رواية عودة الوصال الفصل الثاني و الخمسون 52 - بقلم سارة ناصر

    

 رواية عودة الوصال الفصل الثاني و الخمسون 52 -  بقلم سارة ناصر

خمسة عشر يوماً ما بعد آخر كل شىء قد حدث ، أيام تطور بها أشياء كثيرة ، أولهم والذي كان مُتوقع هو تأكيد خبر حمل "جميلة" ، وتطوير آخر بذهاب "نيروز" بإنتظام للجلسات برفقة "غسان" ،  تطويرات كثيرة حتى بثبات عمل "بدر" أخيراً ومعرفة المكان الذي سيتولى أمره مع المهندسين البقية ، كل شىء هنا لازال بينهم ، تارة مشادات وعقبات وتمر ويأتي بعدها الأمان والإطمئنان!!



يوم عن يوم تكبر حجم معدتها ويكبرا صغارها داخلها، يوم عن يوم ويجهدها الحمل مع حالتها النفسية ولكنها قوية تقاوم كما يردد لها دائماً ركن تعزيز ثقتها "غسان" 



انتهت بالتأكيد "وسام" من الإختبارات وفعلت خطتها بالخروج منذ أربعة عشر يوماً وخرجت وبعد ذلك فعلت اختبار القدرات لكلية الفنون الجميلة، ولكن من وقتها وهي بحالة توتر طبيعية في انتظار نتيجة الثانوية العامة، نتيجة جني ثمارها ، تحصيل تعبها طوال هذه السنة المليئة بالحوادث والعقبات ، ان أُعطيَ لأحدهم تمثال فسيكون لها و لتحملها لكل ذلك!



تطور آخر في حياة "فرح" التي بين يوم والآخر تخرج مع والدتها لشراء ملابس وتجهيزات الزواج ، لا تعلم متى الموعد ولكنها تعلم من العجالة في جلب خشبه هو الآخر أن الموعد يقترب وقت عن وقت ، فقط ينتظر وقت هادئ يفتح به مع "عز" الحوار لتحديد موعد الزفاف .

كان هذا اليوم يوم "الجمعة" وما قبل موعد الصلاة بقليلٍ كان كل منهم منشغل ، مثل انشغالها ووقوفها وهي تحاول غسل بعض الأطباق والأكواب في المطبخ ، فقد هبطت والدتها بعدما وجدتها في حالة أفضل من السابق ، فقط تمر عليها كل يوم لتجلس معها القليل وتهبط أو "نيروز" هى من تهبط لها ، بينما تعب "نيروز" كان تعب الحمل الطبيعي!!



ثبت الحمل بحال أفضل من السابق من المثبتات ، وما جعله الدواء في وجعها من اجهاد وسقوط بعض الوزن تم تعويضه ما ان فاقت أكثر وتركت هذه المثبتات بخبر من الطبيبة التي تتابع معها.



وبهذا الوقت شعرت به خلفها يفتح الثلاجة ، بينما هى اعتدلت تنظر بتعبٍ جعله يشير لها وهو يقف جوارها:



_كفاية كدة يا "نيروز" ، سيبيهم يستي وارجعي كملي طالما  مش  حابه غسيلي! ، لكن كدة كتير عليكي أوي ، انتِ واقفة بقالك ساعة ، ايه بتغسلي كرشة!!



حركت "نيروز" رأسها وردا في بساطةٍ وهى تبتسم له وطمأنته:



_خلاص ، أنا خلصت أصلاً أهو .



مد يديه بطبق "العنب"  يغسله ، حتى انتهى قبال انتظارها لينتهى ، فوضع بفمها بمرحٍ بعض الحبات حتى امتلئ فمها وهى تضحك بعدما قال  ساخراً :



_كُلي بدل ما انتِ رايحة جاية تقولي باكل لتلاته وباكل لمش عارف مين ، لحد ما طفحتيني اللقمة!



ضحكت حينما قلد طريقتها في ترديد كلماتها ، واستندت على المقعد تمسح وجهها فوضع لها الطبق أمامها على الطاولة تزامناً مع سؤالها هىٓ:



_مين تحت؟



_فطوم وعيالها تحت ، عايزين ننزل بقى عشان الغدا تحت معاهم!



أومأت"نيروز" برأسها ، فطالعها هو مبتسمًا ناظراً نحو معدتها البارزة بقوة الآن ، حينها ابتسمت تضع يديها برفقٍ عندما شعرت بنبض أحدهم ، ربما هناك تواصل روحي بين صغارهم ووالدهم! ، فلم تتردد ثانية حينما قالت بمزاحٍ وبنفس الوقت تأثر:



_شكلهم بيحسوا بيك!



اتسعت ابتسامته في مشاعر غريبة وكل مرة يشعر وكأنه في حالة انتظار صغاره كأول مرة شعر بها كذلك ، اقترب يضع يديه بسعادة من كلماتها القليلة التي جعلت الانتظار في داخله يظهر قبال عدستيها وصرّح بوضوحٍ:



_مش حاسس بيهم قدك بس منتظرهم بكل صبر!



فلم تتوقع انه كان سيضيف على كلماته كلمة واحدة تعد اعتراف:



_وخايف!



رفعت عسليتيها تواجهه بتفسيرٍ ورفق وهى تبتسم فتابعت ما أن تابع وهو يتنهد :




        
          
                
_أول مرة أحس اني خايف من تجربة قبل ما تحصل ، دايماّ سايب كل حاجة زي ما هى مكتوب لها انها تحصل بس المرة دي كل ما بشوف بطنك بتكبر بحس اني أول مرة داخل على مسؤولية مع اني جربت حاجات كتير أبقى فيها لوحدي ومسؤول!



من المرات القليلة الذي يبوح لها هكذا بجديةٍ وتخبط لا تراه دوماّ ، حتى وان كانت تراه ، فـ دائماً ما يفعل ذلك بالمزاح كي لا يظهر شىء! ، ولأول مرة تشعر بخوفه بعد خوفه عليها هى



أكثر ما يسعدها هى ، انها رأيت خوفه على صغاره مما جعلها تبتسم وهى تطالع عينيه الذاهبة نحو مستقبل مجهول يُحرك منه ما كان ثابت به!



_خايف؟



واجهته بهذه الكلمة وهى تنظر إليه ، فبلا تردد حرك رأسه يؤكد من جديد وفسر مستسرسلاً:



_خايف مكنش معاهم قد مسؤوليتي ، أو خايف مبقاش أب زي الناس.



اهتزت أمامه ، فإقتربت تستند على كتفه تثبت له بأن هذه اللحظة تساوي الكثير تثبت له بأن خوفه شىء لا يعوض بأي ثمن:



_اللي بيخاف من حاجة بيبقى قدها ، بس انت حتى لو مخوفتش فا أنا واثقة انك هتبقى أحسن أب ، تعرف ليه؟



أخذت رئاسة الموقف قباله فتابعها برغبة في الإستماع حتى يطمئن ،وطمأنته ما ان اعتدلت تنظر وهي تصارحه :



_عشان انت أب قبل كدة ، وأب دلوقتي ، يعني حتى مفشلتش تبقى أب ليا ، وأب لكل اللي حواليك ، وأب لعمو وطنط ، أنا بحس اننا من غيرك مش هنقدر على حاجة ، بحسك لازم تفضل موجود معانا وغيابك في ثواني بيفرق ، كل ده مينطبقش غير على الأب وبس ، حتى لو راح هيفضل برضه  وجوده شىء لازم  ومفروض ، وده بعد الشر عننا .



ظهر صف أسنانه من ابتسامته وحاوطها بذراعه بعدما شعر بأمان كلماتها ودفئه على موضع فؤاده ، بادلته العناق بحبٍ ممراً يديه على خصلاتها حتى سألها بعبثٍ :



_طب عارفة الست قالت ايه في الأوقات اللي زي دي؟



خرجت تبادله عبثه وضحكت تحرك رأسها في تساؤل متحمس:



_ايـه؟



_«أمل حياتي يا حب غالي مينتهيش ، يا أحلى غنوة سمعها قلبي ولا تتنسيش»



ضحكت "نيروز" بسعادةٍ حينما غمزها فور كلماته الصادقة ، فإقتربت ترد بقبلتها على وجنتيه وردت في حماسٍ بضحكاتها جواره:



_ثبتني يا بن البدري!



_وهو المطلوب يا بنت الأكرمي.




        
          
                
من جديد كررها وغمزها ثم نهض ومد كفه يدفعها برفقٍ لتنهض ، فنهضت بتعبٍ وسارا معاً ناحية الغرفة ، ومن ثم التقطت عباءته تخبره بهدوءٍ:



_خش استحمى والبس على ما أجهز عشان ننزل مع بعض!



فأخذها "غسان" واقترب من المرحاض مع بقية ملابسه وحثها في عجالة:



_طب خلصي بسرعة عشان الصلاة متضيعش عليا ، دول مستنيني تحت!



وافقته "نيروز" والتقطت ملابسها حتى تذهب لتبدلها ، فيما ابتسمت  تتحرك ناحية الشرفة أولاً كي تسقي زرعها وزهورها ، هذا يعد شىء ثمين تستمر في المحافظة عليه دوماً ، حتى هو لم يكن كذلك وأخذ هذا الطبع منها حتى أصبحا يتشاركا معاً في هذه العناية التي تشعر وكأن بمواظبتها ورفقها علي زرع كهذا يعزز ويحسن من حالتها المزاجية والنفسية.



شىء ورثته من عادات والدها الراحل وأجمل ما أخذته منه ، فلم تنس حتى هذه اللحظة حينما نظرت نحو باقة بلاستيكية نقلتها معها ناحية شقتها ، كانت لوالدها ولم تفرط بها ، وتُذكرها به في كل مرة  وتجعلها تبتسم وهي تدعو له بحزن من غيابه الواقع ، فدعت له قبل أن تخرج لتبدل ثيابها وعينيها  لا تفارق أكثر ما كان يفضله فقيدها:



_ربنا يرحمك يا بابا يا حبيبي ، في الجنة ونعيمها.



_________________



بينما في الأسفل وبالأخص في شقة "حامد" كانت "دلال" برفقة "فاطمة" في المطبخ ، بينما كان صغارها في الخارج مع جدهم "حامد" ، والذي حث "فاطمة" بحنوٍ على القدوم للغداء لديه فلبت رغبته وجاءت هى وصغارها منذ الصباح الباكر..



بينما "وسام" كي تخرج من حالة توترها هى من تولت أمر "محل الورد " في الوقت الآخير مع "نيروز" ، ولكن "نيروز" لم تهبط  كل الأيام مثل اليوم لانشغالها ، فبقت به "وسام" لتخرج عن حالتها خاصةً أن اليوم رأت منذ الصباح على الصفحة الرسمية لوزارة التربية والتعليم أن  نتيجة الثانوية العامة من المحتمل ظهورها اليوم ، ومن توترها لم تعطي لأحد فرصة للتحدث معها في ذلك الموضوع!!



_هنروح نصلي امته يا جدو؟



كان هذا سؤال "أدهم" لـ "حامد" مع اهتمام "يوسف" شقيقه ، فابتسم "حامد" وهو يخبرهم:



_ مستنين بس عمو "غسان" ينزل عشان نروح نصلي مع بعض.



فهم الصغيران كلماته ووافقا ، فيما عاد يقترح هو عليهم هم الثلاثة ليشغل وقتهم:



_ايه رآيكم نلعب لعبة حلوة على ما ينزل ؟



هلل الثلاثة في صوتٍ واحد عالٍ :




        
          
                
_مـــوافقــيــن.



ضحك  عليهم وعلى حماسهم فجلس"يوسف وأدهم وجنة"  جوار بعضهم في استعداد شديد فإعتدل "حامد" يخبرهم مفسراً:



_هسألكم شوية أسئلة دينية واللي عارف هيرفع ايده واللي هيقول صح هجيبله حاجة حلوة بعد الصلاة واحنا راجعين.



اعتدلوا في حماسٍ أكثر بينما هو قرر افادتهم بمعلومات دينية يشغل بها وقتهم ، فإعتدل يبتسم ببهجةٍ وهو يلقي أول سؤال:



_أول سؤال ، مين من الصحابة اللي كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الهجرة؟؟



قرر سؤالهم على قدر عقولهم ، فرفعت "جنة" يديها أولاً ثم "يوسف" وبقى "أدهم" يفكر فإنتظر حتى أشار "حامد" لـ "جنة"  التي ابتسمت وتحركت بلهفةٍ ترد على السؤال بحماسٍ:



_"أبو بكر الصديق" ، صح؟



صفق لها سريعاً وهو يبتسم بفخرٍ مردداً :



_صح ، شطورة يا حبيبة جدو!



عقب قوله لصواب ، ضحك الصغيران مصفقين لها حتى قبلها "أدهم", على وجنتيها بحبٍ ، التوأم صاحب قلب رقيق وبرئ مثل ملامحه بينما الآخر غمز لها مشيراً بيديه بإعجابٍ فتأثر "حامد" من حبهم لبعضهم دون وجود روح منافسة قوية.



وجاء الإستعداد السؤال الثاني وبدأ "حامد" يسأل:



_تاني سؤال بقى ، ايه هو اسم الغار اللي الرسول صلى الله عليه وسلم كان قاعد فيه مع أبو بكر الصديق أيام الهجرة من مكة للمدنية؟؟



هنا وعلم "يوسف" الذي رفع يديه أولاً وقال بسرعة متلهفة:



_غار ثور 



حرك "حامد" رأسه كدليل على ان إجابته صواب فصفقوا له جميعاً فسعد من ذلك حتى عندما خرجت "فاطمة" تجلب شىء فوجدهم هكذا فضحكت وهى تقف وصفقت له مرددة بتحفيزٍ:



_شطور يا قلب ماما.



_وأنا كمان يا ماما جاوبت صح ، مش كدة يا جدو؟؟



أكد هو لـ "جنة" فإقتربت "فاطمة" وهي تنظر بسعادة ووقفت تتابع السؤال الثالث حينما استعد وقال:



_اللي بعده بقى يا شطار ، حد عارف اسم خازن الجنة ايه؟



وقف "أدهم" يقترب منه ولم يستطع ان يصدق أنه وأخيراً علم إجابة سؤال قد درسه في المدرسة فأجاب وهو يمسك كف "حامد" بحماسٍ وهو يقفز :



_ رضوان



صفق له الجميع ومالت "فاطمة" تقبل وجنتيه وهى تضحك على حماسة ، بينما هو ابتسم بسعادةٍ وهو يجلس مجدداً فعاد السؤال الآخر يعلو من "حامد" :




        
          
                
_طب  شهر رمضان عدده كام في ترتيب الشهور الهجرية؟؟



وقف أمام هذا السؤال الصغار بتفكيرٍ ، فنظرت "فاطمة" حينما وجدت اليأس على وجوههم وتدخلت تردد:



_ينفع ماما تجاوب على جدو ولا مينفعش ؟



ضحك "حامد" فيما حثها الصغار بحماسٍ فإعتدلت تجيب هى بطريقتهم :



_رقم  تسعة صح؟



انتظروا تأكيد الإجابة فرد "حامد" مبتسماّ:



_صح جداً 



هرول "الصغار", ناحية أحضان والدتهم حتى ضحكت وهي ترى حماسهم بتشجيعها وكأنها صغيرة مثلهم ، فضحك "حامد" وحينها فُتح باب المنزل ودخل منه"غسان" جوار "نيروز"  التي اقتربت ترحب بـ "فاطمة" فيما ركض الصغار على "غسان". فإنحنى يقبلهم بالترتيب ثم نهض يمد كفه ناحية "فاطمة" التي ابتسمت له قائلة بمزاحٍ:



_اللي واخداك مننا يعم ، معتش حد بيشوفك!



_أديكي شايفة الوضع بقى ،دعواتك يا فطوم!



أجاب بذلك قبال ابتسامة  "نيروز" فضحكت "فاطمة" مقدرة الوضع ودعدت لها بنقاءٍ:



_يلا ربنا يقومهالك بالسلامة هي والكتاكيت يارب 



ابتسم لها بحب أخوي ، وأشار لها بالجلوس كي يسألها عن حالها فجلست جواره بينما نظرت "نيروز" ناحية المطبخ واقتربت ترى  "دلال" بعدما انحنت تحتضن الصغار حينها قد سألها "يوسف":



_ هم ولاد ولا بنات؟



ضحكت "نيروز" وهي تعتدل وحركت كتفيها بجهلٍ:



_ مش عارفة لسه ، بس انت بتحب ايه؟



لم يجيب "يوسف" فإندفع "أدهم" يمازح شقيقه بشقاوةٍ وأجاب بدلاً عنه:



_هو بيحب البنات يا طنط !



ضحكت مع انشغال "غسان" بينما نظر "حامد" إليها وهي تضحك وردت تجاريهم:



_خلاص لو بنات هحجزلك واحدة يا "يوسف" ، ايه رآيك؟



نظر بتفكيرٍ ووافق برأسه فضحكت هى وهي تحرك رأسها بيأسٍ من "أدهم" الذي ردد :



_وأنا كمان!



اعتلت ضحكاتها مما جعل "غسان" ينظر إليهم جميعاً حينما أشارت هى كي يتولى الآخر الأمر:



_لا كدة بقى تروحوا تعرفوا أبو البنات عشان الموضوع بيوسع!



تركتهم بعد ذلك وهى تضحك منصرفة ناحية الداخل ,فيما اندفع "أدهم" يخبره :




        
          
                
_ عايز اتجوز بنتك يا عمو أنا ويوسف .



_بنتي أنا؟؟؟



سأل "غسان" بمفاجأة تزامناً مع ضحكات "حامد" و"فاطمة" ، فأكد له التوأمان فيما رد هو عليهم :



_لا أنا هجوز بنتي لواحد بيصلي وبيسمع كلام مامته ومبيغلبهاش!



كبت ضحكاته حينها وربت الأمر سريعاً حينما كانت تقص عليه شقاوتهما ، فإندفعت "فاطمة" تؤيده :



_صح .



وبدون تفكير رد "يوسف" في براءة:



_بس أنا بصلي يا عمو وبسمع كلام ماما ، لكن "أدهم" بيصلي بس 



ضحك "غسان" بخفةٍ وحرك رأسه يوافقه وعاهده بغمزة عينيه ثم نهض يشير لهما:



_يلا عشان "حازم"  كان قايلي انه مستنينا يا حاج ''حامد".



نهض "حامد" بفعل امساك كف "غسان" حتى ربت عليه برفقٍ وإعتدل هو الآخر بعدل ياقة عباءته حتى أشار للصغار يسبقونه وفتح أحدهما الباب حتى خرجا فوجدا "حازم" يخرج من الباب وأغلقه خلفه على الفور ، ابتسم لهما مردداً بهدوءٍ وتمني وهو يواجه عيني "حامد" :



_عقبال ما  نروح نصلي سوا  عند الكعبة معاك يا حاج حامد.



ابتسم وهو يربت على كتفه فيما رحب بالصغار بحرارةٍ وعاد يعتدل حتى فُتح المصعد وركب به هو و"حامد" بينما هبط الصغار مع "غسان" على السُلم.



________________



هذا اليوم خصيصاً به مفاجئتان ، واحدة لشخص تعد بمثابة سعادة لمن حوله وشخص آخر بمفاجأة أخرى تعد أيضاً سعادة لمن يهمه الآمر ..كل منهم منشغل وما يُخبأ مجهول إلى الآن بكل تفاصيله..



فأجواء هادئة خير من عقبات وحوادث ومقابلات  حادة شديدة لا تنتهي ، كمقابلة "سامر" لـ "بسام"، ومنذ وقتها لم يحاول أحد الاقتراب وأخر حكم الحبس النهائي لـ "مروة", لازال مُعلق ولم يحدث به جديد بسبب مراوغة "غسان" ليوقع بأعصابهم!



____________



سريعاً تم ترصصهم جوار بعضهم في المسجد ، "حامد" جوار "غسان" ومعهما الصغيران "يوسف وأدهم" بينما "بسام" لن يأتِ اليوم إلا قُرب صلاة العصر! بسبب إقامته في العمل منذ أمس ، كان الوضع وضع إنصات وإهتمام من الجميع لكلمات الخطيب على المنبر..



_إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ,وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، تنَزّه ربِّي عن القُعودِ والجُلوسِ والمكانِ، كانَ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ، فهوَ موجودٌ بلا مكانٍ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُه مَن بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَّةَ، جزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا منْ أنبيائِهِ، الصلاةُ والسلامُ عليكَ سيّدِي يا علَمَ الهُدى.




        
          
                
_أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإنِّي أحُبِّكُم في الله وأوصيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ..واعلموا أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ في مُحْكَمِ التَّنْـزيلِ لِحَبِيبِه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الملكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِير﴾ .



كانت هذه تمهيدات وبداية للدخول في محور الموضوع ، تابع الكل بأعين مهتمه وآذان صاغية وصمت بينهم لا يقطعه سوى الخطيب وحده:



_فمَوضوعُنا اليومَ أيها الأحبةُ المؤمنُونَ فِي غايَةِ الأَهَمِّيةِ فلِذَا انْتَبَهُوا مَعِي جَيِّدًا رَحِمَكُمُ اللهُ بِتوفيقِه وَهُوَ عَنِ "القَضَاءِ وَالقَدَرِ"فَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا مَا سُئِلَ عَنْ إِنْسانٍ مَاتَ عَلَى فِراشِه كيفَ مَاتَ؟ يقولُ قَضَاءً وَقدرًا، وَهُوَ لا شَكَّ كَلامٌ صَحِيحٌ سَلِيمٌ وَلكنْ ليسَ مَعناهُ أنَّ هذا الإِنسانَ إذَا ماتَ بِسبَبِ صدمَةِ سَيارَةٍ لَيسَ قَضاءً وقدرًا، إذا ماتَ على فِراشِه قَضَاء وقدر، وإذ صُدِمَ بِسَيارَةٍ فماتَ قضاء وقدر، وإذَا رمَاهُ شخصٌ بسَهمٍ، برَصَاصَةٍ قضاء وقدر، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿إنّا كلَّ شىءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدرٍ﴾.. فَالقَدَرُ هُو جَعْلُ كُلِّ شَىءٍ على مَا هُوَ عَليهِ..فاللهُ تعالَى هُوَ مُصَرِّفُ الأشياءِ، هو مُصَرِّفُ القُلوبِ، وَيقُولُ تعالَى في مُحْكَمِ التَّنْـزِيل: ﴿وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ﴾. العَرْشُ الذِي هُو أعظَمُ الخلقِ مَقْهورٌ للهِ فمَا سِوَاهُ مِنْ بَابِ الأَولَى. واسمَعُوا معِي حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِي لا شَكَّ لَهُ تأويلٌ، لَهُ تَفْسيرٌ يليقُ بِجَلالِ اللهِ.. فقَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ في كتابِه الاعتِقَادِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَلْبٍ إلا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرحمنِ إن شاءَ أقامَهُ وَإِنْ شاءَ أزاغَهُ".




        
          
                
وتم شرح الحديث بتفسير ويقين قبال النظرات المتأثرة في هذة اللحظة :



_قال البيهقيُّ: وقولُه "بينَ إِصبَعينِ من أصابِعِ الرحمنِ" أرادَ بِه كونَ القَلْبِ تَحتَ قُدرةِ الرَّحمنِ..وفي الحديثِ دِلالةٌ على أنَّ اللهَ تعالَى إن شاءَ هداهُمْ وَثَبَّتَهُمْ وَإِنْ شاءَ أزاغَ قلوبَهُم وأضلَّهم..وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "اللهمَّ يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنا على دينِكَ".. فَيَا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنا على دينِكَ.



_إخوةَ الإيمانِ إنَّ أهلَ الحقِّ قاطِبَةً علَى أنَّ كلَّ ما يَجْرِي في هَذا العالَمِ هُوَ بِخَلْقِ اللهِ وَعِلْمِهِ وَمشيئَتِهِ وتقديرِهِ، فاللهُ تعالَى هو الذي قَدَّرَ الخيرَ والشَّرَّ والكفرَ والإيمانَ وَالطَّاعةَ والمعصِيةَ لِحِكْمَةٍ هُوَ أعلمُ بِها..وهذا مِنْ أصولِ الإيمانِ فلا يَصِحُّ للعبدِ إيمانٌ إذَا لَم يُؤْمِنْ بِهذا.. وهذا ظاهرٌ مِنْ حديثِ جِبريلَ عليهِ السلامُ لَمَّـا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "فأخبِرْني عَنِ الإِيمانِ، فقال صلى الله عليه وسلم: أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ وَملائِكَتِهِ وكتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ"  



_فيجِبُ الإيمانُ أنَّ المقدورَ أيِ المخلوقَ سَواء كانَ خيرًا أو شرًّا فهُوَ بِخَلْقِ اللهِ وتقديرِهِ.. فلا يَجُوزُ الاعتِقَادُ بأنَّ الخيرَ فَقَط هُوَ الذِي حصَلَ بتَقْدِيرِ اللهِ أمَّا الشَّـرُّ فليسَ بتقديرِ اللهِ وهذا لا شَكَّ كُفرٌ وَضَلالٌ والعِياذُ باللهِ تعالَى.. وقد ورَدَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمَ بعضَ بناتِه "ما شاءَ اللهُ كانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ" فلا يَحْدُثُ في العالَمِ شَىءٌ إلا بِمَشيئَةِ اللهِ ولا يُصِيبُ العبدَ شىءٌ مِنَ الخيرِ أو الشّـرِّ أو الصِّحةِ أو المرضِ أو الفَقْرِ أو الغِنَى أو غيرِ ذلكَ إلا بِمَشيئَةِ اللهِ.




        
          
                
كان موضوع الخطبه بوضوح عن "القضاء والقدر" ، الذي يغفل عنه الكثير من الناس ، حتى هم ، حتى هذه العائلة التي تصبر كثيراً ولكن عند وقت معين يحدث به عدم الرضا تنقلب الموازين من جديد! ، تابعه "حامد" بيقينٍ وتلاقت عينيه مع عيني"غسان" الذي ابتسم له معدلاً من وضع جيب عباءته مقبلاً كفه ببرٍ في هذه اللحظة بعدما كانت بوادر النهاية تعم في أرجاء المسجد :



_اللهمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ وَثَبِّتْنا عَلَى الحَقِّ يا رَبَّ العالمينَ، هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكم.



ثم بدأ بالدعاء وهم يرددون خلفه"آمين" بيقين وتأثرٍ في هذا الوقت الملئ بالبركة والإيمان ، وجعلهم الوقت يترصصون جوار بعضهم في تساوي وأفسحوا في الأماكن كي يُساع بعضهم بعض ، حتى بدأ الإمام بعد هذه الدقائق مكبرًا:



_«الله أكــبــر»



________________



_حاضر يا ماما ، هخلي بالي من نفسي والله متخافيش عليا ، لا مطبختش النهاردة طنط 'حنان" قالتلي هتعمل هىٰ الأكل ، بعد ما مشيتي من عندي وهي بتساعدني كتير..كتر خيرها.



ترددت هذه الكلمات من "جميلة" التي جلست على الفراش بتعبٍ ، تنهدت تأخذ أنفاسها وهى تستمع إلى كلمات "والدتها" على الناحية الأخرى بإهتزازٍ فردت بإيجاز تغلق هذا المحور من الحديث:



_لا الحمد لله ، "عز"كويس ، بيصلي وزمانه جاي..لا احنا كويسين مع بعض متحمليش هم ، قوليلي انتِ "ياسمين" عاملة ايه و"حازم"؟



بعدت عن هذا المحور كون" والدتها " تردد لها بأنها تشعر أن العلاقه بينها وبين زوجها ليست جيده ، حدس الأم! ، استمعت إلى كلمات والدتها على الناحية الأخرى وهى تخبرها:



_"ياسمين" كويسة بس زي ما انتِ عارفة الحمل مهبطها خالص الأيام دي في الحر كمان ، حتى امبارح باتت عند أمها من التعب و"حازم"  قاعد معايا شوية هنا وشوية هنا ، بس قالي انه مكلم "عز" وهتيجوا بعد العصر ان شاء الله يعني .



ردت في اختصارٍ ووافقت قولها بعلمٍ حينما أخبرها "عز" في الصباح ، وسرعان ما انتهت المكالمة بينهما واسندت الهاتف جوارها ، وهي تفك عقدة خصلاتها التي غفلت عن تمشيطها قبل يومين بعد ان تركتها والدتها ورحلت فأصبح كل شىء ثقيل عليها ومتعب بسبب دوار الحمل في بدايته ،  نهضت تمسك المشط برفقٍ ، وبسبب سوء حالتها النفسية ، وقعت بعض من خصلاتها فوق الطبيعي في داخل المشط ، فنظرت بحزنٍ ولمعت عينيها وهي تبتلع ريقها ببطىءٍ..




        
          
                
كل شىء حتى وان كان ليس هين ،فخبر حملها وحده بمثابة خير كبير ودفء واحتواء لها من كل شىء قد حدث ، نظرت نحو معدتها التي لم يظهر عليها علامات للحمل بعد ولكنها تلمستها في سعادةٍ بالغة تحث نفسها بها الآن.



انتفضت ما ان سمعت صوت إغلاق باب الشقة ، بالتأكيد هو ، وضعت المشط على خصلاتها تمشطها برفقٍ ومنذ حينها وهى تتصنع التجاهل معه لا ترد إلى على قدر حديثه ، مما جعل هناك صمت أغلب الوقت ، ولكنها عندما تشعر بتعبه لا تتردد لحظه في احتواءه ولكن وجعها منه لم تسمح بذهابه بعد.



فتح "عز" باب الغرفة بهدوءٍ حتى دخل فوجدها هكذا تقف ، فاقترب يجلس على الفراش وعينيه لا تفارقها وهى تقف فلم تعطه فرصة للتحدث لأنها التفتت تسأله :



_جعان؟ ، أعملك حاجة تاكلها على ما طنط تجهز الأكل؟ ، أنا عندي أكل بايت من امبارح لو جعان أجهزلك تاكل منه!



لم تتخلى عن الإهتمام حتى مع هذا الحزن الذي بان في عدستيها ، طالع عينيها بتعبٍ ورفض محركاً رأسه مردداً :



_مليش نفس.



تعجبت من رده المستسلم دون محاولة لفتح أو خلق حديث كالعادة لم يتوقف بهذا القول بل حثها بهدوء قبل ان يُريح ظهره:



_إرتاحي انتِ ، متتعبيش نفسك.



أراح ظهره وأمسك محرك الشاشة يفتح على أي شىء ليشاهده ، ولكنها لم تلتفت إلى الآن بل عقدت خصلاتها في خفةٍ وأجابته قائلة :



_أنا مبتعبش نفسي ولا حاجة ، خليني أجهزلك تاكل ، انت ماكلتش حاجة من  امبارح!



طالع اهتمامها بتعبٍ ونظر ناحيتها مردداً بدون تردد :



_تبقى لازمة اللي بتعمليه ده ايه يا بنت الناس؟.



سألها في مواجهةٍ منهكة من ما يحدث بينهما ، فكفى تحمل كل هذا الفتور ، ابتلعت ريقها ولم تتعمد الرد فبخفةٍ وجدته خلفها بصوته :



_لا انتِ منك راجعة ولا منك معايا زي الأول ، أنا مستحمل كتير أوي مش قادر على شيلته مع اللي فيا ، كل ما آجي أقول وقتك غلط أقول لا ، بس انا تعبان يا "جميلة" ، متحسسنيش بالذنب وتتعاملي كإنك عادي عشان ده مش عادي.



شعرت بثقله ، فإلتفتت فوجدته يطالعها بعينين بريئتين لا تناسبه أبداّ ، أخرجت أنفاسها في هدوءٍ وتحشرجت نبرتها تتساءل:



_المفروض أعمل ايه يا "عز" ، أنا برضه معاك بس مش قادرة انسى انك سيبتني وأنا برضه موجوعة.



أعلنت قلة حيلتها وجلست على المقعد تكتم دموعها فيما لامها هو بتعبٍ :



_ليه اللي بيحصل بينا ده يا بنت الحلال ، ايه ناقصنا تاني ؟  ، بتسألي عن المفروض ، انا مش شايف ان ده واحد واحدة فرحانين عشان ربنا هيرزقهم بطفل ، مش شايف اللي المفروض يحصل بيحصل يا جميلة. ، لو انتِ شايفة اللي بيحصل بينا دا عادي يبقى انتِ مش حاسة بحاجة! .




        
          
                
لم يتوقف حديثه بل إعتدل ينظر داخل المرآه بوجعٍ وأكمل وهو يطالع عينيها وجلوسها جوار وقوفه:



_لو شايفة ان اللي بتعمليه ده لازم مع كل حاجة جاية عليا في الوقت ده يبقى أنا واجعك أوي وأكتر ما كنت مستوعب ، بس أنا حتى معنديش طاقة أكلمك ، أنا مكنتش بكدب لما قولتلك انا محتاجك جنبي بس مكنتش برضه عارف انك جاية على نفسك وعليا أوي كدة!.



يلوم نفسه ويلومها وهو التائه في المنتصف ، طالعته بأعين لامعة وقبل ان تقرر ردها على كلماته ، دق جرس الشقة الذي التفت هو بهدوء حتى يخرج من الغرفة ، ليفتح الباب الذي فتحه وابتسم ما أن وجد "والدته" تسند صينية الغداء على الطاولة التي توجد بالصالة وأخبرته بلهفةٍ:



_الغدا أهو يا حبيبي ، كُل انت ومراتك بالهنا والشفا.



ابتسم ناحيتها بإمتنانٍ فوجدها تطالعه بتمعنٍ هرب هو منه بعينيه ، فتساءلت:



_أومال "جميلة" فين ؟



كان سيخبرها ولكن "جميلة" أتت من خلفها بتمهلٍ وهى تبتسم قائلة:



_أنا أهو يا طنط ، تعباكِ معايا انا عارفة ، ربنا يخليكي لينا ومنتحرمش من عمايلك.



ابتسمت لها "حنان "بلهفةٍ وأشارت لها قائلة بسرعةٍ:



_, اقعدي ارتاحي يا حبيبتي ، كُلي يلا عشان تقدري تقفي على رجلك وتاخدي علاجك ده ، ربنا يكمل حملك على خير.



أومأت لها ، فتحرك "عز" من جانبهما وخرج دون حديث ، حتى فشلت محاولات والدته في انها تحثه على الطعام ، بل قرر الهبوط ، فيما نظرت "جميلة" ناحية ما فعله بشرودٍ قطعه هى بنفسها وهي تتساءل:



_ هي فرح فين يا طنط ؟



_تحت ، قاعدة مستنية "بسام", ، أصله قالها انه هيعدي عليها وهو مروح ، عايزها في حاجة يعني هى و"عز" ، أما نشوف بقى ربنا يسهل.



قالتها وصمتت تستشف وتجلب من الأخرى الحديث فسألت مستفسرة عن ولدها:



_هو "عز" ماله؟؟



سألتها بحدس أم ، فتاهت الأخرى بنظراتها ولم تجيب عليها بشىء، حتى جلوسها كذلك كان بشرودٍ لم تستطع  والدة الآخر اختراقه فعلمت ان مازال هناك شىء عالق بين ولدها وزوجته



لذا لم تنتبه من بين هذا الشرود أن "حماتها" بالفعل قد شرعت في غسل أطباق ما كانت في مطبخها تركتهم هى إلى حين الاستراحة ثم الموصلة في البدء من جديد لغسلهم بعد ان تستريح حتى لا يداهمها دوار رأس من جديد ، حتى هى لم ترد عليها بالموافقة من عزم هذا الوجع من بين الشرود ، وجع بالتشتت ، والآن ان جاء دوار رأس فلم يكن من الحمل بل من التفكير بحالها وحاله وما بينهما في حالهما معاً ، فحتى وهى تفعل ما تفعله معه لا تعلم ما نهاية ذلك أيضاً!!




        
          
                
«بينما في الأسفل»



لم يذهب هو بعيداً ،بل عندما هبط هبط على الفور على شقة والدته ، ناحية شرفة ما تطل على الشارع جلس بها على مقعد  يتفقد المارة من حوله وبيديه اللفافة يدخنها بشراهةٍ لم تحدث من قبل ربما من عزم الضغط! ، ذهب ذهنه لكثيرٍ من العقبات ومن الأشياء ، وزفر أنفاسه ما ان اعتلى هاتفه برسالة فأمسكه وحينها وجد أحدهم من بيت العائلة يحثه على القدوم مبكراً للجلوس معاً لأنه يشعر أنه ليس بخير ، ربما كان توأم من سيأتي بعد قليل..



_القهوة يا "عز".



كانت هذه جملة "فرح" والتي  ما ان جاءت تحملها بين كفها ابتسم يطفئ اللفافة أمامها احتراماً لتواجدها كما يفعل دائماً ، فدخلت وجلست حتى التقطها منها بإمتنان وخرج صوته رغماً عنه بشكرٍ:



_تسلم ايدك يا "فرح" ، مش عارف هشرب قهوة حلوة ازاي كدة من بعد ما تمشي وتتجوزي!



ضحكت "فرح" بخفةٍ  وشاكسته تخفف عنه ثقله:



_تيجي طبعاً تشربها في بيتي ، وبقولك ايه بلاش الكلام اللي يخليني  هفضل قاعدة في أرابيزك كدة علطول ومش همشي!



_وتسيبي "بسام"؟؟ ، مفتكرش! ، حاسس انه بقى حاجة كبيرة عندك أوي!



واجهها بعدستيه فابتسمت بخجلٍ تهرب من عينيه ولكنه سألها مجدداً كي يطمئن :



_مبسوطة معاه يا "فرح" ولا حاسة انه مش هو الشخص اللي يناسبك؟



ابتسمت تريح ظهرها على المقعد وسألت بحاجب مرفوع بإستغرابٍ:



_ليه بتسأل سؤال زي ده دلوقتي؟!



ارتشف "عز" من الكوب بهدوءٍ وأسنده يوضح لها ما تغفل عنه قليلاً:



_عشان قالي انه هيعدي يقولي حاجة على السريع وأنا متأكد إنه عايز يحدد ميعاد الفرح.



تتوقع ولكن رهبة الأمر تربكها ،برحيلها من منزل تُدلل به على يد هذا الرجل لمنزل رجل آخر  حتى تتحمل المسؤولية التي لم تتحملها هنا أمام هذا وتلك التي في الأعلى! ، ابتلعت ريقها بترددٍ وفركت يديها في توترٍ خفيف أمام عينيه وأخبرته بهدوءٍ:



_ بسام كويس وابن حلال ، في الأول مكنتش أعرف انه كويس أوي كدة ، ولا حتى كمان كنت أتوقع انه شهم ومتفاهم عادي مع الناس ومش متقفل ولا حاجة , أنا بصراحة خدت حقي معاه وخدت الفرصة أشوفه على حقيقته ، حتى أهله كمان وأنا وسطهم ببقى مطمنة وبحس ان ربنا عوضني بيهم.



طالعها بإبتسامة مريحة من حديثها هذا وتفاجئ ما ان اكتشف انها لم تكمل وقد لمعت عينيها وهي تصارحه بمشاعر مختلطة:




        
          
                
_بس مش عايزة أسيبك يا عز ولا اسيب ماما



تقدم هو بظهره إلى الأمام حتى ربت على كتفيها بحنانٍ وضحك بخفةٍ ليحتوي الأمر وحثها برفقٍ:



_انتِ هتعيطي ولا ايه يا هبلة، دي سنة الحياة وانتِ فاهمة كويس معنى كلمة سنة الحياة ، مفيش بنت بتفضل كدة كل واحدة مسيرها لنصها التاني مهمها كان ،وبعدين تسيبي مين هو أنا أقدر أسيبك أصلاً؟ ، أنا معاكٓ علطول ولو الواد الدكتور ده هوب نحيتك بكلمة سيبهولي وأنا أعرفه!



هذا ما كانت تريده من كلمات جعلتها تضحك وتطمئن وهي تخبره بعفويةٍ:



_الواد الدكتور مش بيزعلني خالص اطمن.



ضحك "عز" بخفةٍ وهو يعتدل ، ارتشف من الفنجان مجدداً ونظر ناحية ملامحها بشرودٍ شرود لم يكن بشىء يخصها هى ، لذا تفهمت الوضع وسألته بحزن ناحية حاله :



_مالك يا عز ، حاسة انك مش كويس وراجع تاني تحاول تظهر انك كويس مع إنك مش كدة ، انت مش مبسوط؟ دا أنا هموت من الفرحة اني هبقى عمتو!



شاركته فرحة اعتقدت أنه نساها ، ابتسم يحرك رأسه بنفيٍ وأخبرها بهدوءٍ لتطمئن:



_أكيد مبسوط وراضي على النعمة الكبيرة دي ، أنا بس اللي تعبان شوية اليومين دول ، شكلي محتاج أجازة كبيرة بس مش هينفع .



يحمل هم وثقل العمل هو الآخر ، لذا طالعته بشفقةٍ فمازحها هو سريعاً قبل أن تتحدث بشىءٍ:



_دا مش ابني ولا بنتي الأولى يا فرح ، أنا مجرب معاكي كل حاجة حلوة كإنك بنتي بالظبط ، فعارف ان فرحتك من فرحتي وأكتر ، المهم تكوني عمة سالكة كدة بس 



ضحكت بقوةٍ هذه المرة ، ومدت يديها تضرب كتفه برقةٍ ومازحته بمشاكسةٍ:



_اخص عليك يا عز ، دا أياً كان هو ايه فهو ابن حبيبي ، وابن حبيبي حبيبي واي حاجة تيجي منك هيبقى روحي فيها كدة!



_عقبالك ، عقبال ما أشيل عيالك على أيدي وأفرح بيهم معاكِ!



كانت أمنيته صادقه ، لمعت عينيها بتأثرٍ وهو يطالع وجهها بحبٍ أخوي يظهر معها دوماً ، وهي القادرة على الجلوس معه فتخفف عنه نفسياً دون أن تدري ، حتى بمجرد حديث مثل هذا ، فرد ظهره كي يستطع أن يُدخل يديه بجيب بنطاله وأخرج ما يريد إخراجه حتى أمسك كفها بخفةٍ ووضع به الأموال الذي وضعها بظرف يخصها حينما سعى لجلبهم باسمها من عمله في الفترة الأخيرة من أجل تجهيزات زفافها:



_امسكي دول يا "فرح" ،أنا عارف اني عاطي لأمك عشان تخرج معاكي تشتري اللي ناقصك ، بس برضه خلي دول معاكِ ، انتِ عروسة برضه وليكي حاجاتك اكيد اللي أنا أسهى عنها انا وأمك.




        
          
                
تعتاد على أخذ الأموال منه بكل الأحوال ولكن هذه المرة شعرت بالحرج وهي تخبره:



_ طب اصبر المرة دي يا عز ، خليك لما تفوق من مصاريف كشف جميلة وعلاجها هى والبيبي ، أنا مـ…



_انتِ هتاخديهم يا "فرح" ، أنا لولا اني مبفهمش في حاجات البنات دي كنت جيت معاكي بنفسي ، بس  امسكيهم بقى وشوفي هتحتاجي مين معاكي يفهم في حاجات اليومين دول!



أخذتهم منه في ابتسامة متأثرة ومالت تعانق عنقه حتى قبلت وجنتيه بحبٍ ، فضحك وهو ينظر ناحيتها ، حتى هذا أبسط حقوقها منه كما يرى ،تابعته بأعين بها وميض ومجدداً احتضنته في تأثرٍ وصرّحت :



_بحبك أوي يا عز ، ربنا يخليك ليا وتفضل سندي وفي ضهري علطول!.



مرر يديه على ظهرها بسعادةٍ من سعادتها المتمثلة في اهتمامه حتى وهو في أشد حاجاته ، وحالاته السيئة ، ضمها برفقٍ أمام هذا السور الذي يكشف عن من بالخارج وهم بدور أرضي هكذا ، جعلها تنتقض ما ان  سمعت صوته هو تحديداً من أسفلهم بقليلٍ ، فمازحهما خاصةّ "عز", وهو يقف يطالعهما من الخارج:



_سلامو عليكو ,اللي بتحضنها دي حاجتي يا معلم 'عز"، فتسمحلي ألف أخد نصيبي أنا كمان؟؟



لم يكن سوى "بسام " الذي اندفع الإثنان ينظرا ناحيته بضحكٍ ، بينما هى نظرت بخجلٍ ولاحظت إرهاق ملامحه وهو يحمل حقيبته على كتفه والتي بها أغراضه منذ ان كان يقيم بالمستشفى قبل أيام"، ضحك "عز" وقال بترحابٍ وهو ينهض حتى يفتح له الباب:



_حقك يا دكتور" بسام "، هلف أفتحلك أهو تاخد نصيبك ، بس بقولك ايه؟ خف عشان انا راجل غيور أوي ،وبغير على بنتي!



ضحكت وهى تقف وأفسحت له المجال فخرج ناحية البوابة ليفتح أما هو فغمز لها هامساً قبل ان يلتفت:



_وحشتيني يا أم رموش  حلوة هموت وأعرف روتينها!



وضعت "فرح" يديها على فمها تكتم ضحكاتها ووجدته يشير لها بعينيه وسار ناحية البوابة التي فُتحت له ، بينما هى عدلت من نظام المقاعد حتى يجلس والتقطت طبق الفواكة من ركن ووضعته حتى يأكل منه ..



إلتفتت بهذه اللحظة وابتسمت وهى تجده يقترب منها وخلفه "عز" الذي وقف مبستماً ما ان وجدته يلتقت فأومأ له يوافقه على ما يستأذنه بفعله بمرح رغم أنه حقه ، فتح "بسام" ذراعيه بعدما اسند حقيبته فدخلت في أحضانه ترحب به بخجلٍ قبال عيني شقيقها ، حتى سحبها لتجلس فجلست جواره بسعادة من وجوده ،  بينما "عز" تولى أمر ضيافته بدلاً عنها وقال:




        
          
                
_هسيبكم مع بعض شوية وهرجعلك تاني يا بسام نشوف موضوعك ، تحب نحضرلك الغدا؟.



رفض "بسام" بلهفةٍ وقال صادقاً وهو يشير له:



_لا ، لسه متغدي في المستشفى بعد الصلاة والله.



ابتسم يستشف منه الصدق حتى وافق "عز" برأسه وعرض عليه بلطفٍ:



_خلاص ، يبقى تحبس بشاي من ايد المعلم عز ، ايه رآيك؟



حرك "بسام" رأسه موافقاً ، فسار "عز" يتركهما مع بعضهما بقصدٍ ، فهو لم يراها منذ فترة ، ابتسمت تنظر ناحيته مثلما كان يفعل ولكنها من بدأت تتساءل بقلقٍ:



_انت مش بتاكل كويس ولا ايه يا "بسام" ، شكلك مرهق أوي!



ابتسم ناحية اهتمامها وقلقها بحبٍ ، فربت على ساقها وكفها برفقٍ وأخبرها :



_أهو بقا يا "فرح" ، أنا متعود على كدة ، متقلقيش ، هو بس اليومين دول ضغط كدة ، حتى امبارح رجعت عشان الخشب جه زي ما قولتلك وطلع الشقة ، والنهاردة الصبح الصانيعية اللي فيها مشوا بعد ما ظبطوها ولسه هيرجعوا يكملوا ، "غسان" كان مكلمني وقايلي.



وقت ترتيبات الزفاف يعد ثقل وضغط على الطرفان.. رغم عدم التحديد ولكن كل منهما يسعى لإنهاء هذه الترتيبات والتجهيزات ، ابتسمت بتخبطٍ لم تظهره وظهرت السعادة وهى تدعو أمامه رداً على ضغطه وتقديراً له:



_ربنا يجمعنا على خير يا "بسام "ان شاء الله.



اتسعت ابتسامته حينها وأخبرها دون تردد:



_,ما أنا جاي أعرف "عز" عشان نحدد ميعاد للفرح ، أنا مش مفاجئك أهو عشان متقوليش  اديني وقت أفكر ، أنا قايلك لما نتيجة أختي تبان هنحدد علطول.



ضحكت على طريقته وحركت رأسها بمعنى لا مشكلة وصرّحت:



_معنديش مشكلة ، بس نفرح بنتيجة "وسام" النهارده بس الأول ونشوف .



_ما أنا عامل حسابي على كدة بإذن الله .



رددها برضا ، فابتسمت تناوله ثمرة موزة ،فإبتسم ما ان وجدها تقشرها له فضحك يمرح معها مردداً بغمزة:



_أحب أنا الستات الملزمة دي!



ضحكت بخجلٍ محبب له ، فإقترب يعبر عن امتنانه بقبلة على جبهتما ابتسمت منها فإلتقط ما بيديها يتناول منه وتساءل عن والدتها فأخبرته أنها بالأعلى ، وسرعان ما وجدا "عز" يدخل بصينية عليها أكواب "شاي" ، نهض "بسام" بلباقةٍ ليأخذها منه ، حتى أسندها فجلس "عز" معهما مبستماً الوجه ، وبدأ هو بنفسه يخبره:




        
          
                
_أنا عارف انك جاي وعايز تحدد ميعاد الفرح ، ولسه معرف فرح برضه ، أنا معنديش أي مشكلة ، شوف انت عايز ايه ولو يناسبنا إحنا معاك ، اتكلم.



إعتدل "بسام" يخبره بهدوءٍ وهو يبادله الإبتسامة:



_أكيد اللي فرح عايزاه وأنا عينيا ليها ، أنا بس كنت عايز أمهدلك وانت فهمت ، فهستنى ان شاء الله نتيجة وسام النهارة ونحدد بعدها لو خير بإذن الله ، انتم هتكونوا هناك صح؟



أكد "عز" قوله ، فحرك "بسام" رأسه وهو يستمع لإجابته:



_أه شوية وأم عز وجميلة ينزلوا لابسين عشان نمشي ، خليك بقا عشان نمشي مع بعض.



لم يستطع قول شىء آخر بسبب دقات هاتفه التي اعتلت ، فنهض يستأذن بالإجابة وكانت أنسب لحظة حينما تركه معها ، فلم يترك مجال للنظرات إلا وقد كان حثها بمشاكسةٍ:



_بقولك ايه؟ ، ما تغمضي عينك الحلوة  دي، عاملك مفاجأة.



نظرت "فرح". بلهفةٍ وهي تسأله بعينيها قبل سؤالها الفعلي:



_بجد ، مفاجأة ليا أنا؟؟



مال ناحيتها في مشاكسةٍ يخبرها بها :



_لو معملتش مفاجأة لـ "طوق النجاة" هعمل لمين؟



توردت وجنتيها وهي تستعد في حماسٍ  سعد منه كثيراً عندما رآها تضع يديها على عينيها بحماسٍ , فإلتقط المُراد من جيب حقيبته بحقيبة هدايا صغيرة ، ورفع عينيه يزيل كفيها من على عينيها مردداً بعمقٍ:



_عارف انه متأخر شوية بس كنت عايزك تعرفي ان حرام عين حلوة زي عينك دي تتخبى أو حتى تبكي على حاجة متستاهلش!



وتوقف قبال صدمتها حينما حثها قائلاً:



_امسكي,افتحيها!



ارتجفت يديها وشعرت وخمنت بكيف ستكون هذه الهدية ، التي فتحتها برفقٍ وهي تأخذ أنفاسها واتسعت عينيها ما ان وجدته هاتف جديد بعلبته ، فاندفعت برأسها وهي تتقطع بقولها له:



_بسام.. انت..



_أنا ملقيتش حاجة تليق بيكِ وبغلاوتك عندي يا "فرح"



قاطع قولها بذلك فلمعت عينيها وهي تنظر نحو نوع هذا الهاتف الذي أظهر مدى غلو ثمنه فصرّحت بتحشرجٍ:



_أيوة ، بس ده شكله غالي أوي ، وانت..انت أكيد محتاج لكل جنيه دلوقتي عشان الشقة والبيت والمصاريف ،مكـ..



قاطعها من جديد حينما لثم وجهها برفقٍ وأخبرها بلينٍ:



_أولاً مفيش حاجة تغلى عليكِ وعلى عينك ، ثانياً بقى أنا استنيت كتير على ما أشتريه متسرعتش ولا حاجة ، عشان كدة أنا عارف انا جايبه إزاي ومظبط كل حاجة متقلقيش ، أنا بس عايزك مبسوطة ومتزعليش على اللي راح وهو ميستاهلش.




        
          
                
تلقائياً رفعت ذراعها تحتضنه بتأثرٍ وهربت الكلمات منها فسألها بمزاحٍ  من خلف ظهرها:



_عجبك؟



خرجت من بين ذراعه تواجهه بعينيها اللامعة وهى تصرّح بصدقٍ:



_أي حاجة منك لازم تعجبني عشان هتكون حلوة!



فبلا تردد من جديد غمزها ورد في مرح:



_ زي عينك أكيد ، افتحيه بقا عشان ناخد صورة فيه مع بعض أول حاجة.



مسحت"فرح" عينيها قبل أن تكون على وشك البكاء, وبدأت في فتحه قبال عينيه بينما هو نظر في ساعة معصمه ناحية الوقت بخفةٍ غافلاً عن مراقبة "عز" للمشهد من بدايته ، حينها لم يتدخل ولم يقرر ذلك بعدما علم أن شقيقته بين يدي رجل بالتأكيد سيهاب سقوط دمعتها وحزنها على أقل الأشياء كما رأى..



ابتسم في خفةٍ وتركهما حينما التفت فوجدها هبطتت مع والدته ، فتحرك يجلس وهو يشير لها لتستريح دون ان  يتحدث ، فجلست "جميلة" تلبي قوله ، حينها دخلت والدته لترتدي ملابسها في غرفتها ، بينما "جميلة" طالعت "فرح" وابتسامتها من على بُعدٍ..



ابتسامتها بسعادة وهى في الداخل جواره ترفع الهاتف لتلتقط الصورة الذي اقترب منها يميل ناحيتها حتى تأخذها فأخذتها بخفةٍ ونظرت ناحية جودتها بإنتباةٍ وعادت تتركه من بين يديها تولى و تقدم اهتمامها ناحيته وقبل ان يحثها بإلتقاط المزيد ، صارحته هى:



_شكرًا عشان كل حاجة بتعملها عشاني وعشان بس أبقى مبسوطة.



_طب ما تجيبي بوسة وحضن وهبقى مرضي أكتر ، تيجي؟



اقترح عليها بعبثٍ أصبحت تعهده منه ، فضحكت وهى تقف حتى اقتربت تحتضنه في سعادةٍ فمرر يديه على ظهرها يخبرها بصدقٍ:



_شكراً دي يا هبلة لما أكون معرفكيش ويقع منك الغسيل فأجبهولك وأنا معدي من الشارع  ،لكن أنا جوزك ، يعني شكراً  قصاد بوسة تساوي كتير ، زي كدة مثلاً.



على الفور قبل وجنتيها الاثنتان ، حتى حمحم "عز" بحزمٍ وهو يقترب:



_ايه يا حلو ، دا انتوا على الشارع وفي بيت أهلها ، بقولك  ايه ؟؟، انت مش عاجبني يالا انت!!!



ضحك "بسام" ينفي بلهفةٍ وهو يردد بخوفٍ زائف:



_خلاص يا معلم "عز" ، حقك عليا يعم، مع انه حقي أنا بس مليش بركة ألا انت ، بس تيجي بعد كدة بقا تتكلم وهي في بيتي هنزعل من بعض ، وهوقفلك "غسان" وانت حر!



_لا دا لو كدة بقا ننخ  ونرجع لورا، مهما كان برضه كان بيقف معايا قصاد "حازم" ، وأنا منساش لحد معروف يا دكتور!!




        
          
                
تذكر ما فعله لأجله ، فواجهه "بسام" من جديد:



_شوفت  ،  ما بالك بقا بأخوه توأمه وحبيبه!



ربت "عز" على ذراعه بأخوية واحتضنه في عناقٍ يعبر عن الكثير من الحب والامتنان ، طالعتهما "فرح" بسعادة ووجدت"جميلة"  جوارها تبتسم ناحيتها  بلطفٍ حتى غمزها توضح لها بهمسٍ:



_ مهما حاولتي تداري فإنتِ وقعتي يا فروحة  خلاص ومحدش سمى عليكِ!



توقفت عند هذا القول تحاصر نفسها وهى تنظر بوجنتيها الورديه ناحيته ، حتى وجوده هذا يطغى به على فؤادها الذي يتشتت لقول كلمة واحدة له تطفئ هذا الضياع الذي يشعر به قبالها ، لديه لم يكن شىء هام اعترافها مادامت نظراتها له هكذا ثم تواجدهما معاً عن قريب في منزل واحد ، ولكن بالنسبة لموضع فؤاده فهو يتلهف شوقاً لسماع اعترافها بأي طريقة ممكنة  ، هى وحدها اخترقت القوانين ولم تعترف بسهولة أبداً وعلاقتها به تختلف عن أي علاقة أخرى بالقرب منها.



طالع شرودها به بتفحصٍ حتى انتبهت ما ان وكزتها "جميلة" والتي حثتها قائلة بخفةٍ :



_خشي البسي يلا ،عشان نمشي.



وافقت على الفور وابتسمت حتى تنصرف ، فجاءت والدتها ترحب بتواجد "بسام" التي احتضنته سريعاً وجلست معه بالشرفة مع "عز" الذي راقب حب والدته للآخر ..



مقبول بين الناس الذي يعرفهم ، يُعرف بالاحترام والخير وقُربه من الله ، كانت هذه تلميحات جعلته يوافق عليه للزواج من شقيقته ومن ثم بعد ذلك اكتشف الأكثر و الأفضل.



تركها تتحدث مع "بسام" في أمور الزواج وتجهيزاته مما أخبرها بترحاب كي تصعد اليوم لترى الشقة من جديد هى و"فرح" ، بينما "عز" نظر ناحيتها هى فوجدها تهرب بعينيها منه حتى خرجت ترى إلى أين توصلت "فرح"، فقط أخذت الأكواب والذي عارضها حينها وهو يقف حتى أخذها مردداً بإيجازٍ:



_عنك انتِ!



تركتهم له فيما تلمس هو كفها بحنوٍ فسحبت يديها منه وهى تبتلع ريقها فيما طالعها هو بتعبٍ وتركها تذهب نحو غرفة شقيقته وذهب هو  ناحية المطبخ ، وعقله يعنفه من ما تفعله هى به وبنفسها ، ويتساءل: إلى متى؟؟, إلى متى عدم الراحة ؟



______________



مشاعر مختلفة تداهمة ما ان فُتحت له الأبواب وأُطلق سراحة ، شخص جديد على هذه الحياة ، ينظر بعدستين مختلفتين متسائلاً ، هل هكذا كان يُنظر للحياة ؟ ، أم انه يخوض معركة خبيثه تسحب قدمية نحو هلاك مجهول مثل السابق ؟ ،فقد الثقة بالأيام ، ولكنه الآن وبعد عناء ينظر بأمل صغير جداً لأن خواءه لازال موجود ، مقتنعاً بأن ليس لديه حياة من الأساس ، فماذا سيفعل؟ ..




        
          
                
شريد لا يعرف أين الطريق ، شخص مقبل على حياة جديدة وكأنه خرج من رحم والدته للتو ، بينما الحقيقة أنه خرج من رحم المعاناة ، خرج من التعب ذاته ولا يعلم ، لا يعلم أي شىء، لا يعلم ماذا ينتظر أو ما الذي ينتظره بعد الآن .



رفع رأسه ناحية السماء الواسعة لأعلى وزفر أنفاسه بحرارةٍ وهو يعدّل من وضع حقيبة ظهره التي توجد بها أغراضه ، والآن وبهذه اللحظة زهد عن كل شىء ، ولم يقرر العودة لمئواه ، لم يقرر رؤية عائلته وأهله أول شىء ، بل قرر الذهاب نحو وجهه مجهولة ، لا يتوقعها شخص أبداً ..



لن يتوقعها إلا المخلص الوفي ، ولكنه لا يتحلى بهذه الصفات الآن  ، ما جعله يقرر ذلك شىء ليس مفهوم ولكنه سيفعلها أولاً ، أرجع خصلاته إلى الخلف ومسح وجهه بإرهاقٍ بدى على ملامحه وتعابيره ، فمنذ واحد وعشرون يوم وأكثر في هذه المصحة إلى أن تعافى كُلياً وذهب المخدر من جسده ، ورُبما من عقله الذي يواجهه بسوءٍ للرجوع ولكنه يقرر عدم الإستماع ، يقرر عدم التفكير!! ،رفع يديه يشير نحو سيارة الأجرة لتقف له حتى يحثها بتوصيلة ناحية ما قد نوى الذهاب إليه!



____________



قبل هذا الوقت بقليلٍ ، كانت كما هىٰ لازالت جالسة بمحل الورد ، تُشغل صوت القرآن الكريم ، وحدها هكذا تهرب من التوتر. لا تعلم بأنها التوتر ذاته ، نظرت "وسام" بشرودٍ نحو شاشة هاتفها ،ثم نحو المشتري الذي دخل ليبتاع هدية..



في الأيام الأخيرة تم تزويد المشتل والمحل بهدايا معينة تناسب محل الورد وأعياد الميلاد وغيرها بركن آخر بجانب باقات الزهور على رف كبير خشبي مطرز بإنجذابٍ ينعكس من الزجاج ناحية الخارج كي ترى الناس ،مما جعل المحل زبائنه تكثر .



تركت الفتاة تختار ، إلى ان تغلف لها في النهاية هديتها  ، ومن بين هذا انتهت بعد دقائق حتى خرجت وفي طريق الفتاة للخروج جاءت لها آخر شخص تتوقعه ، اتسعت عينيها بمفاجأة وهي تخرج من المكان التي تقف به وصاحت بمفاجأة:



_إيـمان!!!



ابتسمت "إيمان" التي اقتربت منها تعانقها حتى جلست جوارها وهى تتساءل:



_ايه اللي مقعدك لوحدك هنا ، أنا جيتلك فوق علفكرة ومرات أخوكي قالتلي انك تحت ومش في المود ، فخلتني أنزل أسأل عليكي 



حثتها "نيروز" بذلك لعدم قدرتها على فتح أي حديث معها وهي هكذا ، ولأن صديقتها بنفس موضعها صارحتها دون تردد:



_متوترة أوي وخايفة، انتِ أكيد حاسة بيا مش زيهم هيقعدوا يقولوا بسيطة وسهلة وكلام بيخليني أحس انهم واثقين فبخاف أخسر وأكسر الثقة دي ، فهماني؟؟




        
          
                
كشفت لها عن مخاوفها بسرعة لم تتوقعها هى بنفسها ، فربتت الأخرى على ذراعها برفقٍ وصارحتها رغم خوفها هى الأخرى:



_أنا كمان خايفة بس مش لازم أقولك كدة في الوقت ده ، خلينا واثقين في ربنا ، واحنا عملنا اللي علينا وأكيد مش هيضيع تعب لينا ولا لأهالينا يا "وسام" ، الواحد فعلاً على أعصابه بس أنا عشمانة ربنا يجبر قلوبنا ويفرحنا بنجاح نستاهله واللهِ



بهذه اللحظة تأثرت الأخرى حينها عانقتها دون تردد وهى تتمنى ذلك ، فخرجت من أحضانها وهي تبتسم بإطمئنان من كلماتها وهتفت تخبرها:



_تعرفي؟ بابا قالي نفس الكلام بس أنا مكنتش عاطية فرصة لأي حد يكلمني فسابوني أهدى عشان معيطش وأقلب الدنيا ، حتى طلعوا بعد ما جم من الصلاه من غير ما حد يتنفس جنبي ، ومن ساعتها وأنا ماسكة التليفون انتظرها تبان ، مش فاهمة مش قايلين ميعاد محدد ليه ، بيلعبوا بأعصابنا وخلاص!



طالعتها وهى حانقه فضحكت بخفةٍ وهى تخبرها:



_عندك حق واللهِ ، دا أنا مش عندي نت وبعت أحمد أخويا بعد الصلاه يشحن بس لسه مجاش الظاهر ان كل الناس قافلة عشان النهاردة الجمعة فـ…



بترت "وسام" هذا القول سريعاً وحثتها بلهفةٍ:



_غسان لسه شاحنه امبارح ، ابقي انزلي عادي نجيبها مع بعض ، متخوفيش نفسك ، النت موجود متقلقيش!



وجدتها فكرة جيدة ، فهي تشعر بالإرتباك ، حركت رأسها بموافقة وقررت عرض ذلك على عائلتها أولاً وانتظار شقيقها بأن يعود لترى ماذا ستفعل ،فإبتسمت تخرج هاتفها تفعل مثلها حينما وجدتها تقرأ القرآن بنية النجاح ، فجلسا هكذا جوار بعضهما بمشهد مؤثر حتى دعا معاً ربهما بالجبر في الساعات القادمة:



_"ربي اجعل النجاح رفيق دربنا ووفقنا لما تحبه وترضاه"



كان هذا دعاءهما الأخير وهما يبتسمان لبعضهما ، وقطع هذا الجلوس  دخول "غسان" المحل عليهما حينما هبط ومعه "جنة" فقط ، فوقفت "وسام " حينما دخل يلقي التحية فرد الاثنان عليه ونظرت "إيمان" نحو الصغيرة تتلاعب معها فيما وقف هو جوارها يحثها برفقٍ:



_كفاية كدة بقى ، يلا نقفل عشان تطلعي تتغدي ، احنا مستنينك.



_مش جعـ..



لم يتركها تكمل بل واجه عينيها بحزمٍ كي لا يتركها مع أفكارها السوداء:



_لا هتتغدي ، وبعدين مالك كدة ، ما طظ في كل حاجة!



نظرت ناحية بساطته بحنقٍ فيما ضحكت "ايمان" خلسة ، إلى ان حثها تحثها :



_شكلك عاقلة ، عقليها تاكل وتهدى يمكن تسمع منك .




        
          
                
ابتسمت"إيمان " توافقه بحرجٍ بينما هو تحرك ليبدأ في إغلاق المكان ، ولكن "وسام" فسرت لها لامبالاته هذه بضيقٍ زائف:



_لا هو كدة علطول ، كل حاجة تولع قصاد أنه يبقى رايق .



_خلاص اعملي زيه يستي ، هو خايف  عليكي ، اسمعي الكلام ويلا  نطلع نتغدى ، وأنا هكلمك لو ملقيتش نت ولو كدة هنزلك ان شاء الله.



حركت "وسام" رأسها لها بموافقةٍ بينما هى تركتها تصعد  مع شقيقها وأخبرتها قبل ان ترحل قبلها:



_يلا هطلع  أنا عشان بابا  وعابد بيرنوا عليا ، عايزة حاجة؟



نفت برأسها فأشارت لها بالوداع وخرجت ، بينما وقفت هى تنظر حتى عاد لها مراجعاً ذاته وطمأنها برفقٍ:



_مش عايزك تخافي كدة ، أومال لو مكنتيش بطل وعاملة اللي عليكِ ،خلي عندك ثبات انفعالي وثقة في ربنا يا وسام.



لمعت عينيها وهو يواجهها كذلك فبررت له مخاوفها بـ :



_خايفة يا غسان ، خايفة عشان حلمت حلم وعودتكم تحلموه معايا بالذات بابا ،مش عايزة أخذله وهو عمره ما خذلني، ولا أنا عايزة أزعلك لا انت ولا بسام ، عشان انتم مقصرتوش معايا وكل حاجة كنت بحتاجها كانت بتجيلي وزيادة رغم الظروف اللي احنا فيها ، وماما كمان مش عايزه قلبها يتكسر عشاني ، انا حلمي الأول هو فرحتكم بيا !



فتح "غسان" ذراعيه على مصرعيهما فدخلت بينهما تمنع بكاءها بأعجوبةٍ فيما ربت هو على ظهرها بحنوٍ وردد بثقة وتماسك قبالها كي لا تهتز:



_أنا واثق فيكِ ، وكل ما هتقولي حاجة هفضل أقولك اني واثق فيكِ.



خرجت تطالعه بابتسامة صغيرة متأثرة فغمزها بخفةٍ وهما يخرجا معاً مردداً :



_يا "فنانة".



ضحكت وهى تبادله الغمزة فأغلق الباب بحرصٍ وانتظرته قبال انتظار "جنة" التي تتفقد كل شىء حولها ، فتمسكت بكف"وسام" وهما ينتظران "غسان"الذي انتهى للتو ، ورفع رأسه ناحية الشرفة فوجد "نيروز" تبتسم وهى تشير لهما بإنتظارٍ..



فهي الأخرى حثته على أن يهبط للتحدث معها بمفردهما بعيداً عن الشقة ، وبخفةٍ استطاعت "وسام" فهم ما يجري، ولم يخيب ظنها بـ"نيروز" التي تحبها وتعلم أنها تحبها ولكنها لم تعبر بالأقوال دائماً ما تحاول ناحيتها ولم تتظاهر بأنها تحاول ، وهذا أقصى علامات الحب  والقرب التي توصلت له معها!!



_________________



وحدهما بالمنزل منذ ان رحلت "فاطمة" وصغارها ، وفوقهما بطابق كان "بدر" و"وردة" وصغيرهما بشقتهما ، فيما كانت "فريدة" تشعر بالتعب وتقلصات أسفل معدتها بوجعها الذي يأتي كل شهر تقريباً ولكن تلك مرة بعد زواجها كانت موجعة ، وانقباضات رحمها بتعبه تجعل جسدها مُنهك ، كانت تتسطح على الفراش ولم تنهض اليوم بل تركته يذهب للصلاة وأخبرتها "فاطمة", بأن الغداء على  طاولة المطبخ..




        
          
                
الآن تسيل الدموع منها وعلى الرغم من انها لم تخبره ولكنها شعرت بعلمه ، تمسكت بمعدتها بتعبٍ وكذبت ما ان طمأنت والدتها ، فأغلقت الهاتف تستند ومسحت وجهها سريعاً ما ان وجدت باب الغرفة يُفتح بواسطته.



اقترب "آدم" يسند الكوب على المقعد ، وجلس على الفراش حتى مال يحركها برفقٍ ناطقاً اسمها بهدوء:



_فريدة!!



وجد أثار الدموع وقد طالعته هى بوجه منكمش من التعب ، فتفاجئ من بكاءها والذي وجدها تعتدل سريعاً وهى ترد بإهتزاز:



_نعم يا آدم..في حاجة ولا ايه؟



عقد ما بين حاجبيه وهو يقدم لها المنديل القماشي وسألها بمواجهةٍ شاعراً بقلقه ومعاناتها:



_هى بطنك بتوجعك أوي كدة؟



لم تتوقع بأنها ستستسلم هكذا ولا حتى هى حينما هبطت منها دموعها وهى تخبره:



_أيوة 



وضع يديه سريعاً يربت على ظهرها حتى اقتربت هى تستند عليه ، فإعتدل يلتقط الكوب حينها كانت قد اعتدلت وحثها :



_امسكي اشربي القرفة دي وخدي المسكن ده!



أخرجه من جيبه ، فيما نظرت هى بغرابةٍ جعلتها تسأله بجهلٍ:



_وانت جيبته منين؟



_كلمت فاطمة.



طالعته بغيظٍ وهى تأخذه منه والتقطت الكوب بأيدي مرتجفة تتجرع منه فيما اعتدل ليجلس هو جوارها وشاكسها يلهي عقلها عن التعب:



_لا بس طلعتي خِرعة وطرية!



وضع كهذا لم تتحمل هذه الكلمات فإندفعت بعصبيةٍ تواجهه بغيظٍ:



_خِرعة وطرية ؟؟ ، ما انتم الرجالة محدش بيعيش التعب اللي احنا فيه ، وجع وحمل  ورضاعة وتعب بطن وفتح بطن وولادة وتربية وسهر ليالي وضغط وفي الآخر طرية أه!! ، تعرف تسكت؟؟



فتح عدستيه بمفاجأةٍ و صارحها بصدقٍ حينها:



_يخرب عقلك ، دا أنا كنت بهزر!



فردت باكية وهى تتمسك بمعدتها بتعبٍ:



_مش وقته الهزار ده ، أنا تعبانه بجد يا آدم!



تلهف "آدم" سريعاً يربت على كتفيها بحنوٍ واحتواها قائلاً:



_معلش ، شوية وهتبقى كويسة من تاني.



مسحت "فريدة" وجهها بتعبٍ بينما هو شاكسها من جديد بمزاحٍ:



_وبعدين يا شاطرة فين  تعب الحمل والرضاعة ده ، دا احنا لسه بنقول يا هادي ، عايزك تجمدي كدة ، دا انا واعد "حسن" والصاحب ليه عند صاحبه الإخلاص.. ولا ايه؟




        
          
                
غمزها بطرف عينيه فضحكت بخفةٍ وسألته مستنكرة:



_هو احنا لحقنا لما هتقولي حمل ورضاعة ، سيبني في اللي أنا فيه!



مجدداً يضيق أفقها ، فصبر ما ان دلك كفيها بين يديه برفقٍ بينما هى عادت تبرر له بحنوٍ ولين:



_بس أنا متأكدة لو حصل هتبقى أب ولا كلمة!



ضحك بصوتٍ هذه المرة فإستندت على كتفه تخرج بما تدخره له وصرّحت :



_رغم اني بقيت كويسة من حاجات كتير بس لسه عندي الرهبة كل ما بفكر ، أنا برضه فكرت في الموضوع ده أكيد ، بس دماغي مرحمتنيش وخوفي من اني أكرر نفس الغلط مع ولادي بيواجهني ، يمكن مطمنة عشان انت عمرك ما هتكون زي بابا الله يسامحه ويرحمه!



الآن مشاعرها على شعره رفيعة ، لذا سقطت دموعها فإحتوى ذراعيها بذراعيه حتى إستندت تكمل :



_عاش مربيلي خوف ومات عايز يخليني أخاف برضه من اللي عمله ، مع اني مسامحاه وعديت وتخطيت بس الأثر لسه موجود ، سمعت من مروة وعمتي ان اللي نفس الدم طباعهم الوحشة بتكون واحدة مهما عملت ، هما كمان عايزين يخوفوني بس أنا معاك مطمنة .



اشتد بضمته إليها بهذا الوقت وأخرج أنفاسه بهدوءٍ يصحح لها:



_البني آدم النضيف والكويس بيفضل زي ما هو طول ما هو عاوز يبقى كدة ، انتِ من زمان وانتِ طيبة وحنينة بس مفيش حاجة ساعدتك الوقتي انا شايفك أقوى واحدة في الدنيا عشان محاولاتك كلها مفشلتش ، كملي للآخر وخليكي قد طرد الأفكار اللي بيجيبها شيطانك ليكِ واعرفي ان كلام الناس لازم ترمية ورا ضهرك عشان بيهم أو من غيرهم الدنيا بتمشي.



ابتسمت من احتواءه هذا ، وخرجت تعتدل ببطئٍ حتى أمسكت الكوب من جديد ، فطالعها مبتسماً وهو يزيح خصلاتها من على كتفيها المكشوفتين ليضعها خلف ظهرها ، والتقط دهان ساقها من على الطاوله وهو يميل بجسده ، حتى آعتدل يشير لها بعينيه فآعتدلت برفقٍ حتى رفع طرف قميصها ووضع يدلك ساقها بحنوٍ..



حينها نظرت بشرودٍ ولمعت عينيها من هذا الأثر الذي لم يزول بعد ، ولكنها قررت تناسي هذا وسألته وهو مندمج بما يفعله:



_مأكلتش؟



قليلاً ما يصبح صريح بإهتزاز ، لذا لم ينظر في عينيها وهو يخبرها:



_الغدا زي ما هو ،أنا متعود آكل معاكِ.



ابتسمت "فريدة" بتأثرٍ ، وقاطعت ما يفعله ما أن وقفت فإعتدل يقف ما ان أشارت له قائلة :




        
          
                
_طب تعالى يلا ناكُل.



خرجت وهى تسحب يديه كصغير لا يود أن يأكل سوى مع والدته ، إحتوت كفه بحنوٍ وخرجت كما هى بمنامتها القصيرة ، الأطفال ليسوا في الخارج وثانياً "بدر" لا يقتحم هذه الشقة هكذا منذ ان سكنت بها "فريدة"..



حمل الصينية برفقٍ ووضعها على طاولة الصالة ، فجلست وجلس هو الآخر يقص عليها:



_فكريني أشتري أكل لأمان.



فأخبرته مقترحة وهى تبتسم في محاولة لتحمل الألم:



_نبقى نشترية واحنا وراجعين من هناك ، حازم مستنينا ونتيجة وسام النهاردة ، يارب المسكن بعمل مفعول بسرعة عشان بالشكل ده مش هقدر!



فابتسم محركاً رأسه وأخبرها من بين حديثهما العشوائي معاً:



_حاسس ان "وسام" هتحقق اللي هى عايزاه ان شاء الله.



ابتسمت على ثقته وإعتدلت تعطيه الطبق أمامه وهى تحاول تحمل الوجع من جديد وأخبرته هى هذه المرة:



_أخدت بالي انها حلمت نفس حلمك ، حتى لو مبتحبش تتكلم في الموضوع ده ، بس أنا عرفت وكنت عارفة ، لحد كمان ما اكتشفت انك انت اللي رسمت صورة عيني ومودتهاش لحد يرسمها  وطبعتها بس على خشب وعملتها اسورة!



لم يتوقع بأنها ستعلم ، نظر لها بصمتٍ وابتلع ما بفمه يفسر لها بشرودٍ مصًرحاً دون نفي:



_بعد ما أمي  راحت، راحت كمان أحلامي معاها ، من بعدها كنت حالف ما هرسم ولا همسك القلم ده تاني بس انتِ غيرتي كل ده انتِ و..حسن.



لم تفهم مقصد قول اسم شقيقها ولكنها توقعت بأنه حفزه ، لذا لم تستفسر وأخبرته مازحة:



_ أنا وأبوعلي نختلف عن الآخرون.



_ده مش هزار ، دي حقيقة فعلاً ، انتِ و"حسن" عندي حاجة متتعوضش .



اعترف بذلك قبال عدستيها فإبتسمت بحبٍ ولم تُترك لهما الفرصة للتحدث أكثر بل دق جرس المنزل من شقته هو الذي يجلس بها ومن الناحية الأخرى غير تلك الذي يأتي منها "بدر" من داخل الجهة الأخرى مما يعني أنه غريب دخل من البوابة قاصداً شقته هو!



نهض "آدم" بخفةٍ يغسل يديه سريعاً ونظر نحو الباب حتى أشار لها بالنهوض لتدخل الغرفة قائلاً من جلوسها هكذا دون ستر ذراعيها وكتفيها وساقيها:



_خشي جوه على ما أشوف مين!



حركت "فريدة" رأسها بطاعةٍ ونهضت تغسل يديها برفقٍ حتى انتظرها تفتح باب الغرفة ووقفت خلفه تنظر بتعجبٍ ، بينما هو جفف يديه واقترب من باب الشقة ومد يديه يفتح الباب ..




        
          
                
ولحظة اثنان .. ثلاثة لحظات وتم فتح الباب حتى نظر وبرقت عدستيه بصدمةٍ قبال ابتسامة الآخر الواسعة وقطع بنفسه هذه الصدمة التي كانت منه ما ان شاكسة بهدوء واستطاعت من بالداخل تمييز هذا الصوت بمشاعر متلهفة:



_وحشتني يا بن "جنات"



لمعت عيني "آدم", وهو يطالع "حسن" بشوق ، حتي اندفع يدفعه بين أحضانه مصرّحاً بلهفةٍ:



_وحشتني يا صاحبي ، وحشتني أوي!



لمعت عينيه بتأثرٍ فيما كان العناق بالداخل فأغلق "حسن" الباب بقدمه وهو يمرر يديه على ظهر"آدم" الذي شعر بركضها السريع من خلفه وكأن تعبها قد اختفى بمجرد رؤية شقيقها:



_حــــســــن!!



هتفت بإسمه بنبرةٍ مختنقة على وشك البكاء ، جعله يطالعها بشوقٍ وحَنين وندم ، ترك بنفسه صديقه واقتربت يقابل هذا الركض بعناقٍ شديد في منتصف الصالة ، عناق اختفت به وهى تستند على قمة صدره فحاوطها بذراعه بقوةٍ حتى اعتلت بضع سنتيمترات عن الأرض وبكت هى في أحضانه بتأثرٍ وهي تخبره بلهفةٍ:



_وحشتني أوي ، وحشتني أوي يا" حسن ".



حينها سمح بدمعته للسقوط وهى بين ذراعيه قبال متابعة "آدم" وهو يبتسم حتى اقترب يحمل عنه حقيبته وهو لازال في عناق شقيقته ، واسند حقيبته على المقعد ، تزامناً مع اعتداله وهو يطالع وجهها ، يرى بها ارهاق كما ترى به ، مسحت أثار دموعها وهى تسحبه بلهفةٍ:



_تعالى ، تعالى عشان تاكل على ما أعملك عصير تشربه ، أقعد ، اقعد يلا!!



طالع لهفتها وهى تحثه فراضاها وهو يجلس بهدوءٍ وابتسمت وهى تهرول ناحية المطبخ في الداخل بلهفةٍ جعلت "آدم" يضحك وهو يخبره:



_شايف البتاعة دي ،مش هتصدق انها كانت لسه بتعيط من شوية عشان تعبانة!



عقله تائه ، لازال تائه فلم ينتبه لسؤاله عن تعبها إلا وقد تابع هرولتها بابتسامة هادئة وتحولت نظراته ناحية الشقة التي تغيرت ملامحها وأثاثها عن قبل ، اقترب "آدم" يجلس جواره وهو يربت على ساقه وسأله :



_أخبارك ايه يا حسن طمني عليك ، انت بخير؟؟



علم من هيأته أنه الوجهه الأولى الذي توجه إليها بعد ان خرج ، ابتلع "حسن" ريقه وهو يتنفس بعمقٍ وصارحه بتشتت:



_أكدب عليك لو قولتلك اني خلاص حاسس اني كويس ، مش عارف بس أنا تايه أوي..  كان نفسي أخرج من العذاب بس في نفس الوقت خايف .



صرّح له تخبطه ،فتفهم الآخر ذلك وأخبره بهدوءٍ:



_انت اتكتب ليك عُمر جديد يا حسن ، هى دي حياتك ، أنا كنت برضه حاسس اني فاضي زيك كدة ومليش حاجة ولا حد ، بس أنا جنبك ومش همل أقولك اني جنبك وان حياتك عايزاك ، فوق بقا وعيش وشوف جيشك وشغلك محفوظ لما ترجع مكانك في الورشة معايا ومع "عز" أنا مظبط كل حاجة ، بس انت بس تسعى وتشوف دنيتك وتبدأ حياتك بقى وتنسى اللي فات وتشوف مراتك وحياتك!




        
          
                
بهذا الوقت شعر بضياع الكثير منه ، مسح "حسن" وجهه بتعبٍ وضحك ساخراً بألمٍ:



_حياة مين يا آدم ، أنا واحد مينفعش يتعاشر يا صاحبي! ،انت شكلك اتغيرت ومش عارف صاحبك ونسيت اللي في قلبه!



نظر له داخل عدستيه بقوة وقرر التحدث بحزمٍ ليفوق أكثر من اليأس الذي وُضع به:



_لا مش ناسي يا "حسن " ، منسيتش أي حاجة ، بس ربنا رزقك بحاجات كتير هتقولها لا؟ ، وبعدين اللي في قلبك ده من. غير زعل تمحيه خالص ، هى مش ليك ولا نصيبك ، دي حامل دلوقتي في ولاد "غسان " لو اتغيرت بجد سيبها في حالها ومتسمعش كلام شيطانك من تاني ، واتقي ربنا في "أسماء" وحاول تعوضها عن اللي شافته عشان دي من ساعة ما اختارتك وهى مشافتش يوم عِدل ، وهربانة من ايد اخوها وامها بالعافية ، حافظ عليها يا حسن ، البت دي بتحبك وانت عارف وهتتمنالك الرضا ترضى ، عيش الواقع بقا ، كلنا عارفين ان الواحد مبياخدش كل حاجة!



فزفر أنفاسه بلمعة عين ورد عليه بحسرةٍ :



_هحط وشي في وشها إزاي يا آدم بعد ما عملت معاها اللي عملته وسيبتها زي الندل 



_ما تفوق بقا يا جدع ، سيبت مين؟؟ دي مراتك وانت كاتب عليها ، انسى اللي فات ده كله بقا وابدأ صح!



انفعل عليه بهذه الكلمات مما جعل "حسن" يصمت قباله وبعد مراقبة من "فريدة" استطاعت الاقتراب بعدما وجدت الصمت دام ، اقتربت تعطيه الكوب ورددت في لهفةٍ:



_إمسك اشرب يا حسن ، اشرب عشان تبقى كويس من تاني وتصلب طولك ، شكلك  متغير خالص يا حبيبي!



أخذ  الكوب منها برفقٍ فجلست بينهما وهى تبتسم بينما سألها "حسن" بفظاظةٍ تليق به:



_ملقتيش ألا آدم يا "فريدة " عشان تتجوزيه ؟



ضحكت بصوتٍ عالٍ ، بينما مد "آدم" كفه يضرب وجه "حسن" مردداً بتبجح:



_ما تعقل يا حلو!



ضحك "حسن" وهو يتجرع من الكوب بينما هى دافعت بحبٍ وصدقٍ:



_ماله آدم يا حسن ، دا يا بختك بيه وبصحبته ، لو لفيت الدنيا مش هلاقي زيه.



أكد ذلك بنظراته وخرج اعترافه وهو يبتسم بهدوء:



_مش محتاجة تعرفيني يا فريدة ،انتِ في إيد أمينة .



طالعته بشفقةٍ من وزنه الذي سقط  ، وأرادت حثه على الطعام فأشارت له بقولها في مرح:



_علفكرة انت حماتك بتحبك أوي ،. اتغدى بقا يلا عشان خاطري.




        
          
                
فقال مستنكراً وهو يضحك:



_زهور؟؟!



ردد بذلك وهو يهبط الكوب ، فضحكت تكبت ضحكاتها مع ضحكات "آدم" وهو يستمع لبقية حديثه:



_أه هى فعلاً بتموت فيا هى وعيالها مقولكيش!



ضحكت "فريدة" على سخريته وابتسمت بعد ذلك تصارحه لتحنن قلبه:



_أسماء مستنياك بقالها كتير يا "حسن"، متكسرش بخاطرها بالله عليك ، هى متستاهلش كل اللي حصل ، خليك معاها وجنبها وهى والله غلبانة وراضية بقليلها!



_قوليله 



حثها "آدم" بذلك ، بينما نهض "حسن" متجاهلاً حديثهما و اخبرهما وهو يسند الكوب:



_يلا ، أنا ماشي أنا



فوقف "آدم" يتساءل:



_على فين ؟



_هروح بيتنا.



حمل حقيبته وهو يخبرهم ، فيما وقفت "فريدة" تخبره بلهفةٍ:



_طب استنى نمشي مع بعض ، احنا رايحين دلوقتي!



نفى "حسن"ذلك وهو يقترب حتى مال يحتضنها بهدوءٍ  مصرّحاً:



_لا ،عايز أبقى لوحدي ، عايزة حاجة؟



طالعته بحزنٍ على ما بقى ثابتاً به وهو الفتور في كل شىء ، بينما "آدم" علم انها فترة  وفقط ، دخل في عناقه وهو يربت على ظهره وهمس له يكشفه:



_ترجع بيتك يا حسن وسط أهلك وناسك ، بلاش اللي كان!



هاب أن يتحرك للذهاب ناحية الأماكن الذي كان يذهب إليها من قبل بضياعٍ ، فأشار له "حسن" برأسه ومازحه بتبجح:



_خليك في حالك يا حيلتها



ضحكت "فريدة" وهى تتابع جدالهما حينما قوس "آدم" حاجبيه مستنكراً :



_ مجمد قلبك كدة ليه ياض ؟ ولا عشان أختك مراتي فواخد راحتك بقى ومش خايف!



فابتسم  "حسن" يستفزه بقوله:



_مبخافش يا بن جنات ، وابقى فكر كده تزعلها ، ساعتها هتشوف أبو على هيعمل ايه!



تلقائياً ركضت تحتضنه حينما شعرت بأنه سند حقاً ، طالعها وهى بين ذراعيه شقيقها ، ورأى سعادتها فضحك بسعادةٍ ، واقترب بنفسه يجيبه وهو يحتضنهما معاً :



_أختك حبيبتي يا أبو على ، و محدش بيإذي حبيبه.. ولا ايه يا شاطرة ؟



سألها بغمزة شقية ، ابتسمت منها بخجلٍ وسرعان ما عاندته بطريقتها قائلة:




        
          
                
_صح يا مستفز!



ابتسم ناحية سعادة شقيقته واقترب من الباب بعدما ودعهما وأخبرهما بهدوء شديد بعد ان طلب منها أن تجلب له المفتاح فركضت تجلبه له من الداخل وعادت فأخذه منها وهو يشير لهما:



_مستنيكم ، يلا سلام!



كل مشاعره ليست سهلة الظهور هكذا إلا أمام شخص واحد ، تركهما وخرج من البوابة ، فيما أغلق هو الباب فوجدها تمسح دموعها وهى تنظر له متحدثة بحزنٍ:



_شكله اتغير أوي يا آدم ، صعبان عليا أوي!



يعلم جيداً هذه الحالة، رفع "آدم" ذراعه يأخذها أسفله برفقٍ متفهماً وجعها لأجله وطمأنها قائلاً:



_فترة بس وكل ده هيعدي والله ، هو لسه مش مستوعب انه اتنجد من الموت وربنا كتبله عمر جديد ، مش مستوعب انه في فرصة جديدة ، ادعيله يا فريدة بس ، ادعيله!



دعت له بتعبٍ ، فإبتسم يساندها ناحية الداخل وسألها:



_أحسن دلوقتي؟



_آه  الحمد لله شوية ، هلبس أهو عشان نمشي .



قالتها وهى تفتح الخزانة لتخرج ثوبها ، فإبتسم هو يخرج كي يضع الصينية بالمطبخ مع الكوب الخاص بها وتركها تنتهى ، أما هو فكان يرتدي ملابس تليق بالخروج منذ صلاة الجمعة قبل ساعات قليلة ، ما ينقص رحيلهما هو طلبه لرقم شقيقه كي يعجله ليهبط حتى يرحلوا معاً إلى العائلة ، وبعودة "حسن" ها هى تُكشف لهم المفاجأة الأولى!



___________________



في شقة "حامد" تم جمع سفرة الغداء ، وذهبت "فاطمة" لتساعد "دلال" ، فيما جاءت "فرح " قبل قليل تجلس معهم بينما كانت "حنان" و"عز" لدى شقة "عايدة "، جلس الصغار برفقة "بسام" و"غسان" في جو مرح ومزاح ومعهم "فرح ونيروز" و"وسام" الذي انتشل "غسان" الهاتف من بين يديها وأخبرها :



_سيبي التليفون ده خالص دلوقتي ولما تظهر أنا هعرف بمعرفتي.



نظرت بإستسلامٍ وهو يضع هاتفها بجيب سترته الذي بدلها من خزانة "بسام" والذي بدل ملابسه هو الآخر بعدما اغتسل وعاد معهم ، ابتسمت ناحية "بسام" الذي وضع ذراعه عليها يطمئن قلبها قائلاً :



_متخافيش يا "وسام"، انتِ قدها واللهِ ، أنا متأكد!



ابتسمت بإهتزازٍ فيما وكزها قبال ابتسامة "فرح":



_بس بقولك ايه ، عايزك تتبسطي بأي طريقة عشان أتجوز البت دي بقا ، أنا أرهقني الإنتظار وربنا!



ضحكت بخفةٍ بينما "فرح" ضحكت بخجلٍ وهى تشاركهما:



_ان شاء الله ربنا هيفرحها ويفرحنا كلنا سوا!




        
          
                
وتدخلت "نيروز" بضحكاتها على كلمات "بسام" فيما تدخل "غسان" قائلاً :



_توفي بوعدك يا دكترة وتزغرطلها انت وشادي ، هو جاي في الطريق خد بالك.



_دي حاجة متتنساش ، وفي نفس واحد وحياتك!



قالها "بسام" بمرح وصدق ، فضحك الكل بخفةٍ عليه ، ووضع "حامد" يديه على كفها بإحتواء فطالعته بمشاعر مختلفة عن كل مرة ، حتى اقتربت تستند بنفسها على كتفه ورددت:



_أنا عارفة إنك خايف عشاني ، بس حتى لو واثقة انك مش هتعمل كدة فأنا محتاجاك توعدني ان رد فعلك مش هيكسرني أياً كانت ايه هى النتيجة!



صُدم من طلبها بخوفٍ فمن الأشياء التي تبدو عالقة في الذهن هو رد الفعل ، لمعت عينيها وهى تنتظر وعده بلهفة فلم يلومها ان هذا ليس من طبع رجل عاقل مثله بل نظر بعمق عينيها وقبل جبهتها وهو يعدها:



_أوعدك اني هفضل فخور بيكِ أياً كانت ايه هى النتيجة ، عشان واثق إنك عملتي كل اللي تقدري تعمليه.



ابتسمت بحبٍ ناحية وعده ، ونظرت ناحية "شادي" الذي دخل من الباب الذي فتحه "غسان" ودخل مسرعاً هو وزوجته ووقف بمنتصف الصالة يتساؤل بلهفة:



_ايه الدنيا ، بانت؟؟؟؟



نفت برأسها واقترب هو يجلس جوارها مع "غسان" فيما جلست "منة" بعدما رحبوا بها ، وهتف بمزاحٍ يخفف من رهبة الوضع:



_ان شاء الله فنون جميلة قسم رسم أو نحت ، جاري الإنتظار للتأكيد ولا ايه يا جماعة؟



حثها بأنها تستطع جلب مجموع عالٍ يوافق هذا ،فهللوا جميعاً بصوتٍ واحد حتى ابتسمت بتأثرٍ ولمعت عينيها وهى ترى الحماس من الجميع والانتظار أيضاً ، ابتسمت "نيروز" ونظرت ناحية هاتفها فوجدت والدتها تطلبها ، فمالت تهمس جوار أذنه بإذنٍ:



_هروح أشوف ماما عايزة ايه وهرجع تاني!



حرك "غسان" رأسه موافقاً فنهضت مستندة على كفه حتى استقامت وابتسمت تودعه وادع مؤقت ، فإقتربت تفتح الباب من جدبد كي تخرج..



أغلقته خلفه ، وأخرجت المفتاح من جيبها وفتحت باب شقة والدتها لتدخل كي ترى ماذا فعلت لتهديه اليوم لشقة "حامد"من حلويات بمناسبة هذه المناسبة والتجمع..



..



وبوقت إغلاقها الباب تم فتح المصعد الذي خرج منه "حسن" ينظر بمشاعر متخبطة ناحية شُقق الطابق وثبت عينيه ناحية شقة "سمية" وسرعان ما اعتدل متنهداً  ونظر ناحية المفتاح بين كفه حتى أغمض عينيه ينفي ذكريات قد أتت على عقله..




        
          
                
وبكل اهتزازٍ وضع المفتاح في الباب في حركة بطيئة وفتحه بدون صوت حتى دخل يغلقه بحرصٍ ووجد الصمت يعم المكان ، أسند حقيبته على الأريكة وهو يبحث عنها بعينيه في كل مكان , وأول مكان تقدم ناحيته هو غرفة "والدته" والذي كان بابها مفتوح ولم يغلق بالكامل ..



وقف بثباتٍ زائف يطالع جلوسها حينها كانت تؤدي ركعتان لله وهى تدعوه ودعواتها الأولى كانت لأجله ، لمعت عينيه بوميض غريب وخفق قلبه ما ان شاهدها ترفع يديها مرددة برجاء وخفوت:



_يارب إهديلي ابني وحنن قلبه عليا ، وخرجه بالسلامة وابعد عنه كل شر ، يارب إهديه وارضيه واسترها عليه وحنن قلبه على مراته ، يارب انت اللي عالم بكل حاجة ، اهدي فريدة بنتي وأصلح حالها وهدي سرها هى وجوزها ، واهديكي يا أسماء وأجبر قلبك ويراضيكي يارب ويعوضك كل خير مع "حسن"و..



توقفت دعواتها وهى لا تصدق ما سمعته أذنيها حينما جاء صوته خلفها مختنقاً مستخدماً اسمه التي رددته آخر شيء:



_وحشتي "حسن"يا أم "حسن"!.



هل هذا صوته حقاً أم أنها يُخيل لها  لمعت عينيها وقد اقتنعت انها تُخرف وتتخيل من كثرة شوقها له ولكن تعالت دقات قلبها وهى تبتلع ريقها ما ان سمعته يواصل من جديد:



_وحشتيه أوي ومعرفش قيمتك غير في البعد اللي تعبه أوي من غيرك ، وحشتيني يامه!!



سالت دموعها وهى تنفي واستدارت تنظر فوجدته يقف خلفها كصغير ينتظر أولى خطواته من والدته ، نفت وهى تشهق عالياً وانتفضت تنهض وهى تردد بلهفة وبكاء :



_حسن ابني!!! ، وحشتني وحشتني أوي يا ضنايا!!



ضمته بعذابٍ وشوقٍ بينما هو بكى ، بكى بقوة بين ذراعيها ولأول مرة يعلم معنى كلمة أم حتى وان كانت قاسية تبقى أم بالنهاية ، أمٌ  وُضع بين ذراعيها الراحة الذي حُرم منها..



_يا حبيبي ، يا حبيبي يا "حسن" ، كل حاجة كانت وحشة وملهاش طعم من غيرك يا نور عيني!



شهق بين ذراعيها بتعبٍ وهو يصارحها هذه المرة:



_وكل حاجة وحشة يامه من غير حضنك!



تلمست وجهه بلهفةٍ ودموعها تسيل منها بغزارةٍ وكأنها للتو حصلت على فقيد كانت تعلم أين وجهته وعجزت عن الذهاب إليه ، هنا حيث كنز بين يديها ، قطعة منها ، روح من روحها ، بين ذراعيها من حملته الأحشاء اولاً فكان أول فرحتها!



بدأن فب مسح دموعه بلهفةٍ وهى تحثه بإختناقٍ:



_ارتاح  تعالى ارتاح في حضن امك يا حبيبي.




        
          
                
جلست تسحبه على الفراش حتى استند على قمة صدرها فأغمض عينيه بإنهاكٍ معترفاً لها :



_ضناكِ تعبان أوي يامه، متخرجنيش من حضنك!



ترجاها بذلك فضمته بلهفةٍ حتى سكن قليلاً ، غرزت يديها داخل خصلاته وهو هكذا بذلك الوضع فتساءل بدون مقدمات:



_هى فين "أسماء"؟ ، مشت؟



سأل عنها بهدوء ، فتلهف قلب"زينات" وهى تخبره بحسرة:



_تمشي فين يا حسن ، من بعدك ممشتش وفضلت معايا بأصلها ، غلبانة اتخلوا عنها وان كانوا عايزينها فـ ده عشان يكسروا عنينا وبس! ، موجودة ممشتش في حته ،و مستنياك من وقتها .



فابتلع ريقه بصعوبةٍ وهو يتساءل من جديد:



_ونـيروز؟



أغمضت عينيها بتعبٍ من أجله ولم تتعمد جوابه الا بـ :



_مراتك عند عايدة ، راحت تعطيلها الإطباق وجاية.



فلم يتردد في أن يجعلها تنتيه فقال :



_بسألك عن "نيروز" يامه!



تحملت ،وتحاملت على نفسها ، فإعتدل ينظر بترقبٍ وانتظار دمرته ما ان قالت تقطع عنه آماله:



_ مش من حقك تسأل عنها يا حسن، نيروز زي ما هي ، ست متجوزة وليها جوزها وحامل في عياله وبتحبه ، ربنا يسعدهم مع بعض ، خليك انت في حالك وحال مراتك يا بني!.



ابتلع غصته المريرة ، وضغط على فكه بتعبٍ وإعتدل يسند ظهره فنهضت بلهفةٍ :



_استنى أعملك لقمة تاكلها



حينها ، أمسك يديها يمنعها وقال كاذباً كي لا تضغط عليه بأمر الطعام:



_كنت عند" فريدة " وعملتلي أكل ، خليكي!



تفاجأت من ذلك وقبل أن تستفسر ، وجدت جرس الشقة يعلو ، فنهض يشير لها حتى اقترب في طريقه ليفتحه ، فتحه في لحظةٍ ووجد "سمية" تقف وصُدم فؤاده كما عينيه بعدما وجدها تقف جوار والدتها بنفس صدمة رؤيته لها!



حرب نظرات باردة ، ليست مشتعله وليست محملة بمشاعر مثل السابق ، جاهد على عدم التأثر ، فمدت "سمية" كفها التي لم تحمل به طبق الحلويات التي قررت ان تهادي به "زينات" وهي في طريقها لشقة "حامد" ، رحبت بعودته وتفهمت الأمر دون محاولة للشرح ، ورغم صدمتها نطقت:



_حمد لله على السلامة يا "حسن".



لم تهبط عينيه من عليها ، ولكنه حاول فعلها وهو يسحب كفه من بين كف "سمية" ورد في هدوء وهو يفسح لها المجال:




        
          
                
_الله يسلمك ، تعالوا ، ادخلوا!!



لم ترض "سمية" الدخول ،ولكنها أجبرت ما ان وجدت "زينات" تشير لهما ، فدخلت "نيروز" وهي تتمسك بذراع والدتها والإرتباك سيد هذه اللحظة ما ان طالعها مواجهاً عسليتيها متسائلاً:



_إذيك يا "نيروز"؟



حركت "نيروز" رأسها في ترددٍ وردت باختصار:



_الحمد لله ,حمد لله على سلامتك!



طالع معدتها البارزة ثم نظر نحو عدستيها فنادت "زينات" "سمية" من الداخل فأُجبرت على ترك ابنتها رغم الخوف ، وكادت أن تذهب "نيروز" خلفها فقاطع سيرها قوله:



_استني!



فبلا تردد استدعت الشجاعة وهي تحذره بهدوءٍ:



_لو سمحت أنا مش مستعدة أسمع حاجة ومش هينفع  ، لإني واحدة متجوزة فكفاية اللي حصل بسببك آخر مرة وحياتي  اللي باظت ، أنا مدركة اللي انت فيه يا حسن بس حاول تقتنع ان كل حاجة قسمة ونصيب مادام حاولت وبتحاول تتغير دلوقتي للأفضل!.



وواصلت مقررة عدم اخفاء شىء بداخلها:



_فمينفعش وميصحش اتمنى تفهم ده ، وتقدر وجودي ضيفة هنا في بيتك انت ومامتك ومراتك "أسماء" اللي أنا خايفة على مشاعرها.. فأرجوك قدر ان كل شىء قسمة ونصيب.



رددت الأخيرة برفقٍ فطالعها بوجعٍ وهو ينظر تجاهها وهى تتحدث هكذا ، فبرر لها بصدقٍ سريعاً:



_أنا بس كنت عايز أقولك ان العيب مكنش فيا ، وان فعلاً النصيب هو اللي غلاب!



وواصل يوضح لها بإنهاكٍ قبال انصاتها له بعجز عن قول المزيد:



_العيب  مكنش فيا لوحده  ، مش كل بني آدم نضيف بياخد اللي بيحبها ولا كل وحش بيتساب وبترفض.. لو كان لينا نصيب مع بعض كنت خدتك حتى ولو كنتي مبتحبنيش! ، النصيب مش كلمة هضحك بيها على نفسي.. النصيب غلبني فعلاً وفهمت متأخر ان فوزه عليا أحسن حل ، انتِ تستاهلي كل الحلو اللي في الدنيا ، هفضل قابلك وهفضل اتمنالك الخير وهبعد .. أنا عارف ان وجودي وسطكم كعيلة مش هيبقي خفيف وهيبقي تقيل ، ومش ظاهر فيها الا قليل على قد الظروف ،  هحاول امشي في حياتي اللي ربنا كتبلي عمر فيها جديد ، بس أنا عايزك  تسامحيني مش لازم تقوليلي بنفسك انك هتسامحي أو سامحتي أنا بطلب طلب وهسيبه مفتوح وهمشي ومش هفتحه بعدها تاني عشان ابقى عامل اللي عليا قدامك وقدام ربنا ..أنا يمكن كل الأذى  اللي عملتهولك كان نفسي بس والله العظيم  ما قدرت أذيكي وانا عارف انك بتتأذي! ، كل أذى  خرج مني ليكي كان غصب كان عمى مني كان حب وعايزه منك بأي طريقة لكن لو كنت هعرف اني هتعبك مكنتش عملت حاجة زي ما طول عمري كنت رافض ان حد يعملك حاجة تإذيكي غير ان بس  يحاولوا عشان تبقي ليا زي ما كنت بعمل دا اللي كنت سامح بيه.




        
          
                
حاولت عدم التأثر قباله فيما تابع هو بصدق نابع من فؤاده:



_أنا آسف  ولو آسف هتتقال لشخص واحد بس فيكون  ليكِ انتِ يا نيروز !



وإعتدل وهو يبتسم وعلم ان هذه اللحظة كانت ستأتي ليسمع صوت كسر فؤاده للمرة الذي لا يعلم عددها:



_,ربنا يوفقك في حياتك وتقومي بألف سلامة ، خلي بالك من نفسك ، انتِ أختي  وبنت عمي من اللحظة دي ، وانسي اللي فات واللي كنت بحاول فيه اني أخليكي ليا ، نصيبي فعلاً مش معاكِ بس انا اللي فهمت متأخر!



ورغم وجع الكلمات ولكنها صادقة وكانت من المفترض أن تخرج منه أمامها ، حركت عينيها ناحية عينيه الثابته ، بينما أشار هو لها كي تجلس حتى تفسح المجال من أمام الباب الذي سمع طرقه الهادئ  ، أفسحت المجال بخفةٍ ..



واقترب هو يفتحه فوجدها "أسماء" التي  اتسعت عينيها بلهفةٍ ومفاجأة وهتفت بإسمه وهى ترتمي بين أحضانه:



_حسن!! ، انت.. انت هنا  بجد صح.؟؟



قبل أن تندفع أكد لها فدخلت بين أحضانه تبكي فيما ترك هو الباب مفتوحاً وقد سمعته "عايدة" التي نادت "حازم" سريعاً بلهفةٍ ، فيما كانت هى بين أحضانه تبكي بحرقةٍ ، فإستند بذقنه  على كتفها ناظراً نحو "نيروز" التي نظرت إلى والدتها بتوترٍ ، لم يستطع رفع يديه ليمررها على ظهر "أسماء" إلا بإنسحاب "نيروز' مع والدتها ، حينها أغمض عينيه يبادلها العناق كي لا تُكسر منه ، وتوقف ما ان وجد "حازم" مهرولاً ناحية الداخل وتوقف ما ان رآه ، فابتعد يبتسم وهو يتوجه بنفسه ليدخل بين ذراعي شقيقه مصرّحاً له:



_عارف اني وحشتك ، عارف اني وحش في حقك بس انت وحشت أخوك أوي وهيفضل شايلك اللي عملته لحد ما يموت!



تأثر "حازم" وضمه بذراعيه بشوقٍ ليزيله ، فرفع "حسن" ذراعه يضم "عايدة" معه ، ولكن هناك ركض آخر  من داخل الباب والتي كانت"جميلة" ومعها "عز" وبلا تردد دخلت في هذا العناق وهي تردد بلهفة وتقطع:



_حسن  ، وحشتني أوي يا حسن ، الحمد لله ، الحمد لله يارب انك رجعت بألف سلامة تاني.



ترك الكل وضمها ، هى وحدها من يشعر بأنها نقية لا تفقه شىء ، قبل قمة رأسها وصارحها بصدقٍ:



_وانتِ كمان وحشتيني يا جميلة.



أمسكت كفه تعبر عن فرحتها بقدومه فأخبرته وهي تضع يديه على معدتها وأخبرته:



_ مش أنا حامل؟



نظر بسعادةٍ وهذا الخبر أسعده فجعله يدفعها بين ذراعيه رابتاً على ظهرها بتأثر وعاق نظراته ووقوف "عز" الذي ابتسم يردد له بلباقةٍ:




        
          
                
_حمد على سلامتك يا بطل!



حثه بذلك ، فبادله الآخر تحيته بمباركته:



_مبروك!



أمسك كفه ولم يقرر عناقه بعدما نظر ناحية ملامحه التي تشابه ملامح"شريف" ابتسم بإهتزاز فقط ، فوجدهم ملفتين حوله ، وشعر بهذه اللحظة بأنه بين انتماء جديد واحتواء لم يراه من قبل ، وحثه "حازم" سريعاً بقوله:



_هسيبك ترتاح على ما نروح نشوف نتيجة وسام ، وهرجعلك تاني اتكلم معاك  



أومأ بطاعةٍ فخرج هو ووالدته وأشارت له "جميلة" بالوداع حتى خرجت تتركه يستريح وسريعاً وجد والدته كانت قد تركت له المجال مع "أسماء" التي تابعته وهو يتوجه  ناحية غرفته.. جلس بتعبٍ على الفراش فوجدها تقف على أعتاب الباب ، فرفع يديه يشير لها برفقٍ:



_تعالي.. واقفة ليه عندك ؟!



دخلت بساقين مهتزتين ، فإعتدل هو على الفراش يطالع خمارها بإعجابٍ وسرعان ما نفض أفكاره , جلست جواره بهدوءٍ فتنفس هو بصوتٍ مسموع وبدأ :



_أنا سامعك لو عايزة تقولي حاجة وعندي اللي عايز أقولهولك تبدأي ولا أبدأ أنا؟



خيرها بهدوءٍ ، فإعتدلت "أسماء" تنتظر حديثه وحثته:



_قول اللي انت عايزه يا حسن!



طالع سكونها بتمعنٍ واعتدل يلقي بسؤاله لها:



_عايزة ايه يا أسماء يتعمل وأنا هنفذلك كل اللي انتِ عايزاه!



فتشبتت بعينيه ، وابتلعت ريقها تخبره بتعبٍ :



_أنا كنت عايزة وجودك ، كنت عايزة رجوعك يا حسن ، بس من جوايا كنت خايفة!



لم يُحتوى من قبل ليفعل ، ليستطع حتى أن يحتوي من أمامه ، فكان المتوقع هو عجزه وهو يتساءل طالباً التفسير :



_ليه؟



_عشان بحس اني قليلة وأنا معاك ، وبحس اني ضعيفة مبقدرش أرفضلك طلب ، خوفت..خوفت أتحط في اللحظة دي مع ان من جوايا كنت بتمنى لكن اللي مش عايزاه يحصل انك تطلب مني ابقى معاك وانت مش حابب أو تطلب مني أسيبك وأنا غصب عني متشعبطة فيك زي العيلة الصغيرة اللي ملهاش حد في الدنيا دي!



أوجعه حديثها فحرك رأسه بجهة أخرى غيرها بعدما شعر بأنها تشعر بنفس ضياعه الذي وجد نفسه به ، صمت ينظر ناحيتها  بدموعها التي تهبط بحسرة وكسرة أمامه ، فرد في هذه اللحظة بألمٍ له ولها:



_ أنا مش حاسس اني قادر على أي حاجة يا "أسماء"، لو عايزة تفضلي معايا برغبتك أنا مش همنعك ولو شايفة نفسك مش هتقدري مش هقولك لا ، لكن أنا مش عندي قدرة أحاول وأنا حاسس اني مش نافع في أي حاجة ، أنا ورايا جيش وبهدله لسه محدش عالم بيها ، بس لو كل ده قصاد ان حد هياخدك مني غصب فهقف له عشان انتِ على اسمي ومراتي ، لكن حريتك في انك توافقي أو ترفضي دي بتاعتك انتِ!




        
          
                
كانت تقرر ، كانت تقرر الرفض ولكنها أمامه تبايع أي شىء،  خفق قلبها ما ان وجدت نفسها لا تريد شىء سواه فنطقت بتعبٍ:



_بعني مش قادر تقولها يا حسن؟ مش قادر تقولي خليكي أنا عايزك عشان نبدأ حياتنا مع بعض؟ ، ليه مُصر تصغرني قدامك؟ ليه بتستغل حبي ليك ؟



نفى برأسه ووضع يديه على ساقها مبرراً الأمر بصراحة:



_مش عايز أقولها غير لما أحس اني مسؤول، مش شايف نفسي قادر على حمايتك وأنا تايه أوي كدة..أنا اللي كنت محتاج ولسة محتاج حد يقولي إنه هيفضل معايا على الحلو والوحش يا أسماء!



فخرج تعبها وهي تواجهه بأعين حمراء من كثرة البكاء:



_هبطت اقولك يا حسن اني عايزة أكون معاك على الحلو والوحش وانت اللي مكنتش بتسمع مني ، لكن دلوقتي أنا خايفة ..خايفة أقولك وتكسرني تاني بحُبك لنيروز ، أنا مش مستعدة اتوجع كفاية أوي اللي فيا ، مش مستعدة أعيش معاك وانت في قلبك حد تاني ، مش جايلي قلب أبقى مراتك وتقرب مني وانت برضه عقلك وقلبك مش معايا !



نزلت دموعه على وجنتيه وهو يجبر فؤاده على التحمل بقوله لها ولم بخجل من البكاء أمامها:



_نيروز ماضي ، ماضي مش هكدب عليكي إنه لسه مأثر ، بس خلاص مقتنع انها مش ليا ولا نصيبي ، ومقتنع لو لينا نصيب مع بعض فحبي ليكي بالعشرة هيزيد ، قابلة؟؟ ، قابلة يا بنت خالتي؟ لو مش قابلة حقك ، أنا مستاهلش أخد فرصة تانية منك!



رأت دموعه وهى تهبط هكذا ، رأت الصدق ولكنها هابت أن تقلل  من شأنها ، وبلحظة كهذه بعد فترة هجران كبيرة وبُعد وحبس الذات عن رغباتها ضعف للمرة الثانية قبالها وهى جواره هكذا فإقترب برأسه ناحيتها مغيباً عن أي شىء ، فقط تلبسته الفطرة وهو حده معها هنا ، تسارعت دقات قلبها ما  ان شعرت بأنه على وشك تقبيلها!!



فانتفضت تقف بإندفاعٍ وتقطعت نبرتها وهي تخبره:



_وقت.. محتاجة وقت أفكر وأرد عليك!



وعى لما كان مقبل عليه ، فلم يحاول التبرير ووقف مقترباً حتى احتضنها بإحتياجٍ للإحتواء وقال راضياً بإستسلام:



_حقك..أبسط حقوقك يا أسماء!



هناك ساعات كثيرة إلى وقت المساء ، أرادت عدم تركه مع عقله لفترة وصرّحت وهي تعتدل حتى خرج من عناقها وهي تخبره:



_هرد عليك بليل يا حسن.



حرك رأسه موافقاً وتركها تخرج لتجلس بغرفة "فريدة" وحدها تصلي وان شعرت بالراحة ستقبل وان وجدت عقلها يوافقها قبل قلبها ستقبل أيضاً ، تابع خروجها من الغرفة فمجدداً اعتلى صوت الجرس وهذه المرة فتحت "زينات" وسعدت ما ان رأت "فريدة"و"آدم" ، أما هو فلكي يستريح أغلق الباب عليه وتسطح على الفراش مقرراً الخروج لهم عقب الاستراحة ، فتركهما مع "زينات"والدته التي حاولت مضايفة "آدم" بلهفةٍ ، فتركها "آدم" وفتح باب غرفة "حسن" بعد ان علم ان ليس معه أحد بالخارج ..




        
          
                
بمجرد رؤيته يفتح مقتحماً عليه الغرفة وهو مسطح على الفراش ضحك محركاً رأسه  بيأسٍ وأخبره وهو يراه يقترب ودفعه كي يتسطح جواره:



_كنت عارف انك بجح وهتيجي!



_بيتي يا عم ، خش بقا عشان ضهري بيوجعني من الشغل ، خليني انام جنبك شوية على ما أطلع أشوف نتيجة بنت عمي!



أفسح له مكان ، فتسطح "آدم" جواره ونظر ناحية السقف بشرودٍ فوجد "حسن" يضحك بدون السبب جعله هو الآخر يضحك فصارحه الأول من بين ضحكاته :



_ ده الدنيا دي مرجحتنا لحد ما قالت بس!



ضحك  "آدم" على كلماته وسخر بوضعهما الآن ما ان قال:



_وأخرتها استراحة متمرجحين على السرير أهو



ضربا كفهما معاً بخفةٍ وهما يضحكا سوياً ، فأسند "آدم" رأسه براحةٍ ، وقرر أن يسحب منه الحديث عن حاله القادم مع زوجته وقرر مساعدته بالكلمات وهو يحثه وينصحه فقط يفكر بطريقة السؤال الذي سيسأله له!



___________



في شقة "حامد" اجتمع الكل في صالة الشقة ، والأصوات عالية بعشوائية وهى بينهما بعالمٍ آخر ، كل مرة تنظر نحوه فيردد لها بأنها لم تظهر بعد ، وازداد حينها التجمع ما إن جاء"بدر" و"وردة" و"يامن" الذي يجلس على ساق "غسان".



يلاحظ شرودها وتبدل ملامحها وعلم السبب جيداً من الحديث العشوائي بين "جميلة" وبينها ومع النساء وحتى "حازم" الذي أخبره فرد عليه وقتها مبتسماً وكأن شىء لم يكن بينهما من عداوة:



_ربنا يصلح حاله .



ردد هذا فقط وهو يراقب تعابيرها ، فوجدها تقترب منه حتى جلست تبتسم فبادلها الإبتسامة بهدوءٍ وسأل:



_مالك؟



نفت "نيروز" برأسها بمعنى لا شىء وقررت تناسي الأمر كونه لا يصح التحدث بذلك أمام زوجها ومعه! ، تنهدت تخرج أنفاسها وخرج صدقها وهي تضع يديها على حملها:



_هبطانة بس شوية ، ورجلي وارمة مش قادرة أقف عليها أكتر من كدة!



أفسح لها مجال أكثر حتى أسندت ظهرها ، فعادت تنحني لتطبع قبلة على وجنتي "يامن" الذي ضحك ما ان دغدغه "غسان"؛ وسرعان ما جاءت له رسالة على هاتفه فآعتدل تزامناً مع اقتراب "بسام" ليفتح الباب ..



فتح الباب ووجد أمامه "إيمان" وهى تبتسم بهدوء وجوارها والدها الذي نهض  إليه "حامد" يرحب به بحرارة فدخل ، واقتربت "وسام" تسحبها معها ناحية الداخل فردت "ايمان" بخوفٍ:




        
          
                
_النتيجة بانت يا "وسام"، لسه بيقولوا على الأخبار وأنا جيت عشان مفيش نت وملقيتش!



ارتبكت الأخرى فيما تابعهم الجميع وجاء من الباب المفتوح"فريدة"و"آدم" ، فإعتدل "غسان" ينهض وعدل من وضعية المقاعد مشيراً نحو شقيقها الأكبر :



_تعالى يا "عابد ", اتفضل!



فأشار "بسام" لشقيقها "أحمد" بلباقةٍ ورافقت والدتهما "دلال" بلباقةٍ التي رحبت بها وجعلتها تجلس ، ففتح "غسان" هاتفه مردداً البسملة وبدأ بقوله:



_مليني رقم جلوسك يا" وسام ".



اقتربت منه تمليه الرقم وكل في حالة انتظار فيما حاول "بسام" فتح هاتفه وأشار يخاطب شقيق الأخرى مردداً :



_رقم جلوسها ايه؟



وقف "عابد" يخرج له الورقة التي بجيبه ، فجاءت "فاطمة" بأكواب العصير ، تعطيهم فأخذ الكل منها بإمتنانٍ ولم يتجرع أحد إلى الآن..



بكت "وسام" بصمتٍ فلحقها ذراعي "حامد" مع "دلال" والتي رددت بخوف على أعصاب ابنتها مع محاولة الكل في تهدئة الأمر:



_متخافيش ، متخافيش يا حبيبتي!



حاول "غسان" الدخول على الموقع بتركيزٍ وهو يدون رقم جلوس "وسام" الذي نظر إليها والد ايمان وطمأنها ببشاشةٍ:



_متخافيش يا بنتي ، متخافوش انتوا بنات حلال وتستاهلوا تفرحوا وان شاء الله هتفرحوا ، قولوا يارب يا جماعة من فضلكم.



تمسكت "ايمان" بكف "وسام", وهى تردد معهم جميعاً بصوتٍ واحد:



_يــــا رب!!



لحظات من التوتر سادت وهم ينتظرون وبالأخص وهو يضغط للمرة الذي يعرف عددها، لم يتوقع أن قلبه سيخفق هكذا وكأنه عاد  الزمن منذ سنوات عندما كان مراهقاً ، بان أمامه كل شىء من وزارة التربية والتعليم ووقعت عينيه على ما جعله يشعر بتخبطٍ..



_«وسام حامد غسان البدري»
_« الشعبة :أدبي»
_«النسبة المئوية : ٩٢٪.»



ردد "غسان"هذا بصوتٍ عالٍ جعل عينيها تجحظ بغير تصديقٍ مما جعل الكل يهلل بسعادةٍ وبهذه اللحظة توقف "بسام" عن المحاولة للأخرى وبدأ يزغرد هو و"شادي", بنفسٍ واحد جعل الكل يصفق بحرارة وبهجة ، ومن ثم تعالت زغاريد الفتيات حينما بكت وركعت أرضاً تسجد فلحقها ذراعي والدها أولاً مع والدتها والإثنان يرددان بلحظة تأثر:



_مبروك ، مبروك يا حبيبة قلبي.



بوقت واحد دخلت بين عناقهما والكل يبتسم  فاجتمع في هذا العناق "غسان وبسام" وهم يستمعان لقولها الغير مصدق :




        
          
                
_كدة حققت حلمي ،. كدة هحققه يا بابا صح ؟ صح مش كدة ؟



مجموعها في هذه المنظومة يعد شىء مرتفع فجعل عائلتها يحركون رأسهم بتأكيدٍ فوجدت نفسها بين عناق الفتيات ومباركات هنا وهناك من عائلة "إيمان" لعائلة "حامد"، حتى انتهت اللحظة وتحركت من بين أحضان الفتيات وبقت فقط بين أحضان "ياسمين" و"نيروز", و"وردة" التي تشعر بهما بمعني الأخوة الفتيات ، لمعت عينيها وهى تندفع نحو "فرح", و",فريدة", التي تعالت زغرودتها قبال قول "آدم" وهو يهلل لهم بفخر:



_طب سقفة للفنانة هنا لو بتحبوها بقى يلا!!



حينها صفق الكل بدون استثناءٍ ، ووقعت عيني شقيق "ايمان"نحو "فريدة" والذي لاحظه "آدم" فوقف يخفيها متحلياً بالصبر في هذا الموقف بالتحديد ، وحدجه بعينيه محذراً فتنحنح"أحمد" يبتسم وتعالى صوته :



_ألف مبروك ، يلا يا إيمان ، احنا على أعصابنا.



لبى "بسام" قوله وحاول الضغط على رقم الجلوس والأخرى في حالة غير تصديق ، حينها هبطتت دموع "إيمان" من هذا التأخير والذي قطعه محاولة "غسان" في المساعدة:



_تعالي ، قوليلي يمكن يجي عندي أسرع ، تلاقي الموقع معلق معاه.



اقتربت مع "عابد" وهو يربت على كتفيها بحنانٍ ، ممسكاً صغيره في الكف الآخر كي لا يدمر شىء هنا ، ولكنه انفلت من بين يديه يلعب مع أولاد "فاطمة"، فيما أملته هى الرقم فحاول الضغط ومن حسن حظه وحظها ظهر أمامها إسمها واتسعت ابتسامته وهو يمازحها مخففاً عنها خوفها:



_شكلك كنتي دحيحة !



ترقب الجميع بلهفة ، فترقبت فتعالى صوته بهدوءٍ وهو يبتسم:



_«إيمان عبد الحليم محمد طه »
_الشعبة:«علمي  علوم»
_«النسبة المئوية:٩٦٪ »



وضعت يديها على فمها ولحقها عناق "والدها ووالدتها وشقيقها وشقيقها الآخر الذي نهض مندفعاً بسعادةٍ وفخرٍ فيما بكت هى وفعلن الفتيات معها الواجب ما ان تعالت الزغاريد بقوةٍ لأجلها وأجل "وسام" التي اندفعت تعانقها بسعادةٍ وتمسكت بكفها تقفز معها وكأنهما طفلتان صغيرتان يرددا معاً بغير تصديق:



_حققنا حلمنا خلاص! 



تكفي فرحتهما معاً تكفي النظرات تكفي زغاريد  "بسام"و"شادي", بمرحٍ  ما ان قام "شادي" بتشغيلٍ الأغنية بلوتوث تسجيل جلبه  معه وحملته "منة" له ، فبعد لحظات تم التراقص بسعادة وامتلئت الصالة بالبهجة وكأن اليوم يوم عيد ، يوم لم يتكرر كثيراً  ، يوك الفخر ويوم الثقة التي لم تكسر أبداً :




        
          
                
_«واو واو واو واو واو واو
حسن مره وهب وشوت كله يهيص كله يقول
ياللي تحت وياللي فوق هيص وانسى الهم ياعم
عل الواحده كله يرقص عل الطبله كله يرقص
عل الصفقه كله يرقص اوووووه



هلا هلا كله يرقص ماتيلا كله يرقص
عل البركه كله يرقص اوووووه
دلعنا ياعمي يلا بالعقل وبالاصول»



كان الرقص من الجميع عدا "نيروز" الذي ناولها "غسان", هاتفه كي تقوم بالتصوير ، فقامت بتصوير فيديو تصويري وهو يتراقص مع شقيقته الذي حملها ودار بها بفرحةٍ لم تسع الشقة بأكملها ، لمعت عينيها وهى تدور بفعل ذراعيه ، ووجدت حولها والدها ووالدتها التي تمسكت بيديها وفي المنتصف "بسام" يتراقص مع "فرح" وجوارها "آدم",و"فريدة", وشاركهما "حازم" ما ان جذب يد "عابد" ووالده كي تستمر اللحظة هكذا ، وشاركت والدة "إيمان" التي احتضنتها بحبٍ من بين الرقص بينما "أحمد", لم يحتاج ان يحثه أحد بل كان أول الراقصين بسعادةٍ وفخر لشقيقته..



لمعت عيني "نيروز" والذي جلبها "غسان", محاوطاً كتفيها حتى أمسك كفيها فأخذت "جميلة" تقوم بالتصوير ما ان شاركهما "عز" بسعادة من أجل سعادة أصدقائه بشقيقتهم ,لم تتحرك "نيروز", ولم تتمايل كان قد علم أنها ستفعل ذلك حتى وإن  لم تكن تحمل صغاره ، ابتسم في سعادة ولازال يتراقص حتى وهو يتقدم من والده ووالدته يقبل كفهما ببرٍ يشاركهما سعادتهما بآخر ما أنجبا



_«ونجحنا كله يرقص وفلحنا كله يرقص
وارتحنا كله يرقص اوووووه
وسهرنا كله يرقص وذاكرنا كله يرقص
ونجحنا كله يرقص اوووووه
اوووووه واو واو واو اوووووه واو واو واو
اوووووه واو واو واو اوووووه



الله على الحب لما بيجمع دول ودول
الدنيا بتبقى احلى واللي بيصبر بينول



سلمها للي فوق وانسى الاوهام وفووق
سلمها للي فوق وانسى الاوهام وفووق
دي مصيرها تروق وتحلى
دوق طعم الفرحه دوق



عل الواحده كله يرقص عل الطبله كله يرقص
عل الصفقه كله يرقص اوووووه
هلا هلا كله يرقص ماتيلا كله يرقص
عل البركه كله يرقص اوووووه



وسهرنا كله يرقص وذاكرنا كله يرقص
ونجحنا كله يرقص وفلحنا كله يرقص وارتحنا كله يرقص
عل الواحده كله يرقص عل الطبله كله يرقص
هلا هلا كله يرقص»



لحظات كهذه صعب نسيانها من الذاكرة ، تحملت ضغط وحوادث وظروف لم يتحملها أحد ، خاضت معارك كثيرة ، ولكن ستبقى هذه المعركة  أكثر معركة فازت وربحت بها ، ربحت حلمها وعلى وشك تحقيقه ، ربحت ثقة عائلتها من جديد، ورددت في هذه البهجة والسعادة البالغة :




        
          
                
 هل مذاق تحقيق الأحلام كان هكذا ؟؟ ، ان كان جيد هكذا وان جربه شخص كان بأمكانه الرجوع بالزمن لفر سريعاً يفعل ما بوسعه كي يصل إلى هذه اللحظة!! ، لحظة لا تقابل ولا تساوي شىء تستطع قوله ،فاق  كل ما تشعر به القول حقاً!!



تشارك الصغار واندمج "مؤمن" بن "عابد" مع "يوسف" و"أدهم" و"جنة" وحتى "يامن" ، فخرجت "زينات". تشاركهم فرحتهم بلطف وهي تقترب تسلم وتبارك ، ورحبت "وسام" بها بسعادة متناسية أي شىء ، فالآن تسعد لسعادتهم بها ، طالعت الجميع بفرحة وصاح "بسام" عالياً :



_اطفوا الأغاني يا بشوات عشان آذان العصر ، يلا نتوضى عشان نصلي.



اقترب الرجال والشباب من مرحاص الشقة ، وان لم يكن هناك مكان فذهب "حازم" وبعضهم إلى مرحاض  شقة "عايدة" ، فيما وقفت "جميلة" بسعادة مع الفتيات بين "وسام" و"نيروز" التي عانقتها من جديد تعبر لها عن فرحتها:



_أنا فرحانة أوي ، عشان فرحتك وفرحتنا دي



من أسباب سعادتها سعادة "غسان" التي قليلاً ما تراها، رأت كل هذا الحماس يوم ان أخبرته بأنها تحمل صغاره وهذه المرة الثانية بنفس الشغف والسعادة والبهجة التي تظهر على ملامحه ، عانقتها "وسام" هى و"فرح" التي أكدت كلمات "نيروز" فأخبرتهما هى بصدقٍ وحب:



_ربنا  يديمكم ليا ونفضل علطول فرحانين سوا هنا!



عائلتها تكبر وهما معها ، ابتسمت بسعادةٍ وهى تنظر نحو "جميلة" والتي مجدداً احتضنتها ،، فيما انسحبت "إيمان" مسرعة لأعلى كي تهاتف شقيقتها وذهب والدها وشقيقيها الاثنان إلى المسجد أولاً حتى خرج الشباب اجمعهم خلفهم وتبقت النساء ، حينها ضحكت "وسام" بسعادةٍ وهى تخبرهن:



_بصوا بقا ، احنا نحدد فرح "بسام وفرح" ،. وبعدها علطول  نهيص من تاني!



أيدن اقتراحها ، وذهبت من بعدها كل منهن تتوضأ لآداء صلاة العصر ، وقطع دخول "وسام " غرفتها قدوم "أسماء " لتبارك لها ولم تتعمد الدخول حتى تعود مرة ثانية فوقفت تتحدث معها وتبارك لها على الأعتاب وحينها استطاعت "وسام" النظر خلفها لتجد "حسن" يغلق الباب ناظراً ناحيتهما وناحية الشقة وسرعان ما تحرك دون أي كلمة أو ابتسامة ، بل هبط قبل حتى قبل ان تلتفت "أسماء", وتسأله إلى أين الذهاب ؟!



أغلقت "وسام" الباب ، فيما عادت "أسماء", تدخل بترقبٍ إلى حيث كانت ، وبنفس ذات الوقت خرج هو« في الأسفل» من المصعد ، ووضع قبعة رأسه بخفةٍ متجهاً ناحية جهة مجهولة..



قرر منتبهاً الذهاب ناحية المسجد الذي وُجِد على الناحية الأخرى كي يأخذ في فرصته في الدخول ليترك للرهبة حقها ، فلأول مرة سيدخل المسجد بعد فترة غياب ، لأول يجرب مشاعر متخبطة لأول مرة يشعر بأنه يقترب من بيت الله بعدما كان يؤدي فروضه في غرفة بين أربعة جدران!!




        
          
                
جعلته قدميه قبال عتبة بوابة المسجد الكبيرة ، تخبطت ساقيه برهبةٍ وهو يقاوم حتى ابتلع ريقه ودخل بخزيٍ من حاله لم يذهب بعد ، ولحق الصلاة  مع الركوع على الفور بعدما فاتته بداية هذا ، فعل مثلهم ووقف جوارهم يصلي بأيدي ترتجف..



مسكين يشعر بالضياع ولكن هنا ، هنا وجد راحة ورأسه على سجادة الصلاة ، أقرب ما يكون العبد عند ربه وهو ساجد ، شعر براحة وسكينة حينها نزلت دمعته وهو يتخبط في الكلمات مردداً بهمسٍ مطولاً في سجوده:



_يارب ..يارب دلني على طريق ، اصلحلي حياتي ، أنا تايه محتاج أفوق ، يارب فرصة تانية وخليني قدها بقدرتك، سامحني على كل حاجة عملتها ، أنا ندمان..أنا تعبان أوي!!



سالت دموعه وعاد ينهض خلف الإمام يكمل الصلاة محاولاً عدم شرود ذهنه وبكل سجود يدعو بتخبطٍ دعاء مختلف عن الذي قبله ، آخرهم أنه وجد نفسه يدعو بتواجد "أسماء" جواره ومن ثم القدرة على نسيان "نيروز", حتى يبدأ من جديد.



_«السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله »



حرك رأسه  يسلم خلفه وعلى الفور مسح وجهه ووجد من حوله ينهضون حتى مرت الدقائق ولم يجد سواه ، صلاة العصر ليست لها سُنة ، لذا ذهب الناس وبقى وحده يطالع الفراغ ويستمع إلى القرآن بصوت الشاب الذي كان على بُعدٍ منه.



رجال الخير كثيرون ،وكما حدث مع من قبله  سيحدث معه الآن، عندما وجد الشيخ يقترب منه بدوره في توعية من يشعر بضياعهم :



_حرماً يا بني



_جمعاً ان شاء الله!



رددها "حسن" مبتسماً ، وتفاجئ ما ان وجد الشيخ يربت على فخذه مردداً بتساؤل:



_ربنا يفك عنك ضيقتك عشان دموعك اللي نزلت دي!



نظر بحرجٍ وكاد أن يهرب من مواجهة هذا الرجل ، فقاطع نهوضه"الشيخ" والذي وكأن الله أرسله إليه بقدرٍ



_أنا موجود وزي أبوك لو محتاج حاجة  ولو عايز تتكلم أنا سامعك!



هل حقاً هذا النقي يشبه نفسه بأباه؟ ، ابتسم ساخراً مخفياً هذه السخرية ولم يخجل من رده الذي خرج  وكأن كبته خرج الآن لهذا الرجل:



_انت أحسن منه يا عم الشيخ ،و بكتير أوي كمان ، ربنا يصلح حالك!



ابتسم "الشيخ" يحرك رأسه بضحكٍ خفيف وأخبره بحسن ظن:



_الله أعلم ، يمكن والدك فيه الخير وانت متعرفش ، بره واجب عليك يا بني وربنا هيحاسبك ، اسمع كلامه وطاوعه وربك هيجازيك خير من تحت راسه!



_الله يرحمه ، مات!



رددها "حسن" بإبتسامة ساخرة من جديد ، وظهر التعب وهو يقص عليه:




        
          
                
_ مات وهو واجعنا كلنا ومرحمش حد ، بس بحاول أسامحه عشان ربنا يجازيني خير زي ما بتقولي!



وضع "الشيخ" كفه على ساق "حسن" الذي نظر له بهدوء ما ان فسر له برفقٍ:



_ ربنا بيبتلي ناس في حاجات كتيرة منهم الأهل ، عشان كدة الإبتلاء ده بيكون صعب وربنا بيدينا عليه حسنات على قد صبرنا عليه وعلى قد برنا بيهم لحد النهاية ونصبر لحد ما ربنا يحاسبهم في الأخرة عشان مكنوش قد اللي هما فيه ،لكن واجب علينا برهم!



فلم يهتز "حسن "وهو يسأله بتعبٍ وجهل :



_طب ليه ربنا ممكن يبتليني ابتلاء زي ده ؟



_عشان بيحبك.



رددها "الشيخ" بيقينٍ فلمعت عيني "حسن" وهو يجيب في انهاكٍ:



_بس أنا بتوجع!



_ستُأجر إن شاء الله!



وكأنه مشتت طفل لا يفقه شىء فصرح عن حزنه بجمله واضحة بعد رد "الشيخ" عليه بحنوٍ:



_بس أنا حزين ، قلبي حزين أوي يا شيخ 



_ستفرج بإذن الله!



لم يترك مجال للصمت با تابع وكأن ردوده جاهزه في هذه اللحظات فصرّح من جديد ودموعه تسقط:



_بس ضاقت أوي ، ضاقت!



_ستتسع بأمر الله



فشهق ووضع يديه يخفي وجهه وهو يسأله بجهلٍ اخر:



_ إزاي  بيحبني وأنا كدة ؟؟



_بيطهرك!



فبكى وتساءل وكأن عنوانه هو التساؤل بجهل وتعبٍ وشقاء:



_بيحبني ويبتليني؟



_عشان  يقربك!



تشتت "حسن "وهو يرفع رأسه بتيهةٍ وتساءل بفضولٍ متأثر:



_ طب وهلاقي ايه في القُرب؟ هلاقي ايه؟



كان يتلهف للجواب ، فأدرك "الشيخ" حالته ووضع يديه على رأسه برفقٍ ورد في ثقةٍ ويقين:



_هتلاقي النجاة ، هتلاقي الراحة يا بني!



قرأ بعض أيات من القرآن لتهدئة حاله ، فسكن وهو يحاول أخذ أنفاسه وأراد النهوض وهو يمسح وجهه وحتى لم يعطي فرصة لنفسه كي يودعه بل ابتسم بإنهاكٍ وفر ليخرج من هنا ، فر من هذه الرهبة التي تحرك شىء بداخله ولكنها ليست الزيارة الأخيرة للمسجد ، ربما ستكون هذه البداية.




        
          
                
 مسح وجهه وهو يرتدي حذاءه ، وهبط على السُلم بدرجاته القليلة حتى سار على الطريق متنفساً بعمقٍ ، وضع يديه في جيب سترته ناظراً نحو الأرض مغمضاً عينيه بإنهاكٍ مقرراً العودة من جديد ، سار حتى وجد نفسه يقف أمام المبنى وتعمد الوقوف كي ينتظر صعود تجمع العائلة ، حتى لا يتقابل ويُوضع بموضع لا يريده الآن ، يكفي ثقله وحده!



دخل بعدما خف التجمع قليلاً وصعد  على السُلم بتمهلٍ ومن حسن حظه أن وجد آخر شخصان قد يتوقع وجودهم على الدرج.



صُدم وانحنى منه سريعاً ما ان وجدهما يتعمدان صعود السلم كي لا يراهما أحد ويُكشف مخططهما ، هل حقاً هنا "زهور", و"سامر" لا يصدق ما تسمعه أذنية بعدما أخفى جسده كي لا يرونه..



_انتِ مالك خايفة كدة ليه يامه ؟ ، ما تمسكي أم المنوم وحطيه في العصير لخالتي زي ما قولتلك ، هتدخلي تعملي نفسك انها وحشاكي وتقعديها تقوليلها عنك ، وتحطي المنوم في الكوباية ، والدوا التاني ده حطيه في كوباية "أسماء" عشان هتخليها دايخة مش دارية بالدنيا ، ساعتها  تتصلي بيا لما يحصل ده ، وبكدة هنقدر نخرج ببنتك من الشقة ولو حد شافنا تحت هتقول اختي وتعبانة ، خلينا نهج من هنا من غير صوت أختك ووقوفها لينا بدل ما تنادي حد ، عايزين نمشي بقا مطرح ما جينا لان أمل خروج بنتك مروة ميت! .



لا يصدق ما تلتقطه أذنه ، اهتزت "زهور" قبال كلماته هذه فنهرها ولدها مكملاً:



_مش فاهم ايه الصعب في اللي بقولهولك ، ما تطلعي يلا خلينا نخلص وأنا هنزل أقعد بره على ما ترني ، ياريت ميحصلش  غلطة ، انا معاكي للآخر أهو ، مش انتِ اللي عايزة بنتك وقلبك واجعك؟ ، نفذي بقا ومتخافيش!



حينها لم تستطع "زهور" الرد سوى بتوتر وهى تخبره:



_زينات ذكية يا سامر ، بالك لو قفشتني مش هتسيبني  كدة ، دي أختي وأنا عارفاها , ملهاش عزيز!!



فدفع ذراعها برفقٍ وهو يعطيها عكازها وقال يطمئنها:



_لا متخافيش يلا اتكلي وأنا معاكي تحت أهو .



ابتلع "حسن" ريقه بصعوبةٍ ، وركض مسرعاً منحنياً ناحية الأسفل بسرعة قياسية ، حتى دخل جوار عمود خشبي خلفه يجلس "سلطان" البواب الذي رأى اختباءه هكذا وهو ينهج ، فلم يتردد "حسن" في وضع كفه على فم سلطان مردداً بقسم وهمس:



_والله العظيم ما هعمل حاجة ، بس صوتك ده ميطلعش نهائي وهفهمك بعدين ، معاك تليفون ؟




        
          
                
هاب "سلطان" تكميم فمه هكذا ورد محركاً رأسه ، وأخرجه له فأخذه "حسن" مقرراً طلب رقم ما ليساعده بهذه العقبة ، فيما انتظر هو خروج "سامر"  حتى يستطع فعل المكالمة والصعود من بعدها بسرعة!!



_____________



بعد قليل صعدت "زهور" تدق باب المنزل بترقبٍ وهى تنتظر ،.وتحمل حقيبتها التي توجد بها ما تود فعله بدناءةٍ ، وسرعان ما فُتح لها الباب بعد ذلك ، بواسطة "زينات" التي نظرت بذهولٍ ، ابتلعت ريقها تنظر فيما سألتها الأخرى متصنعة النقاء:



_إذيك يا زينات ، عاملة ايه؟ ، هتسيبيني واقفة كدة كتير؟



أفسحت لها المجال فدخلت وجلست على الأريكة ، بعدما دقت على غرفة "أسماء " والتي خرجت تنظر بصدمة من تواجدها ، لمعت عينيها ولم تترد لحظة في الآقتراب فضمتها "زهور"بشوق صادق قبال عيني"زينات " التي لم تشعر بالراحة من تواجدها فسألت:



_بعيداً عن انك منورة ، بس ايه اللي فان عليكي تيجي  دلوقتي يا زهور ؟



واجهتها بحاجب مرفوع ، فنظرت"زهور" تجيبها بهدوء زائف:



_جاية أشوف بنتي يا زينات ، وجاية عشان وحشاني، انتِ أختي برضه مهما كان واللي بينا بسبب ناس بوظت اللي بينا نفسي تنسيه!



_لا مش بسبب ناس يا زهور، سيبك من عيلة البدري واللي عملتوه وبالذات بنتك اللي ربنا يفك حبسها ويهديها ، بس ٱنا ياختي منسيتش أي حاجة حصلت لبنتي من تحت راسك انتي وابنك ، ولا حتى نسيت جبروتك مع البت بنتك الغلبانة دي ، قصري وقولي جاية ليه ، الصراحة راحة يا زهور يا ختي!!



سمعت صوت ارتطام قوي في إحدى الغرف، فلم تبالي وظلت تنظر داخل عدستي "زهور" ، وقبل أن تتحرك "أسماء", لترى ، نادت عليها "زهور", تشهدها :



_شايفة خالتك يا أسماء؟ بقا ده جزائي عشان جاية أشوفها وأشوف بنتي ؟؟



نظرت "زينات" بحدة وصمتت ، فبررت "أسماء" بهدوء:



_معلش يا ماما ، خالتي على أعصابها وحقها برضه تزعل 



تبرر رغم تخلي والدتها عنها في البداية ولكن هذه من حملتها بأحشاءها تطمع في عناقها مهما فعلت وسعدت من رؤبتها بمجرد عدم وجود "سامر" ،  لم تكن تعلم ما يخفى لها!



_معلش دي بتأكل عيش بقى ولا ايه؟ ، دا بيتي يا زينات، وانتي أختي ، ارجعي عن اللي في عقلك ده يا حبيبتي ، احنا ملناش الا بعض وحقك عليا من كل حاجة حصلت زعلتكك انتي ولا بنتك!



لم تعطيها الفرصة للرد بل نهضت تجبرهم بقولها:



_خليكم ، أضايف نفسي أنا طالما انتوا كدة!




        
          
                
_استني يا ماما،  ارتاحي انتِ وأنا اللي هدخل أعمـ..



قاطعت "زهور'عرض ابنتها وهي  تدفعها لتجلس بمكر وقالت:



_لا أنا هعمل أنا ، اقعدي انتي عقلي خالتك وحنني قلبها عليا ،فهميها اننا ملناش غير بعض في الآخر، دا  حتى ابنها جوز بنتي ، مش أخوات وبس يا زينات ، اهدي الله يهديكي يا ختي!



برعت في حبك الدور ، وخرج من الغرفة "حسن" ومعه "آدم"  انتفضت "أسماء" و"زينات" فأشار لهما الإثنان بالصمت بتحذيرٍ حتى حركا رأسهما يقتربا ليقص "حسن" المختصر على "اسماء" و"آدم"لـ "زينات" بصوت لم يصل إلى من تفعل ما تفعله في الداخل مقتنعة بأنها ستربح هذه المرة 



جاءا من شقة "عايدة" والذي دخلها "حسن" مع "آدم" محذراً "فريدة" من الإقتراب أو عدم قول شىء لـ "حازم" ولكنها قررت أن تأخرا ستخبر الشباب وهى معهم في شقة "حامد"
ولأن الشرفتين جوار بعضهما استطاعا الوصول إلى هنا بخفةٍ وشبابية يتصف بها الاثنان معاً منذ الصغر!



أشار لها "آدم" بكفه بأنه سيتراجع للإختباء داخل غرفة "حسن" معه ، فدخل الإثنان دون صوت قبال توتر "أسماء" بخوف فهى لا تصدق ان والدتها ستفعل هذا بها حقاً 



خرجت "زهور" وهي تحمل الكوبين بابتسامة تصنعت نقاءها ببراعة فبادلتها "أسماء" البسمة بإهتزاز وتعالى صوت والدتها وهي تعطي لهما الأكواب:



_امسكوا اشربوا وادعوا لـ "زهور".



إلتقطها"أسماء" مثلما اخذتها "زينات" فمازالت هى واقفة تعطي ظهرها لغرفة "حسن" الذي خرج منها "آدم" مندفعاً حتى انتفضت ولم تستطع التحرك بسبب تثبيته لها بالمطواة التي تخص "حسن" فوضعها على رقبتها وهو خلفها هامساً بتحذيرٍ ما ان شهقت فكمم فمها قائلاّ:



_صوتك لو طلع هسيح دمك ده !



حذرها فإنتفضت بخوفٍ قبال ترك الاثنان للكوب  ونظرت "زينات", ناحيتها بتقززٍ فيما خرج "حسن" بعد ذلك مما جعلها تُصدم وهي مكبلة هكذا مكممة الفم ، فكفى ترحيبه بهدوء مريب ما ان قال:



_إذيك يا خالتي!



فتوقف يكمل بتصحيحٍ:



_لاخالتي ايه بقى ، اذيك يا حماتي ، ما أصل الحركات دي متطلعش غير  من مرا حما جايباها من تحت أوي! ، بس على مين؟ على بنتك ؟؟ على اختك ؟؟



واجهها "حسن" بذلك ، فإقترب مع إمساك "آدم" لها وأخذ حقيبتها حتى التقط هاتفها وطلب منها محذراً:




        
          
                
_تتصلي بإبنك وتقوليله يطلع و ان كل حاجة تمت ، وإلا هشربك الكوبايتين دول بالقوة واقتلك من سكات ، وأنا أعملها عادي وتطلع مني ، ومش هخاف!!



هددها بذلك فحركت رأسها توافق فترك "آدم" تكميمها بيديه ، حتى أمسكت الهاتف بأيدي ترتعش وهى تبرر له بضعفٍ وخوف:



_أنا..أنا كنت بس عايزة بنتي والله العظيم ، مكنش في نيتي حاجة!



فطالعها "حسن"بإستهزاءٍ ورد في تهكمٍ:



_لا ما بنتك مراتي ، وأختك أمي ، يعني انتي بتغلطي الغلطة بعشرة يا خالتي ، وبعدين عايزة تاخدي بنتك ازاي؟؟ وهي في عصمة راجل؟ انتِ أبيض أوي كدة؟ ، طب جربي حتى تصبري وتقولي ارمي عليها اليمين يا واد يا "حسن" ، لكن انتِ حامية كدة علطول؟ وماشيى ورا  مين؟؟، "سامر"؟؟



بهذه اللحظة أكمل "آدم" ساخراً بضحكٍ:



_ماشية ورا هفأ ،فاكراه راجل بس هو لمؤاخذه …



توقف يضع يديه على شفتيه وغمزه يعده:



_هقولك بعدين يا أبو علي



_لا ما انا عارف يا صاحبي ، بس الزائد ١٨ ميصحش قدام مراتي وأمي ، عيب برضه!



بخفةٍ من جديد ، هو من وضع طرف السكين ناحية عنقها وتبدلت ملامحه للشر وهو يخبرها مصرًحاً :



_السكينة دي كانت من قبلك على رقبة أبويا اللي خلفني ورباني ودمه بيجري في دمي ، يعني من الآخر أنا واحد عويل مبيطمرش فيه ، نسحب ولا تطلبي ابنك بالذوق يا حماتي؟؟



خافت "أسماء" فطمأنها هو بطرف عينيه ، فتراجعت تقف بخوفٍ من جديد ، قطعته صوت إجابة "سامر":



_أيوة يامه ، أطلع ولا ايه؟



_تـ تـعالى!



رد موافقاً فأغلق "حسن" الخط بنفسه وقذف الهاتف أرضاً حتى قذف السكين من بعده بنفس الطريقة وجلس على الأريكة جوار "آدم" ، بينما هى وقفت تنظر بإهتزاز وهي تتساءل:



_انت..انت هتعمل ايه في ابني يا حسن؟



ليس له أمان ، تعلم هى ذلك ، لم يجيبها ونظر نحو الباب بانتظارٍ ، وسرعان ما نهض "آدم", منتظراً هذه اللحظة، سمع طرق الباب بخفوفٍ ، فاقترب يسند ظهره ومد يديه يفتح حتى لا يراه الطارق والذي سرعان ما التقط ياقته يسحبه ثم صفع الباب ، اقترب "حسن" من بعدها يغلق الباب جيداً فيما حاول "سامر" التحرك وهو يطالعهما بصدمةٍ مردداّ بسبٍ:




        
          
                
_يا ولاد الـ****



كتفه "آدم" فيما التقط "حسن" المطواه وهو يقترب منه مواجهاً اياه:



_أمي؟؟ ، أمي يا سامر؟؟ ، دا انت قلبك ميت أوي، لا وكمان عايز تاخد أختك بالقوة ، هو حد قالك انها على ذمة قرطاس جوافة؟؟؟



واجهه بذلك فدفع "سامر" "آدم" عنه بانفعال ورد في غضبٍ:



_لا على ذمة واحد *** وشمام كمان!!



ضغط "حسن" على أسفل فمه وسمع اللقب فوقف في المنتصف يخبره بهدوء يربيهم:



_أنا مش هرد عليك دلوقتي ، أنا هوقف أختك بينا تختار ، وعلى ما أظن هى اختارت قبل كدة بس انت اللي بتحب تحرج نفسك انت وأمك..المرة دي بقا لو قالت "حسن" ، نرد حقي منك وحق كل حاجة عملتها في فريدة وفيها ، عشان هى برضه على أسمي ودلوقتي  الشمام فايق وكرامته ناقحة يا بن زهور! 



اقترب "حسن" يمسك كف "أسماء" ونظر يحاصرها بسؤاله:



_تمشي معاه حرة ولا تقعدي معايا وانتِ على ذمتي يا أسماء؟



وقفت ووجدت نفسها تحاصر ما بين رجاء "زينات" بعدستين وما بين دموع والدتها وما بين متابعة "آدم" وهو يهاب  رفض صديقه ، فإن رُفض في هذه اللحظة سينتكس!!



وما بينه هو أيضاً لأنه تعلق بعينيها وهو يحرك رأسه بتساؤل ، تساؤل غير النظرة التي توجد بعينيه وكأنه يهاب أن يُرفض  ويترك ،. علم قيمة حبها له في هذه اللحظة ولم يكن يتوقع بأن هذه اللحظات ستمر ببطئٍ وهو ينتظر هكذا!!



فبعد لحظاتٍ أخفت وجهها تكتم بكاءها ووقع الاختيار بقولها على:



_أنا معاك يا "حسن"، عمري ما هسيبك!



 من جديد تختاره؟. ربما كانت هذه إشارة لها بعد ان رددت له بأن يتركها كي تأخذ وقت ليرسل الله لها إشارة  ،. هل كانت  هذه؟ ، اتسعت ابتسامته بزهوٍ ما ان وقع الاختيار عليه بقبول لأول مرة وكي تهرب من عيني"والدتها وشقيقها" أخفت نفسها في عناقه وهي تبكي بقوةٍ فهذه المرة قصد احتواءها وهو يربت على ظهرها حتى نظر ناحية "سامر" ووالدته بشماتةٍ ، إضافةٍ إلى قول "آدم":



_شكلك بقا وحش أوي يا سمرة ،تتكل ولا نشوف شغلنا ؟



_هتكل بأختي ايه رآيك ، ويا أنا يا انتم النهاردة!



أثارا عناده ، فرد بذلك ، حينها انتفضت بين ذراعي"حسن" الذي اعتدل يحثه بتسليةٍ:



_ماشي ، قرب..قرب خدها يلا ، مستني ايه!! .



حثه بذلك ، فهابت "أسماء" قوله ونظرت بخوفٍ ما ان أشار له ، بلا وعيٍ  عماه غضبه واقترب محاولاً مسك كفها عنوة وبالآجبار ، وقبل أن يفعلها رفع "حسن", سلاحة الأبيض أمام يديه الذي تسمر بها بدون حركة ونظر ووجد نفسه مثبت منه حينما ضحك "حسن" محركاً رأسه بإستهزاءٍ:




        
          
                
_أرجع تاني يا شاطر ، وايدك لتوحشك عشان أنا بتغابى ، انت مصدق نفسك ولا ايه؟ 



تراجع "سامر" لأنه يعلم بأنه متوقع منه فعل أي شىء، حتى عن "آدم" , اقترب"حسن" منه ولكن من وقفت تمنعه ببكاءٍ كانت"أسماء" التي ترجته:



_عشان خاطري بلاش، عشان خاطري سيبهم يمشوا يا "حسن" ، سيبهم يسافروا كويسيين كفاية عليهم حبس مروة ، بالله عليك ما تعمل حاجة!!



توقف ينظر نحو دموعها ورجاءها وصمت "زينات" ، فأغلق المطواه بخفةٍ ووضعها بجيبه مستسلماً لطلبها ونطق لهما هما:



_خدوا بعضكوا وامشوا من هنا ، وخليك عارف ان اللي شالك مني واحدة ، يعني ست، ومش اي ست دي أختك اللي بدل ما تحميها حمتك هى!



_بتتكلم وكإنك كنت حامي أختك أوي!



اندفع يرد وسخر "سامر" منه بذلك فضحك "حسن" يفسر له بقلة حيلة قبال ضحك "آدم", ما ان استمع له:



_لا ما أنا كان عندي عذري ، أصلي كنت شمام زي ما بتقول ، لكن انت مصحصح أهو وبرضه لِفته وطري!.



فلم يتوقف الجدال حتى وهو يقترب من والدته ليسحبها تزامناً مع قوله:



_مفيش شمام بيرجع نضيف يا حسن, وعرف اللي اختارتك برخصها كدة عشان لما ترجع بعد ما تبهدلها مترجعش تعيط وتندب!



طالعه "حسن" بصمت مقرراً عدم مواجهته بل صمت يتجاهل بتعبٍ واقترب يجلس غافلاً عن أن السكين الملقي أرضاً حاول "سامر" ان ينحني بسرعة ليدفعها ناحيته بإنفعالٍ ولكن خابت آماله ما ان صرخت "أسماء" بعلوٍ وهى تركض ناحية شقيقها تحاول منعه ، وبالوقت ذاته منعه مسكة يد "آدم" الذي دفعه بقوةٍ حتى جثى فوقه وضربه بإنفعالٍ ملقياً عليه سباب مع صدمة "زينات" بالذي كان سيحدث!



بينما "حسن" جلس هكذا مكانه وترك ما يحدث  يحدث بدون مشاعر حتى نهض بنفسه ، يفصل بين "آدم" وبينه منحنياً مردداً بهمس  تزامناً مع فتح الباب بواسطة "زينات" للشباب والرجال:



_اللي آدم عمله هعتبره حق فريدة أختي ، لكن حقي هسيبه ، كفاية عليك قهرتك وتقطيم أمك ليك وانت راجل على أخوات بنات وهترجع فاضي من غيرهم هما الاتنين!!



لم يشعر بنفسه إلا وقد أبعده "حازم" فدخل"غسان" والشباب ينظرون نحو فوضى الأمر بينما هى ركضت ناحية "آدم", تتفقده بلهفةٍ وهو ينهج  ، وبكل بساطة انسحب "حسن" بعدما تواجه بنظراته مع "غسان" وأخبره دون مقدمات:



_لو ليك حق اتعامل!



ثم تركه ودخل الغرفة ، فيما نهض "سامر" يتحامل على ذاته ونظر ناحية والدته ما ان صرخ بإنفعالٍ من ما حدث:




        
          
                
_يـــــلا!!



اقتربت منه وهي تبكي ، ولم تستطع أن تودع ابنتها بعناقٍ ، بل بكت وهي تستند معه ناحية الخارج ، بينما وقف "غسان" على الباب الذي ابتسم بزاوية فمه متذكراً قول شقيقته:



_عندها حق فعلاً ، ما أنت فاضي ابن فاضية!



تخطاه هو ووالدته ، فترك له المجال ليرحل وتركه بإرادته ، يكفي ما يفعله من ضغط عليهما ، وجد الكل ينسحب ، بينما "حازم" كان هنا برفقة "عايدة"و"زينات"..



التفت يشير لـ"عز" بالرحيل هو والبقية ، حتى دخلوا الشقة ، وهرول "بسام" غير سامحاً بتعكير الوضع وصاح وهو يضرب السفرة بكلا كفيه:



_اسمـــعوا بقــا ، أنا هتجوز يعني هتجوز ، وهحدد فرحي حالاً حتى لو حصل هنصور هنا قتيل ،آمين؟؟؟



ضحك الشباب عليه ، وتعالى صوت الضحكات خرجت الفتيات والنساء من الداخل غافلين عن ما حدث قبل قليلٍ ، فجلس "عز" جوار "بسام", و "غسان"و"شادي" و"بدر" ومعهم "حامد" الذي بدأ بقوله يؤيد :



_الصراحة ابني صبر كتير أوي يا عز ، خلينا نحدد ميعاد بقى ونفرح!



حرك "عز" رأسه قبال ضحك النساء والفتيات وقال :



_أي وقت واحنا معاكم بس مش قبل شهر ونص، تكون أم عز جايبة كل حاجة وتحولها واحدة واحدة فوق عشان  فرح تدخل من غير ما ينقصها حاجة!



تلهف قلبه وهو يستمع وأعطاه المهلة كي يرتب ما تبقى من شقته بقليلٍ :



_خلاص يبقي بعد شهرين بالظبط من النهاردة! ، موافق ؟ موافقة يا فرح ؟



سألهما قبال نظرات "حنان" ، فرد "عز", بعدما وجد القبول من "فرح", وهي تبتسم بخجلٍ:



_يبقى على الله!



تعلن الزغاريد بفرحةٍ كبرى وكانت المباركات كثيرة وكبيرة ، حتى اعتلى صوت الأغاني من جديد وهذه المرة وقف "بسام" يتخلى عن حرجة وتراقص وهو يدندن مع الكلمات بين الشباب وهو يتراقص بسعادة:



_«النهارده فرحي يا جدعان
عايز كلو يبقى تمام
لقيتها ماشية مشيت وراها
قلت لازم أعيش معاها
عارفين قلتلها ايه ؟
بعد إزن سيادتك
ده انا معجب بسعادتك
ممكن أكلم طنط
يمكن ربنا يهديني
واكمل نص ديني
وابطل اتنطط
واتجوز»
 
ردد الكلمات مع الأغنية فضحكت ما ان وجدته يسحبها ودارها بسعادة اندمجت بها معه وهي تضحك بملء شدقيها قبال سعادة "حنان" وهي تدعو لهما ، وقبال ضحك "عز" الذي تراقص قبال "غسان" و"شادي" فدخل "بدر" يمسك كف "يامن" ويوسف " ودخل من الباب "آدم" الذي هرول ناحيته "أدهم " وسحبه كي يتراقص معه بعدما هدأ بقليلٍ ، ضحك وهو يحمل الصغير المقرب لديه وقبله بحبٍ تزامناً مع إمساك"دلال" كفي"جنة" بمرحٍ فهي في موضع جدتها ، وقبال ذلك لم تترك "فاطمة" الفرصة والتي تراقصت مع "حامد" بفرحٍ قبال تصفيق من لم يستطعا المساحة بالرقص الغير خادش مثل"ياسمين ونيروز وجميلة" لأنهما "حوامل"، وأصبحت الشقة مزدحمة بالسعادة والبهجة والفرح والمرح معاً بعيداً عن الشقاء وتحولت إلى ساحة رقص كبيرة وعنوانهم هو السعادة




        
          
                
_«واتجوز
حتجوز
اصبح وامسي عللي شرفوني
اصبح وامسي يللا رقصوني
رقصني عالطبلة ولا عنتر ولا عبلة
الله اكبر ده احنا اكتر
من روميو وجولييت
ولا حسن ونعيمة ولا بتوع السيمة
نفسي آخدها وأشد ايدها
ونروح عالبيت
ونتجوز»



ظل  الجو في بهجة كبيرة ، وشاركتهم "وسام" وهي تدخل بينهما تتراقص قبال "منة" و"فريدة" وبلحظة كهذه كيف سيمر الوضع دون عناق حدة الشباب ، حينما نادى اللين وهو يأخذ توأمه في أحضانه بفرحةٍ لأجله ، فبادله توأم روحه العناق واقتربت منهما "والدتها" تكبر في سرها عليهما ، حينها أمسك كل واحد منهم كفها وحركوها بحرصٍ لتتراقص معهما ، مع رجالها ، مع رجال وشباب يصبحا أمامها صغار مهما مرت الأيام!!



فيما ابتعد ليستريح هو ، وقف "عز" في الشرفة يلتقط أنفاسه ، يهرب من تأثر فرحة رحيل "فرح", التي تعد ابنته قبل ان تكون شقيقته ، حينها لم يتوقع أن بمجرد التحديد سيشعر بهذه المشاعر التي جعلته يدمع ، وسريعاً وجدها جواره تضع يديها على كتفه بتقديرٍ ، نظر فوجدها "جميلة" التي ابتسمت تصارحه:



_حاسة بيك ، وعارفة انك متأثر ، بس هى دي سنة الحياة.



ابتسم يجيب وهو يمسح عينيه برفقٍ ونطق:



_ المهم تكون مبسوطة وفرحانة!



ترددت كثيراً في فعل الآتي ولكنها قطعت أي تردد واستطاعت أن تعانقه عناق صريح نقي دون حزن أو كسرة ، دون شوائب ، فضمها وذكرته دون ان توضح بأنها عادت مباشرة:



_فاكرة كلامك كإنه إمبارح ..كل واحد هيفضل في ضمة التاني!



فنطق من خلف ظهرها وهو يتنفس بأريحية:



_ولسه فاكر أنا كمان ، ومش هغير كلامي!



اتسعت ابتسامتها ونظرت "نيروز" براحة فهي من نصحتها على تخطي كل شىء كى لا تقف العقبات دائماً معها بعد ذلك ، شعرت بأنها فعلت الصواب وتحركت من أمام الشرفة فوجدته يبحث عنها بعينيه ، حينها اقتربت منه فغمزها بقوله المعتاد:



_ممكن أعرف حاجة؟



سألته بنظرة عينيها فجاوبها "غسان" بعبثٍ:



_هى ايه الحلاوة اللي انتِ فيها دي؟



لا يفشل في تثبيتها ضحكت "نيروز" وشاكسته بغزل هى الأخرى :



_أكيد مش أحلى منك، أو يمكن قلبك هو اللي حلو عشان بتشوفني بيه!



فكان الاعتراف منه دون ان يفكر:




        
          
                
_قلبي حلو عشان  دق ليكِ انتِ واختارك تكوني كل حاجة ليا ، لحد ما هتبقى أم عيالي خلاص.



لمعت عينيها تأثرًا واستغل الاثنان انشغال البقية فسألته بتعلقٍ:



_ده كفاية؟



نفى "غسان" برأسه ومرر يديه على كتفها بحنانٍ معترفاً من جديد:



_أي حاجة بيني وبينك مش كفاية ، أنا بيني وبينك قلوب ميحكمهاش عقل!



كرر قوله الآخير كما كان قد ردده من قبل ، ابتسمت وهى تستد على كتفه بأمان ونطقت بسعادةٍ هادئة:



_فرحانة عشان انت فرحان.



_الفرحة مكانتش هتبقى  كدة لولا أنك موجوده فيها!



بلا تردد اندفع يردد ذلك فعجزت عن الرد  واستغل الانشغال وهمس يخبرها رغم ان اليوم الجمعة ولكن هذا كان موعد ذهابها للجلسة :



_جاهزة؟ ، ساعة وهنمشي ان شاء الله!



حركت "نيروز" رأسها بموافقةٍ وتشنجت تعابيرها بتعبٍ وهي نخبره:



_مع ان رجلي تعباني أوي بس جاهزة ، هروح أدهنها عند ماما على ما تجيلي هناك عشان نطلع سوا!



وافق فإبتعدت تنصرف هى ، قبال جلوس "بسام" مع"فرح" وهو يعترف لها :



_أنا مبسوط  ، نفسي تبقى مبسوطة زيي يا فرح ، خلاص هانت وربنا هيجمعنا في بيت واحد!



طالعته في خجلٍ ووجد ظهر"غسان" خلفه ما ان هبط يهمس جوار أذنيه بـ:



_انت لسه هتقول مبسوط ، بوسها!!



ضرب بكوعه معدة شقيقه وهو يبتسم بإهتزاز لوجه "فرح". أمامه فوجد "شادي", يهبط ناحية أذنه الأخرى وهمس:



_بوسها ياض ، أحضنها .



وجدها فكرة لائقة ، فتقدم يعانقها دون مقدمات حتى استغربت ولكنها بادلته العناق معتقدة بأنه تعبير عن الفرحة ، فيما برطم"غسان" يخبره بخفوت من خلف ظهرها :



_البوسة أهم يا غبي!



تلقائياً وضع قبلة على وجنتيها جعلتها تشعر بالخجل ما ان شعرت بأنها عرضة للمراقبة ، فطالع خجلها بسعادة ، فغمزه شقيقه فبادله هو الغمزة وهو يضحك في جو مبهج مليئ بالحديث والكلمات العشوائية والتي وضحت بأنها لم ولن تنتهي الآن!



______________



في شقة "زينات" كان "حسن" في داخل غرفته وجلس "حازم", معها ومع والدته ينتظر هدوء الآخر حتى يدخل ، بينما وقفت "أسماء" تعد لهم  شيء في المطبخ ، كانت تبكي في هذه اللحظة وبقوة مسحت دموعها تجبر نفسها على الصمود حملت الصينية ، وقدمت الأكواب وهي تقترب منهم وابتسمت فظهر وجعها حينها أشار لها "حازم" كي تجلس وجلس فبدأ يتحدث بهدوءٍ:




        
          
                
_مش عايزك تزعلي يا أسماء ، انتِ وسط أهلك وناسك صدقيني ،أنا مقدر انتي ممكن تحسي بإيه بس حتى لو مش عايزة "حسن" أنا مش هسيبك كدة ، انتِ أختي ، وغلاوتك من غلاوة "جميلة وفريدة".



ابتسمت له بإمتنانٍ وردت في لباقةٍ دون مناقشة:



_كتر خيرك يا "حازم" ، ربنا يخليك.



نظر ناحيتها وهى هكذا فتجرع من الكوب ونهض يخبرهن:



_أنا داخله شوية وماشي ، لو عايزة  تسبقي يا ماما اسبقي!



كان قوله "لوالدته" بينما هو سار ، يدق الغرفة بهدوء ، فأذن له "حسن" الذي اعتدل يجلس على الفراش وهو يرتدي قميص  آخر غير الذي كان يرتديه من ثيابٍ.



طالعه "حسن" بترقبٍ حتى وجده يجلس جواره واضعاً كفه يمسح به وجهه وكأنه صغيره للتو ،  فيما تابعه "حسن" وسأل دون تمهيد:



_شايفني قادر على اللي جاي؟



اندفع يسأل وكأنه يثق به وحده فقط ،أكد له شقيقه ذلك وقال بثقة وهو يتابعه:



_شايفك قادر وراجل قد كل حاجة هتتحط فيها ، توكل بس على الله وكل حاجة هتمشي.



لم يعد يخفي شىء بل قرر البوح وكأن البوح تشكل في تساؤلات لديه فسأله:



_قابلني بعد كرهي ليك؟ ، بعد كل اللي عملته ؟



_قابلك بكل عيوبك ، قابلك لو عملت ايه ، انت أخويا وسندي في الدنيا دي يا عبيط يا أهبل ، حازم وحسن ميفرقهمش حاجة غير الموت بعد النهاردة.



تأثر من كلماته ، واقترب "حسن" بنفسه يستند على فخذ شقيقه بتعبٍ وبدأ يفسر:



_مستاهلش فرصة منك ، بس محتاجك عشان غصب عني بدور على أبويا فيك!



هل يشعره بأنه مكان والده ؟ ،. والده الذي لم يقوم بدوره معه؟ ، ترك أزرار قميصه مفتوحة ، وأخرج أنفاسه متنهداً بتعبٍ قبال مراقبة "حازم", له بصمتٍ قطعه هو بنفسه ما ان تساءل بإهتزاز:



_شايفني أبوك يا حسن ؟ ولا شايفني زيه ؟



ابتسم بألمٍ ورفع عدستيه يصارحه بالحقيقة:



_لا  انت زيه عشان مستحملنيش ولا هو زيك عشان مصبرش ولا حاول يخليني أحسن مع ان كان في ايده ، أبوك بايعني من زمان ومشافش غيرك سند ليه ، مع اني كنت طمعان بربع اهتمامه معاك يبقي ليا ، بس حتى انت مكنتش مرتاح ، محدش مرتاح يا حازم!!



طالعه بحزنٍ لأوجاعه وأغمض الآخر عينيه محاولاً ترك الأوجاع وسأل :




        
          
                
_قولي وصلت لفين  في موضوع الجيش والشغل ؟



إعتدل "حسن" بعدها يستند بظهره كي ينصت بينما "حازم" زفر أنفاسه يخبره بهدوء:



_ من بكرة ان شاء الله هتنزل معايا نعمل شوية ورق تمضي عليه عشان الجيش ، وعند أول اجازة ترجع فيها هتلاقي مكانك في ورشة "عز " محفوظ ومحجوز!



حرك رأسه موافقاً فشعر "حازم" بتعبه لذا نهض يخبره برفقٍ:



_هسيبك ترتاح  وهمشي أنا .



وقبل أن يلتفت أوصاه''حازم" برجاء بان في عينيه رغم جدية الحديث:



_خد بالك من "أسماء" يا "حسن" ، اتقي الله فيها عشان ربنا يباركك في حياتك اللي بتحاول تكون فيها صح!



حرك رأسه يراضي قول شقيقه الذي خرج وتركه ومن ثم خرج من الشقة بأكملها والتي وقفت بها "زينات" تحث "أسماء" برفقٍ:



_أدخلي..ادخليله يا أسماء يمكن ربنا يهدي سركم يا بنتي!



أغمضت عينيها بتعبٍ ومن الأساس كانت ستدخل ،. ابتلعت ريقها وهي تقترب حتى دخلت  فأشارت لها "زينات" بتشجيعٍ وحثتها على إغلاق الباب كي يتحدثا سوياً ، بينما هى تركتهما ودخلت غرفتها تدعي لهما بصلاح الحال..



بينما في غرفته هو ، طالع اقترابها منه  وهى تمسح دموعها ، فإعتدل بعدما وجدها تتقدم لتجلس جواره ونظرت ناحيته بصمتٍ ، صمت شديد لم تستطع تحمله فبكت بقوةٍ ، قوة جعلته يأخذ الخطوة كي يبادر على ربته على ظهرها بمواساة واهتزت لأنه لم يوضع بهذا الوضع من قبل :



_متعيطيش يا" أسماء"، أنا معاكِ وهعملك كل اللي انتِ عايزاه ، انتِ بس قولي وأنا والله ما هاجي عليكي تاني!



عاهدها بقسمٍ ولأول مرة يشعر بأنها مثله ، حينما بكت تصارحه بكسرةٍ:



_محدش اختارني يا حسن ، محدش  اختارني ولما اختارت عملت زيهم وسيبت كل حاجة عشان خايفة ، وعشان مش عايزة اتجبر على حاجة مش عايزاها!



لا يعلم كيف خرج منه الحديث ما ان رد معترفاً:



_بس أنا حاسس اني محتاج اختارك تكوني معايا ، ومش بالقوة كله بإيدك!



_أنا.. انا مكنتش مصدقة اللي انت عملته عشاني النهاردة ،  اللي حصل خلاني بعد ما كنت  مترددة  بقيت موافقة بس لسه خايفة!



هل قبلت؟ اعترفت بذلك ببكاءها فسأل :



_مني؟



هزت "أسماء" رأسها في صراحة وأضافت بوجعٍ:



_خايفة تكسرني ، خايفة احس اني معاك قليلة وانك محتاجني عشان راجل ومتجوز وبس ،أنا بحبك بس مش عايزه أفضل أحبك واقدم كل حاجة ليك قصاد ولا حاجة منك ليا!




        
          
                
توقف عند كلماتها هذه وهي ترددها بيأسٍ فعجز عن قول شىء الا نطقه بـ:



_ دلوقتي بحاول  ، وهحاول ، انتِ نصيبي خلاص يا أسماء، وأنا راضي بيكي يا بنت الناس!



ابتلعت ريقها ، فأراد أن يشعرها بمكانتها كأنثى تحتاج من يعزز لها ثقتها ، لذا مرر يديه على ظهرها ودفع مؤخرة ,رأسها ناحية قمة صدره الدافىء ، فإستندت بقبولٍ حينها أزال حجابها متعمداً مدح أي شىء بها بصدقٍ فصرح مبتسماً بنفس قوله منذ زمن :



_شعرك حلو زي" فريدة" لسه؟



فرد لها خصلاتها باهتمام حاول خلقه بنفسه بينهما كي يهدأ الحال ،  فإعتدلت تنظر ، تنظر له بخجلٍ إلى ان  مرر يديه على خصلاتها السوداء وهى تؤكد سؤاله فضحك يذكرها:



_فاكرة لما  كانت  بتغير عشان زيها ، كانت بتجري  وراكي عشان تشوف طوله قد ايه ويا ويلك لو كان أطول منها!



ضحكت "أسماء" تمسح وجهها وهي تتذكر شقاوة "فريدة" في الصغر، فابتسم ما أن رأى ضحكتها هذه ، وهذه المرة لم يتلاعب بها ، بل إعتدل مقترباً مقبلاً عنقها برفقٍ ، حينها تحركت فواجهها مصرّحاً بوضوح:



_لو موافقة نبدأ حياتنا سوا من النهاردة هكون مرتاح ولو مش موافقة لسه فقدامك وقتك لحد ما تحسي انك مستعدة.. براحتك. وأنا صابر ومستني ردك أياً كان هو ايه!



تاهت عينيها معه وأخبرته بقليل من الخوف:



_خايفه أعطيك الثقة كلها وتكسرني ، أنا بقا من حقي أخاف اتكسر عشان مش مستعدة لوجع تاني بعد كل ده يا حسن!



بهذا الوقت كان واقعي ، مقتنعاً بكل يقين وهو يعتدل ناحيتها ملقياً كلماته برفق:



_ أنا مبقاش عندي حاجة أكسرك عشانها ،الأول مكنتيش مراتي ، دلوقتي انتِ مراتي يا أسماء ، وأنا عايش الحقيقة دي خلاص ، أنا راضي وقولتها وبقولها تاني..لكن برضه هفضل أقولك براحتك.



تخلت عن الكثير ، مثال كهذا واقعي ولكنه موجود بالفعل بكثرةٍ ، ككثرة تخبطها التي تنهي بها تنازلات  كثيرة مثل تنازلاتها  أمامه ، غالباً ما يكون خطأ  كثرة التنازلات وأحياناً مرة أخرى تكون الصواب عندما لم يجد المرء شىء سوى الحقيقة الذي يجب تعايشها  ، راضياً أو -مجبراً-.



لا تعلم هى أكانت غالباً أم أحياناً ولكنها تنازلت مجدداً بقبولٍ رآه البعض صحيح واقعي والبعض الآخر خطأ متسرع! ، شعرت بأنها في الاحتمال الأول عندما أرادت تعايش الأمر بواقعية  أكثر وسمحت له بالاقتراب منها كما سمحت من قبل دون أن تحل له ، ولكنها الآن تحل له ، وبعدما يحاول التغير علمت انه لم يتخلى لأنه بات في الأمر الواقع جوارها ، بات "زوجاً لها."

تعليقات