رواية آخر نفس الفصل السادس 6 - بقلم رشا روميه
الفصل السادس
•• الكهف ••
بيت ياسمين ...
قضت "أم ياسمين" اليوم بأكمله بقلق شديد فهى لا تستطيع الإتصال بإبنتها للإطمئنان عليها فقررت أن تذهب بالصباح لمنزل صديقتها "زينه" فربما تستطيع الإطمئنان من والدتها عن إبنتها فربما قامت "زينه" بالإتصال بوالدتها ...
****
بيت زيد ...
وقف شاب صغير بإستياء يحدث والدته بضيق بالغ ...
_ ما هو يا ماما أنا كنت إتأخرت فى فلوس الدرس والمستر عايز الفلوس بكرة ...!!!
إستكملت تلك السيدة الأربعينه حياكه أحد قطع القماش دون الإلتفات لإبنها الذى أصبح لا يتحمل أى تأخير لمطالبه المستمره لتجيبه بهدوء شديد ...
_ لما أخوك يرجع من السفر ...
ضرب الشاب الأرض بقدميه بعصبيه قائلاً ...
_ أيوة مش مهم أنا أتهزق بس البيه يطلع يتفسح ويروح رحلات وأنا هنا أتحرق بقى ...
بدون أن تلتفت له أجابته والدته بنفس الهدوء ...
_ إرحم نفسك شويه يا "كريم" ... قلت لما أخوك ويرجع من السفر يحلها الحلال الدنيا مطارتش ... إحنا لسه دافعين للمستر أول الشهر .. مش لازم ياخد تانى الفلوس مقدم المرة دى ...
إغتاظ "كريم" ليدلف إلى غرفته المشتركه مع أخيه "زيد" بغضب مغلقاً الباب من خلفه ...
تطلعت به إحداهن وهى تجلس إلى جوار "أم زيد" قائله بتخوف ...
_ الواد زعل أوى يا أختى ... ما تشوفيه بالله عليكى ... ولو عايزة فلوس أجيب لك من (أبو السيد) عقبال ما يرجع إسم النبى حارسه "زيد" ... ولو إن مكانلوش لزوم سفر فى رحلة فى ظروفكم دى ...!!!!
سحبت (أم زيد) نفساً عميقاً قبل أن تجيب جارتها "أم السيد" قائله ...
_ "كريم" طلباته بقت كتير ومبتخلصش ومش مراعى تعب أخوه من شغلانه لشغلانه وهو بيصرف وخلاص ... إنتى فاكره إنى مصدقه إنه عايز الفلوس عشان الدرس ...!!! يلا ربنا يهديه ... و"زيد" سافر الرحله دى مخصوص عشان فيه واحد واعده بشغل تبع تخصصه بس لازم يطلع الرحله دى عشان هو حيبقى مرشد لنفس المكان وعايزه ياخد خبره ... يعنى مش طالع يتفسح يا "أم السيد" ده عشان الشغل برضه ... ده غير إن الرحلة دى مجانيه .. مش بفلوس يعنى ...
_ ربنا يبارك لك فيه يا رب ... ويهدى لك "كريم" ... هم أولاد الثانوى كدة بيبقوا متعبين شويه ... ربنا يعينك يا أختى شايله الحمل كله لوحدك من ساعه ما أبوهم ربنا إفتكره ...
_ الحمد لله يا "أم السيد" ... ربنا يعين "زيد" على الحمل التقيل إللى إترمى فوق كتافه بعد أبوه ما مات ... ربنا يكرمه ويوقف له ولاد الحلال ويحفظه من كل سوء يارب ...
*****
فى صباح اليوم التالي ...
إستيقظت المجموعة كامله ليحمل كل منهم حقيبته الكبيرة فوق ظهره متجهين نحو طريق كهف (الجاره) كما أبلغهم المشرف ...
أسرع "هادى" بخطواته تجاه "ياسمين" التى تألقت بهذا الصباح ببنطال من الجلد الأسود وكنزة ورديه صارخه ضيقه للغايه زادتها أنوثه سال لها لعاب "هادى" لينحى "زينه" جانباً ويسير جنباً إلى جنب تلك الجميله المبهره للأعين ...
فيما أثار إندهاش "زينه" مصاحبه "عامر" لـ"يارا" بطريقهم وإنشغالهم بحديث مطول طوال الطريق لتتعجب بداخلها على تقرب "عامر" من فتاه گ "يارا" ....
تابع "زيد" قرب "هادى" من "ياسمين" أثناء متابعه السير بتقزز تام من صديقه لكن ليس بيده حيله فى ذلك فربما يكون أنانى لكنه يحب "ياسمين" وهى أيضاً من الواضح أنها تحبه وعليه البقاء صامتاً وتحمل تلك الغيره التى تنهش بقلبه الضعيف لرؤيتهما معاً ...
توقف المشرف وهو يشير إلى أحد الأماكن قائلاً بحماس ...
_ وصلنا أخيراً كهف (الجارة) ... الكهف ده ممتع جداً فيها صخور رسوبيه رائعه نازله من سقف الكهف كمان حنقدر ندخل الدهاليز بتاعته لعمق كبير .... ياريت نفضل ورا بعض عشان منتوهش من بعض جوه الدهايز ...
كهف الجارة ...
مع إنبهارهم بتلك الكريستالات المتدليه من الترسبات الصخريه لهذا الكهف كعناقيد مضيئه من الألماس تحركوا لداخل الكهف وقد إتسعت عيونهم إعجاباً بتلك الطبيعه الخلابه ...
لم ينتظروا عودة المشرف لهم ليتقدموا لداخل الكهف بإتجاه الدهاليز التى تتضائل فيها الرؤيه رويداً رويداً ليمسك بعض تلك المشاعل التى وزعها عليهم المشرف منذ قليل لإضاءه تلك الممرات ...
بدأ تحرك المجموعه إلى داخل الكهف فى حين نادى أحدهم على المشرف ليتراجع المشرف للخلف قليلاً بينما دلف المرتحلين لداخل الكهف ...
دقائق قليله مرت بدخولهم لداخل الكهف المبهر للغايه ليُسمع صوت دوى إنهيار شديد تبعه إصطدام قوى للغايه وتعالت الصرخات مرة أخرى .....
لكن هول تلك الصدمه بحدوث أحد الإنهيارات الصخريه ووقوع صوت مدوي دام للحظات قليله لم يتمكن أحد منهم من العودة لينغلق الممر نحو الخارج بقطعه صخريه كبيرة للغايه لتحبس أنفاسهم فقد علقوا بهذا المكان الذى لا مخرج له لتتعالى الصرخات وإضطرابات النفس خاصه عندما هرول أحدهم تجاههم يصرخ بإنهيار ...
_ المشرف .... المشرف الصخرة وقعت عليه .... ده أكيد مات ...!!!
تهدجت صدورهم بفزع فلو كان هناك أمل بعودة المشرف للبحث لهم عن مساعدة فقد قطعه هذا الخبر المفجع بموت المشرف فلتكتب النهايه فقد علقوا بداخل الكهف بدون شبكه لهواتفهم ولا أحد يدرى عنهم شيئاً....
دار الجميع بتوتر حول بعضهم البعض غير مصدقين لما حدث لتبدأ سلسله الانهيارات تباعاً بدئاً بالفتيات أولاً ...
فمهما كان قوة تحمل كل منهن إلا أنهن جميعاً وقعوا بإنهيار تام تتساقط دموعهن ما بين أنفاس مختنقه وبكاء حار وأخريات تجرى دموعهن بصمت فجميعهن متجهات لنفس المصير ...
لم يقتصر الإنهيار على الفتيات فحسب فحتى الشباب لم يتحملوا فكرة أن تلك هى النهايه ليصدم كل منهم بشكل مختلف فهناك من إنهار تماماً گ"هادى" ومنهم من تماسك رغم تأثرة گ"عامر" وهناك رابط الجأش گ"زيد" وأمثالهم كثيرين ببقيه المجموعه ...
ياسمين ...
هوت أرضاً غير متحكمه بأنفاسها المضطربة وهلعها الشديد من أن تكون تلك نهايه حياتها بهذا المكان المظلم الرطب لتعلو شهقاتها قائله ...
_ مش قلت لكم ... كل ده بيحصل عشان التميمه بتاعتى ضاعت ... مش قلت لكم تحصل كوارث ... محدش صدقنى ... أدينا حنموت كلنا خلاص ...
صدق الجميع أن ما يحدث لهم هو نتيجه لضياع سلسال "ياسمين" التى إستهزؤا بها فيبدو أنه كان معها الحق من البدايه ليزداد إحساسهم بأن تلك الرحله هى مثواهم الأخير ولعنه سوء الحظ بسبب تميمه "ياسمين" ...
إقتربت "زينه" من "ياسمين" تحتضنها بإنهيار فيا ليتها كانت قد صدقت ذلك من قبل لم تكن تظن أن كل هذا سيحدث ...
ببطء شديد جلست "يارا" أرضاً وهى تقلب عيناها بين الجميع تلاحظ إنهيارهم وخوفهم على ضياع حياتهم وأيامهم فعلى ماذا تأسف فحتى لو حدث ذلك حقاً لما سيهتم لها أحد ...
زيد ...
ليس من عادته اليأس والإستسلام ، حتى رفاهيه الإنهيار لا توجد بقاموس حياته مطلقاً ، لا ينكر تأثرة وخوفه الشديد لكن عليه التفكر بعقلانيه والبحث عن مخرج لهم من هذا الكهف المخيف ...
****
بيت زينه ...
إتجهت "أم ياسمين" لبيت "زينه" صديقه إبنتها فهى لا تعلم رقم هاتف والدتها للإطمئنان عليهما خاصه وقد أكل القلق قلبها من إنقطاع هواتفهم بتلك الصورة ...
لم تكن "أم ياسمين" صديقه لـ"أم زينه" رغم سكنهما بنفس الحى لهذا لم تكن قريبه لتلك المرأة من قبل ويكفيها سؤال عابر أو إلقاء التحيه ...
طرقت بابهم بتوجس فمازال الوقت مبكراً لكنها لا تستطيع الراحه والنوم وهى قلقه بهذا الشكل على إبنتها الوحيدة ...
فتح الباب طفل صغير يبدو أنه أخو "زينه" الأصغر لتبتسم "أم ياسمين" مجامله قائله ...
_ صباح الخير يا حبيبي ... ماما هنا ...؟!!
أومأ برأسه دون إجابتها لينادى أمه مسرعاً تاركاً إياه تقف بباب الشقه بمفردها ..
_ أماااااه .... الست "أم ياسمين" صاحبه "زينه" عايزاكى ...
تململت "أم ياسمين" بحرج فى إنتظارها لتهل عليها تلك المرأة السمراء الممتلئه تتهادى بخطواتها المتثاقله ترحب بها بطريقه مصطنعه للغايه ...
_ يا أهلاً وسهلاً ... إتفضلى يا حبيبتى إتفضلى ...
دلفت "أم ياسمين" للداخل وقد بدا التوتر على ملامحها وهى ترى كم أربكت هذا البيت بهذا الوقت لتبدأ حديثها بإعتذار حقيقى ..
_ معلش يا "أم زينه" أعذرينى إنى جيت لك فى وقت بدرى كدة ...
_ لا يا حبيبتى بيتك ومطرحك فى اى وقت ...
إستكملت "أم ياسمين" حديثها بتوتر وهى تلاحظ خروج ودخول أبناء تلك السيدة الثمانيه بكل الإتجاهات مشتتين إنتباهها بالكامل ، فتلك السيدة البسيطه قد أهلكت نفسها بكثرة الإنجاب دون حساب أو مراعاه لظروف معيشتهم الضحله ليكون النتيجه هى كما تراها الآن أطفال مهملين بدون رعايه أو إهتمام وواقع مؤلم أجبر الكثير منهم على ترك التعليم مقابل عمل بمبلغ زهيد لا يكفى لإعاله تلك الأسرة الكبيره ....
لم تهرب من ظروف تلك الأسرة سوى "زينه" بإصرارها على إكمال تعليمها حتى لو اضطرت لأى عمل إضافى يكسبها بعض المال ...
أشفقت "أم ياسمين" على حالهم لكنها ليست هنا لهذا التقييم وبدأت بحديثها لما جائت من أجله من الأساس ...
_ مش حاخد من وقتك كتير ... كنت بس عايزة اعرف إطمنتى على "زينه" ... كلمتيها ولا حاجه ... أصل أنا مش عارفه أوصل لـ"ياسمين" خالص ...
بإستنكار شديد أجابتها "أم زينه" ...
_ وأطمن عليها ليه ... هى صغيرة ...؟؟!
_ أصل الرحله بتاعتهم دى بعيد أوى ومش عارفه اطمن عليهم ...!!
لتعقص "أم زينه" أنفها بإستنكار مرة أخرى مما تتفوه به "أم ياسمين" ...
_ رحلة ... رحلة إيه ...؟!؟؟ "زينه" طالعه شغل ... مش رحله ... !!!
ضمت "أم ياسمين" شفاهها بتخوف فيبدو أن "زينه" قد كذبت على والدتها ولم تخبرها عن قيامها بهذه الرحله لتضطر أن تنسحب بلباقه حتى لا تسبب مشكله لتلك الفتاه لكن عليها الإطمئنان عليهما بأى صورة ...
_ يمكن أنا فهمت غلط ... كنت فاكراها مع "ياسمين" فى الرحلة ...
_ لا يا حبيبتى ... إحنا مش بتوع رحلات ... "زينه" راحت السويس عندها شغل هناك ...
_ حصل خير ... بعد إذنك ...
وإنصرفت مسرعه قبل أن تتورط وتورط الفتاه بمشكلة ما لكن مع ذلك عليها البحث عن وسيله تطمئن بها على إبنتها ..
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية