أنت إلهًا ؟ هل أنت حكمًا؟ هل نصبت نفسك قاضيًا؟! بأي حق تقرر عقوبته وعلى أي أساس! يا إلهى.. حتى القاضي يلتمس العذر ويفهم الدوافع أحيانا.. أنت ماذا فعلت سيد قاسم؟
بلغ به الغضب مبلغا بعيدا فقال:
_ أنا أعالج طفلا كان ينتظر الموت، ووالده الذي تدافعين عنه بكل وقاحة لم يكن ليوفر له ثمن تلك العملية ولو باع دمه قطرة بقطرة، أنا أنقذ طفلًا ذنبه الوحيد أن لديه أبًا خسيسًا.
ابتسمت، ثم ضحكت، ثم علت ضحكاتها، ثم تحولت إلى قهقهاتٍ عالية؛ مما أثار ريبته فأخذ ينظر إليها متعجبا وهي تقول:
_ أبهذه الطريقة تسكت صوت ضميرك؟ بتلك الكلمات تطمئن نفسك أنك لا زلت تحمل قلبا نقيا أليس كذلك ؟ ولكن للأسف قاسم ، أنت الآن تقف على حافة هاوية الظلام!
صمتت ومسحت دموعها، ثم عادت لتلك النقطة الوهمية التي تشرد بها، وفجأة انفرج باب غرفة العمليات وظهر صبر المستلقي على السرير المتنقل، هرول قاسم نحوه وحياة ونظرا إلى الطبيب الذي خرج لتوّه من العمليات وقال بخفوت وتعب:
_ الحمد لله، لقد نجحت العملية.
جذب قاسم شعره بيده وزفر مطولا بارتياح وقال:
_ وأخيرا الحمدلله.
تحدث الطبيب بعملية وقال:
_ من فضلك اتبعني كي أخبرك بالآلية الواجب اتباعها معه بعد خروجه من هنا.
وتركهما متجها إلى مكتبه وهما يتبعانه بصمت.
///////////////////////
كانت تجلس على حافة حوض الاستحمام وهي تمسك بذلك الشيء بيدها تطالعه بحسرة ودموعها تنهال على وجنتيها، حينها انتبهت لزوجها وهو يحاول فتح الباب إلا أنه كان موصدا من الداخل فقال:
_ حبيبتي ، هل أنتِ بخير؟
مسحت دموعها وألقت ما بيدها بسلة المهملات بجوارها، ثم نهضت وهي تطالع نفسها بشفقة وغسلت وجهها وفتحت الباب وخرجت.
تحاشت النظر إلى عينيه حتى لا تثير ريبته، ولكنه يحفظها عن ظهر قلب فاستوقفها قائلا:
_ حنان، ماذا بكِ حبيبتي ؟ هل أنتِ بخير ؟
انفجرت باكية فجأة واحتضنته وأخذت تنتحب بقهر وهي تقول:
_ هذا الشهر مثل الشهر السابق، والشهر السابق مثل الشهر الذي سبقه، لا شيء يتغير عزيز، أحيا على أمل كل شهر ولكنه يتحطم، أريد طفلا عزيز، أريد طفلا.
دست وجهها في عنقه واحتضنته وهي تبكي بحرقة فضمها إليه وربت فوق رأسها وهو يقول:
_ سيحدث عزيزتي، إن شاء الله سيحدث وتصبحين أما مرة أخرى، ثقي بالله.
أومأت وهي تمسح دموعها وتقول:
_ ونعم بالله.
وابتعدت عنه وهي تتجه لفراشها وتقول:
_ أثق بأن الله هو العدل.
نظر إليها متعجبا وقال:
_ هل ستنامين؟ ألن نذهب لتهنئة عبدالله لخروجه من السجن كما اتفقنا ؟
_ نعم لن أذهب، هو أخاك وليس أخي.
تعجب ردها فقال:
_ ولكنه ابن عمك.
_ لسوء حظي.
أجابته باقتضاب وتدثرت بغطائها وأغمضت عينيها، بينما ظل هو واقفا يطالعها مستغربا وفي النهاية أطفأ الضوء وخرج من الغرفة.
جلس بالغرفة المجاورة وأمسك بهاتفه ليتحدث إلى عبدالله الذي أجاب قائلا:
_ أهلا عزيز.
_ كيف حالك أخي؟
_ بخير والحمدلله.
_ اتصلت لأعتذر عن زيارتي أنا وحنان، هي ليست بحال جيدة أبدا اليوم.
ضحك ساخرا وقال:
_ ليست بحال جيدة ؟ أكيد تلك هي الذريعة التي أخبرها شقيقها أن تتذرع بها كي لا تأتي.
تنهد عزيز بضيق وقال:
_ لا يوجد ذريعة غير ذلك السبب الذي أخبرتك إياه، هي فعلا ليست بحال جيدة.
_ حسنا أخي لا عليك، يكفيني سماع صوتك، على كل حال أنا لست متفرغا، أصدقائي ينتظرونني..
_ جيد إذا ، مع السلامة.
أنهى عبدالله الاتصال وهو يرمق زوجته التي دخلت الغرفة للتو وبيدها بعض الملابس تقوم بوضعها بالخزانة فقال:
_ كريم أخبرني عن ذلك الشجار الذي دار بينكِ وبين والدك.
توقفت بمكانها بصدمة وشعرت بأن قلبها يكاد أن يتوقف عن الخفقان ونظرت إليه بخوف وقالت:
_ أي شجار؟
أجاب وهو لا يزال يطالع هاتفه و يعبث به:
_ ذلك الشجار الذي دفعكِ للإقامة بشقة والدك أنتِ وكريم!
ارتجفت قدماها وشعرت بأن الدنيا قد ضاقت عليها بما رحبت وقالت:
_ لا، لم يكن شجارا، لقد أخطأ كريم الفهم، كل الحكاية أنني كنت أتناقش مع حياة في موضوع ما واحتد النقاش بيننا، هذا كل ما في الأمر ..
كان ينظر إليها بشك ورمقها بنظرة أرعبتها فهي تعرفها جيدا، ثم قال:
_ كنتما تتناقشان إذا؟
_ أجل.
همهم موافقا وقال:
_ حسنا، سنرى لاحقا.
ابتلعت ريقها بخوف وأومأت بموافقة، ثم هرولت للخارج مرة أخرى تنوي الهرب قبل أن تزهق روحها من الخوف.
//////////////////
يتبع
حب_في_الدقيقة_التسعين!
•تابع الفصل التالي "حب في الدقيقة 90" اضغط على اسم الرواية