رواية آخر نفس الفصل الثامن 8 - بقلم رشا روميه

 رواية آخر نفس الفصل الثامن 8 - بقلم رشا روميه

•• لهب الحريق ••

لم يعد هناك فرق بين ليل ونهار فكلاهما مظلم ، تماماً كطريق هؤلاء الشباب يتخبطون بين أفكارهم دون إدراك للصحيح والمخطئ ، ينظرون للأمور بسطحيه ويتشبثون بأرآئهم حتى لو أنها تسير على طريق الخطأ ...

بعد ما مرت ساعات أخرج كل منهم فِراشه المرتحل من حقائب ظهورهم لينالوا قسط من النوم بعد هذا العناء ، خاصه وقد بدأ يومهم مبكراً للغايه وإنتهى بإحتجازهم بداخل كهف ...

لكن من أين يأتى النوم ومن أين تأتى الراحه فقد إستيقظوا مرة أخرى على صرخه هلعه دقت بقلوبهم تخوفاً ....

إتسعت عيناهم بفزع وإندهاش حين رأوا لهيب النار المشتعل ، تلك النيران التى لم تأتى من الشعلة خاصتهم بل كانت تلتهم ساق "ياسمين" بشراسه وهى تصرخ بتألم ...
_ ااااااااه ... إلحقووونى ... أنا بتحرق ...

إنتفض الجميع من نومتهم إثر صرخه "ياسمين" الهلعه المتألمه ، حاولت "يارا" بتشتت إنقاذ "ياسمين" التى تصرخ وتتلوى من الألم وقد إشتعلت النيران بساقها بشكل مفزع لكنها لم تقدر على فعل شئ ...

لم ينتظر "زيد" الكثير تلك المرة فقد أسرع بإتجاه "ياسمين" خالعاً قميصه الأزرق ليلقى به على الفور فوق النيران التى تزداد إشتعالاً لإخمادها وهذا ما نجح به بالفعل ...

صرخات قلبه كانت أقوى وأشد من تألم "ياسمين" وبكائها فكم يتحمل من الألم لرؤيتها تتوجع وتتأوه بتلك الصورة ...

سقطت "ياسمين" أرضاً تتأوه بقوة لكن عيناها اللتان صعدتا للأعلى لتقابل عيناه المتلهفتان بتخوف وصدره المضطرب صعوداً وهبوطاً بقلق على "ياسمين" وهى تحمل شكر وإمتنان على إنقاذها قبل أن تلتهمها النار بأكملها ...

لحظات قصيرة جمعت عيناهما بحديث صامت قبل أن تقترب "زينه" من "ياسمين" وهى تخرج من حقيبتها أحد عبوات الأدوية ملوحه به بوجه "ياسمين" قائله ...
_ معايا مرهم للحروق أهو ... خدى يا "ياسمين" إدهنى منه رجلك حبيبتى .. أنا مش عارفه النار مسكت فى رجلك إزاى بس ... ؟؟!!!

عادت "ياسمين" لتأوهاتها وهى تمسك بتلك العُلبه من يد "زينه" قائله ...
_ مش عارفه يا "زينه" أنا كنت نايمه قمت لقيت النار ماسكه فى رجلى ... اااااااه ... بتوجعنى أوى ....

_ تلاقيكى حطيتى رجلك ناحيه الشعله بتاعه النار إللى فى النص دى ... معلش حبيبتى ألف سلامه ... إن شاء الله ميكونش الحرق كبير ...

حاولت "ياسمين" نزع بقيه بنطالها بعد إنزواء الشباب جانباً لوضع هذا المرهم فوق موضع الحرق قبل أن تضطر لإخراج فستان بسيط من حقيبتها لتبديل ملابسها الضيقه بأخرى فضفاضه حتى لا تحتك بتلك المنطقه التى إحترقت ...

وعلى الرغم من أن الجزء الذى تضرر من تلك النيران بساق "ياسمين" جزء بسيط للغايه فقد لحقها "زيد" بالبدايه إلا أنه كان مؤلم للغايه ....

وضعت "ياسمين" هذا الحادث ضمن إطار الحظ السئ لفقدان السلسال كالعادة لتزيد من توهم البقيه أن ما يحدث بالفعل إثر ضياعه حقاً ...

بعد إنتهاء كل تلك الاضطرابات إقترب "هادى" من "ياسمين" يطمئن عليها مثله كمثل أى غريب أثار ذلك غصه بنفس "ياسمين" فكم كانت تتمنى أنه هو من يسرع لإنقاذها وليس "زيد" ....

بإبتسامه دبلوماسيه شديدة سأل "هادى" لـ"ياسمين" ...
_ أحسن دلوقتى ... ؟!!

أومأت رأسها بالإيجاب وقد دار بعقلها سؤال مستنكره به رد فعله المتباطئ ....
( هو ليه محاولش ينقذنى من النار ... ليه مكانش قلقان وملهوف عليا كدة .... ليه معملش زى "زيد" )

بتجول هذه الأسئلة بداخلها لم تشعر بنفسها حين تطلعت بـ"زيد" تلقائياً لتجد نظراته القلقه المثبته نحوها هى من كانت تبتغيها بالفعل من "هادى" وليس منه ...

لفت إنتباهها جسده الرياضى بعد خلعه لقمبصه الذى أخمد بها النار لتراه بصورة أخرى ليس بتلك الصورة السيئه كما إعتادت رؤيته لكنها سرعان ما أخفت فضولها نحوه بالتحدث مع "يارا" و "زينه" هاربه من كشفه لها حين أخذت تحدق به ...

تطلعها به جعله يشعر بالنشوة ولو لوقت قصير قبل أن ينهر نفسه على ما بدر منه فهى مازالت حبيبه صديقه لينحى عيناه مبتعداً عنها باحثاً عن "هادى" و "عامر" ...

*****

بيت ياسمين ...
بجلستها القلقه إستمعت لدق الباب فهمت لرؤيه من قد أتى إليها ، لكنها كانت متوقعه على الأغلب من ستجد ...

لم يخيب ظنها وربما لأول مرة يحدث عكس توقعها فها هو طليقها يقف بالباب بإنتظارها ، كم طلبت منه ولم يلبى طلبها مطلقاً ، لكنه اليوم عندما طلبت مساعدته حضر على الفور دون تقاعس كعادته ...

زفرت بنهج متضايق حين إستقبلته قائله ...
_ أهلاً يا مندور ... إتفضل ...

دوماً كان يتوقعها معارضه شرسه لكنها قلقه حزينه أشفق عليها حقاً ...
_ مالك يا "سعاد" ... إيه إللى قالقك كدة ... دى رحلة ... وأكيد مبسوطه وكله تمام ...

حركت رأسها بالنفي قبل أن تجيبه بنبره مهتزه ...
_ لا يا "مندور" ... قلبى واكلنى عليها أوى ... حاسه إن فيها حاجه ... ربنا يستر ...

_ إطمنى يا "سعاد" أنا معاكى وحفضل جنبك لحد ما نطمن عليها ...

إحساس غريب إجتاحها ... المساندة ... إحساس لم تشعر به يوماً معه ، ترى هل سيكمل معها حقاً أم إنها مجرد كلمات عابره وليدة الموقف وسيعود كما كان ، تفاجئت من داخلها بطريقته الجديدة وكم تتمنى أن يبقى هكذا فالطالما تمنته مهتماً مؤازراً منذ معرفتها به ...

أخذت تتابع "مندور" وهو يحاول الإتصال ببعضاً من أصدقائه ومعارفه للوصول للمسئولين عن تلك الرحله والمنظمين لها للوصول لمكان إبنته الوحيدة "ياسمين" ...

****

الكهف ....
كبحور من الظلمات المتتالية من خندق لخندق ومن ممر لممر سارت المجموعه تستكشف المكان من حولهم دون جدوى ...

زاغت عينا "زيد" قليلاً وهو ينظر بجانب عيناه العاشقتان لتلك الفراشه المتألمه ليلتفت نحو الجميع قائلاً ...
_ تعبنا أوى النهارده ... كفايه كدة ونقعد نرتاح شويه ... أنا تعبت أوى ...

ربما لم يكن هو من يشعر بالإرهاق والتعب لكنه لم يصرح أن هذا الوقت المستقطع للراحه فقط لها هى ، هى لم تطلب ذلك لكنه شعر بقلبه ما تود أن تقول فإحساسها بالذنب وأنها سبباً لم وقعوا به جعلها تتحمل الألم بداخلها وتسير وفق المجموعه بصمت بحثاً عن مخرج لكنها كانت تود فعلاً السكون والراحه فألم الحرق مازال ملتهباً مؤلماً للغايه ...

ليس من العشق أن تتحدث كثيراً عنه ، لكن العشق من يشعر بمن يحب دون التفوه بكلمه ألم ، أن يشغل فكرك وأولياتك وإهتمامك فـ "زيد" طوال الوقت عيناه معلقتان بفراشته يود لو يركض تجاهها يحملها بين ذراعيه القويتين حتى لا تتألم وهى تتبعهم بساقها المتألمه ... لكنه لا يقدر ...

عقصت "ياسمين" وجهها بتألم وهى تهتف براحه ...
_ ياااه ... كنت مش قادرة أكمل ...

إحساس بداخلها جعلها تشعر أن "زيد" توقف من أجلها لترفع ببصرها تجاهها وهى تتسند للجلوس لتتلاقى عيناهما بحديث صامت جعلها تنتفض من داخلها لما شعرت به وجعلها تنهر نفسها وتنعت نفسها من داخلها بالخائنه لـ"هادى" ...

هذا الأخير الذى إنتهز فرصه تلك الراحه وإقترب نحو "ياسمين" جالساً إلى جوارها قائلاً ...
_ رجلك لسه وجعاكى ...؟!!

أجابته "ياسمين" وقد بدا على وجهها إرتباك شديد حاولت إخفائه وهى تخطف نظرات بين الحين والآخر تجاه "زيد" الذى لم يثنى عيناه عنها للحظه ...
_ ااا ... أيوة ... يعنى شويه ...

ضم "هادى" شفتيه بتملل قائلاً ..
_ أصل بصراحه اللبس الواسع ده عليكى مش حلو أبداً ... إلبسى هدومك التانيه أحلى بكتير وبتخليكى ملكيش حل ...

نحت "ياسمين" عيناها عن "زيد" ونظرت بتمعن تجاه "هادى" متسائله بضيق ...
_ يعنى إنت عاوزنى فى حالتى دى ألبس بنطلون ضيق تانى وأنا رجلى محروقه ... مش هامك يعنى إللى أنا بحس بيه ... المهم أبقى حلوة جنبك عشان عايزنى حلوة قدام الناس .. ؟!!

كان رده صادماً وهو يعقب بلا مبالاه وأنانيه شديدة للغايه ...
_ مش للدرجه دى يعنى ... متزوديهاش ... ده مش حرق كبير .. وإنتى ماشيه معانا من بدرى أهو مش واجعك يعنى ....

أيستخف بألمها لهذا الحد ، ألا يشعر بوجعها وتألمها ، لتصدمه هى بردها الغاضب المشمئز منه ...
_ لأ ... كبير ... وواخد جزء كبير أوى من رجلى ... وأنا بس ساكته عشان كلكم محسسنى إنى أنا السبب فى كل المصايب دى ...

أعاد "هادى" جزعه للخلف ولم يهتم سوى لنقطه واحدة فقط بحديثها ، أن هذا الحرق كبير ولابد أنه ظاهراً للغايه ، إنها مشوهه الآن ، لم تعد جميله نقيه كما يظن ليردف بتقزز ...
_ إيه ...؟!! حرق كبير ... !!! يعنى إيه حتفضلى مشوهه كدة ...؟؟!!!

رفعت حاجبيها بإندهاش مما إهتم به دوناً عنها لتتسع عيناها العسليتان بصدمه من حديثه المستفز لتجيبه بغيظ شديد ...
_ اه ... حفضل كدة ... إيه ... بقيت معيوبه ... منفعش ...؟!!

إزدرد "هادى" ريقه بتخوف من إنفعال "ياسمين" لترتسم إبتسامه مهتزه كاذبه للغايه فوق محياه قائلاً ...
_ لا ... طبعاً ... أاااا ... معلش ... "زيد" كان عاوزنى ... حروح أشوفه ...

تابعت "ياسمين" إبتعاده عنها بضيق منه لتدرك كم كانت مخطئه بإختيارها لـ"هادى" هو يريدها فقط تمثال جميل يتباهى به أمام أعين الناس ولا يهتم لها مطلقاً ، لقد أعجب بما ظهر منها وليس بحقيقتها ...

ولم لا فهى دوماً تخفى حقيقتها وراء كذبها مع "زينه" بأنها من الأثرياء المنعمين ، تخفى ملامحها بمستحضرات تجميل قويه للغايه ، تخفى حيائها بملابس ضيقه مكشوفه للغايه ...
ولأجل من ...؟!! لأجل من يتباهى بها أمام أعين الناس ، لكن لو حدث لها مكروه ينفر منها ويشمئز من قربه لها ...

لا تدرى لماذا هتف بداخلها هذا الهاتف لتفتح حقيبتها مخرجه منها بعض المناديل الورقية ومزيلات المكياج لتمسح كل ما قد خطته بوجهها تماماً ويصفى وجهها بهدوء وجمال طبيعى لا تدرى أهى ترتاح أم تعاقب نفسها أم تعاقبه هو ...

ويبقى للأحداث بقيه ،،،
انتهى الفصل الثامن ،،،

•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية

تعليقات