رواية الجلاد لقلبي رغم حبي الفصل الثامن 8 - بقلم دينا النجاشي

  

رواية الجلاد لقلبي رغم حبي الفصل الثامن 8 - بقلم دينا النجاشي

في غرفتها الخاصة، كانت تلك الجميلة ذات الشعر الأسود وعينيها الزيتونيه تجلس، وتنظر إلى الورد بابتسامة. وزادت ابتسامتها عندما رأت ذلك الطائر الذي يطعم أطفاله. تشاهده بين الحين والآخر وتلتقط بعض الصور له. وبعد أن انتهت من مشاهدتهم نزلت إلى الطابق السفلي وكانت تقلب الصور وهي تبتسم ، فرفعت عينيها لترى ذلك الشخص الجالس في حديقتهم يراجع بعض الأوراق لتشهق بصدمه فـ اخر ما توقعته هو رؤيته مره اخري ، اما هو رفع عينيه عن الملف الذي بيده فوقعت عليها ليتفاجأ من رؤيتها ويرجع بنظره بسرعه إلى الملف الذي أمامه وكأنه لم يراها. توترت وقررت العودة، لكن سارة أوقفتها بابتسامة. عائشة، تعالي يا حبيبتي.
نظرت عائشة إلى سارة التي جاءت وجلست معه، وأمامهم بعض الأوراق المتعلقة بالعمل، لكنه لم يرفع عينيه عن الورقة، فاقتربت عائشة بهدوء... نعم يا سارة.
ساره بابتسامه.... دا يا ستي سامر صديق وشريك معانا في الشركة وانا فهمته انك حابه تشتغلي وهو موافق وطلبت منه يدربك بنفسه لأن سامر من اشطر المهندسين. 
نظرت إليه عائشة بتوتر، لكنه لم يتفاعل معهم وبقي كما هو، يراجع الأوراق التي أمامه، ثم تحدث بجدية... كده الاوراق مظبوطه ومفيش اي حاجه نقصه ياريت تستعجلي عمران عشان مفيش وقت
أومأت ساره بتفهم ووقفت مكانها.. طيب انا هروح اشوفه لأني اتصلت عليه ومردش 
حرك سامر رأسه متفهماً وغادرت. نظر إلى الأوراق مرة أخرى ولم يبالي بتلك الواقفة. شعرت عائشة بالحرج وتحركت للمغادرة، لكنها وقفت عندما تحدث وعينيه تدرس الملفات باهتمام.... لو مهتمه فعلا وحابه تشتغلي فأنا مستعد ادربك لأجل عمران اما لو حابه تجربي بسبب زهقك ووقت فراغك من بعد التخرج فـ منصحكيش تفكري تيجي الشركه ولو جيتي يبقا من نفسك تطلبي من عمران حد غيري يدربك
احمرت وجنتي عائشة بحرج من حديثه. ورغم أنه كان يتحدث بعقلانية وصراحة، إلا أنها شعرت بالحزن والحرج من معاملته، فأومأت إليه دون أن تتحدث وتركت مكانها وكأنها تهرب منه ومن أسلوبه الصارم. أما سامر فوضع الملفات على الطاولة ومرر أصابعه بين خصلاته بهدوء، وهو مقتنع بأنه فعل الصواب، فجاء عمران وبجانبه ساره لينظر له سامر بغضب... 
_ما تتأخرلك شويه كمان
عمران بتنهيده.... راحت عليا نومه يا وحش معلش. 
سامر بموأمه... طيب يلاه انا خلصت كل المطلوب ودلوقتي هنروح علي فرع القاهره
عمران بتفهم... تمام يلاه بينا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ♡♡
في فيلا آدم، وتحديدًا داخل غرفته الهادئة، استيقظ بتكاسل وجلس على حافة السرير، يمرر يده في شعره بينما شريط الأمس يعاد أمام عينيه.
تنهّد وهو يتذكر كلمات صهيب، كلمات كانت كالمرآة التي يهرب منها، رغم علمه بأنها الحقيقة.
لكنه – وكعادته – يكابر، يعاند، ويصمّ أذنيه عن كل ما لا يريد سماعه.
دوّى طرق خفيف على باب الغرفة، فعرف فورًا أنها والدته.
– ادخلي، يا ماما.
دخلت بخطوات هادئة وابتسامةٍ حاولت أن تُخفي بها حزنًا واضحًا.
لاحظ تعابير وجهها، فاعتدل في جلسته، بينما اقتربت منه بحنانٍ امتزج بالخوف.
– صباح الخير يا حبيبي... عامل إيه دلوقتي؟
ادم بهدوء... انا كويس يا حببتي متقلقيش 
امتلأت عيناها بالدموع دون ارادة منها عندما رأت يديه، فاقترب منها آدم واحتضنها وهو يتنهد بمحبة. انا مش فاهم سبب الدموع دي اي ما انا زي الفل اهو
لم تتحدث، بل نظرت إليه بعتاب، فهي لا تتحمل أن يصيبه مكروه.. 
تنهد ادم وقبل وجنتيها وبابتسامه.. حقك عليا صدقيني غصب عني وانتي بنفسك كلمتي عمران واتأكدتي منه 
أومأت له وتنفست بهدوء...يلاه اشرب العصير ده وشويه وهجهزلك الفطار عشان عارفه انك مش بتعرف تاكل اول ما تصحي. 
ادم بوافقه... تمام يا ست الكل هشربه وهاخد شاور وتكوني جهزتيه عشان الحق الشغل
احتقن وجهها بغضب واردفت بجديه... شغل اي اللي هتروحه بإيدك دي 
ادم بتفهم... المساعد بتاعي هيقوم بالمطلوب انا بس هراجع علي الملفات واقوله يعمل اي
حركت رأسها بالرفض، ونظرت إليه غير متقبلة لأي نقاش... مفيش شغل يا آدم وهتقعد في البيت النهارده ترتاح...
استسلم آدم لإصرارها، فـ هو يعلم أن والدته لن تسمح له بالذهاب مهما حاول. ليومئ لها وأخذ منها كوب العصير وبابتسامه.. تسلم ايدك يا حببتي
ربتت والدته على رأسه وبنبرة حانيه.. ربنا يحميك ويحفظك ليا يا ادم. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في منزل سماء، كانت في غرفتها تتحرك وعقلها منشغل بالتفكير .فهي تريد الاطمئنان عليه، لكنها في نفس الوقت لم تستطع، فتنهدت مستسلمة وقررت انتظار اتصال من حسناء وسؤالها.خرجت عند والدها وأيقظته للعمل، ثم أعدت الإفطار وجلسا معًا، ونظر إليها والدها وابتسم عندما رأى القلق الواضح عليها، فأردف بحنان.... احم انا كلمت ادم واطمنت عليه. 
سماء بلهفه.... وهو اخباره اي يابابا
الأب بحب... كويس يا حببتي وبعتلك السلام معايا. 
ابتسمت سماء وتناولت الفطور براحة فلاحظ والدها الأمر فرتسمت ابتسامه خفيفه علي ثغره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد الأماكن الراقية، كان صهيب يضغط بكل قوته على الأوزان الثقيلة، أنفاسه متتابعة وعضلاته مشدودة، كأنه يحارب صمتًا داخليًا لا يراه أحد.
كان معتادًا على بدء صباحه بالرياضة، فهي طقسه اليومي الذي لا يتخلى عنه.
لكن رنين هاتفه قطع تركيزه.
توقف، التقط المنشفة ومسح بها العرق المتصبب من جبينه، ثم مدّ يده وأجاب، وصوته لا يزال يحمل أثر الجهد.
_جاءه صوت من الجانب الأخر.. صباح الخير ي صهيب
صهيب بجديه.. صباح الخير يا اسر ليكمل بنتباه وصلت لحاجه
اسر بجديه... بظبط يا صحبي شكك في محله المهم انت ناوي تعمل اي. 
اغمض صهيب عينه بغضب ليكمل بوعيد.... هتعرف بعدين المهم اللي كلمتك عنه يتم من النهارده وبعدين هقبلك وهفهمك الوضع. 
أسر بموافقه...تمام يا وحش واضاف بهدوء.. احم معالي الوزير كان طالب مقابلتك يا صهيب 
صهيب بعند... اسمع يا اسر رجوع لشغل تاني مش هيحصل خلاص خلصنا. 
أسر بتفهم... تمام يا صهيب ربنا يعينك يا صحبي. 
انتهت المكالمة، وأغلق صهيب الخط بعصبية. قبض على الهاتف بقوة، وكأنّه يحاول كبح ما يفور بداخله.
لكن لا فائدة... الذكريات هاجمته كالسيل، دون رحمة.
أغمض عينيه بشدة، وكأن العتمة ستمنع الصور من الظهور. إلا أن الألم كان أعمق من أن يُطفأ.
هددته الدموع، وقفت على حافة الجفن تنتظر الإذن بالسقوط... لكنه رفض.
هو لا يُهزم، لا يُظهر ضعفه، حتى وإن احترق من الداخل.
فتح عينيه ببطء، زفر بقوة، ونهض بثبات مصطنع.
لقد قرر... حان وقت إنهاء كل شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد فروع شركات عمران، كان يجلس مع سامر وسارة على طاولة الاجتماعات، يتصفحون أوراق العمل أمام مجموعة من رجال الأعمال.
كانت الأجواء رسمية، مليئة بالتفاوض والتركيز.
أومأ عمران برأسه موافقًا على الاتفاق، يوقّع الأوراق بهدوء مدروس. تبعه سامر بالموافقة نفسها، لتنتهي الجلسة ويغادر الجميع.
بقي سامر يتحدث مع سارة قليلًا، يناقش معها بعض التفاصيل المتعلقة بإجراءات المشروع، ثم استأذن ليراجع بعض الحسابات مع محاسب الشركة.
لم يبقَ في الغرفة سوى عمران وسارة... وسكونٌ مفاجئ خيّم على المكان.
جلست سارة تراقبه بصمت، تلاحظ شروده المستمر، ونظراته التائهة في مكانٍ آخر.
– مالك يا عمران؟
قالتها بهدوء، تقطع بها صمته الثقيل.
زفر عمران ببطء، لم يلتفت نحوها بل ظلّ يحدق أمامه، ثم أجاب بصوت خافت متعب:
– بفكر في آدم...
ساره باستغراب... ماله ادم في حاجه حصلت. 
أومأ عمران واردف بجديه..... ادم حاطط عصابة الكردي في دماغه ومش ناوي علي خير 
شهقت من الصدمة لتنتفض من مكانها ، غير مدركة  ما يقوله عمران... انت بتقول اي
تنفس عمران بحزن فـ هو يعلم خطورة الأمر، فمرّر أصابعه في خصلاته وأضاف بتنهيدة...صهيب معجبوش الوضع وحذره وزي ما انتي عارفه ادم مش بيسمع لحد ودا معجبش صهيب وقدم استقالته ولما كلمني روحت لقيته متعصب ومكسر المكتب وايده بتنزف لدرجة انه احتاج نقل د*م
تلألأت الدموع في عيني سارة، ولم تستطع السيطرة عليها، فـ نهمرت على وجنتيها من الألم، فـ آدم دائمًا لا يفكر في حياته أو ما سيحدث له...
ربت عمران علي يدها بحنان... هيكون كويس انا متأكد واحنا معاه. 
أومأت سارة برأسها بحزن دون أن تتحدث، فأمسك عمران بهاتفه وبهدوء... انا هكلمه ونطمن عليه
نظرت له سارة بلهفة وأومأت له وهي تفرك يدها بسعادة غامرة، فهي افتقدت صوته. أما عمران فاتصل به وانتظر الرد.... 
وعلى الجانب الآخر كان آدم جالساً يتابع عمله على جهاز اللاب توب،فتسمع لهاتفه يرن، وظهر له رقم عمران. تنهد ورفض الرد عليه، فجاءه الاتصال مرة أخرى، فأجاب حتى لا تلاحظ والدته...خير
تحدث عمران من الجانب الاخر باهتمام... انت كويس
ادم بجمود... كويس 
عمران بتنهيده... تمام واغلق بعدها ثم رفع بصره إليها...
كانت ملامحها منهارة، ودموعها تهطل بغزارة على خديها، وكأنها انكشفت أمامه تمامًا.
مدّ يده ومسح وجهه بتعب، بينما يشغله حالها...
ماذا لو علمت؟ ماذا لو عرفت أنه قد ارتبط؟
كان يعرف الجواب من نظرة عينيها.
نظر إليها مجددًا، وقال بصوت عقلاني حاول أن يُخفي خلفه حزنه:
– سارة... إنتِ وعدتيني إنك تنسيه وتعيشي حياتك.
وأنا صدقتك... قلت يمكن دي مشاعر مرهقة وهتعدي،
بس نظرتك، وخوفك، ودموعك... بيقولوا غير كده.
أخفضت سارة رأسها، وارتجف جسدها بالبكاء، ثم دفنت وجهها بين كفيها وهي تنطق بصوت مكسور:
– مش بإيدي يا عمران... صدقني، أنا حاولت.
عمران بضيق... لا يا ساره انتي محولتيش
رفعت سارة رأسها تنظر إليه، وقد احمر وجهها وارتجفت عيناها من كثرة البكاء. كانت ملامحها منهارة، ونبرتها تحمل خليطًا من الانفعال والدموع.
– مكنتش هتقول كده... لو عشت اللي جوايا.
لا يا عمران... لو بإيدي، كنت دست على قلبي بميت جزمة، بس أرتاح من الوجع اللي بيقطعني كل يوم.
انفجرت دموعها من جديد، بحسرة خنقتها. وضعت يدها فوق قلبها وكأنها تحاول تهدئته، لكنه كان يئن.
– غصب عني يا عمران... قلبي بيحبه.
حاولت كتير أنساه، أدّيت لنفسي فرصة... وارتبطت!
بس مفيش فايدة... لا عيني شافت غيره، ولا قلبي دق لحد غيره.
صوتها كان متقطعًا، يتخلله شهقات متعبة:
– قولي بالله... أعمل إيه؟ أحاول إزاي؟
اللي أنا فيه مش حياة... دا مو*ت بالبطيء، كل يوم.
شعر عمران بالحزن علي حالها فهي محقه هو لم يمر بتلك المشاعر من قبل لذلك لا يشعر بألمها فقترب منها وضمها بحنو حتي تهدأ.... اهدي يا حببتي انا اسف الحق مش عليكي الحق علي الو*اطي اللي واجع الكل عليه 
ابتسمت ساره رغما عنها ليكمل عمران بهدوء... انتي عارفه ان خوفي عليكي هو بيخليني اقولك كده
أومأت سارة برأسها بصمت، ودموعها لا تزال تنهمر.
هي تعرف... آدم لن يقبل حبها أبدًا، يكفي ما فعلته، يكفي ما سبّبته له في الماضي.
مجرد تذكّر كراهيته ونفوره منها، جعل عينيها تدمعان أكثر، كأن قلبها يُصفع من الداخل.
لاحظ عمران ذلك، فابتعد عنها قليلًا، ثم رفع وجهها برفق، ونظر في عينيها بنبرة مليئة بالحنان:
– أنا عارف... عارف إنتي بتفكري في إيه.
بس إنتِ ملكيش ذنب يا سارة،
اللي غلط هو أنا... أنا اللي كنت فاكر إني بحميه.
أغمض عينيه وتنهد، كأن الألم أثقل صدره:
– صدقيني... كنت فاكر إني بعمل الصح.
بس يوم شوفت كسرة آدم ووجعه...
ويوم شفتك إنتي وانتي مقهورة ومكسورة...
وقتها بس، تمنيت أمـــوت ولا أشوفكم في الحالة دي.
مسحت سارة دموعها ، ثم مدت يدها وأمسكت بيده، نظرت إليه بثقة صادقة، واردفت بنبرة حزينه:
– إنت عملت اللي قدرت عليه عشان تحميه يا عمران.
حتى لو اللي عملته وجع آدم... ووجعني أنا كمان.
بس في الآخر، أنا عارفة... همّك الأول والأخير كان حمايته من عيسى.
تنهدت، واغمضت عينيها لحظة، ثم فتحتها تكمل بصوت أقوى:
– وصدقني... عيسى مكانش هيسكت، ولا كان هيسيب آدم في حاله.
وانت وقتها كنت بين نارين...
مش قادر تحمي أخوك من جبروته، ولا قادر تحكي اللي سمعته.
نظرت في عينيه بتأكيد:
– ولو كنت اتكلمت... محدش كان هيصدقك، ولا هيقف جنبك.
حرّك عمران رأسه بحزن، ثم مد يده ومسح دموعها برفق، ونبرته حملت صدقًا حنونًا:
– مش عايز أشوف الدموع دي تاني،
علشان إنتِ غالية...
وتستاهلي حد يبادلك مشاعرك، ويحطّك فوق راسه.
في تلك اللحظة، سُمع طرق خفيف على الباب.
أسرعت سارة بمسح دموعها، تحاول استعادة تماسكها.
نظر عمران نحو الباب، واردف بهدوء:
– اتفضل.
دخلت السكرتيرة بخطى مهذبة، واردفت باحترام:
– عمران بيه، البشمهندس سامر طالب حضرتك في مكتبه.
أومأ عمران برأسه:
– تمام...
ثم التفت إلى سارة بنظرة خفيفة، كأنها وعد بالصمت والاحتواء، واتجه بعدها نحو مكتب سامر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد أماكنه الخاصة، جلس في صمت تام، وأمامه شرابه المفضل يتصاعد منه البخار بخفة.
كان غارقًا في التفكير، عيناه تلمعان بخطط لا يعرفها سواه.
كان هدفه واضحًا: ضمّ صهيب إلى رجاله... مهما كلّف الأمر.
فهو يدرك جيدًا أن وجود صهيب إلى جانبه سيكون ضربة موجعة لآدم، ومكسبًا ثمينًا له.
ورغم أن رغبته في الانتقام من آدم مشتعلة...
إلا أن سعادته كانت واضحة حين علم بأن صهيب قد تركه.
ذلك الانسحاب وحده، كان بمثابة موافقة غير معلنة.
ابتسم ابتسامة نصر، عينه تلمع بدهاء.
– "هو هييجي... مفيش غير كده، طالما ساب آدم، يبقى اتفتح الباب."
وفي تلك اللحظة، رن هاتفه.
أجاب بنبرة هادئة لكن مشبعة بالتحكم. 
: الو
جاء الصوت من الطرف الآخر:
– أهلًا يا غالب.
غالب بستفسار...صهيب؟ 
صهيب بجمود.....من بكره هبدأ الشغل 
غالب بخبث.... اهلا بيك بين رجالتي يا تمساح
صهيب بجديه....طالما انا المسؤول عن حراستك فـ ليا اسلوبي وكام حاجه بعملها قبل ما ابدا 
غالب بتفهم... اعمل كل اللي عاوزه انت بقيت دراعي اليمين والحارس الخاص يعني كل حاجه تحت مسؤوليتك. 
انها صهيب المكالمه لـ يغمض عينيه ويفتحهما مرة أخرى، فيتحول لونهما إلى اللون الأحمر الداكن، مما يدل على مقدار الغضب والشر الذي يتصاعد بداخله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اليوم التالي
غادر آدم إلى شركته، وبدأ يومه كالمعتاد بمساعدة سكرتيرته، يتابع المهام ويراجع الملفات بدقة.
وبينما كان يملي بعض التعليمات على مساعده، رنّ هاتفه باتصال من رقم مجهول. أجاب وعيناه لا تزالان على شاشة اللابتوب.
– ألو؟
جاءه صوت متهكم، غريب عن الأذن...
– أهلًا يا آدم بيه.
رفع آدم عينيه ببطء، وقال بجمود:
– مين؟
أجابه الصوت الغامض:
– مش مهم أنا مين، المهم إن عندي خبر... هيهزك من جوه. خبر عن صاحب عمرك.
تجهم وجه آدم، وتبدل صوته لنبرة أكثر حذرًا:
– اخلّص.
ضحك المتصل بسخرية:
– مش هتتغير يا ابن شعيب... بس ماشي، هخلص.
ثم قال بنبرة حاقدة:
– صهيب بيه... صاحبك الوفي...
انتفض آدم من كرسيه، كأن شيئًا لسعه فجأة، واردف بجدية حادة:
– خلصني، ماله صهيب؟ حصله إيه؟
رد الصوت بضحكة باردة:
– لا، لسه ما حصلوش حاجة... بس لما تعرف اللي عمله، خوفك عليه هيتحوّل لصَدْمة.
.
آدم ببرود قا*تل: كمل.
تلك النبرة الهادئة، والثقة التي لم تهتز، جعلت المجهول على الطرف الآخر يتمنى لو خنقه بيديه فقط ليُسكِت براكين الغضب المتأججة داخله تجاه آدم.
المجهول بغلّ واضح: صهيب الجندي باعك، واشتغل مع غالب زهران... وأكيد طبعًا إنت عارف مين غالب زهران، والكل عارف "حبه الكبير ليك".
صُدم آدم للحظة، ارتبك داخله لكنه تمالك نفسه سريعًا. استعاد جموده وأردف ببرود:
تمام. والغرض من معلوماتك "القيمة" دي إيه؟
المجهول بغضب مكتوم: لا... بس حبيت أوصلك الخبر بنفسي، قبل ما تسمعه من حد غريب.
آدم بسخرية: متأكد؟
المجهول: جدًا.
ضحك آدم ضحكة باردة مستهزئة، واردف ببرود:تمام
ثم أنهى المكالمة دون أن ينتظر منه كلمة أخرى... فالصاعقة التي سمعها، وإن حاول إخفاء أثرها، كانت أعمق من أن تُحتوى.
_وفي تلك اللحظة سمع طرقاً على الباب ودخول عمران الذي أكد بمجيئه تلك المكالمة من ذلك المجهول، فنظر إليه بصمت، فأشار عمران لسكرتير بالخروج وجلس أمام آدم دون كلمة، اما آدم ظل ينظر إليه بصمت، بينما عمران أمامه يحاول قراءة ما يدور في ذهنه، وهل علم بأمر صهيب فلم تكن صدمته مما فعله صهيب قليلة. فهو يعلم بصداقتهم، ويعرف الثقة الكبيرة التي يكنها آدم له، فقال بهدوء تحت أنظار آدم الغامضة الذي لا يستطيع قرأتها.... احم انت كويس واخبار ايدك اي. 
ادم بجمود وتلك النظرات الغامضه لازالت موجوده... ادخل في الموضوع علي طول وقول جاي ليه. 
عمران بتنهيده...هكون جاي ليه جاي عشان اطمن عليك. 
ادم بسخريه...متأكد انك جاي عشان كده ولا خايف من انهياري فحابب تكون جمبي. 
تنهد عمران بحزن وعلم ان ادم وصلته الأخبار فـ أضاف بجديه... واي اللي هيخليك تنهار. 
حرّك آدم كتفيه بلا مبالاة، كما لو أن ما سمعه لم يترك أي أثر. اتجه بخطوات هادئة نحو النافذة، أسند يديه على الحافة، وتأمل الأفق بعينين جامدتين، قبل أن يهمس بصوت منخفض قاتل:
آدم: ممكن... بسبب صدمتي في كل اللي وثقت فيهم، وافتكرتهم إخوات.
أو يمكن... علشان عدم الثقة اللي اتخلقت جوايا من بعد النهاردة.
وانت طبعًا فاهم ده معناه إيه.
ثم التفت ببطء إلى عِمران، بابتسامة باردة لا تحمل أي دفء، وقال بنبرة هادئة 
: متقلقش...
أكبر صدمة أخدتها كانت فيك.
ومن ساعتها بقى عندي مناعة.
صمت للحظة، ثم أضاف ببرود أشد:
 يعني... وجودك هنا ملوش أي لازمة.
أومأ عمران برأسه وتنهد تنهيدة ثقيلة وهو يستمع إلى ما كان يقوله آدم ويضيف بجدية...انا مش جاي عشان اسندك في انهيارك لاني عارفك بياع ولو فكر حد يجي عليك بتكون فارمه قبلها ومبتعملش حساب لعشره. صمت وهو يراقب نظرات ادم وابتسامته الساخره ليكمل بجديه... انا حابب اعمل شغل معاك ويكون ليا وجود في شركتك. 
خرجت ضحكة عالية من فم آدم على ما قاله عمران فأردف بسخريه من بين ضحكاته...حابب تشتغل معايا لا حلوه النكته طيب ما تقول حابب اكون معاك وعيوني عليك اهي مقبوله اكتر. 
تجهم وجه عمران وسحب خصلات شعره بغضب....خلاص تيجي تعيش معانا 
إشتعلت عيون آدم وهو يصر على أسنانه بغضب فهبد المكتب بقوه غير أبه ليده مما جعلها تنزف مره اخري لكنه لم يشعر او ينتبه اليها فغضبه تمكن من عقله فزمجر بشر...بلاش تخلي اللي بينا يسوء اكتر من كده واتفضل شوف مصلحتك وياريت كل واحد فينا يخليه في حياته لأني مش هسمح ياعمران بتدخلك في حياتي تاني وان كان سكوتي هيألك ان انا ممكن اسامح واصفا تبقا غلطان لأن انت بنسبالي أكبر عدو بس للأسف عدوى يبقا من دمي وأضاف بنبره كالفحيح وأنا مش حابب الوث ايدي بد*مك
_لأول مرة رأى عمران نظرات الشر في عيني آدم، ولأول مرة يتحدث آدم بهذه الجدية، وأكثر ما صدمه هو صراحته بأنه ألد أعدائه. هذه الجملة كانت كافية لإيذاء عمران. فلم يتمكن من النطق بجمله وأصر على الصمت خوفا من أن يفقد السيطرة ويتحول حديثهما إلى قتال يقـ*تل أحدهما، فضم يده. بقوة حتي لا يتغلب عليه غضبه وانكساره من كلامه،... لا يعرف ذلك الغبي كم عانى من أجله ومن أجل حمايته. لقد فعل كل شيء لحمايته من طغيان عيسى. أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه بهدوء، كما لو أن النيران المشتعلة في قلبه ستنطفئ في تلك التنهيدة. قام من مكانه واقترب من آدم ونظراته باردة لا توصف ما بداخله .  ليقف أمامه، ولا يفصل بينهما سوى خطوة واحدة، وانحنى على أذنه وهمس ببرودته القاسيه التي اشتهر بها... هعمل نفسي مسمعتش الكلمتين البيخين دول يا آدم واكمل بنفس النبره... واللي في دماغي هعمله غصب عنك وفكر تقف قدامي... أما بقا شوية التخاريف اللي حاططهم في دماغك حاول تتغاضا عنهم عشان في الأخر الندم مش هيصيب غيرك وأضاف بسخريه يا صحبي...... 
أنها عمران حديثه بسخرية، ورغم الغضب والحزن الذي شعر به، إلا أنه لم يغفل عن يد آدم، فانصرف من أمامه، تاركًا الشركة، وقد اسودت عيناه من شدة غضبه، وظهرت عروق رقبته تكشف عن الغضب الذي يعتليه، فحاول أن يتمالك نفسه وركب سيارته وغادر... اما عند ادم فجلس مكانه ودخل تلك الدوامة التي كان يعيش فيها لفترة طويلة.. دوامة الصراع والغضب دوامه تفتك بقلبه 
بقي كما هو دون أن يلاحظ قطرات الد*م المتساقطة على الأرض وعلى مكتبه.. 
وفي مكان اخر كان عمران،  يقود سيارته بسرعة كبيرة، وتتردد كلمات آدم في ذهنه. فتذكر نزيف يده، فأبطأ من سرعته وأخرج هاتفه أجرى مكالمة. وتلقى الرد بعد فترة من الجانب الآخر.
_السلام عليكم 
عمران بجديه... وعليكم السلام اخبارك اي يا سماء
سماء بهدوء... تمام الحمدلله حضرتك البشمهندس عمران ولا انا غلطانه لأن الرقم ظهر بـ الاسم ده علي التطبيق
عمران بتأكيد... اه انا المهم كنت عاوزك تروحي لأدم ياريت لاني مش موجود دلوقتي وفي واحد كلمني وقال انه متعصب وضرب ايده في حاجه واتفتحت تاني واكيد انتي عارفه عنده. 
سماء بخوف...بس هروح بصفتي اي
عمران باستغراب... بصفتك اي ازاي 
_لاحظت سماء ما تفوهت به لتبرر ما قالته بتوتر.. اقصد يعني هروح الشركه قدام الموظفين ازاي واحنا لسا مفيش اي حاجه راسمي حصلت ومحدش يعرف اننا قرأنا الفتحه حتي انت ابن عمه ومكنتش تعرف. 
ضرب عمرام عجلة القيادة بغضب. يفهم ويقدر ما تقوله، لكنه لن يترك شقيقه في تلك الحاله مهما حدث، ليواصل جديا...اركنى كل ده علي جمب يا سماء وروحي لأدم دا مش وقت اهتمام بنظرت الموظفين ولا رسميات وبكره الموظفين يعرفوا لما تتم الخطوبة
سماء بهدوء... تمام يا بشمهندس. 
انتهت المكالمه وهي متوتره لم تتخيل ان تمر بذلك الموقف فـ ظلت تفكر بخوف وقلق علي ادم فعزمت امرها وقررت الذهاب وركنت ذلك العقل وفعلت ما يمليه قلبها. 
ذهبت بسرعة لتبديل ملابسها وغادرت المنزل وطلبت من الحارس أن يأخذها إلى الشركه. تفاجأ الحارس وطلب منها نقل الأمر إلى آدم فأقنعته بأنها أخبرته بقدومها إليه. تفهم الحارس ووافق على طلبها وغادرو. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكانٍ آخر، كان يقف أمام شاشة العمل، يتفحّص التفاصيل بدقة، يعدّل بعض الأوامر بيده، يتحكم في كل شيء بهدوء واحتراف.
دوّى صوت طرق خفيف على باب مكتبه.
أجاب دون أن يلتفت، وعيناه لا تزالان معلّقتين على الشاشة:
– ادخل.
انفتح الباب بهدوء... لكن لم يصدر أي صوت بعدها.
استغرب الصمت، فالتفت ببطء إلى الخلف، لتقع عيناه عليها.
كانت واقفة عند الباب. متوترة.
عيناها مُعلّقتان بالأرض، ويداها تفركان بعضهما بحرج ظاهر، وخدّاها قد اشتعلا حمرة، كأن الخجل أعلن الحرب على وجهها كله.
تأمل ملامحها للحظات بصمت، شدّه ارتباكها، وجمال ضعفها في تلك اللحظة.
لكنه سرعان ما استعاد جديّته، ونبرته المعتادة، وقال:
– تعالي يا عائشة.
رفعت عائشة عينيها إليه بتردد، ثم تقدّمت بضع خطوات نحو المكتب.
أشار لها بهدوء أن تجلس، فجلست بتوترٍ ظاهر لا تحاول حتى إخفاءه.
راقب ارتباكها، وابتسم بخفة، واردف بنبرة جادة:
– طالما جيتي لحد عندي، يبقى فعلاً مهتمة... وفعلاً حابة تشتغلي بجد.
أومأت برأسها دون أن تنطق، فتابع بصوت هادئ وواضح:
– تمام، وأنا عند وعدي.
هدربك بنفسي، وهديكي كل المعلومات اللي هتحتاجيها.
وأول مشروع هتشتغلي عليه بعد التدريب... أنا اللي هحدده.
وهرجعلك برأيي بصراحة، وهركّز على كل نقطة ضعف، وأحولها معاكِ لنقطة قوة.
بس اللي يهمني فعلاً، هو إصرارك، وعزيمتك، وجديتك في الشغل والتعامل.
ها، كلامي واضح؟
عائشه بسعاده... واضح
سامر بابتسامة هادئة:
– تمام، نبدأ من النهاردة.
بُصي على الشاشة دي، ولو في حاجة لفتت نظرك، أو شايفة إنها محتاجة تعديل، قوليلي.
ولو مش قدرتِ تطلعي حاجة، فده طبيعي... لأن ده منتجع سياحي، وده النوع اللي محتاج مهارة عالية، وسنوات شغل وخبرة، علشان نقدر نقدّم تجربة سياحية مبهرة من كل الجوانب.
صمت قليلًا ثم تابع بجديّة:
– أهم نقطة إن أول حاجة بتشد السائح مش الخدمة... التصميم.
لازم يبهره من أول نظرة.
عشان كده دايمًا نحرص على إنه يكون مميز، مريح، ويخاطب العين والعقل.
المهم دلوقتي، ركّزي، وقوليلي: إيه ممكن يتعدل أو يتطوّر؟
أومأت عائشة بتوتر خفيف، ثم بدأت تركز على التصميم المعروض أمامها على الشاشة. مرت لحظات، ثم التفتت إليه وترددت قليلًا قبل أن تقول:
عائشة بتساؤل خجول:
– أحم... هو التصميم ده لحضرتك؟
سامر وهو يومئ بالنفي بابتسامة خفيفة:
– لا يا ستي، دا منتجع موجود فعلاً في الساحل، ومطلوب مننا نعمله إعادة تصميم... زي تجديد شامل كده.
هزّت عائشة رأسها بتفهم، ثم قالت بتركيز:
– لو حضرتك لاحظت، التصميم الحالي تقليدي جدًا، مفيش فيه حاجة تميّزه عن أي منتجع تاني.
هو محتاج ابتكارات حديثة، حاجات تخليه مختلف فعلًا.
المساحات ضيقة ومش مستغلة بشكل فعّال، بس الملفت إن التصميم واخد في اعتباره إمكانية التوسيع، وده شيء إيجابي.
كمان مفيش أي اهتمام بالضوء الطبيعي أو التهوية، وده واضح جدًا من توزّيع النوافذ والمساحات المغلقة.
سامر بإعجاب صادق:
– برافو عليكي يا عائشة.
عائشة بابتسامة خجولة:
– شكرًا.
تحوّلت ملامح سامر إلى الجدية وهو يضيف:
– دلوقتي هنبدأ نعدل الملاحظات اللي قلتي عليها...
وفي كام نقطة هركّزلك عليهم، فافتحي دماغك معايا.
عائشة بحماس امتزج بسعادة داخلية واضحة:
– حاضر.
ابتسم سامر وهو يلمح حماسها الصادق، ثم بدأ يشرح التعديلات، يشير هنا وهناك، بينما كانت عائشة تتابعه بانتباه شديد، كأنها تمتص كل كلمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ♡♡♡
وقفت سماء أمام مبنى الشركة، وترجّلت من السيارة بهدوء، لكن عيناها لم تستطع إخفاء الدهشة والإعجاب.
رفعت بصرها تتأمل الواجهة الزجاجية البراقة، وشعار الشركة المنقوش بعناية، وهمست لنفسها بإعجاب:
– ما شاء الله.
ابتسمت بتمنٍ صادق:
– ربنا يوفّقك يا آدم... دايمًا.
لوّح لها الحارس مشيرًا إلى المصعد، فشكرته وتوجهت نحوه.
حين وصلت إلى الطابق المخصص لمكتب آدم، تقدمت وسألت أحد الموظفين عنه.
اقترب منها شاب ببدلة رسمية، وقال باحترام:
– أنا السكرتير الخاص، يا فندم. ممكن أعرف حضرتك مين؟
سماء بتوتر ملحوظ وهي تُخفض صوتها قليلًا:
– أنا... خطيبته. بس كنت حابة أعمله مفاجأة.
تجمّدت ملامح السكرتير للحظة، وبدت على وجهه علامات الاستغراب الصريح:
– خطيبة آدم بيه؟!
أومأت سماء بخجل وتوتر، فحاول السكرتير تدارك دهشته، وأشار لها بالدخول:
– اتفضلي، المكتب قدّام حضرتك.
ومع خطواتها نحو باب المكتب، تسارعت نبضات قلبها... لا تدري إن كانت تخطو نحو لحظة دافئة... أم بداية صدمة لم تكن بالحسبان.
ـ 


تعليقات