رواية آخر نفس الفصل السابع 7 - بقلم رشا روميه
الفصل السابع
•• لن استسلم ••
مر وقت جعل الجميع رغماً عنهم يهدأوا ، بعضهم ينزوى بصمت متفكراً بحل والبعض إتخذ سبيل الإستسلام للمصير ...
قلب "زيد" نظره بين الجالسين بيأس على كل جانب ليقف مبادراً بجسارة ...
_ إللى إحنا بنعمله ده مينفعش يا جماعه ... مش لازم نستسلم بالسهوله دى ... لازم نحاول نعمل حاجه ونخرج من هنا ...
إسترعى حديثه إنتباههم جميعاً ليعم الصمت والإنصات التام بين المتفرقين اليائسين ...
كان أول من إستجاب لحديثه هو "عامر" حين تسائل بإهتمام ...
_ يعنى نعمل إيه يا "زيد" ...؟!!!
أطلق "زيد" زفيراً قصيراً إستعداداً لحديث جاد للغايه يتوقف عليه حياتهم جميعاً ...
_ إحنا لازم نقسم نفسنا مجموعات ... مجموعه تحاول تفتح لنا مدخل الكهف يمكن ساعتها نقدر نزيح الصخرة دى ونخرج .... ومجموعات تتحرك فى الدهاليز يمكن يكون فيه مخرج تانى نقدر نخرج منه ... و إللى يوصل لحاجه يرجع ينادى الباقى ....
إستحسن الجميع فكرة "زيد" لتزيد الهمهمات كمن يتفق مع ذلك ليردف أحدهم ...
_ تمام ... إحنا حنحاول فى المخرج يمكن نقدر نفتح أى فتحه فى الصخور دى ...
_ تمام ...
لحقه آخر وهو يشير على بعض أصدقائه ...
_ وإحنا حناخد الدهليز ده ومعانا شعلة يمكن يكون فيه مخرج تانى ...
أومئ "زيد" بالموافقه حين أردف بقرار دون حتى الرجوع لبقيه المجموعه ففى مثل تلك الظروف تستوجب قائد قوى عليه إتخاذ القرار بأسرع وقت ...
_ كويس جداً ... وإحنا العشرة حناخد الدهليز ده يمكن نوصل لحاجه ... بس خدوا بالكم إحنا مش عارفين ممكن نقابل إيه جوا ... خلى الشعلة دايماً قدامكم الحيوانات والحشرات بيخافوا من النار ...
بدأ تحرك الجميع ليبقى مجموعته التى مازالوا ينظرون له بذهول دون معرفه ما يتوجب عليهم فعله ...
أشار إليهم "زيد" بالتحرك نحو الداخل متقدماً المجموعه حاملاً لشعلة اللهب التى أعطاها لهم المشرف قبل إنغلاق الكهف ...
وقفت "ياسمين" كالمغيبه تماماً تتبع "زيد" بدون تفكير ومعها "زينه" و "يارا" وإثنتان أخريات ، بينما تحرك شابان خلفهم ليتبقى "هادى" الذى إستوقف "عامر" متذمراً بتخوف مما قد يلاقونه بداخل الكهف ...
_ نروح وراه فين ده ...؟!! مش يمكن نلاقى أسد ولا أى حيوان جوه ياكلنا ...
رمقه "عامر" بتعجب وإستهزاء من أفكاره السطحيه وجُبنه الشديد ...
_ أسد ....!!!! أسد إيه .. هو هنا فيه أسود ... إمشى يا "هادى" خلينا نلحقهم بدل ما نتوه منهم ومنلاقيش حد ونقعد أنا وإنت لوحدنا ... قال أسد قال ....!!!!
تركه "عامر" لاحقاً بالمجموعه حين أسرع "هادى" مهرولاً بخطواته ليلحق بـ"عامر" خوفاً من أن يبقى بمفرده ...
*****
لم تمر دقائق بل ساعات طويله وسط هذا الظلام والجو الخانق بداخل الكهف ومازال "زيد" ومجموعته يتحركون للبحث عن أى بريق أمل يخرجهم من هذا المكان ...
وبعد إنهاك طويل من حملهم تلك الحقائب الثقيله فوق ظهورهم توقف "زيد" ملتفتاً إليهم قائلاً ...
_ الظاهر لسه الدهليز ده طويل أوى ... خلينا نقعد نرتاح شويه وبعدين نكمل ...
كانت تلك فرصه جيدة لهم فقد أنهكوا بالفعل من حمل الحقائب والبحث عن مخرج ...
إلتف الشباب بعضهم البعض لتجلس الفتيات أيضاً إلى جانب آخر يلتقطن أنفاسهن قليلاً ، وضع "زيد" الشعلة الناريه تتوسط جلستهم جميعاً لتنير لهم المحيط من حولهم ليجلسوا جميعاً على مقربه منها ...
أخرج "هادى" هاتفه لمرة أخيرة يحاول إلتقاط أى إشارة لكن ذلك كان صعباً للغاية بل ومستحيل أيضاً فكيف يلتقط الهاتف إشارة وهم على بعد أقدام عديدة لداخل الكهف ...
أخذ "هادى" يتمتم بسخط قائلاً ...
_ رحلة زفت ... إيه الحظ ده ...!!!!
إنتبهت "ياسمين" لكلمه (حظ) التى نطق بها "هادى" حين أردفت إحدى الفتيات ...
_ كله منك ومن سلسلتك على فكرة ... جبتى لنا اللعنه وحنموت كلنا ...
كانت كلمه الفتاه كفيله بفتح النيران على "ياسمين" وكأنها هى السبب فى كل ما يحدث إليهم ...
_ أيوة صح إنتى السبب ...
_ يعنى كان لازم تضيعيها ... أدينا حنضيع كلنا ...
مع تزايد اللوم لـ"ياسمين" التى بدأ وجهها الأبيض يتحول للون الأحمر ويزداد توهجاً وإنفعالاً حتى أصبحت على وشك البكاء ليقف "زيد" بإنفعال هاتفاً بهم بحده ألجمت ألسنتهم جميعاً على الصمت ...
_ جرى إيه ...؟!! التخاريف أكلت مخكم ولا إيه ...؟! وهى مالها ... ده قضاء ربنا ملهوش دعوة إطلاقاً بالكلام الفارغ ده ... مش معنى إن مخكم الضيق ده ربط حاجات حصلت بموضوع السلسله يبقى ده فعلاً السبب ... سيبوا "ياسمين" فى حالها ... هى كمان محبوسه معانا هنا زيها زينا ... بلاش كلام لا حيودى ولا حيأخر ... خلينا نشوف طريقه نخرج بيها بدل ما تبقى دى آخر أيامنا ...
مع إلتزام الجميع الصمت ، رمق "زيد" "هادى" بغيظ متسائلاً بداخله (لم لا يدافع عنها ولو لمرة واحدة حتى لو كان كذباً ... لم يتقاعس دوماً عن مساعدتها والبقاء إلى جوارها ... ياله من حبيب مزيف ) ...
تنفست "ياسمين" ببعض الراحه بعد دفاع "زيد" عنها ليقطع تلك الألسنه الساخطه عنها لكنها تعلم أن مازال بداخلهم إقتناع أنها السبب لما حدث ، ولم لا فهى بنفسها تظن ذلك أيضاً بل تتوقع الأسوأ من ذلك ....
إبتسمت "يارا" بهدوء بوجه "ياسمين" وهى تربت على ذراعها قائله ...
_ متزعليش ...
رسمت "ياسمين" إبتسامه دبلوماسيه باهته على ثغرها الملون سرعان ما تلاشت لتتجهم ملامحها فمازال الوضع كما هو لم ولن يتغير ...
أمالت "زينه" فمها جانبياً بتهكم ثم همست بأذن "ياسمين" ...
_ هو ماله ده ... عمل فيها ريس علينا وعمال يزعق ... هو فاكر نفسه إيه ده حتت واد فلاح ...!!!
ضاقت "ياسمين" بين حاجبيها بإستنكار من تطاول "زينه" على "زيد" الزائد ، هى تعلم أن "زينه" لا تسلتطفه ولا تستعنيه بالمرة فهو فقير مثلهم وهى تحب الأغنياء وسيمى الطلعه گ"هادى" لكن هذا لا يعطيها الحق لهذا التطاول على "زيد" فهو شاب قوى ذو شخصيه جسورة فليكفيه دفاعه عنها منذ قليل ...
_ بس يا "زينه" ... ماله "زيد" ... بلاش فلاح دى ... ده كفايه دافع عنى ....
أحنت "زينه" رأسها قليلاً وهى تتطلع بـ"ياسمين" بتعجب لتردف بنبره بها بعض التهكم ...
_ والله ... إيه عاجبك ....؟؟! أظبطى كدة أمال ... ده "هادى" مفيش منه إتنين ....
بإنفعال بالغ لكنها إستكملت بنبره منخفضه من بين أسنانها حتى لا يستمع إليها أحد ...
_ إنتى بتقولى إيه ... !!! إيه إللي جاب الكلام ده دلوقتي ... الله ....
ضحكت "زينه" على صديقتها المنفعله قائله ..
_ خلاص .. خلاص .. متزعليش كدة .. بهزر معاكى ...
دارت "ياسمين" بوجهها تجاه "زيد" و"مصطفى" فما أعظم الإختلاف حقاً بينهم ....
*****
بيت ياسمين ...
كمحاوله أخيرة دقت "أم ياسمين" بهاتف إبنتها لعلها تتوصل إليها لكن كالعادة الهاتف خارج التغطيه لتصمت لوهله متفكره بطريقه لتطمئن قلبها ...
لتضئ شاشه الهاتف بإسم "مندور" ، ترى أيكون هذا هو المخرج والحل أم عبء إضافى فوق كاهلها ...
أمسكت بالهاتف لتجيب هذا الإتصال ...
_ ألو ... أيوة يا "مندور" ...
_ مالك يا "سعاد" .. زعلانه تانى ولا إيه ...؟!!
زفرت "أم ياسمين" بقوة تزيح ذلك الثقل من فوق قلبها لتجد نفسها تخرج ما فى جعبتها كسيل من الكلمات التى خرجت من فمها دون تفكير ...
_ أنا تعبت ... منك لله ... رامى حمل تقيل على كتافى وأنا خلاص معدتش قادرة ... فيها إيه لو كنت أب زى بقيه الناس ... فيها إيه لو كنت جيت على نفسك وشلت معايا الحمل ...
بلحظات إستطاعت التأثير به فقد كان دوماً يشعر بالتقاعس و الهروب من مسؤليته تجاه ابنته الوحيدة لكنه كان ينكر ذلك ، لكنه الآن شعر حقاً بألم "سعاد" و حملها الثقيل ...
_ حقك عليا ...
كلمتان فقط لم تكن لتتوقعهما مطلقاً منه ، هو الذى يعارض رأيها ويتهرب من اللوم والعتاب ، لم يعترف يوماً بتقصيره ، ها هو يسكب البَرَد فوق جرحها الغائر بكلمتان كانت تتمنى لو تسمعهما منه منذ زمن بعيد ...
صمتت للحظات تتأكد مما سمعته لتردف بإندهاش ...
_ إيه ... قولت ايه ...؟؟
_ حقك عليا .. بس لو تدينى فرصه تانيه ...!!
لم تنطق مطلقاً ولا بموافقته ولا بمعارضته ، وكان ذلك إشارة له ليستطرد بمكنون صدره الذى أخفاه لسنوات وسنوات ...
_ "سعاد" .. أنا عارف إنى مش أحسن واحد فى الدنيا وإنى غلطت كتير ... بس يا ريت لو تدينى بس فرصه أعوضك بيها إنتى و"ياسمين" ... أنا تعبت لوحدى ... وإنتى كمان تعبتى ... ليه منحاولش ننسى وندى بعض فرصه جديده ...
حيرة شديدة وقعت بها أترضخ له وتخفف حمل عن كتفيها ويبقى لها ونيس ورفيق مرة أخرى ، أم تكتفى ببقاءها أم عزباء تتحمل كل شيء بمفردها ....
*****
الكهف ....
لم يعد هناك فرق بين ليل ونهار فكلاهما مظلم ، تمامًا كطريقهم يتخبطون بين أفكارهم دون إدراك للصحيح والمخطئ ، ينظرون للأمور بسطحيه ويتشبثون بأرآئهم حتى لو أنها تسير على طريق الخطأ ...
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية