رواية آخر نفس الفصل الخامس 5 - بقلم رشا روميه
•• الفصل الخامس ••
•• سحر إسود ... !!••
هادى ...
إتخذ موضعاً لنفسه بعيداً عن تلك الحادثه المثيرة خوفاً من لدغه هذا الثعبان وآثر الإبتعاد حرصاً على نفسه ...
لم يهتم بالذهاب لـ"ياسمين" والإطمئنان عليها الآن فسلامته أهم وأعظم بالنسبه إليه ، وما سيفيده الذهاب إليها إذا لدغته الأفعى بسُمها ...
بعد إنتهاء "زيد" من مناوشته مع "ياسمين" إتجه نحو "هادى" موبخاً إياه على تقاعصه وإبتعاده عن مساعدة "ياسمين" ...
_ ده إنت طلعت ندل نداله ... كدة تسيب التعبان فى خيمه "ياسمين" وتهرب كدة ..؟!!
لوح "هادى"بكفه بإستنكار ليجيب بصراحه فى غير محلها ...
_ أروح أنقذها وأموت أنا ...!!!!
_ "هادى" إنت بجد بتحب "ياسمين" ...!!! إنت إزاى كدة ....؟!!!
_ أحبها أه بس مش أكتر من نفسى ... أضيع نفسى مهما كان عشان واحدة بحبها ...
إندهش "زيد" للغايه من منطق "هادى" العجيب فمن يحب يضحى بروحه فداء لحبيبه ، من يحب لا يكترث لنفسه فقط بل ينصب تفكيره على حبيبه بكل نبض ينبض به قلبه وبكل روح تملأ كيانه ، كم هو أنانى للغايه ...
إتخذ "زيد" طريقه للخيمه مشمئزاً من صديقه الأنانى فيا ليته بموضعه لكان أغلق عليها جدران قلبه يحميها من كل ما يحيط بها ....
*****
بأحد أحياء القاهرة القديمه ...
وقف شاب تجاوز الثلاثين ببضعه أعوام يقضم شفاهه من الغيظ محاولاً التحكم بأعصابه المنفلته من أن تخونه وتزداد ثورته وإنفعاله ...
ضغط بكفه بقوة فوق لحيته السوداء القصيرة يكظم غيظه قبل أن يردف بلوم شديد ...
_ شفتوا بقى ... إيه العمل دلوقتى ... ؟؟؟
إبتلعت والدته ريقها بحسرة وهى تنظر نحو زوجها تريد الإستشفاف منه بسبب يرضى ضميرهم ولو بالكذب لكنها لم تجد سوى نظرات الحسرة على وجهه هو أيضاً لتردف بخضوع ..
_ مش عارفه يا "عمرو" ... مكنتش فاكرة الموضوع حيوصل للدرجه دى ...!!!!
إنتظر "عمرو" رداً شافياً من والده لكنه إلتزم الصمت تماماً ليزفر بقوة ضهرت جلياً على صدره المتعب حين إستكمل ...
_ ضغطكم عليه كان زيادة عن اللزوم بصراحه وقلت لكم وحذرتكم قبل كدة ... أهو طفش ... خد الفلوس من وراكم وساب لكم البيت ... راضيين كدة ...؟!!!
ذرفت والدته الدموع ندماً لتستجديه برجاء ...
_ بالله عليك إتصرف يا "عمرو" ده أخوك الوحيد ... "عامر" طول عمره طيب وفى حاله ... مش عارفه عمل ليه كدة بس ...؟؟!
رفع "عمرو" حاجباه بإندهاش لتتسع عيناه بقوة فما تلك المغالطات التى تتفوه بها والدته ليردف بنبره متهكمه متسائله ...
_ مش عارفه عمل كدة ليه ....؟؟؟! إنتى بتتكلمى جد ...؟!! مش إنتوا إللى قعدتوا تضغطوا عليه لازم يعمل إللى فى دماغكم ده يا إما مالوش مكان فى البيت ده ... مش إنتوا إللى إهتميتوا بالمظاهر ولا كإنه بنى آدم وله أفكار وكيان ....
إمتعض وجه والده كثيراً وهو يحاول إيجاد المرادفات المناسبه حتى لا يظهر بهيئه المخطئ لتلك الدرجه ، تنحنح أولاً قبل أن يخرج الكلمات المتحشرجه من فمه والتى بالفعل تدينه لما وصل إليه "عامر" ...
_ إحم ... طب ...ااا ... شوف كدة نوصل لأخوك إزاى ...
كتف "عمرو" ذراعيه بقوة عاقدهما أمام صدره وهو يلوح برأسه بقله حيله ...
_ والله ما عارف ... تليفونه مقفول ومحدش عارف له طريق ولا راح فين ... عموماً خلى الكلام ده لما يرجع الأول ... ممنوش فايده دلوقتى ... أنا مروح ولو عرفت حاجه حكلمكم ...
ترك "عمرو" والديه يأكلهما الندم فبيديهم وأفكارهم سيضيعون إبنهم من بين أيديهم ، بينما إتجه "عمرو" لبيته مبتعداً عن والديه اللذان لا يملا من أنانيتهما ولا يفكران سوا بما ينفعهما فقط حتى كادا يخسراهما معاً ...
تمنى بداخله أن يكون أخيه الأصغر على ما يرام فهو بطبيعته الهادئه الخجوله لا يحسن التصرف ولا يدرى فيما أقحم نفسه بتركه المنزل بتلك الصورة دون أن يعلم أى منهم بمكانه مطلقاً ...
*****
عامر ...
بهدوء طبعه الشديد كان يتخذ زاويه متطرفه بعيداً عن كل تلك الأحداث ظل يراقب بها "زيد" و "ياسمين" من جانب ، و هروب "هادى" من جانب آخر ...
تابع تحرك "ياسمين" إلى داخل الخيمه لحقتها على الفور صديقتها المقربة "زينه" ليبقى هو و "يارا" فقط خارج الخيام ...
تقدم نحوها ببطء وهو يتلكأ بتردد أيتقدم نحوها أم يتخذ طريقه مبتعداً عنها كما إعتاد دوماً ، صامت .. هادئ ... منزوى ...
ليفاجئ نفسه أولاً بقراره للتقدم والتحلى ببعض الجرأة المتأخرة ...
تحشرجت بحلقه الكلمات وهو يطالعها بإضطراب حين بدأ حديثه بنبره منخفضه ...
_ مساء الخير يا آنسه .... "يارا" ... صح ... ؟!!
رفعت "يارا" رأسها بتفاجئ يزيد على تفاجئ "عامر" ... أيحدثها أحدهم ... أيخصها أحدهم بحديث من تلقاء نفسه ...؟!!!!!!
علا وجهها إضطراب ملحوظ لتومئ بخفه وهى تعدل من وضع نظارتها الطبيه فوق أنفها كحركه متوترة لتجيبه بخجل ...
_ أيوة ... "يارا" ....
أشار "عامر" لتلك البقعه الشاغرة إلى مقربه منها مستأذناً ...
_ تسمحيلى أقعد معاكى ...
سحبت أنفاسها بقوة من شدة خجلها وتوترها لتومئ له مرة أخرى بالموافقه وهى تسمح له بذلك ...
_ إتفضل ...
جلس "عامر" بهدوء ليبدأ حديثه معها وقد تحلى ببعض الثقه والأريحيه بالحديث فتوترها وخجلها أشعره بجرأته وإضمحل تماماً إحساسه بالتوتر ...
_ أنا "عامر" لو مش واخده بالك منى ...
_ اه طبعاً عارفاك ...
سألها بفضول وربما بإسقاط لما يشعر به بذاته ...
_ ليه دايماً قاعده لوحدك ... ليه مش مع بقيه البنات ...؟!!
إبتسمت "يارا" إبتسامه باهته وهى تجيبه بصدق ، لقد إحتاجت حقاً لمن يتحدث معها ويسألها فهى دوماً المهمشه غير المرئيه والمرغوب فيها ...
_ لأن ده العادى ... أنا تقريباً عندهم زى الخيال ... مش متشافه أبداً ... عمر ما واحده فيهم إهتمت إنها تقرب منى أو تتكلم معايا ... يمكن "ياسمين" شويه ... عشان كدة بحبها أوى ... لكن الباقى ... ولا بيهتم ... ولا حتى حاسين إنى موجوده أصلاً ...
أمال "عامر"فمه جانبياً بتهكم من حاله وهو يطالع ضوء القمر ...
_ ومين سمعك ... أنا لا ليا وجود مع أصحابى ولا حتى أهلى ... حاجه كدة نكره ... ماليش وجود ...
بتلك اللحظه لاحت ضحكه من "يارا" لتهتف به مازحه ...
_ يبقى أهلاً بيك معايا فى المنبوذين ...
إبتسم "عامر" لضحكه "يارا" قائلاً ...
_ على فكرة ... أنا واخد بالى منك كويس بقالى فترة ... وشفت قد إيه إنتى بنت محترمه وطيبه ... مالكيش فى السكك بتاعه البنات المعوجيين دول ... إنتى مميزة مش منبوذه ...
كلمات إطراء جعلتها تشعر بقيمه نفسها فتلك أول مرة يمتدحها أحدهم لتنتبه لهذا الشاب بقوة وهى تشكره على تعبيراته الرقيقه ...
_ بجد ... شكراً يا "عامر" على مجاملتك الرقيقه دى ...
ليصدمها برده الذى أشعل وجنتيها بحمرة خجل فجأه ...
_ دى مش مجامله أبداً ... دى حقيقه ... أنا من زمان أوى كان نفسى أقرب منك وأكلمك ...
نكست "يارا" رأسها بخجل وقد تعالت ضربات قلبها النابض ، أيغازلها حقاً ... أهناك من يعجب بها وينتظر فرصته للتقرب إليها مثل جميع الفتيات ... أهى مقبوله عند أحدهم ...
لتسعد للحظات ثم سرعان ما تشك بالأمر ، فربما وجدها وحيده فقرر التلاعب بها لغرض ما ... ولم لا ... فهى صيد سهل له ولأمثاله ...
تجهمت مرة أخرى لتنظر نحوه بتفحص تريد إستكشاف نواياه قائله ...
_ وإشمعنى أنا ... ما البنات الحلوة على قفا مين يشيل ... ليه إخترت واحده غريبه زيي ... عاديه أوى .. ولا جميله ولا متكلمه ولا حاجه أبداً ...؟؟!!
فهم "عامر" مقصدها وشكوكها نحوه ليجيبها بصدق ليريح بالها و ظنونها ...
_ لأنى شبهك ... حسيت إنى أنا وانتى شبه بعض ... طول عمرى لوحدى ... زيك ... عمر ما حد إهتم بيا ولا بوجودى ... زيك ... وبعدين مين قالك إنك بنت عاديه ومش جميله ... بالعكس ... أنا شايف إنك بنت رقيقه و جميله جداً ...
لا تدري إن كان صادقاً أم كذابا لكنها شعرت بالسعادة والإطراء لأول مرة بحياتها ، هذا الإحساس كان كفيل بحد ذاته لإسعادها حتى لو كان مؤقتاً أو مجرد كذبه ...
إبتسمت برقه لتتجاذب معه أطراف الحديث بمواضيع مختلفه قضيا بها الوقت الطويل ليكتشفا به عن أنفسهما خبايا لم تكن ظاهرة لكل منهما ...
******
داخل الخيمه ...
تقربت "زينه" من صديقتها تشاكسها قليلاً فيبدو أن "ياسمين" مضطربه قليلاً بعد تلك الأحداث المتوالية ..
_ مالك سرحانه فى إيه ... إنتى لسه خايفه من التعبان ...؟!!
إعتدلت "ياسمين" وهى تعيد خصلات شعرها خلف أذنيها وهى تعقد ساقيها أسفلها قائله بجديه ...
_ يا بنتى بقولك السلسلة إللى ضاعت دى كارثه ... إنتوا مش مصدقينى ليه ...؟!!
تفكرت "زينه" لبعض الوقت وهى تفرك ذقنها بإصبعيها ضاغطه عينيها بشكل كبير ...
_ تفتكرى ...!!؟؟؟
_ يعنى السلسله تضيع ... وكاوتش الباص يفرقع ونلاقى تعبان فى الخيمه .. والله أعلم إيه إللى جاى كمان ... !!!
رفعت "زينه" حاجبيها بإندهاش كبدايه لتصديق ما تتوهمه "ياسمين" ...
_ تصدقى صح ... ليه لأ ... ده سحر إسود بقى ...؟!!
_ أنا عارفه إسود ولا أخضر ... المهم ... أنا إتشائمت من الرحله دى ...
بدت بعض ملامح التخوف على وجه "زينه" وهى تردف ...
_ متخوفينيش بقى ... الدنيا ماشيه فل أهى ...
إلتفتت "زينه" حولها تتأكد بأنه ليس هناك من يسترق السمع إليهم ثم بدأت بسؤال "ياسمين" ...
_ مقولتليش ... "هادى" مقالكيش حييجى يخطبك إمتى ...؟!!
حركت "ياسمين" كتفها برقه وهى تقلب شفتيها المصبوغتان بحمرتهما الصارخه ...
_ مقالش ... يمكن مستنى لما نرجع من الرحله دى ...
_ حقه دى تبقى إتفتحت لك طاقه القدر ...
إمتعضت "ياسمين" قليلاً ثم أردفت بتخوف ..
_ ولو عرف أننا على قد حالنا ومش أغنيا زى ما قلنا له ... تفتكرى حيوافق ... ؟؟؟
رفعت "زينه" هامتها بغرور قائله ...
_ أمال أنا مخلياكى تلبسى وتتزوقى كدة ليه ... ما عشان يقع على بوزه وميقدرش يستغنى عنك ولا يبعد عنك ولما يعرف حقيقتك عمره ما حيبعد ... صدقيني أنا ....
_ هاه ... يمكن ...
ضيقت "ياسمين" عيناها الواسعتان ثم تسائلت ...
_ الله ... أمال فين "يارا" ... مش حتيجى ننام ولا إيه ....؟!؟
مطت "زينه" شفتيها بتملل وهى تلوح بأصابعها نحو "ياسمين" للتغاضى عن سؤالها والتوجه للنوم ...
_ يا شيخه إفتكرى لنا حاجه عدله ... تلاقيها هنا ولا هنا حتروح فين الخيبه دى ... نامى نامى ... ورانا بكرة مشوار طويل ...
إعتدلت "ياسمين" متخذه وضع النوم بفراشها الخاص بالتخييم تبعتها "زينه" أيضاً لتخدا للنوم مباشرة فاليوم كان طويلاً وشاق للغايه ...
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية