رواية عودة الوصال الفصل الواحد و الخمسون 51 - بقلم سارة ناصر

  

 رواية عودة الوصال الفصل الواحد و الخمسون 51 -  بقلم سارة ناصر

«أحبك، أُحبك هذا النهار كما لم أُحبك من قبل !»
- محمود درويش-



لم يفغل له جفن منذ ان دخل ورافقها ، أفكار كثيرة تحاربه وهو مسكين قبال الخوف الذي جعله يجلس على المقعد مستنداً بظهره وكفه يحتوي كفها الدافئ ، ما أخذته من مخدر ومثبت آخر بعدما بدلت ثيابها وعادت برفقته تجلس لتتسطح على الفراش جعل عينيها تدور ولم يسمح لها عقلها بالإنتباه والتركيز أكثر ، آخر ما قالته له قولها المعهود وهى تتشبت بكفه وهو هنا أمامها على المقعد بعدما خرجت والدتها لتستريح في الغرفة الأخرى و بعدما ساعدته في تبديل ثيابها والاطمئنان عليها ، فقط كل ما يتذكره , أخر قولها الذي استمع إليه منها وهي بين نعاسها :

_متسبنيش!



عاهدها "غسان" بعد ذلك وتمسك بكفها أكثر ممراً يديه على رأسها حتى غفت ولم تستيقظ إلا الآن في هذه الساعة المبكرة في الصباح ، رمشت بأهدابها بتعب وحاولت أن تُحرك يديها فوجدته يتمسك بها ورأسه قد مالت على مسند المقعد من الأعلى وعلامات الإرهاق واضحة على وجهه وأسفل عينيه!!.



إبتسمت "نيروز" بتأثر حتى لمعت عينيها وهى تتذكر مخاوفه التي كانت هى من أهمها ، ربما كانت هى خوفه الوحيد ، وعندما توصلت بأن الإجابة ليست "ربما" بل "من المؤكد" ، أخفت حينها تأثرها وحسرتها ، هربت رغماً عنها من مشاعرها التي تضغط عليها بالقهر في السؤال الذي  يلازمها دوماً لمَ لم تكتمل لها فرحة واحدة على الأقل؟ ، حينها  نزلت دموعها بإسترسال وكأنها استغلت فرصة بأنه نائم وليس على أرض واقعها المؤلم والتي تخفيه أمام وجهه كي لا يشعر بالذنب .



هى من تشعر به دوماً ، لأنها في كل مرة تضغطه ان كانت تتعمد أو ان كان رغماً عنها ، وصوت ضميرها يعلو ، وخوفها يزداد عليه وعلى صغارها ، ألا تعلم بأن الخوف أجمعه كان منه عليها وحتى الآن؟؟، حاولت سحب يديها الحرة من الإبرة والتي كانت بين يديه ولكنه كان متمسك بها فوقفت أثار الدموع على وجهها بعجزٍ وتنهدت تخرج أنفاسها وتٱثرها يزداد بفعل التغيرات الهرمونية للحمل! 



ليس هذا فقط ما جعلها تزداد في بكائها الصامت بل لرؤيتها على ساقه المنديل الورقي الذي به أثار الدماء الذي منع نفسه من النهوض لغسل انفه حتى لا يتركها فبقت أثار خفيفة أسفل أنفه ليست واضحة الا لمن تدقق في النظر نحو وجهه كما دققت به بلهفةٍ الآن !



سحبت"نيروز" كفها عنوة لتستند حتى تعتدل والتقطت المنديل الورقي في حزنٍ حتى مسحت أسفل أنفه برفقٍ، حينها تشنجت تعابيرها من مد ذراعها بقوةٍ ناحيته ، لاحظت تحركه وفتح عينيه بتشوشٍ فأخفت المنديل الورقي كي لا يشعر بذنب شعورها بالذنب حينما تراه ، وعقب ما فتح عينيه اعتدل ينظر وأول ما وجده أمام عينيه هي ملامحها التي ابتسمت له وهي تخفي أثار دموعها ، فإعتدل سريعاً مع قولها هى:



_صباح الخير ، برغم اني عارفة انك مش بخير بنومتك دي!



واضافت  توضح له بحزنٍ تذكره:



_مكنش هيحصل حاجة لو روحت ارتاحت على السرير اللي قصاد سرير ماما ، صدقني أنا بقيت كويسة ومش هتحرك ولا هتعب نفسي متقلقش!



كادت أن تنصحه لينهض كي يستريح في الغرفة الٱخرى ولكنه اعتدل يلتقط زجاجة المياه بجواره وصرّح بنبرة بها أثر الاستيقاظ من النوم أو من غفوته لوقت قليل:



_مكنش ينفع مكونش جنبك ، أنا كدة مرتاح متخافيش!



_هى دي راحتك!!




        
          
                
سألته بأعين لامعة وعقلها يتذكر ويجلب في هذا السؤال ، اقامته وأرقه وملامحه الباهته وأنفه التي تنزف الدماء ، وقبل ان تهبط منها الدموع على حالٍ اعتقدت بأنها سبب به صرّح سريعاً وهو يعتدل متحركاً ليجلس جوارها على طرف الفراش:



_أيوة ، راحتي هى راحتك يا رزّة!



ابتسمت من اللقب الذي ردده قاصداً المزاح للتخفيف عنها ، فإبتسمت تراضيه وتجرعت من الزجاجة بخفةٍ بمساعدته حتى انتهت وعادت تستند بظهرها على الوسادة وعينيه لا تفارق تعابيرها وملامحها التي ظهر عليها التعب ، تعلقت الأعين في صمتٍ للحظاتٍ قطعته هى حينما قالت بمشاعر  مضطربة بقوةٍ بانت له:



_الزعل طافيك ومغير ملامحك ،أنا مبحبش أشوفك كدة !



وقبل أن يرد قطعت له الفرصة وهي تضع يديها على وجهها تمسح أثار الدموع أو لربما تخفي بوادر البكاء :



_بحس إني السبب ، السبب علطول بقصد أو من غير قصد ، معتقدش بدلت ملامحك دي من كتر ما أنا مفرحاك ، انت علطول مضغوط معـايـ..



فلم تتوقع ثبات جملته عندما مال يقبل جبهتها برفقٍ وظهر الدفء في نبرته حينما قطع أخر حرف بجملة كانت بمثابة كل الاحتواء لديها في هذه اللحظة خصيصاً :



_أنا علطول مبسوط معاكِ .



وأضاف بنفس الصيغة قبال عدستيها اللامعة:



_أنا علطول مرتاح وراضى وانتِ في كل حالاتِك!.



نزلت دمعتها وهي تردد بما كبتته في داخلها قبال أقواله الحانية دوماً:



_وأنا علطول بحس بالذنب ، عشان كل مرة بلاقيك راضي ومبتقولش ولا بتبين عكس كدة .



أراد تغيير محور التأثر وحل محله المشاكسة ما ان اعتدل يردد بإستكارٍ:



_قصدك اني بتاع كلام وخلاص؟



ضحكت "نيروز" من طريقته ومازحته ما ان حركت رأسها تؤكد فضحك مصرّحاً:



_بذمتك؟ 



_بصراحة لا ، انت لسانك متبري منك علطول!



غمزها حينما رددتها بمزاحٍ ثم دخلت بين ذراعيه وهي تضحك بخفةٍ مع مسح وجهها تخفي أثار دموعها وقد اعتقدت انه توقف إلى هنا ولكنه صرّح بكل ما يكنه في قلبه في هذه اللحظة خصيصاً وكأنه هاب ضياعها ولا يضمن الوقت الذي لا يسعفه في كل مرة ويخونهما معاً :



_ده انتِ وقعتي ده امبارح يا "نيروز"!



أشار"غسان" حينها نحو موضع قلبه وأكمل بصدقٍ نبع من الموضع الذي أشار عليه :




        
          
                
_وقعتيه بس مش زي ما وقعتيه أول ما شوفتك ، انتِ وقعتيه بالخوف وأنا متعود انه يقع فيكِ بالحب بس .



وأخذ أنفاسه عندما أسند ذقنه على فروة رأسها وأكمل:



_وأصعب حاجة ممكن أي بني آدم يشوفها هو الخوف ، الخوف على اللي بيحبهم ومتعلق بيهم ، الخوف والحب مرتبطين ببعض ، والخوف والحب برضه هم سبب لتعب ناس كتير، الاتنين مرض وان لازم حد بيفضل بيه حتى ولو حاول يتعافى منه برضه بيفضلوا  موجودين جواه ،..مبيروحوش أبداً بس أول ما يحسوا ان الواحد عايز يشيلهم من جواه بيوهموه انه اختفى.



كانت تستمع بإهتمام حتى والدتها التي كانت تقف على أعتاب الباب من الخارج وأوقفها كلماته المتأثره هذه :



_ بس بيوهموه..لكن هما في الحقيقة لسه جواه ، بيتركنوا ويضحكوا على البني آدم لحد ما يفكر انه قادر يبقي ميهموش وقادر انه يستغنى وعند أول خطر  ببواجه الشخص اللي بيحبه بيختفي كل ده ويرجعله اللي فكر انه راح منه ، حاجة كدة عاملة زي الأم والناس اللي مش فاهمين معنى الكلمة ، وكل ما الأم  والعيال تكبر يفكروا ان خوفها وحبها لعيالها بيقل ، لكن ده مبيحصلش.



زفر أنفاسه بصوتٍ وابتسم من انسجامه الذي لم يتوقف به بل فسر لها به مجدداً :



_وهنا الأم عشان محدش بيحب حد ٱكتر من حب  الأم لعيالها ، ومحدش بيبقي حاسس ولا فاهم معنى الحب والخوف ده ايه ، الا الأم نفسها ، حب غير مشروط  ، ولو هشبه أعلى مراحل الحب والخوف فهشبهه  بحب الأم وخوفها ، زي اللي بيني وبينك محدش حاسس باللي انا بحس بيه من حب وخوف نحيتك ، و مش مقارنه بيني وبين الأم بس هى كدة ..هى حاجة مش مفهومة!



ومازحها قبال تأثرها حينما اعتدلت وشاكسها بحرجٍ مصطنع حتى تضحك بدلاً من أن تبكي:



_يعني نا أمك بقى يا رزّة



ضحكت بقوةٍ ، ضحكات عالية جعلته يشعر بالراحة ولو بقليل وهو ينظر نحوها بشرودٍ مع ضحكته التي خرجت  وقوله الذي كان جاداً رغم ضحكها وضحك والدتها في الخارج بدون صوت:



_أنا أُم في علاقتنا ببعض ، ومش مكسوف لو بقول كدة.



هدأت ضحكتها تدريجياً ومدحت بمسمى الحب الغير مشروط حينما مدحته ومدحت من وقفت تتأثر بالخارج:



_أنا حظي حلو عشان بتحب الحب ده كله منكم ، حب غير مشروط ، وحظي حلو أوي عشان حبيتك انت بالذات.



ابتسم "غسان" بإتساعٍ وتمسك بكفها برفقٍ يعدل الإبرة به بحذرٍ وهي تطالعه هكذا ، تمنت لو رأت الخوف دائماً ولكن بدون معاناة منه ، بدون تعب ، فهذا الشعور التي  تراه بالخوف منه عليها شعور لا يعوض بأي شىء ، حينها أدركت معنى جملته جيداً "حُب يعني الخوف! ، وخوفه لا يقدر بشىء!" ،  نهضت من على كتفه حينما سمعت صوت الطرق على الباب فأذن هو بصوته ، ودخلت حينها "سمية" وهي تبتسم بها واقتربت في لهفةٍ تجلس جوارها على الناحية الأخرى  وهي تتساءل:




        
          
                
_صباخ الخير يا حبيبتي ، عاملة ايه دلوقتي، حاسة بوجع ؟



تلمست وجهها في لهفة من تعبها الظاهر على ملامحها ورددت بعاطفة أمومة تسألها:



_حاسة بتعب لسه يا ضنايا؟



زارها التأثر للتو ما ان تلهفت والدتها عليها ، فإبتعد "غسان" ينهض حتى يفسح لها المجال من الناحية الأخرى فآعتدلت تجلس مع مواققة "نيروز" بتحسين حالها لأفضل ، فوقف هو ثم جلس على المقعد وأذنيه التقطت حديث والدتها ما ان نطقت من بين الحديث:



_شوفتي طلعتي غالية علينا إزاي ؟ ، شدي حيلك بقى عشان كلنا مستنينك كويسة ، دا جوزك طلع بيحبك أوي .



شاكستها تخفف عنها التعب هى الأخرى فضحكت "نيروز" مع ابتسامته هو وهو يتابع مشهدهما ولم يتوقع  ردها الصادق وكشفت مصرّحة:



_دا من زمان علفكرة ، بس انتِ اللي كنتي شايفة عكس كدة!



برقت عدستيّ"سمية"فضحك هو ما ان سمع قول "والدتها" بضجر مصطنع:



_ بقا كدة؟ بتوقعيني فيه يا نيروز ؟!



نفت برأسها وهي تضحك هى الأخرى ، وحينها خرج رد"سمية" الصادق وهي تنظر نحوه:



_ابن حلال ، وولاد الحلال ربنا بينصفهم .



قصدت لتوها عقبة "مروة" ولكنها غيرت ذلك ما ان أضافت:



_ علفكرة بقا انتِ واخدة فكرة غلط عني نحيته..عشان أنا من ساعة ما طلبك مني وأنا عارفة أنا هعطي بنتي في ايد مين وهتتصان إزاي ، سيبك من المشاكل والظروف وسوء التفاهمات ، الحب والاحترام ان دام مع الود يبقي مفيش حاجة يتخاف منها أبداً ، ربنا يخليكم لبعض.



ابتسم لها في هذا الحين وأضاف بأعين نطقت قبل قوله الذي ردده بتمني بسبب الخوف الذي مازال يداهمه من أجل حالتها التي لم تتعافى:



_وتقوم بألف سلامة.



تعلقت عينيها معه بحديث عجزت عن قوله له الآن وبين ذلك دخلت الممرضة بطاولة متحركة بطعامٍ ووضعته تخبرهما بضرورة إطعامها ، فوافقها وقبل ان يجلس جوارها تولت والدتها المهمة وهي تخبره بعينيها فتركها تحظى بذلك ووقف ينظر ناحية الباب التي دخلت منه "ياسمين" مسرعة ووقف "حازم" في الخارج بسبب كشف جسد الأخرى كذراعيها وساقيها وخصلاتها ، فقرر الخروج له وضحك خلسة دون أن يظهر لها بٱنه سمعها تردد لزوجته:



_ وحشتيني وسيبتي أعصابي كلها يا بنت العبيطة!



ضحك "غسان" وهو يخرج محركاً رأسه بيأسٍ فيما ضحكت "نيروز". وهي تدخل في أحضانها مبتلعة ما بفمها مع قول "سمية" المغتاظ منها:




        
          
                
_طب احترمي العبيطة اللي قاعدة جنبها ، بدل ما اقوم أعلمك هنا حالاً الاحترام بيبقى إزاي!!



نظرت "ياسمين" برأسها في براءةٍ زائفة ونطقت :



_متبقيش قموصة يا سمسم ، مكنش قصدي!



رمشت بٱهدابها كصغيرة افتعلت  خطأ وهى تعلم بذلك ، ضحكت والدتها على مزاحها وتركتها تعايش مشاعرها السعيدة بإفاقة شقيقتها ورؤيتها من جديد ، ومازال العناق مستمر ولم تتركها وهي تتشبت بها الا عندما نهرتها "سمية" بضيقٍ:



_ابعدي بقا يا لزقة خليها تاكل لقمة تقويها ، بطلي تفرهدي فيها!



عبست ملامحها وهناك بوادر شجار معهود دائماً سيحدث ما ان أشارت على نفسها وهي تتساءل بإنفعالٍ:



_أنا لزقة؟؟



وقبل أن تؤكد والدتهما ، مدت "نيروز" كفها تفض الاشتباك وتعالت نبرتها وهي تترجاهما:



_خلاص عشان خاطري.



وأضافت وهي تنظر تجاه شقيقتها تتوسلها بالصمت قبال والدتهما:



_أنا اللي لزقة والله ، متزعليش نفسك.



صمتت قبال هذا الترجي وضحكت لتعود  هى من تلتقط الطبق في عنادٍ من والدتها التي نظرت بذهولٍ لفعلتها الوقحة ، وفي كل مرة يزداد تأكدها بأنها تناست أن تُعلم  إبنتها الوسطى معايير الأدب!! ، ورغم ذلك أكثرهن طيبة وحنو على والدتها !! ، وتأكدت هذه الفكرة وهذا المنظور ما ان وجدتها تتحرك بعد دقائق وقبلتها بقوة في وجنتيها حتى تأففت الأخرى وهى تفعل بها ذلك مع كلماتها المتأسفة بمرحٍ:



_متزعليش؛بحبك أوي!



وعكس ترديدها للكلمات بردها ، فكان من المفترض أن يخرج الرد  من والدتها بمشاعر ولطف ولكنها ردت وهي تدفعها من التصاقها هذا ورددت في ضيقٍ زائف قبال ضحك "نيروز" والتي تلتصق بها:



_وأنا كمان !



_________________



في بداية هذا الصباح لم يرحل من هذا الطابق إلا "حازم"و"ياسمين" وكلف الأول والدته بالجلوس  إلى حين عودة "نيروز" لأن الزيارة الكثيرة ليست مستحبة، كما ظلت "دلال" ومن معها رغم لهفتهم لـ رؤيتها..



بينما في شقة "حامد" ، كان قد خرج "بسام" قبل وقت قصير لجلب الإفطار، وبالفعل جلبه وعاد  وتوقفت اللحظة حيث عندما وضع المفتاح في باب الشقة الآن ودخل يخلع حذاءه ، نظر حوله ووجد الشقة في سكونٍ كما تركها ، فقد غفى من لم يغفل هذه الساعات القصيرة ، سمع صوت والدته الذي تركها تدخل المطبخ بمفردها قبل ان يهبط ، دخل يردد بتلقائيةٍ:




        
          
                
_بقـولـ..



لم تكتمل كلماته إلا ووجدت نفسها  تسعل بإندفاع المياة في وجه "بسام" الذي شهق منتفضاً مع كلماتها المتقطعة:



_سلام قول من رب رحيم ، حرام عليك يا شيخ ، مش  تذمر ولا تعمل حاجة ، ربنا يسامحك على الحسرة دي



رمش ببلاهة ومسح وجهه وهو يسند الطعام ورد بنفس طريقتها:



_ربنا يسامحك انتِ على الماية  اللي غرقتني دي!



ضحك وهو يرددها وربت على ذراعها ما ان طالعته بضجرٍ وتقدمت تتفحص الأكياس تزامناً مع التقاطه للمنشفة القطنية حتى يمسح وجهه ورأسه ، وتساءل بجديةٍ هذه المرة:



_بابا لسه مصحاش؟



_لأ صحى وفي الحمام , وأقنعته بالعافية يستنى يفطر قبل ما ينزل المستشفى لاخوك ومراته.



حرك"بسام" رأسه بإعجابٍ  لإصرارها ووجدها تثرثر ناحيته:



_روح بقى زي الشاطر ، افرش مفرش السفرة وصحي مراتك وأمها ، وصحى أختك برضه على ما أحضر الحاجات دي بسرعة !



توقف عند أقوالها وردد هو وهو يدفعها برفقٍ:



_طب روحي انتِ زي الشاطرة صحيهم وأنا هعمل اللي انتِ هتعمليه بالظبط!



وجدت هروبه في عينيه فلم تلحظ ما رفضه ولم يفصح عنه وقالت بضجر:



_انت لازم تناكف فيا ، ما تروح تصحـ..



جحظت عينيها ما ان شعرت بما رفضه ووضعت يديها على صدرها تردد :
_واد يا بسام ؟ تبقى مصيبة لو مكسوف تروح تصحي مراتك يا ولا!!



ليس الإحراج بعينيه بل صمت قبال كلماتها دون ان يوضح بها بأنها رفضت كسر الحاجز في منزل والده ، لذا صمت كي لا تردد بشىءٍ وتثرثر في صفه كالعادة ، فعادت تضرب صدرها مجدداً وقالت:



_ينهار إسود لو طلع صح؟ ،دي مراتك يا ولا ، أومال هتتجوزها إزاي ؟؟



ابتعد عن محور الحديث وهرب من أقوالها بدفاعه:



_مش كدة يا ماما ، أنا بس مش عايز اروح عشان متتخضش ولا تتكسف مني ، روحي انتي خبطي وادخليلهم وأنا هروح أصحي "وسام".



_ ما "فرح" بايته مع "وسام" من امبارح يا خويا!!



هتفت بها بسخريةٍ، فخرج دون أن يتحدث بشىءٍ ، فنظرت في أثره بحسرة قطعها دخول "حامد" المطبخ منتبهاً لما حدث وما فعلته من تشتت للآخر فسره هو لها على الفور بحزمٍ وإندفاع:



_مش عارف شاغلة نفسك ليه ، ما هو حر ، وبعدين البت مع امها في بيتنا يصح يدخل عليهم الأوضة؟ حتى ولو هى مراته ؟ فين عقلك؟، ابنك صح يا دلال ، ومش عايز يقولك كده عشان محترم رأيك ومش عايز يصحح لك اللي انتِ تايهة عنه , وبكرر لك اللي قولتهولك لما قولتيلي ان فرح مش قاعدة على راحتها ، البنت مش متعودة على كدة ، ولا كانت مع عيلة وناس  ، سيبي كل واحد في حاله زي ما هو ، متحاوليش تغيري حد يا دلال ،لو كل واحد هيحاول يعدل على التاني يبقي مش هنرتاح!




        
          
                
لم يردد كلماته من فراع ، بل كلماته هذه أتت من تراكمات راكمها لها من تدخلها في حياة الآخر وما لم يتم ذكره ! ، ومن تدخلها في شأن "غسان" وموضوع مكوثه هنا هو وزوجته دون أن تفكر بحالة الأخيرة قبل ان يحدث شىء ، طالعته بإنصاتٍ ودافعت عن نفسها سريعاً :



_مش قصدي يا "حامد" ، أنا بس عايزة الدنيا بسيطة وسهلة كدة.



ضحك على برائتها بعد فعل الشىء وضرب كفها بخفةٍ وهو يردد بصوتٍ منخفض  على ما  مازحت به الآخر بندبٍ:



_بسيطة وسهلة بعد ما حرجتي ابنك ، وخليتيه يخرج ويسيبك؟، يا ولية بطلي تيجي عليه بالكلام , فاكراه غسان هيقابلك الند بالند ويهزر ،ما انتِ عارفة ان بسام  راجل خجول، راجل حي زي أبوه!



ردد الأخير بسخريةٍ وتعالى زائف ، نظرت له بشكٍ مضحك فضحك عليها وربت على ظهرها داعياً لها قبل ان يخرج ويتركها:



_ربنا يعينك.



تمسك بسبحته الذي تركها قبل ان يدخل المرحاض وعاد ناحية الصالة ،فوجد "بسام" يطرق الغرفة طرقات متواصلة بصوته الذي تعالى دون ان يفتح الغرفة التي توجد بها شقيقته وزوجته:



_يلا يا "وسام" يلا يا "فرح"، الفطار جهز!



على صوته هذا خرجت "حنان" من الغرفة الأخرى وابتسمت تلقي تحية الصباح فرد مبتسماً بلباقةٍ حتى هرولت تسرع حتى تساعد والدته ، اما هو فالتفت ينظر  ليجد "والده" يسحب مقعد وجلس يفتح مصحفه  لقراءة سورة الكهف فاليوم يوم الجمعة!



إلتفت يضع مفرش السفرة وجذب المقاعد في ترتيبٍ بعدما فتح الشرفة التي أسفل والده وصرّح في مزاحٍ جعل والده يبتسم من بين القراءة :



_نور ربنا أحسن يا حج ..يا مؤمن!



ابتسم ووجد "فرح" تخرج من الغرفة أولاً في ابتسامة واسعة رددت بها لهما:



_صباح الخير يا عمو ، صباح الخير يا بسام.



رفع "حامد" رأسه يرد في رفقٍ قبله:



_صباح النور يا حبيبتي ، روحي بسرعة  اغسلي وشك وتعالي اقعدي عشان الفطار يلا.



وافقته دون النظر للآخر الذي وقف بضيقٍ من اقتحام "والده" فيما رحلت هى وخرجت شقيقته خلفها لتغسل وجهها وبعد قليلٍ انسحب هو ناحية الشرفة إلى ان تنادي والدته كي يحول الاطباق معهن! ، أخرج هاتفه يرسل لشقيقه كما  أرسل ، فبين وقت والآخر يطمئن عليه وعلى زوجته ، وعادت أنفاسه من جديد وهو ينظر في الفراغ مفكراً بأمر "عز" فأمر فتح هاتفه يرتبط بصديق لـ "غسان", ولا يعلم أي منهم أي معلومة عنه حتى الآن!




        
          
                
غيابه يرتبط بأشياء كثيرة منها سعادتها وسعادته ، فسعادته بسعادتها ، كما يرتبط بأمر تحديد موعد الزفاف بعدما انتهى طلبه لغرفة الصالون والخشب الجاهز بما عليه فقط ينتظر يوم قدومه حتى يصعد الشقة، شرد لكثيرٍ بخصوص"عز" وحالته المجهولة ، فحزنه عليه كحزن الشقيق لشقيقه !



هل شرد لكثيرٍ هكذا؟ لم يلاحظ وجودها وهي تنظر له إلا عندما رمش فضحكت بخفةٍ تتساءل بمشاكسةٍ خفيفة كخفتها عليه:



_سرحان في ايه؟



لم يفكر ولو ذرة بل أجاب بصدقٍ وعينيه لا تفارق عينيها:



_في فرحنا.



زارها الخجل المفضل له ما ان رأى وجنتيها تتورد أمام عينيه المتيمة بها ، رأى انعكاسه بها ، رأى وميض لا يستطيع تفسيره ، ولكنها من تشجعت تسأله كعادتها :



_ممكن أقولك حاجة؟



_لأ



مازحها بذلك وهو يبتسم ببلاهةٍ ناظراً نحو عينيها الجميلة ، الذي وصفها بذلك ، فضحكت "فرح", توكز ذراعه ومازحته:



_دمك خفيف أوي!



لا يعلم أسخرت أم صارحته بصدقٍ على أية حال تشبت في عينيها وقال بصدق هو هذه المرة:



_دا مع اللي بحبهم بس!



توسعت بسمتها الهادئة وتاه عن ما تريد قوله كما تاهت هىٰ ، ولم يستمر هذا طويلاً إلا وصارحته :



_علفكرة أنا كنت خايفة عليك أوي امبارح ، كان عقلي قاعد بيودي ويجيب ويفكر، وكل ما أقرر أنزل أدور على القسم ده فين ماما تمنعني أنا ووسام، وانت مش موجود مبحسش بأمان كنت بحسه وانت هنا!



تعلقت عينيه معها وهي تتحدث وصمت منتظراً نهاية حديثها ولكنها حولت هذا سريعاً وهي تصرح بمرح هذه المرة:



_بس تصدق؟ "وسام"في غيابكم شخص تاني مكنتش أتوقعه أبداً ، يعني لو هتقولي أنا فضلت ليه ومتمامسكة هقولك عشان هى كانت قوية أوي في غيابكم رغم انها مبطلتش عياط .



علم شخص الأخرى الذي به من صفات توأمه الكثير ، فلم يتردد في قول ذلك حينما صارحها  بفخرٍ:



_وسام زي غسان بالظبط ، حامية وجريئة ووقت الضعف مبتبينش قد ايه هي ضعيفة بس هم الاتنين من جوه ضُعاف أوي وقلبهم طيب مش حمل حاجة!



حينها لم تمنع ابتسامتها وفضولها بل سألته في إراده لمعرفة شخصيته أكثر:



_وانت ايه بقى زيهم؟؟




        
          
                
ضحك ممسكاً كفها في مشاكسةٍ ورمش بمرح قائلاً :



_أنا على الله حكايتي!



ضحكت وتمسكت بيديه ، فآعتدل يخرج أنفاسه مقرراً الاجابة بجديةٍ وصدق دون تفخيمٍ ، فبدأ يصارحها بقول:



_أنا شخص أوقات كتير بحس انه مش مفهوم ، وأوقات تانية بحس انه صعب وطباعه صعبة عن اللي حواليه حتى لو بان قد ايه هو بيجبر نفسه على انه يعمل بأصله ويحترم اللي قدامه ، مع ان من جوايا ببقى محتاج اطلع عينه ، بس أنا لا مش زيهم يمكن أكون اصعب  منهم في حوار الطيبة ده ، بس الأكيد ان بحترم اللي بحبهم وبخاف عليهم ووقت ضعفي بخفية عادي بس بيكون ظاهر لكن مبعرفش أتكلم ساعتها وأقول حاجة ، يمكن غسان بيتكلم عني ، وصبور أكتر مني وعصبيته مش صعبة زيي،عشان أنا في عصبيتي مببقاش شايف ان الحركة دي ممكن تبقى خطر فبضر اللي قدامي ، واللي قدامي ساعتها بيبقى غسان ، شاف من كتير برضه تصدقي؟



ضحك "بسام" بآخر حديثه فبادلته الضحك وهي تردد:



_مكنش باين عليك خالص لحد ما سمعت انك كدة  من أكتر من شخص !



فتعالت ضحكته وهو يشاكسها مازحاً:



_سيبك من اللي بيقولوا ، المهم انتِ بتقولي ايه ؟



هل سألها عن شخصه بجديةٍ ، طالعته فوجدته يبتسم منتظراً بالفعل ، كعادتها لا تستطع ترتيب الحديث فيخرج بعفوية دون تفكير كما حدث الآن:



_شايفاك..شايفاك حلو يعني و..



غمزها  ومال يوكز كتفها برفقٍ وقال ضاحكاً مقاطعاً عفويتها معه:



_مهم ده برضه!



ابتسمت في خجلٍ ولاحظت وقوف "وسام" بضجرٍ من خلفهما حينها نطقت بعدما صمت الاثنان:



_ايه؟ ، وصلة النحنحة انتهت؟ 



حرك الاثنان رأسهما في ضحكٍ فرددت هي بحنقٍ زائف وقصدت الضغط على التفسير:



_طب يلا عشان الفطار جهز ، وأنا اللي حولته لوحدي ها!!



رفع شقيقها ذراعه عليها وهو يخرج مرددا بمزاحٍ:



_قلبك طيب يا ويسو، خلاص بقى



انهزمت وضحكت تلقى له قبلة طائرة كما فعلت مع "فرح" التي بادلتها اياها وهي تجلس جوارها وجوار "بسام" الذي ردد البسملة مثلهم ، وبدأ الكل في تناول الطعام ولم يقطع العشوائية في الحديث هنا والهمسات هناك إلا طلب "وسام":



_ ما تاخدني معاك يا بابا عشان خاطري ، نفسي أشوف نيروز واطمن عليها وعلى غسان.




        
          
                
ظهر رفق "والدها" في رفضه حينما قال:



_مش هينفع عشان الزيارة ،وبعدين انتِ عندك امتحان بكرة ، ومذاكرة امبارح ضاعت بسبب الظروف ، عوضي النهاردة ومتشغليش بالك ومتقلقيش ، ولما ترجع ابقي اطمني براحتك.



هزت رأسها رغما عنها ، فيما أكمل "حامد" بتفسيرٍ:



_ بقولك يا أم غسان ، استني مني مكالمة النهاردة لما امشي عشان أقولك إذا كنتي تطلعي انتِ وفرح تجهزي شقة غسان عشان نيروز ترجع ولا لأ



قاطعته هى بإندفاعٍ سىريع:



_ما نطلع ما احنا معانا المفتاح ،  غسان سايبه اهو!



حدجها بتحذيرٍ من اندفاعها قبال "فرح"ووالدتها دون تفكيرٍ ووضح بطريقة ليست مباشرة:



_نستأذن الأول يا أم غسان ، البيت ليه حرمة مهما كان ، ولما أتأكد انهم راجعين ، وان رجعت هقولك هي هتيجي تقعد عند امها فترة ولا هتطلع ، لسه  اما نشوف ابنك هيقولها ايه!



فهمت مقصده الأول. فتنحنحت بحرج وتفهم قبل ان تأخد عنها "حنان" مفهوم خطأ عن سيطرتها ، فيما لاحظ "بسام" كلمات والده  ووضح:



_من الأفضل تبقى عند طنط سمية عشان هى اللي هتقدر تساعدها عن غسان اليومين دول .



أرسل له "والده" رسالة أخرى بعدم التدخل الزائد ووضح في ابتسامة صغيرة أمامهم:



_والله هما الاتنين أحرار ، هو حر يقعد مراته جنبنا أو فوق دي بتاعتهم هما مع بعض ،المهم يبقوا كويسين وخلاص.



حرك رأسه في تفهمٍ لوالده ، وعاد يكمل طعامه فيما لم تغفل "حنان" عن سيطرة "حامد", وعقله المتفتح ورزانته ليس هذا الموقف وحده ما ظهر لها هذا بها بل أكثر من موقف من خلال إقامتها هنا هذه الأيام ، فإزداد اطمئنانها على زواج ابنتها في جو عائلي كهذا!! ، ورأت من عقلية "دلال" أن بوجود زوجها تُصبح القدرة على اخماد ما يفعله وسواسها كحماة بالفطرة أو بدونها فعلى أرض الواقع خاصة واقع مثل واقعها بمنطقتها السكنية هناك يحدث أكثر من ذلك لذا تهاب دائماً ان يوقع ابنتها القدر في والدة زوج شديدة ومتحكمة!



_________________



« أحببتك مُرغمًا ليس لأنّك الأجمل بل لأنّك الأعمق فَـ عاشق الجمال في العادةِ أحمَق »- محمود درويش-



ليس جمالها الشىء الذي جذبه  ناحيتها ، رغم ان جمالها كان سبب في ضياعها أولاً ، وكان سبب في توجية النظرات ناحيتها ، فعندما كان أحمق التفت لها في البداية ومنع نفسه لأجل صديقه..




        
          
                
الآن معه بعمقها وجمالها وبكل شىء، وكأنها عوض عن كل ما عاناه ، لا يُصدق بأن حتى هذه اللحظة هو هنا جوارها على فراشٍ سمحت له بأن يشاركها به منذ فترة عندما وثقت  وما بعده سمحت بأن يجعلها ملكه وأن يأخذ الحق الذي كتبه الله له في كتابه ، فالتزامها من أول الأشياء في تغييرها.



تابع ملامحها الجميلة عن قرب وهى تستند على ذراعه وخصلاتها الطويلة السوداء الناعمة خلفها كالعادة ، أكثر ما كان يهابه هو الخوف وعدم السيطرة عليه ،. لكنه فعلها بواسطته ضيع كل مُر لديها ، حينها فقط ولأول مرة شعر بأن هناك راحة أخرى بين ذراعيها الحانيتين ، هناك سكينة وقُرب ضيع كل شقاءه وارهاقه بأفكار عقله ، وفكرة بأنهما أصبحا طبيعين تسعده ، تمنى لو توقفت اللحظات إلى هنا دون عقبات أخرى ، فيما كان فخره بها يزداد!!



وتفكيره وحرصه بما يعلم بأنها ستخاف منه أول شىء بعد ما حدث بينهما ، اول ما ستخافه بالطبيعة هو تفكيره، تفكيره ومشاعره لأنها لم تكن -عذراء-



عمل على أن لا يجعلها تشعر بهذا النقص أبداً ، حركت "فريدة" رأسها على الناحية الأخرى وتركت ذراعه ، فتحرك لينهض حتى يدخل المرحاض وعاق سيره بقدمه دهان جرح ساقها الذي وقع ولم تضع منه وتناست .



ابتسم "آدم" يلتقطه واسنده على الوسادة حين الخروج ، والتقط بخفةٍ ثياب من الخزانه تناسب المكوث وبنفس الوقت الخروج ، ودخل بها ناحية المرحاض..



إغلاق الباب جعلها تتملل في الفراش ببطئٍ ومطت ذراعيها محاولة النهوض كي تجلس بعدما فتحت عينيها بتشوشٍ ، إعتدلت تبحث عن هاتفها كما اعتادت وتوقفت يديها عن البحث ما ان تذكرت آخر الأحداث على ذاكرتها ،ابتلعت ريقها تنظر في مكانه الخالي وسمعت صوت المياة في الداخل ، فإعتدلت  وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة ، ربما كانت ابتسامة الراحة لمَ كانت تخافه ، الآن ازداد حبها له أضعاف وازدادت ثقتها بنفسها ما ان استطاعت تخطي كل شىء ، شردت لكثير 



وزاردها الخجل ما ان وجدته يخرج من المرحاض بعد وقتٍ فهربت بعينيها تتصنع الانشغال في الهاتف وتوقعت محاصرته لها ما ان وجدته بخفةٍ أمامه مجففاً  خصلاته فجلس جوارها حينها رفعت عينيها تبتسم لملامحه وردد بإبتسامة عذبه مرجعاً خصلاتها من على جبهتها وظل تمسكه بلقبها المعتاد حتى في هذه الجملة:



_صباحية مباركة يا شاطرة.



لم تمنع ما تفعله دائماً وتخلت عن أي مشاعر وحتى الحرج ما ان ضربت فخذه بغيظٍ ورددت بضجر:



_متقوليش يا شاطرة .



حينها ندمت ما ان غمزها وهو يميل وهمس في جراءة مازحاً باللقب الذي كان من المفترض قوله لولا تغييره :




        
          
                
_يا عروسة ، ولا تزعلي!



ابتسمت بحرجٍ ، خجل قليل ما يظهر بطبعها ، وجدته يقبل وجنتيها ثم عاد يضع قبلة على جبهتها ، فإقتربت بنفسها تربط ذراعيها خلف ظهره تحتضنه في تشبتٍ وتحدثت بصدقٍ:



_كنت عايزة أقولك شكرًا على كل حاجة ، شكراً على حبك ليا وتقديرك لكل الوقت ده بصبرك اللي متوقعش حد مكانك كان هيعمل كده ، وأيوة  شكراً على حبك ليا عشان اكتشفت ان حبك ليا مختلف  وانك قدرت وصبرت



توسعت ابتسامته ما ان بادلها العناق ممراً كفه على خصلاتها ومازحها بقوله المعتاد:



_هو مش المفروض  ولا ايه؟



أصبح بعد الآن من المفترض  ، ضحكت وهي تخرج وتعلقت عينيها بعينيه وهي تردد بقبول:



_من ساعة ما اتكتب كتابنا وبقى المفروض ،  المرة دي مش هقولك اتجوزتني؟ خطبتني؟ عشان خلاص الفاس وقعت في الراس!



طالعها بأعين ضيقة متشككة من آخر جملة رددتها فضحكت قبال كلماته الحانية:



_ ٱهم حاجة بالنسبة ليا هى راحتك وسعادتك ، غير كده فأنا عاطي وعود قد كدة على اني مش هأذيكي ولا هاجي عليكي.



لم تكتمل كلماته الجادة بل غمزها بجراءةٍ وهو يكمل بمرحٍ:



_ بس أهم وعد بقى ، وعدي لـ "أبو الصحاب " ، أصلي عامل حسابي يخرجلنا على عيال تقوله يا خالو ، ايه رآيك؟



ضحكت "فريدة" بخفةٍ وعلمت من اللقب الذي ردده انه شقيقها "حسن" حيث  انه مدون رقمه بهذا اللقب ، نظر نحو ضحكاتها العالية بسعادةٍ ولم يشعر بنفسه إلا عندما وجد ذاته يردد بعمقٍ قبال عينيها وملامحها التي أسرته منذ أول مرة:



_أنا عندي العالم يقف وأنا ببص على ضحكتك وسامعها..عندي ده بالدنيا كلها واللي فيها!



ابتسمت بتأثرٍ وأهبطت عينيها نحو سوار يديه الذي لا يخلعه ولا يبهت لونه أبداً في تلك اللحظة تلمست موضع رسمة عينيها على سواره ، فوضع كفه الآخر على يديها واقترب يهمس بهمسٍ أسرها في تلك اللحظة خصيصاً:



_بين ايدي وايدك أغلى حاجة وأجمل حاجة شافتها عيني 



أخرجت أنفاسها الدافئة بالقرب من وجنتيه التي تلمست بها لحيته الخفيفة بتأثرٍولمعت عينيها من ما حصلت عليه من هذا الشخص الذي كان كطوق نجاة من مكان كانت به بوضع الغريق!  حينها لم تترد لحظة في أن تسند رأسها على كتفه وأغمضت عينيها في سلامٍ وثقة بوجود  أكبر درع تحتمى به الآن بعدما سقطت حصون القلاع خاصتها وصرّحت بما تصرّح به دائماً ، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة:




        
          
                
_جمع الله فيك الصاحب والحبيب والحياة والأمان وكل حاجة حلوة شوفتها يا آدم!



الاختلاف في أنها سمحت له بما  كانت لم تستطع ان تفعله بسبب حادثها ، هنا تناست كل شىء بسببه هو ، ابتسم  ممراً يديه على ظهرها ونطق:



_انتِ اللي ربنا مجمع فيكِ كل حاجة حلوة مشوفتهاش قبل كدة ، وعوضني بيكِ ودي آخر حاجة كنت أتوقعها عشان بقول أنا عملت ايه حلو كدة عشان تبقي من نصيبي يا "فريدة"؟



قبل فروة رأسها ثم اعتدلت بعدها تطالعه بحبٍ  وتاهت عينيها اللامعة به ما ان حاولت ان تردد بأسفٍ ما توقعه:



_كنت فاكرة انك عشان حبتني يبقي عملت حاجة وحشة ، لإن كنت حاسة ان محدش يستحقني بعد  اللي حصل ، أنا مش راجعة دلوقتي  أفتكر واحط في دماغي زي الأول أنا بس بتأسف ، عشان انت من حقـ..



عارض ذلك حينما أمسك كفها في رفقٍ رغم الحزم الذي نطق به:



_أنا من حقي مخلكيش تكملي اللي عايزة تكمليه عشان مش من حقي أسمعه ولا كمان من حقك انك تعتذري عنه ، من حقي حاجة واحدة بس..اني أعيش معاكِ في هدوء وراحة بال وأنا راضي..ومن النحية دي اطمني أنا راضي!



تعلقت في عنقه تعانقه رداً عن كلماته التي طمأنتها أكثر وأكثر ، ورددت رغم مزاح الكلمات ولكنها رددتها بتأثر وهي تستخدم  نفس كلماته:



_اللي عينيهم حلوة يتحبوا أوي.



وأرسل لها رسالته بمزاحٍ ما ان اعتدل يمسح خصلاتها بفعل القطرات التي هبطت من رأسه:



_ وحلويين ويتشالوا فوق الراس كمان.



هل قصدها للتو؟ ، ابتسمت وكادت أن تنطق بشىءٍ ولكنها توقفت ما ان استمعت الطرق على الباب ، فإعتدل ينظر نحوها فيما اعتدلت هى تهبط قميصها على ساقيها ونهضت تلتقط ملابسها مما جعل وقوفها أمام الخزانه يخفيها من عين الطارق الذي فتح له ما ان وجدها كذلك ، فتح ووجدها "فاطمة" التي ابتسمت تعطي له العلبة الكرتونية المغلفة التي جاءت لعنوان المنزل وبدأت:



_صباح الخير ياحبيبي.



_صباح النور يا فطوم ، ايه ده؟



اعتدلت ما ان أخذها من يدها وفسرت بهدوءٍ وابتسامة:



_مش عارفة بس لقيت حد بيخبط على الباب وطلع مندوب وعطالي دي بإسم "فريدة سليم" وقالي الأوردر مدفوع قبل ما اعطيه حاجة.




        
          
                
ورغم غرابته ولكنه ابتسم وأكملت هى بتقديرٍ:



_علفكرة أنا عملت الفطار وجميلة صحت معايا  تساعدني ،  فسيبتكم بقا لحد ما يخلص ، يلا نادي "فريدة" وتعالوا على ما الولاد ينزلوا من فوق أصلهم طلعوا و"بدر" قالهم يفطروا  معاهم ، صاحيين بدري ورايحين لـ "نيروز".



حرك "آدم" رأسه مع الكلمات وأسند العلبة وهو يردد:



_ماشي ، هجيبها ونطلع عشان برضه نخلص ونروح على عمي علطول نقعد نستنى هناك على ما تيجي لو هتيجي النهاردة.



ابتسمت تحرك رأسها وكادت أن تلتقت ولكنه غمزها غمزه شقية عندما مال يهمس:



_بقولك ايه؟ ، ما تزغرطي لأخوكي وانتِ حلوة كدة!



عقدت "فاطمة" حاجبيها بعدم فهم وسرعان ما وضعت يديها على فمها بغير تصديقٍ وشاكسته متساءلة :



_عريس؟؟



تشدق وضحك بوسع ما لديه وظهرت سعادتها بعينيه هو ،فبادرت في عناقه بلهفةٍ وهي تردد:



_ألف مبروك يا حبيب قلبي ،ألف مبروك .



رد عليها في تأثر لفرحتها التي قالت بها مجدداً:



_أنا فرحانة أوي ونفسي بجد أزغرط بس لما نطمن على نيروز الأول عشان وردة متزعلش لو عملت كدة  دلوقتي!



تفهم ذلك وحرك رأسه موافقاً فرجعت في حرجٍ تشير له بأنها ستذهب لتكمل ما ستفعله، فيما دخل هو ينظر نحو العلبة وعلم انها بداخل المرحاض منذ ان فتح الباب , اعتدل ينتظرها لتخرج وفتح هاتفه فوجد"بسام" يرسل له بأن يسرع ليجلس معهم ومن قبل ذلك ان يصلوا الجمعة معاً ، رد عليه موافقاً ، حينها خرجت هى من الداخل ، والقطرات تسقط من خصلاتها فإقتربت ما ان اعتدل يردد في ابتسامة هادئة :



_الأوردر  ده جاي بإسمك .



توقفت تتذكر للحظاتٍ ثم ابتسمت في حماسٍ أخفته وهي تومأ له ، فسألها بإهتمام:



_يعني انتِ عارفة؟ مش مبعوتلك من حد؟



_لأ ، أنا اللي طلبته!



نظر "آدم" في استغرابٍ ووضع هاتفه في جيبه تزامنا مع سؤاله:



_وفيه ايه ده؟



مشطت خصلاتها آنذاك في ابتسامه وهي تنظر له بالمرآة ورددت ببساطةٍ:



_مفاجأة .



نظر "آدم". في ريبة مصطنعة ونطق بمزاحٍ:



_ بخاف من المفاجآت ، ولو منك  حقي أزود خوفي أضعاف.




        
          
                
ضحكت "فريدة" وهي تلتفت ناحيته ودفعته بفظاظةٍ ناحية الباب:



_لا متخافش ، وأخرج بقا استناني بره معاهم على ما ألبس عشان نروح عند ماما ، انت اكيد هتيجي معايا صح؟



وافق برأسه ، وعقد حاجبيه من دفعها ناحيته ، ولكنها أعطته ما يشعر بأن هناك شىء تخفيه في هذه العلبة:



_أخرج وهبعتلك ماسدج تدخل بعد خمس دقايق بالظبط  ، يلا بقا طرقنا.



وقف يعي ما قالته ، وسرعان ما وجد نفسه الباب يُغلق في وجهه ، فهمس من بين شفتيه بذهول:



_يا بنت المجانين!



ضحك "آدم" يضرب كفه بكفه الآخر بيأسٍ منها ، والتفت يقترب من الصالة الذي وجد بها "بدر" مع الصغار ،. فإبتسم  وهو يدخل بينهم وهم يتعلقون في ساقه وحمل "يامن" باعتباره أصغرهم مقبلاً وجنتيه الممتلئة في مرحٍ وضحك يردد بمزاحٍ يخص الأطفال:



_حبيب قلب عمو "آدم" وربنا 



ضحك الصغير وهو يتعلق برقبته مع ضحكات الصغار الذي يشاكسهم "بدر"  الذي رفع رأسه بهذه اللحظة يخبر شقيقه بصوتٍ منخفض:



_مبروك!



ذُهل من نقل شقيقته الخبر بهذه السرعة ، ولكنها أخبرت شقيقها فقط ، نظر بدهشةٍ ووجد نفسه في أحضان شقيقه الذي بادله العناق مشاكساً اياه بعدة كلمات  آخرها قول :



_ربنا يسعدك يا آدم ، مراتك بنت حلال وغلبانة، خد بالك منها ومتزعلهاش.



أوصاه بذلك ولم يرض التحدث أكثر في هذا المحور الذي غيره ما ان فسر له:



_أنا ماشي أنا و"وردة" و"يامن" ،  رايحين المستشفى ولما نرجع  هنرجع على العيلة هناك ، اسبقونا بقى!



_كدة كدة هفطر ورايح أنا و"فريدة" ..



صرّح بذلك ، فوافقه الآخر ، فيما انحنى هو يقبل وجنتيّ الصغير ، وعانق  التوأمان ثم جلس ووضع "جنة" على ساقة مقبلاً وجنتيها ، الأقرب لقلبه دائماً فتاة صغيرة تشبه والدته تماماً كما تشبه والدتها ، كلما يطيل النظر إليها يشعر وكأنه عاد بالزمن ليلتقي بوالدته ، تمنى رؤيتها ولو للحظة ، خاصة هذه اللحظة كي يخبرها بأنه تزوج ويشاكسها بإنتظارها لصغاره كما كانت تتمنى رؤيتهم ، ابتسم في حنينٍ قطعه صوت باب المنزل الذي أُغلق خلف شقيقع وعائلته الصغيرة! ، نظر جواره فوجد "جميلة" تبتسم فإبتسم ما ان استمع لسؤالها:



_هى فريدة لسه مصحتش ولا ايه؟



وقف بشموخٍ عكس قوله المازح وهو يرد:




        
          
                
_واللهِ مش عارف اقولك ايه يا جميلة، بس هي صحت وطرداني من الأوضة !



تصنع البراءة ما ان جعلها تضحك بكلماته وقال معترفاً:



_علفكرة أنا جنب أختك دي ملاك!



هل ردد لقب كان يردده لها "عز" ما ان ترتدي ملابس بيضاء؟ ، أصبحت ملابسها سوداء منذ رحيله ، ابتسمت في كسرةٍ  استشفها الآخر دون معرفة السبب ، فقط يعلم السبب الأساسي من غياب لصديقة! ، وقبل ان يردد لها بأن تطمئن قطعه صوت الرسائل منها ، فأخرج هاتفه يرى محتواها تزامناً مع  رحيل الأخرى من أمامه :



_« تعالى يا خويا»



_«اخوكي دا يبقى ابن زينات وعايدة يا تنحة!»



أرسل لها هذا كتابةً بغيظٍ وأغلق الهاتف وهو يقترب من الغرفة الذي فتحها بعفويةٍ ورفع رأسه بتلقائيةٍ ووجد ما جعله ينبهر انبهار لم ينبهره من قبل!



هل كانت كحورية في هذا الرداء؟ ، انفرجت شفتاه في إعجاب وذهول، ورمش بإهدابه ولم يشعر بنفسه إلا عندما اقتربت تتمسك بكلا كفيه وسألته بتوترٍ محاه هو فيما بعد:



_ايه رآيك في الخمار الفرنسي ، حلو عليا؟



رداء إسلامي كامل واسع لا يظهر جمال قوامها الذي كان يجلب الانظار ناحيته ، وجهها الدائري الأبيض وملامحها الصغيرة وخلو وجهها من مساحيق التجميل وعينيها اللامعة بوميض التأثر عندما دارها في مشاعر مختلطة نطق بها :



_ هو مش حلو عليكي بس ، هو مفيش في حلاوتك فيه!



تأثرت وأضاف هو بفخرٍ شديد:



_عاملة زي النجمة فيه ، بتلمعي وبعيدة ومحفوظة ومتعرفيش مخبية ايه ، أنا..أنا مبسوط وفخور بيكِ أوي يا شاطرة!



تخبط بقوةٍ حينها اندفعت بسرعة في أحضانه وهي تبتسم بملئ شدقيها ، فمرر يديه على ثيابها ما ان قالت:



_مبسوطة انه عجبك أوي



_وحاجة زي دي  متعجبنيش إزاي؟، أنا عايزك باللبس ده علطول بره.



اعتدلت تنظر نحو مظهرها في المرآه ورفعت عينيها توضح له :



_متقلقش أنا طلبت منهم كذا واحد بألوان مختلفة أنا وأسماء طلبناهم مع بعض ، يعني زمانها دلوقتي وصلها  الأوردر بتاعها ، كنت بقول أول ما هيجي هعتمده وهلبسه خلاص، واهو حصل واتبسطت أوي انه جه وأنا خارجة!



رأى حماسها وسعادتها فقبل رأسها في فخرٍ ، وتأثر بالوقت ذاته ما ان سحبت الأخرى لطريق الاستقامة وليس في الملابس فقط! فقد سمعها تحدثها وهي تحثها على الصلاة وتذكرها بها! ،إعتدلت تفرك يديها وهي تستعد للخروج كي تريهم مظهرها ولكنها وجدت منه سؤاله الصريح:




        
          
                
_جبتي فلوسهم منين ؟ ومتقوليش انك قولتي لاخوكي أو مامتك عشان بجد المرة دي زعلي هيكون وحش!



حذرها فنظرت بتمعنٍ ومازحته وهي تضرب ذراعه  وضحكت تردد بنبرةٍ بها أثر الضحك:



_ايه يا عم دا انت قلبك اسود أوي! ، لسه فاكرهالي؟؟ 



أكد وهو ينظر منتظراً الجواب فإعتدلت تصرح لمَ لم يتوقعه:



_بصراحة بصراحة يعني ، الفلوس دي مش من حد بعينه ، يعني أول ما جيت هنا ماما جابتلي فلوس ، وحازم كمان فعينتهم وجه عليهم فلوس بدر صمم يديهاني ومرضتش والله أخدها منه ورجعتهم فبعتهم مع "وردة" ومعرفتش أقول لا بعد ما رجعهم وده من زمان ، وبعد كدة عمو حامد  جبلي ظرف في مبلغ ولقيته سايبهولي مع "وسام" عشان متحرجش منه ولما جيت أرجعه عاندت وقالتلي بابا هيزعل ومينفعش تحرجيه وغسـان  بيجبلي علطول من فلوس محل الورد ولما بقوله لا بيقولي انتِ تعبتي فيه اكتر مني ومن صاحبته!،أما بقى ماما عايـ..



كادت أن تسترسل قبال ذهوله من كم هذه الأشخاص ، وردد بنفس الذهول:



_يخربيت عقلك ، ايه كل دول! ، مش كنتي تقوليلي ننصص سوا!



فضحكت "فريدة"وهي ترفع كفيها في مرح قائلة:



_لا دا الحمد لله اني مقولتلكش بقى!



ابتسم في هدوءٍ وأغلق ضوء الغرفة وهو يعطيها ظهره وفسر بعقلٍ:



_المهم ابقي عرفيني بعد كدة عشان كل دي جمايل يا شاطرة محتاجة تترد.



نظرت بإقتناعٍ واستعدت لتخرج ما ان طالعها بالكامل ، فإبتسمت بحماسٍ ما ان شجعها بيديه وخرج قبلها مصفقاً بكلا كفيه يجلب الأنظار ونطق بعلوٍ:



_بـصوا ، بصي يا فاطمة ، ركزي يا جميلة ، عايزكم تغمضوا عينيكم لحظة وتفتحوها ،  هوريكم أميرة من أميرات ديزني حالاً.!



سألت أذنيها وعينيها سؤالين : هل حقاً نطق بهذا؟ هل حقاً فعل هذا؟، استخدم جميع الطرق معها ، وتأثرت ما ان وجدته يعامل حماسها كطفلة لم تعيش  طفولتها بهذه الطريقة ، بل كان العكس في كل شئ! ، أغمضت شقيقته وشقيقتها عيناهما في حين انتظر الصغار في فضولٍ ، ٱما هى  فضحكت بسعادةٍ بالغة ما ان وجدته يمد كفه كي تتمسك به فتمسكت به ودارها وهو يردد بنفس العلو:



_يلا ..واحد ..اتنين..تلاتة، فتحوا!!!



فُتحت الأعين ولحظات من الاستيعاب وهناك سعادة وفخر وذهول! ، لمعت عيني "جميلة" وهي تشهق  بفرحةٍ فيما ضحكت "فاطمة" بغير تصديقٍ وهي تقترب وسمعتها تردد لهما في نبرة على وشك البكاء من عزم تأثرها بسعادتهما التي ظهرت بفعل بدايات ما فعله كي لا يكسر حماسها:




        
          
                
_حلو؟ 



دخلت بين ذراعي "جميلة" التي نزلت دمعتها تأثراً ورددت بتكبير:



_أووي ،أووي يا "فريدة "، الله أكبر  واللهم بارك ، لما شوفتك افتكرت حور العين !!



هل شبهتها بأجمل نساء خُلقت؟ لم ولن يوجد مثلهن في الدنيا؟؟ ، ابتسمت بإتساعٍ وهي تنظر ناحيتهما وناحية عينيه هو التي توسعت بفخر لها ، ووجدت حينها "فاطمة" تعانقها وهي تردد بهمس أولاً:



_ ماشاء ة الله. الواحد مش عارف يقولك مبروك لايه ولا لايه , الله يحميكي من العين يا حبيبة قلبي ويسعدك انتِ وآدم ، زي القمر وأحلى فيه ربنا يثبتك!



رددت دعوتها وما بعدها بعلوٍ ، فيما احمرت وجنتي"فريدة" وهي تنظر ناحيته وكأنه افتعل جرماً للتو ، ضحك يهرب من عينيها وسحب الصغار ناحية السفرة ، وعادت خلفه "فاطمة" وهي تحثهما وتركت الأثنتان يأتيا خلفهم ولكن بهذه اللحظة استغلت "فريدة" الفرصة وأرادت ان تشارك شقيقتها بفرحتها الثانية بينها الآن قبل الاقتراب ناحيتهم ، وما تتأكد منه بأنها ستجد السعادة بالغة من أجلها والمضاعفة ، فطوال حياتها حتى وان كانت بعيدة تتصنع بغضها ولكنها كانت تعلم بأن شقيقتها "جميلة" تُعرف بأنقى القلوب وصفاءها ، ولين الطبع وحب الخير بقوةٍ للغير!



_________________



_يا بنتي ارحمي أختك وسيبيها ترتاح ،  سيبي ودانها شوية يمكن  تنام ، هو لازم يعني تسأليها هتسمي بنتك ايه ؟ قال يعني البت بتمشي برأي غيرها أوي ، دك نيلة عليكي وعلى اللي عايزة خلف! 



رددت "سمية" هذه الكلمات المعروفة لمن! ، لـ "ياسمين" التي طالعتها بضجرٍ وهي تشارك شقيقتها الفراش جالسة جوارها لم تتركهها بعدما بدلت لها ثيابها تسترها كي يدخل عليها "حازم" ، الذي وقف يضحك الآن مع "غسان"و"حامد" الذي جاء قبل قليل 



عبست ملامح "ياسمين" وما  نصرها هو قول "حامد" الضاحك ':



_بعد إذنك يا أم وردة ، إلا "ياسمين" ، دي حبيبتي دي محدش يجي نحيتها ولا يزعلها دي تعمل اللي هى عاوزاه .



نهضت منتفضة بسعادةٍ كمن فازت بمسابقة وربحت لتخرج سعادة الربح بقولها وهي تقترب ناحيته:



_اقسم بالله انت حبيبي يا عمو حامد ، والله بحبك أوي زي بابا بالظبط!



كان قولها عفوي لدرجة كبيرة ، جعل الأخرى تنتبه بأن لحظة كهذه ينقصها وجوده جوارها ، أخفت لمعة عينيها الذي لاحظها"غسان" ، وأسرع يجلس بعدما وأخيراً تركت له "ياسمين" المكان بعدما كانت ترفض بعنادٍ قباله..




        
          
                
_وأنا كمان بحبك زي البت وسام بالظبط ، ادعولها بقى عشان امتحانها بكرة.



دعوا لها جميعاً ، وابتسمت "نيروز" ترسل له الإطمئنان كي يطمئن ما ان تحسس ذراعها برفقٍ ، ومن بين هذا الحديث تحدث يخبرها:



_لما لقوكي كويسة كدة قالولي ينفع أخرجك عادي ، مع اني برجح ان قعادك في المستشفى أحسن عشان متتحركيش ، بس انت مبتحبيش قعدة المستشفيات دي .



أكدت هذا بتقززٍ من هرومانات الحمل التي تزيد التقزز من كل شىء وصرحت:



_بصراحة أنا قرفانة أوي وشامة بريحة مش كويسة ، اللي هى ريحة المستشفيات دي ، فخلينا نروح وأنا مش هتحرك متقلقش!



وافق"غسان" برأسه فيما ابتسمت هىٰ تضع يديها على معدتها بتعبٍ وسألته وكأنها تريد ان تثبت لذاتها بأن صغارها لازالا هنا وبخير:



_كبرت شوية ؟



ضحك"غسان" واضعاً كفه على كفها وصرّح بما جعلها تغتاظ:



_بطيخة بتكبر يوم عن يوم على رأي "بسام"!.



اغتاظت وضحكت سريعاً وكل تخطيطها عن اخفاء خوفها عنه تبخر ما ان صارحته:



_أنا خايفة أوي ، خايفة يروحوا مني في أي لحظة .



وأضافت وهي تنظر نحو عدستيه وكأنها تبرر له  الخوف:



_أنا بحبهم ،بحبهم من قبل ما يجوا يا "غسان " ولما حملت فيهم كان حمل بذكريات كتيرة حتى ولو كانت أغلبها وحشة فأنا مش عايزة اتخلى عن اللحظات دي مهما كان ، هما الحلو اللي في كل الوحش..مش عايزاهم ينقصوا ، عايزاهم اتنين سالمين من أي أذى !



لمعت عينيها قبال تمسكه بكفها ووضحت بإختناقٍ :



_عايزاهم زيك انت وبسام زي ما كنت بتمنى من قبل ما أعرف اني هحبك واتجوزك وأحمل كمان في توأم! ، عايزاهم في كتف بعض ويحبوك عشان انت  أبوهم ويحبوني عشان اختارتك انت  تكون أبوهم .



تركها تفرغ ما بداخلها وتكبته ، ف لقنها بأفعاله واحتواءه الدائم بأن لا تخفي شىء بداخلها ، لذا أكملت بتأثرٍ به من الخوف ما ظهر له دوناً عن البقية المنشغلين في الحديث العشوائي:



_أنا راسمة تخيلات كتير واحنا مع بعض ، وحلمت أحلام حلوة نفسي أحققها معاهم لما ييجوا وسطنا ، ولسه بحلم ومش عايزة أوقف حلم ولا عايزة اتوجع لما يضيعوا أو واحد منهم يروح ، أنا مش مستعدة أبداً ..مش مستعدة واللهِ .




        
          
                
طمأنها بذراعه الذي احتواها سريعاً وهو يردد :



_مش هيروحوا ، مش هيروحوا يا "نيروز" ، ربنا رازقهم بأم حلوة شايلاهم ، أم قوية وهتمنع أي سبب يخليهم يروحوا ، حتي ولو كان نَفسي!



لمح لها بقوله ووجد الكلمات تخرج هكذا، لذا لم تنتبه هى كثيراً فقد طغى صوت "ياسمين" وهى تصفق مع صوت ضحكتها الذي جعلها تضحك ما ان  استمعت فهمس "غسان" لها بريبةٍ:



_اختك دي مجنونة ، ساعات بخاف منها!



_يا شيخ ؟ تخاف ؟ دا انت تخوف بلد!



رددتها "نيروز" بسخريةٍ وسرعان ما دافعت:



_متقولش عليها مجنونة ، دي أطيب حد شوفته في حياتي كلها .



ابتسم  "غسان" غير متفاجئاً من دفاعها هذا والذي رد عليه بصدقٍ:



_ دي حقيقة ، بس مش عارف مبنرتاحش في بعض ليه!



فلم يتردد قولها الصحيح التي رددته يإنتباهٍ:



_علشان زي بعض .



حرك حاجبيه  بمعنى قول "من الممكن"، وعاد يضحك الاثنان معاً ما ان سمعوا قولها :



_اقسم بالله يا عمو  بحبك أوي يا راجل يا محترم ! ، انت مالك النهاردة قاعد بتدافع عني ليه كدة؟ دا حازم معملهاش.



عدل "حامد" ياقته الوهمية ودفع "حازم" في غرورٍ جعله يضحك وهو يردد له:



_دا ايه قطع الأرزاق وجو تهدية النفوس ده يا حج حامد؟ احنا متفقناش على كدة!



لم تضحك هكذا منذ فترة ، وشقيقتها من تجعلها تضحك ، ولأول مرة يزداد  حب "غسان" كأخ لـ"ياسمين" لأنها تُسبب من فرحة وضحك الأخرى الذي لا يتوقف منذ ان دخلت، نهضت "سمية" لتدخل المرحاض تزامناً مع جلوس "ياسمين" بتعبٍ في حين اقترب "حامد" يقف جوار "نيروز" ومال بلحظة مفاجئة يقبل جبهتها برفقٍ مردداّ :



_ألف سلامة عليكي يا بنتي ، أنا كنت خايف أوي عليكي وكنت عارف اني بحبك بس مكنتش عارف ان ربنا  حط فيا حب ليكي كبير بالشكل ده ، انتِ غالية أوي ، غالية  وانتِ بالذات اللي بحسك من ريحة صاحب عمري الله يرحمه .



أدمعت عينيها وهي تعتدل ونظرت نحوه في تأثر كما نظرت نحو وجه"غسان" المبتسم وهو يؤكد ىها واقع اللحظة ، فمدت ذراعها ما ان انحنى يحتضنها برفقٍ قطعه همس ولده له وهو يدفعه بمرح:



_خلاص يا حامد ، خلاص..انت ما بتصدق؟



مازح والده الذي عانده وعانفها فتركه وهو يضحك متمنياً دوام هذا الحب بينهما ، أما هى فتشبتت بأحضانه وأغمضت عينيها تتذكر والدها الراحل،ثم اعتدلت ما ان اعتدل هو وجلس على  طرف الفراش يربط علي ساقها وشعر بخروج "حازم"و"ياسمين" ، فابتسم يصارحهما :




        
          
                
_البيت هناك وحش من غيركم أوي، دي حقيقة كنت عايز أقولها بس وسام وصتني أقولهالكم!



ابتسم الاثنان في تأثرٍ ، وعادت تبتسم هىٰ وهي تريح ظهرها ما ان غمزه والده لينهض حتى يحدثه على جانبٍ وبالفعل وقف الاثنان وسأله :



_قبل ما نمشي اعرف الأول انت هتقعد مراتك فين ، في شقتكم ولا عند امها؟



ففسر له "غسان" لما حدث بينه وبين والدتها:



_هي قالتلي هاتها عندي قولتلها أنا مش عايز ابقى متكتف في مكانك ، وعايز ابقى معاها ، وعرضت عليها تطلع تبات معاها فوق فوافقت من غير ما نتجادل!



شعر بالراحة من تخطي هذا الشىء ، وأخرج هاتفه يحدث زوجته ، فيما عاد "غسان" لها فوجد عينيها تدور بفعل ما أخذته من علاجٍ  وعدل الفراش مردداّ :



_نامي الشوية دول ، على ما نصلي الجمعة تكوني فوقتي عشان نمشي.



وافقته ولم تلبث إلا لحظاتٍ وقد غفت بسرعة أثر الدواء ، عدل الفراش أكثر وأدخل لها خصلاتها وهو يمسح وجهها بتعبٍ شارداً بحالتها النفسية التي تتوقف عليها كل شىء! ، وجد "والده" في الخارج بعدما نظر ووجدها غفت وحينها جاءت "وردة"و"بدر" فإستمع إلى "يامن" وخرج مسرعاً يحمله بشوقٍ  مدللاً اياه بعدما رحب بهم وصارحهم :



_لا نامت ، لسه  نايمة من شوية ، لو حابة تدخلي تشوفيها يا وردة ادخلي ، ادخلي اقعدي قصادها عادي.



أراد التخفيف عن ما شعرته بغيابها ، فإبتسمت بلهفةٍ تدخل وتركته بالخارج معهم ، فيما دخلت الأخرى وكعادة دمعتها القريبة ،. هبطت منها الدموع ما ان رأتها هكذا فإنحنت تقبل كفها بحنوٍ وحذرٍ وجلست بالفعل تراقبها فيما سأل "غسان" بالخارج "بدر":



_ جيبته ليه يا "بدر" ،  أنا فاكر ان وردة بترفض تجيبه معاها المستشفيات عشان بتخاف!



كان ومازال قرار صادم ، ولكنه ابتسم عندما تنازلت من عزم خوفها وقال بنبرةٍ هادئة مبتسماً:



_ومازالت واللهِ بتخاف كدة ، بس النهاردة  قررت تجيبه عشان  نيروز تشوفه ، شافت يعني انها لو شافته ونطق اسمها قدامها زي ما بيقولها ، مشاكلها هتتحل وهتبقى زي الحصان ،. فجارِتها وقولت  الله اكبر!



ضحك "غسان"و"حامد" ونظر في تفكيرٍ متأثر لهذا التنازل الثمين ، فالكل يعلم مدى خوفها عليه بقوةٍ لأنه وحيدها ، فعندما يمرض المرض الصغير تخاف وتهاب حدوث شىء ، فيبتعد به "بدر" عنها في أيام مرضه على الأغلب كي لا تتوتر!   وعلى هذا الأساس تهاب بعده عنها لساعات طويلة ، وأيضاً على نفس الأساس والمحور أكمل لهم من بين الحديث بعشوائيةٍ:




        
          
                
_أول يوم حضانة ليه بكرة ، و "وردة" من دلوقتي خايفة ومتوترة كأنه رايح امتحانات ثانوية عامة!



ضحك الإثنان وسعدا لهذه الخطوة ، فصرح "حامد":



_ خد بالك اني عامل حسابي هروح اجيبه من الحضانة دي التقاليد والعادات بتاع أول يوم ده !



ضحك "بدر" في حين أكمل "غسان" موضحاً هو الآخر:



_صح ، أنا كمان هجيله هناك ، كلنا  كنا مقررين نعمل كدة من أول ما قولت انك هتقدم له.



سعد  بهذه الأقوال فيما ضحك الصغير بين يدي عمه وصرخ بإسمه الذي كان ثقيل ولأول مرة ينطق حروف اسمه بطريقة صحيحة:



_غسان.



برقت عدستي "غسان", وهو يندفع برأسه ناحيتهم يردد بلهفة ، لهفة لا تخرج إلا قليلاً ، لهفة تُأثر بمن يراه هكذا يتعلق ويظهر ما لا يظهر به على يد طفل! :



_دا قال اسمي وصح  يا "حامد "! ، انا سمعت صح ولا ايه يا "بدر"؟



أكد له والده و"بدر" الذي ضحك بسعادة من هذا فعانقه "غسان" وسعادته بما فعله "يامن" جعلته لم ينتبه لقول "بدر" لعمه في تأثرٍ وصدق:



_"غسان "هيبقي أب حلو وحنين أوي يا عمي.



وافقه "حامد" وهو ينحني مقبلاً الصغير ، ونظر نحو الآخر بشرودٍ سعيد مفكراً بالآتي ، يتخيل ولأول مرة ولده وشكله وتعامله مع صغاره القادمين ، حينها تأكد بأن نسخة من "حامد البدري" تتكرر منذ ان وُلد حتى الآن لا يفشل في ان بُثبت له بأنه شبيهه ، حتى في وقاحته وجراءته التي كان يتصف بها "حامد" وما جعله يعقل  وينضج إلى هذا الحد هو سنه والتزامه الشديد.
_____________________



بعد مرور وقت ليس قليل ، في شقة "زينات" التي أصبحت تقيم بها مع "أسماء" بعد رحيل الآخرين ، بعد هذا الرحيل خصيصاً انكمشت "أسماء" في ركن بمفردها بحزنٍ على ما توصلت له بحالها مع عائلتها ووصل هذا  في أن يجعل "زينات" تردد لها الآتي وهي تضع الصينية على الفراش جوارها وهي جالسة:



_يلا ..يلا كُليلك لقمة عشان خاطر خالتك  زينات ، انتِ مأكلتيش حاجة من امبارح يعني لا امبارح ولا فطار النهارده وكمان داخلين على وقت غدا ومكلتيش؟ يرضي مين ده طيب؟؟



حركت "أسماء" عينيها ناحيتها وأخبرتها بتعبٍ بابتسامة متكلفة:



_مش عايزة ، شبعانة يا خالتو ، بالهنا والشفا انتِ.



نهرتها وهي تمازحها وذكرتها قائلة:



_أنا مش قولتلك يا بت بلاش خالتو دي؟ ، مش  قولتلك قوليلي يا ماما ؟وبعدين شبعانة ايه ده ؟ انتِ بتشتغلي خالتك؟




        
          
                
اعتدلت بعينيها التي  انفجرت بها وضاعت قدرتها على التماسك بل سالت دموعها بقوةٍ وهي ترتمي بين ذراعها وصرحت بتعبٍ وبكاءٍ:



_أنا تعبت ، تعبت أوي يا ماما ، مبقتش قادرة أستحمل اي حاجة والله العظيم!



كانت تعلم أنها ستصل إلى هذه النقطة من البوح التي فعلته سريعاً ما ان سألتها الأخرى بتعبٍ :



_مالك يا حبيبتي ، مالك يا قلب امك؟



هكذا خرج منها اللقب بعفويةٍ ، جعل الأخرى تبكي أكثر وهي تردد بنبرةٍ باكية:



_صعبان عليا نفسي وصعبان عليا أهلي، قاعدة أسأل نفسي من امبارح هو ليه حصل كل ده؟ ليه لحد ما وصلت بيا اللحظة ان دماغي هتنفجر،. ليه يحصل فيا كدة، يمكن لو مكنتش غلطت مكنش كل ده حصل!



حملت نفسها ذنب ليس لها وحدها فتلهفت الأخرى تصحح لها:



_متقوليش كدة يا حبيبتي ، متحمليش نفسك فوق طاقتها ، أنا مقدرة زعلك على أمك وأخواتك بس هما اللي عملوا في نفسهم كدة ومفاقوش، يشهد ربنا اني لما طلعتهم قدام عينك طلعتهم عشان خوفت عليهم برغم انهم أذوني، والله ما شفع لهم عندي غيرك ،عشان بحبك زي بنتي فريدة بالظبط وان مكنش كدة عشان انتِ مرات الغالي ، ربنا يخرجه بالسلامة،فأنا مش عايزاكي تفكري عارفة انها صعبة بس والله فترة وتعدي وقعادك هنا حاجة ملهاش مبرر للرفض ، لإنك مش هتتحركي ، دا بيتك وبيت جوزك اللي هتفضلي فيه معانا.



نزلت دمعتها بكسرةٍ وشعرت بها تحتويها بقوةٍ لذا لم تضع أمام عينيها موضع والدة زوجها حينما صرّحت بصدقٍ:



_حسن؟ ،حسن مبيحبنيش يا خالتو، أنا اللي فوقت متأخر، وبقيت حاسة اني مش هقدر اعيش معاه طول ما انا كدة ، أه انا بحبه ولسه بحبه بس كل حاجة ضغطاني وجاية عليا أوي لحد ما وصلت بيا اللحظة اللي مش عايزاها تيجي وهموت وتيجي في نفس الوقت..



تركتها تتحدث وتسرد فلم تتوقف وإسترسلت :



_نفسي يخرج أوي عشان وحشني ووحشني أشوفه كويس ، بس في نفس الوقت خايفة ومش عايزة اللحظة دي تيجي مع اني حاسة انها بتقرب كل يوم عن اللي قبله.. خايفة منها عشان قررت ابعد وأقوله اني هبعد ويطلقني عشان اللي باقي مني من طاقة مش هقدر استحمل بيها اللي كنت بستحمله في الأول ، خايفة من ده وخايفة عشان دايماً  بيعرف يخليني أثق فيه وبيعرف يلهيني وياخد اللي هو عاوزه ، خايفة يخرج ويجبرني اقعد فأقعد مضطرة عشانه ، وهو أصلاً مش حاببني!




        
          
                
تاهت وكُسرت ، فلمعت عيني "زينات" لأجلها واعتمدت نفسها أم لها ما ان ردت:



_ بصي يا "أسماء"، المرادي مش لا دا بيتك زي ما بتسمعي مني دايماً ، المرادي أنا امك وبقولك سيبي كل حاجة على ربنا ووعد اللي انتِ هتقرريه هقف معاكي فيه ومش هجبرك على حاجة ، ان شاالله حتى لو طلبتي تمشي ، هجبلك شقة تقعدي فيها واقعد معاكي ولا انك تحسي ان ملكيش حد كدة ، أنا في ضهرك وانتِ بنتي قبل أي حاجة.



كانت تريد هذا ، أرسلت لها الأمان  في صورة هذه الكلمات فإندفعت ترتمي بين ذراعيها تبكي بصمتٍ وما استطاعت فهمه من كلماتها الباكية هو :



_ربنا يخليكي ليا يا ماما .



تأثرت الأخرى والتي كانت ستبكي فدفعتها بمرحٍ تبعد عن جو التأثر الذي لا يليق بشخصها القوي:



_اوعي با بت كدة ، دا انتِ بقا نكدية ولا ايه؟ ،لا أنا مبحبش كدة ، قومي كُلي وروقي على نفسك أيوة اومال ايه!



ضحكت "أسماء" في حين اكملت "زينات" وهي تشير نحو العلبة الكرتونية التي اسندتها قبل قليل على المقعد:



_يلا كلي على ما نشوف البتاع اللي جايلك ده .



انتبهت له فإعتدلت سريعاً تسأل :



_ايه ده هو جه؟؟



سألتها "زينات" بعينيها فجاوبت الأخرى بابتسامة هادئة :



_ده الخمار الفرنسي ودريساتة  الواسعة ، أنا و"فريدة", طلبناه مع بعض عشان نلبسه ، زمانه جالها .



تفاجأت "زينات" من ذلك فيما لمعت عينيها أيضاً من هذا التطور وقالت :



_ربنا يثبتكم يارب ، أنا فرحانة بيكم أوي واللهِ .



ابتسمت "أسماء"بينما تابعت الأخرى تصحح لها:



_زمانها ايه يختي ، دا البتاع ده جاي بقاله يجي كام ساعة ، وحطيته لما كنتي في الحمام فكرتك هتاخدي بالك فقولت أفكرك ، قال زمانها قال..قولي زمانها على وصول آخر مرة مكلماني وقالتلي انها جاية مع آدم هي وجميلة ، ومعاها خبرين حلوين ربنا يستر منها دي بنتي وأنا عارفاها.



ضحكت "أسماء" بصوتٍ عالٍ. هذه المرة جعلت خالتها تضحك عليها وربتت على ساقها تحثها :



_يلا يا "سمكة "، كلي يلا و  قومي البسي البتاع ده وريلي شكلك فيه ، ٱكون عملت الغدا عشان "آدم" و"فريدة" ياكلوا معانا ، بألف هنا يا عمري!




        
          
                
ابتسمت من اللقب التي كانت تدللها به منذ ان كانت صغيرة كما كان يردده لها "حسن" حينما كانوا صغارا ،نفضت هذا من عقلها وبدأت تأكل لتراضي خالتها ،وزارها الحماس لتنهض كي تجرب الثياب الجديدة ، فتحمست تقرر فعل ذلك بعد دقائق.



نفس الدقائق التي مرت ما ان اعتلى صوت جرس الشقة ، فخرجت "زينات" تفتحه بضجر من إطالة مدة دق الجرس هكذا ، وحينما فتحت ضاع الضيق وحل محله الذهول عندما رأت ابنتها بهذا الرداء ، وجوارها "آدم" أما "جميلة" فدخلت شقة "والدتها"..



_الله أكبر من عين الحسود ، بسم الله أرقيكي على حلاوتك ، انتِ ماشية كدة بيه ؟ هتتحسدي يا بت من كتر جمالك ، الله اكبر ألف مرة!



ضحكت "فريدة",  وهي تدخل وعانقتها تزامنا مع صوت "آدم" الضاحك حينما رد بسخريةٍ:



_مش للدرجادي يعني يا زوز!



رفعت "زينات" شفتيها في استنكارٍ ، وضربت كتفه تمازحه وهو يغلق الباب مع غيظ الأخرى:



_انت كنت تطول يا ولا؟ ، انت هتخيب ولا ايه؟ لا دا أنا زينات واللي يقول على بنتي نص كلمة أكله بسناني.



قبلت "فريدة" وجنتيها بسعادةٍ من هذا الدفاع فيما تصنع هو الريبة ما ان استسلم على الفور بقوله:



_وعلى ايه ده كله ، ملناش بركة الا انتِ والشاطرة يا أم الشاطرة!



ضحكت عليه ، وأشارت لهما بالدخول فدخل يجلس وأخرج هاتفه وعاق نظراته صورته المعلقة والذي كان بها هو و"حسن" في عمر صغير، فكان يضع عليه "حسن" ذراعه وبنفس الاطار في النصف الآخر ، هناك دراجة  صغيرة ركب بها "آدم" وأمامه ركب "حسن" كصغيرٍ والضحكات تملأ الصورة ، العمر يمر بسرعة وحينها كان الاثنان لا يحملا هماً ولا يعلما ما سينتظرهما ، رأى دخولها الغرفة قبل وأصواتهم المفاجئة بردات فعل الاثنان على ثيابهما وسمع قول "فريدة":



_تعالي نتصور بقا بالتحفة دي ، خدي يا ماما صورينا جنب بعض.



ابتسم على حماسها وهو بالخارج والتقط بكاميرا هاتفه صورة لهذا الإطار ودعى بصوت منخفض وهو يتلمس صديقه في الصورة وأثر افتقاده جواره قد ظهر الآن بقوةٍ ما ان قال:



_ربنا يخرجك بالسلامة يا "حسن" ، ربنا يهديك ويثبتك على طريق الهداية  وتكون قرأت اللي حاولت أكون معاك وأفيدك بيه!



هذا ما كان يُحسد عليه "حسن" من الجيران والأصدقاء الأخرى ، بقولهم المتمني  بأنهم يريدون صديق مثل "آدم" وصداقة مثل صداقته ، فكان ومازال يعرف بأن حب "آدم" لـ "حسن" ليس طبيعياً ، وهناك مصادر أخرى من أصدقاء بعمرهم كانوا يشاكسوهم في مرحٍ وجراءة بأن صداقتهم هذه مشكوك بأمرها لطالما كل هذا الحب والتعلق والسنوات التي تمر دون عراك يؤدي إلى الفراق او ان يغتاب الآخر الثاني إلا الفترة الآخيرة ظهر كل ذلك! .




        
          
                
ضحك وهو يتذكر ذكرياتهما سوياً ، كم من خدش في جسده. وذراعيه وساقيه وحتى قدميه ، وكل خدش يذكره ، كل خدش لديه معه ذكريات لا يتمنى نسيانها أبداً ،فآن كان للإخلاص والحب الصادق الأخوي عنوان فسيكون عنوانها صداقة "آدم لـ. "حسن" ، الأول مشاكس محبوب بين الناس ، مقبول يُضحكهم والثاني يشجع الأول على خوض التجارب الشبابية الكثيرة  من ضمنها حادث الدراجة الذي جعل الأول يأخذ اعفاء من الجيش!



قطع كل ذكرياته صوت زغرودة خرجت من فم" زينات " من الغرفة التي كانت بها معهما، ضحك بخفةٍ وهو يحرك رأسه ما ان علم أنها أخبرتهما خبرها الثاني بعد خبر ثيابها ، كانت فعلتها بصوت ليس عالٍ ليُسمع مما جعلها تفعلها أكثر من مرة وهى تخرج لتملئ الصالة بالبهجة ، ولم تخجل من ان تبارك لزوج ابنتها بالأحضان ، والأخرى في الخلف تحذرها من عدم فعل الزغاريد ولكنها لا تبالي ، الآن تسعد ..الآن ابنتها عروس لمَ نُخفي السعادة ؟ هكذا قال عقلها!



________________



من الجيد أن البعض ليس هنا الآن في شقة "حامد" بل صعدت "دلال" لترتيب الشقة مع "فرح"و"عايدة" ، لم تكن هنا سوى"حنان" التي كانت في المطبخ تتولى أمر طهي طعام الغداء فيما كانت "وسام" تذاكر في غرفتها



وفي المقابل لم تجد حينها "جميلة" والدتها في الشقة فعلمت آخر الأخبار ما ان جاءت هنا والآن هى في المطبخ مع والدة زوجها تساعدها والصمت سيد المكان والوضع بينهما ، غسلت الأطباق الآن وفرت  منها دمعه كتمت شهقتها بها ، ومهما حدث غيابه وقهرها عليه وعلى ما حل به وعلى ما فعله بها من ترك ، يطغى كل ذلك على أي سعادة زارتها !



لاحظتها "حنان" التي منعت نفسها من البكاء وتماسكت تواسيها بتقديرٍ وتفهمت وضعها بقوةٍ حينما كانت بنفس موضعها منذ زمن بعيد ، قدرت الوضع ولكن أسبابها هى كانت مختلفة تماماً بينما الفراق والترك كان نفسه!



_حقك!



لم تخرج سوى هذه الكلمة منها فإنتبهت "جميلة" ومسحت دموعها سريعاً وقبل ان تنظر تستفهم وجدتها تكمل بهدوءٍ والحزن يظهر بين تفاصيل الحروف التي نطقت بها :



_ أيوة حقك تزعلي، وأوي كمان ، بس عارفة بقى ايه اللي يوجع؟ انك لما بتزعلي هتزعلي زعلين أوحش من بعض ، عليه ومنه لو بتحبيه!



كيف تفهمها إلى هذا الحد؟ ، إلتفتت "جميلة" مستسلمة وصمتت والدموع تهبط منها وحركت رأسها فقط تؤكد كلماتها بكسرةٍ ظهرت للتو ، فيما أكملت الأخرى بعينين لامعتين:



_عارفة انك مش هتقدري تسامحي في اللي أمه هتسامحه فيه ، أنا حاسة بيكِ يا بنتي ، واللهِ مقدرة وفاهمة اللي بتعانيه وبدعيلك ،أصلي كنت برضه بعيش نفس وجعك ويمكن أكتر بس مدامش كتير ، جوزي كان بيمشي برضه من غير ما يقولي عشان ميزعلنيش بس أنا كنت عارفه انه ماشي رايح لمراته التانية ، وقتها كان بقطع اي اتصال وأي محاولة عشان معرفش أوصله، كنت بتوجع وأقول في كل مرة هو فين وكنت بتجنن ،بس هو كان عارف اني هزعل الضعف لو وقف وقالهالي في وشي انه رايح يشوف مراته الأولى اللي سابها وعياله ، بس دا مدامش كتير ،. عشان أبوه منعه ساعتها يدخل البيت يشوفهم ، انتِ مقهورة نفس القهرة بتاعت الحيرة في انه راح فين! ،بس "عز" وجعه مختلف , ابني مراحش لمرا تانية ابني راح لوجعه التاني اللي خافيه بقاله سنين!




        
          
                
هل حقاً تعلم ؟ ، ابتلعت ريقها وهى تفسر لها أكثر قبال دموعها:



_قلبي بيقولي إنه راح  البلد هناك ولأول مرة ، عشان يزور قبر أبوه ،مقولتش عشان لو عمل كدة  عارفة هيرجع ، في الأول قولت هياخد وقته ويجي واديني مستنية مش عايزة اتكلم وأهاجمه حتى وهو بعيد ،قلبي موجوع ولأول مرة محاولش أساعد ابني عشان مكسوفة منه .. مكسوفة بعد السنين اللي عاش فيهاا المُر عشانّا واحنا مرتاحين اترفضنا اننا نساعده!



لم تنتبه بأنها تتحدث بأريحية عن البلدة التي تعلم اسمها ومكانها من "عز" من بين حديثهما مع بعضهما ، لم تنتبه بأنها تتحدث قبال شخص يتلهف لرؤيته ثم العكس! ، نزلت دموع "حنان"وقتها فتحت ذراعيها تكمل بتعبٍ:



_بس مش مكسوفة منك وأنا بقولك كدة ، مش مكسوفة عشان من أول ما ابني عاشرك وبقيتوا في بيت واحد وهو الضحكة مبتفارقش وشه ، والحماس اللي كان راح وفاكر ان اللي بعمله عادي مبقاش عادي وبقا بس عايز يعمل كل حاجة علشانك انتِ وعلشان حياتكم وعيالكم في المستقبل!



دخلت "جميلة" تنهار في البكاء بين ذراعيها وهتفت بتحشرجٍ باكي:



_بس وحشني أوي ، وحشني ووجعني أوي يا طنط!



ضمتها بتشبتٍ تحتضنها بدفءٍ ونزلت دمعتها لتخبرها بنفس الحديث:



_وأنا كمان واحشني أوي واللهِ ، واحشني وواجع قلبي عليه في غيابه، بس ابني ..هقدر اغفر له الوجع ، غصب عني هنسى كل ده أول ما اشم ريحته وهو في حضني من تاني!



هل ستقدر الأخرى على ذلك؟ كان هذا سؤال والدته هو وهى تنظر نحو قهرها بين ذراعيها ، استندت تمرر على رأسها يديها بحنانٍ كإسمها
ودعت لها ولفؤادها بإسم الله على ان يهدأ كما دعت لولدها ..



وكل ذلك كان أمام من وقفت على الاعتاب تتابع مشهدهما بتأثرٍ ، فعندما خرجت لتأخذ زجاجة مياة باردة من الثلاجة وجدت ذلك ولم تتحرك
إلا الآن إلا عندما وجدت الباب يُطرق طرق هادىء لبق!!



اقتربت"وسام" تفتح الباب بعدما وضعت  الخمار عليها وأخبرتها بعلوٍ من الخارج بأنها من ستفتح ويظلا هنا ليتولا أمور كُلفا بها .



مدت يديها على المقبض ثم فتحت الباب تنظر من زواية صغيرة  فوجدتها شخص غريب! ، لا ليس غريب لحظة..اثنان ..تذكرت من هى ، تلك الفتاة التي انقذتها أمس هى ووالدتها  ووالدها وربما شقيقها من خطر "سامر", قبل ان يتهجم عليها ، ابتسمت "الفتاة" وسألتها بلطفٍ:



_إذيك؟



فتحت "وسام " الباب سريعاً لها وردت في حرج صغير:




        
          
                
_الحمد لله، تعالي اتفضلي، أدخلي.



دخلت خلفها فأشارت لها بالجلوس اإلى أن جلست بحرجٍ، فأغلقت "وسام" الباب  ودخلت تجلس أمامها وهي تردد بلباقةٍ:



_منورانا حقيقي ،  كنت لسه من شوية بفكر في اللي حصل قدامكم.



ضحكت في خفةٍ وهي تردد كنوع من فتح أي حديث أو خلقه معها وهي ضيفة ، فإبتسمت الأخرى بعدما ضحكت ووضحت:



_دا نور البيت وأهله ، أنا جيت فعلاً بخصوص اللي حصل امبارح ، أطمن عليكي.. لسه جاية من الدرس!



_النهاردة الجمعة!!



رددت "وسام " بذلك فنظرت الأخرى بأسى تمثيلي جعل "وسام" تضحك وهي تتساءل:



_هو انتِ في سنة كام؟



_تالتة ثانوي ، وكنت في مراجعة كيميا عشان امتحان بكرة ، علفكرة أنا قدك وكنت معاكِ في درس الانجلش بس انتِ مبقتيش تيجي ..أنا عارفاكي بس مخدتش بالي منك ولا مرة خالص انك هنا معايا وكمان في الدور اللي تحتنا علطول!



ذُهلت "وسام" فيما ابتسمت الأخرى تمد يديها للتعارف وصرّحت:



_أنا اسمي "إيمان "



مدت "وسام " يديها فيما فسرت لها "إيمان" بهدوءٍ:



_بصراحة أنا جيت لما حسيت ان عندكم فعلاً حاجة تستاهل اني آجي ، وجيبتلك معايا مراجعة تاريخ بما انه عليكي بكرة ، جبتهم  من ناس صحابي ، حسيت انك فعلاً تايهة في وسط الظروف ومكنتش أعرف ان  مرات أخوكي حصل فيها اللي حصل ده غير من بابا  واحنا بنتكلم!



وأكملت بقليل من الخجل:



_الف سلامة عليها ، ربنا يقومها بالسلامة يارب ،  بابا بيقول في حقكم وحق باباكِ كلام حلو أوي ، وحبيتكم من مدحه فيكم وفي جيرتكم ، أصله الحقيقة مكنش بيتدخل خالص في مشاكل عيلة الأكرمي وكان  دايماً بيقول ان الداخل بينهم خارج ، بس امبارح لما عرف انكم لوحدكم هنا بسبب مرات أخوكي واللي حصلها نزل علطول يشيل الشاب ده عنك هو و "عابد" اخويا!



أخرجت لها الأوراق من حقيبتها قبال تعجب الآخرى من ما فعلته ، فيما اخذته منها "وسام" وهي تشكرها بتأثرٍ:



_بجد شكراً أوي يا "إيمان" مش عارفة أقولك ايه!



_متقوليش حاجة دا واجب يحصل ، بس هاتيلي بس رقمك عشان فيbdf صاحبتي بعتتهولي غير الورق ده!



ابتسمت "وسام" تأخذ منها الهاتف كي تدون الرقم فيما ابتسمت بإعجابٍ وهي تردد لها من رؤية هؤلاء الصغار:



_عسل  أوي ما شاء الله ، دول اخواتك؟



_اخواتي ايه يا ستي صلي على النبي ، أنا أصغر واحدة ودي" نورسين"بنت اختي "آية" اللي بعد "عابد" ، والكتكوت ده بقا " مؤمن" ابن "عابد" .




        
          
                
ابتسمت بسعادةٍ لذلك الحب وهي تتخيل صغار شقيقها في المستقبل، وأخبرتها هى الأخرى :



_أنا كمان أصغر واحدة وعندي "غسان وبسام" كبار "غسان" متجوز ومراته حامل ، و"بسام" كاتب كتابه  والفرح يعني أكيد ان شاء الله هيبقي قريب بعد ما نخلص امتحانات تبقي تنورينا بقى!



_شوفتهم قبل كدة مع بعض ، ربنا يخليهم لك ، أنا بقى الكبير عندي "عابد" كان متجوز وخلف"مؤمن" بس مراته توفت ومن ساعتها واحنا بندورله على عروسة ، هو ساكن قدامنا في الشقة اللي قدامنا ، أما بقى اللي بعد "عابد" اختى "آية" ودي متجوزة  كانت صاحبة "ياسمين سالم" حتى متجوزة في نفس العماره اللي "ياسمين" سكنت فيها ، واللي بعد "عابد" ، "أحمد" اخويا ، بصراحة أحمد  معروفة ..يعني بتاع بنات ومش راحم حد يلا ربنا يهديه ، وطبعاً بعد "أحمد" أخر العنقود "أنا".



أحبت الحديث معها ودونت لها الرقم بترحابٍ ، ومن جاءت من الداخل بعدما رأت جلوسهما كذلك كانت "جميلة" التي كانت تعرف "ايمان"من على بعدٍ فقط ، جاءت بكوب عصير وابتسمت ترحب بها واعطتها الكوب ودخلت من جديد فيما حثتها "وسام":



_اشربي بقا العصير ، عشان يبقي بينا عصير وملخصات!



ضحكت "إيمان" على خفتها وابتسمت تتجرع من الكوب وتوقفت بحرجٍ ما ان دخل "بسام" من باب الشقة ورفع رأسه متفاجئاً من هذا إلا أنه غض بصره يردد بقليل من الحرج:



_السلام عليكم.



رد الاثنان السلام فيما نهضت "ايمان" بحرجٍ تستأذن:



_يلا استأذن أنا ، متنسيش تراجعي من الورق ده هو بتاع مدرس شاطر أوي بجد ، ربنا معاكي!



وافقتها "وسام" ورافقتها حتى خرجت من الباب وأغلقته خلفها ، خلعت خمارها وهي تبتسم واقتربت تنظر في الأوراق فقطعها سؤال "بسام":



_العبي يا صداقات !



ضحكت "وسام" بخفةٍ وهي تريه الأوراق بقهرٍ زائف ،فإبتسم وهى تقص عليه:



_دي البنت اللي شالت عني امبارح هى ومامتها واخوها وباباها ، شالوا "سامر" قبل ما يضربني، جت وجابتلي الملخصات دي مع انها علمي ، بس بنت حلال واللهِ. تخيل.؟ كانت معايا في  درس الإنجليزي اللي كنت بنزله ومخدتش بالي منها خالص!



ابتسم "بسام"متذكراً رجال هذه العائلة عندما يتلاقى بهم في المسجد ،  ولكنه لم يخفي نصيحته ما ان قال بهدوءٍ:



_ربنا معاكم ، بس بقولك ايه البنت دي عندها وَلا كده مش مظبوط ، خلي بالك ، عشان "غسان" لو عرف هيقطع أي علاقة بينك وبين البنت دي!، فالتعامل يبقى بحذر ومشوفكيش طالعالهم فوق خالص! ، ماشي؟؟




        
          
                
وافقته مبتسمة وتابعته وهو يقترب كي يفتح باب الشقة ، فوقفت تضع الخمار ، ووجدتهما "فريدة"و"آدم"  ، ابتسمت تقترب بلهفةٍ تتفحص شكلها بإعجابٍ مع ترحيب "بسام" بـ "آدم" فيما رددت "وسام", بدهشة:



_تحفة أووي بجد ، بجد!



ابتسمت "فريدة " تدخل معها المطبخ في حين رافق "بسام" "آدم"في مشاكسةٍ الإثنان لبعضهما انتهت بقول الأول:



_ايه؟ هتنزل تصلي الجمعة هنا معايا صح؟



وافقه "آدم" وبرر سريعاً:



_أيوة، بس اعذرني بقا يا دكترة ، الغدا النهاردة عند حماتي.



رأى غروره فضحك عليه ، وابتسم يشاكسه وهو يضرب وجهه  بخفة:



_عقبالك ياعم لما تتجوز وآجي اقولك تعالى  اتغدا عندى  تقولي لا الغدا عند حماتي.



رفع "بسام" يديه في إشارة للدعاء والعجالة ، بينما ضحك "آدم" ونظر خلفه فوجد "فريدة" تضحك بسعادةٍ من سعادتهم هذه بثيابها حتى "فرح" سعدت هى الأخرى ما ان فتح لها الباب وشهقت ، فكانت تهبط لتأخذ معطر و عدة قطع قماشية لمسح الزجاج!



_جميل أوي يا "فريدة"، تصدقي ان "جميلة", كانت لسه مكلماني عنه قريب،. كان نفسها  تلبسه هى كمان وأما قالتلي الفكرة كبرت في دماغي شوية، ودلوقتي انتِ خلتيني أفكر أكتر بحلاوتك دي ، ربنا يبارك!



سمع "بسام" قولها وتمنى لتحقيق ذلك بقوةٍ ، فتلاقت عينيه معها وابتسمت حينها له بخجلٍ وهي تقترب منه وسألته :



_ايه رآيك؟



سألته تستشف عقله ، فيما كان هو عاقلاً ورد حينها ببراعةٍ مع انشغال من حوله ببعضهم:



_بصراحة أتمنىٰ ، بس في نفس الوقت لازم تكوني واثقة من الخطوة عشان لما تاخديها مترجعيش فيها ، أنا مش  جابرك ، براحتك بس الأهم تكوني واثقة ومتأكدة انك مش هتتخلى عن الخطوة بعد ما تاخديها بس!



ابتسمت "فرح" تحرك رأسها له بسعادة من كلماته المتهمة ،اتسم برزانة والده في هذه الأمور واللحظات ، وجدها بعد ذلك توافق كلماته برأسها والتفتت ما ان وجدت "وسام", تناولها ما جاءت لأخذه حتى تصعد من جديد وبعد هذه الدقائق كانت خطبة الجمعة ليس عليها إلا القليل فاقترب "آدم"و"بسام" كي يتوضأ كل منهما حتى يهبطا إلى الصلاة.



_________________



وقف بعدما ارتدى ثيابه الذي جلبها له "والده" كي يبدلها للصلاة ، انتهى "غسان" ومرر كفه على  رأسه يرجع خصلاته ببطئٍ و"بدر"ووالده و"شادي" الذي جاء ينتظره في الخارج معهم كي يهبطا للصلاة في المسجد..




        
          
                
اقترب "غسان" في خطواته ناحيتها وهي نائمة وأمامها شقيقتيها ووالدتها ، انحنى يقبل رأسها واستقام يعدل الغطاء ثم نظر ناحيتهم وقال يوصيهم:



_خلي بالكم منها على ما أرجع .



_مش محتاج توصينا يا اسمك ايه ، دي اختي ، دا إحنا اللي نوصيك مش انت!



توقع هذا الرد الفظ منها ، فرد في سخرية قبال ضحك "وردة" ونظرات "سمية" المتوعدة:



_يا اسمك ايه!!!



حركت "ياسمين" رأسها  تؤكد له قولها الذي تشكك في سماعه ، وردت في تبجحٍ:



_أه!



ابتسم "غسان" يستفزها وعلق برده ساخراً :



_طب بقولك ايه يا اسمك ايه انتِ ، قومي العبي بعيد عن هنا عشان مراتي مش عايزة إزعاج  ، أصل العيال كتروا اليومين دول!



استخدم نفس طريقتها التي اعتاظت منها قبال ضحكهما ،في حين اغتاظت أكثر ما ان خرج ولم يترك لها الفرصة لترد عليه ، بل خرج كي يهبط حتى لا تضيع الخطبة  عليه وعلى الآخرين ، فأسرع معهم وصوت الخطبة قد اعتلى الآن من المسجد الذي بجوار المستشفى ..



تشبتت "وردة" في كف "نيروز" بحنوٍ وتركت صغيرها يذهب معهم ،في حين ابتسمت "ياسمين" في جديةٍ وقليل ما يخرج منها الحديث بتأثر مثل الآن:



_عارفين؟ أنا ممكن يجرالي حاجة وأموت فيها لوحد فيكم تعب وبقا في خطر عليه وأنا هنا مش قادرة أعمل حاجة ، أنا متعودة أتصرف الا في التعب والمرض ، متعودة أشيل كل حاجة وأحاول أدور على حل، بس لما مبلاقيش بتوجع أوي وبحس ان كان في ايدي حاجة اعملها ومعملتهاش، يمكن احساسي بالمسؤولية نحيتكم هو اللي خلاني كدة ، عشان كدة بدعي علطول إن يومي يجي قبل يومكم!



تلهفت "والدتها" وهي تأخذها بين ذراعيها تردد بتحشرجٍ وسبتها قائلة:



_بعد الشر يا بنت الجزمة، متقوليش على نفسك كدة!



_متشتميش أمي لو سمحتي يا ست انتِ!



طالعتها والدتها بسخريةٍ وضحكت مع ضحكات "وردة" التي تحركت تبادر بعناقها في رقةٍ مثل قولها :



_أنا بحبك أوي ، أوي للدرجة اللي تخليني أخاف واجري بعيد لمجرد اني هسمعك تقولي اللي قولتيه ده ،ربنا ما يوجعنا في بعض أبداً ، احنا هنفضل مع بعض طول العمر وفي ضهر بعض زي ما وصانا بابا  الله يرحمه.



عانق الثلاثة بعضهن! بتشتبتٍ فيما خرج رد "نيروز" المبحوح وهي تحاول الاعتدال:




        
          
                
_من غيري؟



تلهفت "وردة" سريعاً تقترب منها مهرولة كي تعانقها بشوق ولهفة ، تأثرت منها الأخرى وهي تبرر لها من هذا الخوف:



_والله انا كويسة ، كويسة متخافيش عليا !



أصبح العناق الآن عناق الثلاثة فتيات مع والدتهن! ،وكأن من انجبتهن تريد توقف الساعة عند هذه اللحظة وصغارها بين ذراعيها هىٰ وفي الخلفية الخير هنا مادمن هن بخير أمام عينيها .



خير هناك وخير هنا ، الخير بين الرجال في المسجد والإنصات سيدهم لكلمات خطبة الجمعة عن "حسن الظن بالله".. وهم متراصيين بجوار بعضهم وعلى ساق "غسان" جلس "يامن" ببراءةٍ ناظراً نحو الخطيب على المنبر بغير فهم بينما كان الفهم معهم هم :-



_«عباد الله: إنّ الشيطانَ حريصٌ على أن يُسِيءَ العبدُ ظنَّه بالله، ويمتلئ قلبُه بالشكِّ في قدرةِ اللهِ أو في رحمتِه أو في حكمتِه، فهُو جاهدٌ في إيقاعِه في ذلك على صُوَرٍ شَتّى ، فمِن سوءِ الظنّ باللهِ أن يعتقدَ العبدُ أنّه لا يَصِلُ إلى اللهِ إلا عن طريقِ مَلَكٍ أو نبيٍّ أو وليٍّ صالحٍ يَشفَعُ له عندَ الله، فيجعلَ اللهَ كحالِ بعضِ الزعماءِ الذين يُضطَرُّ مَن يَحتاجُ الوصولَ إليهم إلى وسائطَ وشُفَعَاءَ يؤثّرون عليهم، ويُوصِلُون حاجاتِ الناسِ إليهم، فأينَ سَعَةُ علمِ الله؟ وأين كمالُ مِلكِه وسلطانِه؟ وأين كمالُ رحمتِه وإحسانِه؟ وأين قُربُه سبحانهُ وإجابتُه لدُعاءِ عِبادِه؟ »



كلمات هادئة ساكنة عاقلة، مليئة بالإيمان واليقين ، يسمعها الاثنان على الجهتين جتهن وجهتهم ، الرجال والنساء!! وكأن حُسن ظنهم بأخر عقبة يظهر ما ان أخذ يرددوا وبالأخص هو بينه وبين نفسه بأن زوجته ستصبح بخير لا محال ، وأن الله لن يتركه هكذا!!:



_« ومِن سوءِ الظنِّ باللهِ، الشكُّ في حِكمتِه وإنفاذِ وعدِه، والظنُّ بأنّه لا يَنصُرُ عبادَه المؤمنين، وأنّ الكافرينَ يُعجِزُونَه بِدُوَلِـهم ومُقَدّراتِـهم وطاقاتِـهم، فهذا ظنٌّ باطل، وحُسبانٌ فاسد: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ،لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ.»




        
          
                
_«ومَعنى حُسن الظن بالله: أن تأملَ من الله ما تطلبه منه، فتَظن بأن الله تعالى سيرحَمُك ويعفو عنك في الآخرةِ، وإذا سألته شيئًا من أمور الدين، ظننتَ أنه سيجيب دعوتك، وإذا نزل بك ما لا تُحِبُّ ودعوته، ظننتَ أنه سيرفع عنك ما نزل بك، وإذا أصابك ما أهمَّك، ظننتَ أنه سيفرِّج همَّك ويُزيل كربك، وحين ترى في بعض أولادك ما لا يسرُّك، تُحسِنُ الظنَّ بالله بهدايتهم ورجوعهم إلى الصراط المستقيم، فحُسنُ الظن بالله ناتج من معرفة فضله وجوده ولطفه بجميع خلقه.»



كان الإنصات سيدهم هناك ، وانصت هو خصيصاً لهذه الكلمات وابتسم يشكر ربه على حال "نيروز" الآن مقارنةً بخوفه السابق ، وهاب ومازال يهاب علاجها النفسي! ، دعا بينه وبين نفسه ربه! ، وسمع بعد وقت آخر كلمات الخطبة التي جعلته يقف بعدها كي تساوى الصفوف بعد أذان الإقامة:



_فأحسنُوا الظنَّ باللهِ ربِّكم مع إحسانِ العمل، واحذروا سُوءَ الظنِّ باللهِ العزيزِ الرّحيم، ثم صلُّوا وسلِّموا على السراج المنير، اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه، عاجله وآجله، ما عَلِمنَا منه وما لم نَعلَم، ونعوذ بك من الشرِّ كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما عَلِمنَا منه وما لم نَعلَم، ونسألك الجنةَ وما يقرّبُنا إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النارِ وما يقرّبُنا إليها من قولٍ وعمل. اللهم وفّق وليَّ أمرِنا لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبِرِّ والتقوى. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النار، عباد الله: اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبّحوه بكرةً وأصيلًا، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.



لحظاتٍ ثم كبر المؤذن ليبدأ الصلاة وعلى ناحية أخرى نهضت والدتها وشقيقتيها الأثنتان لأداء الصلاة معها في الغرفة ، اما هى فدارت عينيها بتعبٍ وأول دعاء خرج منها في هذه اللحظة كان له هو تحديداً ،وحبها له يزداد أضغاف مضعفة كلما ترى الخوف في مقلتيه وعلمت انه سيظل هكذا لم ولن يزول مدام ردد لها بأن حُبه يعني الخوف ذاته!



_________________



خطبة أخرىٰ عن موضوعٍ آخر في مسجد وبلدة أخرى بعيدة عن هذه البلدة ، وحال غير هذا الحال ، وجهه الشارد وعينيه التي ظهر بها الإنهاك ، وشعور الأرق وان كانت  هناك راحة يتعجب منها فهي راحة فقيد الشباب الذي يرتدي ملابسه الآن ، تذكر وداعه لها حتى بكت وهي تودعه كلما تتذكر ولدها فوعدها بتعاطفٍ بأنه سيأتي إليها مجدداً في يومٍ من الأيام.. ابتسم بتألم لها فهى تعاني من وجع الفقدان ، فقدان آخر مختلف غير الفقدان الذي جعل به زوجته ووالدته وشقيقته تعانيه في غيابهِ ..




        
          
                
تم إغلاق هاتفه مجدداً كي لا يزعجه بدقات أحدهم ، فيما كان الآن يسند ظهره ، رفع "عز" عينيه ناحية  الخطيب الذي كان يتحدث في موضوع الخطبة بحماسٍ لذلك الموضوع كي يوعي الشباب في تعاملهم مع والديهم:



_«أيها الشاب المسلم، اعلَم أن بِرَّكَ بوالديك وطاعتك لهما، عنوانُ رجولتك ودليل مرؤتك، وأَمَارة نُبلك، وسبب سعادتك في الدارين.
أخي الحبيب، إن والديك هما سبب وجودك، وأرحم الناس بك، وأقرب الناس إليك، يشقيان في هذه الحياة لتسعد، ويتعبان لتستريح، ويجوعان لتشبع، يُعطيانك من غير مَنٍّ ولا أذًى، حملتك أمُّك في بطنها تسعة أشهر، ولاقت الشدائد في حملك ووضعتك، ثم صبرت على أذاك ومرضك وتنظيفك في صغرك، وهكذا أبوك فقد ربَّاك وأنفقك عليك، وتعب في رعايتك صبيًّا ومراهقًا؛ قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن لي أُمًّا بلغ منها الكِبَرُ أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مَطِيَّة، فهل أديتُ حقَّها؟ قال: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءَك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك مُحسن، والله يثيب الكثير على القليل.»



سأل أين رأى والده من الأساس كي يبره ؟ ابتسم بأسى وزاد حنينه وشوقه لوالدته ما ان سمع الخطيب يتحدث بذلك ويكمل:



_«عباد الله، إن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوالدين، وقتل النَّفس، وَاليَمِينُ الغَمُوس"؛ متفق عليه، فعلى من ابتُلي بذلك أن يبادر بالتوبة النصوح، قبل أن يندم حين لا ينفع الندم»



تحرك به شىء وكلما يريد الاتصال عليها يرجع في هذا القرار ، أخذ أنفاسه هو الآخر وعلم ان نهاية الخطبة ستأتي ما ان كانت بدايات الختام:



_«فاتقوا الله أيها المسلمون، ولا تفرِّطوا في هذا الباب العظيم من أبواب الخير والجنة، ولا تستكثروا ما تبذلونه لوالديكم من خدمة ورعاية، ولا تَمُنُّوا عليهما ،أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم»



مسح "عز" وجهه في تعب وتلمس عنقه واستعد لينهض  بعدما سمع أذان الإقامة والخطيب الذي ردد بتسوية الصفوف بعد  ان يستقيموا  وردد:



_ "الله أكبر"



..



الله أكبر مجدداً ، اكبر من كل شىء وأي شىء ، يقبل العبد أينما حل وهذه كانت «الخطبة الثالثة» في مكان آخر بجوار المصحة الذي يقيم بها ذلك الذي أصبح يقال عليه مسكين ووحيد كشريدٍ يفقد كل الطرق، أمسك "حسن" لحيته التي نمت عن قبل بشكل متوسط ،مرر يديه على خصلاته المبتلة ، ثم وضع دفتر الأدعية الصغير على الطاولة ولم يغفل عن اهتمامه الشديد الذي سرقه منه خطيب هذا المسجد الذي يلتصق بالمصحة .. سرق منه انتباهه بموضوع جعله يترقب بلهفةٍ في أذنيه كي يستمع لكل حرف يُقال..فالموضوع مهم ويهم شخص مثله .."التوبة" أهذا ما يعمل عليه ولكنه يخجل؟؟




        
          
                
_«ولتعلموا أنّ باب التوبة إلى الله مفتوح لكلّ التائبين، فهو الذي يبسط يده في الليل لِيتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار لِيتوب مسيء الليل، فأبواب التوبة لا تُغلق أبداً، والمؤمن لا يقنط من رحمة الله، فهو الغفور الرحيم الذي يتوب على عباده كلما عادوا إليه تائبين، وقد ذكر ذلك في كتابه الكريم بقوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)وفي الآية الأخرى التي وعد الله بها عباده بأن يغفر ذنوبهم: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا.



هنا لمعة عين ورجفة يد وأذن تريد سماع المزيد فلبى له الخطيب على المنبر رغبته الذي كان لا يعلمها ولكنه دائماً ما يقصد تكرار هذه الخطبة بسبب هذه المصحة التي توجد بجانب المسجد ، بسبب من بها من أشخاص اتجهها لعدة طرق وسلكوها مع أخطاءٍ اخرى ، منهم من كان ضحية ومنهم من كان سىء ومنهم من كان الاثنان معاً .. ربما مثله هو..



_«ولعلّ أكثر ما يجذبنا في قصص التوبة قصة سيدنا آدم الذي عصا ربه في الجنة، وأطاع الشيطان الذي وسوس له ولزوجته حواء ليأكلّا من الشجرة التي أمرهما الله بالابتعاد عنها، إلا إنّهما يا إخوتي ندما على ذنبهما وظلّا يبكيان حزنًا وندمًا على ما فعلاه، وبقيّا يطلبان من الله العفو، و المغفرة، إلى أن تاب الله عليهما وتجاوز عن خطئهما بسبب توبتهما النصوحة الصادقة»



_«ومن أذنب، ثم قام وتوضأ فصلى ركعتين، غفر الله له؛ فعن أبي بكر الصديق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة»




        
          
                
ابتلع "حسن" ريقه في تأثر وصعوبةٍ ، وكأنه يريد ذلك كأول مرة ، اشتاق لكل شىء ، اشتاق وظهرت بوادر الندم على كل شىء، واشتياقه لا يخلو من عائلته ، والدته الذي جاء عليها في ظُلمها ، في تحميلها كل ذنوبه ، اشتاق لشقيقتيه "جميلة وفريدة" ، وندم باكياً عندما تذكر في أحد المرات وهو يطيل السجود بأنه جرحها جرح كبير في ساقها ، وسأل هل تخطت؟ وكيف؟؟ كيف تخطت ما فعله من كان صديقه وسحبه معه ناحية الضياع هو وشقيقته؟؟ ، اشتاق لـ "آدم" بقوة ، أراد عناقه وشجاره وضربه ثم مراضاته ثم خوض التجارب الجريئة معاً بشبابيةٍ لا يريدها أن تنتهي !



جاء على عقله كل شىء وأولهم "نيروز" الذي لازال يكن لها حباً غير مفهوم ، وكأن اعتاد على ذلك منذ الصغر ، وسأل لمَ مهما فعلت لا يجد نفسه يريد الاقبال على ان يؤذيها هى في ذاتها؟ علم ان نصيبه وقسمته ليست بها ولكن  بماذا يبرر لفؤاده؟ فؤادة الذي يجعله يدعو لها في صلاته !



هل كان على الفؤاد اختيارها هى من بينهن؟
وسأل : لمَ هى؟ ، لمَ حروف اسمها ؟ ،. لمَ وقع الاختيار عليها؟ ، لمَ لم يشعر تجاهها بأي بغض مهما فعلت؟ ، هل كان الحب؟ ، هل كانت لعنة ؟
نزلت دموعه بإسترسالٍ ولا يليق على حاله معها بهذا الفؤاد المهلوك سوى:-



_أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي 
وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي ونُحُولي 
وأَدْمُعي وعَذَابي وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي!!



__________________



_انت عببط يالا؟؟ ايس كريم ايه اللي عايز تجيبه ولسه متغدناش؟



تحدث "بسام", بذلك لـ"آدم" الذي أصر على شراءه بطعم الفانيليا خصيصاً لها تركه يردد ذلك واقترب من العربة التي كان صاحبها معهم في صلاة الجمعة قبل قليل وضحك ما ان وجده يأتي خلفه ليجلب لهن في الأعلى بعد هذا التعب في هذا الجو الحار!



_متبقاش تتكلم بس على الفاضي ، هسميك بسام بوؤو زي ما مسمي شادي سيطرة كدة!



ضحك "بسام" وهو يحمل العلب حتى انتهى الاثنان معاً وسارا بجوار بعضهما فيما تساءل "آدم" بهدوء:



_الواد بتاع  التليفونات ده مكلمش حد فيكم يشوف تليفون "عز" اتفتح ولا ايه؟



طالعه "بسام" بجديةٍ بها من الحزن ما ظهر وفسر:



_غسان اللي بيتعامل معاه ومعرفش رن عليه ولا لأ ، بس "عز" غاب عن ما كنت اتوقع ، انا قولت يوم يومين وهيرجع ، بس دا بقاله كذا يوم ورا بعض ، ربنا يستر!




        
          
                
سار معاً لنهاية الطريق وحرك "آدم" رأسه في شرودٍ قطعه بنفسه وهو يسرد للآخر:



_تعرف ان "عز" ده بحس ان ربنا بيحبه عشان محبب فيه خلقه أوي لدرجة متتوصفش؟ ، كنت فاكره الأول رخم ومش هياخد عليا بسرعة  وهيقعد يتحكم ويقول لا وأه ، بس طلع واد دارس الدنيا بحق وحقيقي ، ومعلم  والمعلمة متليقش غير عليه ، معلم في شغله وفي كسب الذبون ، أنا اتعلمت منه كتير ، واكتشفت انه مجرد ما  بيغيب ايه عن الشغل بيسيب وراه سيرته الطيبة عن أي حد يجي وكان متعامل معاه ، تصدق ان الورشة مبقاش يجي ذبونها عشان عرفوا ان "عز" مش هو اللي موجود وماسك الشغل اليومين دول؟.



ابتسم "بسام" على سبرته الطبية ، وتنفس بصوتٍ مسموع يخبره:



_ابن حلال وشاف كتير من الدنيا ،الواحد فعلاً مبياخدش كل حاجة، أكيد دا تمن وجعه وتعبه طول السنين دي كلها.



جعلتهما الخطوات داخل المصعد الآن مع تحريك الآخر رأسه بتضامن ، حينها لم تمر إلا لحظاتٍ ووقف "آدم" قبال شقة "زينات" وفي المقابل ودعه "بسام" وداع مؤقت وهو يدخل الشقة ..في حين فُتح لـ"آدم" الباب والذي ما ان فتحته "فريدة" اتسعت عينيها في لهفةٍ وهي تلتقط منه "الآيس كريم" بسعادةٍ قائلة:



_متهزرش؟. آيس كريم ڤانيليا زي ما بحب؟ ، يخربيت حلاوتك!



قهقه عالياً عليها ، ووجدها تدخل إلى الداخل مسرعة فمنعتها والدتها بقولها:



_ادخلي حطيه في الفريزر على ما تتغدي الأول ، بلاش خياية!



وافقتها ودخلت تضعه في حين تحرك هو ليجلس جوار المقعد التي جاءت وجلست بجانبه فيه بعدما تجهز الطعام بواسطتهن وهو في الخارج حينها ابتسم يشاكسها وهو يلتقط ما يوجد أمامه في الطبق:



_اتعلمي بدل ما انتِ حطالنا الملوخية في أزايز هناك!



سخر منها تحت مسمى عدم قدرتها على فعلها ، اغتاظت ملامحها وهى توكز ذراعه وردت في إصرارٍ:



_انت هتستعبط؟ دا أنا أكلي مفيش منه!



وأكملت وهي تردد في فخر محاه هو فيما  بعد :



_أحسن من اختك كمان.



_لا كدة بقا وسعت منك عالآخر ، دا فاطمة أكلها لا يُعلى عليه ، من ريحة أمي ، فأقعدي في جنب بقا ومسمعلكيش نفس!



صارحها بذلك وهو يقابل العناد بعنادٍ ، فرفعت حاجبيها في سخريةٍ تردد له بوعيدٍ:




        
          
                
_ماشي! ، خلي فاطمة بقا تطبخك كل يوم يا حبيبي بدل ما أقوم واتعب نفسي وانت في الآخر ما بتشكرش!



ضحك "آدم"  يستفزها ، ووجدها تكمل بما تلقبه به دائماً:



_يا مستقز!



فتوقعت  رده بنفس العناد والسب المغتاظ قباله :



_يا شاطرة!!



_______________



_اتصل على أبوك يا "بسام", كدة شوفهم بيعملوا ايه دلوقتي وجايين ولا ايه!



حثته "والدته" على فعل ذلك وهو يجلس جوار"فرح" في تناولهما لـ"آيس كريم" مع بعضهمها ، نظرت "دلال" وهي تمط شفتيها وهللت عالياً من عدم اسمتاعه لها:



_واخدة عقلك يا خويا ومخلياك مش سامع أمك اللي بتناحي بقالها ساعة؟



لم ينتبه فتعالى صوتها مجدداً بغيظٍ:



_انت يا ولا !!



نظرت "فرح" بسرعة في دهشةٍ وبررت سريعاً:



_معلش يا طنط والله ما حد خد باله،  حضرتك محتاجة حاجة؟.



_ايه يا ماما ؟



تركته "دلال" في حساسيةٍ لا تعلم لمَ شعرت بها للتو ، فمن كان قريب منها ، ما يعد أقرب شخص يبتعد بالتدريج ، لمعت عينيها والأحداث الاخيرة ما جعلتها كذلك وهي تفكر لزواج ولدها الآخر وبعد الاثنان وستبقى وحيدة؟ ، تساءلت بأعين لمعت والفطرة جعلتها تشعر بالغيرة الذي وضعها الله بداخلها كما داخل أي إمرأة! ، دخلت المطبخ بعدما ابتسمت بإهتزاز تنفي ما طلبته برأسها وانسحبت في دهشةٍ من "بسام" الذي نهض سريعاً وكادت أن تأتي خلفه "فرح" فمنعها بإشارة يديه ودخل المطبخ ناحيتها فوجدها تمسح وجهها سريعاً ، فنظر بلهفةٍ واقترب يرفع رأسها مردداً بذهول:



_انتِ بتعيطي يا ماما؟؟



انفجرت به الآن وهي  ترد من بين الدموع:



_أه بعيط ومعيطش ليه؟ قاعد ولا على بالك وعماله انادي عليك وانت ولا هنا ، دا انت حتى مش زي عادتك مجيتش من صلاة الجمعة تبوس راسي وتجيبلي الأذكار اللي بتجيبها من الجامع زي كل مرة  ، سيبني أعيط وافك عن نفسي ، مهو محدش حاسس بيا وأنا زعلانة على أخوك ، وحتى مراته ولا أختك الغلبانة اللي عقلها راح من المشاكل ، كل ده ميخلنيش أعيط؟ دا حتى أبوك ماشي يعدل عليا كل شوية وكإني هتمنى لولادي الشر ومبفهمش حاجة !!



انفجرت بهذه الكلمات ، وكلما يمر العمر يصغر العقل مجدداً ، تفاجئ من كل ما تكبته فأسرع في مسك كفها ، ولا يعلم ما تعانيه كي تصبح حساسة إلى هذه الدرجة ،  لذا قبل كفها سريعاً وهو يعتذر:




        
          
                
_أنا آسف ، حقك عليا ، بس متعيطيش ،متعيطيش يا ست الكل 



حاولت الخروج من عناقه بحنق ولكنه ضحك وهو يشاكسها:



_ هى فترة وهتعدي والله ، وبابا ميقصدش وأنا كمان مقصدش ماخدش بالي منك ، وأدي يستي راسك أبوسها عشان لو نسيت!



قبل رأسها فابتسمت كصغيرة  تبدأ في نسيان ما فعله بكل سرعة ، ضحك بخفةٍ ما ان وجدها تبادر في عناقه ونطقت:



_أنا بكبر في العمر يا بسام ، بكبر وكل ما بكبر بخاف أوي ، بخاف أتساب أو اموت لوحدي ، عايزة أفضل أشوفكم جنبي ومتبعدوش ، انتوا كل حيلتي من الدنيا  .



_جرا ايه يا حاجه دلال مالك هتقلبيها فيلم هندي ليه كدة ، أنا جنبك يستي ومش هسيبك وبحبك أكتر من أي حد في الدنيا ،. انتِ امي وبعد أمي مفيش حد،  عايزك تعرفي ده كويس يا أم بسام!!



ضحكت من لقبه الاخير الذي ردده بقصدٍ فوكزته سريعاً توضح له توضيحها الدائم الذي مل منه :



_أم غسان يا واد ، غسان الأكبر بخمس دقايق ، تفرق ، بس براحتك قول اللي انت عايزه ما انا أم بسام برضه وام وسام يعني انا مش  امهم مثلاً !



حرك رأسه بيأسٍ  وقبل كلا كفيها مجدداً بحبٍ وبرٍ إلى ان عادت تشاكسه مثل السابق فإطمئن ولكن في المقابل علم أن عمرها يتقدم ، يتقدم بسرعة ، سرعة تجعله يخاف كل شىء ما ان اصبحت حساسة  كحساسية كبار السن!



_ناس بتتحضن وناس مرمية زي الكلاب ، على رأي غسان والله انتِ مخلفتيش حد غير ابنك بسام ، بطلي بوس واحضان فيه واعطيني شوية من كل ده أنا محتاجاه!



كانت هذه كلمات "وسام" التي ضحكت وهي تقترب فعانقتها "والدتها", بعاطفة جياشة من ما تعاني به ابنتها في هذا الوقت والظروف مع اختباراته



_بحبكم كلكم زي بعض بالتساوي ،أنا ليا مين غيركم يعني؟



ابتسمت بحبٍ إلى "والدتها" وقبل ان يتفوه "بسام" بشيءٍ ، أخبرته:



_,بسام ..بابا بيتكلم  على الأرضى ، أنا كلمته وسيبت فرح معاه على ما تروح ، شوفه عايزك ليه!



خرج مسرعاً ناحية الخارج والتقط "السماعة" من يد "فرح" كي يُحدث والده:



_«أيوة يا بابا».



__________



_«خلاص ماشي ، يلا .. هبعتلك صورة العلاج تنزل تدور عليه وتجيبه عشان أخوك تعب ومش هيقدر يدور والنهاردة الجمعة ، فإنزل جيبه واحنا خلاص بنجهز وهننزل نمشي أهو ، قول لامك بس تطلع الٱكل اللي عملته هى وأم حازم فوق عشان  نيروز تيجي تاكل وتاخد العلاج وترتاح »




        
          
                
حثه "حامد" على الكثير ولم يجد منه سوى الموافقة ، فأغلق الخط ونظر جواره ليجد "بدر" فحثه على تصوير الورقة العلاجية التي بها الأدوية ، كي يرسلها لولده الآخر ، فيما كان "شادي" في الأسفل ينظم السيارة لهم ومعه "حازم"..



بينما في داخل الغرفة وقف "غسان" يُهبط ثيابها برفقٍ سانداً اياها ، فيما كانت "وردة" تلبسها حذائها ، ووالدتها تلملم بقية الاشياء من الغرفة، شعر بإنشغالهما ولكنها لم تحرك عدستيها من عليه في حين حاول البساها الحجاب ولكن من انتشلته منه كانت "ياسمين", التي قالت بفظاظةٍ:



_عنك انت ، بدل ما تخنقها ، عارفاك نفسك تعملها!



نظر "غسان" ناحيتها بغيظٍ مع الضحكات الذي استمع لها وهي ترتدي الحجاب بواسطتها فرد مسرعاً كي لا تربح عليه:



_والله أنا ما نفسي أخنق حد غيرك!



فتحت فمها في صدمة من قوله ، فيما حرك عينيه من عليها بثباتٍ واعتدلت هى كي تخرج معهن ومع الصغير في الخارج ، فيما مد "غسان" كفه الآخر كي يساندها وسأل :



_كدة كويس؟ قادرة تمشي كدة ولا ايه؟



ابتسمت "نيروز",  تؤكد وردت في مشاكسةٍ خفيفه جعلته يبتسم باتساع:



_أنا أقدر على أي حاجة طول ما غُس جنبي وساندني وفي ضهري!



ضحك "غسان" بخفةٍ وخرج ووجدهم ينتظرون ، فمجرد رؤيته يساندها سبقوا ، وتركوا المصعد لهما كي يهبطا به هذا الدور بدلاً من ان تتعب ، ابتسمت تودع "يامن" مؤقتاً لأنه سيهبط على الدرج ،. وأغلق المصعد عليهما ليهبط بهما لأسفل..



طالعها بعينيه الشاردة فيما كانت هى تحاول ان تتماسك بثبات جسدها ، ابتسم في خفةٍ ما ان وكزت ذراعه وهي تبتسم متساءلة:



_ايه ؟ بتبصلي كدة ليه؟



أخرجته من شروده ما ان نطقت مازحة بهذه الكلمات تخرج مشاغبته التي خرجت للتو فسعدت قبال الآحرف الذي نطق بها بصراحةٍ وهو يساندها:



_حد يبقى قدامه ملامح زي ملامحك ومبيصش ليها؟



ضحكت تتمسك بأسفل معدتها بتعبٍ حاولت إخفاءه وصارحته من قلقها منه حينما يردد الحديث الجاد الصريح دون عبث بأفعاله الدائمة:



_علفكرة ، هدوءك ده مش مريحني وكمان بتتكلم جد بكلام حلو مش عوايدك!



حرك "غسان" رأسه يأساً من كلماتها وابتسم هذه المرة لصدق حديثها ، ربما الخوف ما جعله يفعل ذلك حتى الآن حتى هذه اللحظة ما ان رد مصرّحاً في صدق:




        
          
                
_انتِ غيرتي فيا كل عوايدي يا "نيروز" .



تمسكت بكفه ونزلت الدرجة في الطابق الأخير بعدما خرجت من المصعد ثم سارا معاً ناحية الساحة وخرجا الاثنان من البوابة ، حتى إسندها برفقٍ إلى ان اكتشف ان "والده" حث والدتها على أن تسبق لتفتح قبلهن الشقة وتصعد وتصل قبلهم ، فسارت مع "حازم" في سيارته ومع "ياسمين" والحقائب فيما رافق "بدر" زوجته ناحية سيارة أجره ومعه الصغير ..



ووجد "شادي" يحثه وهو يضع يديه على ظهره برفقٍ قائلاً:



_خش انت يا غُس ورا ، قعدها الأول بس براحتها على الكرسي اللي قدام ، أنا رجعته لورا عشان تقعد سانده ومرتاحة .



نظرت إليه "نيروز" بإمتنانٍ ووجدت نفسها تُسحب برفقٍ حينما أسندها"غسان" لتجلس في المقعد الأمامي ، اطمئن على راحتها ثم اعتدل يترك كفها وأغلق الباب ، فأشار له "حامد" كي يجلس في الخلف ، خلف زوجته مباشرة ليتابعها ، وقاد "شادي" السيارة ورغم قيادته الهادئة إلا ان "حامد" حذره مجدداً:



_براحة ، براحتك خالص يا "شادي" عشان الحركة غلط عليها زي ما انت عارف.



وافقه وهو يحرك رأسه فيما قد خانت رأس "غسان" نفسه ما ان استند على المقعد التي تستريح عليه في الخلف ووضع يديه يسند رأسه التي وُضعت فوق رأسها وهي ترفع عينيها ناحية تعبه بشفقةٍ جعلتها ترفع كفها الموضوع عليه اللاصق الطبي وأرجعت خصلاته إلى الخلف تزامناً مع تمرير كف "حامد" على ظهره وهو بجواره ومال يشاكسة بعدة كلمات جعلته يبتسم بهدوءٍ لوالده الذي بان خوفه عليه واحتواءه بحبٍ جعله يمتن لكل شىء ساعد بجعل هذا الرجل والده هو وليس والد شخص آخر.



قطع كل ذلك صوت "شادي" وهو يتحدث مع "منة" في الهاتف :



_«وصلتي هناك يعني انتِ وباباكي؟»



على الناحية الأخرى كانت هى بين الفتيات وعلى بعد كان والدها يجلس مع  "آدم" فأجابت بعلوٍ :



_«أه وموجوده عند طنط دلال ، بس هى فوق دلوقتي ،. طمني انت ؟ ، هاتلي نيروز نكلمها يلا !»



فتح مكبر الصوت وهو يضحك من الكلمات بجوارها التي تحثها بلهفة التحدث مع "نيروز" فلبى غرضهن وأعطاها الهاتف مشاكساً اياها بخفةٍ:



_سمعي صوتك لجماهيرك يا ست!



ابتسم "غسان" حينما سمع اللقب الذي لقبها به ، قصد وتعمد قول الكلمة الأخيرة بإعتبار ان أكثر ما يعشقه صديقه هى "الست" «كوكب الشرق».



ابتسمت "نيروز" بحرجٍ والتقطت الهاتف تحدثهن وسعدت من لهفتهن وسعادتهن بسماع صوتها من بداية "جميلة و فريدة ومنة ووسام وفرح" إلى حتى والدة الأخيرة  التي بقت معهن هنا وتم صعود بقية النساء حتى "زينات" ، ردت حينها مثلهن على "أسماء" التي حدثتها بخوفٍ استشعرت الأخرى بصدقه وتعجبت  وردها العادي هذا عليها كان من ما فعلته مع "غسان" من شهادة في صفه ، فإحترمتها واحتفظت بهذا الواجب التي فعلته معهما بعدما كانت لا تقبلها ابداً ، والآن أصبح هناك بوادر قبول لـ "أسماء" وليس من "نيروز" فقط بل من الكل!




        
          
                
_لا اسبقوا انتوا فوق بقا ، مش هنتأخر ، قربنا خلاص!



تفوهت بذلك ثم سعلت فتوجعت ، فإلتقط منها الهاتف وقدمه لصديقه ثم أشار لها بأن تستريح وابتسمت بإتساعٍ ما ان تعمد "شادي" أن يزيد من علو الصوت الذي قام بتشغيله من أجلهما بمشاكسةٍ …



فتلاقت الأعين ما ان ابتسمت بإتساعٍ حينما استمعت لـ:-



_«هات عنيك تسرح فى دنيتهم عينيا



هات ايديك ترتاح للمستهم ايديا



يا حبيبى تعالى وكفايه اللى فاتنا



هو اللى فاتنا يا حبيب الروح شويه



اللى شفته قبل ما تشوفك عينيا



عمر ضايع يحسبوه ازاى عليّا»



لبى النداء من أكثر صوت يفضله وتشابكت الكفوف والأعين مع الإبتسامة الواسعة الممزوجة بتعب الإثنان معاّ وتركها تكمل دون ان يلحظ بأنه بات يقيم في عسليتيها ولم يستطع الخروج بعد :



_«يا اغلى من ايامى



يا أحلى من أحلامي



خدنى لحنانك خدنى



عن الوجود وابعدنى



بعيد بعيد أنا و انت 



بعيد بعيد وحدينا…»



ابتسم "والده" بإتساعٍ على مشهدهما ودعا لهما بسره عكس سخريته المضحكة التي خرجت في علوٍ بالسيارة مما جعل الضحكات تخرج ما ان علق ساخراً:



_كان يا ما كان ، كان هناك واحد بيقول مستحيل أبقى نحنوح زيك يا  حامد ، ومن غير حاج كمان .



تعالت ضحكات "غسان"هذه المرة مع خجل "نيروز", وهي تضحك في حين ٱكمل "شادي" بنفس السخرية:



_أيوة يا حامد ، أنا عارف الحدوتة دي ، سمعتها كتير قبل كدة!



هنا وفي هذه اللحظة اطمئن صديقه ووالده ما ان خرجت فظاظته وتبجحه وهو يشير لهما بسؤاله الأول الذي كان به بدايات  هذا التبجح الذي طمأنهم:



_ أنا عايز أسأل سؤال !



فكان رد الاثنان معاً في صوتٍ واحد:



_إســـأل!!



وبكل ثقةٍ حرك "غسان" رأسه في اتجاههما وقال ببساطةٍ لا تتناسب مع قوله الوقح:



_ انتوا مال أهلكوا؟؟



ضحك صديقه بقوة مثل "والده" الذي يأس من ردوده فنظر هو نحو "شادي" وغمز الأول له حتى ردد الإثنان مجدداً هذه المرة بضحكاتٍ عالية يائسة في الرد:




        
          
                
_الله يرحمهم!



ضحك على ردهما واسند ظهره إلى الخلف بعدما ضرب عنق صديقه من الخلف ثم وضع يديه أسفل رأس والده يقربه منه حينها لم يستطع سوى  انه طبع قبلة على جبهته بالإجبار ورد في قلة حيلة جعلتها تضحك عليه:



_أبويا بقى ، أمري لله يا حاج حامد!



ضحكوا عليه وحينها لم تمر سوى دقائق وركن "شادي" السيارة وحثها على ان تعتدل برفق ثم خرج تزامناً مع خروج "غسان" ووالده ، والتفت هو يخرجها حتى تستند عليه ، وسار معها برفقٍ ما ان خرجت ببطئٍ ، ودخلت المدخل وهما خلفها ، ابتسمت  لكل من كان  ينظر لها بترحيبٍ من بعض السكان الذين على علم بما حدث ، ولكنها توقفت ما ان رأت "سلطان" الذي ردد في سعادة ملاحظاً نفس حجم معدتها:



_حمد لله على السلامة ، ألف حمد لله على رجوعك يا بنتي ، ربنا يكمل حملك على خير ويبعد عنكم ولاد الحرام .



ابتسم "حامد" وهو يضع يديه في جيبه مقترباً منه يشكره بطريقته على كل ما  فعله ، فيما كانت "نيروز" تشكره بصدقٍ في هذه اللحظة بعد شكر "غسان" ما ان خرج من عناقه:



_شكراً يا عمو على وقوفك جنبنا ، مش عارفة أقولك ايه ، ربنا يخليك.



ابتسم يرد عليها ونادى زوجته ترحب بعودتها فسعدت من كل هذا الحب أمام عيني "غسان" الذي أسند ذراعها كي تقف ، ثم حركها بعد ذلك مقترببين معاً ناحية المصعد ، وبالآخر كان صديقه ووالده..



_مكنتش أعرف اني محبوبة وغيابي فارق أوي كدة!



رددتها بتأثرٍ من ترحيب بعض السكان الذين كانوا موجودين  ووجودهم صادف عودتها ، وترحيب البواب وعائلته ، ابتسم وهو يضغط على رقم طابقهما ورد في لطافةٍ:



_عبيط مين اللي ميحبش وجود "نيروز"، وغيابها عنده  يبقى زي وجودها؟؟



اتسعت بسمتها من الثقة التي تتلقاها منه في مدحها دوماً , لم تشعر يوماً بأنه يهول ويفخم رغم ان الكلمات توحي بذلك ، ما أدهشها في كل ذلك هو أنها كانت ترى بأن الكل هنا في هذا المبنى يتجنب شخص مثلها بعدما عُرف عنها بأنها مختلة عقلية بسبب ما أخرجته عليها "زينات" ومن الناحية الأخرى اعتقدت ان عائلة كعائلتها لا يحبها البعض هنا بسبب كثرة المشاكل لذا يهاب ٱحد التعرف بقوة أو الاقتراب كي لا تُسحب  أقدامهم ناحية المشاكل والعقبات التي لا تنتهي!



وجدت نفسها أمام باب الشقة في الطابق السابع ، الذي فتحه "غسان" وخلفه الإثنان الذان خرجا من المصعد الآخر وعقب ما فتح الباب وجد التجمع الهائل من  أفراد العائلة جميعاً واتسعت عدستي "نيروز" وضحكت بسعادةٍ. بالغة ما ان تعالت الزغاريد بقوةٍ في الشقة بأكملها ..




        
          
                
تعالت زغاريد من الفتيات وهن يهرولن ناحيتها مع اخذ الحذر بعدم الاندفاع ، فعانقتهن جميعاً بتأثرٍ واشتدت في عناقها لمن لم يستطعا الذهاب إليها  بعدما فاقت ، في عناق "جميلة وفريدة و وسام" ومؤخراً "أسماء" التي كانت أول من بادر في مساعدتها خوفاً من سقوطها فأسندتها معهن ناحية الغرفة في شقتها ، بعدما رحب بعودتها "بسام وآدم وطارق" وبالطبع السيدات جميعاً..



فيما بقت "وسام" بين ذراعي "غسان" الذي ضمها بشوقٍ وحنان دخل يأخذ من نصيبه "بسام" وهو يضحك ..



جلس الشباب والرجال في الخارج ، وفي المطبخ كانت السيدات مع بعضهن و الفتيات ، بينما بقت في داخل الغرفة مع "نيروز" ،  شقيقتيها الاثنان وبين ذراعي "نيروز" "يامن" الذي لم يرض تركها كما لم ترض هى وهي تبتسم بسعادة لهذا التعلق.. وبعد قليل  دخلت "جميلة" تحمل الأطباق ومعها "سمية" كي تأكل "نيروز" فتولت "سمية" الأمر وكى تصبح "نيروز" على راحتها دون ازدحام خرج كل من في الغرفة ومازالت هي والصغير يأكلا من يد "سمية" أحدهما من يد والدته والآخر من يد جدته!.



دخل هو عليهما يلتقط ثياب من الخزانة وابتسم يترك لها المساحة مع والدتها ، ولكنه دخل المرحاض الذي في الغرفة كي لا يدخل ما في الخارج..



ابتسمت ما ان سمعت الأصوات العشوائية في صالة شقتها في الخارج ، والتي جلسن بها الفتيات بجوار بعضهن وفي شرفة صالتها كانت تقف "أسماء" مع "ياسمين" و"وردة" التي اكتشفت ان هناك ثباب معلقة على الحبال لم تُجمع. فعملت على جمعها وأذنيها تلتقط قول شقيقتها الأخرى:



_بصراحة يا بت يا أسماء انتِ طلعتي جدعة أوي خدي بوسة ،شكلك هتنضمي لقسم الحربيات عندي!



ضحكت "أسماء" وهي تُقَبل منها في حين ضحكت "وردة" ورأت الفتيات يقدمن عليهن في الداخل مع تساءل "فريدة" بغرابةٍ :



_أومال فين "جميلة"؟



_مش عارفة تلاقيها جوه مع "نيروز"وماما



نطقت"وردة " بذلك في حين تاهت "فريدة" ما ان وجدته يشير لها بغمزة من على بُعدٍ ، جعلتها تقترب منه ما ان نهض يعدّل ملابسه محاولاً الانصراف ،فآقتربت وقال هو مباشرة:



_مش بينا احنا ولا ايه ؟ المفروض نسيبهم يرتاحوا بقا.



وافقت برأسها وحثته قائلة:



_ عندك حق ، تعالى ننزل نقعد عند ماما، مش عايزة اروح دلوقتي!، لو عايز ترتاح تعالى ارتاح في  أوضتي.



وافقها دون جدال ، ورافق الإثنان بعضهما حتى خرجا من باب الشقة ، ووقت عن وقت فَرق الآن ما ان خف هذا التجمع تدريجياً ولم يتبق سوى "سُمية" و"غسان" الذي جلس يغلق لها أزرار منامتها و"سمية" التي تمشط لها خصلاتها برفقٍ، استندت بعدما انتها الإثنان ، ووقفت "سمية"  تلتقط الثياب ونهضت تخبرهما:




        
          
                
_أنا هخرج احط  كل الهدوم في الغسالة ، عشان مبطمنش للمستشفيات واللي فيها ، وهقعد في الاوضة التانية ابقى نادي لو احتاجتي حاجة .



لا يريد الرفض ولكنه فعلها بحرجٍ مردداً:



_خليكي معاها هنا وأنا هطلع أنا.



_لا، خليك ، أنا مش هتكسف يعني من جوز بنتي ، أنا معاكم مش نازلة ان شاء الله.



خرجت بعد هذا القول مغلقة الباب خلفها ، فعاد يجلس جوارها على طرف الفراش وصمتت  دون تدخل كي لا تنحاز لأحدهما  وتترك الآخر..



وتلقائياًّ مالت برأسها عليه لتستند وأغمضت عينيها بإنهاكٍ وخرجت نبرتها تسرد عليه:



_وقت قصير عدى بس كان أطول حاجة ومكنتش مرتاحة طول ما أنا مش هنا في المكان اللي برتاح فيه وسانده علي كتفك ومش حاملة هم للدنيا  



هذا نفس حاله هو ، لم يبادر  بقول شىء وتركها تكمل بقية كلماتها بهدوء:



_غدارة أوي الدنيا والساعات اللي بتعدي فيها ، طول عمري بخاف من الوقت.



أسند "غسان" ظهره على الفراش فيما كانت هى جواره تستند عليه وكالعادة تركها تتحدث كيفما تشاء ، حتى هذه اللحظة:



_بخاف منه أوي يا "غسان" ، من أول ما بابا تعب وبدأ يغيب عن البيت بالأيام والأسابيع واحنا هنا مستنين ومش عارفين مستنين الوقت اللي هيرجع كويس فيه ولا العكس ، وبخاف منه لسه حتى بعد ما ربنا اختاره ، عشان لحد دلوقتي عايشة في حالة انتظار الوقت اللي يرجعلنا فيه من تاني مع اني عارفة انه خلاص مش هيرجع.



هنا حيث وجع لم ولن يشعر به سوى من عاش هذه العقبة الصعبة ، مهما حاولت اختصار وجع فقدان الأب والسند الحقيقي فلم توفي الكلمات هذا أبداً ، نزلت دمعتها بشوقٍ وهي تضيف بكسرةٍ وحنين:



_وحشني أوي ، وحشني في كل حاجة ناقصة وجوده ، وحشني حضنه اللي مش عارفه ألاقيه في حد غيره ، ووحشتني أحلامي اللي كنت بحلمها وفاكرة اني حققها وهو موجود في ضهري ، وحشني يقولي "يا وردتي الصغيرة يا نيروز".



فقدان الأب ، هذا داء لا دواء له ، ولكنه حاول ما ان رد بتأثرٍ:



_ومن غيره قادرة تحققي أحلامك ، وأنا قولتلك قبل كدة ..



وأكمل بابتسامة هادئة وعينيه لا تفارق عسليتيها:



_قولتلك اني مش هعرف أكون أبوكي ، بس ممكن أقدر أحسسك اني في مكانه.



_انت حاولت تعمل كل حاجة كانت نقصاني، ونجحت.



كان هذا قولها الذي جعل دقاته تتسارع وقد سمعتها وهي بين ذراعيه ، فلاحت ابتسامة صغيرة على ما فعلته دون أن يظهر لها مدى تأثير هذه الكلمات ،  وضحكت تمسح وجهها وصارحته مندفعة:




        
          
                
_وانت بتنجح قدام كل الناس في انك تداري اللي جواك ، إلا قدامي.



ضحك "غسان" معتدلاً ورفع  حاجبه الأيسر في إعجابٍ مردداً بمزاحٍ:



_أحلى حاجة فيكِ انك بتتكلمي بثقة ولايقة عليكي ، ثقة في محلها مش زي ناس!



تذكر "مروة" في الحال ، فابتسمت تغمزه في خفةٍ واعتدلت رغم التعب ولكنه وجد عينيها منهكة بقوةٍ حتى ان رأسها قد مالت بخفةٍ وبين وعي يبدأ في الاختفاء ، لا يصدق ان الأدوية تفعل بها كل ذلك  كالمسكينة ، دارت عينيها فإعتدلت تلقائياً تنام على الفراش  ما ان أسندها وأسند رأسها على الوسادة ، وشعر بأنه مقبل على نوم هو الآخر فلم يتحرك كي لا تقلق وتفوق إلا ان نام جوارها وتحرك بحذر كي لا يصطدم بمعدتها ، وجذب الغطاء بخفةٍ وهي بين ذراعيه تنعم براحة وأمان مادام هنا وجوارها وجار قلبها!



________________



وقت كبير يمر في أربعة شُقق في طابق رقم ثلاثة ، كل شقة يُغلق عليها من بِها وشقة منهم تفقد شخص تعتقد بأنه في شقة من احدى الشقق الجانبية ، غافيلن عن ان ذلك الشخص ليس بأيٍ منها أبداً ، وأصبح القليل على  القلق بعد قليلٍ ، أصبح الأقل على اكتشاف ذلك من أقربهم للمفقود الذي اكتشف نفس ذلك الغياب من قبل ، و حينها كان المفقود بين الخطر يواجهه بذاته مع  اثنان أخران ، والنجاة تمثلت في معجزة قبل أن تسقط وتهوى بحفرة الضياع!



________________



سير كثير لا نهاية له ، أفكار وتشتت وكل شىء يلح عليه الآن قطع هذا بنفسه حينما قرر العودة لنفس المكان الذي انهار به ، قرر الجلوس مجدداً أمام هذا القبر ، ولكن هذه المرة تختلف ، هذه المرة يجلس بصمتٍ وكأنه لم ينتهي بعد من أوجاعه ولكن بمجرد جلوسه هكذا يشعره بأنه يفعل شىء هام ولا يعلم ما هو ، ربما لم بجد مكان ليقيم به سوى هنا ، أمام قبر والده يكررها ، من قبل ساعات ما يجعله ينهض هو اداء فرضه في المسجد ثم يعود جالساً على نفس الصخرة.. والمساء على مشارف الدخول ولكنه مازال هنا !!



على عقله زوجته ووالدته وشقيقته وكل شىء يخصهم حتى أنه لم يشعر بنفسه الا عندما حاول ان يرافق والده وهو ميت!! ، يحاول فعل العكس من عزم وجعه



_كان نفسي تكون موجود ، كنت هبقى راضي شوية ، يمكن الحمل كان خف يا با ، أنا قاعد قدامك بدور على تبرير وكلام يضيع اللي عملته المرة اللي فاتت ،  متستغربش لما اجيلك تاني زي دلوقتي وأقولك عديلي اللي عملته فيك وانت ميت ، أصلك سيبتني كدة سيبتني متعود أشيل كل حاجة على دماغي ، أشيل كل ذنب مليش ذنب فيه من أصله!



الكلمات بدون ترتيب ، ولكنه لا يرد النهوض ، لمعت عينيه وأخرج أنفاسه يكمل:



_عايز أقوم ، نفسي أمشي ، بس مش قادر ، مش عارف أعملها ،وكل مرة بتكسر لما بكتشف اني مليش في  الدنيا سند أجرى عليه ، حتى لو مكنتش سند وحتى ولو انت مش موجود بس زي ما بسمع علطول من كل الناس اللي حواليا ، بسمعهم يقولوا الأب سند ، كان نفسي أوي تكون سندي.. بس أنا عملتك سند وانت ميت ، وهربت عليك حتى ولو مش حابب!.




        
          
                
ابتلع ريقه مبتسماً بأسىٰ ، وتنفس بعمقٍ يخرج دفء أنفاسه بحرارةٍ وأضاف:



_عارف؟ أنا عمري ما بصيت  لحياة غيري ولا حقدت على حد ، بس اكتشفت اني عيان ، عيان باللي عملته ومشيت ، وجزء مني طلع مش راضي في الدِرا ، عشان مكنتش واخد بالي اني محتاج ، شخص محتاج حب وحنان من راجل مش من ست مجبرة تعطيه وزيادة عشان بس انا الراجل بتاعها دلوقتي هى وبنتها .



فضحك ساخراً من كل شىء وهو يعتدل على هذه الصخرة متلمساً وجهه من بين ضحكاته هذه وصرّح يسب الحب ذاته:



_ينعل أبو الحب يا با ، والله ينعل أبوه ألف مرة ، كان نفسي أقولك كده المرة اللي فاتت.. وكان نفسي برضه أعرف انت كنت عامل ايه في حياتك عشان أمي تحبك وتتمسك بيك وتقبل على نفسها اللي مفيش ست تقبله عشان تخاف تظلم أسرة غيرها ، حتى أمي خليتها زيك ظالمة وهي مش حاسة انها ظالمة، ضيعت عقلها معاك  ولحد دلوقتي كل ما تتفتح سيرتك بتمنع ألف مرة قبل ما أفكر اقول في حقك حاجة قدامها !



سقطت حينها هذه الدمعة الساخرة القاسية وهو يكمل ما بدأه من وجع:



_بسب الحُب وأنا بحب ، وعاطيك عذرك عشان يمكن لو كنت مكانك كنت هسيب كل حاجة في الدنيا عشان "جميلة"، الفرق بيني وبينك اني شايف نفسي انسان ، ولو كنت هسيب كل حاجة في  الدنيا مكنتش هسيب عيالي وأنا أب ، ولا كنت هسيب مراتي الأولى كدة حتى ولو كنت مبحبهاش.



لوى فمه في استهزاءٍ وتحشرجت نبرته ما ان استرسل قائلاً:



_انت  معندكش انسانية ، مرحمتش ، مع ان اللي بيحب ببقى عنده اللي مكنش عندك ده ! ، عشان كده أنا مش عارف لحد دلوقتي حبك لأمي ده كان حب ايه؟!



ابتلع ريقه وسالت الدموع بمشاهد مختلفة أمام عينيه لصغار مع والدهم وهو وحيد يسأل حاله :«أين أبي؟».. أغمض عينيه بإنهاكٍ …



غافلاً عن حارس المكان الذي آتي من على بُعدٍ وجواره فتاه ترتدي ملابس سوداء انتبهت للتو لما يردده ذلك الحارس بلهجته التي تكاد تفهمها:



_"هو ده القبر يا زينة البنات,ولو رايدة تعرفي مكان الدار نيجوا معاكي نوروه ليكِ طوالي ، زي ما انتِ رايدة وأنا معاكِ!"



طغى السواد على ملابسها كما في المكان وهي تقف من على بُعدٍ تنظر نخو ذلك القبر فقط  نبست بشكر:



_"شكراً"



هناك ضوء خافت تركه ووقف ينظر لتحديقها بالقبر فأراد ترك المساحة لها وسار ناحية البوابة يحتسي المشروب عقب ما تعود له ، فالإضاءة تخفت شىء عن شىء وهو  لم يسمح بوجودها أكثر من خمسة عشر دقيقة!، وكانت خفيفة في الانتباه ما ان أعطته وهي تدخل في يديه ورقة مالية أخرسته وجعلته يتلهف للمساعدة فيما دخل الآخر قبل ان تختفي الناس ويعتقد بأن ليس هناك أحد!




        
          
                
اعتقاد فاسد ، هناك هو يجلس ولم تراه تلك التي حاولت الاقتراب ، هناك خوف من رهبة المقابر ولكنها تجرأت ولا تعلم كيف وصلت ، فبعد كلمات والدة زوجها لها بدأت الافكار تصعد لرأسها وحاولت الوصول إليه بيأسٍ لا تعلم بأن اليأس سيصبح صدمة ما ان تجده ، ما ان تجد "جميلة", زوجها وهي تتفقد المكان والقبر! قبل ان تقرر الذهاب ناحية منزل العائلة المغلق من الأساس! 



خفق قلب "جميلة" ما ان استمعت لنبرة رجل باكية تحفظها عن ظهر قلب ، فأصاب السهم قلبها ما ان وقف خلفه متسعة الأعين في هذه الإضاءة الضئيلة وأذنيها تستمع لما جعل فؤادها يهوي بهيئته هذه وهو جالس هكذا:



_مش هقولك تقولي ارجع ازاي ، هقولك تقولي كنت قادر تعيش ازاي ، عشان أنا كمان نفسي أعيش مرتاح حتى ولو في مشاكل بتقول ان الراحة اتشالت من عندي ، قولي اني استاهل ، استاهل أفرح ، واستاهل اتسند بدل ما أسند ، استاهل يبقى ليا أب واستاهل أرتاح من كل حاجة، استاهل أعيش مع مراتي في راحة بال من غير ما حياتي تتأثر ، استاهل احط عيني المكسورة في عينها ، استاهل ابص في عينيها وأنا مش حاسس اني قليل، واستاهل كتير ، كتير أوي يا بابا!!!!.



نزلت دمعتها بغير تصديقٍ وهي تركض من خلفه وسقط من يديها هاتفها وحقيبتها ، مما جعله يلتفت ممسكاً حجر بيديه بإعتقاده أنه حيوان سيهاجمه ، لكن ضاع منه هذا وتراحت يديه ورجع إلى الخلف ما ان وجدها تندفع بين أحضانه وهي تردد اسمه ببكاءٍ :



_عــز!!!



ابتلع ريقه في صدمةٍ وتراخت يديه بغير تصديق ، كيف وصلت ؟؟ هل هى هنا حقاً؟ ، أما هى فبكت بقوة ، قوة كبيرة لم تنفجر بها من قبل ، بكت وحتى هو لم يبادر بتحريك يديه ليبادلها هذا العناق الموجع!!



_ليه ؟؟ ليه سيبتني ومشيت؟ ليه عايز تبقى لوحدك من غيري؟؟ رد عليا!!



ترجته باكية وهي تتشبت في يديه ، أما هو فضاعت الكلمات واقترب ببطئٍ شديد ، شديد يسند رأسه على قمة صدرها وجلس على التراب  اما هى فإستندت بظهرها على القبر وتركته يستند بتعبٍ وصدمة وجودها تختفي تدريجيا مع صمته!! ، فيما خرجت دموعه خلف بعضها بسكونٍ ، ربما كان ضائع فقد كل شىء إلى أن وجدها !! ، ما ان استمعت لشهقاته المكتومة بكت هى بصوت مقهور وهي تضمه حتى بادر بربط كلا يديه خلف ظهرها وبكى هو الآخر ..



بكاء من الاثنان لم يتوقف ،  طاقة سلبية تخرج منهما وهما في أحضان بعضهما على هذا التراب وأول ما أخرجه من كلمات لها من بين دموعه الصامته:



_انتِ هنا ؟



لم تجيب السؤال كما يريد بل ردت تكمل الكلمات بـ:




        
          
                
_عشانك!



أغمض "عز" عينيه بإنهاكٍ ولم يسلم من كلماتها وهي تتحرك لتحرك كفه بلهفةٍ معها:



_يلا ..يلا نمشي من هنا بسرعة ، يلا نروح بيتنا يا عز!!



رددتها بانهيار جعله يستند عليها ووقف معارضاً ينفي برأسه:



_أنا مش راجع!



فتحت "جميلة" عينيها على وسعها وتشبتت في كفه تسأله ببكاءٍ منهار:



_يـ..يـعني ايه؟



هرب من عينيها وعكس حنوه الدائم ردد بكل قسوةٍ على قلبها:



_ارجعي لوحدك يا "جميلة" ، انتِ جاية ليه؟ جايى تجبريني أبص في عينك بعد ما اتكسرت قدامك؟ انتِ عايزة ايه؟ .



وصمت يسألها بتعبٍ قبال صدمتها:



_عايزة توجعيني؟؟



لم يكن قوله حاد بل كان ببكاءٍ جعلها تنصدم من الكلمات ورفعت عينيها الباكية تفسر له بلهفةٍ:



_ امشي لوحدي؟؟؟ ، أوجعك؟؟ من امته بعرف أوجعك يا عز ، من امته جالك قلب تسيبني ؟؟



لم تعطه الفرصة بل ازداد البكاء وهي تنهار عليه:



_من امته جالك قلب تلف ضهرك ليا من غير حتى ما تقولي انك راجع ، أو من غير ما تقولي اني مظلومة زيي زيك، سيبتني مع وجعي ومشيت مع ان كان ليا الحق اني اهرب زيي زيك بالظبط، دلوقتي بتقولي امشي؟؟؟



لا تصدق ، لا تصدق أشياء كثيرة جعلتها تردد بغير التصديق ذاته من جديد:



_بتسيب ايدي تاني؟؟. هتلف ضهرك ليا كمان ؟؟ بعد ما رميت كل حاجة رغم وجعي منك وجيت؟؟ ، أنا قدرت وجعك ، والله العظيم قدرته بس ملقتش اللي يقدر وجعي ، انت زودته عليا بغيابك ، حتى مهانش عليك تقولي انك بخير ومش مهم تقول المكان ،انت كنت كدة من امته؟ ولا أنا اللي مخدتش بالي؟



سالت دموعها بوجعٍ ، جعله يمسح وجهه في إنهاكٍ وسألها بتعبٍ:



_بعد اللي حصل ، أنا مكنتش عايز أخسرك ، ولسه لحد الآن ، بس وجعي مخليني مش قادر ، مش قادر ابص في عينك ، ومش قابل أرجع تقعدي معايا وأنا كدة ، مكسوف منك ، أنا راجل ومكسوف أبص في مراتي، في ايه اصعب من كدة عليا يا جميلة!!



_مني؟؟ مكسوف مني أنا؟؟ طب وأنا؟ أنا متكسفتش ليه ؟ متكسفتش ليه أكمل معاك بعد كل اللي حصل ، بعد ما اكتشفت ان ابويا سبب فتدمير حياة مرات ابوك وعيالها ؟  متكسفتش ليه أكمل بعد ما اختك سلمتني للخطر بإيديها؟ وبعد ما أخوك ضيع أختي؟؟؟




        
          
                
ذكرته بكل شىء ، ربما في هذه اللحظة كان لا يتطلب ذلك ، ولكنها لم ترض ان تكمل بل تابعت بوجع شديد تبرهن:



_أقولك أنا متكسفتش ليه؟ أقولك؟..عشان حبيتك وحبي ليك كان فوق كل حاجة ، فوق أسباب تخلينا نبعد وأنا قولت لا ، عز أهم ! ، قولتها وأنا كنت موجوعة ومحدش قدر وجعي ودوست على وجعي وقولت لا !!



وصرخت بصوتٍ عالٍ وهي تضرب قمة صدره بإنهيار تكرر الكلمات بوجع:



_قــــولت لا ، قولـــت لا عشـــانـــك!!!



حاول ان يقترب ممسكاً كفها كي تكف عن البكاء ولكنها نفضت يديها تكمل بصراخٍ منهار لما شعرته من قلة أمامه ، كل منهما بشعر بأنه قليل أمام الآخر ، حتى الآن. حتى الصراخ التي رددت به:



_ابعــد عني ، ابــعد !! 



حاول احكام مسكها ولكنها رفضت وانحنت تلتقط حقيبتها وهاتفها ، وعادت تعتدل وهى تمسح وجهها بعنفٍ حاولت التحرك من أمامه ولكنه التقط مرفقها سريعاً وتساءل بتعب:



_رايحة فين يا "جميلة"؟



_ماشية ، زي ما انت قولتلي بالظبط ، امشي عشان موجعكش يا..معلم عز!



هتفت بها "جميلة" في سخريةٍ  وانهاك ، نظر ناحيتها وهي تحاول التملص من بين قبضته ولكنه منعها بقوله الهادئ رغم انهيارها وهي تبكي محاولة الابتعاد :



_مش هسيبك تمشي لوحدك!!



ابتسمت بسخريةٍ ونفضت يديه عنها ولكنها لم تستطع فرددت بتهكم موجع:



_لا ما انت عملتها،  وعملت  الانقح من كدة ،. سيبتني ٱتوجع لوحدي ، سيبتني اتوجع من اللي حصل وزودت وجعي عليك ومنك ، بدل ما تبعد ونتشارك وجعنا ده مع بعض.



أغمض "عز" جفنيه من هذا التعب والضغط وابتلع ريقه  محاولاً التحدث ببحةٍ:



_مش هسيبك يا جميلة ، مش هسيبك كدة!



حاولت الإبتعاد عنه ولكنه وقف هكذا كسدٍ منيع لما تحاول فعله،استسلمت ونظرت ناحية عدستيه وهو يتحدث بتوضيحٍ منهك:



_هاجي معاكِ .



هل هناك أمل؟ وققت تنظر بمفاجأةٍ ، ولكن خاب أملها من جديد ما ان تابع:



_هوصلك بيت أهلك ، وهرجع لحد ما أبقى قادر من تاني!



نفت برأسها ما يردده من إصرار ، هل كل ما رددته لم يؤثر به ؟ ، سالت دموعها بخيبةٍ وصرخت به بإنفعالٍ:




        
          
                
_امــشي ، امشي متجيش معايا ، كتر خيرك أوي ، مبشحتش حماية من حد!!



ضغط على فكه وقبض على مرفقها بانفعال كتمه للتو كي لا يخرج عليها ولكنها صرخت بوجعٍ فتركها على الفور ولكنها هى من هرولت قبله تبتعد عن هذا المكان، حاول اللحاق بها سريعاً بعدما خرجت من البوابة ، ووقفت على الطرق لتوقف" مشروع" ولكنه مد كفه يتمسك بكفها خلفه لناحية أخرى حاولت منعه بكل الطرق ولكن هذا ضاع ما ان همس حتى لا يلفت الأنظار :



_قولتلك مش هسيبك كدة ، امشي معايا!



رددها بهدوءٍ جعلها تلبي غرضه وهي تبكي ، ووقف بها على الناحية الأخرى الصحيحة بالوجهة التي تريدها  الخروج من هذه البلدة  لركوب مواصلة أخرى ، احتواها أسفل ذراعه وهي مجبره على عدم تحريكة عنها بنفور كي لا تلفت الأنظار ناحيتها ولكنها مازالت تبكي  ، فتح حقيبتها بصمتٍ وبحث عن منديل ورقي ، والتقطه ليضعه على وجهها ولكنها منعته وهي تدفعه بطريقة ليست ملحوظة ، مسحت هى وجهها به ، وأشار هو لمواصلة ركبت بها ثم صعد يركب جوارها بصمتٍ موجع لهما 



وكان هذا الصمت المرافق لهما طوال الطريق فلم تتحدث بشىء فقط دموعها على وجنتيها ونظراتها ورأسها تستند على الزجاح بشرود وهو يتابعها بعجز ولم يستطع ان يتفوه بشىء طوال الطريق ، وهذه كانت جلستها حتى مع اختلاف المواصلات التي استغرقت وقت كي تصل ، فهي لم تصل بعد حتى بعد مرور وقت ليس قليل ، وهناك تركت القلق !



_____________



أنهى أداء فرضه هنا جوارها قبل قليل ، بعدما أخذ قسط من النوم والراحة ، نهض "غسان" يطوي سجادة الصلاة ، وخلع سترته في ضيقٍ ولكنه تفاجئ ما ان وجد عينيها مفتوحة تنظر في اتجاهه وهي تبتسم تحاول الإعتدال على الفراش ، أرسل لها ابتسامة صغيرة قبل ان يتحرك وجلس بجانبها متساءلاً :



_حاسة انك أحسن دلوقتي من الأول ؟



_الحمد لله!



هكذا كان ردها وهي تحاول الإعتدال فساعدها ولكنها ابتسمت تمرر يديها على خصلاته برفقٍ تتحسس الجرح ، وكلما تنظر تتذكر العقبات ، فاجئته ما ان سألته بثباتٍ رغم الخوف الذي كان بداخلها والذي جعلها تتساءل بكلمة واحدة فهم مضمونها الذي خلفها:



_هتتنازل؟



لم يرض التحدث عن هذا الآن بين هذا التعب وهي كذلك لا يصح لها التفكير أو أن تحمل شىء فوق طاقتها لذا رفض التحدث وحاول انهاء هذا بضيقٍ:



_نبقى نتكلم بعدين يا نيروز ، مش وقته الحوار ده!.



هروبه هذا وضيقه السريع يقلقها أكثر وأكثر ، تنهدت تخرج أنفاسها ببطىءٍ وسألته:




        
          
                
_أنا ملاحظة انك مش طايق لحد كلمة ، حتى انا بتحاول متتصعبش عليا وبرضه حصل ، فيك ايه يا غسان احكيلي ومتقوليش انك لسه خايف عشان مش هقتنع لما تدخل دي في دي ، أنا فاكرة كويس اننا كنا خارجين وهتقولي ايه اللي مزعلك وشاغلك وساعتها حصل اللي حصل ده!



تلاقت عينيه معها في صمتٍ جعلها تبادر في احتواءه وهي تتشبت في كفه وترجته بعدستيها قبل شفتيها:



_احكيلي مالك!



لحظات من الصمت سادت بينهما وهي تنتظر وهو يحث نفسه على التحدث ولكنه يبحث عن الطريقة ، تنهد "غسان" يخرج أنفاسه وبان أسفه وهو يحتويها أسفل ذراعه مخرجاً تنهديته بقوله:



_نفسي أحكيلك بس خايف!



رفعت "نيروز" رأسها من ما صرّح به وسألته بغرابةٍ :



_مني؟



هل تششكت به للتو؟ ، ابتسم ينفي وعدّل ردها برده :



_عليكِ.



أخذت رده ببساطةٍ واتسعت ابتسامته تشجعه بلهفةٍ من رغبتها في اخراج ما بخفيه ويحزنه هكذا:



_احكيلي، أنا كويسة متخافش مش هيحصل حاجة!



تابع لبرهة وتعمد أن يضحك وبالفعل بدأ في سرد ما يريد قوله ولكن بأخبث طريقة ممكنة حينما بدأت خطته وهو يتلمس معدتها بطريقة جعلتها تنتبه وهي تبتسم غافلة عن ما هو قادم لها:



_مفكرتيش قبل كدة هنسمي ايه ؟



قوست"نيروز" حاجبيها في دهشةٍ من سرعة سؤاله في هذه اللحظة دون مقدمات ولكنها نفت وهى تضحك بخفةٍ  وأخبرته:



_لأ بصراحة ، مبفكرش زي "ياسمين" ، سايباها زي ما تيجي تيجي زي ما انت قولتلي، ودي أحلى حاجة ، خطط ربنا أحسن بكتير!



توقفت عند حماسه الذي برعه في رسمه عندما سأل لذا أراد رد آخر غير هذا كي يرد بالرد الذي حث نفسه برده ، وتحقق مراده ما ان سألته :



_بس قولي ، بتفكر انت نسمي ايه؟ لو بنات مثلاً !



صمت "غسان" يفكر  ثم أعلن جهله ما ان رد :



_لا مش في دماغي اسم بنت محدد ، بس لو فيهم ولاد عندي اسم  متأكد انه هيعجبك!



لا يريد تسمية ما سيردده في القادم ولكنه مجبر على قول هذا الآن فقط حينما سألته:



_بجد ؟ طب قول!



_ايه رآيك في اسم "عاصم"؟.



، هل ردد بإسم الطبيب النفسي حقاً؟؟ ،هذا الإسم تحديداً يذكرها بأشياء لا تريد تذكرها، رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وصرّحت بصدقٍ:




        
          
                
_لا مش حباه  ، بيفكرني بشخص مبحبش افتكر الأيام اللي كان موجود فيها الاسم ده .



سأل بعينيه بخداعٍ ، وتطلب الموقف والخطة قول هذا :



_مين ده ؟



اعتدلت بتعبٍ تردد بتلقائيةٍ غافلة عن ما فعله بعقلها المسكين:



_دكتور "عاصم ٱمين" اللي كنت بتعالج  عنده!



كادت أن تسترسل ولكنها توقفت تنظر بتفحصٍ ناحيته وعقلها قد تذكر البطاقة التي وقعت منه وانتشلتها تخفيها قبل أن يقررا الخروج معاً ! 



هى الأخرى تتصف بالذكاء والخفة ولكن ما تأخذه من أدوية يبطئ  من هذا ، نظرت له بشرودٍ وجارته ما ان أخبرته بجديةٍ:



_ما انت عارفه ،  الكارت بتاعه مبيفارقش جيبك لو مش واخد بالك!



هل لمّحت له ؟ ، ولمَ ارتبك وهاب حدوث شىء يؤذي حالتها الآن ، اعتدل "غسان" ينظر ناحية عدستيها ، ولم يتوقع خفتها وهي تطالع عينيه بشكٍ وسألته أجرأ ما لم يتوقعه منها :



_انت بتحاول توصل لإيه يا غسان؟



كان هذا قولها  صراحةً ، اعتدل حينها ينظر داخل عدستيها ، ومد يديه يحتوى كفها بين راحته كي يغمرها الدفء والأحتواء عكس ما يريد قوله .. 



_بحاول أوصل لطريقة تخليكي قابلة تروحي تتعالجي تاني عنده!



لم يجد سوى الصراحة التي ستتماشى معها بعدما علم ان مقدار ذكاءها يتساوى معه الآن ، ابتلعت ريقها في صدمةٍ وشحب وجهها تحرك رأسها بغير وعيٍ ، لحقه على الفور ما ان ردد بلهفةٍ ولم يترك كفها:



_عشان خاطري ، وعشان خاطر عيالنا يا "نيروز"، وقبل ده كله عشان نفسك ، أنا مرعوب عليكِ ،وقبل ما تقولي اي حاجة ، اقسم بالله ما شايفك مجنونة ولا حصلت ، أنا شايفك هتضيعي مني وانتِ أكتر واحدة عارفه ازاي  الواحد ببقى خايف لما بيحس ان اللي قدامه ضايع، أنا عايزك تتعافي ،. تتعافي من الإنهيار اللي عندك ده واللي كان سبب في اللي انتِ فيه دلوقتي ومن قبل كده .



تجمعت الدموع في مقلتيها ولديها دائماً عقدة هذا اللفظ التي رددته له ببكاءٍ:



_أنا مش تعبانة ، أنا مش مجنونة يا "غسان"



كان يتوقع هذا الخوف ، احتوى رأسها بين كفيه وظهر الاختناق بنبرته وهو يردد:



_ عارف..عارف انك مش مجنونة واللهِ ، بس عشان خاطري فكري ، فكري في الموضوع ده وقبل ما ندخل في نقاش وكلام هنسكت ، أنا هسكت دلوقتي وانتِ كمان ، بس أوعديني انك تفكري وتديني ردك ، وخدي كام يوم فكري فيهم براحتك ، ماشي؟؟




        
          
                
فعل هذا كي لا تضغط من جديد ، نزلت الدموع منها وهي تتلمس معدتها وسألته :



_يعني انا السبب ؟ أنا السبب في اللي حصل  صح؟



تحمل نفسها ذنب صغارها الآن ، فخرج رده البارع ما ان عانقها  متنفساً بتعبٍ وصارحها :



_انتِ مش السبب ، بس لو وافقتي هتكوني سبب في  حمايتهم أكتر من كدة، لو كل ده بإرادة منك يا "نيروز" ، بلاش عشان خاطري ولا عشان خاطر حاجة ، بس عشان خاطر عيالنا ، وعشان خاطر أحلامك  اللي  بترسميها لما ييجوا بخير ولو يهمك فعشان خاطر قلبي المهلوك بخوفي اللي بقا ملازمني ومش عايز يروح !



نزلت دمعته الوحيدة وهو يصارحها بصدقٍ جعلها تتلهف وهي تمسح دموعه وخوفها على صغارها ثم عليه جعل الكلمات تؤثر بها ووعدته بلهفةٍ:



_أوعدك اني هفكر!



لا يصدق بأنها مرت ورددت بما كان يريدها أن تردده ، اعتدل يسألها بعينيه فحركت رأسها تؤكد له واستندت بتعبٍ على  كتفه والكلمات تترد في أذنها ، هل حقاً تُشكل خطرًا على صغارها ؟؟ 



أصابه القلق من صمت الدقائق وجعلها تبتسم ما ان حاول التخفيف عنها وسأل بسؤال كانت قد اشتاقت له:



_طب عارفة الست قالت ايه؟



_ايه؟



_" انت خلتني أعيش الحب وياك ألف حُب!!"



ابتسمت وهي تربط ذراعيها خلف ظهره ، حينها اتسعت ابتسامتها تحاول نسيان ما حدث و ان تنعم بجمال الكلمات وفقط في هذه اللحظة الذي قطعها صوت دقات الباب ،فإعتدلت هى ما ان حاول النهوض ، واقترب من الباب يفتحه لـ "سمية" التي سحبته في اندفاع ناحية الخارج معها وأغلقت الباب دون ان تلاحظ "نيروز", فكانت قد شردت بموضوع الطبيب والانهيار!!



لحظات ..دقائق ووجدت بعد ذلك والدتها تدخل الغرفة واقتربت منها تتصنع الابتسامة رغم الخوف التي اخفته ببراعةٍ ما أن أخبرت الآخر بأن يهبط ليرى العقبة التي حدثت من اكتشافهم لغياب "جميلة" قصدت عدم اخبارها ، بينما "غسان" هبط مسرعاً ليرى  الذي يحدث وتركها تراعي زوجته 



ومن بين الكلمات انتبهت "نيروز", لغيابة فتساءلت:



_أومال غسان راح فين يا ماما؟



هربت والدتها بعينيها منها وتحركت تخلع عباءتها لتبقى بثياب بيتية معها وهي ترد:



_ها!! ، باباه عاوزه تحت فنزله ، متقلقيش هيرجع  هيروح فين يعني؟؟



ابتسمت من مشاكسة والدتها الخفية ، وحاولت النهوض وهي تشير لوالدتها كي تساندها حتى تدخل المرحاض غافلة عن ما يحدث في الأسـفـل!!



____________



بينما في  الأسفل ، في شقة"عايدة" مكان القلق بعدما اكتشتقت ان ابنتها منذ ساعات لم تكن متواجدة  بأي من الشقق الأخرى ،. صدمة ، صدمة منذ أكثر من ساعة بعد اكتشافهما بذلك ، وما جعل "حازم" ينتظر هو انه يحاول اقناع نفسه بالعكس انها هبطت وستعود ، الهاتف بين يديه لا يتركه والخوف رفيقه ولكنه قرر الهبوط الآن ما ان التقط أذنيه قول والدته الباكي:




        
          
                
_بنتي ، هاتولي بنتي ، أنا قلبي مش مطمن ، دي نفس النازلة اللي نزلت فيها وراحت عند اللي ربنا يسامحه واتخطفت!



برقت عدستي البعض ، فيما كانت الآن "فريدة" تدخل بفزع هى و"آدم", ما ان علمت ، تساءلت بهلعٍ ولم  يجاوبها أحد ، فيما وقف الكل في توترٍ ، قطعه "بدر" الذي سأل بقلقٍ:



_ردت؟



نفى "حازم"* ما ان نهض مهرولاً للبحث عن مفتاح سيارته ولكن  من فسر له كانت "ياسمين" التي نزلت دموعها تخبرهم:



_لا ، تليفونها مفتوح وبيرن وهي مش بترد.!!



هاب الجميع ذلك بخوفٍ ، وسالت دموع الفتيات بما فيهم "فريدة" الذي وقف جوارها "آدم", بينما انتشل "حازم" هاتفه وصرّح سريعاً:



_أنا نازل أدور عليها ، ولو حد عرف هى فين من قبل ما أوصلها عرفوني علطول!



تصنع ثبات لاق به وبشدة ، هرول سريعاً ينتظر المصعد فركض خلفه "غسان"  والشباب ليستفهموا ويقرروا  أين الذهاب ، فيما تعالى بكاء "عايدة" ومن بأحضانها كانت "فريدة" التي رددت بلهفة ولا تريد تذكر الغياب منذ عقبتهما التي كانت مع "شريف" في غيابها:



_هترجع والله هترجع هتلاقيها راحت تشتري حاجة وراجعة .



ازداد البكاء وصرّحت "زينات" بأعين نزلت منها الدموع الصامتة:



_إزاي يا فريدة، ازاي؟؟ دي بقالها كام ساعة واحنا منعرفش!!



هى الأخرى خافت وهابت كأم لابنتها ، تعالى النحيب والبكاء و"دلال" تحاول أن تطمئنهم مع "فرح" والفتيات اللاوتي كان قلبهن يخفق بخوف والصدمة ررفيقة لهن! 



_ هدور عليها فأي مكان بالعربية ، لام أنزل ، دي بقالها كام ساعة، أنا هروح عند المستشفى والقسم وانتم عـ..



حاول "حازم" التحدث بذلك وهو يحاول التماسك ، وما جعله يتوقف وهو يسرد عليهم فتح المصعد من أمامهم ، حتى ظهرت هى به بدموعها وملابسها التي بها أثار الأتربة والصدمة الأكبر هى وقوف"عز" جوارها والذي خرج بعدما ركضت هى هذه الخطوات لترتمي بين ذراعي "حازم" ببكاءٍ شديد جعل الكل في  صدمة وركض آخر من "فرح", ناحيته وهى تبكي بصدمةٍ ولهفةٍ :



_ عز!! انت رجعت ، رجعت صح مش كدة؟!!



وكأنها لاتصدق احتوى عناقها وعانق معها "والدته" التي اقتربت بلهفةٍ تزيل شوقها أمام جميع الواقفين بذهولٍ قطعه هو وهو ينهي هذه التساؤلات برده:



_,أنا كويس الحمد لله.



حينها كان بأحضان الشباب عدا "حازم" الذي كان منشغلاً بشقيقته التي كانت تبكي وركضت ناحية الشقة في الداخل مما جعل "ياسمين" تركض خلفها هى و"فريدة" وعايدة" أما هو فوقف ينظر في اتجاه "عز" والذي سأله بحدةٍ بالغة:




        
          
                
_انت كنت فين ؟ واختي راجعة عاملة كدة ليه يا عز؟



وقف "غسان" يتابع انفعاله المبطن فوقف بينهما تحسباً لحدوث شىء هو و"بسام ", وتابع البقية  رد "عز", المنهك:



_أنا مش قادر اتكلم يا حازم ، لو سمحت سيبني ، اعذرني دلوقتي وبعدين هقزلـ..



فإندفع الآخر بصراخٍ عليه:



_أسيبك؟؟ انت سامع نفسك ؟  وشايف نفسك واقف ازاي واختي راجعة ازاي وبتقولي أسيبك؟؟ ، رد عليا حالاً وقولي انت كنت فين واختي وصلتلك ازاي؟؟؟.



ضغط "عز" على فكه وتعمد تجاهله كي لا تحدث مشلكة ، فيما أشار بيديه ناحية شقيقته ووالدته:



_ادخلوا  البسوا يلا عشان نمشي.



تحركا معاً في قلقٍ ولم يتبق هنا سوى الرجال والشباب وانتظار "حازم" الذي سحبه معه بالإجبار ما ان امسك كفه خلفه ووقف في صالة شقة "والدته" منتظراً الجواب:



_هــا ،  رد!!



أمسك "غسان" جسد "حازم" في محاولة لابعادة. وهتف بهدوء:



_خلاص يا حازم اصبر ،الراجل قالك مش وقته ، استنى شوية ياخد نفسه!



_ونفس أختي اللي انا سامعه وانتوا سامعينه معايا حالا وهي جوا ،. دا هيتقطع من العياط ، اهدى أنا ازاي دلوقتي  يا "غسان" ، لو انت مكاني هتعمل أكتر من كدة!!



كان قوله هذا منفعلاً لحد كبير ، جعل "عز" يتقدم منه وصرّح في ضعفٍ:



_أنا مكنتش راجع لولا أختك ، ومش قادر  أبص في عينك ولا عين أختك ، عشان كدة أنا همشي تاني بس همشي أروح  ارتاح واستعد عشان ارجع من تاني ، أنا دلوقتي مش قادر ، ومحدش فاهم معني مش قادر حتى هى!!



فهم الكل معنى كلماته ، وكانت هذه الصدمة بالنسبة لـ "حازم" الذي تشنجت تعابيرة من أجل شقيقته وصرخ عليه مجدداً بنفس كلمات الأخرى له قبل ساعات قليلة:



_مش قادر؟؟؟ وكمان هتمشي؟؟؟



وأضاف وهو يواجه عينيه بقوةٍ:



_ولما اختي مكانتش قادرة وقفت ليه وكملت؟؟ ، ولما انت مش قادر عند أول مطب هتتخلى حتى ولو مؤقتاً؟؟ يعني ايه لما تبقي قادر هترجع؟ هى اختي لعبة في ايدك ؟؟؟



انقسم جميع الواقفين لنصفين نصف مع "عز" ونصف آخر مع "حازم" والاثنان معهما الحق ، هو يريد راحة ، وهى لا تريد ان تظهر قليلة تترك هكذا في حين بأنها حاولت وهي تشعر بالألم ولكن هو ؟ أين محاولاته؟؟



_اختك عمرها ما كانت لعبة ، أختك لا راح ولا هيجي زيها ، عشان كدة مش عايز أوريها قد ايه أنا مكسور ولا عايزها تشوفني كدة ، مش عايزها تحس انها بتحاول وانا لا وهى معايا في وقت انا مش لاقي فيه نفسي يا حازم!!




        
          
                
نزلت دموعه بدون حرج أمام الكل وشىء كهذا جعلهم لا يتدخلوا في هذا الأمر الذي يخصهما ، صمت "حازم" محاولاً الثبات لوهلة شعر بوجعه ولكن شقيقته لديه تفوق الكل بجدارة! ، لذا أخرج أنفاسه وتركه في متصف الصالة دون رد ، تركه ودخل الغرفة لشقيقته بصمت!! 



بينما "عز". كان يقف بضياع ، انتشله منه ذراعي "غسان" الملبية للكل ، ثم دخل في عناقهما "بسام" و"آدم" كي لا يتركونه فيما بقى "حامد" الذي وقف يتحدث بعقلٍ:



_ملناش نتدخل في حاجة زي دي انت أدرى بيها ومحدش هيحس بيها غيرك، بس لو في ايدي حاجة أقولها هقولك امشي بس امشي متسيبش امشي فكر يا عز ، عشان لو ماشي تسيب لمدة متعرفش هي قد ايه، حازم مش  هيديك مراتك تاني يا بني ، وعنده حق ، جميلة بنت ناس ميتعملش فيها كدة بس برضه انت معذور ، عشان كدة خُد وقت تفكر بس متطولش فيه!



هاب أن يرحل بدونها ، وهاب قدومها فتشعر معه بالقِلة! ، نزلت دموعه وهو بين ذراعي الشباب خاصة "غسان" الذي همس له بكلمات كان يريدها وبقوة :



_ أنا في ضهرك وساندك ي عز ، اجمد وأنا معاك ، وخلى حبك وعقلك يبقوا زي بعض وانت بتفكر ، دي   جميلة مراتك اللي انت تعبت عشانها ، دي مراتك والسبب اللي خلاكم  يحصل ده بينكم هيفضل موجود والحل هيبقي في قدرتكم انكم تعدوه زي ما عديتوا اللي قبله ،  احسبها صح يا صاحبي!



خرج من بين ذراعيه ، ووجد شقيقته تنتظر مع والدته ، وعلى مشارف فهم ما يحدث ، مسح وجهه بثباتٍ تصنعه وسمع صوت الغرفة يُفتح حتى خرجت هى منه  وهي تمسح وجهها ووالدتها تساندها ، اكتشفت بأنه مازال هنا لذا اقتربت ودموعها تسيل ووقفت تنظر له بصمتٍ قاسٍ وسألته تحاول للمرة الأخيرة التعلق بأي أمل :



_هتمشي؟



كان بمثابة "ستتركني" لديها لذا  تزايد البكاء ما ان  أكد برأسه وحاول التحرك وما أوقفه هو قول "حازم" بإنفعال في بداية الكلمات وجدية ولباقة في آخره واستطاع حبكها جيداً :



_ أختي فراقها مش سهل عشان رجوعها يبقي سهل يا عز، خليك فاكر كدة كويس ، توصلوا بالسلامة ، ابقى طمني!



هل حقاً ردد الأخير بجديةٍ ولباقة مادام هو في بيته ، ابتسم على أية حال ، ورغم وجع الكلمات ولكنه خاف مشاعرها فهرب للتو ومعه شقيقته التي اقتربت تعانقها في بكاءٍ قطعته "جميلة" وهى تتحرك ناحية الداخل ومازال الانهيار رفيقاً لها. ،  انسحب الرجال لتركه في هذه اللحظة وخرج "حامد" عائداً  لشقته فيما وقف "بسام" يودع "فرح" التي عانقته ولا يصدق بأنها نطقت :



_هتوحشني .



اعتادت على رؤيته  دائماً في الأيام الماضية ، هذا بمثابة فراق! ،  خفق قلبه ما ان خرجت من عناقه ومسحت دموعها تودعه بإشارة يديها هنا وعلم بأنها لم تستطع العودة إلى هنا بعد الآن وحال شقيقها  وزوجته هكذا!!




        
          
                
وقف "آدم" ينظر بأسىٰ هو و"غسان" الذي مسح وجهه في ضيق وضغط قطعه ربت شقيقه على كتفه وهو يحثه:



_اطلع يا غسان ، اطلع خليك جنب مراتك انت !



حرك رأسه موافقاً وركب المصعد بتعبٍ وشرود ، فيما دخل "آدم" شقة "عايدة" فوجد "فريدة" تخرج من غرفة شقيقتها بحزنٍ من صراخها عليهم بتركها بمفردها ، فرحلوا عنها كل من بالداخل الا شقيقها الذي أخذها بين ذراعيه فبكت في انهيارٍ تتساءل :



_تعبت ، تعبت أوي يا حازم والله العظيم ، انا ذنبي ايه؟ ذنبي ايه في ده كله؟؟ ذنبي ايه ان ده أبويا ، هو أنا مش مرتاح بقا؟؟؟



انهارت بين ذراعيه وبكى لأجلها وهو يضمها  بقوة ، ووجعها من والده ذكرها بكل وجع توجعه سبب ان الأخر والده أيضاً ، فأخذت تبكي إلى ان غفت من كثرة الانهاك والتعب ، والتقط هو الغطاء يتسطح جوارها على الفراش ودموعه لا تجف بعد حتى و هي تنتفض من عزم قوة البكاء، قبل قليل، وحالتهما هذه مُجبرة ، حالة ليست من اختيارها ، فالأهل إجبار وليسوا إختيار! ، وكونه والدهما فهذا يعني انه  ظلم وإجبار وقسوة ووجع وشقاء ، أي :" إجبار من نوعٍ آخر"



_______________



أيامٌ من المحاولات الكثيرة للوصول إلى هنا ، للوصول لنقطة ما فارقة ، وفرقت من قبل معه ومع حياته القاسية ، أيام من الوجع الذي وكأنه لا يكفيه فقرر الذهاب في محاولةٍ لوجع آخر ، وجع يريد أن يقف أمامه  ويتساءل سؤال واحد سأله لغيره من قبل ..



-لماذا؟



أيام كثيرة بمحاولات أكثر كي يسأل سؤال واحد من خمسة أحرف!! ،بان في عينيه المتعبة الآن وهو يجلس أمام مقر الأوجاع ذاته ، أمام من عاد لهم بالأوجاع ليذكرهم مع الخيبات والخذلان ، قارن من قبل عودته ومن بعدها والفارق ببن هذان كبير ، كبير جدًا!!



طغى اللون الأحمر على ملابسه بالكامل والصمت سيدهما في هذه الزيارة الحادة على قلب من يتابعه بصمتٍ والحديث يُحبس في عدستيه وعقله وكُمم فمه رغماً عنه فكان المتحدث الثاني بعد سؤال الآخر الهادىء بجمودٍ طغى على ملامحه:



_جاي ليه يا "عز"؟!



أُنهك بما فيه الكفاية كي يصل إلى هنا في زيارة تنفرد بشقيقه وهو فقط ، ملامح جامدة وأعين حادة تنظر وطغى في نظرتها البرود الممتزج بالثبات حتى وهو هنا حتى وهو على مشارف "الإعدام" ، تجمدت عينيه عليه وهو يجلس أمامه هكذا ينتظر رده في صبرٍ لا يعلم من أين جاء ، وتبخرت كل كلماته وردوده ما أن نطق بتيهةٍ:



_مش عارف!



ابتسم الآخر بزواية فمه من هذا الرد ، وثبت عينيه في عدستيه يتساءل مجدداً:



_المفروض مين اللي يعرف؟،أنا واحد خلاص داخل على إعدام وأي حاجة انت جاي عشانها مش هيبقى ليها لازمة عندي،لو جاي تقول اني السبب زي ما بسمع منك علطول فكل ده ملوش لازمة دلوقتي !!




        
          
                
دخل في محور الحديث على الفور ، واستند بظهره على المقعد يخبره ببقية حديثه:



_وأديك شايف ،وشكلك كدة انت اللي كسبت في الآخر ، كل واحد فينا نهايته مختلفة عن التاني..بس مش دي نهايتي اللي كنت عايزها ، مش دي نهايتي اللي المفروض تحصل بعد حياتي اللي عيشتها بسبب أبوك وأمك وبسببك انت وأختك .



صمت "شريف" وتعالت ضحكته مع ان هتف بإعجابٍ:



_طلعت كسبان منها يا "عز"!!



نظر "عز" في مراقبة لكلماته وحديثه ، ولم يتردد رغم البغض والكره في أن يصحح له بتعبٍ:



_دي نهاية كل واحد مؤذي يا "شريف" ، دي نهايتك اللي تستحقها بعد كل اللي عملته ، فكر ولو لمرة واحدة في شرك اللي عملته وأذاك ،  واحد زيك ميفكرش في اللي عاشه بعد اللي قرر يعمله وعمله .



لم يتوقف إلى هنا مع تعابير الآخر التي تتشنج، فيما ابتلع "عز" ريقه يكمل له بتعابير لا تختلف عن تعابير الآخر:



_ انت مش بس دمرت حياتك ، انت كمان دمرت حياتي ، وحياة كل واحد كان عارفك ،سايب له نقطة سودة مش عارف ينساها ، مش عارف ألاقيها منين ولا منين ، من اغتصابك للبت الغلبانة اللي كل ما تشوفني تبصلي كإني أنا اللي عملت فيها كدة ، دا حتى دا مكفكش وكنت عايز تعمل اللي عملته فيها في مراتي ، مراتي اللي كل حاجة عملتها وقفت بيني وبينها ، كله بسببك ، وبسبب  وجودك اللي كان أذى لكل واحد فينا ، دا حتى الراجل اللي سجنته في الآخر وخدت حقك منه تالت ومتلت مكفكش فيه كل ده وقتلته بدم بارد ، دم بارد وعقل مفهوش ضمير ،  مسيبتش أي حاجة ، مسيبتش حتى ابنه اللي خليته مدمن ووهمته بإنك زيه ودمرته هو وصحابه ، مسيبتش حتى "حازم" اللي معملتش فيه حاجة بس اللي عملته في غيره كنت فاهم وواعي قد ايه هو بيتأذى بيهم ، كل ده ومتستحقش نهايتك؟؟؟.



صمت قبال كلماته شاعراً بالنشوة وابتسم بإستهزاءٍ ما أن نطق من جديد بإنفعالٍ:



_كل ده وطلعت منها كسبان؟؟؟ انت ايه ؟؟؟ انت عايز ايه بالظبط!!!



رددها بحرقة وحسرة واختناق من عزم القهر ، قهر وصل للآخر وبقوة فجعله يرد رد جاء من دناءته:



_مبسوط انك فاكر، مبسوط اني سايب علامة لكل واحد فيكم  تفكره باللي صعب يتنسى ، أما بقى عايز ايه يا بن ابويا فـ دي معروفة من زمان!!



حينها أكمل بما كان يرغب به ولم يتحقق وقال بضغطه على فكه قبال رؤية الآخر له بأن ما نطق لا يعني الشر بل المرض!! :



_عايز دم ٱمك ، ودمك ، أمك اللي خدت كل حاجة في لحظة وضيعت الفرحة والأمان من بيتنا ، أمك اللي أول سبب في كل حاجة وحشة شوفتها ، وانت ..انت عشان انت  بخلفتك كانت بداية القهر، ده اللي عايزه قبل ما أموت ، تقدر تحققهولي؟؟



دائماً ما يُعرف بتحقيق الأمنيات للشخص المقبل على الآعدام !!
تشنجت تعابير "عز" والآن هما  هنا بمفردهما في هذه الغرفة ، زيارة ثنائية ، أُخذ بها التدابير ، ولكن  ما بين أكمامه الآن شفرة يضغط عليها ، كلماته الآخيرة جعلت الدماء تصعد في رأسه كما رغبته في الانتقام ، ربما دماء هذه العائلة ، دماء واحدة يجري بها الشر والأذى والرغبة في أخذ الحق ، شر هناك لدى آخر ظهر وشر هنا مخفي مثل اختفاء الشفرة بين كمه الذي كان يخفي به كفه وعينيه التي تتوجه ناحية الآخر بغلٍ وقهرٍ في آنٍ واحد!!



هنا حيث مكان ان أذى "عز"به بواسطة ما بين يديه  الآخر سيضيع ولا خروج بعد دخوله ، إن دخل بزيارة فسيخرج بحكم وعقاب ، عقاب مس الآخر بسوء وهو بين يدي الحُكم!! ، وهو بين ملابس الإعدام وشرطة تقبض ولا تترك! ، في مكان قاسٍ ، وبين حبس به ظالم ومظلوم ، حبس به قاهر ومقهور ، وكاسر ومكسور ، هنا بين شخص انتقم وشخص "يريد الإنتقام "
___________

« ذهبَ الذينَ تُحبهم ذهبوا، وكأنَ شيئًا لم يكُنْ وها أنا وحدي ملء هذا الكون »
- محمود درويش-



ما بين الوجع الآخر وبين الوجع التي تعايشه الآن ما يقارب الثلاثة أيام أو لرُبما أكثر بقليلٍ، ماذا كان عليها أن تفعل؟ ، هل كان عليها الركض للتمسك به أكثر وهو لا يريد من الأساس؟، وهو يرفض حتى وان كان الرفض شىء ليس بالوضوح الكامل أمام عينيها التي سالت بالكثير من الدموع أمامه وهو؟ ماذا فعل هو؟؟



سألت نفسها وكل دقيقة تتساءل؟ ، لمَ أنا ؟ لمَ كانت القدرة ترافقني على تخطي الخيبات والعقبات التي وقفت في طريق حبهما؟ ، حوادث كثيرة ، تخطت بها كون هذا الرجل والدها ،. تخطت ما كان سيفعله بها شقيقه، تخطت ما فعله شقيقه بشقيقتها ، تخطت خذلانها من صديقة عمرها والتي تعد شقيقته! ، عارضت بكل ما لديها من إرادة قرار شقيقها في البداية ووقفت ترفض تركه ولكنها أجبرت وما بعد ذلك جمعهما القدر وقد تناست أو قررت هى فعل ذلك ، ماذا في المقابل؟ 



لمَ لم يفعل مثلها ؟ ، تراه يظلمها في حين انه المظلوم ، انه المهلوك ، والمنهك والتعب رفيقه أينما حل ، هاب وخاف ان تعود معه فتظل تحاول وهو ليس لديه القدرة الكافية على أن يكون مثل السابق!!



_«دار يا دار يا دار
راحوا فين حبايب الدار 
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟ 
قولي يا دار
داري الدمع يا عين
داري داري داري
داري الدمع يا عين
ما تزّوديش الغيم
داري الدمع يا عين
داري داري داري
داري الدمع يا عين
ما تزّوديش الغيم…»



صدفةّ قاسية ، خرجت بها الكلمات من التسجيل في غرفتها التي تجلس بها  بمفردها ترفض أن يرافقها بها أحد في الداخل ، والقسوة ذاتها أن الكلمات تضغط على الجرح وهي تستمع بقهرٍ لما يُردد بتحريك مشاعر الحسرة في داخلها:



_«ساعة المحن ستّار
فيه رب اسمه كريم
ساعة المحن ستّار
راحوا فين حبايب الدار؟
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟
قولي يا دار..»



في كل مرة تمسح بها دموعها يخيب ظنها وتتركها بيأس لأن عينيها لا تتوقف في كل الأحوال إلا عندما يدخل عليها أحدهم! ، نظرت "جميلة" في الفراغ ونحو شاشة الهاتف الذي غمرها الضوء من مكالمة هاتفية ليست الأولى ، بل المتصل يدق عليها بإلحاحٍ وهى من تجيب بقلةٍ ، تعلم أنها مُقصرة في حق الجهة الأخرى التي تطلبها الآن ولكن هذا رغماً عنها ، ترددت في إمساك الهاتف ولكنها تمسكت به ترد وهى تحث  نفسها  على قول تبريرات للمتصلة كي تعذرها وكي لا تعلم وتخبرها فتسوء حالتها !!




        
          
                
_ألو، أيوة يا "نيروز"، عاملة ايه النهاردة ؟.



كانت المتصلة "نيروز", والتي تشككت بعدم صعودها  لها إلا مرة واحدة قبل يومين ولم تفعلها بعدها ، تساءلت كثيراً عنها وعلمت ان "عز" قد عاد ولكن  لم يخبرها أحد بأنه تركها هنا ورحل!! كي لا تحزن عليها!



سمعت بحة  نبرتها الحزينة ، فكان ردها بغرابةٍ:



_مال صوتك يا "جميلة"؟ ، وليه مختفية بقالك كذا يوم؟ هو أنا مش فارقة معاكي للدرجة دي؟ يعني لو مسألتش مش هتسألي انتِ.؟ دا انتِ في  نفس العمارة ومطلعتيش الا مرة واحدة ، كان نفسي أشوفك وكل ما أسأل عليكي يقولولي مشغولة ، قولت هنزل،  محدش عايز يقولي في ايه بيحصل!!



اندفعت "نيروز" بهذه الكلمات دفعة واحدة عندما فاض بها الكيل من التبريرات ، لذا اندفعت  تسأل بحزنٍ وجوارها على  الناحية الأخرى "غسان" الذي كان يتمسك بهاتفه متصنعاً الانشغال به بينما عقله هنا معها وأذنيه أيضاً:



_مالك يا "جميلة", قوليلي بس مالك وليه مختفية عني مش عايزة توريلي وشك؟ ،. أنا نفسي أشوفك ، عايزة أفهم ايه بيحصل وأنا معرفهوش!.



هل ستهرب كما تهرب وتتحجج بإنقطاع الإتصال في كل مرة؟ ، سالت دموعها بغزارة وساد الصمت وهي تكتم الصوت وتركت الهاتف هكذا .



هذا المشهد متعب لمن يرى حالها من خلف الباب المنغلق بقلةٍ ، وهي تترك الآن الهاتف ويديها المرتجفة تضعها على موضع قلبها تئن بضعفٍ كلما تتذكر تشبتها به و انتظارها له  في ان يردد لها بأنه يريدها جواره ولا يريد شىء آخر ولكنه لم يفعلها!



حاولت أخذ أنفاسها والتقطت الهاتف من جديد ما ان استمعت لتحشرج نبرة "نيروز":



_أنا حاسة ان فيكي حاجة ، عشان خاطري متخبيش عني ، كلميني ، ردي عليا أو حتى اطلعيلي طيب !



حاولت أن تُجمع الحروف بصعوبةٍ وظهر عكس قولها في نبرتها:



_أنا..كويسة!



أغلقت الخط بعدها لعدم قدرتها على الرد، فلم تتركها تلك التي تقف خلف الباب بحزنٍ ، من أرسلتها "عايدة" لها  ، حتى لا تتلقى الرفض من ابنتها ككل مرة ..



دخلت "ياسمين" بمنامتها المنزلية التي ترتديها هنا في هذه الشقة التي لم تتحرك منها هى وزوجها بعد آخر ما حدث ، تمسكت بصينية الطعام ودخلت عليها دون حتى أن تطرق الباب، فلاحظتها "جميلة" التي مسحت عينيها ورددت في ضيقٍ:



_أنا قولت مش جعانة ، هو انتوا  ليه  بتحبوا تتعبوا نفسكم؟!



أسندت "ياسمين" الصينية أمامها وتحركت في ثبات لتجلس جوارها على الفراش ، فنظرت الأخرى بتعبٍ قبال رد "ياسمين" بهدوء:




        
          
                
_احنا كدة بنحب نتعب نفسنا عشان اللي بنحبهم ، زي ما انتِ بتعملي بالظبط ، ليه مستغربة؟؟



كان هذا ردها الذي جعل الأخرى تعجز به عن الرد ، ولكن الصمت مازال دائم ،. التقطت "ياسمين" المنديل الورقي تمسح به وجه "جميلة" التي استسلمت لمَ تفعله فلامتها قائلة وهي تزيل آثار دموعها بحسرة نحو إرهاق ملامحها :



_ينفع اللي بتعمليه في نفسك ده ؟ ، بقالك كذا يوم مش عايزة تحطي أكل في بؤك ؟ ، ولما مامتك تيجي تقعد معاكي هى ولا "فريدة" تطرديهم بالذوق ، دا حتى "حازم" لما يرجع من بره تروحي قافلة الأوضة وتقفلي أي طريق يخليكي تقعدي معانا ، دا أنا ما صدقت لقيت الباب مفتوح ، هو ده يعني هيحل ايه يا "جميلة"؟؟



نظرت "جميلة" في الفراغ ، فيما تابعت الأخرى تفسر:



_ليه  اللي انتِ عاملاه في نفسك ده ؟ ، أنا لما قولتلك انتِ قادرة توصلي لجوزك وقادرة ترجعيه زي ماكان مكنتش بقول تعملي في نفسك كدة بعد ما تلاقيه! ،قال مش قادر ، تقومي بمنتهي الثبات حتى لو مش هيبقى حقيقي تقولي تمام  ، انتِ لازم تكوني قوية ولازم تبيني انك قوية ، "عز"مش لازم يبقى كل حاجة في حياتك يا جميلة ، وأه بقولك كدة حتي لو في  هترجعوا لبعض هفضل أقولها ، أوعي ترمي كل حاجة وتعتمدي على شخص وتحطي فيه كل آمالك ، احنا بشر ، وبنغلط وبنوجع وبيحي علينا وقت بنتفاجئ من نفسنا اننا كدة وبنرجع تاني ، كلنا بنغلط وبنقع بس أهم حاجة الشخص هو اللي يفوق ويقوم نفسه بنفسه ، لكن انتِ؟ انتِ بعيد أوي عن كل ده دلوقتي!!!



كلماتها تحفزها عن الخروج من صمتها وفعلتها ما ان إندفعت بنبرةٍ مختنقة منهارة من الداخل والخارج أيضاً :



_أنا مش بعيد عن حاجة ، أنا لقيت نفسي رامية عليه كتير ، قام في لحظة حسسني بكلمة مش قادر اني عاله عليه! ، عالة ليه؟ وراح فين اللي انا تخطيته عشانه ؟ ليه مش قادر يفهم ان اللي بيحصل حاجة مينفعش تتغير ، بيوقف كل حاجة على حسب ايه؟ ، مشافش ليه اني مدركة ان الوجع ده صعب بس مع ذلك استحملت عشان عارفة ان دي حقيقة مينفعش تتغير ، حقيقة هنتأقلم عليها وعلى ده هنقدر نكمل طالما مع بعض، راح في ثانية شال كلمة مع بعض وقال أنا مش قادر ، بدل ما يقول احنا أو بدل ما يقول أنا مش قادر بس مش هسيبك مش قادرة لوحدك! ، لاني مكنتش هسيبه مش قادر لوحده!



وضعت يديها على وجهها تخفي دموعها بكسرةٍ ، فيما اندفعت "ياسمين" تأخذها بين ذراعيها بعجز عن الرد ، عجزت عن إعطاء حل ، فلم ولن يشعر بموضعها إلا هى فقط ، شىء غير مفهوم يحدث وهى العالقة! ، شهقت شهقة متمزقة جعلتها تردد بنفس البكاء مجدداً :




        
          
                
_أنا تعبت ، تعبت واستحملت كتير أووي يا " ياسمين" ، مكنش كتير عليا أرتاح والله العظيم!!



_إهدي ، اهدي عشان خاطري ، متعمليش في نفسك كده ، والله العظيم ما حاجة ولا حد يستاهل!



كانت كلماتها بحمقةٍ من رؤية الدموع ، ولكن الأخرى خرجت من أحضانها تنفي بوجعٍ:



_لأ ، لأ يا "ياسمين"، "عز" يستاهل، ويستاهل كتير أوي!



رددتها  بتعبٍ من أجله ، مسحت "جميلة" وجهها بتعبٍ ثم أكملت كلماتها بإنهاك:



_بس أنا شوفته يستاهل وهو مشافنيش أستاهل أي حاجة، استكتر أكون معاه ، لسه ايه تاني يبينلي اني لوحدي اللي عديت وحاولت وكنت لسه عايزة أعدي كل حاجة عشان خاطره! ، حتى لو عنده أسبابه اللي تخليني أعذره بس أنا مش عاذراه مش هعذر كسرتي منه واحنا الاتنين موجوعين زي بعض! 



أخرجت أنفاسها بتقطعٍ وصمتت قبال تأثر "ياسمين" وهى تستمع بصمتٍ وانصات ، فقط تربت على ساقها بحنانٍ ، وقبل ان ترد عليها لتحتوي كسرتها ، دخل من الباب في الحال "حازم" وخلفه "والدته" ، جاءت وتجرأت للدخول بعدما عاد "حازم" من عمله  قبل دقائق وعلمت ذلك ما ان سمعت "ياسمين" صوت اغلاق باب الشقة !



حاصرها بدخوله الهادئ الذي طغى به عليها وعليهن ، فحاولت النهوض للهروب بحجة دخولها المرحاض أو ماشابه ولكنه أمسك مرفقها يمنع سيرها أمام النظرات ، فيما لم تستطع هى التحمل فخرج البكاء دون محاولة في الإخفاء وأخبرته بتعبٍ وهى تحاول التماسك:



_لو سمحت يا "حازم" أنا مش قادرة ، ومش مستعدة أسمع اي حاجة ، سيبوني لوحدي!



لمعت عيني "عايدة" من  سوء حال ابنتها ، فيما جلس هو وهو يسحبها على المقعد المجاور له ورفع ذراعه على كتفيها يقربها منه في احتواءٍ أظهره ما ان جارى ما تعانيه بـ :



_متتكلميش ، تعالي!



اقتربت تستند برأسها فيما أسند هو رأسه على فروة رأسها الساخنة من ضغط البكاء ، فجلست "عايدة" أمامها مع "ياسمين" وهما يستمعا لحديث "حازم" لها :



_انتِ عاملة في نفسك ده  كله ، وانتِ هنا ، مع أخوكي يا جميلة؟؟



صمتت وعلمت أنه يلوم حالها فيما تمسكت بجسدها بتعبٍ وأسندت رأسها الثقيلة تستمع إلى لومه الهادئ مع متابعة والدته لها في شفقة من تغير مظهرها وحالها، ليس الآن فقط وليس منذ ان عادت بل منذ ان فارق وتركها "عز" من البداية، منذ يوم كشف إلحقائق  والأسرار:



_وانتِ معايا ، يعني وأنا في ضهرك! ، ازاي قابلة تشوفي نفسك مكسورة وأنا معاكِ ، انتِ مش عارفة انتِ عندي ايه؟؟، مش عارفة دموعك دي لما بتنزل ولا حبستك لنفسك بتعمل فيا ايه ؟  انتِ بتعذبيني كدة وأنا ساكت لعذابك ده!




        
          
                
لا تتحمل الاستماع ، ولكنها صمتت مادامت تستند وهى تأخذ من كتفه الأمان ، تابعه الجميع ، حتى هى وهو يكمل:



_ساكت عشان بإيدي أتصرف ، بإيدي حاجات كتير قادر أقررها ، بس مش هتعجبك وهتكسر قلبك  نصين ، وأنا مش عايز كدة ، أنا عارف انك بتحبي "عز" ، وعارف برضه ان "عز" بيحبك!



خفق قلبها من كلماته التي ظهر بها التهديد لحالتها دون أن يدري ، لذا اعتدلت تنظر له فتابع هو بعقلٍ لحديث  أول مرة سيخرج عليهن ، ولكنه قصه على "ياسمين" من قبل، من بعد وقوفه لـ"عز":



_وقوفي لـ "عز" ساعتها مكنش عشان شايفه غلطان ، بالعكس أنا مش شايفه غلطان ومش عايز أقولك كده ، أنا وقفت له عشان اللي ينزل دمعة من دموع اختي ويخليها كده أنا أقتله  وأوريه الويل! ، ولسه عند كلمتي، لإني معاكي بنسى اني محامي ولازم أقف مع الحق ، مش معاكي بس دا معاكي ومع "فريدة" ومع أي حد مني وبحبه ، عشان كدة انتِ غلطانة أو مش غلطانة فأنا كدة كدة مش شايف غيرك وبس، ووجعك من وجعي!



دعمها بهذه الكلمات ، فأرسلت له نظرة متأثرة التقطها وأكمل من خلالها:



_أنا دلوقتي عارف انك موجوعة ، وعارف انك حاسة بإحساس وحش قصاده ، بس أنا عايزك متماسكة عن كدة ،عايزك متنهاريش كدة وتقفي وبرضه هبقى في ضهرك وهعلمه إزاي اختي قيمتها غالية متتسابش ولا ترجع بسهولة ، مع ان لو عكست الآية هقف معاه أوي وهحس بيه زي ما أنا حاسس بيه بس مش  هقدر أقول اني حاسس بيه.



تابعت دفاعه بتعبٍ مع "ياسمين" التي حركت رأسها وهي وتستمع لكلماته :



_عز عانى من أبوه اللي مش موجود يا "جميلة"  ، شوفته زيي ، أنا عانيت برضه من أبويا وبسببه بس وهو موجود وهو مش موجود في الحالتين ، طاقة الواحد لما تخلص بتخليه عامل زي الميت،  هو طاقته خلصت في وقت غلط ، بس كان لازم يجيلها  وقت وتخلص ، كان لازم يبقي في حياتكم مشاكل صعبة عشان تعرفوا تكملوا ، هو متعودش يبقى حد جنبه في الويل اللي بيشوفه ، متعود يبقي مع وجعه بنفسه وشايف ان وجعه لو دخل فيه حد يواسيه هيوجعه ببروده ومشاعره اللي بتقف في وقت ما طاقته بتخلص ، دا تبريره ليا وليكي لما قال لا ، وعشان برضه وجودك جنبه وهو موجوع حاجة جديدة من عليه ، عشان ملقاش قبل كدة حد متمسك زيك وعايز يبقي معاه في حين أنه شايف لو انتِ هتبقي معاه هتتوجعي منه وعليه!.



سالت دموعها من تفسيرة الذي ختمه بقوله:



_عز شخص مسؤول قبل ما يكون شخص بيحب ، مسؤول وواقعي ، ومسؤوليته وواقعيته خليته يسيبك عشان ميحملش هم وذنب تعبك وانتِ بتشوفي تعبه.




        
          
                
عقلها لا يريد الاقتناع بسبب وجع الرفض وراضى هذا الجزء ما ان ردد بصراحة وجدية:



_ورغم اني عارف كل ده بس وققت له وقولتله انت ازاي شايف ان اختي سهل تسيبها كدة ، مع اني عارف انه مش سهل ، بس بعد كل ده  مضطر لما يرجع يقولي أنا عايز مراتي أقوله لا ، لما نفكر وناخد وقت زي ما انت فكرت، مضطر أعمل كل ده عشانك حتى لو هترفضيني فيه، مضطر عشان انتِ غالية، وعشان عارف انه مسيره هيرجع لإني كنت في نفس مكانه بس مطولتش كتير ، سيبت مراتي لما اكتشفت انها كانت عارفه ان اختي على علاقة بواحد كان سبب انها تضيع بعد كدة ومقالتليش حتى لو مكانتش قاصدة بس كنت ساعتها موجوع ومشيت ووقفت هى نفس وقفتك دي وقالتلي وأنا؟ قولتلها لا ، قدام العيلة وقدلم امها اللي قالتلي ساعتها مراتك حامل ازاي هتسيبها!! ، ومشيت!!



وضح لها هو الآخر انه رجل وجاء عليه وقت ونفذت طاقته ، رجل وشقيقها كي تُقدر ولكنها صمتت وهي تنظر نحو "ياسمين" التي استمعت  وهي تتذكر هذه العقبة ، فيما خرج صوتها هى ببحةٍ :



_أنا مش عايزة أسيب "عز" ، ولما قولت كدة اترفضت ، وده واجعني ، حتى بعد وجعي برضه مش قادرة اسيبه ونفسي أجري عليه بس موجوعة ووجعي مانعني ، ولو رجع هيمنعني أرجع برضه عشان أنا مكنش في نيتي ٱوجعه زي ما هو فاكر يا "حازم"!!



مسح لها وجهها بحنانٍ, وأغلق هذا الحوار بصمته بعدما صمتت هى وتوقفت عن الحديث ما ان تحدثت "عايدة" بترجي:



_انسي كل ده عشان خاطر أمك وكلي دلوقتي لقمة تصلب طولك وتجري الدم في وشك بدل ما انتِ شكلك متغير كدة ، انتِ كنتي كدة؟. كنتي بالمنظر ده يا بنتي؟. هو انتِ مبصتيش لنفسك بقيتي عاملة ازاي  من ساعة ما اللي ما يتسمى "سامر" قال اللي قاله؟؟؟



لم ترد بل تابعت "ياسمين" بمزاحٍ هادئ:



_يا شيخة بلاش عشان خاطر حد ، بس ينفع تزعلي واحدة زيي؟ بطنها مترين قدامها ،  وبنتها شكلها حاسة بعمتها الحرباية؟؟



انفلتت ضحكة خفيفة من"جميلة" ، فضحك "حازم", يحمل الصينية بذراعه وأشار لـ "والدته" قائلاً :



_أكليها يلا ، وتبقى تتجرأ تقول لا وهي تحت دراعي ، هتعامل علطول!



قصد إجبارها على الطعام كصغيرة ما ان يكتف حركتها كادت أن ترفض ببسمة هادئة ولكنه منعها وهو يكبل يديها فضحكت "ياسمين" بصوتٍ عالٍ جعل صوتها هذا الضحكات تعلو ، حتى هى وهي تستسلم بعدما وجدت صعوبة الرفض ، ومنذ  فترة كبيرة تحاول مقاومة التعب وحتى دوار الرأس  ، ربما من كثرة البكاء ، لا تعلم هى ما الذي يُخبأ لها !




        
          
                
_كُلي يلا ، ولو لقيتك نايمة على أم السرير ده ، هتعامل برضه زي ما كنت بتعامل لما كنت بصحيكي تذاكري في ثانوية عامة!



لمرة أخرى قصد حملها عنوة بالإجبار ، تذكرت هى ذلك عندما كان يفعل ذلك قبل رجوع والده حتى لا يخرج لها الحديث السام، ضحكت رغماً عنها تراضيه وسألها بحزمٍ في عينيه لذا وافقته تجاري قوله لاتعلم بأنه لا يمزح الآن بل يتحدث بجديةٍ ، قطعتها حديث "ياسمين" لها:



_كُلي وقومي اطلعي لـ "نيروز" ، هي بقت أحسن شوية ، اقعدي  معاها ولو سألتك اتكلمي عادي براحة وقوليلها ، ما انتوا الاتنين منحوسين زي بعض!



سخرت فضحك الجميع ، وغمزها "حازم" مردداً بغزلٍ يخفف من حدة الوضع:



_الا انتَ يا حلو ، حظك علطول  حلو زيك!



رفعت "ياسمين" حاجبيها بغرورٍ  زائف وقتلت اللحظة ما ان أشارت بكفها ناحيته وهي تتحدث ناحية "عايدة" بريبةٍ زائفة:



_ابنك بيحسدني ، عينه وحشة ده ولا ايه ؟



ضحكت تحرك رأسها بيأسٍ منها فيما كانوا يفعلوا ذلك من أجل انخراط "جميلة" وحدث ما جعلهم ينظروا بابتسامة واسعة وضحك عالٍ  ما ان خرج صوتها الذي به أثر البكاء ولكنها سخرت بخفةٍ وهى ترد عليها:



_ يلا يا عديمة الرومانسية!



ضحكت "ياسمين" وسرعان ما رسمت ملامح الغيظ وهي تتضرب كتفها وأخبرتها ساخرة:



_لا ارجعي زي ما كنتي بقى  ، إلا انك تحفلي عليا يا حرباية!



كانت تريد ان تخفف عنها لذا ضحك زوجها ، ما ان اقتربت ترفع ذراعها عليها بخفةٍ والتقطت تطعمها بالإجبار بمرحٍ حتى امتلئ فم "جميلة" التي تحاول الرفض فيكتفها "حازم", كصغيرة أمام عيني "عايدة" التي ترجت ربها وهي تنظر ناحية الأعلى بأن تتخطى هذا الوضع وأن يُصلح الحال لإبنتها كما كان ، فهي لا تريد خراب لها أبدًا كمشاعر أي أم بالفطرة اتجاه فتياتها في هذه المشاكل والعقبات التي من المحتمل ان تحدث بواقعية بين أي زوجين بإختلاف الأسباب ولكن دائماً ما يوجد هناك عثرات وعقبات تقف في الطريق ، تسبب على  الأغلب تعب ولكن ن العقبات نفسها من تسبب فيما بعد التمسك الشديد والإستمرار أيضاً!



____________



الآن وفي داخل آخر جلسة ، هل هكذا كان يُنظر للحياة قبل ان تتعافى كلياً؟ ، الآن تسأل نفسها وهى تنظر ،أشياء كثيرة مرت عليها وهى من لُقبت بالقوية ، وأشياء أكثر كانت بداخلها لا تعلم عنها شىء ، الآن ترى أن كل شىء تغير كلياً ، وكان هو أول الأهداف التي كانت  تريد التعافي من أجلها!..




        
          
                
_حاسة بمشاعر مختلفة ، يمكن عشان عقلي مستوعب ان دي آخر جلسة ، مكنتش مستوعبة ولا متوقعة اني هخلص رحلة العلاج والتعافي في وقت قد اللي قضيته مع حضرتك هنا ،أنا ممتنة للحظة اللي خلتني أخد القرار بإني آجي ، مش عشان بس اللي حواليا، دا عشان نفسي اللي بقت عندي رقم واحد بس صح ومش زي الأول ، حاجات كتير مرت عليا ، وخوفت كتير بس الأمان رجع بعد ما افتقدته  لوقت كبير ، كانت من أكبر مخاوفي اني انتكس وأرجع زي ما كنت تاني ، يمكن دا من الأسباب اللي خلتني أعافر وأكمل ، بس أنا..أنا حقيقي مش مصدقة بس مبسوطة بنفسي وفخورة بيها كمان ، شكراً .



كانت هذه آخر الكلمات في الجلسة أمام مراقبة "الطبيب" وهو يدون النتائج ، ابتسم وهو يغلق الدفتر ، ونهض فيما كانت هى جالسة ، فنهض يلتقط شىء وأخبرها وهو يعطيها ظهره:



_شكرًا دي لازم تقوليها لنفسك يا "فريدة" قبل ما تتقال كدة ، كل يوم لازم الواحد يقعد مع نفسه ويشوف هو عدى ايه واتخطي ايه ولسه هيعمل ايه ، حتى لو كل ده لازم وواجب عليه فمش حرام نقول لنفسنا شكراً ، شكراً على تعب وشكراً على تفكير وشكرًا على حاجات لسه هنقابلها ، الحياة مش دايمة بحال محدد ، بس اللي ممكن يدوم بإيدينا هو رضانا عن نفسنا وعن اللي بيحصل لنا ، الرضى بمختلف أشكاله عامل مهم للإستمرار ، رضيت يبقى هتقدر تكمل ، هتقدر تكمل يبقى انت قوي ، ولو قوي يبقى شكراً يا نفسي على قوتك وتحملك!.



دائماً ما تعجب بحديثه الذي يسلب تركيزها بالكامل، عاد وهي تحرك رأسها بتضامن مع الكلمات ، وجلس أمامها على المقعد وقدم لها العلبة الصغيرة التي بين يديه ، فأخذتها بخفةٍ تنظر تجاهها ونظرت لمحتواها فوجدته دفتر صغير وقلم ، يُدون عليهما:



_« اتغيرت؟ ، خليك زي ما انتَ ، متتغيرش تاني.»



أثرت بها الكلمات ونظرت إليه بإمتنانٍ ونطقت:



_دا ليا ؟



فابتسم في لباقةٍ يوضح لها:



_دا لكل واحد يستاهل الشكر ، لكل إنسان كويس بس مفيش حاجة ساعدته يبين قد ايه هو كان كويس ومحتاج مساعدة ، بصي على  الكلام كويس وخليكي زي ما انتِ متتغيريش تاني ، وكل ما تكوني متدايقة قدامك الدفتر والقلم اكتبي وخرجي كل حاجة فيه كإنك جيتي هنا ، وده لو مقدرتيش تيجي من تاني أو لومش شايفاها حاجة تستاهل!



حركت "فريدة" رأسها توافقه ، وحينها جاءت لحظة الوداع ما أن نهضت ، واستمعت لقوله :



_ربنا معاكِ ويوفقك في حياتك 




        
          
                
مشاعر عديدة تحتلها الآن وهي تتمسك بهديته اللطيفة بين يديها ، وجعلتها الخطوات خارج الغرفة بعدما ردت عليه ، ابتسمت بسعادة من هذا ونظرت بعشوائيةٍ ، لم تحزن كونها جاءت هذه المرة بمفردها بسبب عمله الذي ذهب إليه ، حينها لم تخبره كي لا يتعطل ونزلت بمفردها.. 



خرجت  وقررت أن تهبط الدرج بعد تعطل المصعد ، نزلت على الدرج بشرودٍ ، شرودٍ كبير في أشياء كثيرة ، منها شقيقتها ووجعها ، اتسعت عينيها ما ان وجدت شخص يركض بصعوده على الدرج حتى كاد ان يصطدم بها وبالفعل اصطدم دون أن ينظر فنهج وهو ينحني ملتقطاً العبلة التي وقعت ونطق بعجالةٍ :



_أنا آسـ..



هل كان هو؟ ، توقف عن الحديث ما ان اتسعت ابتسامته وهو يراها أمامه و ها قد وصل قبل أن ترحل حتى، كان يريد أن يكون في انتظارها ، ضحكت بسعادةٍ كبيرة ، ولم تسأله هل هو هنا حقاً بل اندفعت تعانقه عندما علمت أنه لم يرض تركها حتى ولو كان بدون إرادته ، اندفع ناحية الخلف من هذا العناق المفاجئ ولكنه ابتسم يضم ظهرها هاسماً :



_ألف مبروك يا شاطرة.



خرجت "فريدة" من أحضانه بفرحٍ وطالعت عدستيه التي تطالعها بتفحصٍ لهذا الرادء ، وقطعه قولها بسعادةٍ:



_على قد ما كنت مقدرة عدم وجودك في يوم زي ده، بس كنت حاسة بحاجة ناقصة وانت مش موجود يا "آدم" .



اتسعت ابتسامته ، وأشار نحو ملابسه المتسخة بالشحم وزيوت السيارات ، كانت ملابس العمل الذي خرج بها مسرعاً ،  هتف بقلة حيلة:



_جيت على ملى وشي عشانك ، عشان أقولك وأنا كدة إني فخور بيكِ وكنت مستعجل أقولك إني فخور ، عشان أبقى أول واحد!



لم يتوقع ردها وهي تتمسك بكفه كي يهبطا معاً وتعلقت عينيها بعينيه وهي تصارحه:



_انت أول واحد خلاني أقول لنفسي اني  فخورة بيا.



وصلا لأسفل حينها أخرجت من حقيبتها منديل ورقي تمسح به وجهه المتسخ ناحية جبهته ، ووقف هو مستسلماً قبال ملامحها الصغيرة ، فقط تفحص سريعاً ما بين يديها وسأل:



_من مين الحاجات دي؟



_من دكتور "عاصم."



كان ردها هكذا ببساطةٍ جعلته ينظر بتمعنٍ وهو يعقد حاجبيه ، على الرغم من انه يعلم أن حركة كهذه تُفعل مع جميع من يأتي إليه ولكنها ورغماً عنها ملفتة لأنظار الرجال بجمالٍ لاق بها حتى وان سُترت فوجهها فتنة هو الآخر ، إلتزم الصمت فإلتقطت ما شعر به وأخبرته بثباتٍ:




        
          
                
_تقيل أوي وانت غيران  علفكرة!



رفع "آدم" كلا حاجبيه بإستنكارٍ ورفض هذا بكبرياءٍ زائف:



_مين قالك اني غيران؟ ، عادي ، دا دكتور يعني وكل ده بيحصل معاكي أو مع غيرك.



ضحكت "فريدة" بخفةٍ وسألته مستنكرة بلقبها :



_بجد يا مستقز؟؟



لم يؤكد الإجابة وظهر ما تشككت به وهو يهتف بإستخفافٍ:



_علفكرة احنا كمان بنعرف نفاجئ ، ولا انتِ فاكراني يعني عشان جايلك بلبس الشغل ومتوسخ كدة يبقى مش هعرف أفاجئِك؟



ضحكت على طريقته وانتظرت ما ان اقترب من الدراجة يفتح حقيبتها والتقط "بوكية الورد"  فإبتسمت وهي تقترب والتقطته بلهفةٍ قبال ابتسامته وهو يغمزها:



_ايه رآيك؟



أخذته بسعادة بالغة ، وعينيها اللامعة بوميض التأثر تظهر له فيجدها تتساءل بعينين هائمتين بأقل ما يمكن فعله:



_جميل أوي عشان منك  حلو أوي !



صرّحت بذلك وأرضت غيرته قبل قليل ، فضحكت وهي توكز ذراعه بغمزة شقية مع حديث مشابه ممزوج بلهجة شبابية يفضلها منها دائماً :



_ ويا عم يعني هدايا الناس تيجي ايه جنب هدايا عم الناس ؟!



شاكسته فتثبت بقولها وهو يعدل لها خِمارها مردداً بنفس الغمزه وهو يشير لها برقبته كي تجلس على الدراجة خلفه:



_ثبتيني يا شقية!!



انفلتت ضحكتها على طريقته من جديد وكتمت فمها كي لا تخرج ضحكتها العالية في الشارع فيدخلا في جدالٍ لا نهاية له ، ركبت خلفه فسألها و أثار الضحك لم تزول بعد من نبرته:



_هتروحيلهم هناك صح؟



_أه 



أكدت بذلك فسارت الدراجة بفعل قيادته وضحك يشاكسها:



_مش كنتي تقولي ، بدل ما أنا مدوخ نفسي وجاي متأخر بسبب الورد اللي نزلت "غسان" يفتح المحل عشان اعمله مخصوص، ما أنا كنت وصلتك وجبتهولك هناك وخلاص بقى!



توقع ردها المغتاظ من استخفافه حينما ضربت ظهره بكفها قائلة:



_بس يا مستفز،أنا يتفاتلي بلاد علفكرة !



امتزج صوت قيادة الدراجة على الطريق بصوت ضحكاته التي خرجت وكلمته الواثقة الذي أكد بها قولها :



_صادقة .



قليل ما تبتسم بجديةٍ ورقة هكذا ، أخذت أنفاسها وربطت كلا يديها بمنتصف جسده أمامها وهمست بإمتنانٍ لما فعله:




        
          
                
_شكرًا عشان مسبتنيش وعشان أحلى ورد جالي في حياتي!.



اتسعت بسمته بإشراقٍ ورد في نبرةٍ صادقةٍ:



_مفيش شُكر على حاجة لازم تتعمل عشان "فريدة".



هنا وبهذه اللحظة وهي تستند عليه ، تستند على أمانها غير عابئة بأي شىء ، والحياة بأكملها لا تحمل لها هم ،عوضها عن الكثير ، ولولا هو وقُربه لاختلف كل شىء!



_عارف هكتب أول حاجة ايه في الدفتر ده؟



استمع 'آدم'  إلى سؤالها وعلم أن العمق ناداها فوضعه على الهامش سريعاً بكلماته الساخرة وهو يردد:



_ايه؟ حرف الـA وسهم من قلب قصاده حرف الـF، وشغل مراهقين إعدادي ده؟ ولا هتعملي ايه؟



ضحكت "فريدة" بصوتٍ عالٍ وأخبرته بتهكمٍ ونبرة بها أثر الضحك:



_لا يا خفيف مش هعمل كدة ، هكتب حاجة انت بتحبها أوي!



_فريدة؟



شاكسها هو بهذه الإجابة فردت عليه ببراعةٍ منتهزة الفرصة:



_لا ، حدوتة فريدة لآدم !



علم مقصدها من الإجابة ،وابتسم بإتساعٍ وهو يستمع إلى كلماتها التي لم تتوقف:



_ في أول صفحة هكتب "جمع الله فيك الصاحب والحبيب والحياة والأمان وكل حاجة حلوة يا آدم" ، وفي آخر صفحة ، عشان بينهم هبقى في أمان طول ما انت في بداية القصة وآخرها ، بس المهم ان انت تكون فيها معايا.



جعلته يعجز عن ترديد شىء مقابل لهذه الكلمات المتأثرة ، فابتسم إبتسامة عذبة وساد الصمت لفترة قطعتها هى وهى تسأله بمزاحٍ:



_بما ان النهاردة حصلت حاجة تبسطنا ، قولي نفسك في ايه وهحققهولك!



ضيق"آدم" عينيه على الطريق بخبثٍ وسألها بتشككٍ:



_أي حاجة أي حاجة؟؟



_أي حاجة.



أكدت هى  بذلك فظهرت ضحكته الخفيفة الذي وارى خلفها شىء مبهم ما ان رد :



_ماشي ، لما نروح هقولك بس تخليكي عند كلامك ، اتفقنا؟؟



لم تفهم مقصده ووافقت دون أدنى تفكير منتظرة طلبه لتحققه ونطقت بالموافقة لتؤكد:



_اتفقنا.



غفلت أن طلبه الذي لمح له به من قبل بعدما رآها صدفة تجيد الرقص الشرقي ! ،كان المكر رفيقه الآن عندما إلتزم الصمت وركز نظراته ناحية الطريق ، ولم يخلو وقتهما حتى هذه اللحظة من الكلمات العشوائية التي ترددها له ، وهو خير مستمع لها إلى ان تخرج ما بداخلها ،. فها هى تحدثه عن حزنها من حالة شقيقتها ومرة أخرى تردد له بأنها تريد زيارة "نيروز" ومرة ثالثة تشاركه  في إخباره  بأن تلك الثياب التي ترتديها تجعلها تشعر بالراحة ، وفي كل مرة يقابل حديثها بالحماس التي تريده  ، بالحماس والرد والمساحة التي افتقدتها قبل زمانٍ ، ولا يقل حماسه في كل مرة عن المرة التي تسبقها!




        
          
                
___________



استندت "نيروز" بظهرها في تعبٍ ، وحالتها تتحسن ولو بقليلٍ ، حاولت ان تطلب "جميلة" قبل قليل لتصعد لها كي تراها بلهفةٍ ووجدت منها الموافقة بصعوبةٍ ، وهدٱت ما ان أخبرتها "ياسمين" انها ستصعد بها كي تراها فلا تحزن! ، سعدت من ذلك ، في حين كانت "والدتها" في مطبخ الشقة تعد لها وجبة صحية لتتناولها مع الدواء ، ومازال هو كما هو برفقتها منذ ان جاء من العمل قبل وقت ، وجدته مندمج في حاسوب وضعه أمامه وعلمت أن هناك مشكلة في عمله يحاول حلها ولكنها قاطعت كل ذلك ما ان تركت هاتفها وخرج صوتها الهادئ وهى تحثه:



_طب قوم غير لبس الخروج عشان تقعد مرتاح!



رفع "غسان" رأسه ناحيتها وابتسم يختصر رده بـ:



_لسه نازل



فعقدت مابين حاجبيها تتساءل في غرابةٍ :



_رايح فين ؟ ، ميعاد الدكتورة لسه بدري عليه!



اعتدل ينهض بعدها في هدوءٍ ، ثم استقام يقترب ناحيتها وجلس جوارها على الفراش ، محاولاً سحب الرد التي لم ترد به حتى الآن عليه ، وهذا يعد قلق له هو الآخر ، أخذ أنفاسه بتنهيدةٍ حارة واستند بظهره على الوسادة رافعاً ذراعه على كتفها حتى اقتربت وسمعت رده الهادئ على سؤالها:



_عارف ، أنا رايح أشوف "عز" وراجع ولما أرجع هنروح للدكتورة!



لم تستسفهم بل حركت رأسها بفهمٍ وصمتت قبال صمته هو الآخر وأخبرته في محاولة لخلق الحديث بينهما:



_"وسام" هتخلص بكره الامتحانات ، ربنا معاها وتخلص على خير وتحقق حلمها!



ابتسم يحرك رأسه وبادلها نفس محور الحديث حينما قال:



_بكرة عليها فلسفة ومنطق وحالفة لما تخلص نروحلها كلنا عشان  نخرجها بعد الامتحان ، وبسام هيجيب "فرح" وحامد ودلال جايين بس أنا قولتلها هشوفك الأول لو قادرة هروح معاهم بالعربية لو مش قادرة مش مهم!



فاندفعت بلهفة سريعاً :



_لا ، لا أنا هاجي طبعاً ، هي قايلالي بقالها زمان ، لسه النهاردة مأكدة عليا وقالتلي مش هتعبك ولا هنخليكي تتحركي ، فوافق عشان خاطري، ده يوم ميتعوضش يا "غسان".



حرك رأسه مرحباً بكلماتها ورد في توضيحٍ مازحاً:



_جرا ايه يا رزّة من امته وانتِ بتحبي الخروج  ،ولا الحمل ده جاي ببركته من كل حاجة كدة؟



تلميحات كثيرة جعلتها تضحك وتخجل بآنٍ واحد ، وابتسمت تؤكد برأسها كلماته ،فضحك هو بخفةٍ  وضحك مردداً من هرموناتها التي تنقلب :




        
          
                
_أنا مبقتش  فاهملك حال، ساعة حباني وساعة مطنشاني ومش طايقاني ، انتِ ست مفترية علفكرة ، وأنا عامل بأصلي ومستحملك أهو ، على الله تفتكري وتقولي في حقي كلمة حلوة للعيال!



انفلتت ضحكتها بعلوٍ وتلمست معدتها في حنانٍ قائلة:



_لا متخافش مش هقول حاجة ، هقول الحقيقة.



من جديد غمزها ومال يسألها بمشاكسةٍ:



_وايه الحقيقة دي ؟ بتقول ايه؟



ابتسمت "نيروز" بحبٍ صادقٍ ووضعت كفه على معدتها البارزة ورددت وعينيها لا تفارق عينيه:



_بتقول ان انت أحن وأطيب واحد وهتبقى أحن أب في الدنيا.



اهتزت ابتسامته قبال عينيها واقترب يقبل جبهتها مردداً بريبةٍ من تحولها فأمس كانت غير ذلك تمامًا:



_انتِ شكلك النهاردة حباني وليا قبول عندك!



هزت "نيروز" رأسها هزات متتالية وهي تضحك ، فحاولت التحرك وهي تخبره:



_تعالى نطلع نشوف ماما بتعمل ايه!



وافق طلبها وها هى أيام  تفصل بين حالتها السيئة بعدم  قدرتها على الحركة بمفردها بسبب ألمها وبين حالتها الآن ، أصبحت بها قوة ثبات عن قبل ، لذا وقفت بمفردها ولكنه  حاوطها بذراعه وهما يسيران معاً ناحية الخارج ، بعدما فتح الباب ، اقتربت بنفسها بخطواتٍ هادئة ناحية المطبخ إلى "والدتها" فيما وقف هو يفتح التلفاز على صوت القرآن وكاد أن يقترب منهما ولكن قطع سيره صوت جرس المنزل اعتقدها "جميلة" و"ياسمين" من حديث "نيروز" معهما قبل قليل ،فإقترب هو يفتح الباب بوجه به تعابير قبول عادية تحولت سريعاً إلى علامات استنكارٍ وانفعال مبطن بمجرد رؤية  آخر من كان يتوقع رؤيته أمامه ، وقف "غسان" ينظر ناحية الواقف بصمتٍ أخرجه منه قول "نيروز" العالٍ من المطبخ وهي تجلس خلف والدتها الواقفة وهى تعد لها وجبتها كي تأخذ الدواء:



_مــيــن يا "غـــسان" ، "جميلة وياسمين "ولا ايه؟!



تجاهل هذا السؤال ووقف هكذا أمام الطارق إلى أن خرجت نبرته الحادة في ثباتٍ طغى به عليها:



_نــعم ، جاية ليه؟ أنا مش قولتلك مشوفش وشك لا انتِ ولا ابنك قدامي عشان ده أحسن حل ليكم دلوقتي!!.



تابعته "زهور" بوجهٍ باهت من خسارتها ، وأعين بها أثر بكاء لا يتوقف منذ ان حدث ما حدث قبل أيام ، ابتلعت ريقها وظهر الرجاء في نبرتها  ونطقت قبال عدستية الجادة وجسده الذي يقف به بالكامل أمام باب شقته وكأنه يقف حائل ليفصل بين وقوفها وبين الأخرى الذي شعر بخطواتها تقترب من خلفه هى ووالدتها:




        
          
                
_لو سمحت اسمعني ، خمس دقايق بس اسمعني فيهم وهمشي علطول!



حاول إغلاق الباب بلا مبالاةٍ طغت على وقوفها ووقوفهما من خلفه هو حينما أراد إغلاقه في وجهها تزامناً مع كلماته التي اعتبرتها فظه بإعتبار وقوفها ورقم عمرها ولكنها تخطت:



_مبسمعش ، عندي مشاكل في وادني!،  يلا بالسلامـ…



توقف إغلاق الباب حينما وضعت ذراعها سريعاً تمنعه بنبرتها الباكية :



_أبوس ايدك استنىٰ.



توقف "غسان" عن إغلاق الباب رغماً عنه بسبب وضع ذراعها هكذا فجأة وبسبب نبرة "نيروز" التي خرجت من خلفه بجديةٍ:



_مين ؟



اقتربت "نيروز" بنفسها تقف خلفه وبمجرد رؤيتها جعل الدموع تتجمع في عينيها وهي تتذكر ما حدث لها ولزوجها ، ابتلعت ريقها وهى تفتح الباب فوقفت "زهور" تترجاها هى الأخرى بعينيها ، لذا نظرت لها "سمية" بأن تتيح لها مساحة من أجل آداب الذوق ، فرجعت "نيروز" إلى الخلف ولمرة أخرى يقف حائل مبرراً لها :



_هسيبك تدخلي عشان أنا راجل متربي على الأصول ، مع ان الأصول بتقول متدخلش بيتك ناس ولاد حرام ملهمش شغلة غير خراب البيوت!



توقفت صامتة تتابع تعابيره المنفعلة بالحديث ، وعاد يدخل أولاً حتى جلس على المقعد وتركها تتدخل بمفردها ، أغلقت "سمية" الباب ، وأشارت لابنتها كي تدخل ولكنها رفضت تركهما برأسها ، حينها أشار لها "غسان" برأسه :



_أدخلي جوه! .



كانت إشارته لها ولوالدتها التي حاولت أخذها فيما وقفت هى بعنادٍ متحدثة بحزمٍ:



_لامش هدخل غير لما أعرف هي جاية عايزة منك ايه بعد كل اللي حصل ده!!



تابعتها "زهور" بصمتٍ أُجبرت عليه ، فيما نهض "غسان" يلتقط كفها بحزمٍ حتى وضعه بين يدي "والدتها" في دهشة من ٱمر الإثنان مع خروج نبرته المحذرة ناحيتها :



_خشوا جوه يلا!



كادت أن تتحدث  مجدداً ولكنه دفع ذراعها بغلظةٍ كعلامة لتوجيهها ناحية الداخل:



_يلا قولتلك!



كان هناك خوف بداخله من ان تتأثر بالسلب في هذه المقابلة فتدخر نفسها دون ان تعلم ذاتها ويأتي الانهيار بصورة غير مباشرة، حالتها هذه تؤثر على كل شىء، كل شىء ويعد هذا ثُقل عليه قبلها ، اضطرت للرضوخ ما ان وكزتها والدتها وردت عليه نيابة عنها كي لا يخرج انفعاله بهذا الوقت:




        
          
                
_خلاص يا بني ، هندخل ، يلا يا "نيروز"، يلا يا بنتي!!



سارت "نيروز" مع والدتها فيما تابع هو سيرها حتى دخلت الغرفة ، حتى وان كانت تتصنت الآن ولكنه إلتفت ناحية الأخرى والتي وجدها تنظر إليه بمراقبة بها من التوتر ما كشفه بعدستيه الذي اقترب بهما ناحيتها وجلس من جديد في انتظارٍ قطعه بتبجحٍ:



_أنا عندي مشوار ومش فاضي ، فياريت ننجز!!



فركت "زهور" يديها في ارتباكٍ وعلمت أنها تكرر الكلمات فعادت تتحدث مبدأياً:



_يمكن اللي هقوله ده انت سمعته قبل كده ، بس أنا بكرره تاني عشان مفيش قدامي غيره ، وحياة أغلى حاجة عندك تتنازل وتسيب بنتي تشوف دنيتها وحياتها ، بلاش مستقبلها يضيع ، أنا عارفة انها  إتجاحدت وعملت اللي ميتعملش بس ..بس أطلب اي حاجة وأنا أعملهالك إلا انها تتسجن ويتحكم عليها بحاجة!.



تابعها "غسان" وهى تتحدث هكذا ، وبان عدم إعجابه للحديث ما ان أخرج اللفافة من العلبة التي كانت في جيب بنطاله وأشعلها هنا للتو أمام  وجهها وهي تنتظر رده ، فيما أخذ هو أنفاسه منها ببطئٍ ورد في ثباتٍ ساخراً من آخر قولها :



_أطلب أي حاجة زي ايه يعني ، غير انك هتاخدي بعضك وتمشي مثلاً؟؟



هل ردد لها بالموافقة الغير مباشرة؟؟ ، نظرت في اندفاعٍ وكانت كاللعبة الآن بين أفكاره التي تتلاعب بها ، لم تكن تعلم حيلته الذي أوقعها بها ما ان أخذها هذا العشم الذي أرسله لها بين الأحرف الذي نطقها وردت في لهفةٍ:



_أي حاجة ، ان شالله حتى فلوس ، أي مبلغ تطلبه أنا هعطهولك!



برقت عدستي الإثنان في الداخل ، بينما هو أهبط نظره  لها بعدستيه في إنصاتٍ ولم يفكر ولو ذره في رده الذي بان به انفعاله من ما رددته له:



_ليه؟ شايفاني ناقص زيك انتِ وعيالك عشان أبيع حقي بفلوس ؟



أدركت أنها ضغطت على نقطة أثارت  انفعاله الذي حاول وبكل الطرق  أن لا يخرجه حتى لا تربح ، فقرر الثبات المعهود منه. أضافةً إلى برودٍ ولا مبالاة تثيرها بغضب حتى تصبح في أسوأ حالاتها أمامه! ، وبكل مكر برعت فيه وبإخفاءه حتى تصنعت عدم فهم خطأها وسألته في ندمٍ زائف :



_أنا قولت ايه بس، أنا بقولك كل اللي جاية عشانه وبجيب من الآخر قصادك!



إبتسم "غسان" في سخريةٍ ظهرت لها ما ان اعتدل يتقدم بظهره ناحية الأمام لتترقب كلماته التي خرجت :



_ كلامك دا لو كان خارج منك بره بيتي أنا كنت هتعامل على اني واحد ناقص والنقص ماليه لدرجة انه يمد أيده على واحدة قد جدته عادي!




        
          
                
هنا تلميحات كثيرة ، بها ولها ، وقلل من شأنها بآخر ما ردده ساخراً منها وحتى  من عجزها , فإبتلعت ريقها وأخذت أنفاسها بقليل من الغيظ وهتفت:



_الكلام زعلك ليه كدة ؟؟، ما انت لو اتنازلت أو لا ففي فلوس هتدفع في الحالتين!!



نهض "غسان" يطفئ اللفافة في مكانها المخصص ، وعدل ملابسه في عجالةٍ وظهر غير الاهتمام برده الذي ظهر به الإيجاز:



_وأنا في نفس الحالتين مش هتنازل.



نهضت في انفعالٍ حاولت كبته بكل الطرق، أمام إغلاقه لسحاب سترته ونظراته نحو معصم يديه على الوقت في الساعة مما جعلها تأخذ حقيبتها بإندفاعٍ وفشلت محالاوتها في كبت ما احتلها:



_انت انسان مريض ومعندكش أي رحمة ، وعايزني بس أتذلل عليك عشان ترضى عن نفسك ونشوف انك كدة مفيش منك  اتنين على الأرض وكل حاجة في ايدك انت ،،انت لو مكاني عمرك ما كنت هتعمل كدة ، بس انا اللي غلطت لما فكرتك عاقل وهتسمعني بكل احترام!



اندفعت بهذه الكلمات بحرقة وانفعال يزيد من غيظ "نيروز" في الداخل  وما تمنعها من الخروج هى والدتها بعد أن حذرها "غسان" من الخروج!! ، بقى هادئاً قبال كلماتها المنفعلة مع ثباته الذي يجعلها تغتاظ بهذه اللامبالاة  والذي قصدها في أن تظهر أمامها خصيصًا!



والتقط "موزة" من على الطاولة أمامها وقدمها لها في برودٍ جعل عينيها تتسع منه ما ان قال محاولاً حثها على هدوء أعصابها والشيء الوحيد الذي بقى ثابتاً في تغير تعابيره هى التسلية بها وبعقل سيدة مثلها ، كانت فرصة ومازالت فرصة من ذهب كي يواجهها كذلك ويُوقع بأعصابها إلى الأرض السابعة ثم يتلاعب ويعود ليصعد بها وكأنه بين يديه لُعبة! :



_أولاً  خدي دي وهدي أعصابك عشان انتِ ست كبيرة  وعندك الضغط!



وابتسم يشير لها برأسه في ربيةٍ مصطنعة:



_هيقولوا ايه؟ موتها في بيته؟ ، بقى ينفع ؟ .



فنظر حينها في تسليةٍ وقال بشرودٍ به وكأنه يحلم للتو قبالها :



_أنا نفسي أعملها أه بس أنول الشرف من أوله لآخره ، بدل ما يطلع اني عملتها وفي الأصل فَيك!.



إلى هنا وغمز بوقاحةٍ مشيراً ناحيتها بتلميحٍ جرىء مبطن:



_وبصراحة أنا راجل مبحبش الفيك ، بحب كل حاجة زي ما هي كدة، طبيعي وأصلي!!



انفعلت تعابيرها أمام هذه الكلمات ،. تمنت لو تأخذ الفرصة وان لا تكون هناك أحكام تمنع قتله أو الفتك به وهو هكذا يفعل بعقلها الاستهزاء!! ، انطلقت نظراتها ناحية وجهه ما ان ضحك يسألها بغمزة:




        
          
                
_أصلي؟؟



إزداد إحمرار وجهها غضباً من وقاحته معها ولكنه انتظرها تأخذها منها فقرب يديه أكثر وتلاعب بها حتى رأت ما يوده ان تراه به ، وهو القبول في الاستماع  في اهتمام ثم يلقي بهذا الأهتمام عرض الحائط بالإستهزاء ثم تعاد الحلقة التي لا تنتهي ويتحدث بجدية لا تدوم طويلاً كعادته ، مرحاً أو جادًا  هذا طبع لا يغيره أبداً !! ، إلتقطها منه بغيظٍ فيما أكمل هو ردًا على كلماتها:



_بس ثانياً بقى ، لو أنا انسان مريض يبقوا  عيالك ايه؟ بلاش ابنك الغلبان اللي مبلحقش أشوفه وأسلم عليه من كتر حبه في المستشفيات ، خلينا في بنتك ،  انتِ شايفة ان بنتك دي عادية؟لو شايفاها عادية تبقى مصيبة!



انتشل وسلب تركيزها ناحيته في الكلمات ، فعاد يحول الوضع سريعاً لأكثر ما تغتاظ منه وهو أنه لا يكمل ما يردده على نفس النحو من الجدية ، دائماً ما يسخر بفظاظةٍ :



_عشان بجد هايلة في التمثيل ، فلو انتِ شايفاها عادية أنصحك تغيري نظرتك دي وتقديملها في معهد تمثيل!



لم يتوقف وعاد التلاعب رفيقاً له ما ان عاد لنفس النقطة برده على كلماتها الأولى :



_ نرجع بقا لموضوعنا ، أنا عمري ما أبقى مكان واحدة زيك وانتِ غلطتي فعلاً لما جيتي ، عشان أنا مش زي ما انتِ فاكرة أنا مش عاقل..



تابعته بغلٍ بان في عدستيها ناحيته وانتفضت ما ان تعالت نبرته وهو يردد في نبرة حادة جعلتها تشعر بالريبة من سرعة تحوله:



_أنا مجنون ، ولو مخرجتيش بالذوق بره بيتي دلوقتي هوريكِي الجنان على أصوله!!.



تمسكت في حقيبتها بتشبتٍ وحاولت الرد ولكن قطع ذلك صوت جرس الشقة الذي كاد أن يقترب من الباب حتى يفتحه ولكنه إلتفت بظهره ناحيتها مشيراً لها بإستخفافٍ موزعاً نظراته بينها وبين محتويات الزينة جوارها والأشياء من حولها:



_بقولك ايه؟ ، تقلي ايديكِ ، يعني ملفش ضهري فـ ألاقي حاجة اختفت ، أوعي انا بقولك أهو يا "زهرة"!



برقت عدستيها في غير تصديق شديد من كلماته الوقحة هذه قبال شخص في مثل عمرها أمامه هو!! ، فلم تترد ذرة واحدة في تعنيفه وكأنه صغير ستؤدبه لتصحيح  اسمها وبكلماتها هذه الذي وضعها على الهامش فور استماعه إليها:



_"زهور" ، "زهور " يا قليل الأدب ياللي مشوفتش في حياتك رباية ، أنا فعلاً غلطـ…



اندفعت بهذه الكلمات بحرقةٍ منفعلة من ما قلل به منها ، فقاطع آخر حديثها بإشارة كفه:




        
          
                
_ماشي يا زهور ، هفتح بس الباب ونرجع نأكدلك اني مشوفتش رباية!!



هكذا كان رده بتهديد مبطن وابتسم بخبثٍ ما ان علم من الطارق ، ففتح بترحابٍ وليس كعادته يبتسم لها الآن ، يبتسم لمن يُوضع أمامها في مواجهة دائماً ، نظرت إليه "ياسمين" بغرابةٍ من فمه المتسع بابتسامته هذه وهى تقف جوار "جميلة" ، فدخلت الأولى تدفع الباب بقولها له:



_فين نـيـرو..



وقفت في دهشةٍ من وجودها ، وتابعتها الأخرى بكرهٍ ، جعلها تنظر ناحية "غسان" وهي تبتسم في خبثٍ مرددة له:



_اخص عليكيا جوز أختي ، مش تقول ان عندك ضيوف!



حرك كتفيه في تسلية ، فإقتربت "ياسمين" تنظر في تفحصٍ وهتفت قبال مراقبة "جميلة" بإنزعاجٍ زارها من مجرد رؤيتها:



_إذيك يا عمتي ، وحشتيني ويارب توحشيني للأبد والله!



خرجت "سمية" من الداخل سريعاً تمنع هذه المتهورة من الحديث ولكن لم تمنع حديث "زهور" وهي تشير بعكازها:



_هستنى رد زي ايه من واحدة عديمة الرباية زيك!



شهقت "ياسمين" في طريقة زائفة ووضعت يديها على قفصها الصدري وهي تقترب تشهدهم وعايرتها :



_عديمة الرباية؟؟؟ يعني ايه؟؟ يعني انا شقيت هدومي في الشارع  وعملت فضيحة قدام الناس اللي قعدت تتفرج على جسمي المكشوف؟؟ ولا اتبليت على حد انه اتحرش بيا؟؟



تمسكت "سمية" بذراعها كي تسحبها ناحية الداخل ، فيما كانت تقف "نيروز" بجوار "جميلة" قبال استماعهم لحديث متكرر:



_انتِ تطولي تبقى زي بنتي؟ ، على الأقل محاولتش تبعد جوزها عن أبوه اللي دمه ببحري في عروقه وأثرت عليه لحد ما بعدته وخليته حتى ما يزورش أبوه قبل ما يروح!!



إندفعت الدماء لرأس "ياسمين" التي دفعت ذراع والدتها عنها واقتربت تحذرها:



_انتِ واقفة في بيت أختي، ووسط أهلي وناسي ،يعني حاسبي على كلامك!



_وجعتك أوي؟ ، دا مش انتِ بس اللي كدة في العيلة ، انا ولادي معملوش حاجات انتوا عملتوها وفاكرين نفسكم ملايكة مفيش منكم ، لا بنتي بعدت حد عن أبوه ولا التانية رفضت ابن عمها وراحت تحبلي في واحد غريب عنها كان واقف لعمها ولا عمله أي احترام ، هتآمن على نفسها ازاي معاه!



اندفعت هذه مرة "نيروز", التي صرخت بها :



_هو انـــتِ ايــه؟؟ مصدقة نفسك ليه كدة؟؟ ولسه ليكِ عين وجرأة تجيبي في سيرتي بعد اللي عملتوه وبالذات بنتـــك؟؟ .




        
          
                
لم تتحمل هذه المرة وهاب الكل انفعالها حتى هو والذي اقترب فدفعته عنها وهي تشير لها بصراخٍ عالٍ:



_إمشــــي اطلعـــي بره ،  اطلعي بـــره بيتي حــالاً!!!



لم يتجرأ أحد على فعلها بطردها ، لذا ذُهلت وانتشلت حقيبتها في حقدٍ زاد ما ان حاولت الإصطدام بها فمنعها جسده هو الذي وقف به فاصل ناحيتها لم ينتبه انه أنقذها من سقوط غير مباشر  ونجدت الأخرى بما كانت تود فعله لولا عدم انتباههم لحدث شيء آخر .



اشتدت أعصابها فتمسكت بأسفل معدتها في تعبٍ ، حاول به مساعدتها في لهفةٍ ولكنها دفعته  عنها في ضيقٍ من كل شىء وتركته وسارت بمفردها ناحية الداخل ، حتى مجرد تذكرها لما حدث لها في الطريق وامساكه وبعده عنها وانهيارها واحتمالية ضياعها وضياع صغارها ، كل هذا ضغط ، ضغط كبير تريد نسيانه!!



اندهش من  رفضها له بهذه الطريقة ما ان سارت وتركته دون مساندته فسارت خلفها شقيقتها و"جميلة" مسرعين معاً ناحية الداخل فيما وقفت "سمية" تغتذر له مدركة ما فعلته الأخرى:



_معلش يا بني ،. اعذرها  أعصابها مش مظبوطة الأيام دي والعلاج مضيق خلقها  مع الحمل ، معلش امسحها فيا أنا!!



اعتذرت له بصدقٍ ، فنظر ينفي بحركة رأسه ونظر ناحية باب الغرفة , وأراد تركها معهن والخروج بعيداً حتى تهدأ ويهدأ هو الآخر لذا أوصاها بلينٍ:



_  مفيش  حاجة ،. أنا نازل ، خلي بالك منها انتِ!



وافقته برأسها ، فأمسك  "غسان"هاتفه وفتح الباب حتى خرج مقرراً المكوث لدى والده فترة ثم الخروج ومن ثم العودة لها حتى يذهبا للطبيبة المسؤولة عن الحمل 



ترك خلفه "سمية", التي دخلت الغرفة فوجدتها تقف معهما في الشرفة ودخلت على قول "ياسمين" لهما :



_والله لو حد كان سابني عليـهـ..



أخرستها نظرة والدتها وهي تخرج والتي أشارت ناحيتهما بالخروج ، فخرجا بصمتٍ قبال نظر "نيروز" من الشرفة بشرودٍ قطعه لوم والدتها:



_ينفع كدة؟ ، ينفع تتعصبي وتصرخي كدة؟ هو الدكتور قالك تعملي كدة عشان تحافظي على اللي في بطنك؟؟ ، عايزة تعملي ايه في نفسك يا نيروز؟؟



لامتها بقوةٍ ليس هذا الأمر بمفرده ما جعلها تردد ذلك بل ضيق  آفاقها وقلة تحملها في الأيام الماضية ،بررت الأمر سريعاً بأعين لامعة من الطاقة التي نفذت من عزم الضغط:



_أنا تعبت يا ماما ، مبقتش قادرة استحمل أي حاجة لسه هتحصل ، كفاية أوي لحد كدة اللي شوفته ، لسه عايزين يعملوا ايه تاني.، دا حتى هو واقف قصادها يرد كلمة بكلمة ، مش عارف انه كدة بيضغطني أنا ، عايزينه يحطوه في دماغهم ويحصل تاني اللي حصل ؟؟ ٱنا مش حمل كل ده ومن حقي أخاف!!




        
          
                
ظهر الخوف من حدوث شىء آخر ، أصبحت تهاب حتى مجرد رؤية وجوههم هذه أمام عينيها ، ابتلعت ريقها تأخذ أنفاسها ووجدت "والدتها" تربت على ذراعها بخفةٍ مرددة بيقين:



_ يبنتي كل اللي حصل واللي بيحصل مقدر ومكتوب ، سيبي كل حاجة على ربنا ومتحمليش هم ، شيل الهم ده  بيقصر العمر!



بقت كما هى صامتة ونظرت في شرود قطعه لوم "سمية" مجدداً:



_بس هو ينفع اللي عملتيه ده ؟ ينفع تزقي جوزك كدة وتحرجبيه قدامنا ؟؟



_مقصدتهاش ، وبعدين ما انتِ شايفاه وسامعاه يا ماما قاعد يرد عليها ازاي ويستفزها عشان تتعصب وتقول كلام احنا في غنى عنه ، هو مش فاهم  ان دا كله ضغط علينا سواء كد ة أو كدة؟؟



حثتها "والدتها" على الهدوء ، وأشارت لها بأن تجلس كي تستريح فجلست ولم ترض الأخرى الرد في نقاشٍ بل صمتت لوقتٍ ووجدت بعدها "ياسمين" تحمل الصينية الصغيرة التي توجد عليها وجبة "نيروز", وبيدها علبة الدواء ودخلت تردد بلهفةٍ:



_يلا يا روز عشان تاكلي، وفكك من اللي حصل ، انسي!



لامبالاتها أحياناً تجدي نفعاً ، ضحكت "والدتها" عليها فيما جلست هى تناول شقيقتها ما بيديها ووقفت "جميلة" تبتسم وقطع هذه الإبتسامة إشارة "نيروز", لها بأن تجلس برفقتها وجوارها ، فجلست ومررت الأولى كفها على كف "جميلة" بدفء وسألتها بترقبٍ حزين من أجل مظهرها الذي بان به الحزن:



_مالك يا "جميلة"؟، فيكِ ايه؟، احكيلي!!



نظرت ناحيتهما وهما يتابعان السؤال بسكونٍ ، جعل "جميلة" تخرج عنه ما ان أشارت لها بأن تتناول وأخبرتها:



_كُلي يا نيروز الأول ، كلي وهبقى أحكيلك لما تخلصي، أنا معاكي اهو مش هنزل دلوقتي عشان حازم وماما حالفين لو نزلت بسرعة مش هيفتحولي الباب أصلاً ، مش فاهمة ايه المعاملة دي وكله من اختك !!



كان هذا اقتراح "ياسمين" عليهم في الأسفل ،ضحكت "ياسمين" وكان هذا حكم كي لا تنفرد بذاتها ، ففهمت "نيروز" وضحكت على ضحكات "ياسمين" بينما ضحكات الأولى دوماً ما تجعل من اماها يضحك علي ضحكاتها وهكذا ضحكت "جميلة" بمجرد سماع ضحك "نيروز" التي مالت عليها تعطيها قبلة مازحة على إحدى وجنتيها كي تضحك وتتناسى ما تعاني منه وهى ليست على علم به ، فقط تعلم ان  هناك مشكلة ولكن لا تعلم تفاصيلها التي سألتهم عنها وراوغوا كي لا تحمل همها فتسوء حالتها الجسدية بسبب حالتها النفسية!!.



_ايه كله من اختك دي يا بت ، ما توزني الكلام ، دا أنا مرات أخوكِ وام بنته ، يعني كلامك معايا يبقى بحدود يا حرباية!!




        
          
                
رفعت "ياسمين" رأسها في شموخٍ وعدلت ياقة ردائها  في كبرياء ٍ  نظرت نحوه "جميلة", بشك ممزوج بالغيظ الذي جعلها تبادر في الرد :



_اتكلمي انتِ معايا كويس الأول!



شهقت"ياسمين" وكانا في بدايات عراك فضه "نيروز" كالعادة وهي تشير بذراعيها بقولها العالي أمام ضحك "سمية" التي أشارت بإختلال عقلها منها وخرجت تفتح باب الشقة الذي اعتلى جرسه:



_بــــس خـــلاص!!



التزمت "جميلة" الصمت فيما نظرت لها الأخرى بحنقٍ وأرادت إخراجها عن شعورها وثباتها ، وان تنخرط معها في جو آخر غير التي تحاصر نفسها به فإقتربت تدفعها بفظاظةٍ وجلست في المنتصف بينهما بالقوة والإجبار مع قولها الذي تعالى ناحيتها:



_وابعدي كدة ، انتِ قاعدة جنب اختي ليه ، دي اختي أنا!!



تعالت ضحكة "نيروز" عليها فيما ضحكت "جميلة" تحذرها بعدستيها الواسعة:



_يا بنتي اهدي ، دا منظر واحدة عاقلة ومتجوزة وحامل كمان؟؟، ربنا يهديكِ .



كادت أن تجيب فدخلت "فريدة" وهي تحمل الأطباق بين يديها وتعالة قولها المازح:



_مين مزعل أختي يا شوية عيال!!



_أهلاً!



كان هذا ترحيب "ياسمين" بها بطريقة مصطنعة  مازحة، فيما أسندت "فريدة" ما بيديها على الطاولة هى و"اسماء" حيث كانا هما الطارقان  ورحبوا بالجميع  وسعدت "فريدة" من وجود "جميلة" منخرطة معهن هكذا ، فقد علمت من شقيقها أنها في الأعلى، وبعد هذا الترحيب كان هناك سؤال خرج بفضولٍ من "ياسمين" وهي تتزوق الحلويات:



_ايه الحاجات  الحلوة دي كلها ، خير ؟



جلست "فريدة" ترفع ذراعها في مشاكسة على "جميلة" وجلست "أسماء" جوار جلوس "سمية",  واستمع الكل إلى رد "فريدة" بتوضيحٍ:



_ماما عملتهم النهاردة بكميات كتيرة عشان توزع علينا ، بمناسبة ان النهاردة يعني  آخر جلسة عند دكتور عاصم!!



ترقبت "نيروز" لـ بساطتها في قول ذلك دون حرج ، وعلمت أن المشكلة في ذاتها هى ، اهتزت نبرتها وهي تبارك لها في صدقٍ كما البقية فيما نظرت "سمية" بغيظٍ تجاه "ياسمين" ، فطالعتها بغرابة وتساءلت :



_الله!! ،  بتبرقيلي ليه ، أنا عملت ايه يا ست انتِ؟؟



ضحكن  على خفتها فيما خرج رد"سمية" بغيظٍ مما سألته:



_عشان حاشرة نفسك في اللي ملكيش فيه ، يا حشرية!!



أسندت ظهرها ومررت كفها على معدتها وهي تبتسم ببرودٍ ثم نطقت وهي تنظر ناحية "فريدة" :




        
          
                
_عادي ، دي فريدة يعني يا سمسم ، مفيش حد غريب!!



ضحكت "أسماء" في خفةٍ مثلهن ولكنها الوحيدة من صرّحت لها:



_بحب أقعد معاكي أوي عشان بتضحكيني



أرسلت لها قبلة طائرة وصارحتها هى الأخرى أمامهن:



_ وأنا كمان بحب أبصلك عشان الخمار تحفة أوي عليكي انتِ و"فريدة "، وكل ما هشوفكم هقعد أقولكم كدة لحد ما أحصلكم وربنا يهديني وألبسه زيكم !!



ابتسمت لها بإمتنان ، فيما كانت تمتن مرة أخرى لـ "فريدة" التي سحبتها نحو طريق الإستقامة ، الآن تعايش قبول من الجميع حتى "نيروز" التي رددت لها بصدقٍ وقررت شكرها فيما بعد بمفردها فيما فعلته مع "غسان" في القسم:



_هو فعلاً حلو عليكي أوي يا "أسماء"  ، و"فريدة" كمان ، ربنا يثبتكم يارب!



شكرتها بسعادة من هذا الترحاب الذي ظهر في الكلمات فعادت الأخرى تتناول الوجبة  حتى تأخذ الدواء ، واستمر بينهن الحديث بعشوائيةٍ فيما لم تنس "نيروز" أمر "جميلة" وقررت الجلوس معهن ثم الانفراد بها في الشرفة الأخرى بخفة في الخارج كي تجعلها تتحدث معها بأريحية دون متابعة نظرات احداهن معهما!!



___________



أيامٌ من المحاولات الكثيرة للوصول إلى هنا ، للوصول لنقطة ما فارقة ، وفرقت من قبل معه ومع حياته القاسية ، أيام من الوجع الذي وكأنه لا يكفيه فقرر الذهاب في محاولةٍ لوجع آخر ، وجع يريد أن يقف أمامه  ويتساءل سؤال واحد سأله لغيره من قبل ..-لماذا؟



أيام كثيرة بمحاولات أكثر كي يسأل سؤال واحد من خمسة أحرف!! ،بان في عينيه المتعبة الآن وهو يجلس أمام مقر الأوجاع ذاته ، أمام من عاد لهم بالأوجاع ليذكرهم مع الخيبات والخذلان ، قارن من قبل عودته ومن بعدها والفارق ببن هذين كبير ، كبير جدًا!!



طغى اللون الأحمر على ملابسه بالكامل والصمت سيدهما في هذه الزيارة الحادة على قلب من يتابعه بصمتٍ والحديث يُحبس في عدستيه وعقله وكُمم فمه رغماً عنه فكان المتحدث الثاني بعد سؤال الآخر الهادىء بجمودٍ طغى على ملامحه:



_جاي ليه يا "عز"؟!



أُنهك بما فيه الكفاية كي يصل إلى هنا في زيارة تنفرد بشقيقه وهو فقط ، ملامح جامدة وأعين حادة تنظر وطغى في نظرتها البرود الممتزج بالثبات حتى وهو هنا حتى وهو على مشارف "الإعدام" ، تجمدت عينيه عليه وهو يجلس أمامه هكذا ينتظر رده في صبرٍ لا يعلم من أين جاء ، وتبخرت كل كلماته وردوده ما أن نطق بتيهةٍ:



_مش عارف!



ابتسم الآخر بزواية فمه من هذا الرد ، وثبت عينيه في عدستيه يتساءل مجدداً:




        
          
                
_المفروض مين اللي يعرف؟،أنا واحد خلاص داخل على إعدام وأي حاجة انت جاي عشانها مش هيبقى ليها لازمة عندي،لو جاي تقول اني السبب زي ما بسمع منك علطول فكل ده ملوش لازمة دلوقتي !!



دخل في محور الحديث على الفور ، واستند بظهره على المقعد يخبره ببقية حديثه:



_وأديك شايف ،وشكلك كدة انت اللي كسبت في الآخر ، كل واحد فينا نهايته مختلفة عن التاني..بس مش دي نهايتي اللي كنت عايزها ، مش دي نهايتي اللي المفروض تحصل بعد حياتي اللي عيشتها بسبب أبوك وأمك وبسببك انت وأختك .



فصمت "شريف" بعد ذلك  وتعالت ضحكته مع ان هتف بإعجابٍ:



_طلعت كسبان منها يا "عز"!!



نظر "عز" في مراقبة لكلماته وحديثه ، ولم يتردد رغم البغض والكره في أن يصحح له بتعبٍ:



_دي نهاية كل واحد مؤذي يا "شريف" ، دي نهايتك اللي تستحقها بعد كل اللي عملته ، فكر ولو لمرة واحدة في شرك اللي عملته وأذاك ،  واحد زيك ميفكرش في اللي عاشه بعد اللي قرر يعمله وعمله .



لم يتوقف إلى هنا مع تعابير الآخر التي تتشنج، فيما ابتلع "عز" ريقه يكمل له بتعابير لا تختلف عن تعابير الآخر:



_ انت مش بس دمرت حياتك ، انت كمان دمرت حياتي ، وحياة كل واحد كان عارفك ،سايب له نقطة سودة مش عارف ينساها ، مش عارف ألاقيها منين ولا منين ، من اغتصابك للبت الغلبانة اللي كل ما تشوفني تبصلي كإني أنا اللي عملت فيها كدة ، دا حتى دا مكفكش وكنت عايز تعمل اللي عملته فيها في مراتي ، مراتي اللي كل حاجة عملتها وقفت بيني وبينها ، كله بسببك ، وبسبب  وجودك اللي كان أذى لكل واحد فينا ، دا حتى الراجل اللي سجنته في الآخر وخدت حقك منه تالت ومتلت مكفكش فيه كل ده وقتلته بدم بارد ، دم بارد وعقل مفهوش ضمير ،  مسيبتش أي حاجة ، مسيبتش حتى ابنه اللي خليته مدمن ووهمته بإنك زيه ودمرته هو وصحابه ، مسيبتش حتى "حازم" اللي معملتش فيه حاجة بس اللي عملته في غيره كنت فاهم وواعي قد ايه هو بيتأذى بيهم ، كل ده ومتستحقش نهايتك؟؟؟.



صمت قبال كلماته شاعراً بالنشوة وابتسم بإستهزاءٍ ما أن نطق من جديد بإنفعالٍ:




        
          
                
_كل ده وطلعت منها كسبان؟؟؟ انت ايه ؟؟؟ انت عايز ايه بالظبط!!!



رددها بحرقة وحسرة واختناق من عزم القهر ، قهر وصل للآخر وبقوة فجعله يرد رد جاء من دناءته:



_مبسوط انك فاكر، مبسوط اني سايب علامة لكل واحد فيكم  تفكره باللي صعب يتنسى ، أما بقى عايز ايه يا بن ابويا فـ دي معروفة من زمان!!



حينها أكمل بما كان يرغب به ولم يتحقق وقال بضغطه على فكه قبال رؤية الآخر له بأن ما نطق لا يعني الشر بل المرض!! :



_عايز دم ٱمك ، ودمك ، أمك اللي خدت كل حاجة في لحظة وضيعت الفرحة والأمان من بيتنا ، أمك اللي أول سبب في كل حاجة وحشة شوفتها ، وانت ..انت عشان انت  بخلفتك كانت بداية القهر، ده اللي عايزه قبل ما أموت ، تقدر تحققهولي؟؟



دائماً ما يُعرف بتحقيق الأمنيات للشخص المقبل على الآعدام !!
تشنجت تعابير "عز" والآن هما  هنا بمفردهما في هذه الغرفة ، زيارة ثنائية ، أُخذ بها التدابير ، ولكن  ما بين أكمامه الآن شفرة يضغط عليها ، كلماته الآخيرة جعلت الدماء تصعد في رأسه كما رغبته في الانتقام ، ربما دماء هذه العائلة ، دماء واحدة يجري بها الشر والأذى والرغبة في أخذ الحق ، شر هناك لدى آخر ظهر وشر هنا مخفي مثل اختفاء الشفرة بين كمه الذي كان يخفي به كفه وعينيه التي تتوجه ناحية الآخر بغلٍ وقهرٍ في آنٍ واحد!!



هنا حيث مكان ان أذى "عز"به بواسطة ما بين يديه  الآخر سيضيع ولا خروج بعد دخوله ، إن دخل بزيارة فسيخرج بحكم وعقاب ، عقاب مس الآخر بسوء وهو بين يدي الحُكم!! ، وهو بين ملابس الإعدام وشرطة تقبض ولا تترك! ، في مكان قاسٍ ، وبين حبس به ظالم ومظلوم ، حبس به قاهر ومقهور ، وكاسر ومكسور ، هنا بين شخص انتقم وشخص "يريد الإنتقام "



طالعه"عز" بأعين يطلق بها سهام الكره الذي كبته لفترة دامت لكثير ، فيما طالعه "شريف" بنفس الكره وأكثر وابتسم ما أن سأل من جديد يكرر :



_ها ، تقدر تحققهولي؟، تقدر تحققلي اللي أنا عايزه يا "عز"؟!



ضغط  "عز"على فكه وإندفع يردد ناحيته:



_مش من حقك تتمنى أمنية زي دي ، وليه أصلاً انت تتمنى ، ليه متمناش أنا ولو مرة واحدة ويتحققلي اللي أنا عايزه!



ابتسم "شريف" بزواية فمه ، فيما خرجت هذه الكلمات من "عز" وكأنه شخص الآخر للتو ، فسأله برده على كلماته هذه:



_انت متتمناش ، انت اللي زيك اتكتب عليه يعيش كدة ، بسبب غلطة واحد وواحدة .



صفق بيديه كي يضغط عليه كما ضغط بقوله وهو ينبهه في تسليةٍ:




        
          
                
_عز!! ، انت زيي ، فوق بقى وافهم كل حاجة صح ، دمنا واحد ، ومن صلب نفس الراجل اللي ضيع أحلامنا سوا ، انت نكرة وملكش حد تتسند عليه غيري ، وأنا مش سند لحد ، جاي ليه ؟؟



في كل مرة يضغط عليه بهذه الكلمات ، لمعت عيني "عز" في قهرٍ شديد تبدل لبغضٍ ما ان اندفعت كلماته منه بحرقةٍ:



_أنا لو زيك  كنت قتلتك من زمان وسيحت دمك على الأرض قدام عيني, وبعدها كنت هروح أدفنك جنبه ، عينة واحدة ملهاش تالت ، أنا مش زيكم!!!!



تحشرج في آخر ما ردده ، بينما أسند "شريف" ظهره على المقعد قبال نظرات الآخر وهو يضغط على ما بين يديه فيما خرجت نبرة شقيقه في تيهةٍ لأول مرة يكشفها:



_طب كنت إرحمني واعملها ، زمان أو دلوقتي فأنا مش باقي على حاجة ، مش زيك ، انت لسه عندك أمك واختك، يا بختك!



_بختي؟؟؟ ، وانت مشوفتش انت عملت ايه في بختي؟؟,مش حاسس؟؟



سأله بقهر من جديد بينما ولأول مرة تدمع عيني "شريف" في إستسلامٍ كان سهل في هذه اللحظة ما ان رد بكسرةٍ:



_مهما عملت مش هيبقى زي بختي ، بخت اتكتب عليه بالضلمة والقهر ، قهر انت مشوفتش ربعه في كل اللي انت شوفته ده ، جربت تقف على رجلك وانت شاب في أول حياتك تقف تدور على حد ينجدك وينجد المظلومة اللي اتسجنت ظلم؟ جربت تحارب نفسك عشان تستحمل سجن اختك ومرض امك ؟ جربت تعيش موتهم ورا بعض وتبقى لوحدك؟؟ ، جربت تبقى تعبان ومهلوك وتهرب من المكان واللي فيه بس دماغك مسابتكش؟؟ جربت تقرر تنزل وتحارب وتعافر عشان متاخدش طريق انت عايزه بس بتقول لشيطانك لا ؟؟ جربت تقول أه ولأول مرة  أه لشيطانك وانت مجبور ؟ جربت تتغير عشان حقك؟. جربت تمحي كل ذرة طيبة وتقسي قلبك عشان ترجع كل الحقوق اللي المفروض كانت ليك ؟ جربت تكره شكلك ومتتقبلش نفسك بسبب راجل عاش ظلم عيلتين وراح؟.. جربت ايه من دول يا "عز"؟؟



كلمات موجعة قاسية خرجت  من منبع القسوة الذي ضَعُف قبال هذه الدموع ، سالت دموعه بوجعٍ ، وجع لم يظهر من قبل جعل الآخر يبكي هو الآخر في قهر مماثل له وخرجت الكلمات بتعبٍ حينها رداً على أوجاعه:



_جربت أحس بيك ، جربت أفكر، جربت أهرب ومنفعش!! ، جربت أحاول نكون مع بعض ومقدرتش!.



تراخت يديه عن الشفرة الحادة التي توجد بين يديه ومسح وجهه في إنهاكٍ شديد جعل الآخر يضحك بإستهزاءٍ من بين هذه الدموع وصرّح له بما لم يصرح به من قبل ، صرح بسخرية رغم صدق الكلمات:




        
          
                
_ انت غلبان أووي يا "عز" ،انت لو كنت معايا وفي ضهري أنا مكنتش  هتأخر ثانية واحدة في  رد الحق .



أشار ناحيته يخبره ، يلمح له بأن شره هنا وقد بان في عينيه للآخر وظهر خبثه ما ان أشار ناحية الكف الذي يخفي به ما قرر به إيذاءه :



_دمنا واحد قولتلك! ، القتل سهل عندك برضه ، كل حاجة بتقولي انك أنا ، لولا وجود امك وأختك مكانش فاتك بقيت كدة ، بس انت دلوقتي شوفت جاي تعمل ايه؟ جاي تقولي انك مني مع انك مش عاوز تقولها!!



بعدما  قرر التراجع عن أذاه بعجزٍ ، عاد من جديد ينفعل ويثور وكأنه هو البركان أمام هذا الشر ، مجدداً يضغطه بهذه الكلمات التي تزيد من غضب الآخر ، رفع "عز" رأسه يطالعه بأعين حمراء ونفى هذا ما أن اندفع سريعاّ يخنقه برقبته بقوةٍ مردداً بإنهيارٍ وكفه يطبق على عنق الآخر بلا رحمة ، بلا تحسب بأنه بالفعل قد شرع في الفتك به وقتله :



_متقولش زيك ، متقولش نفس الدم!!!! متقولهاش!!!!



إحمرار وجههما يكفي ووضع كفه الآخر على فمه يشرح كيفية الصمت القاسي في هذا المكان ، مقابلة مليئة بالخيبات والتعابير والمشاعر المختلفة وان لفظ الآخر أنفاسه سيذهب دون عودة وان نجى فستكون بقية هذه المقابلة حادة كالشفرة التي كانت بين يدي من يخنق شقيقه الآن وأمام عينيه وداخل عقله ضاعت تحسباته وقراراته!! ، وإن توحدت الدماء في جسدها فالآن تتعارك كل قطرة مع الأخرى بتفرقٍ!!



حاول "شريف" امساك أي شىء حتى ينقذ نفسه من بين هذه المخالب ، مخالب ظُلمت ، ظلمت وحان متأخراً وقت رد الحق ، حق لم يستمر طويلاً ما ان تراخت يديه من عليه ولم يقدر على فعلها ،  تراخت يدي "عز" وبكى حينها بصوتٍ. وشهقاته هنا تُكتم ، أخذ "شريف" أنفاسه وقبل أن يركع "عز" أرضاّ  تلقائياً حاول مساندته الآخر بعفويةٍ لا تليق مع الوضع فأصبح بين ذراعيه الآن!!



بين ذراعي  أكثر شخص يكرهه ، بكى بصوتٍ وهو يضرب ظهره بإنهيارٍ في هذا العناق وخرجت كلماته ببكاءٍ منفعل له:



_ أنــــا بكـــرهــك ، بكــرهك يا "شريـف"!!!



يتعلق ، بتشبت بالأذى رغم علمه بأنه أذى!! ، لم يحاول تركه ، لم يحاول هذه المرة بل تشبت به وكأن شعوره بالموت يداهمه فأراد التمسك بأخر شخص يعد من رائحة العائلة الذي افتقدها ، ضمه في احتياج ، احتياج يوحي بالأنانية الكبيرة والكثيرة،والمثيرة أيضاً للشفقة ، ضمه"شريف" بقوةٍ يأخذ منه ما يريده حتى يقرر تركه ، مرض اعتاد على أخذ ما يستحق وأكثر!!



_أنا كمان يا "عز" ، أنا كمان بكرهك ،. بكرهك وبكره أمك  وأبوك وبكره الأيام اللي كبرت وفهمت فيها انكم موجودين ومننا!!




        
          
                
رددها بنبرةٍ هادئة ، هادئة جداً لا تتماشى مع ضمته والذي ما ان انتهى من أخذ ما يريده دفع "عز" عنه فإندفع على المقعد يجلس بقوة من أثر ما فعله الآخر , وأخفى أي دموع تصارحه بأنها ستهبط أو على وشك النزول ، وقف يطالعه ورأسه بين كفيه في تعبٍ وبكاء صامت , جعله يبادر في الحديث وهو يحثه:



_امشي!



رفع "عز" رأسه يطالعه ووجده يشير له بحزمٍ ، فإستند يقف في ثبات حاول حبكه ما ان هتف به بمرارة:



_عمري ما هسامحك!



_مش ضروري ، مخدتش مسامحة اللي قبلك عشان ميبقاش فاضل غيرك ، قولتلك مش باقي على حاجة!



أكل شىء بسيط ألى هذا الحد لديه؟ ، أغلق "عز" سحاب سترته حتى رُفعت رأسه ، رُفعت بشموخٍ أمام عيني الآخر رغم أثار الدموع وردد بما هو أقسى شىء يمكن أن يردده شخص للآخر:



_حقي منك مش هنا ، مش في الدنيا يا "شريف".



واضاف بثقةٍ وهو يتخطاه:



_نتقابل يوم الحساب ، نتقابل قدام ربنا ، سلام ، والسلام لله!



اعتفد ان هذا وداع لا يعلم بأن المشادة بدأت من هنا ، تخطاه حينها بعد قول هذه الكلمات وفتح الباب وإلتفت ينظر وقال  يختم ذلك بـ:



_ وخليك  فاكر اني عملت اللي انت مقدرتش تعمله ، عملت اللي لو كنت انت عملته مكانش فاتك هنا ، ولا كان زمانك كدة!



طالعه "شريف" بصمتٍ وانصات شارد بهذه الكلمات ، حينها نظر بعينيه في تمعن ما أن رد باختصار:



_معلش ، مش هنبقى اتنين اخوات ونفس المصير ،حلال عليك اللي ليك ، واللي ليا أنا خدته وسيبت منه ليك اللي يخصك ، سيبته واتنازلت ولأول مرة أتنازل عشان مكانش في ايدي كل حاجة!



لم يفهم الآخر مخزى كلماته ولكنه نظر في اشمئزازٍ وصل لشقيقه الذي تابع له :



_هتعيش عيشة أهلك ، لما كانوا زمان أغنى ناس في البلد ، مش واحد بيجري عشان كام شلن!



كل هذه الكلمات وهو يقف خلف الباب يتابعه وأثار انفعاله ما ان ردد كلماته الآخيرة فآندفع "عز" يشير له على جبهته بإستخفافٍ من كلماته:



_ الحمد لله , جايبها بعرقي ، تعبان وشقيان مش وارث ومرتاح وبجري أقول يا شر ، لحد ما الشر لبسك الاحمر!



ضحك "شريف" في استهزاءٍ بينما أكمل "عز" كلماته بحزمٍ:



_وحقي مش عايزه ، اتخليت عنه من زمان ، مش هجري وراه دلوقتي ، هسيبهولك زي ما سيبتهولكم ، طلعه صدقه جارية على روحك، أي حاجة تنفعك ، يمكن تكون الحسنة الوحيدة اللي هتبقى في حياتك ، ومن فلوسي!!!




        
          
                
ضغط على آخر قوله بتلميحٍ مبطن جعل الآخر يشير له ساخراً ونطق:



_مش مال حرام يا بن  الحـ..



توقف بتسليةٍ عن ما كان يردده وتابع يكمل في براءةٍ زائفة:



_يا بن "الحلال"  ، مال جدك وأبوك اللي مخدوش ، مال أراضي كانت ليك بس انت مش من توبها يا بن" حنان"!



_ولا عايزها ، أنا هفضل زي ما أنا ، اشبع بيهم ، حي ميت اشبع بيهم !



رفع حاجبيه في استخفافٍ وقلل منه وكأنه يريد إطالة هذه المقابلة دون أن يدري:



_ الهدمة المقطعة والعربيتين اللي في الورشة مخلين عزة النفس مش في  مكانها يا "عز"!



زفر في تعب وضيق يريد الخروج يريد الهروب من هنا ولكنه وقف يستمع إليه رغماً عنه وكأن المرء يريد الأوجاع لذاته!



_ أنا عندي عزة نفس موردتش عليك ولا على بلدك يا شريف ،أنا الدنيا اللي ربتي وخليتني راجل ، أبويا الدنيا اللي مال قارون فيها على الراضى ميغريهوش ، الباقي منك وعليك!!



كلمات من الطرفين تندفع شرر هنا وغيظ هناك مع حقد وغل وكره ممتزج بالبغض، طالعه "شريف" من أعلاه لأسفله ثم عاد يجلس على المقعد ورد في هدوء مريب:



_بتصعب عليا أوي بس ماشي هصدقك ، بس اوعى تنسى ان الغلبان مبيعيش كتير، ماشي؟؟



هل يريد محاصرته من جديد حتى بعدما وقف يطالعه هكذا بتسليةٍ ، ابتلع "عز" ريقه في هدوء وابتسم بسخريةٍ قائلاً:



_عشان كدة انت رايح يا "شريف" ، مش محتاج أقول لبني آدم فاضي زيك ان الغلبان مش غلبان فلوس وشغل ولقمة عيش ، الغلبان غلبان عقل ، غلبان بالنقص في كل حاجة بتتشاف ومبتتشافش!!!



قصد صفاته وطباعه ، أخرج يديه من جيب بنطاله وإلتفت حتى يفتح الباب من جديد ولم بمنع قوله من الخروج حينما حثه بشفقةٍ ساخرة بنفس ذات  الوقت:



_نصيحة مني إلحق نفسك وقرب من ربنا اليومين دول قبل ما تروح منها ، ادعي حتى يحنن قلب كل واحد جيت عليه وأذيته ، يمكن يحصل معجزة وأقدر أسامحك بدعوتك دي ، مع اني مفتكرش اني هقدر اعملها!!



زفر في صوت قبال عيني الآخر المترصدة نحوه فيما أخفى "عز" وجعه ولكن ظهرت غصته المريرة في قوله المودع له قبل ان يخرج:



_ولتاني مرة سلام ، والسلام لله!



أعاد تكرار نفس الجملة وأغلق الباب حتى دخل من بعده عساكر تخص متابعة "شريف" ومرافقته، بينما "عز" شعر ولأول مرة بأنه ضعيف ، وظهر ضعفه بعدما كان يريد اخفاءه أمامه ، لمعت عينيه وهبطت منها دمعته القاسية وهو يسير في هذه الطرقة كوحيدٍ ، كمظلوم لم يقف معه أحد ، لم يسانده ولم ينصفه شخص!, مل من تكرار سؤال لماذا يحدث كل ذلك؟. لمَ لم تكن معه الحياة عادلة؟؟، سالت دموعه منه على وجنتيه بإستسلامٍ وخواء ، خواء خرج منه ما ان رأى ضوء هذا النهار, ودراجة صديق لديه في العمل تقف هنا ، والذي جاء بها واستعارها منه كي يذهب لوجهتان




        
          
                
وجهتين عكس بعضهما ، أولى يكرهها وثانية لا يوجد أفضل منها لديه ، أخرج بطاقة ورقية من جيبه ، الشىء الذي جلبه بكل لهفة لم يتوقع بأنه سيذهب سريعاً لأخذها بمثل هذا الشغف ولكنه فعلها ، فعلها وذهب قبل كل ذلك لجلبها ثم هنا ثم قرر الذهاب ناحيتها ليعطي لها "نتيجتها" التي ظهرت.!



سأل العقل وبأي وجه ستذهب؟ ، يتجاهل ولكنه لم يستطع تجاهل وجعه في الأيام الماضية من بُعدها ، كان شخص يتخلى إلا عن والدته وشقيقته بينما الآن وعى انه بدونها لا شىء ، بدونها تائه وضائع ويعلم أيضاً قسوة ما فعله معها ، وسأل هل ستسامحه؟ يتسامح شخص لا يشعر بذاته ، لا يفهم ماذا يريد؟؟ ،  دق هاتفه في جيب بنطاله فركب الداراجة بعدما أخذه  ورد على المتصل في نبرةٍ مبحوحة من اثر البكاء والإنفعال والمشاعر العدة الذي عاشها قيل قليل! :



_أيوة يا "غسان"!!



_______________



في شقة "حامد" ، جلس "غسان" في شرفة غرفته وترك "آدم"و"بسام" في داخل الغرفة معاً ، بينما كان "حامد" في الأسفل حيث محل الورد ، وحينها في هذه اللحظة  انتهى من مكالمته الهاتفية وخرج ينظر في ترقبٍ حتى ابتسم ما أن شاكسه "آدم":



_جرا ايه يا غُس ، مالك يا عم مش في المود وبعيد ليه ، ما تقرب!



غمز له في مشاكسةٍ فرد "غسان" في سخريةٍ مشيراً له:



_قرب انت وقولي ايه جايبك دلوقتي؟ انت مش مكلف وصارف وجايب "ورد" ، يعني المفروض على حسب ما بفهم وقتك مش هنا ولا ايه يا دكترة؟؟؟



رفع "بسام" كفيه بعدما أغلق هاتفه الذي كان يتصفح به محاولاً الوصال لها ، وقال مؤيداً لشقيقه:



_حصل ، انت مبتقولش حاجة غلط يا غُس!



نظر له "آدم" الذي ضحك في خفةٍ ووقف مقترباً منه بقوله:



_يعم نحن نختلف عن الآخرون.



طالعه "غسان" في ابتسامة ساخرة وغمزه يسأله في خفةٍ :



_مبتشوفش اسمه ايه؟؟.



سأل عن "سامر" الذي كان يريد ايقاع  أنفه الأرض وهكذا أصعب رد للحق ، انتبه لعدم مجيئة مع والدته ووجد الرفض الآن من "آدم" فنظر في شرودٍ مع مشاكسة شقيقه وابن عمه معاً ، وقطع هذا الشرود توجهه هو ناحية الباب حتى فتحه فوجد "وسام" تعطيه صينية عليها اكواب من الشاي أعدتها لهم ، أخذها منها ونظر في امتنانٍ تزامناً مع قول "آدم" المهلل بها :



_الفنانـــة بتاعتنا!!!



يردد لها هذا اللقب تحفيزاً لها ، وهو الآخر يرى حلم لم يحققه هو بنفسه ، هو الآخر يجيد الرسم في دليلٍ رسمه على الظرف الورقي الذي تركه لصديقه ، ابتسمت في حماسٍ وهي تدخل بعدما أفسح لها شقيقها المجال ، فضحك "بسام" وغمزه في تشجيع آخر لها:




        
          
                
_ومش أي فن يا آدم ، دي أم الفن دي!



رمشت في غرورٍ وعدلت ياقتها الوهمية وهي تردد في كبرياء:



_خلاص بقى يا جماعة ، الواحد مش عارف يخبي ابداعه منكم فين!!.



ضحك "آدم" على خفتها ، كما ضحك الآخران ، بينما هى اقتربت تميل ناحية "بسام" الذي جلس جواره "غسان" ولكنها برعت في الاختيار ما ان طلبت في براءة زائفة:



_ممكن أقولك حاجة وتوافق؟، بس أوعدني انك توافق!



شعر بالريبة من هذه البراءة وأفسح لها مجال معتقداً بإنشغال البقية عنهما ، فيما جلست هى بخمارها واستمعت لقوله:



_بصراحة مقدرش أوعدك ، وطالما اختارتيني يبقى عايزة تضحكي عليا!



_اخص عليك ، اضحك عليك انت ؟ دا انت  اخويا حبيبي وقلبي وروحـ..



قاطعها ما ان ضحك عليها بيأسٍ وطلب:



_اللي بعده!



أخذت "وسام" أنفاسها في بطئٍ واعتدلت تتحدث في نبرة منخفضة أكثر:



_بص ، ماما نزلت قعدت شوية مع بابا تحت  ، ومفيش حد هنا استأذنه غيرك يا حبيب قلبي!



ضيق عينيه في شكٍ فيما أكملت هى بجدية هذه المرة:



_عايزة أطلع أشوف "إيمان" اللي كانت جاتلي دي ، من ساعة آخر امتحان كيميا ليها وأنا معرفش عنها حاجة وواجب اطمن ، وتليفونها مقفول مش عارفه بقا هي بتقفله ولا ايه حصل، فممكن ومن على الباب والله.. والله!!



ابدى اعتراضه بملامحه وقبل أن يردد بشىء وجد منها الترجي ما ان قالت :



_وافق عشان خاطري محدش شهد على وجودها هنا غيرك لما جت تطمن عليا ، هبقى وحشة لو معملتش معاها كدة!



كان هذا الترجي بصدق ، ولكنه تابعها بعينيه ثم نظر بعقلٍ وأخبرها:



_أنا أه شاهد بس فاكر برضه اني قولتلك بلاش يا وسام، وكله هنا عرف باللي هي عملته ، حتى "غسان" أمك قالتله وحكتله ما انتي عارفاها ، مفيش في ايدي حل غير اني أقولك بلاش ، وأبوكي تحت انزلي اطلبي منه ده ، ساعتها هو ممكن يجي معاكي بنفسه ، بدل ما تروحي لوحدك وأنا مش موافق ، ولو "غسان" عرف مش هيديلك فرصة تتفاهموا وهيزعقلك ، يبقى انا بقى ساعتها موقفي ايه لو قولتلك روحي؟.



أذنية التقطت كل كلمة خرجت منهما ، لذا تابع بصمتٍ صمتها بعجز حتى لم تترجاه مرة ثانية ، حينها أومأت وتفهمت حرجه في عدم الصعود إليها معها ، نهضت في استسلامٍ وقبل أن تهتف بشىء وجدت "غسان" ينظر لها ما أن نهض يعدل سترته وأخبرها في هدوءٍ:



_تعالي وأنا هاجي معاكي ، خشي البسي.



فتحت عدستيها في لهفةٍ ولم تعي لتردد شىء بل هرولت سريعاً تخرج ، فيما نظر له"بسام" في تساؤل جعل الآخر يردد:




        
          
                
_بدل ما بعد كدة تروح من ورانا ، ما كنت تطلع معاها!!!



رددها في استنكارٍ جعل الآخر يحدثه في تفسير:



_أنا اتحرج، ومليش اختلاط بيهم قد كدة ، لكن انت عارف اخوها الكبير وليك كلام معاه!



نظر إليه "غسان" بإستخفافٍ فكيف  سيسطتع الآخر التميز بينهما ؟ فوجد "آدم" يغلق المكالمة ووقف يستأذن في هدوء:



_طب أنا هروح أنا عند حماتي بقى، عايزين حاجة؟



حينها أخبرته "فريدة" بأنها في شقة "والدتها" بعد مرور كل هذا الوقت ، حتى "جميلة" هبطت هى الأخرى بأعجوبةٍ بعدما أخبرت "نيروز" ولم تأخذ فرصة للجلوس معها فرحلت مع الفتيات ، وافقوه وخرج بعد ذلك ، بينما اقترب "غسان" يفتح باب الغرفة بعده فوجدها تنتظر في حماسٍ جعله يبتسم  وهو يحثها:



_يلا



نظر برضا ناحية ملابسها الواسعة وأغلق باب الشقة خلفه ، فبقى "بسام" الذي التقط زجاجة المياة من الثلاجة في المطبخ وتجرع منها والهاتف في يديه يحاول من جديد طلب رقمها الذي أغلق من بداية اليوم ، كانا يتحدثا في الأيام الماضية معاً عدا هذا اليوم! ، فجلس في الصالة يطلب رقمها في قلقٍ حاول إخفاءه معهم وأمامهم!



_____________



تركته في شقة "والدتها" يستريح وذهبت لشقيقتها في شقة "عايدة" ،  جلست "فريدة" برفقة "جميلة" كي لا تتركها مع نفسها وعلمت انها استغلت هبوطها فهبطت معها من عند "نيروز" ، ولكن لم تترك لها الفرصة التي وجدتها الأخرى فرصة ذهبية بعدم هبوط "ياسمين" التي ظلت مع "نيروز".



_هو انتِ راضية عن نفسك كدة طيب ، مش شايفة بقيتي عاملة ازاي يا "جميلة"؟



لامتها "فريدة" بٱعين لمعت من الشفقة ، وقطعت هى الصمت معها والتي جلست به الأخرى بشرود ذهن ، تتمسك برأسها بتعبٍ ، حينها لم تجيب "جميلة" سوى بـ:



_ممكن تقومي تجييلي كوباية ماية  يا "فريدة" معلش!.



خرجت على الفور بعدما نهضت بلهفةٍ ، وقابلها في خروجها دخول "حازم" الذي دخل يقترح سريعاّ محاولاً اخراجها مما هي به:



_ايه رأيك تيجي ننزل نقعد في محل الورد معاهم؟



رفعت "جميلة" رأسها في تعبٍ حينها لم تكن حجه بل صدق ما نطقته بان في عدستيها اللامعة:



_مش قادرة حقيقي يا "حازم" ، حاسة اني دايخة ودماغي بتوجعني.



نظر في تمعنٍ واقترب يفتح العلبة جوارها حتى أخرج قرص متعارف عليه ، ودخلت "فريدة" بكوب المياة ، فإلتقطه منها وصرّح لها:



_طب خدي البنادول دي مع الماية ، وارتاحي 



أخذتها منه في طاعةٍ ، وهناك نظرات قلقِة تتوجه من "فريدة" لـ "حازم" الذي نظر للأخرى ما ان انتهت وحمل هو الكوب ، حينها دق  جرس الشقة  في الخارج فلم يتحرك أيا منهما من جوارها ، إلا هو أسند الكوب وخرج في صمتٍ يفتح الباب قبل ان تقترب منه والدته الذي أشار لها بأنه هوالذي سيتولى أمر فتحه..




        
          
                
اقترب "حازم" يفتح الباب في متابعةٍ ولم تتحرك تعابيره لأخرى بل بقى صامتاً ما ان وجد "عز" أمامه في نظرات بحاول بها ومنها الهروب ولكنه يفشل  ، ابتلع "عز" ريقه وأخذ أنفاسه وسأل في هدوء:



_إذيك يا "حازم"؟



_الحمد لله ، تعالى ، أدخل!



ترك الباب مفتوح بعد قول كلماته هذه بهدوء. ، واقترب يجلس على المقعد فيما جاء "عز" خلفه وجلس هو الآخر ، تمعن النظر به وبدأت كلماته المهتزة في الخروج:



_أنا عارف انك مش طايق تبص في وشي  وعايز تسألني جاي ليه بـ..



قاطعه "حازم" وقال بأدب لوجوده في منزل يمتلكه:



_دا بيتك يا "عز" ، احنا ناس بنفهم في الأصول حتى لو زعلان منك مش أنا اللي أطردك يعني ، عيب!



حذره بآخر كلمه من ما ردده له ، فصمت بحرجٍ ومسح وجهه في تعبٍ وبدأت كلماته المختنقة في الخروج:



_انت حقك تفهم ، بس أنا نفسي مش فاهم حاجة ، لما قولتلك سيبني كنت حاسس اني هنفجر في أي حد اطلع فيه اللي جوايا ، مكنتش عايزه يبقى انت يا "حازم" ، بس أنا مش عارف أنا في ايه ، ومش عارف ليه بقولك انت كدة ، بس أنا تايه ، تايه أوي ومكنتش كدة قبل كدة ، حتى مكنتش حاسس ان عدم وجود جميلة هيتعبني أكتر بس والله العظيم كنت خايف عليها وعلى مشاعرها مني، هي متستحقش تشوف مني حاجة وحشة ، ملهاش ذنب تشوفني في أسوأ حالاتي!!



تنهد "حازم" في شفقةٍ لم يبديها ولكن تصنع الحزم ما ان رد عليه :



_كلامك ده يا عز مش ليا ، كلامك ده تقوله لمراتك ، اللي ليا أقولهولك كأخ ليك مش لمراتك ، ان مفيش حد في الدنيا يستحق يشوقك في أسوأ حالاتك إلا مراتك ، هى دي الوحيدة اللي هتقدر تسندك وتحس بيك انت فاهم غلط ، وأختي كانت بتحاول تساعدك وتساعد نفسها معاك وانت رفضت ده!



وأضاف يقتص للألم الذي عهده من شقيقته في الفترة الأخيرة:



_والرفض ده عندي حاجة تانية متساويش كلمة أنا آسف أو مكنتش عارف!!



كلمات تتوجه أليه ولا يتحمل الآن اللوم ،  لذا لم يعد هناك مكان كافي في رأسه لتحمل جديد غير الذي تحمله قبل هذا الوقت ، فوجد نفسه يتجاهل بغصب واجبار من ذاته و طلب بدون مقدمات:



_طب ممكن  أشوفها؟



أقل حقوقه ! ، حرك "حازم" رأسه في هدوءٍ ووقف يدخل إلى الداخل ، كانت قد علمت بقدومه من سماعه لصوته لذا سالت الدموع منها معهما في الداخل ورفضت الخروج فدخل "حازم" وعلم أنها علمت لذا اقترب يحثها :



_متعيطيش كدة يا جميلة, قولتلك متخليش حاجة تكسرك وتزعلك طول ما انا موجود ، انتِ أجمد من كدة عشان هتقفي قصاده وتشوفيه عايز ايه!




        
          
                
رفضت ذلك في حركة رأسها ونبست في ضعفٍ:



_مش عايزة، مش عايزة أقف قصاده يا حازم ، خليه يسيبني في حالي  أرتاح  شوية ، أنا قلبي مش لعبة!



رأى رفضها القاطع في ضعف وربما خوف من تكرار الرفض على يديه ، حينها صمت بعجز قبال صمت "فريدة" التي حثتها سريعاّ في محاولة للتدخل وتهدئة الوضع:



_شوفيه يا  جميلة ، يمكن خير صدقيني ، مترفضيش تشوفيه هو برضه حالته مكانتش سهلة!



صمتت "جميلة" تمسح دموعها ، فوقفت "عايدة" تربت على ظهرها في رفقٍ و أرادت صلاح الحال لها فترجتها:



_اسمعي الكلام عشان خاطر أمك ، خليكي مكانك واحنا هنخرج وهنسيبكم مع بعض, خراب البيوت وحش يا بنتي!



كان هذا رجاءها بضعفٍ فوقف "حازم" غير راضياً عن ذلك ولكنه يعلم ما ستفعله شقيقته لذا صمت ينتظر نهاية ذلك وبالفعل وجدها تحرك رأسها بالموافقة ، فخرج الكل عداها وأشار "حازم" لـ "عز" فنهض في الحال يقترب ووقف قبال "حازم" الذي نطق له تأثراً بحال شقيقته:



_أنا سايبك تتكلم معاها عشان حقك ، لكن دموع اختي وتعبها دا كله مش سهل عليا يا عز ، لو سهل عليك فهو مش سهل عليا أبداً عشان تكون عارف!



كاد أن يبرر له ولكنه تركه على الاعتاب وجلس برفقة شقيقته ووالدته ، فإقترب "عز" من الداخل ورفع رأسه فوجدها تطالعه بأعين لامعة ودارت رأسها عنه فوجدت يقترب ، الاهتزاز في ثباته الآن بعدما تملس وجهها وجلس على طرف فراشها جوارها ، مسح دموعها واقترب يأخذ رأسها ناحية كتفيه مردداً :



_أنا آسف ، آسف لو كنت سبب الدموع دي كلها ، وآسف عشان محتاجلك أوي ومكنتش عارف ده!



تركته يحتضنها في أسفٍ وصمتت قبال كلماته بخواءٍ ، حتى تحركت تطالعه في تساؤل به أثر بكاءها المنكسر :



_جيت عشان محتاجني ، عشان محتاج مش عشان مهانش عليك تعمل فيا كدة صح؟؟



سألته في لومٍ ولأول مرة يرى شراسة مخفية ، ربما هذا طبع العائلة ذاتها ، أمر وُضع بها بالإجبار، جعلها تبتعد عنه قليلاً تزامناً مع كلماته التي خرجت:



_مهانش عليا أوجعك بوجعي ، بس اكتشفت ان وجعي ملوش دوا غيرك انتِ .



وأضاف أمام تأثرها وبكاءها أمامه:



_أنا كنت عارف اني وقتها  بان اني مش عايز أي حاجة في الدينا غير اني أبقى قادر ، بس واثق اني سايبك في مكان ميتخافش عليكي وانتي فيه ،أنا أول مرة أبقى كدة ، أول مرة ابقى واحد بيتخلى بالسهولة دي بس إلا انتِ ، انتِ والله العظيم ما اتخليت عنك ، أنا سيبتك بعيد عني عشان متشوفنيش وأنا كدة ، وطلع  ان كل ده مش هيروح غير وأنا في حضنك انتِ ، ده مش احتياج ، أنا دماغي دايماً معاكي ،أنا بفكر فيكي أكتر من أي حاجة ، بس لسه تعبان ، لسه مهلوك من كل حاجة ، مفيش حاجة رحماني ، مترفضنيش يا جميلة ، انتِ الحاجة الوحيدة اللي  بحس اني كويس قدامها ومعاها!




        
          
                
نزلت دموعه وسرد ، سرد كل شىء حتى وان رفضته الآن فلا معنى لذلك ، ولكنه وجد نفسه بين أحضانها في احتواء لم تبخل في اعطاءه له كي توفي بحقها له ولكن حزنها منه هنا بين هذا الاحتواء لم يذهب بعد!



_لما مشيت مشيت عشانك أول حاجة ، مشيت عشان مش قادر أبص في عينك ، اتكسرت ، وطول عمري بسمع ان كسرة الراجل قدام مراته حاجة وحشة، مفهمتاش غير لما حسيتها وياريت حد حس بيا ، أنا كل حاجة رفضاني ، كل حاجة مش عايزاني ، كل حاجة بتقولي ان انا واحد بيتاخد منه بس لكن مباخدش ، مباخدش حاجة من الدنيا ولا من أي حد ، مخدتش حاجة تخليني بني آدم غير منك انتِ ، انتِ الحاجة الوحيدة اللي فرقت معايا ولما فرقت خوفت ، ولما خوفت قولت هبعد حتى لو البعد هيبقى كام ساعة بس ابعد وخلاص عشان متشوفنيش وأنا ضعيف!



نزلت عباراته على كتفها المكشوف بمنامتها البيتية ، استشعرت وجعه الآن بقوة عن قبل ، شهقته الخافته تستمع إليها بتعبٍ ما ان أكمل وهو  يستند عليها في إنهاك:



_ملقيتش نفسي ، محستش اني حاجة ، طول عمري في صراع مع نفسي من غير ما حد يحس اني بحارب نفسي ، قولت اشمعنا انا وقولت أنا فين؟ ، أنا مش لاقيني ، لقيت نفسي بس معاكي ،معاكي انتِ بس ، وانتِ معايا بحس اني شخص راضي شخص مهم ليه قيمة ، بس وانتِ بعيدة مببقاش كدة ! ، أنا مش عايزك تشوفيني قليل  ، مش عايزك تشوفيني قليل يا جميلة!



استرسلت الدموع منها ما ان ربتت على ظهره في ضعفٍ وأخبرته صادقة بلهفةٍ من حالته السيئة هذه وكأنه كان ينتظر رؤية عينيها ليبوح بكل شىء يؤلمه لها وحدها:



_عمري ما شوفتك قليل أبدًا ، عمري ما عملتها يا "عز" والله، انت مش كدة!!



صمت ، هنا وتوفف الحديث وهو بين ذراعيه ، هي من تمسح له عباراته ، حتى أخذ أنفاسه وطالع وجهها عن قرب يملى هذا الشوق ، وقطعت هى تأمله وهي تخبره:



_أنا كان نفسي أكون معاك في أوحش أوقاتك ، أوحش أوقاتك واللي كان أصعب أوقاتي ،مكنتش عايزة حاجة غير اننا نكون مع بعض ونسند بعض قدام أي حاجة عايزة توقعنا ،انت ادتني القوة ومشيت يا عز ، اتخليت عنها من عندك ومشيت وانت ضعيف محتاج حد ، محتاجني ، وسيبتني برضه.



تلمس وجهها في تعبٍ ومسح عباراتها وهو يردد في صدقٍ:



_مكنتش قادر ، ودلوقتي مش هقدر أبعد ، أنا عايزك يا جميلة ، أنا في فترة صعبة أوي !.



نظرت ناحيته تائهة ترغب في العودة ولا ترغب ، لا تريد تركه ولكنها تريد معاقبته!!



_أنا موجوعة منك يا عز ، انت وجعتني ومسيبتش فرصة اتعافى ، انت عايز كل حاجة ليك انت وبس ، وأنا اللي بفضل اتوجع وأحاول قصادك!



صرّحت بهذه الكلمات فإعتدل مقرراً عدم طلب طلبه ، لذا أكمل ما لم يكمله بوجعٍ من كلماتها أخفاه للتو:




        
          
                
_أنا عارف اني تعبتك ،بس دا مكنش قصد مني ، ٱنا كل حاجة عملتها كان من خوفي عليكِ, بس أنا مش هطلب منك تعملي حاجة انتي مش قادرة عليها ، عشان انا مجرب وعارف معني ان الواحد مش قادر!.



صمتت بتعبٍ قبال هذه الكلمات ، وعجزت عن قول شىء فخرج صوته من جديد:



_ أنا مش عايز اللي بينا يكبر ، ولا حمل  كدة ، ومش ضاغطك بس أنا آسف على  كل حاجة ، حقك على عيني



فلمعت عينيها وهي تصارحه بتعبٍ:



_انت اللي محتاج  اللي يتأسفلك على كل حاجة!



_قدامك ومعاكي مببقاش محتاج حاجة يا "جميلة" ، انا لو هحتاج حاجة فحتاجك تكوني كويسة وتعدي اللي حصل غصب عني،حتى لو مش هترجعي مع اني عايزك ، بس حتى لو كدة عايزك  كويسة!.



مسحت وجهها في صمت ، ولم تستطع أن تغفر له ، بينما لم يتوقف هو بل أخبرها من جديد في اهتمام:



_أنا جيت عشان حاجات كتير ، من أهمها ان نتيجتك طلعت النهاردة وروحت جيبتها ، كنت عايز أقولك اني فخور بيكي وبنجاحك وبمكانك اللي انتِ فيه ، وفخري بيكِ عمره ما بيقل ولا هيقل!



تلهفت "جميلة" تنظر له فأخرج البطاقة الورقية ناحيته ونظرت بها في غير تصديق فقد تخطت كل شىء رغم موعد الاختبارات الصعب آنذاك ، تقدير عالٍ اجتازت به ، ابتسمت بإتساعٍ ولمعت عينيها وهي تنظر ناحية الورفة ثم ناحيته وهربت الكلمات منها فخرج قولها التلقائي:



_أنا نسيت كل حاجة  وانت  مش موجود حتى النتيجة!



_وأنا منستكيش وانتِ مش معايا ، وافتكرت كل حاجة  تخصك!



اقتربت رغم بعدها عنها اخذت موقف ولكنه قبلها بين عينيها في فخرٍ جعلها تبتلع ريقها وهي تطوى الورقة ، وأسندتها جوارها ونظرت ناحيته في تعبٍ ولم تستطع قول أي شىء ، بل في كل مرة تشعر بالشفقة على ذاتها تلمع عينيها أمام عينيه المتأسفة ، والتي فاض منها الإحتياج ، أخرج انفاسه  ولم تُخفىٰ أثار دموعه بل صرّح من جديد في تعبٍ ظهر بالكامل :



_أنا تعبان أوي ، تعبان ومش لاقي مكاني فين ، ممكن تبقي معايا؟؟



كان هذا تصريحه لها وضرب بعرض ما قاله وما قرره الحائط ، بل بقى هنا متعلقاً بعينيها حتى وان لم يعطها الفرصة لتجيبه ، بل اقترب هو بنفسه يطمع في الراحة الذي افتقدها وأسند رأسه على ساقها في إنهاكٍ شديد جعلها عاجزة أيضاً.



حزنها منه لم يختفي بعد كل ذلك ولكنها لم ولن ترفض هذا الإحتواء الذي يحتاجه ، لن تبخل في اعطاءه هذا ولكن موضع فؤادها يؤلمها منه وعليه وهذا التشتت ، صعب..صعب لدى شخصية مثلها ، تسامح بسهولة ، وتتميز بنقاء قلبها الذي وأحياناً يأخذ من حقوقها الكثير أمام الغير ، ومن يعلمها ويعرفها يعلم ذلك! ، يعلم هذه الطبية التي تأتي عليها بالكامل وتأخد من طاقتها حتى وان كانت قليلة! ، مسكينة هى الأخرى و يستند على ساقها مسكين من نوعٍ آخر..




        
          
                
ذلك الرجل الذي يستند عليها عاش طوال حياته يمنع دموعه من السقوط  عدا هذه الفترة التي جاءت على أضعف ما بداخله وضغطته ، لا تصدق أن الدموع مازالت تسيل منه خلف بعضها وكأنها تائهة مثله تماماً لا يعرفا أي طريق! ، افتقدا الكثير ، كما افتقد ترتيب الكلمات وهو يقص عليها بتعبٍ مغمضاً عينيه ومازال يستند على ساقها الحانية التي تغمر رأسه السكينة:



_شوفته النهاردة ، روحتله وزورته ، وقالي اني شبهه ، قالي اني مؤذي واني قادر على القتل ، اتعصبت وانهارت عشان حسيت انه عنده حق ، حسيت ان كلامه صح عشان أنا كنت رايح ناوي على أذاه ، كنت عايز أقتله ومقدرتش ، معرفتش..كل  حاجة فيا مطاوعتنيش ، كل حاجة قالتلي لا انت مش زيه ودي عمرها ما كانت سكة واحد زيك ، وقتها عيطت ، عيطت كإني عيل صغير عايز يجازف في لعبة صعبة ولما حاول مقدرش ، واتقهر وتعب عشان شاف غيره قادر على اللي هو مش قادر ليه!!



بين هذه الأحرف خمنت واتسعت عينيها من كلماته ومصارحاته لها وكأنه يردد شىء عادي للتو!! ، ابتلعت ريقها في قلقٍ وأخفت الذعر وهى تنظر ناحية وجهه المنكمش وعينيه المغلقة وكأنه يتذكر ويتخيل المشهد من جديد ، فعلمت أنه بحالة يرثى لها..



علمت بأن  هذا الوقت خصيصاً ان لم يكن ذهب إليها هى ، لفعل في نفسه شىء ، علمت أن ذرة العقل ضاعت قبال القهر الذي ضيع منه كل هذا ، تنفست بإختناقٍ وابتلعت ريقها محاولة استيعاب الكلمات ، وكي لا يدخر شىء في ذاته وضعت كفها الآخر على فمها تكتم شهقاتها وأُجبرت على وضع كفها الآخر على رأسه تثبت له بأنها هنا ومعه على أية حال!! ، أما هو فكان يتعارك بين عالمين ودموعه  قد توقفت وعينيه مازالت مغلقه من الإنهاك وكلماته تستمر في الخروج وكأنها تود الهروب من ذاته المسكينة ':



_ اتقهرت عشان معرفتش آذي ، كنت قرفان من نفسي عشان معرفش يعني ايه شر، حتى الحاجة اللي مفروض تكون كويسة في البني آدم ويشوفها حاجة ،أنا جيت وشوفت نفسي قليل فيها شوفتني ولا حاجة زي ما هو شايفني قليل مهما كنت ايه ، أنا مش عايز ابقى كدة ، مش عايز أبص لنفسي كدة ، مش عايز بعد كل التعب ده مبقاش راضي ، بس طلع اني كنت بعمل نفسي راضي! .



انهمرت منها الدموع بقوةٍ ولم تستطع مواساته في هذه اللحظة سوى أنها مالت تحتضن رأسه وقبلت قمتها في تعبٍ تقسم في هذه اللحظة أنها أخذته منه ، ولم تهمس سوى بـ:



_انت حاجة ، حاجة كبيرة ملهاش وصف، حاجة كتيرة متعرفش يعني ايه القليل والله العظيم!!.



بحت بمرارة لأجله ، حينها ابتلعت ريقها  وأكملت في صدقٍ قبل أن يصبح في أحضانها جوارها:



_انت راجل مشوفتش زيه يا "عز"!



استند في أحضانها الدافئة ، ودارت رأسه في تعبٍ ما ان مررت يديها عليه برفقٍ وحنوٍ ، لم يعتاده سوى منها هىٰ أمام معارك الحياة والأيام ، ابتلع غصته المريرة في حلقه وطلب منها في هذه الحالة الذي لم يكن واعياً بها :




        
          
                
_أنا محتاجلك أوي ، متسبنيش ، أنا مببقاش كويس الا معاكِ!!



لحظة  كهذه تحتاج تصريحات كثيرة بعهود على عدم تركه ولكنه لم ينتظرها ، احتضنها في قوةٍ ، ربما ضمها ناحيته  بمثل هذه الشدة كانت من مشاعره المتضاربة من ما حدث ، تحملته ونظرت له بعهدٍ في عينيها والذي آخر ما نظر لها ما أن غفى ولأول مرة يغفو تاركاً كل شىء ، غفى غير حاملاً الهم ، غير متحسباً للمكان ، وحتى لمن بالخارج ، اطمئن هنا وفقط ، بين ذراعيها ، أياً كان المكان  فهذا لا يعني شىء ما دامت هىٰ هنا ، ما دامت "جميلة" هنا!



أسندت رأسها على الوسادة ولأول مرة تتولى رأس أمر ضخم في قسوته ، لأول مرة تصبح الطرف الأقوى والمُحتوي للآخر ، حينما جعلته يستند عليها والتقطت الغطاء عليهما وهى تربت على ظهره وكأنه صغير افتقد أحضان والدته وحصل عليها مؤخراً فعاهد على عدم تركها ،  وهو يتخبط ويهذي بكلمات غير مفهومة وكلما تنكمش ملامحة بتعبٍ تُقهر هى له ولم تغفل ليها عين ، بل ظلت في وقت مراقبة له من عزم الخوف! ، وعلمت أنهم في الخارج تركوا الانتظار مادام الصمت دام!!



______________



علم أن شقيقته انتهت من  الزيارة هى و"غسان" الذي أخذها بعد ذلك في محل الورد كي يخفف عن توترها بقليل من الوقت ، وقت الراحة التي قررت الفصل به وبين المذاكرة ، بجلوسها معهم في الأسفل قليلاً ، بينما هو لم يصعد  وقرر الانتظار معهم في الأسفل محاولاً انتظار هبوط "عز" كي يطمئن عليه ومن ثم قرر بعدها ان حدث ذلك سيصعد لمرافقتها حتى يذهبا إلى الطبيبة .. 



بينما في هذه اللحظات أنهى "غسان", مكالمته مع شقيقه الذي كان فى الأعلى يحاول الوصول لـ"فرح" عن طريق هاتف والدتها أو"عز" ولكن لا رد ، وقطع ذلك مكالمة "غسان" له والذي ردد له بآخرها :



_خلاص  انزل اقعد شوية ، أمك و ابوك هنا عاملين جو وقاعدين يحبوا في بعض لحد ما جزعت ،ووسام قاعدة بتصورهم وأبوك بيديها الورد.



كانت ملامحه مشمئزة وهو يطالعهم من على بُعد بخفةٍ حينها ضحك دون صوت ما ان سمع مسم شقيقه بشفتيه وهو يردد:



_يا سلام ، أهو دا اللي كان ناقصني ، أنا فايتني الكورس ده من ابوك ، دقيقة وهتلاقيني قدامكم ، هلبس بس وأنزل علطول!



وافقه "غسان" وأغلق "بسام" الخط على الناحية الأخرى وهو يشرع في إرتداء جاكيت ملابسه الذي كان من اللون البيج ، ارتداه مناسباً للخروج على بنطال بلون أسود ، كي يذهب في زيارة لـ"فرح" بعد جلوسه حتى يطمئن!



وضع هاتفه في جيبه بضيقٍ بعدما حاول مجدداً أن يطلبها ولكن نفس النتيجة ، اقترب يضع عطره ومشط خصلاته في ترتيبٍ واندمج ،  فأوقف هذا الإندماج صوت جرس الشقة ، فإعتقدها شقيقته ، حتى ترك المشط وخرج من الغرفة في طريقه للخروج وفتح الباب ونظر في دهشةٍ ما ان وجد أنها ليست شقيقته ،، اتسعت بسمته في ذهولٍ ، بينما هى طالعته في ابتسامة عذبة وهتفت:




        
          
                
_إذيك عامل ايه؟



اقترب على الفور دون رد وأمسك كفها يرحب بها حتي دخلت بين ذراعه وهى تبتسم وسمعته يردد:



_أنا كنت جايلك أشوفك انتِ مبترديش ليه ،قلقتيني عليكِ ، انتِ كويسة صح؟



هزت "فرح" رأسها في ابتسامة هادئة ودخلت معه ناحية الداخل حتى أغلق الباب فجلست  على المقعد وهي ترد:



_الحمد لله ، أنا جيت عشان أشوفك واطمن على جميلة ونيروز ووسام ، وحشتوني أوي ومكنتش عارفة اسيب عز واجي ، بس لما خرج النهاردة الشغل قولت اجي ومقولتلوش حتى!



نظر ناحيتها في ابتسامة مشتاقة سعيدة برؤيتها من جديد وانتظرها تتحدث استمع بإهتمام عهدته منه ما ان وجدت نفسها تسرد دون ان تتلقى أسئلة مرة أخرى:



_انت كويس انت؟ ، طمني عليك وعلى وسام،أنا شوفت المحل مفتوح بس قولت اطلع الأول أشوف وسام وجميلة وبعد كدة أنزل.



ابتسم "بسام" بعذوبةٍ وقال مازحاً:



_أنا كويس ، كويس أوي طالما شوفتك.



وأكمل أمام خجلها الذي راق له ما ان تفحص هيأتها في اهتمام:



_,ووحشتيني!



ضحكت على طريقته ، ونظرت في استفهامٍ تتساءل:



_هو مفيش حد هنا؟



فراوغ ما ان رد في مزاحٍ وهو يضحك:



_لا ، أنا وانتِ بس اللي هنا وملناش تالت!



نظرت في حرجٍ وقبل ان تردد بالنهوض أو بأي شىء ، نهض هو يسألها في لطفٍ:



_أعملك ايه تشربيه؟



كادت أن تتحدث ولكنه قطع أي أمل لخروج الكلمات وأشار دون اعطاءها الفرصة:



_خلاص عرفت ،  هعملك برتقان فريش ، صحي برضه!



أجبرها على الصمت ما أن تركها ودخل يبدأ في اعداد كوبين لهما معاً، وبقى حديثه من على بعد ، يحدثها بعلوٍ كي تسمع حتى لا يحاصرها وتشعر بالخجل ان عرض عليها الدخول معه المطبخ:



_عز كويس اليومين دول؟



يطمئن عليه ولكنه يسألها محاولاً ايجاد حقيقة تعبه ما ان كان ذلك أم لا ، ابتلعت ريقها في حزنٍ وأخبرته:



_لسه خارج النهاردة من البيت زي ما انت عارف ، من ساعة ما رجع وهو  مبياكلش وواخد جنب ومبيتكلمش ألا بالعافية،لو كنت أعرف انه  هيرجع كدة كنت قولتله خليك براحتك بس تبقى كويس!



لاحظ غصتها في الكلمات ، فدار رأسه ناحية الستار التي رفعته هىٰ وهي تدخل محاولة مقاومة أي شىء ، فقط ابتسمت تعطيه الزجاجة الفارغة التي كانت في الخارج مع كوب ، واسندته ، فنظر هو اتجاهها في مواساة قائلاً:




        
          
                
_كل ده هيعدي ، زي ما عدت كل حاجة صعبة كنا فاكرينها مش هتعدي ، هو بس محتاج وقت ومراته كمان زيه،مع اني شايف انهم المفروض يكونوا مع بعض في الفترة دي بدل اللي بيحصل ده!



نظرت "فرح" في أسفٍ وهي تغسل الكوب وشاركته كلماتها المتحسرة ما ان ردت:



_مفيش في ايدي أعمله أي حاجة ، حتى رجوع جميلة بقى صعب ومبقتش عارفة مين فيهم اللي صح ومين فيهم اللي وجع التاني , هو كمان تعبان أوي وهي مش موجودة معاه ، كل شوية ماما تقوله روحلها يقولها نفسي بس مش عارف ، أول مرة أشوفه مكسور كدة وزعلانة عشان هو كان آخر واحد يبان عليه حاجة !



لم تلاحظ بأن عينيها كانت قد لمعت وهي تطالعه بعدما انتهى وبقى ينتظرها تنتهي ، ابتلعت ريقها في تعبٍ فيما اقترب هو يضع كفه على كتفها حتى قربها منه وربت في مواساة قائلاً:



_أنا واثق ان كل ده هيعدي ، عز هنا عند جميلة ، يمكن خير ، غسان لسه قايلي من شوية!



تفاجأت من هذا واعتدلت تنظر له فأومأ بتأكيدٍ وقدم لها الكوب تزامناّ مع قولها الخائف:



_تفتكر هترجع معاه؟



سألت في لهفةٍ وخوف وهى تخرج معه من المطبخ فجلست وجلس هو يصرّح:



_دا اللي المفروض يحصل ، هما الاتنين محتاجين بعض ،بس لو في ايدينا حاجة نعملها فعلاً فهى اننا ندعي حازم يسكت وميتكلمش ، لإني سامع ان حالة أخته وحشة أوي من بعد ما عز مشى ، و "حازم" ليه تحكمات كدة مببتنازلش عنها إلا بطلوع الروح!



مرح بآخر حديثه ، فنظرت في شرودٍ وهي تتمنى أن لا يحدث شىء ، بينما أخرجها هو من شرودها ما ان قصد تغيير مجرى الحدث وغازلها في إعجابٍ:



_الفستان ده حلو عليكِ أوي ، انتِ بتقلديني ولا عاملة معايا ماتشينج؟؟



ضحكت في خجلٍ وهي تنظر ناحية فستانها الهادئ الذي كان من نفس لون ملابسه لذا نظرت ناحيته في إعجابٍ وأخبرته مازحة:



_بعمل معاك ماتشينج!



_هو ده الكلام!



غمزها بمشاكسةٍ ، فتجرعت من الكوب مثلما فعل وعقب ما انتهت نهض يضع الأكواب وعاد فنهضت هى وقبل ان تتحدث وتقترح عليه البعد عن هنا حتى لا يصبحا بمفردهما ولكنه لم يرض ان تبدأ هى لذا أشار إليها مبستماً:



_تعالى يلا ننزلهم تحت.



سارت خلفه بعدما انحنى يرتدي حذاءه ففعلت مثله وهى تبتسم وأخفت خوفها من تواجد "عز" مع تفكير وعقل مثل "حازم" ، فدعت ولم يكن بيديها شىء فعله وتركت لهما الوقت وقررت الهبوط لهم في الأسفل وترك "جميلة" الآن ، سحبها بخفةٍ من يديها فضحكت على اندفاعه ذلك بمرحٍ ما ان حاول مشاكستها ليلهي حزنها على شقيقها وصرّح بصدقٍ قبل ان يدخلا المصعد معاً:




        
          
                
_واللي خلق العين دي ، أنا ما شوفت في جمالها حد غير جمال عينك انتِ!



كتمت "فرح" ضحكتها بخجلٍ فيما سألته بمزاحٍ هى الأخرى:



_وعلى كد قولت الكلام الحلو ده لحد قبلي؟



كان هذا السؤال عفوي ، ولولا عفويتها لفهمه بصيغة أخرى على خطيبته السابقة ، لذا تجاهل وتخطى الأمر  بصدق ما ان ابتسم يصارحها:



_بصراحة ولا واحدة قولتلها الكلام ده قبل كدة!



أصبحت مرواغة كطبعه وطبع عائلته لذا سألته بضحكة خفيفة:



_وده ليه؟



_علشان مشوفتش في جمال عينك حد قبل كدة ، بالنسبالي اللي يقول حاجة حلوة لازم يبقى صريح ، وأنا مصارحك من زمان بإن الحلو اللي فيكِ عينيكِ!



ابتسمت بسعادة من كلماته ومازالت عفويتها بينهما ما ان تساءلت بغيظٍ زائف تصنعته:



_بس؟



نفى "بسام" ذلك برأسه وضحك ملتقطاً رغبتها في هدم اللحظة فوق رأسه ، حينها كانت المصداقية بينهما ما ان أجاب بتعمقٍ في اجابته أكثر:



_لا مش بس ، أنا بشوفك حلوة ،و بشوف اللي عينيه حلوة يبقى حلو عشان دي أول حاجة العين بتقع عليها وأول حاجة الشخص بيبص ليها قدام الشخص اللي قدامه ، ولو حلوة بيشوف ان كل حاجة بعد كدة حلوة زي عينيها وإسمها ، كل ده عند "فرح" بس،ولو هتقوليلي مش فاهمة انت بتقول ايه هقولك وأنا كمان مش عارف بس حاسه كلام  مبيخرجش غير معاكِ .



تخبط في كلماته وكلما يتصنع بأنه بارعاً يقع أمام عينيها ، لم ترض الضحك ، بل اتسعت ابتسامتها بصمتٍ دام بينهما وحينها كانت قد قطعته هىٰ بردها على كلماته:



_حتى لو مش فاهمة ، بس انت كلامك حلو!



وضع يديه على فمه بحرجٍ مصطنعٍ ومازحها ما ان قال بخجلٍ زائف:



_يادي الكسوف!



تلقى ضربة خفيفة على ذراعه وسط ضحكاتها التلقائية كحركتها ، وبهذا الوقت استطاع ان يُخرج ضحكاتها منها ومن الضحك  المتتالى صارحته بنبرةٍ ضاحكة ليست مفهومة ككل ، نبرة عشوائية ولكن حينها كانت الكلمات صادقة واستطاع فهمها فسعد من هذه الأحرف تلقائياً:



_وأنا معاك بضحك أوي علطول وبنسى اني زعلانة خالص بجد!



ربما هذه غاية ، شىء من المفترض حدوثه بينهما ، استطاع ان ينجح بذلك لم يبادلها الضحك بل ابتسم وشرد في قولها في  بهجة تستطع هى دوماً إرسالها له بين وقت والآخر ، فهى دائماً تصارحه بعشوائية كلمات صادقة تكن عليه بمثابة الدفء والإحتواء دون أن تعلم ، فكل شىء فقده سابقاً أخذه وعُوض به على يديها هىٰ، لم يكن اسمها من فراغٍ أبداً 




        
          
                
"فرح" أربعة أحرف زينوا عنوان صفحة كتابه الخاص وسيرته الذاتية كانت" طوق النجاة"، وبقية الكتاب يسرد أثر كل حرف تردده عليه دون أن تعلم بما فعلته، دون أن تعلم بأن الأثر فراشات تُحلق فوق رأسه هو خصيصاً.



_______________



_بجد يا "حامد" ، يعني صورة الوردة اللي من الجنب عليا دي أحلى ولا اللي أنا ماسكاها ؟



بوضع كهذا كانت بينهما هما الفراشات ،  لم يخرج هذا القول منها إلا بأفعاله هو ، وضعها بوضع الفتاة المراهقة في خفةٍ ، جعلتها تبتسم وتشعر بأن الحب مازال هنا ، وأيضاً تشجيعه لها وحماسه المقابل يوحي لها بأن هذا الرجل لا يهمه شىء سوى سعادتها ، على الأغلب يحاول وبطريقة ما مراضاتها بعد حزنها الغير مباشر منه حينما يعدل عليها كل شىء ، ربما أخبره "بسام" بحساسيتها الزائدة من الموقف!



أسفه غير مباشر، هذه الجملة بالتحديد كان يرددها لـ"نيروز" على "غسان" المشابه له بطباعه ، والذي كان يراقبهما عن بعدٍ ، ومهما حاول المزاح بالإشمئزاز من أفعال والديه ولكنه دائماً ما يشعر بالإطمئنان والانتماء ما ان يجدهم هكذا.



مثل سعادته الغير مرئية حينما أمسك هاتفه يقوم بتصوير فيديو لهذه الكلمات والحركات العشوائية وهو واقف من على بُعدٍ، قرر الإقتراب دون أن يوضح بأنه يقوم بالتصوير واقترب يقف وهو يشير بيديه الأخرى بصدقٍ:



_لا متسمعيش كلامه يا دلال ، وانتِ ماسكة الوردة أحلىٰ على فكرة!



رددها "غسان" ، غير غافلاً عن ملامح الضجر من "والده" الذي صمت ينظر له بقلةٍ ، جعلت "دلال" تلاحظ فعنفته بدفاع:



_بس يا ولا ، دا ذوق أبوك مفيش أحسن منه ، التانية أحلى زي ما قال ، اتعدل بقا صورني مع أبو "غسان" وهو بيديني الوردة يلا.



أرادت مراضاته فضحك "غسان" وهو يغمز والده الذي اعتدل يجلس جوارها في نفس الوضع التي قررته والتقط لهما صوراً للذكرى ، ذكرى في ذاكرته لم ولن تزول!، التقط لهما الصور وهو يبتسم بإتساعٍ ، فيما خرج صوت "والده" وهو يقول:



_محدش فيهم الا انتِ يا أم غسان ، انتِ الغالية ربنا يخليكي ليا



ابتسمت "دلال" بتأثرٍ فيما ضغط عليه "حامد" أكثر ما ان قال بمكرٍ:



_طب تصدقي اني عايز اسمي بنت غسان "دلال" ، لو بنت يعني ان شاء الله.



ضحكت بخفةٍ، فيما حاصره "والده" كي يوقع بينهما ولكنه فهم ما يفعله وضحك  مردداً بثباتٍ:



_يا سلام ، هو في أحلى من اسم "دلال"، يحصل!



حتى والدته تعلم بأنه بارعاً في قول الحديث وآخذ من أمامه بحجم عقل يناسبة ، ابتسمت تدعو له في حنوٍ:




        
          
                
_ربنا يقومها بالسلامة الأول ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين بقى ، ألا هى فين دلوقتي مش هتنزل ولا ايه؟



أغلق هاتفه في هدوءٍ ووضعه في جيب بنطاله وجلس جار والده ورد على سؤالها:



_لسه قافل معاها ، بتلبس عشان تنزل ونروح للدكتورة بقى 



ابتسمت وكادت أن ترد ولكن قطع ذلك دخول "فرح" برفقة "بسام"  واللذان قابلا "وسام" في هبوطهما قبل قليل ، وقفت "دلال" كي ترحب بـ"فرح" هى و"حامد" الذي قال بلطفٍ:



_وأنا قول المحل نور كدة ليه!



ابتسمت "فرح" من ترحيبهم بها وردت عليه:



_شكراً يا عمو ، دا من ذوق حضرتك



ابتسمت وهي تخرج من عناقه حتى جلست جوار"حامد" و"دلال" التي تسألها عن حال والدتها على الرغم من انها تحدثها في الهاتف للإطمئنان عليها ، أما هو فإقترب يقف مع شقيقه الذي رحب بـ"فرح" ووفف ينظر ناحية شاشة هاتفه وقطع اندماجه وقوف "بسام" الذي وجدها اللحظة المناسبة حتى يتساءل عن ما لم يستطع ان يسأله به أمام أحد:



_لسه مردتش عليك ، قالتلك انها موافقة؟



علم "غسان" مخزى السؤال لذا رفض برأسه وأغلق هاتفه ثم تنهد ونطق:



_مفتتحتش الموضوع تاني ولا هي اتكلمت فيه،معرفش أخرة ده ايه ، والوقت اللي بيعدي دي بيقلقني أكتر.



استشعر ثُقل شقيقه فوضع ذراعه على كتفه بإحتواءٍ وقال مواسياً اياه:



_هتعدي واللهِ ، وهتقولك إنها موافقة تروحله من تاني ،"نيروز" تعتبر أم دلوقتي وأكيد لو مش هتختار عشانها وعشانك فهي هتختار ولادكم يا "غسان"، الحكاية دي مش سهل يتاخد قرار فيها بسرعة حتى لو كانت بتروح هناك قبل كدة!



انصت إليه "غسان" بشرود وابتسم يحرك رأسه في إمتنانٍ ضاع سريعاً ما ان وجدها تدخل عليهم بمفردها ، اقترب منها في خفة فيما كانت هى تبتسم ملقية التحية عليه وعلى شقيقه ، طالعتهم من على بُعدٍ وقبل أن تقترب تركهما "بسام" ولاحظت تحاشى النظر ناحيتها من"غسان" الذي تجاهلها فوقفت تنظر ناحيته في حاجب مرفوع وسألت:



_دا انت زعلان بقى؟



طالعها بهدوءٍ ثم نظر داخل عدستيها في متابعةٍ إلى أن تابعت هى:



_على فكرة أنا مكنتش أقصد أبعدك ،. بس اللي عملته فوق مع عمتي خلاني أتضايق وساعتها أنا مكنش في حاجة حصلت ومتخلنيش أتضايق ، حتى اللي عملته!



كلماتها كان بها نوع ما من  الهجوم والإندفاعٍ ومن ثم سريعاً وضعت كفها بألم مفاجئ أسفل معدتها ، فقبل أن يرد إلتزم الصمت ، فيما إعتدلت هى مرة أخرى فوجدته متعمداً الصمت من جديد ، لذا اغتاظت ملامحها وهي تشير أمام وجهه في استنكارٍ ، واتسعت عينيها ما ان وجدته نطق بإيجازٍ متجاهلاً ما قالته:




        
          
                
_خشي سلمي على "فرح" وتعالي عشان نمشي!



كانا معاً أمام المحل على اعتاب بابه الواسع مستنداً على حائط وهى جواره ، طالعته باستنكارٍ وردت مجدداً في ضجر:



_انت بتتجاهلني؟؟



حرك رأسه يؤكد ذلك بدون تعابير توحي لها بشىء ، فأخذت نفسها وسارت من جواره  ناحية الداخل ، ووقف يتابعها وهي ترحب بهم ، شخص آخر تماماً هادئ عاقل غير التي كانت عليه معه ، نحل جسدها من التعب والدواء التي تأخذه عدا مناطق معينة لم تهبط منها الوزن منها معدتها التي تكبر عن حجمها الطبيعي في عدد الشهر بسبب انهما توأمان!



عدّلت "نيروز" حقيبتها وابتسمت ما ان سمعت قول "حامد ودلال":



_ابقي طمنينا يا حبيبتي ، على مهلك.



وافقتهما وأيضاً معهما "فرح"و"بسام" ، حتى تركتهم وخرجت له فوجدته يطالعها متتظراً ، لذا ابتسمت من عدم تركه ووقفت تنتظره فسألها قبل ان يتوجها ناحية السيارة:



_معاكي روشتة المرة اللي فاتت؟



_آه



ثم مد يديه حتى تستند فإقتربت تستند معه ، حتى فتح لها السيارة وجلست ، واستدار يجلس هو الآخر حتى دار المحرك وبدأ في القيادة والتحرك من هذا المكان وعندما أصبحا على الطريق بإنتظام. نظرت هى ناحيته وهى تتذكر كلمات والدتها فوجدت نفسها تصرّح في صدقٍ هادئ :



_أنا آسفة ، متزعلش مني، أنا مكنش ينفع أعمل كدة فعلاً ، بس لنت كمان مكنش لازم تطلع أسوأ ما فيها في وقت زي  ده!!



نظر "غسان" ناحيتها بطرف عينيه وما ان انتهت رد في فظاظةٍ:



_وانتِ مالك باللي عملته؟ ، أنا مش قولتلك خشي جوه ومتطلعيش ،. كان ايه طلعك أصلاً؟.



نظرت ناحيته في  هدوءٍ مريب ثم ردت بعدها بإندفاع:



_طلعت عشان "ياسمين" كانت واقفة قصادها وخوفت عليها منها عشان دي متوقع منها أي حاجة ، زي بالظبط لما خوفت عليك لما اتحمقت وصوتها بقا عالي وانت برضه مصمم تخرجها عن شعورها!



لم يشعر سوى برده الجامد الذي خرج في تساؤل ناحيتها:



_هتخافي عليا من واحدة ست؟؟؟.



حثت نفسها على الهدوء أكثر كي لا تنفعل قباله فيما اخذت انفاسها وردت في صراحة هادئة :



_لا مش بالظبط ، أنا مكنتش عايزة الست اللي بتقول عليها ست دي  تدخل البيت من  الأول ، انا نفسي الفترة دي تعدي بهدوء، ومن حقي أخاف على اللي باقي ليا ، أنا مش مستعدة لأي تعب تاني أياً كان ،انت مش مدرك كل ده بيبقى عليا أنا ايه ، أنا دماغي حتى مبتقفش وبتقعد تودي وتجيب طول ما عمتي دي لسه هنا هي وابنها وممشوش.




        
          
                
هو الآخر تعمد عدم الإنفعال وصمت وما جعله يضغط على فكه هو قولها المستسلم دون تحسب:



_ما تتنازل عشان يمشوا ويسيبونا في حالنا بقى ،  احنا مش قد أي حاجة هتحصل تاني يا غسان ، كفاية أوي كل اللي حصل!



حرك "غسان" رأسه ناحيتها في تعابير استطاعت تفسيرها ، فتابعته بقليل من الارتباك التي حاولت محوه وحل محله الثبات أمام عدستيه التي واجهته بقوله الحاد:



_وحقي وحقك وحق كل حاجة حصلت لينا ، أتنازل عشان خايفة وأسيب وأنسى كام مرة حاولت توقعك وتسقطك  وانسى حق توهتي وعجزي وانتِ على الأرض مش قادر أعملك حاجة ، اطنش حق رميتي في الحجز وانتِ تعبانة واللي شالك ولحقك أول واحد مش جوزك ، اسيب حق دماغي اللي لسه غرزها مراحتش؟ ، ولا اسيب حق قهرة أمي وابويا وأخويا عليا وأنا بين الحيا والموت؟؟؟، ولا حق بنات عمك وأخوهم على القهر اللي هما فيه بسببهم؟؟



لم تكن تتوقع كل هذا الإندفاع والإنفعال الغير متوقع الذي ظهر ، ذُهلت من اندفاعه بذلك وابتلعت ريقها حتى كادت أن تبرر قولها سريعاً وقبل أن تفعلها  تحدث من جديد :



_انتِ ملكيش دعوة بموضوع حبسها والتنازل ده نهائي ، وبلاش تتكلمي فيه تاني!



_مينفعش ،. دي حاجة تخصك انت ، وكل حاجة تخصك تخصني ، معملتش حاجة تخليك متدايق غير اني عايزة حياتنا تمشي بهدوء ،. مغلطتش!



رددتها في نبرةٍ مستسلمة لا تليق بشخصيتها أبداً ، لذا هدأت نبرته وهو يمسح على وجهه بإرهاقٍ واجهاد من الظروف والضغط الأخير وصرّح يغلق هذا الموضوع '



_اقفلي الموضوع ده يا "نيروز"، أنا دماغي بتوجعني ومش ناقص ، خلينا في اللي احنا فيه وبس!



إلتزمت الصمت آنذاك ، ولمعت عينيها من كم الأحداث التي تحدث كل مرة وتقف في طريقها كل العقبات ، خاصةً عندما تذهب معه في مكان كهذا ، نظرت ناحية الشرفة بشرودٍ في كلماتهما قبل قليل واختلط الشرود بكل شىء كان قد حدث لها ، بينما هو تابعها بعينيه بصمتٍ وزفر في ضيقٍ برؤيتها كذلك 



ووقت كهذا لا يتطلب به سوء حالتها النفسية أبداً بعد حادثها الآخير ، ابتلع "غسان" ريقه وحاول فتح أي حديث كي لا يعم الصمت  فسأل:



_نازله ليه لوحدك من غير ما حد يسندك؟



لم تنظر ناحيته بل مسحت عينيها وعلى نفس وضعها أجابت :



_قولت لماما اني قادرة امشي لوحدي ، فنزلنا وهي دخلت شقتها وقالتلي هتفف تشوفني من البلكونة  وياسمين راحت لحازم عشان عرفنا ان "عز" هناك!



لم تتلاقى الأعين ، فرمى كل شىء على جانب ومد ذراعه بحركته المعتادة يدخل تلك الخصلة التي تظهر دوماً ناحية الجانب برأسها وصرّح بوضوحٍ:




        
          
                
_طب متزعليش .



حركت "نيروز" رأسها ناحيته فوجدته ينظر في  انتظار لردها ، لذا نظرت ناحيته بهدوءٍ وأخبرته وهي تعيد النظر ناحية معدتها:



_مش زعلانة ، أنا بس عايزة أعيش في أمان ، وكل حاجة بتسبب لينا الأذى نبعدها عننا لو في ايدينا ده ، انا كل يوم بطني بتكبر عن اللي قبله وخوفي بيزيد لولادي يجوا واحنا  كل شوية في الظروف دي ابسط حقوقي اني أخاف ، حتى لو بتحسسني بالأمان بس أنا خايفة ومش خايفة غير عليهم هما ،انت مش خايف؟ مش خايف عليهم ؟



سألته بأعين لامعه كانت قد أثرت به ، فلم يستطع الهروب من عينيها وهنا لم تحدث منه المرواغة بل صارحها بصدقٍ ولم يعطيها الإجابة التي تريدها :



_خايف عليكي انتِ يا "نيروز".



وحده من فهم مخزى هذه الجملة بينما هى صمتت وغير هذا المجرى من الحديث ما ان قال:



_أنا جعان ، انتِ مش جعانة ؟



علمت أن هذا السؤال كي يلهي عقلها ويهرب من تلك المواجهة ، نظرت ناحيته فيما كان هو ينتظر الرد فردت تؤيده :



_وأنا كمان .



توقفت السيارة ، وأخرج المفتاح تزامناً مع رده قبل ان يخرج:



_ خلاص ، نروح أي مكان بعد ما نكشف.



لم يردد هذا عبثاً أبداً ،ربما يحاول سحبها من الصمت التي تلتزمه في موضوع علاجها النفسي ، أمسكت "نيروز" يديه تخرج من السيارة فيما ابتسم هو ببساطةٍ كي تتأبط ذراعه وفعلتها ما ان سارت جواره بهدوءٍ وعاق سيرهما ذاك الطلب التي كانت قد طلبته منه من قبل ، ابتسمت بإتساعٍ حينما توقف وأشار لها باهتمامٍ:



_استني أجيبلك مشبك!



_دلوقتي؟؟



سألته ضاحكة فهما الآن في طريقهما للصعود إلى الطبيبة! ، حرك "غسان" رأسه يؤكد سؤالها بإجابته وسرعان ما اقترب من العربة وتركها خلفه تبتسم بسعادة من هذا الإهتمام الذي لازال هنا بينهما رغم كل شىء ، وقفت تراقب بأعين فاض منها الحب وهي تتابعه يتحدث مع الرجل بمرحٍ تعتاده منه،تعلم أنه عكسها في أشياء كثيرة منها تفتحه ، في حين انغلاقها هىٰ ، ومعه تأخذ منه كل طباعه دون تردد!



______________



« سأبقى أحبك راحلًا إليك.. إن كان في الماء فَـ لا أخشىٰ الغريق وإن كان في اليابسة فَـ لا أهاب سيوف الطريق »
- محمود درويش-



بهذا الوقت تحديداً يشعر بالغُربة ، غُربة قاسية ، ووحدة وتشتت أكثر لطالما كلما يتجمع بهذا التجمع يشعر بنفس الشعور ، ولكن هناك رهبة ، هناك شىء لا يحبذه خصيصاً في هذه الجلسة التي كانت بين أشخاص مثله وآخر يترأسهم بجلوسة بدون بعض الملاحظات عليهم ، فإجتماعهم كذلك يخفف من وضع كل شخص نفسياً..




        
          
                
ابتلع"حسن" ريقه ببطىءٍ وزفر أنفاسه وهو يتابعهم بملل اعتاده على الأغلب ، شرد في كثيرٍ من الأسئلة وحاصر نفسه وعقله وبقى تائهاً لفترة كبيرة حتى الآن ، كل منهم يتحدث عن مأساته ويشارك بالبوح حتى لا يكتم في ذاته ، كل منهم يتحدث بما يصح قوله وما لا يريده لا يردده ، بينما هو كان لا يريد أي شىء ، قليل المشاركة ولم يغفل الطبيب النفسي عن ذلك..



_وانت يا "حسن"؟



أخرجته هذه الجملة من شروده فهمهم سريعاً مما يوحي بشروده وعدم انتباهه القوي في محور الحديث ، تابعهم بابتسامةٍ مهزةٍ وسأل دون حرج وهو يوزع نظراته نحو الكل والتي كانت أغلب النظرات عليه هو بهذه اللحظة:



_وأنا ايه؟



لم يسأله الطبيب بل سأل شاب في نفس عمره تقريباً :



_أكتر حاجة كنت بتخاف منها ايه؟



ترددت عدستيه في النظر ، في هذه اللحظة وكأنه عانى من اضطراب  التفاعل مع الغير ، رغم أنه ليس كذلك أبداً ، لمَ الكل ينتظر اجابته هكذا؟؟ ، سأل ولأول مرة يضع في موضع ارتباك ولكنه قرر عدم الصمت الطويل والذي لاحظه البعض ، شعر الطبيب بأنه وضعه في وضع المُجبر وقبل أن يتفوه بشىء ليلهي هذا عن موقفه إلى حين التحدث برغبته ، قطع له قراره "حسن" الذي تنهد وصرّح بتقطع في بداية الحديث بينما وسطه وآخره كان نابع من فؤاده بثبات وكأنه يردد الصدق بعينيه:



_أنا كنت بخاف من حاجات كتيرة من غير ما أعرف ،معرفش الخوف ده جه منين ولا فاكر أول مرة خوفت فيها كانت امته ، بس أنا وعيت على إني خايف ، بس مش خايف من الضرب أو من العقاب مع ان كان عندي اللي يخوفني من الضرب ومن اني اتعاقب ومكررش نفس الغلط من تاني..



توقف ينظر ووجد نفسه يندمج في الحديث بجديةٍ استحسنها الكل ووجد الصمت ونظرات تشجيع من الذي يتفحصه بنظراته فأكمل في نبرةٍ هادئة :



_بس مخوفتش من ده ، كنت بخاف من ..الكلام ،  من نظرة ابويا ليا بكلامه اللي كان بيقلل من كل حاجة بعملها ،وفي نفس الوقت كان قصاد ده كلام تاني عكس ده من أمي ، كانت بتقولي اني أحسن واحد في  الدنيا واني مفيش زيي ، كنت بقف تايه مش عارف أصدق مين ، وزي ما خوفت من الكلام خوفت برضه من اللي قالته امي ، عشان كنت متعود أخاف لـ حد يبقى أحسن مني ، كنت بخاف لو معايا حاجة وتتاخد مني ،  كنت متعود طالما الحاجة في ايدي مينفعش ياخد منها حد غيري ولا حد غيري ياخدها عشان بتاعتي أنا ، و كل حاجة إلا حاجة واحدة بس معرفتش أمنع حد ياخدها مني وفضلت برضه خايف وخوفي قالي انها بتاعتي وقعدت ساكت مقتنع انها ليا لحد ما بقت لغيري!



لمعت عينيه وهو يردد ، هناك وجع بين طيات الحروف ، هناك خفقات قلب تعلن لهم الوجع أضعاف ، صمت البعض بشفقةٍ وسأله في مناقشة شخص آخر بتخمينٍ :




        
          
                
_حبيت صح؟ ، حبيت والحب ضيع منك اللي كان طبع فيك!!



حاصره الآخر بذلك فنظر ناحيته بصمتٍ دون أن يرد عليه ، فخرج صوت آخر بقول:



_ الواحد مبياخدش كل حاجة ، بس بعدين بيكتشف ان اللي حصل ده كان أكتر حاجة صح ونافعة ليه!!



مسح "حسن"على وجهه بتعبٍ ورد معارضاً بإستهزاءٍ :



_ إلا اللي بيحب , عشان ده عمره في حياته ما بيقتنع ان اللي راحت منه دي حاجة مش مهمة ،قلبه ببقى عاميه مع انه عينيه بتبقى شايفة كل حاجة وتكذبه!!



لم يتوقع بأنه سيفضي مشاعره المقهورة هنا بين أشخاص لم يعرفهم ، بين أشخاص لم يشاركهم من قبل إلا كلمات مقتضبة:



_وهى كانت تتحب ،  كان فيها حاجة حلوة ,مش حاجة لا..كان فيها حاجات كتيرة حلوة..هى كلها حلوة  وتستاهل كل حاجة حلوة زيها!



تحشرجت نبرته حينما أظهر لهم تشتته بالكلمات ، فتأثر من يتابعه فيما أكمل هو بابتسامة صغيرة متألمة:



_وكان يحق ليها تقول لا وتقول أه ، كان من حقها متحبنيش وتكرهني عشان أنا مكنتش محبوب من حد ، قدامها كنت بحس اني ينفع أبقى واحد تاني ، كنت بحس اني لو معاها هبقى أحسن، عمري ما فكرت أذيها بقصد ، كل حاجة عملتها كانت غصب عني ، هى مينفعش تتأذى أصلاً هى حاجة أجمل من الأذى ، حاجة حلوة يقف قدامها أوحش واحد يحس إنه أجمل حاجة في اللحظة دي عشان بس قدامه هىٰ..



لمعت عينيه بغير وعىٍ ولم يعي أنه على مشارف ذكر اسمها بتيهةٍ:



_نيـرو..



توقف عندما انتبه بأنه سيذكر إسمها ولكنه توقف سريعاً يمسح وجهه بابتسامة متصنعة زائفة هتف بها بصراحةٍ نابعه من العقل ذاته بعدما حدث:



_بس الحب برضه زي ما بيوقع أحسن واحد ،بيفوق أوحش واحد!



لم يتوقف إلى هنا بل اعتدل وكأنه يعاني من فرط حركته من عزم الموقف الذي وضع به نفسه فردد مجدداً بإختناقٍ يصارحهم:



_بس أنا بقى وقعت وفوقت ، عملت الإثنين عشان أنا واحد تايه.



هناك مرهفة الإحساس وسقطت دمعتها لأجله ، الغصة المريرة التي توقفت في حلقه شعر بها من حوله ولكنه وحده من يشعر بالألم ، ألم الحب من طرف واحد ،وألم الهجر ، وألم الرفض



عكس المفترض تماماً حينما هرب من نظرات الكل ونهض مندفعاً ناحية طابق الغرفة الذي يقيم بها دون أن ينتهي الوقت دون حتى أن يُسمح له بذلك ، حاول خلفه بعض من الجالسين النهوض خلفه ولكن أوقفتهم الإشارة من المتخصص بالتوقف وتركه وحده!!



وقف بعيداً يستند على جدار وحينها هبطت منه دموعه ، استرسلت من عدستيه الحمراء ورأسه التي تُطرق عالياً من ارتفاع الضغط بها ، أسند رأسه بتعبٍ وموضع فؤاده يئن من عذاب يعانيه :




        
          
                
_"وَلي فُؤادٌ إِذا طالَ العَذابُ بِهِ 
طارَ اِشتِياقاً إِلى لُقيا مُعَذِّبِهِ 
يَفديكَ بِالنَفسِ صَبٌّ
لَو يَكونُ لَهُ أَعَزُّ مِن نَفسِهِ شَيءٌ ؛
فَداكَ بِهِ"



_________________



«يا رموش قتاله وجارحه يا بويا



وعيون نيمانة وسارحة ياعين



أديكى عمرى بحاله يا بويا



وادينى انتى الفرحة ياعين



القلب الأخضرانى يا بويا



دبلت فيه الأمانى يا عين



ولا قادر طول غيبتكوا يا بويا



يشرب من بحر تانى يا عين»



خرجت هذه الكلمات بعلوٍ في داخل محل الورد ، قام بتشغيلها "بسام" الذي انتهز فرصة صعود والديه معاً وبقت معه "فرح" تنظم المكان بتنسيقٍ في الورود..



تنصت للكلمات وهي تتحني تلتقط الورد الذي دبل ، وعلى شفتيها ابتسامه عذبة واسعة خجولة كلما تُعاد الكلمات ، ومهلاً ؟ هل يدندن حقاً مع الأغنية وهو يطالعها هكذا ، استقامت تمسح وجهها وهي تطالعه فيما اقترب هو يسألها مع الكلمات في الخلفية :



_يعني مش هتقولي روتين رموشك ايه؟



ضحكت "فرح" بخفةٍ ووضعت يدها بوسط جسدها بحركة خفيفه وبادلته المشاكسة بغرورٍ:



_ربَّاني يا دكتور!



قهقه "بسام" عالياً وجلس فجلست تزامناً مع كلماته الضاحكة :



_حقك تتغري بصراحة ، مش هعتب عليكِ!



اتسعت ابتسامتها وهي تتأمل وجهه ببنما هو تاه في عدستيها بحبٍ وخرجت نبرته من جديد:



_مستعدة للسنة الدراسية الجاية ؟



على الرغم من ان هناك وقت ، إلا أنه يريد أن يُهيأها ، أخذت أنفاسها بهدوءٍ وصاراحته كعادتها معه:



_جاهزة ، بس وقت الدراسة ده أنا مبحبوش أبداً ، بفضل كل يوم في امتحانات وكويزات وضغط مببخلصش ، يمكن بفكر في كدة بالطريقة دي لإني زعلانة عشان مش هيبقى معايا حد زي الأول ، دلوقتى "جميلة ومنة" خلاص هيبقوا مش معايا ، وأنا حتى لو ببان اني لوحدي بس مبحبش أكون لوحدي!



شعر بتخبطها ، فخرجت أنفاسه بالتدريجٍ وإعتدل يعطي إهتمامه لها فخرج حنوه الممزوج بعقل كلماته حينما بدأ :



_أولاً الرحلة مش فردية عشان أنا هبقى معاكِ ، انتِ مش لوحدك أوعي تنسي ده ولا تحسي بكدة وأنا موجود معاكِ ، وبعدين ده أنا شاطر أوي وهذاكرلك وانتِ معايا لحد ما تجيبي تقدير زي ما كنت جايب ، انتِ هتستقلي بجوزك ولا ايه با بت؟




        
          
                
شاكسها بآخر حديثه فضحكت إلى أن عاد يكمل بتعاطفٍ مع حالتها:



_ثانياً بقى وده مهم عشان انتٓ متأخرتيش ولا قعدتي إلا اذا كان ظروفك كانت تستاهل ،. أنا واثق إنك قدها زي ما كنتي قد كل اللي مريتي بيه يا "فرح" , والرحلة فيها حاجة حلوة!



فاندفعت ترد بعفويتها المعهودة:



_آه ، انتَ!



غمزها ضاحكاً بمفاجأةٍ ، وبمثل هذه الأوقات التي لا تستمر هكذا دوماً ، نظر الإثنان نحو ذلك الشخص الذي اندفع يدخل دون أن انتظار أو ترحيب ،. اندفع "بسام" يقف ووقف جواره فقط وهي تبتلع ريقها بتوترٍ من رؤيتها لملامح الآخر الذي اقترب منه وهتف :



_فين أخوك؟؟



لم تكن هذه الكلمات سوى من "سامر" الذي جاء يسأل هذا السؤال بجبن من الداخل ، طالعه "بسام" بهدوءٍ وسأله سؤال آخر:



_هى دي دخلة تدخلها ؟ ، وقلبك مات للدرجة اللي تخليك تيجي تسأل عن اللي مربيلك الرعب في حياتك؟ ولا تكون مش عارف اني فاهم حركاتك القرعة دي وانك جاي عشان عارف انه مش هنا ولا في العمارة بحالها!!!



هل كان يراه يراقبه؟ ، نظر له "سامر" بإنفعالٍ  رد به عليه وهو يقترب:



_انت هتخرف؟؟ ، مين اللي مربيلي الرعب في حياتي ، بقولك ايه انا مليش آخر يتجاب وواقفلك هنا أرد حق اللي عمله أخوك في أمي عشان ترجع الشقة كدة.



لم يفهم "بسام" كلماته ولكنه تصنع بذلك وتمسكت "فرح" بذراعه كي يبتعد عنه ولكنه وقف بثباتٍ ينظر داخل عدستي الآخر ونطق يحاصره:



_شكلك نسيت كلامي ليك على السلم المرة اللي فاتت ،وإلا بقا عايز تونس أختك في حبسها فـ دي هابقى حسبة تانية!



وقف يخفي أي شىء داهمه ، فعل ذلك كي يرضي عقله أمام منظر والدته ،ورغم الخوف من الإقتراب ومنعه منها إلا انه علم أن "غسان" ليس موجود ورحل هو زوجته قبل وقت! ، لم يعطيه "بسام" فرصة للرد بل حاصره مجدداً :



_الشويتين اللي  جي تعملهم دول ملهمش تلاتين لازمة ، ونصيحة مني خد بعضك وامشي عشان أنا لما بزعل ببقى أغبى من نص الفولة التاني!



يتحدث بصرامة لم يتحدث بها الآخر معه ، يعطي تحذيرات ويهدد وكأن الفعل يخرج من عينيه قبل الكلمات ، طالعه "سامر" بإستهزاءٍ وقرر اللعب على نقطة وجدها به ولم يستطع الضغط عليها نحو الآخر ، ذلك الذي يقف أمامه يصبر ولكنه ينفعل ويثور دون أن يتصنع البرود واللامبالاة حتى وان كانت زائفة ، ليس به ما وُجد بالآخر !!



_شكل العشم واخدك وجايباك الحماسة عشان القطة!



أشار بإصبعه ناحية "فرح" التي ابتلعت ريقها بخوفٍ حينما دفعها "بسام" ناحية الوراء وتقدم هو منه يسأله بتعابير مجهولة:




        
          
                
_ خليك صريح وقولي انت عايز ايه؟ ، لو عايزها تتقلب مصارعة أنا معنديش مانع بس خليك دوغري من الأول!



مط "سامر" شفتيه بإستنكار ورفض ذلك بطريقة غير مباشرة فهو الآن بمكان لا يملكه ، بمكان صاحبه خصم له وتوأمه يقف محاصرًا اياه بردوده بعدما علم مبتغاه في المجئ لطالما "غسان" ليس هنا مما جعله يرتدي ثوب الجرأة! :



_انت مش قدي يا دكتور "بسام "، انت أخرك   تتعارك مع ورقة وقلم قصاد كتاب مش عارف تذاكره   إزاي!



ابتسم "بسام" بإستهزاءٍ وبرع في رده ما ان قال سريعاً ملقي بكلماته أمامه بنبرةٍ حملت بين طياتها  الكثير ، فهو الآن يستهين بشخص في غضبه لا يعرف أهله حتى فكيف قبال الغريب؟ ، غاب عقله عن فكرة أن هذا التوأم أضعف بينما في الحقيقة ان هذا بركان  ان انفجر سيحدث ما لا يتمناه! :



_لا ما أنا ممكن أتعارك بمشرط ومن غير بنج ،ايه رأيك ؟



_ تؤ ، جو الإجرام مش واكل معاك ، مش شبهك ، ومش حاسك فيه بصراحة.



يضغطه ليخرج أسوأ ما فيه ، انفعلت تعابير "بسام" الذي رد بحدةٍ مسرعاً وكأن الآخر نجح في مساومته برجولته وقدرته ، وان لم يكن ذلك فكل هذا الإستهزاء يقلل منه أمام زوجته ، وُضع بموضع آخر يغير من موضع العقل والصبر في كل مرة:



_تعالى وأنا أخليك تحس ، هخليك مرهف الإحساس!



قوس حاجبيه وأشار له بحركة جعلته ينفعل أكثر بتلك الفعلة  الجريئة أمام فتاة ، لذا وجد "سامر" رأسه تندفع إلى الخلف بلكمة قوية في وجهه جعله يردد بأهٍ متوجهة وخفق قلب "فرح" ما ان شعرت بأن الخطر يتشكل في انفعال "بسام" الآن!! 



صرخت بصوتٍ عالٍ واندفعت تركض ناحيته تدفع "بسام" عنه قبل أن ينقض عليه ويخرج ما يدخره له منذ فترة كبيرة ، وقبل ان تتوقع بأنها ستبعده بالفعل ، خاب أملها وعلمت أنه ثار الآن حيث دفعها بذراعه فإندفعت ناحية الخلف واصطدم كتفها بالمقعد الخشبي ، فتوجعت وسالت دموعها ما ان وجدت الآخر بستفزه حتى وهو يحاول أن ينقض عليه..



ضربه هذه اللكمة وقبل أن يفعل المثل أخذ "بسام" ضربة قوية جانب شفتيه جعلت الدماء تنزف منه فجلس فوقه يضرب وجهه والإثنان يتعاركان بنفس القوة بعدما شُفي "سامر" من ما كان به!



كعادتها لا تجيد التصرف ولكنها حاولت ما ان رفضت ترك المحل ورفضت الصراخ حتي لا تأتي الشرطة ويحدث ما حدث ، لذا قطعت صوت الكلمات والتقطت هاتفه تفتحه وضغطت على صفحة المكالمات فوجدت آخرهم شقيقه ، دقت عليه ولكن عندما وجدت الهاتف مغلق ، ضغطت على رقم "حامد" الذي أجاب سريعاً فلم تعطه الفرصة ونطقت ببكاءٍ وأنفاس علية تنهج بها وضحت للآخر بأن هناك خطر وشىء وقبل ان يتساءل نطقت هى بنبرة باكية خائفة :



_إلحـ… إلحقـــني يا عمو ،  انزل بسرعة ، بسام وسامر ماسكين في بعـض في المحـــل!!



لم يستمر في الإستماع بل نهض بسرعة دون ان يوضح لزوجته التي مع ابنته في غرفتها وهبط في سرعةٍ تقارن بسرعة"بسام" في رد الضربات له وهو يردد من بين الكلمات:




        
          
                
_والله ما هسيبك ، ولا هسيب حق دموعي اللي نزلت على أخويا وهو بين الحيا والموت ، ان ماخدش هو حقه أنا أخده تالت ومتلت  منك يا بن الكلـ ـب!!



مصارعة صعبة بنفس البنيان تقريباً ، استمر بها هكذا والصوت في الداخل غير مسموع وقفت "فرح" شاعرة بتأخر الآخر فحاولت مسك أي شىء خشبي كعصاه لدفع "سامر" الذي أصبح فوق " بسام" وقبل ان تفعل هذا الشىء ، وجدت "حامد" يدفعها سريعاّ وهو ينحني ناحيتهما !!



مهما كان فهو رجل ، رجل خُلقت هى من ضلعه حتى وان كان كبير في السن إلا أنه قادر على فصلهما ، قادر بهيبته على منع "بسام" الذي أصبح حر بعدما تحرك ليقف وهو يمسك تلابيب الآخر وأوقفته صرخة "والده" به :



_بــــس!!!



تمزق قميص "سامر" الذي طالعه بشرٍ فاض من عينيه والإثنان ينهجان وقبل ان يتحدث أي منهما ، فعل "حامد" ما لم يفعله من قبل  وبهذا الموقف اختار ابتعاد "بسام" قبل أن يتهور ويلقي بنفسه خلف القطبان لطالما يعلم ولده هذا تحديداً في انفعاله!!



_امشي ، اطلع فوق دلوقتي!!!



صُدم من كلمات والده الذي حدجه بعينيه ولم يلق بالاً لصدمته بل نظر ناحية الآخر وهتف له:



_ وانت لو عايز تعيش اللي فاضلك امشي من هنا قبل ما أوديك انا ورا الشمس ، ممكن افهم واحد زيك جاي لينا ليه؟؟ ، مش خايف ؟ انت دلوقتي اللي عندك لينا مش احنا!!



مسح "سامر" وجهه بغضبٍ ورد بعلوٍ على كلماته:



_ربي عيالك الأول ، وعرف التاني إن امي خط أحمر ، وان إهانة امي مش زي حبس أختي حتى لو كانت غلطانة يا حج حامد!!



لوهلة شعر بصدق كلماته ولم يفهم ، ولكنه صمت يطالعه بإنفعالٍ وطاقة صبر أصبحت على مشارف النفاذ من رجل صبور مثله..



_حتى لو كان ايه حصل مش من حقك تدخل علينا مكانا وانت ناوي على شر ، أنا  أب ومقدرك رغم كل اللي عملته ، متخليش راجل كبير زيي يعرفك مقامك ، أنا صبري قرب ينفذ وان كنت بعدي وانسى فكل ده عشان مبقاش رجلي والقبر وقلبي وعقلي شايلين ، وانت اللي عايزه مش هنا واللي والدتك عايزاه مش في ايد حد هنا ، ياريت تاخد بعضك وتمشي دوغري طالما مدخلتش دوغري من الأول وفهمتني ازاي والدتك اتقلل منها!!



لأول مرة تراه "فرح" هكذا ، صمتت بترقبٍ وهي تتمسك بكتفها تطالع وجهه وجه "بسام " الذي نطق بإشمئزاز:



_واحد زي ده مش عايز احترام منك ولا تقدير عايز يتف عليه ودا آخر عيل جبان .



حذره"والده" بعينيه بينما استقام"سامر" أكثر وردد بما جعل "بسام" ينفعل أكثر :



_ترضى أقلل وأهين الست أم  الدكتور ده في بيتي ؟ لو ترضاها أمشي ومرجعش هنا تاني!!.



تصنع البراءة ، فإندفعت الدماء برأس "بسام " الذي حاول التقدم منه وهو يصرخ به :




        
          
                
_انت بتقول ايه؟؟ ، بتجيب سيرة أمي على لسانك الزفر ده ليه؟؟ انت ليك عين ؟؟ ليك عين ياض ؟؟؟



منعه "حامد"بحزمٍ ودفعه عنه ووقف في المنتصف يردد ناحية "سامر":



_لا مرضهاش ، بس برضه مش راضي عن مجيتك دي ، وانت اللي من البداية خالص محترمتش نفسك ولا احترمت غيرك ، عيب أوي لما راجل كبير زيي يحاول يفهم منك حاجة بعد ما مجيتك دي ، وخليك عارف ان ولادي كبار يا سامر ، وابني ده كبير وأنا اللي شايله عنك ، فياريت تكون بتفهم كويس اللي بيتقال!



هناك تحذيرات مبطنة وحديثه هذا بثباتٍ وشموخ جعل الآخر ينظر ناحيتهم بصمتٍ وتحرك بإندفاعٍ مجبراً :



_ماشي!



قالها بتوعدٍ ولكن من داخله فقد قدرته على فعل شىء ، بل خرج من المحل بأكمله ورحل بعيداً عنهم ، نظر "حامد" ناحية أنف "بسام" وفمه التي حاولت "فرح" مسح الدماء من عليهما ولكنه منعها مهبطاً يديها مواجهاً والده :



_بتكلمه كدة ليه يا بابا ، ولا كأنه مبوظ الدنيا أو حتى  خلى ابنك يترمى في المستشفى واحنا على أعصابنا.



التوأم صاحب القلب الذي لا يغفر بسهولة ، ضغط على فكه بإنفعالٍ شديد كتمه داخله ، فلم يعيره "حامد" انتباه كي لا ينفعل دون وعي أمام والده ، بل تركه واقترب يعدل من وضعية المقعد ، فأخذ "بسام" نفسه وخرج تاركاً المحل بأكمله مقرراً الصعود لأعلى ، مسحت "فرح" وجهها سريعاً ووقفت تمسك كتفها بوجعٍ ثم حاولت ان تهرول خلفه بينما أوقفها "حامد" قاصداً عدم صعودها إلا بعد دقائق معه فقال:



_ قفلي معايا المحل يا فرح عشان نطلع!



واقفته مرغمة على أمرها ولم ينتبه الآخر أن كتفها أُصاب ،أخفت هى ذلك بعد كلماته واقتربت تساعده ، بينما هو اقنتع ان  ما فعله هو الصواب ولا يوجد غيره كي لا يلقى ولده مصير لا يشبهه أبداً ، ففي انفعاله لا يعرف حتى من يحمل نفس دماءه ، فماذا ان كان غريب يدخر له ولم ينس إلى الآن كل ما فعله بهم وبالأخص بتوأمه الذي يعد أغلى شىء لديه؟



________________



وضع النادل الطعام أمامهما في أحد المطاعم ، قرر أخذها هنا في مكان هادىء بعيداً عن أي شىء بعدما عاش مشاعر عديدة حينما رأى توأمية في رحمها ، ابتسمت "نيروز" ناحيته بسعادةٍ من تواجدها معه بمفردها وكأنهما بعالم آخر غير ذلك ، بل وما قرر فعله أمامها قبل قليل ، حينما أغلق هاتفه فشاكسته وفعلت مثله تماماً بينما خرج صوتها الآن بهدوء تصارحه:



_بحب أقعد معاك دايماً ، بحس براحة حتي لو سكتنا ومتكلمناش!



ابتسم "غسان" غامزاً اياها بمشاكسةٍ بعدما  حثها على تناول الطعام:



_بقى بذمتك حد يقعد معايا  وهو مش مرتاح؟



نظرت بريبة مصطنعة ولمحت ناحية عبثه وهي ترد في صدقٍ :




        
          
                
_بصراحة آه ، انت يتخاف منك ولا ناسي؟



ذكرته بوجودها في غرفته في عقد القران حينما كان يرفض خروجها ومحاصرته لها في المطبخ في احدى الغزومات حينما تجرأ ودخل خلفها ومنعها من الخروج إلى ان قبلها "يامن" بدلاً عنه حيث لم تكن تحل له حينها ، ضحك "غسان" بخفةٍ بينما مرت ذاكرتها هى الأخرى على العديد من الأحداث والظروف فوجدت نفسها تتحدث من جديد:



_تعرف؟ احنا زي ما عدى عليا حاجات كتيرة وحشة عدى علينا برضه الحلو!



لم يتردد ثانية واحدة  في رده الصادق حينما قدم لها كوب المياة جوارها تزامناً مع كلماته:



_كل الحلو اللي  عدى فيها  كان انتِ!!



ابتسمت بخجلٍ راق له ما ان مسحت فمها بالمنديل الورقي واشمئز وجهها ما ان تجرعت من كوب المياة ، فنظر ناحيتها بتساؤل حينها وضعت الكوب وأخبرته:



_الكوباية  دي ريحتها زفرة أوي!



التقطها ولم تعطه الفرصة كي يشم بل ضحك بيأسٍ ما ان قالت بملامح بها من الضيق ما ظهر:



_زي ما يكون انت اللي  غاسلها!



ضحك "غسان", وابتلع ما بفمه سريعاً موزعاً نظراته ناحية النادل الذي أشار له بتغير الكوب فيما عاد يرد هو بمزاحٍ متبجح:



_متقعديش مع اختك ياسمين كتير عشان أنا خلقي ضيق!



ضحكت على رده واستمرت في تناول الطعام بعد ان ردت تقتص بردها من رده :



_قولتلك أختي لا ، كله إلا "ياسمين "!



تركها تأكل وشاركها أيضاً ، بينما حاولت هى التحدث من جديد فقالت بهدوء وصدمته:



_على فكرة أنا بحبك وانت خايف عليا ، بس محبتش تضغط نفسك عشاني لحد اللحظة دي ، عايز تقول كلام مش قادر تقوله ودي أكتر حاجة موضحالي اني مؤذية وتعبانة في نفس الوقت!



رفع رأسه ينظر فوجدته تطالعه بعينيها ، لأول مره تهزمه هكذا وتكشف عن ما بداخله في عقله  وفؤاده ، لم تكن غبية إلى  هذه الدرجة ، أو لرُبما من كثرة ما يشعره بسببها كشفته هى! ، خرجت أنفاسه بهدوء وابتلع ما بفمه متصنعاً الثبات ورد في ثبات آخر لاق بالوضع :



_أنا قولتلك انك مش مؤذية ، وقولتلك مش هتكلم في الموضوع ده تاني الا لما تفتحيه ، ومش  هكدب وأخبي أنا أه خايف عليكي بس مش هقولك تروحي  وانتِ مش عاوزة مع انه مهم ، انا مهم عندي تكونوا بخير .



احتوى الوضع بكلماته الثابتة هذه وسرعان ما أضاف بتساؤل عاقل فيما كانت عينيه تتحدث بالكثير:



_تعرفي تكوني بخير يا نيروز ؟ ، تعرفي تبقي انتِ وهما بخير عشان أبقى أنا كمان بخير ؟؟




        
          
                
تعلقت عينيه بعينيها لوهلة ، ابتلعت ريقها وهى تحرك رأسها بنعمٍ على سؤاله ورفعت خصلاته في حركة عشوائية وسألته:



_طب أقولك حاجة؟



هز"غسان" رأسه بقبولٍ ، فأخذت أنفاسها وقطعت اي مناقشات ستبدأ في هذا المحور ، كفى كل المرات السابقة بل كانت لديها قنبلة وقررت قذفها في وجهه حتى بقى لحظة يستوعب كلماتها:



_أنا حجزت بنفسي وخليت أول جلسه تبقى بعد الكشف النهاردة.



هل كانت مفاجأة؟ ،  نظر بغير تصديقٍ وحرك رأسه في تساؤل ان كان هذا مزاح أم غيره ولكنها حركت رأسها تؤكد قائلة:



_أيوة عملت كدة ، عارفة اني اختارت الصح بس حتى لو كل حاجة صعبة  دلوقتي فكل ده يهون عشان ولادنا و..عشانك..



توقفت ولمعت عينيها حينما وضعت كفها داخل كفه وظهر خوفها من هذه اللحظة التي تحاول محوها وقالت:



_أنا أضحي بكل حاجة عشان حتة مني ومنك ، أنا خايفة بس عشان معاك فأنا مطمنة انك عمرك ما هتسيبني خايفة كدة في الأوقات اللي زي دي.



صدمته ولم تعطه فرصة للتفاعل ، بل سقطت دمعتها وهي تصارحه :



_وكنت عايزة أقولك اني آسفة ، عشان اكتشفت متأخر اني بوجع نفسي وولادي وبوجعك انت كمان ومشيلاك كتير مش لازم تشيله أصـ..



توقفت بعجزٍ عن ترديد المزيد حينما مسح لها دموعها بكفه وقال يحثها على الهدوء:



_أوعدك انك مش  هتخافي وان كل ده  هيعدي .



لم يبخل بقول الآتي رغم ان الكلمات لا تليق به بتاتاً ولكنه احتوى كفها يصارحها بتشجيع صاديق وليست مجرد كلمات:



_أنا اللي كنت عايز أقولك اني فخور بيكِ لتاني مرة بعد المرة اللي رفعتي فيها المطوه اللي في ايدك دي على رقبة زينات عند  مدخل العمارة.



ضحكت من بين الدموع واستطاع هو فعل ذلك فيما أكمل هو بعدما رأى ضحكتها:



_فخور بيكِ عشان أنا من أول ما شوفتك وأنا مؤمن انك قوية ، وفضلتي قوية لحد اللحظة اللي خليتك تاخدي قرار وتعملي كده.



ترى نفسها لا تخلع ثوب الضعف فرددت بغير تصديق به أثار تحشرج :



_بجد؟؟؟



قوس "غسان" حاجبيه وتلمس رأسها في خفةٍ ومازحها قائلاً :



_أومال انتِ فاكرة ايه ، دا انتِ حرم غسان البدري يا رزّة!



اتسعت ابتسامتها واعتدلت تؤكد قوله بسعادةٍ من رؤيتها لسعادته:



_عندك حق.



لايفشل دوماً في تعزيز الثقة ناحيتها ، شعرت بشرودها لفترة  حتى وضع الحساب داخل الدفتر ونظر في هاتفه يفتحه ووجد أن رقم شقيقه حاول الدق عليه ومن ثم والدته التي علمت ما حدث للآخر منه  واندفعت بحرقة لأجله ودقت على رقمه هو كي تخبره بينما بعد ذلك حذرها "حامد" من فعلها مرة ثانية .




        
          
                
نظر بغير فهم وقرر إرسال رسالة على هاتف شقيقه وشقيقته محتواها:



_«بترنوا ليه ،  خير؟»



أغلق الهاتف إلى حين رد ، فوجدها تلملم أشياءها حتى تنهض بعدما أشار لها ، والآن الوجهة أصبحت عيادة الطبيب النفسي بعدما كان يضع تحسبات لفتح الحوار معها مرة أخرى ، اتسعت ابتسامتها ما ان حاوط كتفيها كالعادة حتى دخلت السيارة تجلس واستدار يجلس هو الآخر ولأول مرة يشعر بالراحة بعد غيابها لفترة عنه ، ربما سيعود كما كان بدلاً من الضغط المشحون في داخله لأجلها!



__________



في داخل غرفته تركه ولده يهدأ بمفرده ، انتظرته "فرح" في الخارج بعدما علم بقية أهله بالذي حدث ولم ينتهي الشجار بين "حامد" و"دلال" حتى هذه اللحظة والتي تركتهم بها "وسام" ودخلت غرفتها حتى لا يضيع منها الوقت ، شعرت بالضيق هى الأخرى من الجميع حتى تركتهم وآخر ما سمعته:



_هو انت ايه يا راجل انت؟؟ الواد يبقى جاي محلنا وفي مكانا احنا وتمشيه كدة؟؟؟ مش عارف انه جاي لـ"غسان"  ، مش فاهم انه جبان ، كنت خليه بقى ويجيلوا اللي عامل نفسه مستقوي فيها وهو مش موجود ، كنت سيبني أرن عليه وأقوله خليه يجي يشوف أخرة اللي احنا في ده ايه!!!!



جاء آخرها هى الأخرى بعصبية بالغة من عدم سير الحياة بطبيعة ،. تشنجت تعابيرها قبال ملامحه المنكمشة بضيق ظهر في رده :



_ انتِ اللي ايه يا ولية ، عايزة ابنك يجي ويسيب مراته وحاله عشان يعمل مشاكل من جديد؟؟؟ انتِ اللي بتفكري ازاي مش بدل ما تخشي تشوفي وش ابنك اللي اتبهدل ده؟؟ ايه دمك حامي كدة ليه من امته يعني؟؟!!



اقتربت قباله وظهرت فطرتها في الخوف حينما رفعت يديها تشير أمام وجهه بإنفعالٍ بالغ:



_انت اللي مش فاهم حاجة  ولا حاسس بخوفي على عيالي ، هو كل شوية هيجي المحروق ده يرمي كلمتين على ضربتين في عيالي يا يصيبوا يا يخيبوا ،أنا خلاص زهقت وعايزة كل حاجة تبقى ليها حدود ، عايزاهم يبعدوا عننا بقا ، كل ده وأنا اللي مش عارفة بفكر ازاي؟؟، انت مش فاهم انت بتقول ايه!!



نظر نحو كفها وانفعالها هذا وصوتها الذي اعتلى بصالة الشقة ، كل منزل يتضح بأنه به الكثير ويُغلق عليه ، لا يوجد حب وانتماء دون مشاكل وعناء , وقفت "فرح" بركن تنظر  ولم ترض التدخل بينهما وهما هكذا بل صمتت تتابع ووقفت قبل ان تقرر الدخول له الغرفة بعدما وجدتهما كذلك!!



تابع "حامد" زوجته وهى كذلك أمامه ، لم يتعمد الرد بهذه اللحظة سوى أنه استدعى عقله كي لا تنفلت أعصابه وقال بيأس منها :



_ ربنا يهديكي وينزل من عنده هداية ليكي ولعقلك!



طالعته بغيظٍ وانفعلت ترد عليه وهي تضرب صدرها:




        
          
                
_أه ما أنا مجنونة ما انت شايفني مجنونة وبشد في شعري ، كل شوية رايح جاي تقولي ربنا يهديكي ، معفرته أنا بقى!!!!



تركها تردد وتندب وسار ناحية غرفته بصمتٍ ، فيما كانت هى تقترب من غرفة "بسام" التي فتحتها وهي تردد بتحشرجٍ:



_شاهد ؟ شاهد يا بسام ابوك بيعمل ايه؟؟؟



تركها تتحدث دون رد حينما بقى بجزئه العلوي المكشوف أمام المرآه يداوي جروح وجهه بنفسه ، طالعها من المرآه وهي تقف تتابعه  حتى اقتربت بلهفةٍ تتلمس وجهه ، فنظر لها بإطمئنانٍ وعلم رغبتها في الندب لذا قطع ذلك في هذه اللحظة كي لا يخرج الفتور منه عليها بدون إرادة منه وهو بهذه الحالة فأبعدها كي لا تأخذ موقف وطلب:



_اعمليلي كوباية عصير لمون يا ماما بعد إذنك!



_من عينيا يا حبيبي ، امسح انت وحط اللزق. ، خلي بالك ، على ما أعملوهلك !



رددتها بلهفةٍ وهي تتفقد وجهه بدماء قد غلا بعروقها بسبب ما حدث ، هرولت ناحية الخارج ورغم حزنها وغيظها الا ان طلبه يعد شىء آخر لطالما تتشاجر لأجله هو وشقيقه من كل ما حدث..



أسند ذراعه على المرآه بتعبٍ من وقوع جسده وعلو الآخر فوقه بثقله كله ، داوى جروحه ونظر بالمرآه حتى وجدها تقف خلفه مترددة النظر بعينيها ناحيته ولكنها تجرأت تقترب بعدما التفت يطالعها بصمتٍ .



مسحت "فرح" وجهها واقتربت تأخذ القطن واللاصق منه حتى تولت هى الأمر بدلاً عنه فوقف مستسلماً وحينما أسند ذراعه على كتفها فانتفضت تئن بصوتٍ مكتوم تعجب هو منه لم ينتبه لما فعله بها ولكنه توقف يسألها بهدوءٍ:



_انتِ اتخبطتي فيه؟



لم تجيبه بل بقت تداوى وجهه حتى قطع ذلك وهو ينتشل ما بيديها وسألها مجدداً :



_اتخبطتي ؟



_ أنا كنت بحاول اشيلك عنه لكن انت اللي زقتني وانت متعصب!



واجهته بذلك وهي تبتلع ريقها ، ولمعت عينيها من مجرد كلمات ترددها لم تعي بأنها نظرت في عدستيه الذي نظر لهما ناحية كتفها وبقى صامتاً لفترة حتى بدأت نبرته في الخروج:



_وريني أدهنه ليكِ!



لمَ حديثه مقتضب هكذا؟ لمَ لم يعتذر ؟ تساءلت بريبةٍ وقبل ان تتركه وتخرج بعدما حاول الاقتراب لرفع كم ثيابها الواسع  تراجعت لتخرج ولكنه بهذه اللحظة منعها بحزمٍ حينما أمسك كفها فتوقفت تنظر له بخوفٍ طفيف ،  انحنى يفتح الدرج وجلب دهان خاص للعظام ، وجلس على المقعد بعدما سحبها لتجلس أمامه على طرف فراشه ،  مال يرفع كمها ووضع الدهان حتى بدأ يدلك هذا المكان برفقٍ وهي تردد في النظر ناحيته بحرجٍ حاول اللعب عليه :



_بيقولوا ان مدام فرح مراتي!



سخر من خجلها ، فإعتدلت تثبت له العكس ما ان  نظرت داخل عدستيه ، حينها كان يريد  ذلك حتى يعتذر عن ما فعله وحدث ذلك ما ان قال بأسفٍ صادق:




        
          
                
_أنا آسف يا "فرح"، مكنش قصدي ، حقك عليا.



اقترب يقبل احدى وجنتيها حينما  اقترب ليفعلها ، برقت عدستيها وهي تطالع الباب بذهولٍ في وضع صنم حتى سمعت صوت والدته صوت القبلة وشهدت المشهد قبال تصنم "فرح " بعينيها المتسعة ، نظر ناحية نظراتها فوجد والدته تقف على الباب وهي تخفي وجهها بضحكة خبيثة حاولت منعها وهي توبخه :



_يلهوي عليك وَلا!! ، يعني كدة عيني عينك والبت في أوضتك والباب على وسعه واللي يتقرج يتفرج؟؟؟



نهضت "فرح" بإندفاع حينما شهقت تبرر لها :



_لا ..لا يا طنط ، حضرتك .. حضرتك فاهمة غلط والله دا كـ..



تعالت ضحكات "دلال" وهي تقدم لها الكوب وقطعت كلماتها وهي تربت على  كتفها المكشوف وأهبطت لها الكم في خفةٍ ولم تغفل عن انها تأذت فهتفت بأسفٍ:



_معلش يا حبيبتي ، قضى أخف من قضى ، كويس انها جت على قد كدة !



ابتسمت "فرح" ببساطةٍ قبال ابتسامة "بسام", بعدما ارتدى قميصه في خفةٍ وصرّحت هى لوالدته :



_لا مفيش حاجة ، أهم حاجة ان بسام بخير الحمد لله.



اعجبت بحديثها فعانقتها ، فابتسمت "فرح" بعدما وجدتها تخرج وآخر ما قالته لـ "بسام" بحنقٍ :



_بص ، شوفلك صرفة في أبوك ده لاحسن أروح أخلعه!!



تركت الغرفة بتقلب مزاج سريع ورحلت ،مع ضحكة "فرح" وهي تتساءل بذهول:



_هى  ازاي كدة ؟؟؟



_هى لو مش كدة أصلاً مكانش فاتها عمرت في البيت ده ، في الحالات اللي زي دي بسيبهم مع بعض ومبيفضلوش متخانقين كتير دول لسه متصورين مع بعض بالورد وعاملين شغل عالي ،حاسس انهم خدوا عين!



ردد الآخير بشرودٍ فضحكت هى تجيبه:



_أكيد أنا ، أصل أنا بحب حبهم لبعض أوي!



خرجت ضحكته الهادئة على قولها وهو بنفي حديثها بحركة رأسه ، والتزم الصمت بضع لحظات حتى اقترب يتلمس كتفها برفقٍ وصرّح :



_متزعليش مني يا فرح ، أنا بحاول على قد ما أقدر أمسك أعصابي ومأذيش حد لما بكون متعصب ، متخيلتش انها ممكن تيجي فيكي ، أنا آسف ولو شوفتيني كدة تاني سيبيني في الوقت ده!



نصحها ، فطالعته هى ببساطةٍ وقال  تصارحه:



_مينفعش اسيبك في الوقت ده ، كنت بحاول أساعدك ، ولازم انت كمان تساعد نفسك بإنك تتحكم في نفسك عن كدة ، مش بقول كدة عشان زعلانة بس بقول مستقبلاً ، بعدين ممكن تيجي فيا أو في ولادنا ، و مكنتش أتوقع انك عصبي بالشكل ده!!



مازحته فابتسم يوافق بداية حديثها ولم يرد هذه المرة إلا بسؤالٍ آخر بعد دقائق حينما أصبحا على الأريكة في الخارج:




        
          
                
_اومال تليفونك فين؟ ، سألتك مكنتيش بتردي عليه لية ومردتيش لحد دلوقتي!



لم يغيب عن باله هذا ، ولاحظ بأنها تبعده عن هذا المحور ، فهربت من عينيه وقالت كاذبة:



_أصل سيبته في البيت!



عقد حاجبية في استنكارٍ وكرر  متسائلاً :



_ ومكنتيش بتردي ليه برضه لما كان موجود في البيت؟!



حاصرها بهذا السؤال ، فكادت أن تنهض ولكنه مرة أخرى يمسك مرفقها برفقٍ وابتسم يحثها بهدوءٍ تعجبته:



_عايز افهم لما أكون بكلمك بتحبي  بتمشي وتسيبيني ليه؟ ، على فكرة الحركة دي بتدايق لو تاخدي بالك!



تعجبت لأنه يبتسم الآن مع هذه الكلمات ، فنظرت ناحيته وردت تبرر :



_مش قصدي اسيبك وامشي!



هذه العلاقة تحديداً تحاول هى ان تقدم بها كل شىء ولكنها بسيطة تستدعي البساطة في كل شىء وتبرر وتوضح دائماً ، تخاف وتهاب فهمها خطأ ، ومن بين الأمور المختلفة علم أنها لا تعافر لرسم شخصيتها عليه بفرضٍة وقوة!! ،أحياناً هذا قبال رجل يجعله يضمن كل شىء ،. بينما لديه هو توقف ينظر ناحيتها بشرود آخر وعلم أن سهل كسر فتاة مثلها .



فخرج من شروده هذا وتحدث بلينٍ:



_أنا مبحبش الكدب يا '"فرح "، متكدبيش عليا



هروبها منه بهذا الشكل من عينيه جعله يشك بها وبإحتمالية كذب كلماتها ، رفضت برأسها وعجزت عن تفسير أي شيء فخمن ما يمكن أن يكون قد حدث ولا تريد هى قوله:



_طب قوليلي ، هو ضايع  منك مثلاً ومش عايزة تقوليلي ؟؟؟!



ضغطه الخبيث عليها جعلها تنظر ناحيته وردت في تحشرجٍ رغماً عنها ناحيته:



_لأ!



_أومال؟



استدعى الصبر معها حتى نظرت له وصرّحت بما لم ترض مصارحته به:



_هو..هو وقع مني بليل وجاب شاشة ومبقتش اشوف منه حاجة ، حاولت افتح أرد بس اللمس باظ ، كنت زعلانة ومعيطة عشانه لإن  عز اللي كان جايبهولي ، ساعتها معرفتش أرد عليك من تليفون ماما وأنا صوتي كدة عشان متعرفش ، بس هي قالتلي أقولك وأنا قولتلها لا !



خافت أن يفهمها بالخطأ أو بالطمع حتى تخلق أي خدعة كي تضعه بموقف يتصرف هو به لها ، ولكنها رفضت هذا على الرغم من ان والدتها أيدت ذلك ، لم ترض وضعه بهذا الموقف ولكنه من ضغط عليها الآن حتى تخرج ما بداخلها!!



فهم لمَ هربت منه وعقب ما انتهت سألها باستنكارٍ:



_ومسمعتيش كلام مامتك ليه ؟ وبعدين هو في حد يعيط على تليفون ؟؟




        
          
                
لامها بذلك واعتقد ان كل البكاء في البداية كان على حال شقيقها ، بينما كانت هى تفضي شىء بشىء آخر بقلة حيلة ، رفضت برأسها فعاد يتحدث برفقٍ :



_فداكِ أي حاجة يا "فرح" ، فداكِ الدنيا بحالها!



أسعدتها هذه الكلمات التي ابتسمت له حينها بتأثر فيما استرسل هو:



_أنا لو مكنتش هعرف الموضوع ده كان هيبقى زعلي منك أضعاف ما أنا زعلان دلوقتي عشان كنتي عايزة تخبي عني ، الموضوع كله مش مستاهل كل ده وكمان انتِ مراتي يعني ، يعني "عز" ملوش دعوة بأي حاجة انتِ محتاجاها ولو انتِ بتعتبري المسئولية دي من بداية وجودنا مع بعض في بيت واحد فأحب أقولك اننا بنعتبرها من كتب الكتاب .



حاولت الرفض ما ان شعرت بما سيردده ولكنه أوقفها بحديثه هو حينما عاد يتابع ما ردده:



_خليكي معايا ثانية وراجعلك!



نهض يدخل غرفته فنظرت هى بإستفهامٍ وشعرت به يعود بعد لحظات ، حتي عاد يجلس واقترب يمد كفه بهاتف آخر:



_امسكي خلي ده معاكِ اليومين دول وحطي فيه خطك ، ده بتاعي القديم بس هو كويس عليه بس أرقام شغل وحاجات مش بفتحها ألا فين وفين ، فخليه معاكِ لحد ما أتصرف ومتعرفيش عز حاجة عن موضوع تليفونك ده!



قاطعته توضح له الأمر قائلة:



_بسام .. انا مكنتش عايزة أقولك عشـ..



_امسكي يا "فرح" واسمعي الكلام متخلنيش أتعصب تاني بقا، الله!!



دفع كلماته هذه بحزمٍ زائف حتى تهاب ، وفعلت ذلك ما ان انتشلت منه الهاتف فضحك بخفةٍ وقال بمشاكسةٍ:



_انتِ شكلك مبتجيش الا بالعين الحمرا



ضحكت "فرح" بخفة وسرعان ما ابتسمت بسعادةٍ ما ان وجدته يكمل بهيامٍ :



_مع ان عينك حلوة!



رمشت بأهدابها وعادت تنظر ناحية الهاتف بتأثرٍ. من فعلته هذه فإقترب يقبل قمة رأسها برفقٍ وخرجت نبرته الهادئة ناحيتها:



_انتٓ غالية يا "فرح" ومينفعش غالي يزعل نفسه عشان حاجة رخيصة بتروح وتيجي ويطلع غيرها وتقدم ويجي الجديد ، كل ده أي كلام وبعدين أحسن انها جت في كدة بدل ما تكون جت فيكي انتِ ، متزعليش نفسك على حاجة متستاهلش!



رفعت عينيها تنظر له بمشاعر مختلطه ، وتلقائياً مدت ذراعها تحاوط ظهره حتى استندت على كتفه براحةٍ ، ليس السبب هذا الأمر بل لأن وجوده معها يعادل الكثير فلم تتردد لحظة واحدة في قول الآتي:



_انت حلو اوي يا بسام ، ربنا يخليك ليا 



لم يتركها تسترسل بل ضحك من عدم قدرتها على ترتيب الكلمات وعفويتها الزائدة وسألها بنبرة ضاحكة:




        
          
                
_يعني أنا حلو فعلاً ولا كل اللي بيقولوا بتوع كلام؟؟



سألها بمشاكسةٍ ولم يدرك أنه لعب على نقطة خرجت منها مثلما اندفعت تردد بتعجب وشعور الغيرة  ينمو بداخلها اتجاهه:



_ومين دول اللي بيقولولك انك حلو؟؟



طالع عينيها بعذابٍ في داخله لم يظهر ، يرى حتى حبها له ولم تعترف إلى الآن ، ابتلع ريقها وتعلقت عينيه بعينيها وهو يجاوبها:



_فرح ، وجت جمع عشان هى بكل ناسي!



ابتسمت بخجلٍ وهى تطالع عينيه ، حتى مدت أناملها تضغط على اللاصق بخفةٍ ،فنظر ناحية غرفة شقيقته ولم يقرر الدخول لها كي لا تتعطل  على الرغم من انه يعلم ضيقها من كمية الأحداث التي تحدث وهي بضغطٍ لا يتحمل شىء فوقه .



خرج "حامد" من غرفته وطالعهما وهما كذلك مندمجان مع بعضهما ، فجلس على مقعدٍ دون ان يلاحظه أحد وأمسك المصحف يقرأ به ولم يلبث  كثيراً حتى جاءت "دلال" تقف متصنعة مسح المقعد وهي ترمي بحديثٍ ناحيته قبال متابعة "فرح" و"بسام" بتسليةٍ :



_جرا ايه يا بسام ،  يعني تبقى راجل صوتك قد كدة على مراتك وشايفها متعفرته ومجنونة وسايبها تتكلم ومش معبرها وتبقى فاتح كتاب ربنا كدة ، طب في ايه وايه والنبي!!!



كبتت "فرح" ضحكتها فيما زفر "حامد " يخفي بسمته وهو يكمل قراءة بينما هتف "بسام " يجاريها:



_أنا آسف ، بس والله ما عملت حاجة ، ما أنا في حالي أهو!



_حالك اه ، ما هو اللي يعصب انك في حالك ومش عايز حد يتدخل فيه حتى لو كان واحد رايح جاي يقول يا شر اشتر ، وناسي انك راجل كبير مش حمل مصيبة من اللي بتحصل تاني!!



نظر "بسام " ناحيتها بإستنكارٍ ورد في محاصرة لها:



_راجل كبير إزاي ؟ ، ده أنا لسه متجوزتش حرام عليكي!!



_وكما ليك عين تقول ما اتجوزتش وانت هتبقى جد قريب يا راجل يا مفتري؟؟ ، أومال ولادك وبنتك اللي جوه دي ايه ؟؟ ، صحيح رجالة آخر زمن عينيهم فارغة!!!



اندفعت بهذه الكلمات ناحية "حامد " رداً على كلمات "بسام " الذي ضحك بقوةٍ على حديثها ، حتى رفع "حامد" رأسه يواجهها بسخرية:



_مبسوطة كدة ؟؟، تخلي الهايف ده يضحك عليكِ كدة؟؟؟



أشار "بسام" لوالده على ذاته بضحكٍ وهو يضرب كفيه معاً مع ضحك "فرح" وهي تتابع كلماتها:



_أصل انت يهمك أوي شكلي قدام عاقل أو هايف!



أخذها على حجم عقلها الصغير وابتسم في حنوٍ مردداً:



_آه يهمني ، انتِ تهميني يا أم غسان!



حاولت أن لا تضحك والتزمت الصرامة فخرجت ابتسامتها الخجولة الذي  نظر ناحيتها "بسام" ، فيما خرج أسفها وهي تجلس جواره :




        
          
                
_طب متزعلش مني ، انا عليت صوتي عليك برضك ومكنش يصح كده ، بس انت برضه بتعصبني وتزعق فيا وأنا يا خويا مبحبش كدة وانت عارف!!



ظهر حنقها بآخر حديثها فأغلق المصحف وهو يضحك وعلم أنها تشعر بالذنب ، فراضاها بقبلة على قمة رأسها مردداً هو الآخر:



_خلاص ، مش زعلان وانتِ كمان متزعليش حقك عليا!



نظرت "فرح" في سعادةٍ وهي تتابع خصال "حامد". الجيدة الذي أخذ منها "بسام" ، وضحكت ما ان نهض "بسام" يسحب يديها ناحية الشرفة وحثها قائلاً بمرحٍ:



_قومي معايا البلكونة بقا ، قبل ما يحصل جديد!



ضحكت وهي تدخل معه ، فيما نظرت ناحيته "دلال" بمتابعةٍ وربتت على كفه بجديةٍ تبرر له أمرها:



_أنا أم يا حامد ، أم وأقل حق ليا أخاف على عيالي حتى لو بقوا رجالة كبار مسؤولين فأنا هفضل شايفاهم صغيرين يتخاف عليهم!



حاوط كتفيها برفقٍ وربت عليه يطمئنها بعدما استندت عليه براحةٍ :



_متخافيش يا "دلال" ، هما في حفظ ربنا واللي فى حفظ ربنا  ميتخافش عليه ،  ارتاحي انتِ وفكري بعقلك قبل قلبك!



استمعت إلى كلماته بإنصاتٍ ، فيما ربت هو على كتفها بحنانٍ حتى سمعا صوت باب الغرفة التي نظرت من على اعتابه "وسام" والتي قالت بتهكم خارجي وسعادة من الداخل:



_ألف بركة ، دا انتوا كنتوا هتطلعوا المطاوي لبعض من شوية!



ضحك "حامد" و"دلال" فيما لم تستطع هى المقاومة فركضت تجلس بينهما بالإجبار واستندت على كتف والدها حتى تكيد والدتها ولكنها لم تحدث هذه المرة بل من استندت عليها بحبٍ كانت "دلال" والتي مررت كفها على خصلاتها بحنانٍ وأخبرتها بحنق زائف :



_رخمة زي اخوكي غسان بالظبط!



قصدت تجرأها بينهما وقطع لحظاتهما معاً ، فضحك "حامد" بصوت عالٍ ما ان همست له "وسام" قائلة :



_ واخد بالك يا بوب ؟ دا أنا وغسان لكن "بسام" دا عندها محطوط في محمية ، في الحتة الشمال!!



ضحكت عليها "والدتها" فيما همس لها "حامد" بمزاحٍ يبادلها مزاحها:



_سيبك انتِ ، المهم انك انتِ اللي محطوطة في محمية عندي!



ربط ذراعيه خلف ظهرها مشاكساً اياها حتى ضحكت بسعادةٍ بالغة سعدت منها "دلال" وهي تنظر ناحيتها بذلك..



مراقبة المشهد من الخلف  كان من "فرح" التي لمعت عينيها تأثراً ، قد افتقدت هذه اللحظات كثيراً ، لم تجربها ولو مرة واحدة ، حاولت على أن لا تسقط دمعتها بتأثرٍ ولكنها تفاجأت به يدفعها داخل أحضانه في خفةٍ متفهماً الموقف جيداّ ، حينها ابتسمت وفهمت ما فعله بتصرفٍ سريع قبل ان تهبط منها دموعها، فلم تتردد في ربط ذراعيها خلف ظهره وأغمضت عينيها تحاول تخيل نفس اللحظة مع والدها التي لم تعي عليه بعقلٍ بفهم انه سندها وأول من ستركض عليه ، ضمها برفقٍ فإستندت على كتفه تحاول منع الدموع وخرج صوتها المهتز المنخفض بجانب أذنه وهي تستند على كتفه:




        
          
                
_أنا بحمد ربنا كل يوم عشان انت في حياتي ، وفرحانة عشان ربنا جعل ليا نصيب أدخل وسط عيلة زي عيلتكم ، ياريت نقدر نعمل زيها في المستقبل!



الكل يتمنى عائلة مثل عائلة رب أسرتها هو "حامد" ، ابتسم بمشاعر عدة وقال بأملٍ وحلم يتمناه بالفعل لطالما قدوته هى عائلته الصغيرة هذه حتى وان كان بها من العقبات ما يكفي:



_ان شاء الله ، ان شاء الله هنقدر يا "فرح"!



________________



مشاعر عديدة لأول مرة تداهمه وسأل متى كان مهتزاً هكذا أم ان خوفها قبل أن تدخل حرك به شىء من الداخل ، جلس ينتظر خروجها وعقله لا يغيب عن ما كان قبل ذلك قبل قليلٍ.. حينما كانت تقف بنفس المكان الذي  يجلس هو به وقبل ان تدخل تمسكت بيديه بكف والكف الآخر وضعته على صغارها ولمعت عينيه وهى تسأله:



_ مش هتمشي؟



رفض "غسان" ذلك ورد بصدقٍ محتوياً كفها البارد:



_مش هسيبك!



لم يتوقع بأن ضغطها من كل شىء حتى من الحمل ومشاعره سيجعلها تذرف الدموع هكذا  فجأة وسألته بتشتتٍ متعجبة من ذاتها بأنها جاءت هنا من قبل كثيراً فلما كل ذلك.



_هو أنا ليه خايفة كدة؟؟



مسح دموعها برفقٍ وسحبها لتجلس كي تهدأ أولاً وصارحها بهدوءٍ :



_اهدي ومتعيطيش ، انتِ لو خايفة ومتفاجئة فـ ده عشان أول مرة تيجي هنا وانتِ حاسة بالمسئولية ، بس متحمليش نفسك فوق طاقتها يا نيروز ، لو مش جاهزه دلوقتي حالاً مش لازم ، وتعالي نمشي لحد ما تهدي!



عرض عليها ذلك كي يرضيها ويرضي نفسه ، رفضت برأسها بلهفةٍ وصرّحت له :



_لا ، لا أنا هكمل ،. أنا عايزة أكون كويسة عشان ولادي يا غسان !!



مسحت دموعها تقاوم مشاعرها المتضطربة هذه فيما أشفق هو على ما تمر به ، اقتربت تدخل بين ذراعيه تطمئنه بهذا العناق ، فإحتضنها برفقٍ ملقياً عليها كلماته الدافئة :



_ أنا عارف انك قدها وقوية يا نيروز ، واثق فيكِ ومش عايزك تخافي ، أنا جنبك في كل الحالات وعمري ما هتخلى عنك!



ثم حثها  يشجعها وهو يمسح وجهها بلهفةٍ :



_اجمدي عشان أنا بقوى بيكي!



وافقت ، وظلت حتى شعرت بالسكينة من جديد فحاولت النهوض حتى نهض معها وقفت تنظر نحو الباب من على بُعدٍ وابتلعت ريقها تنظرله بوداعٍ مؤقت حتى تركت كفه وسألته برهبةٍ يتألم هو منها كلما تردد له ذلك :



_أنا مش مجنونة يا غسان صح؟



حرك رأسه فنظرت بإطمئنانٍ وكأن حالتها تتوقف على اجابته كي تهدأ ، أشارت له حتى تحركت من أمامه فبقى حينها ينتظر دخولها حتى دخلت فعاد يجلس من جديد..




        
          
                
..«والآن» يجلس منذ وقت ينتظر بتوترٍ لها ولم يتوقع أن هذه اللحظات ما قبل الدخول صعبة إلى هذه الدرجة!! ، يطالع الباب بترقبٍ ما بين الوقت والآخر ، وضايفته عاملة بالمكان باعتباره ضيف يهم الطبيب نفسه , أخذ "غسان" أنفاسه بهدوء واعتدل حتى يخرج هاتفه الذي اعتلى صوته ، فوجده "شادي" الذي يطلبه ليطمئن عليه .



ابتسم رغم مشاعره المتضاربة هذه ، ولن يتعجب من هذا الأهر، فصديقه هذا يجده بطريقة كلما تشتد عليه العقبات ، ضغط وأجاب ورد وكالعادة بدأت المكالمة من الطرف الآخر بمزاحٍ وقد سبه للتو لانشغاله عنه في الفترة الآخيرة، ومن بين الكلمات ينظر مابين الحين والآخر ناحية الباب ثم ساعة معصمه ، متوقعاً خوفها في الداخل  بدونه ، وخوفها من الخطوة من الأساس وهي تحمل صغارها!



بينما في الداخل ظلت ساكنة ترد وتتحدث دون ثرثرةٍ وعندما توقف الحديث ظلت تنظر ناحيته بصمتٍ وهو يطالع تعابيرها حتى يستشف محاولاً تحديد حالتها المستجدة هذه بعد تطور يريد أن يفهم ان كان سلبي ام ايجابي!!



_ مش حاسة انك خايفة أوي عن ما كنتي بتيجي الأول ؟ دا مدايقك مثلاً ولا عادي مش مركزه أوي فيه؟



حاول سحب وجهة نظرها التي ستحدد اقبالها على التعافي من جديد ، لذا نجح ببراعة لاقت بعمله حينما حاولت أخذ أنفاسها فأشار لها بإسناد ظهرها أكثر على المقعد مقدراً حملها وحالتها ، فإستندت بحرجٍ وأغمضت عينيها لثوانٍ ثم فتحتها وردت تحاول ان تجمع الكلمات بعقلها أمامه:



_ الأول كنت بخاف عشان كان معروف عني هناك اني كنت بتعالج وكان طالع عليا اني مجنونة لحد ما اتعقدت من الكلمة نفسها ، في كل مرة باجي هنا بفتكر الكلمة دي ونظرات الناس ليا ، كنت عارفه ان طول ما أنا بخاف من الكلمة هيبقي وارد ارجع هنا تاني بس حياتي اتلخبطت وحصلي حاجات كتير توهتني عن  كل حاجة و..



توقفت عن الحديث حينما سالت منها دموعها تتذكر حالتها بعد أزمة وفاة والدها وصرّحت بما لم تصرح به من قبل:



_ولولا وجود "غسان" معايا في كل ده أنا كان زماني رجعت لحالتي القديمة تاني ، كان زماني إتدمرت ، وجوده مهم عندي ومن غيره  بحس اني مش قادرة أتصرف زي ما بكون معاه، أنا  مش بتظاهر بالقوة وأنا معاه أنا بكون فعلاً قوية وبكون من غيره ضعيفة ، بس حتى لو بحبه بزعل أن دايماً حياتي متعلقة بحد  بحبه عشان كدة بخاف يسيبني  ومكنتش متوقعة انه يحصل طلاق زي ما قولت بس انا ضمنته وهو خلف بكل اللي في دماغي وسابني فترة عرفت فيها ان أنا اللي عندي خوف من الفقد ، ورهبة من من الخسارة ، وقتها حسيت ان بعدنا ده عالجني ومن بعدها بقبت أفكر وأحسب لكل حاجة قبل ما تحصل مش عشان خايفة بس عشان بحبه ومش عايزة  أخسره!.



هتفت بهذه الكلمات وهي تمسح وجهها بالمنشفة الورقية ، فيما تابعها هو بتمعنٍ واسترسلت بعد ذلك تجيب على سؤاله بعد كل ذلك:




        
          
                
_دلوقتي أه مش مركزة بس واخده بالي ان خوفي اتغير ، واني جيت وأنا خايفة بس مش من حد ولا من نظرة الناس، جيت عشان خايفة على ولادي وعليا وعلى جوزي ، ولادي يستحقوا أحاول عشانهم حتى لو كل حاجة صعبة ، وأنا كمان نفسي تستحق زي ما "غسان" يستاهل ، يستاهل ميتوجعش أكتر من كدة عليا وعلى ولاده!



رُبما منذ ان بدأ وهو يريد هذه الإجابة ابتسم يشجعها بعينيه فتنهدت تخرج أنفاسها قبال كلماته هو :



_تعرفي ان تفكيرك اتغير كتير عن الأول؟ وان كلامك ده كفيل يخليكي تعدي الفترة دي بسهولة من غير ضغط؟



وجدت تحفيز وأمل في حديثه فإبتسمت ابتسامة صغيرة فيما قال هو من جديد:



_الإنسان عشان يقدر لازم يكون عنده طاقة وعزيمة ، ودول بيختلفوا درجاتهم من شخص للتاني ، وبتختلف درجاتهم عند نفس الشخص  مع الحالة اللي بيكون فيها والظرف والناس اللي حواليه ، الجماعة ليها دور مهم جداً في ان الواحد يا يتقدم يا يتأخر ، أنا مدرك انك متأخرتيش ، بس في الأول فضلتي ثابتة مكانك لحد ما اللي حوليكي فهموا إنك كدة اصلاً لكن دلوقتي أنا شايف في تقدم وعارف انك هتقدري!



نظرت ناحيته في إنصاتٍ وابتلعت ريقها تتابعه حتى انتهى من ذلك فإبتسم متفهماً تعبها ، حالتها  لم تستطع تحمل الوقت المفروض بسبب حملها ، لذا تحركت ما ان قال هو ينهي هذا بـ:



_كفاية كده النهاردة عشان شكلك تعبتي ، ومش هكتبلك على علاج طالما حالتك حالياً مستقرة شوية .



حركت "نيروز" رأسها ناحيته وأومأت ، فنهضت هى بحرجٍ ما ان قال:



_مع السلامة ، خدي بالك من صحتك ونفسيتك وعند أول فرصة تيجي قدامك فيها حتى حد بيتناقش مع التاني ابعدي بعيد عنهم منعاً للتزتر وكتم الطاقة السلبية جواكِ زي ما قولتلك ، متنسيش..وألف سلامة.



اتسعت ابتسامتها نشكره هي ترتدي حقيبتها:



_شكراً لحضرتك.



كان هذا آخر ما نطقت به ، حينها فُتح لها الباب ونظرت بلهفةٍ حتى أسرعت بخطواتها بعدما وقف يتقدم منها ، ابتسمت وهى تطالع وجهه وعانقته سريعاً على الفور دون أي مقدمات ، بهذه اللحظة لم يتعمد سؤالها ونظر ناحية الباب فوجد الطبيب يشير له مقررا اخباره فيما بعد دون كشف ما لا تريد كشفه..



اعتدلت هى بعد ذلك وأخبرته قائلة:



_مش عارفة أنا عملت ايه أو هعمل ايه لسه ، بس كل اللي عايزة أقوله اني مطمنة عشان انت معايا!



ابتسم "غسان" ورافقها نحو الخارج بسعادة من حالتها هذه حينها وجد نفسه يردد بتأثر ناحيتها:



_فخور بيكِ يا أم العيال!



ورغم تأثره ولكنها ضحكت بخفةٍ على قوله وهبطا معاً حتى أصبحا أمام السيارة ، ركبت بمساعدته واستدار يركب هو الآخر فوجدها تتمسك بهاتفها وأخبرته وهي تشير له بأخذ صورة معاً :




        
          
                
_تعالى عشان اللحظة دي عمري ما هنساها !



مال مقترباً منها فإقتربت ترفع كفها تأخذ الصورة بابتسامةٍ متسعة فضغط بخفةٍ على زر الفيديو حتى تفاجأت وضحكت وتمسكت بهاتف حتى عدله ناحيته وبدأ يتحدث بتلقائية وصدقٍ:



_النهاردة يوم التلات ، كنت عايز أقول اني فخور بيها أوي ومش فخور بيها في يوم التلات بس ، لا دا أنا فخور بيها سبت وحد واتنين وتلات وأربع وخميس وجمعة.



توقف ما ان سمع ضحكتها بعلوٍ فضحك ولم يستطع ان يكمل بسبب ضحكهما معاً واقتربت هىٰ تقبل وجنتيه بسعادةٍ رداً عليه والتقطت بعد ذلك الصور حينها تولت دوره بقولها :



_سيبني اقولك الست قالت ايه واسمعني .



نظر بإستنكارٍ وحينها كانت تطالع عدستيه وأكملت بصدقٍ:



_ابتديت دلوقتي بس أحب عمري ، ابتديت دلوقتي أخاف للعمر يجري!



غمزها بإعجابٍ ودار محرك السيارة وهو يردد بضحكٍ ولم يليق  به الاستسلام إلا أمام عسليتيها :



_مع انه عيب في حق ابن البدري ، بس ثبتيني!



لم يكمل الكلمات إلا وقد وجدها تفتح "المشبك" لتتناول منه ، ضحك خلسةٍ من اندماجها وتحولها السريع واستمر في القيادة وتركها تأكل كما تشاء فلم يخلو العبث والمشاكسة من حديثه ما ان قال دون النظر ناحيتها:



_اللي بياكل لوحده بيزور على فكرة!



طالعته "نيروز" مستنكرة وجاء. ردها الجاهز التي نطقت به:



_أنا مباكلش لوحدي ،أنا باكل ليا ولاتنين كمان!!



غضحك  هو محركاً رأسه بإقتناعٍ وهتف بمرحٍ:



_في دي عندك حق ،انتِ صح علطول قدامي .



طالع عينيها بعد ذلك وأكمل حتى جعلها تتعلق بعينيه وهي تمضع ما بفمها و دمرت اللحظة:



_عمرك ما بتغلطي.



فقوست حاجبيها تسأله بإندفاعٍ :



_بتتريق يا "غسان"؟؟؟



نفي محركاً رأسه  ونظر ناحية الطريق فيما ضحكت هى بإستسلامٍ وتركت العلبة حتى تقدمت تطعمه قطعة صغيرة كي لا  تتلطخ يديه وهو يقود فأخذها منها وضحك ما ان قال بسخريةٍ:



_ كل دي ، دي كبيرة أوي عليا !!!



جارته ونظرت بغيظٍ لسخريته فوكزته قائلة وهي تتلمس معدتها:



_معلش ، لما تاكل انت كمان لتلاته هراضيك..



حينها غمزها بمرح ورد في عبثٍ  متلمساً رأسه :



_لا أنا مباكلش لتلاتة ، أنا ممكن أحب تلاته أبوس تلاتة أحضن تلاتـة ، اتجـ..



_تتـ ..ايه يا عينيا؟؟؟




        
          
                
رددتها في صدمةٍ حينما اقتنعت في البداية انها المقصودة هى وصغارها وعند حروفه الأخيرة التي قطعتها اعتقدته يردد كلمة زواج ، فلعب هو على ذلك بتسليةٍ وضحك يبرر ببراءةٍ زائفة:



_أتـجمـع مع تلاتة ،  انتِ ..ولادي ..كدة يعني ، أومال انتِ فاكرة ايه ؟؟ 



رفعت "نيروز" حاجببها بإستنكارٍ وتجاهلته عن قصدٍ ما ان نظرت تخفي ضحكتها وهي تنظر تجاه الشرفة ، بينما هو لم يشعر براحة مثل الآن حينما تخطى أصعب ما كان يعتقد بأنه أصعب شىء!!، 



لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيه ما ان وجدها مندمجة في النظر نحو سيارة جوارهم يقود بها شاب وعلى ساقيه صغيرة الذي يجلس ببراءةٍ مما وضحت الصورة بأنه ولده وبالمقعد الآخر زوجته التي ابتسمت ببشاشةٍ لـ "نيروز" وكأنها قاربت على. فهم مشاعرها هذه ،. التفتت بتلقائيةٍ ناحيته فوجدته ينظر في المرآه التي بجانبها مبتسماً وعاد ينظر ناحيتها  بحب وإنتظار، النظرة التي كانت  بعدستيهما معاً كانت تمني وانتظار بفارغ الصبر حتى تأتي صغارهما كذلك  حينها لن تترك ساقها فارغة ، سيصبح توأم على ساقه وتوأم آخر على ساقها هىٰ ، لحظتهما الأكثر عدداً ورُبما الأكثر حباً وانتماءً وتعلقاً!!



________________



ساعات مرت وهما على وضعهما هكذا في الداخل ،. من كثرة نومه براحةٍ وجارها لم يشعر بها من فترة شعرت بأن به شىء  ، لأكثر من مرة تتأكد من انتظام أنفاسه بخوفٍ ، ضمته كثيراً كي يطمئن وقرأت عليه آيات من القرآن الكريم ، وهي تبكي لأجله ، لم تفكر ولو ثانية واحد بتركه والنهوض من على الفراش الا عندما دقت "والدتها" الغرفة ، فحاولت النهوض وعدلت ناحيته الغطاء ، ووقفت تعدل هيأتها المبعثره من النوم طوال هذه الفترة ، ودار رأسها من كثرة  الجلوس فترة أو لربما هى هكذا قبل فترة 



مدت "جميلة" يديها تفتح الباب فوجدت "عايدة" تنظر ناحيتها بلهفةٍ وسألتها بعدما خرجت وأغلقت الباب خلفها :



_انتوا كويسين يا حببتي ،. عز كويس ؟ ، مش طالعلكم صوت وقلقت عليكم أنا وحازم ، وفرح قاعدة بره مع بسام مستنية تشوفك!



نفت بداية قول والدتها وجاء شقيقها يقف جوار والدته ما ان سقطت دمعة "جميلة" وهي تصارح والدتها بردها على سؤالها:



_لا ياماما  ، عز مش كويس خالص ،أنا شكلي همشي معاه!



نظرت ناحية"حازم " بقلقٍ منه ومن قراره ، ثم تمسكت بكفه تبرر له الأمر:



_عز حالته صعبة اوي يا حازم ، سيبني أروح معاه ، ميفعش اسيبه كدة حتى ولو كنت زعلانة منه.



وقف ينظر ناحية تعابيرها المنهكة فلم يرض الضغط وقال رغم عد م رضاه من الداخل:



_دا قرارك يا جميلة وانتِ حرة فيه ، أنا لو قولتلك اني مش هوافقه أول مرة هيجي يقولي انا عايزها كنت بقول على أساس انه هيرجع عادي لكن أنا معرفش ايه فيه مخليه بالشكل ده!!




        
          
                
ابتلع ريقه بمسح على وجهها من هذا الإرهاق الشديد الذي شعر بالقلق منه ، فأخبرها :



_قبل أي حاجة دلوقتي ادخلي البسي حاجة عليكي عشان تروحي الحمام تغسلي وشك ده!



وافقته والدتها ، فوافقت "جميلة" والتي التفتت تفتح باب الغرفة فوجده يزيح الغطاء من عليه في الداخل وهو يجلس على طرف الفراش ، مسك رأسه في تعبٍ ورفعها بسرعة ما ان سمع صوت اغلاق الباب ، نظر في شاشة هاتفه ونهض يسألها بإهتزازٍ:



_هو أنا…أنا نمت كل ده؟؟



رفعت "جميلة" عينيها ناحيته ولم تستطع اخراج الحديث فحركت رأسها بتعبٍ وهي تفتح الخزانة بحثاً عن عباءتها السوداء ، تعجب من عدم توازنها فإقترب يقف خلفها بقلقٍ وأراد مساعدتها فقال :



_بتدوري على ايه وأساعدك ، شكلك  تعبــ…



وقبل أن يكمل الكلمات وقعت فحلقها بين ذراعيه بسرعة صارخاً بها بخوفٍ جعل الكل في الخارج يركض ناحية الغرفة :



_جــــمـــيــلة!!!!



ركض "حازم" بسرعة متوقعاً ما حدث وما كان يخاف حدوثه و ركض مع "ياسمين" و"فرح" ووقف "بسام" مندفعاً ولم يستطع الدخول في الغرفة ، ولكنه سمع صوت بكاء والدتها وهي تهرول ناحيتها بعدما حملها "عز":



_بنتي!!!!



أسندها "حازم" معه على الفراش وخرجت نبرته المختنقة ما ان ضرب وجنتيها بخوفٍ يحثها :



_جميلة.. فوقي ، ردي عليا!!



ركضت "فرح" تفعل إسعافات أولية وهي تدفعهم عنها ودلكت يديها بعدما التقطت زجاجة المياة ، ولكنها حثت "ياسمين" بوضع "خمار" عليها  حتى تنادي "بسام" الذي يفهم عنها أكثر.. خرجت مسرعة تردد في خوف له :



_بسام ، روح هات شنطتك بسرعة وتعالي !



هرول ناحية الخارج ، فيما دخلت هى تنظر لدموع "عز" التي هبطت منه وهو يمسك كلا كفيها مردداً بترجي:



_ردي عليا يا جميلة عشان خاطري ، فتحي عينيكي، أنا مش حمل ضربات تاني والله العظيم!!



بكي وهو يضرب وجنيتها بخفةٍ فيما دلك لها "حازم" ساقيها بخوفٍ تزامناً مع خوف "عايدة"و"ياسمين" ، فيما ضربت الأولى صدرها تخبرهم:



_البت وشها أصفر  ، بنتي هتروح مني!!!



جلست تحركها فيما أبعدتها "فرح"  بسبب التنفس حتى عاد"بسام" بسرعة ووقف والديه في الخارج  ودخل بعدما  أسرع "حازم" يشير له ، فخرج الجميع من الغرفة عدا "عز" وحازم ، وفرح التي أغلقت الباب واقتربت مسرعة تساعد "بسام" بخوفٍ والذي وضع السامعات سريعاً ونثر أمام وجهها شىءٍ فوضع لها إبرة بذراعها ووجد أعراض قد شك بها حينما إعتدل بعدما زفر أنفاسه حينما وجدها تفتح عينيها بتشوشٍ ، اعتدل فيما وقف " حازم" يسأله مع "عز"بلهفةٍ كبرى دون الإنتباه بإفاقتها :-




        
          
                
_مالها يا بسام ، جرالها ايه ؟؟؟



سأله الإثنان ، فإعتدل يعدل  من وضع ذراعها محلول وهتف تزامناً مع فتح الباب بواسطة "فرح" لـ "عايدة" التي بكت بخوفٍ في هذه اللحظات الصغيرة :



_مش عارف أقولك ايه يا "عز"، دي أعراض تعب وإجهاد يا إما مراتك حامل ، لازم تروح تكشف  عشان تتأكد ، لإني أشك أن دي أعراض حمل !!



هتف بشكه ذلك ، فوقف "عز" في صدمة حتى رمش عدة مرات ، فكيف الكشف كذلك بهذا الخبر ، الآخر لديه خبره على الرغم من انه ليس تخصصه ولكنه درسه ، فور استماع "ياسمين" لذلك ركضت سريعاً ناحية المرحاض التي فعلت به قبل عدة أشهر اختبار حملها ، كانت تضع هناك واحد آخر ، قررت الاحتفاظ به ، أخذته منتظرة نهوض "جميلة" بلهفةٍ ،فيما تبدلت ملامح"عايدة" لغير التصديق حتى هرولت تجلس فوق رأس والدتها 



بينما هو وقف هكذا بغير تصديق وسأله بعدم استيعاب:



_حامل؟!!



_والله ممكن مش عايزك تتعشم ، أنا دكتور بس مش شطور!



مازحه بذلك مخففاً عنه الأمر فتاه بين الكلمات ، ونظر ناحيتها فوجدها تنظر بتعبٍ حينها استمعت وتلهفت ملامحها ولكنها لم تكن قادرة على قول شىء ، تركهم واقترب يجلس  جوارها في خوفٍ وكأنه لا يعي ، فيما قرر الجميع تركه فخرج الكل عدا "حازم" و"عز" ، الذي اقترب يمسح  على خصلاتها بعدما خلعت الخمار عنها بمساعدة "حازم" الذي سألها بحنوٍ:



_بقى تعملي فينا كدة وتقلبي الدنيا كدة؟



ابتسمت وفقط ، حتى طالعت وجه "عز" وهي تضع كفها على وجهها تمنع دموعها من السقوط وسألت بتعبٍ:



_هو ..هو بسام كلامه صح؟ ، كلامه صح يا عز؟



تخبطت مشاعره حينما تمسك بكفها يعلن جهله وخوفه بآنٍ واحد:



_مش عارف!!



دخلت "عايدة" الغرفة بكوب عصير من أجلها وجلست جوارها حتى تجعلها تتجرع منه ، فجلست "جميلة" بمساندة "عز و"حازم " ،فأشارت "عايدة " لـ "حازم ", بعينيها حتى أخذ "عز", وخرج , فتجرعت "جميلة", من الكوب ومسحت عايدة وجهها تخبرها بيقينٍ:



_أنا بقى واثقة انك حامل مش حاسة ولا شاكه ،  اللي فيكي ده من زمان يقلب أمك وانتِ شكلك عامل كدة ، ارتاحي ، اشربي وارتاحي على ما ياسمين تيجي.



نظرت ناحيتها بلهفةٍ مماثلة للهفة والدتها وسألتها بنفس اللهفة:



_بجد يا ماما؟؟؟



أكدت لها بثقة سيدة في عمرها تلاحظ قبل فترة وتكذب ذاتها معتقدة بأن ابنتها منتبهة وان كان حدث لأخبرتها ولكنها لم تكن كذلك أبداً ، دخلت "ياسمين" سريعاً فنظرت "عايدة" عليها ما ان كانت تتحسس وجهها متساءله بخوفٍ:




        
          
                
_أحسن دلوقتي؟



أكدت لها "جميلة" ذلك فقدمت لها "ياسمين" الاختبار وأخبرتها قائلة :



_بصي ، قومي براحتك اعملي الاختبار ده وفي الحالتين هنروح بكره نحلل حتى لو طلعتي حامل نروح برضه عادي!



الاختبار يؤكد بنسبة كبيرة ، لذا سبحان من جعلها قادرة حتى تلهفت تعتدل بلهفةٍ وتمسكت به ووضعت عليها "ياسمين"الخمار واسندتها معها ناحيتها المرحاض ..



فيما جلس "عز" ينظر بغير فهم إلى الآن  ، لم  تكن معه بهذه اللحظة سوى "فرح", وفي غرفة الصالون جلست بها النساء مع بعضهن يتحدثن بأمر الرهبة ا والفزع الذي كان قبل قليل وشاركتهم "عايدة" بعدما سكن قلبها قليلاً .



دخل "غسان" من الباب بعدما علم ان الكل هنا ، فيما ركضت "نيروز", نحو الداخل فوجدت "ياسمين" تقف مستدة في طرقة المرحاض فركضت عليها تتساءل بخوف:



_جميلة مالها يا ياسمين ، ايه اللي حصل ؟؟



خرج ردها البسيط وهي تبتسم بإتساعٍ تتأكد هى الأخرى بعدما راجعت تعب" جميلة" في الفترة التي جلست بها معها في الشقة بعد رحيل "عز":



_شكلها حامل.



_ايــــه؟؟؟



صُدمت من هذا الخبر وهي تبتسم تسألها ووقفت جوارها تنتظر بلهفةٍ غفل عنها البقية دون علمهم بتفاصيل ما يحدث الآن!
جاء "عز" يسير بقلقٍ  بحثاً عنها ووقف أمامهم يتساءل وخلفه "فرح" تنظر بحرج:



_أومال هى فين ؟ راحت فين ؟



تراجعت "نيروز" وتولت "ياسمين" الأمر وأخبرته :



_هو الطببعي تكون فين  واحنا واقفين لها قدام الحمام؟



كبتت "فرح" ضحكتها وأخذت ذراعه في رفقٍ  حتى مالت تهمس له:



_ياسمين جابتلها اختبار حمل ، ودخلت تعمله عشان نتأكد ، متخافش!



نظر في قلق ومشاعر عدة تتخبط في داخله ابتعد ينتظر في الخارج فيما خرج ليقف جواره "بسام", والذي ما ان اقترب "حازم" أفسح له مجال وتحرك يلتقت فوجد "غسان" ينظر له بنظرات منصدمة ناحية ملامح وجهه بجروحه هذه!..



بهذه اللحظة ترك كل شىء ورفع يديه يتلمس وجهه في تساؤلٍ جاد:



_ايه اللي عمل في وشك كدة ؟



طالعه "بسام" وهما يقفان بركنٍ يبعد عنهم بقليلٍ ، فيما تلمس اللاصق يزيله باستفسارٍ فمنعه "بسام" والذي قرر إخفاء الأمر كي لا يجلب لشقيقه عقبه الآن وهو ببن ظروفه هذه مع حالة زوجته:



_مش وقته يا غسـ..



لم يتركه يكمل بل كبل كفيه بيديه بحركة خفيفه وهذه يتساءل بجديةٍ من جديد:




        
          
                
_اخلص رد ، مين عمل فيك كدة؟؟؟



وجد الصمت يقابله فأزال ما بجانب فمه حتى دُهش من أثر الضربة والدماء التي تجلطت في عدة نواحي لاحظها الآن مع إحمرار عينيه اليسرى من أثر ضربة ما ، إلتفت "بسام" برأسه ينظر ناحيتهم بينما حاصره الآخر متساءلاً من جديد:



_هو جه هنا؟. ، جالك؟ ، هو اللي عمل فيك كدة صح؟!



وجده متعمداً عدم الرد من جديد فترك رأسه بخفةٍ وهو يحرك رأسه مؤكداّ تفكيره الذي جاء بعقله ، فنظر "بسام" ناحيته مبرراً بسرعة:



_مجاش هنا ، كنا تحت في محل الورد والموضوع عدى ، بلاش نكبره تاني خلاص!



نظر ناحيته بحدةٍ حتى تركه إلى حين مواجهته لطالما يهرب هكذا فيما اقترب "غسان" من "عز" وحاول احتواءه ما ان ضربه بخفةٍ وهو يحثه:



_ايه يا عزوة مالك كدة ما تصلي على النبي يا عم 



لبى قوله وهو يبتسم له في خفةٍ ، بينما وقف "حازم" معهم شاعراً بالقلق على شقيقته التي كانت بالداخل واستغرقت وقت ليس قليل حتى خرجت للفتيات بعدما جاءت لهم "فريدة"و"اسماء" قبل قليل من في لحظة مواجهة "بسام"وغسان"، خرجت بوجه شاحب من الإرهاق وسألتهم بخوفٍ:



_هو..هو خطين يعني ايه؟؟؟



نظرت "ياسمين" بـ الإختبار ، وعقب سماع قول "خطين" ، فعلت "فريدة" زغروطه عالية هزت أرجاء المنزل حينها ارتمت "نيروز" بأحضانها بسعادةٍ وهي تردد بتخبطٍ وتأثر:



_كنت عارفة والله كنت عارفة ان ربنا هيراضي قلبك عشان انتي تستاهلي كل حاجة جميلة زيك ، مبروك يا حبيبتي .



لمعت عينيها بينما "جميلة" في حالة غير تصديق ، خاصةً انها سمعت الكلمات بثقل لون الخط مما يوضح بأن هذا الحمل منذ فترة وليس جديد ! ، لمعت عينيها وهي تنظر نحو تجمع النساء والفتيات وعانقتهم جميعاً حتى بقت بين ذراعي والدتها التي بكت وهي تضمها بتأثرٍتبارك لها بمشاعر عدة!! 



تزامناً مع ذلك احتضنته "فرح" بسعادة أولاً والتقطت هاتف "بسام" حتى طلبت رقم والدتها كي تشاركهم اللحظة هذه ، ووجد نفسه بين عناق الشباب و"حامد" الذي بارك له بحبٍ:



_مبارك يا بني ، يجي بالسلامة ويتربي في عزك.



ابتسم له وسأل بمشاعر مختلطة هل أستحق هذه اللحظة و ابتلع ريقه وابتسم يعي تدريجياً حتى وقف يطالع سعادتها عن قرب!!



راقبها بشرود وصدمته بمفاجأة ربه الحانية عليه بهذا الوقت تحديداً جعلته مذهول ومتأثر من لطف الله به ، لذا أغمض عينيه وسقطت من دمعة لم يلاحظها سوى "فرح" و"غسان" الذي اقترب يربت على كتفيه  ، و"فرح" التي تقسم لوالدتها على الهاتف بأن هذا ليس كذباً أبداً..




        
          
                
وعقب انتهاء المباركات ، نظرت ناحيته فوجدته يقف ويراقبها بسعادة ظهرت ما ان استوعب للتو سعادة لا تختلف عن سعادة "حازم" الذي لم يتحرك من هذه المفاجأة وابتلع ريقه يحاول الثبات أمامهم حتى اقترب يمسح رأسها برفقٍ ووضع قبلة على قمة رأسه وخرج حديثه المتأثر:



_أنا مش عارف أقول ايه ولا مستوعب ان البت الصغيرة حامل في حد صغير برضه زيها ، ربنا يقويكي ويقومك بالسلامة قبل أي حاجة.



تأثرت وعانقته ولعب دور الأب في كلماتها فبكت في أحضانه بعد ان قرر الجميع تركهما حتي تحتفل مع "عز" بهذا الخبر ،لذا خرج البقية وبقوا هم  بهذا المكان تحديداً ، اعتدلت تخرج من بين ذراعيه ومسحت وجهها وحينها تعلقت عينيها بعيني "عز" فإقترب "عز" واضعاً يديه أسفل عينيها يزيل أثار الدموع وردد بإهتزازٍ:



_مبروك.



لم يستمع من عزم تأثره قول شىء آخر ، فإبتسمت تسأله بعمقٍ في هذه اللحظة وهي تطالعه:



_فرحان؟



أكد "عز" ذلك برأسه وقال راضياً بلهفةٍ:



_فرحان وراضي بهدية ربنا ليا في الوقت ده بالذات , من لطفه بيا عاجز عن التعبير ، بس قادر أقول الحمد لله ألف مرة وانسى وارجع أعيد من تاني!



تأثرت فقبل هو يديها برفقٍ و دفعها برفق مماثل له ناحية صدره حتى استندت في عناقه براحةٍ وسعادة بأنٍ واحد لم تضعه بهذا الموقف كثيراّ حتى تساءلت بخوف واهتمام ناحيته:



_انت كويس ؟



_دلوقتي بس بقيت كويس ، ربنا طبطب عليا وانتِ في حضني انتِ كمان ، مش عايز حاجة تاني خلاص!



أسند رأسه على كتفها ، ووقفوا هم يتابعون مشهدهم من على بعدٍ ، كان قد قرر "حازم'" المراوغة قباله قبل أن ترحل معه شقيقته ولكنه لم يرض ان يكسر هذه الفرحة التي خُلقت بينهما ، فبقى صامتاً ما أن قالت هىٰ له:



_قررت آجي معاك.
يريدها وبقوة ولكنه بقة ثابتاً ما ان قال بعقلٍ :



_لو مش قادرة متعمليهاش غصب عنك .



_غصب عنك انت لازم اكون معاك حتى ولو لسه زعلانة ولو هفضل برضه زعلانة وجودي معاك ملوش علاقه بـ ده!



التزمت الحزم الزائف ، فطالعها بصمتٍ حتى اعتدلت وسارت في طريق غرفتها كي ترتدي ملابسها وتلملم  أغراضها ، فرحلت خلفها "ياسمين"و"فرح" و"فريدة"و"أسماء", ووالدتها مع "نيروز" هى الأخرى ، وبقت الشباب في الخارج أمام وقوف "حازم", وهو يلتقط المفتاح حتي يجهز السيارة  ليوصلهم وقبل ان يقترب ناحية الباب ليسبق سحب "عز", من ذراعه برفقٍ وردد في هدوء:



_ألف مبروك يا عز، ربنا يكمل لها على خير وتجيبه سالم معافي يتربى في عزك.



احتضنهه بعد ذلك وقال له من خلف ظهره يخبره :




        
          
                
_ حظك حلو معايا عشان كل ده حصل في لحظة ما كنت بقول لا مش هترجعلك بسهولة كدة ، أنا مليش دعوة بحياتكم بس وجع اختي كان ومازال من وجعي ، أعوذ بالله من اني اكسر فرحتك دي ، بس اختي يا "عز" عندها سند وراجل واقف وهيقف ليك بعد كدة عشان لو في مقارنة بينك بينها غصب عني هختارها هى ، خلي بالك منها.



واجهه هكذا دون حرج ونظر ناحيته بتقديرٍ وتعاطف بالخفاء لم يظهره لأجل موقفه مع شقيقته ، تاهت الكلمات وبين وقوفهم ووقوف الآخرين ، هبط "حازم" بينما انتظر "عز" "جميلة" حتى خرجت الفتيات من قبلها وهي تستند عليهم بسبب الإغماء التي كانت به فتحسباً لشىء اقترب يمسك يديها بعدما ودعتهم وآخر ما سمعته من "ياسمين" و"فريدة " ووالدتها:



_هنعدي عليكي بكرة برضه عشان نعمل التحاليل .



ورغم تأكيد الاختبار ولكنه يتطلب فعل ذلك ، وافقتهم وودعتهم حتى خرجت بعدما عانقت "نيروز" بتأثرٍ ، فسبقا ووقفت في الخارج "فرح" تودع "بسام", الذي انهي الوادع بـ :



_خلي بالك من نفسك ، وكلميني على التليفون ده زي ما عرفتك ، لحد ما  أتصرف ، وبقولك ايه…



ترقبت كلماته فمازحها قائلاً :



_روتين رموشك ايه؟



ضحكت "فرح" وودعته بالإشارة وهي تحرك رأسها بقلة حيلة ، والتفت بابتسامة بلهاء اختفت ما ان وجد نفسه يُسحب من ذراعه وكأنه صغير ، سُحب من "غسان" الذي امسكه تحت ذهول "نيروز" حتى أصبحوا في صالة شقة  والده ووقف أمام عائلته وزوجته يسأل شقيقه:



_عايز افهم ايه اللي حصل بالظبط وايه اللي جاب الو** ده هنا؟؟؟



نفض "بسام" يديه بغيظٍ فتركه "غسان" منتظراّ وأغلقت "وسام" الباب تزامناً مع كلمات "حامد" الهادئة له مواجهاً اياه:



_مش لما نفهم الأول انت عملت ايه  يخليه جاي شايط أوي كدة.؟



ربط الأمور ببعضها وتجاهل قول والده تحت  إرتباك "نيروز" التي اقتربت ولكن صوت الطببب وهو يحثها على البعد عن أي مناقشة أو جدال يتعالى في أذنيها ، لذا اختارت صغارها وهي  تبتعد في خوفٍ محاوله السيطرة على ذاتها ودخلت غرفة "وسام" حتى ينتهوا  ، ذهبت رغم خوفها عليه وعلى حدوث شىء بينه وبين شقيقه ، بينما المواجهة بينهما لم تكن كذلك بل كانت بالخوف الذي جعل "بسام" يربت على ذراع "غسان" وطمأنه:



_أنا كويس يا "غسان" متخافش عليا ، أنا مسببتوش برضه هو نفس حالتي كدة وأسوأ .



طمأنه بذلك عندما رأى خوفه عليه  فإقتربت "دلال" تحاول ابعاده بتصرف حاولت فعله ما ان حثته قائلة:



_ روح يا حبيبي شوف مراتك شكلها تعبان ، ادخلها على ما أعملك كوباية عصير تروق دمك كدة ، وسيبك من الواد ده ما هو زي القرد أهو.



هذه ليست كلماتها ولكنها فعلت ذلك مجبرة أمام "حامد" ، فنظر لها "غسان" مبتسماً ابتسامة صغيرة وترقبت دخول "نيروز" الغرفة فإقترب يرى ماذا بها بعدما أشار ناحية شقيقه:



_الموضوع ده مش هيعدي كدة يا بسام ، مش هيبقى لينا عنده حق ويحي حتتنا يعوز يعلم علينا ، بس عموماً انا فخور ، شكلك بقى فيك من دم البدري الحامي!



رددها بسخريةٍ فضحك"والده" بيأسٍ كما ضحكت "وسام" التي تدخلت بعد ان قال "بسام" بغرور:



_لا بقولك ايه ، أنا دكتور أه بس أوعى وشك!



تصنع في قولها فضحك "غسان", مقرراً تخطي الأمر بعدما علم ان السبب هو ما فعله مع والدة الآخر , تدخلت " وسام" والتي قالت بمرح:



_لا يا بيسو ، وسع كدة عشان انت مش لوحدك  ، أفكركم بالشبب اللي اتنسل على دماغه ولا بلاش؟



دعمها "غسان" فأخبره "بسام" هو ووالده:



_لا بصراحة انا سامع انها كانت هايلة  ، دي مكونة صداقات على الموقف العرة ده!



ضحكت "دلال" وخرجت "نيروز" بعدما سمعت ضحكهم ، حتى وقفت وضحكت حينما اقتربت تخبر "غسان" بفخرٍ من نفسها:



_عارف يا "غسان"؟ ، أنا شتمته كمان.



رددتها وكأنها  فعلت إنجاز ، فضحك "غسان"يسألها:



_قولتيله ايه؟



اعتدلت تهيئ نفسها ووقفت بينهم تردد في شموخٍ ما كانت قد رددته له:



_"يا فاضي يا بن الفاضية"



انفلت ضحكات الجميع ، عدا سخرية "غسان" ما ان ضحك وهو يردد بذهول زائف:



_يـــاه ، دي حاجة قليلة الأدب أوي!.



_شوفت ،بوظوا أخلاقي.



شهدته في بؤسٍ وهي تشير على تحطم أدبها في مرحٍ فضحك مشاكسها أياها بذراعه حتى احتضنها وهي تضحك آخذاً بذراعه الآخر "والدته" التي ضحكت في جو انقلب لمرح بدلاً من أن يكون مشادة كلامية ، قبل قمة رأس كل منهما أمام ابتسامة "نيروز" وهي تتابعهم ، فيما دخل "بسام" بلإجبار بينهم ، ووقف "حامد", يسبهم وهو بمفرده  بدونهم :



_وفين نصيبي يا ولاد الكلب!



ضحك "غسان", يشير له بذراعه ولكنه رفض بإستفزازٍ ما ان  فتح ذراعيه لـ "نيروز" فاقتربت بدون تردد تعانقه وضحكت بخفةٍ ما ان رأت بمرآة الباب بأنه  يتراقص بحاجبيه لولده ، أما هى فتأثرت من اختياره لها دائماً بحنوٍ ، لم يخونها ولو مرة واحدة بنظرة أو كلمة ،  اعتادت منه ما كانت تعتاده في والدها الراحل ، لذا أسندت رأسها وأخبرته تصارحه بدون خجلٍ:



_أنا بحبك أوي يا عمو ، ربنا يخليك لينا ويديمك في حياتنا!



انشغل البقية بالعراك على من أكثرهم حباً لدي والدتهم التي تحتضنهم  بمشاكسةٍ بينما هى بقت هنا بين هذين الذراعين في اطمئنان ، بقت وأخيراً ترى أنها حيث ''داخل أحضان والدها"

تعليقات