رواية عودة الوصال الفصل الخمسون 50 - بقلم سارة ناصر

   

 رواية عودة الوصال الفصل الخمسون 50 -  بقلم سارة ناصر

«لا شيء يوجعني بعد هذا الرحيل »-محمود درويش-



وأي وجع بعد وجع فراقه السَريع!  ؛ تسأل كما يسأل مظلوم ما من هذه الحياة! ، هل كان عليها التحمل لكل هذا ؟ هل كان عليها الصبر حتى بعدما ظنت أن هدوء الأيام وسكينتها ستدوم ما ان ظهر هو بحياتها ، ما ان عاشرته معاشرة طيبة مترابطة يغمرهما الإنتماء؟



هل كان على والدها فِعل ما فعله حتى يتسبب في وجع كل منهم؟ حي أم ميت ، يأذيهم وبشدة إلى الآن ؟ كيف الفرار من هذه العقبة؟ كيف الفرار من كونه والدهم من الأساس ؟ على جانب آخر يتألم غيرهما ، أحدهم استنزفت طاقته وأخرى لا تصدق ان نفسه من قتل والدها هو من اغتصبها عنوة بكل قسوة! ، وهى..هى الأخرى تتوجع وتُظلم هى وزوجها ، لمَ لم تعدل معهما الحياة يوماً ؟ لمَ تُظلم هكذا ؟ لما تصبح مُجبرة على تحمل وجع وفراق وكسرة ..ثم السؤال الأخير على الرغم من انها تفهم اجابته وسببه إلا ان كسرتها ووجعها جعلها تسأل وجرح فؤادها من تركه لها ينزف..لمَ رحل وتخلىٰ وتركها؟!..



كل هذه أسئلة تسألها لنفسها توقفت عن ذرف الدموع بإستسلامٍ وخواء! ، وما مر منذ آخر الأحداث عليها يومين كاملين علمت بهم ان "عز" هجر المنزل هناك هو الآخر وان والدته تُقهر أكثر من قهرها هى الأخرى وقهر "فرح "؛ يحاول الكل مواساتها كي تندمج ولكنها تندمج وتراضيهم وقلبها من الداخل هش قد كُسر!!



_يــوه يا "نيروز" ، ما تيسبيني أنزل بقىٰ ،أنا وافقت اطلع عشان بتقولي انك تعبانة وطلعتي بتعملي كده عشان تطلعيني أقعد معاكي وخلاص ، وأنا تعبانة عاوزة أنزل أوضتي  أرتاح!



كانت هذه كلمات "جميلة" لـ"نيروز" التي نظرت لها بحزنٍ من شكلها المرهق والسواد الذي أسفل عينيها ، تنهدت تخرج أنفاسها وشاكستها سريعاً لتخفف عنها :



_يعني مش حابة تقعدي معايا يا "جميلة"؟ ، علفكرة انتِ كدابة ، نوم ايه اللي عايزة تناميه انتِ مش شايفة شكلك عامل ازاي من كتر ما انتِ مبتعرفيش تنامي ؟ احنا هنضحك على بعض؟ أنا  ناديتك تفكي شوية ونقعد مع بعض ، و"غسان"جه من الشغل  ودخل نام عشان هبطان شوية ، عشان لو محروجة يعني  أو لو حاسة  انك متكتفه!



رفضت "جميلة" ذلك بهدوءٍ مبررة لها الأمر:



_مش عشان كدة ، بس أنا فعلاً مش قادرة أتكلم يا "نيروز" ، معنديش طاقة ، أنا موجوعة أوي واللهِ !



تحشرجت نبرتها في آخر حديثها ، فلمعت عينيها ، بينما الأخرى تلهفت تربت على كتفيها وهي تقدمها  ناحيتها مواسية إياها بلهفةٍ :



_أنا عارفة ، انا حاسة والله العظيم حاسة ، بس متعيطيش بقى ، متزعليش عشان خاطري ، والله "عز" بيحبك ومش هيهون عليه يغيب عنك وعنهم ، هو ليه مين غيركم يا "جميلة "؟ انتوا كل حياته!



نزلت الدموع منها وهي بداخل أحضانها ، هى القادرة على ان تُخرج ما بداخلها لها دون تحسبات ، رفيقات للدرب ، درب كل منهما للأخرى ، تنفست "جميلة" بتقطع بين هذا العناق وهتفت بوجعٍ لها :



_مكانش نفسي يتحط في الموقف ده ، مكانش نفسي يتكسر عينه قدامي يا "نيروز"، أعمل ايه ؟ والله العظيم ما ليا ذنب ، ليه يحصل كل ده ؟ ليه ممكن أتأذى كدة! ، ليه مشىٰ ، أنا بحبه وعمري ما كنت هفكر في حاجة ، أنا مش فارق معايا كل ده واللهِ. ، أنا عايزاه! هو انا طالبة كتير؟



_والله لأ ، انتِ تستاهلي كل حاجة حلوة في الدنيا دي ، بس صدقيني هو معذور واتكسر، مقدرش يقف وسطنا ويقعد يستني وقت يوضح أو يبرر ، كسرته خليته يمشي ويلف ضهره لكل الناس حتى أغلى الناس ليه ، هو موجوع برضه يا "جميلة "زيك ، عارفه انك زعلانة عليه أكتر ما انتِ زعلانة منه بس اصبري ، اصبري والله وهيجي تاني!



شهقت بتمزقٍ بين أحضانها، وحاولت أخذ أنفاسها بتعبٍ وهي تعتدل ، فمدت "نيروز" كفها تمسح وجه الأخرى بحنوٍ ووكزت ذراعها تشاكسها :



_خلاص بقىٰ يا نكدو ، بتخليني أعيط والعياط غلط على الحمل علفكرة، مش كفاية اللي كُنت فيه؟ فرفشي يا ستي بقىٰ.. الوقتي تيجي "فريدة" ونقعد مع بعض كلنا  ونفك ،  متزعليش بقىٰ!



قالت "نيروز" حديثها كي تخفف من ألم الأخرى،  حزنها فاق الكثير حتى ان وجع غيابه اختلط مع وجع خبر قتل والدها! ، صمتت تومأ لها وسألتها "نيروز", مرة أخرى :



_اتغديتي طيب؟



_اه "حازم" وماما  و"ياسمين"فضلوا ورايا لحد ما أكلت معاهم!



صمتت تحرك رأسها بتفهمٍ وهى تبتسم لها ، بينما الأخرى لا تفكر بشئ سواه حتى انها قتلت أي تردد وسألت "نيروز" بحسرةٍ ولهفة:



_هو.."غسان" بيكلم "عز"؟، عارف هو فين  أو رد عليه ؟



نظرت "نيروز" لها عند هذا السؤال بصمتٍ وسكون فهى لا تعلم الجواب ، بينما لمعت عيني الأخرى بخوفٍ وهى تصرّح :



_ردي عليا يا "نيروز"، أنا خايفة عليه ، خايفة يحصله حاجة أو يعمل في نفسه حاجة ، سامحيني أنا فعلاً مش قادرة أفُك ، أنا تعبانة أوي والله ومش قادرة أفكر في حاجة غيره !



تلمست "نيروز" كفها  وهى ترى دموعها ثم رددت بلهفةٍ قائلة لها:



_اهدي بس عشان خاطري..اهدي وأنا هخش أسأله واللهِ ، أنا بس معرفش هو رد عليه ولا لأ، لأنه مكانش بيرد وده اللي اعرفه ولو قولتلك بتزعلي.




        
          
                
بررت لها صمتها قبل قليل ، فمسحت "جميلة" وجهها بلهفةٍ وهى تحثها سريعاً :



_طب ادخلي ، ادخلي اعرفيلي والنبي ، أنا دماغي مبتقفش!



قاومت شعور الإعياء ووجع رأسها وحثتها بلهفةٍ وهي مازالت جالسة ، فوافقت "نيروز",, بحزنٍ على حالها هذا ونهضت بهدوءٍ تدخل الغرفة ، التي فتحتها ببطئٍ ثم دخلت وأغلقتها خلفها..رفعت عينيها فوجدته يقف أمام المرآة يُدخل ذراعه العاري بكم القميص الذي ارتداه للتو أمام عدستيها ، التفت "غسان" برأسه ينظر بتفحصٍ فابتسمت هىٰ له بلطفٍ وهي تقترب وقطعت حديثه قبل ان يخرج وهتفت هىٰ بتساؤل:



_ رايح فين؟



سألته بفضولٍ وهى ترى ملابسه التي تعنى بالخروج ، فأغلق أزرار القميص بخفةٍ وأجاب بوضوحٍ:



_ مشوار صغير كدة وراجع علطول!



نظرت له بتفحصٍ وأمعنت النظر إلى أن ابتسم وهو يمشط خصلاته وإلتفت يقطع أفكارها بسؤاله:



_ هى "جميلة " لسه بره؟



كان قد سمع صوتها عندما نهض ، رفعت عدستيها تومأ له وسألته باهتمامٍ آخر:



_مقولتليش لابس كدة ورايح فين ، مع انك خلصت شغل؟!



_رايح اتجوز عليــكِ



هتف بها بخبثٍ وهو يبتسم بخفة مثل خفة كلماته ، فقلبت عينيها بسخريةٍ وحركت رأسها مُرددة بتهكمٍ:



_ومين العروسة ان شاء الله ؟



طالع "غسان"سخريتها بضحكته الهادئة ورفع كفه يشير لها بمرحٍ وهو يغمز لها :



_قربي وأنا أقولك..



وقفت "نيروز", بمكانها  آخذة موقف من رده ، طالع تمسكها بالمكان بثقةٍ منها ولم تقترب ، فإقترب هو حتى انحنى مقبلاً إحدى وجنتيها وأخبرها بمزاحٍ :



_ قلبك اسود أوي يا بنت الأكرمي!



طالع عينيها المغتاظة بضحكٍ وأنصت لإضافتها المعهودة بعد ذلك بـ:



_مش أسود من قلبك يا بن البدري!



_أنا والله ملاك برئ بجناحين مضايقين اختك "ياسمين"علفكرة!



ضحكت "نيروز" بقوةٍ و بإنهزامٍ فطالع معدتها البارزة بإبتسامة شادرة جعلها تبتسم هى الأخرى وهي تضع كفها على معدتها بتعبٍ ، فإعتدل هو بهدوءٍ عندما سألته :




        
          
                
_ "عز "رد عليك أو تعرف هو فين؟ أصل "جميلة"  خايفة وسألتني وقالتلي أسألك!



زفر "غسان" بصوتٍ أمام عينيها التي تنتظر الرد ونفى بحركة رأسه مفسراً بقوله :



_مبيردش ، حاولت أشوفه فين وملقتهوش برضه ، بس أنا واثق إنه هيرجع!



صمتت "نيروز" بحزنٍ على ما يُصيب رفيقة دربها ، لمعت عينيها من أجلها وأخفت كل هذا سريعاً ما ان إعتدلت تلتقط معصمه كي تلبسه الساعة التي أخذتها وسألته من جديد بإندماجٍ لما تفعله:



_مقولتليش برضه رايح فين؟



تابعها بسكونٍ وهى تغلق الساعة على معصمه الأيسر، ورفعت عينيها ناحيته فوجدته بجيبها بهدوءٍ :



_رايح لـ "شادي"، في حوار كدة معاه هنخلصه وارجع.



حاولت أن تجد الصدق في نبرته ، وعلى الرغم من انه ردد بالإجابة إلا أنها أجبرت نفسها على ان تشعر بالراحة بين كلماته هذه ، ولم تنبس سوى بجملتها الصادقة :



_خلي بالك من نفسَك. 



وضع القبعة السوداء على رأسه بحذرٍ ، ونظر بالمرآةِ نظرة رضا ، فوجدها تقدم له هاتفه و المفاتيح التي تخصه وهى تبتسم ، فأهبط عينيه ناحية معدتها البارزة بقلةٍ وأخبرها بما جعلها تبتسم بحب للاهتمام المقابل منه:



_مش ناسي إن ميعاد متابعتك النهاردة ، أول ما هاجي هبعتلك رسالة تلبسي وهستناكي تحت تنزليلي عشان نروح.



ابتسمت له بحبٍ ، قد اعتقدت انه نسىٰ وغفى عن ذلك ، وكان حديثها له عندما رددت بإهتزازٍ :



_فكرتك نسيت واتلهيت.



_مش مُمكن انسى حاجة تخُص "نيروز" ، أنا مش ناقص نكد والله كفاية الأيام اللي فاتت وهرموناتِك ، هو مش لسه بدري على موضوع الهرمونات ده؟



ضحكت خلسة عندما تذكرت ما فعلته معه ، وضعت يديها تخفي بسمتها والتزمت الحزم أمام عينيه وهي تردد بضيقٍ زائف :



_انت قصدك اني نكدية؟



نفَىٰ هذا في حِين أكملت هى ببساطةٍ:



_وبعدين فيها ايه لما أصحيك الساعة ٣ بليل وأنا بعيط عشان مش عارفة أنام من ضهري ؟ ،ما هو. كله من عيالك!.



_فيها انك حسرتيني وقطعتي خلفي بس!



ضحكت  هى عالياً وهي تشاكسه بخفةٍ  ممزوجة بالدلال الذي راق له :




        
          
                
_فَدايا يا غُس!



دعم هذا بحركة رأسه ، واتسعت ابتسامته ما ان إقتربت فإنحنى كي تطبع قبلة على إحدى وجنتيه ، حاوط خصرها بذراعه مقربها منه حتى ربت على ظهرها برفقٍ داعياً لها بأن تنهض من حملها بخير، سارا معاً حتى خرجا من الغرفة أمام جلوس "جميلة" بخواءٍ ، إقتربت منها "نيروز" وهو بجانبها إلى أن رفعت "جميلة" عينيها تنظر وباغتها هو بسؤاله الهادئ :



_اذيك يا "جميلة" ، عاملة ايه؟



طالعته بسكونٍ حتى حركت رأسها بالإيجاب وخرج قولها بهدوءٍ أتى من حسرتها التي لم تزول بداخلها :



_الحمدلله.



نهضت بعد ذلك وسألته بلهفةٍ بين الأحرف التي أخرجتها بقهرٍ :



_هو "عز"..كلمك؟، رد عليك؟



تلاقت عينيه مع عيني "نيروز" لبرهة من الزمن ثم نفى بيأسٍ فلمعت عينيها مجدداً فأسرعت "نيروز" تمسك كفها قبل ان تنهار في البكاء ورددت بنبرةٍ شديدة في اللهفة كي تطمئنها :



_ متخافيش والله ..هو كويس انا واثقه ان ربنا هيحميه ، وغسان كمان مش هيسكت هيحاول يشوف هو فين والله ..مش كدة؟ مش صح يا "غسان"؟؟



تردد لها الأقوال وكأنها صغيرة فقدت لُعبتها ، أكد "غسان" برأسه متنهداً ثم نبس بنبرة هادئة :



_متقلقيش يا "جميلة" انا بحاول أوصله بأي طريقة ، مش عايزك تخافي طول ما انتِ هنا وسط عيلتك واخواتك،  أنا متأكد انه هيرجع ومش هيستغنى عنكم ، وان رجع هيجيلك هنا مكان ما سابك عشان ياخدك!



هزت رأسها تومأ وجلست مجدداً بعدما راضته بإبتسامة ، طالعها بشفقةٍ ثم استأذن بنظراته ، فتركتها "نيروز" مجدداً وهي تتوجه خلفه ناحية باب شقتها ، فوقف هو يعرض عليها بنبرةٍ هادئة منخفضة :



_خليكي معاها يا "نيروز"، لو قادرة تخرجي خديها وانزلوا اقعدوا على الكورنيش شوية تُفك ،  وخلي بالك من نفسك!



ابتسمت "نيروز" ، فمسح على خصلاتها بشرودٍ في المكان الذي عقد العزم في أن يذهب إليه.. واقترب يقبل قمة رأسها بعدما ارتدى حذاءه، وودعته إلى  أن أغلقت الباب خلفه ..وفكرة ذهابه وملامحه الشاردة وحتى كلماته المختارة بعنايةٍ معها تقلقها ، وذكاءها يجعلها تنتبه في كل مرة ، وان تخطت فالتخطي يكون بإرادتها في كل مرة مثل هذه المرة !!



____________________



_‹أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ-إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ-فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ›




        
          
                
كَـانت هذه آخر الآيات التي خرجت منه قبل أن يُردد بهدوءٍ بعد نهاية قراءة  سورة "يٰسن" وهو هكذا المصحف بين يديه ، مرتدياً نظارة القراءة التي لاقت على ملامح كبيرة منكمشة تليق برجل في عمر الستينات مثله ، أخذ أنفاسه متنهداً وصدّق هذه الآيات المباركة بـ :



_صَدق الله العظيـِم.



أغلق "حامد" المصحف بهدوءٍ  ما ان وجدها تخرج من طرقة المرحاض والمطبخ متوجهة ناحية غرفتها سريعاً ، قطع ذهابها السريع مناداته عليها بإسمها قائلاً :



_"وســـام!"



أخذ أنفاسه بعدها ووضع المصحف بحذرٍ جواره ، فعلى جهةٍ أخرى وقفت توليه ظهرها بتوترٍ ومسحت وجهها سريـعاً ولم تلتفت بعد بل ردد هو مجدداً :



_خدي  اقولك تعالي!



ابتلعت ريقها واستدارت تقترب منه وهى ترسم ابتسامه هادئة على وجهها فمسح "والدها" على المساحة الخالية بجواره هاتفاً :



_اقعدي!



جلست بجواره ، ونظر ناحية وجهها بتمعن ، تلاقت عينيه معها بصمتٍ يعلم هو نهايته  وتساءل هو ما ان رأى عينيها اللامعة :



_مالك ؟



اهتزت أنفاسها وهى تطالع وجهه بصمتٍ فرفعت يديها تضعها على وجهها بتعبٍ وتحشرجت نبرتها قبال مراقبته وهتفت :



_أنا تعبت أوي يا بابا ، حاسة ان خلاص طاقتي خلصت!



رفع "حامد" ذراعه يقربها منه كي يعانقها بإحتواءٍ ، حالتها هذه يتفهمها جيداً ، رفضت البكاء بين ذراعيه ولكنها استندت تأخذ من عناقه القوة والعزيمة من جديد ، فتنهد هو يخرج أنفاسه الدافئة ومرر كفه المجعد على رأسها مردداً بثقةٍ بِها :



_ بس أنا متأكد بقى ان بنتي نفَسّهَا طويل ، وقد الرحلة اللي مبقاش فيها حاجة خلاص وتنتهي ، انا واثق فيكِ وعارف ان طاقتك لسه فيها يكفي  لكتير أوي قدام ، بنتي شاطرة وهتحقق حلمها يا "وسام" زي كل اللي زيها ، كلكم قدها.



لمعت عينيها وأخذت أنفاسها بأملٍ جديد من مجرد كلمات ، بينما هو لم يردد هذا عبثاً ، ابتلعت ريقها واعتدلت تصرح من جديد أمام عينيه التي تراقب تفاصيل تعابير وجهها الباهت قليلاً :



_أنا تعبت أوي يا بابا ، ومخنوقة عشان مبقتش أقدر افتكر اللي ذاكرته من كتر التوتر ، مش عارفة.. حاسة ان تعبي بيروح ..



نفى "حامد" برأسه ومسح على خصلاتها متفهماً خوفها ، ابتلع ريقه متنهداً ورد بعقلانيةٍ :




        
          
                
_متقلقيش نفسك ، كل دي هواجس وأفكار ملهاش لازمة ، الخوف هو اللي بيعمل كل ده ، أنا عايزك هادية خالص ، وهقولك على طريقة حلوة أوي عشان متنسيش اللي ذاكرتيه ..بس الأول  توعديني انك تفوقي كدة وتبطلي تخافي وتهدي.



حركت "وسام"رأسها بموافقةٍ فإعتدل يتمسك بسبحته ورفع رأسه مبتسماّ لاستعداها في سماع كلماته ، فلبى لها هذا وقال أولاً :



_عايزك تتعودي كدة تشغلي سورة ياسين قبل ما تبدأي مذاكرة وبعد ما تنتهي ، السورة دي بتقوي الذاكرة وتمنع النسيان  وهقولك كذا دعاء تقوليهم كل ما تيجي تذاكري وتحسي انك مش مجمعة اللي ذاكرتيه ، تقوليهم قبل المذاكرة وبعد المذاكرة ، ماشي؟.



ابتسمت بهدوءٍ وحماس هو من اعطاه لها في نبرته المشرقة وحديثه العقلاني ، هدأت ملامحها وهزت رأسها تؤكد قائلة بجديةٍ من الموقف الذي تطلب منها اللباقة الآن معه :



_اتفضل.



أمسك كفها يربت عليه بحبٍ ومسح على عينيها برفقٍ لتهدأ رجفتها من عزم توترها وهدأت قبال دعاءه الهادئ وهو يدعوه لها هىٰ الآن أولاً :



_يارب اختر لها ما تختار لعبادك الصالحين، وارزقها البصيرة في دينك، وافتح لها فتحا مبينا، وارزقها التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.



لمعت عينيها في تأثرٍ في حين أخذ هو أنفاسه ببطئٍ وقال يحثها كي تنتبه لما سيردده :



_اسمعيني كويس في الأدعية دي عشان تتعودي تقوليها زي ما قولتلك ، ومتقلقيش طول ما ربنا موجود ، وافتكري دايماً الجملة اللي كنت بقولها لـ "بسام" ، فاكراها ولا أقولهالك تاني ؟



ضحكت "وسام" بخفةٍ وأكدت تذكره بجملته العميقة :



_" اللي عنده أب مبيخافش ما بالك بقا باللي عنده رب"



ابتسم بإتساعٍ وهو يؤكد ثم أشار لها كي تنصت له جيداً وبدأ مردداً :



_قولي ورايا.



استعدت لتردد خلفه فإستعد هو الآخر ليلقى عليها الأدعية بهدوء ورزانة تليق به دائماً :



_يا حي يا قيوم، امنن عليّ بالتوفيق والسداد، وافتح لي أبواب حكمتك، وانشر عليّ من خزائن رحمتك، وافتح عليّ بمعرفة العلم وتدبره، واكتبني من الناجحين الموفقين



_اللهمّ إنّي اسألك فهم النبيّين، وحفظ المرسلين والملائكة المقربين، اللهمّ اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك، إنك على كل شيء قدير.




        
          
                
_اللهم يا معلّم موسى علّمني، ويا مفهم سليمان فهّمني، ويا مؤتي لقمان الحكمة وفصل الخطاب آتني الحكمة وفصل الخطاب، اللهم اجعل ألستنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك، إنك على كل شيء قدير، حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم صلّ صلاة كاملة وسلّم سلامًا تامًّا على سيّدنا محمّد، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.



_اللهمّ إنّي استودعتك ما قرأت وما حفظت وما تعلّمت، فردّه عند حاجتي اليه، إنك على كل شيء قدير، حسبنا الله ونعم الوكيل.



_اللهمّ إنّي توكلت عليك، وسلمت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك.



_ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، بسم الله الفتاح، اللهمّ لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن متى شئت سهلاً، يا أرحم الراحمين.



أخذت تردد خلفه كلمة تلو الأخرى بيقينٍ وهدوء ، غمرتها السكينة بمواساته هكذا بمثل هذه الطريقة , وعقب ما انتهت اقتربت ترفع ذراعها لتعانقه بإطمئنان وهتفت بتحشرجٍ مع تمرير كفه على ظهرها يربت برفقٍ عليها :



_أنا بحبك أوي يا بابا ، شكراً ليك إلى ما لا نهاية مع اني ادبي.



ضحك بقوةٍ على مزاحها هذا واطمئن ما ان فعلت هى ذلك ، تلاقت عينيه مع ملامحها وقبل جبهتها بسكونٍ فنهضت بعد ذلك فوجدته يغازلها بمرحٍ :



_ مقولتليش يعني جايبة البيجامة الحلوة عليكي دي منين؟



سألها ممراً عينيه ناحية بيجامتها المنزلية ، فنظرت له بسعادةٍ وهي تدور حول نفسها وسألته :



_ بجد ؟ ،  حلوة عليا يا بابا؟؟



أكد ذلك برأسه وقال منتبهاً :



_طبعاً زي القمر عليكي ، أول مرة أشوفها عليكي دي!



تضامنت هى معه بذلك واتسعت ابتسامتها تتذكر ما ان أعطتها لها "نيروز" مع "غسان" :



_أيوة ، غسان ونيروز كانوا  خارجين يشتروا لبس من كام يوم ، وجابوهالي معاهم .



نظر بسعادةٍ لهذا الإهتمام وشرد لولده هو الآخر ، شرود عميق جعله ينتبه ان ابنته ذهبت لغرفتها وبقى هو يفكر بشرود ولده وحزنه الذي يحاول اخفاءه بضغطٍ ، قارب على فهم السبب وليس لديه شئ يفعله بيديه! ، زفر أنفاسه بهدوءٍ ووجد "دلال" تخرج من المطبخ بتعبٍ وهى تصيح له عالياً :




        
          
                
_رن كدة يا "حامد" على "بسام" ، أصل قالي انه هيرجع ويجيب "فرح" وامها من امبارح عشان هيبات النهاردة في المستشفى ومش هيعرف يسيبهم هناك ، وأنا عملت حسابي على الغدا والعشا ورتبت أوضة "غسان" عشان "حنان"..يكش توافق تبات  هى وبنتها ومتتكسفش!..



أخرج "حامد" هاتفه بصمتٍ وهو يحرك رأسه يجاري حديثها فإقتربت هى منه  تزامناً مع فتح الخط من جهة "بسام" فإنتشلت منه الهاتف بلهفةٍ وظهر الإشتياق في نبرتها حينما نطقت مسرعة:



_الو ، ايوة يا "بسام" ، ايوة يا حبيبي ، عامل ايه ، وهتيجي امته؟؟



ضحك "حامد" وهو يضرب كفيه معاً بيأسٍ منها ، فأجاب الآخر بنبرةٍ هادئة:



_ أنا الحمد لله كويس يا ماما،  شوية وجايين في الطريق ان شاء الله ، جهزي الغدا بقى على ما نيجي..



_ماشي يا حبيب أمك ، توصل بالسلامة .. مع السلامة .



تركت الهاتف بعدها فيما طالعها "حامد" بحبٍ من لهفتها هذه التي لم تتغير مع الزمن ،  تنهد بصوتٍ مسموع فناولته الهاتف ببسمةٍ واسعة وسألته بثقةٍ تحولت بعدما أجاب على سؤالها له :



_أخدت علاجك يا "حامد"؟؟



نفى بصدقٍ وهو ينظر لها والهاتف بين يديه،  والذي تحرك من بين يديه ما ان شهقت هى وهي تضرب صدرها مرددة بذهولٍ :



_يا مصيبتي!! ، انت عايز تقع مننا في الأرض يا راجل ؟ ، مش "غسان" قالك انه عاملك المنبه عشان مننساش؟؟ فينه دلوقتي يجي يشوف عمايلك..بقا كدة؟ انت مش شايف نفسك هفتان ازاي ؟؟



حاول التبرير بهدوءٍ بينما قاطعته هى وهي تندب :



_أنا مش حِمل حسرة وانت بقالك كام يوم مطنش العلاج ، حرام عليك نفسك واللهِ ، قوم معايا أجبهولك تاخده يلا..



مدت كفها ناحيته ليستند ، فراضاها واستند وخرجت حينها ضحكته عليها فسألته بضجرٍ وهي تأخذ بيديه مستندين معاً ناحية غرفتهما :



_بتضحك على ايه يا راجل انت، هو أنا قولت حاجة تضحك؟ ، خليك كده دايماً خد كلامي بهزار عشان تقلبها عليا ومعرفش ازعل منك ومن اللي بتعمله!



طالع ملامحها الحانقة منه ، فزادت ضحكاته التي لاقت برجل مثله يتقطع في الضَحِك ورد عليها بسعادةٍ غريبة لم تلق بكلماتها أبداً :



_أصل كل ما بشوفك متضايقة عشان خايفة عليا ببقى فرحان أوي..



وكزت "دلال" كتفيه وهى تحاول منع ضحكتها حتى ترسم الحزم ونطقت :




        
          
                
_بقا دي حاجة تفرحك برضك؟؟



_آه ، حاجة تسعد ، حاجة بتسعد قلبي ، عشان كل ما بشوفك متضايقة وانتِ خايفة عليا ببقى فرحان ، وببقى سعيد أوي ومطمن عشان  زعلك ده وانتِ خايفة عليا مش وانتِ خايفة مني أو مش خايفة من أصله ..



ابتسمت "دلال" في تأثرٍ فجلس على المقعد وعينيه الساكنه لا تفارقها حتى أنه أكمل قوله بـصدقٍ :



_انتِ الحاجة الوحيدة اللي كل ما بشوفها في كل حالاتها بقول اني عرفت اختار ، ومش أي اختيار ، عشان اختياري ليكي في الدنيا خلاني أدعي في كل صلاة انه يكون نفس الاختيار في الآخرة .



أعطته الدواء ولمعت عينيها من تأثير كلماته ، فتنهد يمازحها قائلاً بمشاكسةٍ معهودة منه دائماً :



_بقا لسه كلامي بيكسفك يا أم غسان ؟ ده احنا خلاص كبرنا وعجزنا وهنبقى أجداد قريب .



انفلت ضحكتها بعلوٍ وأعطته زجاجة المياة وهي ترد عليه بضجرٍ زائف :



_انت اللي عجزت لوحدك يا خويا ، أنا لسه حلوة وبصحتي!



أكد هذا برأسه ، وما جعلهما ينصدما هو صوت الهاتف الذي اسنده "حامد" على الفراش وقول "بسام" الضاحك  خرج بينهما بعلوٍ لم تغلقه الأخيرة بعدما انتهت! :



_ "يخربيت اللحظات اللي بتتخرب دايماً مننا ، جرا ايه يا عصافير الحب ، مش تقفلوا  الخط وراكم كدة لكلمة تخرج كدة ولا كدة وأنا جنبي البت "فرح" مراتي  ممكن حياءها يتخدش ، وانا  خايف عليها، لكن انا متعود يعني!!"



اتسعت عيني والديه معاً ، في حين أدرك "حامد" هذا وهو يسمع صوت ضحكته ، فانتشل الهاتف يردد بضيقٍ  زائف مع قهقهة "دلال" على حديثه:



_عايز ايه يالا، بتتحشر وسطنا ليه ، هو انا سمحتلك؟.



_____________________



_أومال عايز تسمح لمين  يتدخل بينكم يا حج ، مش هتبطل شقاوة بقىٰ؟ 



سأله "بسام" بمرحٍ قصده في الحال منتهزاً سماع "فرح" المكالمة ، ابتسمت بلطفٍ تراضي ما يفعله بتقديرٍ ، فهي الأخرى حزينة وضعيفة بدون سندها الغائب والمفقود بالنسبة لهم حتى الآن ، غيابة بمثابة شئ يصعب فهمه ولكنه يتفهم  ما تمر به جيداً ، ولكن ليس بيديها شئ هى الأخرى مثل والدتها ، اعتادت على ان يُفعل لها كل شئ دون ان تحاول هى ، كانت مُدللة شقيقها ، ومازالت ..



مشاهد متتالية ، أشياء وكلمات وحوار وأقوال ورحيل وفقدان ووداع مفاجئ ، كل شئ يأتي على ذاكرتها بقوة ، لا يغيب عن بالها شئ الا بمحاولات "بسام" بمرحة المعتاد ووقوفه جوراها هى ووالدتها ، فهو لم يتركها منذ ما حدث ، كان يرحل إلى المستشفى لعمله ثم يعود بينما اليوم يتطلب عمله الاقامة هناك! ، فكيف سيتركهما بمفردهما؟ ، هى أمانة لديه منذ ان وضع يديه بيد شقيقها ، وأمانة أخرى هى ووالدتها لديه بقول متشدد من "عز". ، لذا حاول اقناعهم بشتى الطرق وبعد رفض شديد من "حنان" استطاع اقناعها أخيراً اليوم في الصباح تارك أمر إقامتها في  شقة والده شئ مفتوح حتى لا يتجادلا وترفض!  .




        
          
                
ما أخرجها من هذا الشرود هو صوت إجابة "والده" في الهاتف رداً على سؤاله المازح معه :



_ عايز اسمح لـ "فرح" ، بنتي يا حبيبي ، وسع كدة وهاتهالي أطمن عليها.



شىء ما جعلها تندفع بهدوءٍ لتلتقط الهاتف  بمشاعر غريبة أول مرة تجتاحها تجاه رجل من سن والده ، لمعت عينيها وهي تستمع إليه وإلى حديثه في الهاتف المتلهف في محاولته للإطمئنان عليها وهى الآن تجيب عليه بابتسامة تعتقد بأنها مكشوفة أمامه وهو يراها الآن ، ربما وجدت به الأب التي فقدته! ، طالعها "بسام" بشفقةٍ وتأثر ومسح على كتف ملابسها برفقٍ يزيل ما عليه من غبار او ما شابه بفعل الهواء وهو يستند معها الآن ، وجد "حنان" فأسرع ناحية بواية المنزل يأخذ بيدها بعدما أغلق الباب ، في حين أغلقت "فرح" الخط ونظرت فوجدت والدتها تستند عليه ، حتى جاءت وادخلها برفقٍ لتجلس في السيارة التي كانت معه هو وليس "غسان" هذه المرة! ..



انتظرت هكذا وحملت قبعته ، واقتربت لتلبسه اياها برفقٍ بعدما أغلق الباب خلف والدتها ، فابتسم محتضناً كفها كما عينيه التي تحتضن ملامحها التي بهتت قليلاً من الحزن على فراق من به روحها!!



_ شُكراً .



هى من رددت ذلك وليس هو ، وتركت الامتنان مفتوح لأشياءٍ عدة ، هل يتوجب عليها ذلك؟ ، قوس "بسام" ما بين حاجبيه وسأل بخفةٍ كي تراضيه بضحكتها على الأقل :



_ايه ده ، هما المتجوزين بيقولوا لبعض شكراً ؟



هو الآخر استخدم نفس الطريقة وترك قوله مفتوحاً هكذا ، فتوردت وجنتيها تسأله بعينيها بجهلٍ للإجابة ، فترك المراوغة الآن بسبب المارة ونبس بنبرةٍ هادئة يخبرها بها بعيداً عن مزاحه الذي كان ينويه ولم ينفذه بعد! : 



_مفيش بينا شكرانية يا دكتورة "فرح" ، أنا فاهم تقصدي ايه ، ولو فاكرة انك المفروض تشكريني فإنتِ عندك حق فعلاً ، اشكريني بس ببوسة بريئة يسلام أو بحضن حلال من اللي نفسي فيهم ، فاكرة أول حضن؟



ضحكت بخفةٍ رغم خجلها  وهربت بعينيها تراقب جلوس والدتها في السيارة ، وحثته بعدها كي يكف عن احراجها ، وما قرر توقفه ، نفذه بآخر قوله كي يرى ضحكتها :



_ يلا عشان ماما .



_طب ولو ماما مش موجودة ،. كان هيبقي يلا ؟ ولا كنت هستنى الحضن والبوسة بشغف كدة ؟



تمسكت بهاتفها وفتحت الباب في الخلف وهي تبتسم ابتسامة هادئة صادقة ليست متصنعة ، وازداد الخجل ، فهناك مشاعر تنمو ، ورجفة يديها بسبب هذا الاضطراب تخبرها بأنها تقع به شئ فشئ لا محال! ، هل هذا حقاً ، ابتلعت ريقها ورفعت عينيها الأقرب  للون الأسود في ضوء هذا النهار وحثته بلينٍ :




        
          
                
_يلا يا دكتور "بسام" ، بتقولك ماما !



هل سخرت بين الأحرف التي نطقتها للتو ؟ ، دُهش من طريقتها في الارادة حتى تخفي ما فعله بسيطرة غير مباشرة منها هى  ،. ضحك خلسةً ، وسرعان ما رسم ابتسامة وهو يركب  ثم نظر ناحية "والدتها" التي راضته بابتسامةٍ  ورددت قائلة وهى تشير بكفها بتعبٍ نفسي من فقدان فلذة كبدها :



_على مهلك يا بني ، ربنا يحفظك وينورلك طريقك ، سوق براحتك موراناش حاجة. 



كانت تتمسك بسبحة هى الأخرى ، وحثها هذا كان من خوفها عليه وعلى الطريق ، فأومأ في لباقةٍ وخرج قوله الشارد بقصدٍ كي يلهي عقلها  ويخرجه من حزنه ، فيما كانت هى تنظر وتلاقت الأعين بالمرآه ما ان ردد هو بخبثٍ بين طيات الكلمات:



_براحتي طبعاً  ،  دا أنا براحتي على الآخر أهو.



نظر بتمعن وهو يستعد للقيادة ، فأخفضت "فرح" نظراتها بابتسامة شاردة من  أفعاله وسرعان ما بهتت واختفت ما ان خرجت تنهيدة "حنان" بدعاءها العفوي دون مقدمات :



_يا ترى انت فين يا "عز" ، يا وجع قلبي عليك ، يارب سمعني عنه خير وبس يارب ، اطمن بس انه كويس ، احميه يارب من شر نفسه ومن الدنيا!!



لمعت عيني "فرح" وللمرة التي لا تعرف عددها تتمسك بالهاتف وتطلب رقمه الذي لا يعطيها الرد في كل مرة! ، أخرجت أنفاسها بتقطعٍ وأغمضت عنينيها تخرج من عقلها الضغط كي لا تعود لحالة كانت قد تعافت منها ، ابتلعت ريقها بهدوءٍ فوجدت والدتها تمسح وجهها بالمنشفة الورقية الذي اعطاها لها "بسام" بحنوٍ فيما حثها برفقه المعهود بينهما وهو معهما :



_اتفضلي ، امسحي دموعك وخلي أملك في ربنا كبير ، "عز" راجل عاقل وعارف ربنا وعمره ما يأذي نفسه ، ولو على الدنيا فكان فاته استسلم لها من بدري ، متفكريش فيها  كدة يا "أم عز" انتِ و"فرح" ، اعتبروه واخد أجازة يريح فيها نفسه وهيرجع ، اطمنوا والله ، متخافوش طول ما لينا رب قادر على كل شئ .



هو الآخر استخدم جملة والده المعهودة بطريقة ليست مباشرة ، كلمات مواسية تحتويهما ولكنهما بالفعل يشعران بالدفء والأمان في كل محاولة تخرج منه  كي يخفف عنهما ، وجداه يحاول الوصول إليه بطرق كثيرة ولكن كل هذا لم يأت سوى بالفشل !! 



هدأت "حنان" من البكاء ومسحت أنفها ترد شهامته معهما على كل ما يفعله وهتفت بنبرةٍ مختنقةٍ بها أثر بكاء :



_كتر خيرك يا بني ، تاعبينك معانا  و منغصين عليك العيشة  ، حقك عليا مكنش لازم كل ده يحصل في وقت زي ده عليك انت و"فرح" ، بس الحمد لله رضا ، انت ابن حلال ومحترم ، ربنا يصلح لك الحال انت وبنتي ونعرف نفرح من تاني بيكم وبرجوع "عز" 




        
          
                
ابتسم ناظراً ناحية الطريق ، ورد بثقةٍ :



_ان شاء الله الفرحة هتدخل بيتنا من تاني و"عز" هيرجع ، و"بسام "يتجوز وهتبقى زي الفل والله.



ضحكت رغماً عنها فضحكت "فرح" بخفةٍ ، فتمادى هو بمشاكسته قائلاً بمرحٍ :



_ ايوة كدة اضحكي خلي الدنيا تضحك ، كان لازم يعني يا حماتي تضحكي عشان نشوف ضحكة "فرح"؟



ابتسمت على محاولته في التخفيف وحركت رأسها بثبات ٍ تجاري قوله المازح بمزاحٍ خرج بعفويةٍ رغم الحزن :



_. ايوة اومال ايه ، هو انا مش امها واقرب حد ليها برضه؟، طب دي حتى شبهي .



خرجت ضحكة "فرح" وردت بمزاحٍ تنتهز الفرصة كي تخفف عن "والدتها" بحالتها هذه :



_ أحلى حاجة في الوجود ان انا شبهك يا ماما ، ربنا يخليكي لينا ويبارك في عمرك .



تعلقت عينيه بها وهى تردد هذه الأمنية ،. استطاع أن يكشف الخوف في  نبرتها فوضع بصمته مردداً :



_ والله شبهك أو لا يحماتي ،  فخلاص  بقى  أنا لبست!



تعالت الضحكات أكثر عليه ، فنظرت له "فرح" بتشككٍ فتلاقت عينيه مع عدستيها وهو يكمل بكل صدقٍ راق لها وأثر بالأخرى :



_وأحلى تلبيسة ممكن أشوفها ، ربنا يعدي الجاي على خير ويتمها بفرحة!



زحفت الحمرة لوجنتيها من غزله الصريح في بداية حديثه وما قصده بآخر كلمة رددها ، ابتسمت وهى تنظر إليه بمشاعر مختلطة كثيرة متداخلة مع بعضها ، ولكن الأهم بالنسبةِ لها أنها أصبحت تطمئن جواره ، هنا وجدت الأمان والإطمئنان ، هنا وجدت عدم الخوف ، هنا وجدت الأمل من جديد بواسطته هو وبواسطة كلماته واحتوائه! ، التزمت الصمت رغم حديث النظرات العابر بينهما ، ولكنها تمسكت بالهاتف سريعاً ترى من مرسل الرسالة ، في حين كان قد أغلق هاتفه عقب ما أرسل ما قرره ، ففتحتها باستغرابٍ وقرأت :



_" بالله عليكي تقوليلي روتين رموشك ايه ؟"



أرادت اللعب على الأقوال التي رُددت من قبل فابتسمت وهي تكتب ولم يغيب عن عقلها  الشبه بينها وبين والدتها الذي يلحظه فاستغلت هذا وكتبت بمراوغةٍ :



_"إسأل ماما "



يحاول أن يوزن بين الطريق والهاتف ، الذي ينظر به الآن ، كان يعتقد انها ستخجل بأي رد ، بينما الآن؟ ما أن رأى ذلك خرج صوته بتلقائيةٍ واندفاع سريعاً :



_ماما؟؟؟



كتمت "فرح" ضحكتها التي لم تستطع فيما بعد منعها ما ان وجدت "والدتها" تسأله بغرابةٍ طيبة لاقت بسيدة مثلها :




        
          
                
_مالها مامتك يا بني ؟ خير يارب ؟



خرجت ضحكتها واستطاع  تشتيتها ، فتنحنح "بسام" بحنجرته بحرج ورد سريعاً بقليل من الارتباك لعدم مقدرته على حبك اي خدعة أو كذب :



_لا مفيش ، بتقولي بس استعجل عشان عاملة حسابكم في الغدا وبتحضره عشانَّا .



تركها ترد برد معتاد، وفتح هاتفه يرسل لها كتابةً بغيظٍ :



_ماشي يا دكتورة "فرح"!



لم يغلق الهاتف إلا عندما شابه ردها رده حينما انهت هى الأخرى بـ :



_أُوك يا دكتور "بسام".



__________________



هنا حيث جلسة في موعدها بعد جلستها الإضافية التي كانت أول أمس ، لا تستطع التفوه بشئ سوى أنه لولا وجوده بجوارها لما كانت هكذا!! ، تأخذ أنفاسها براحةٍ وإطمئنان لأن الأمان هنا ، حتى بعدما أصبح بجوارها وهى بين أحضانة مطمئنة! ، لم تهب ولم تخف ولم تفكر بأي شئ ، قد توصل لمكانة لم يتوصلها أحد معها من قبل! 



كالعادة ينتظرها جالسًا بمكانة على المقعد وعقله منقسم لأشياءٍ كثيرة منها سبب وجود الهاتف بين يديه الآن وهو يحاول مراراً وتكراراً طلب رقم صديق عمله ثم الذي أصبح صديق الأيام والشقاء!! , "عز"!



هو من يباشر العمل بدلاً عنه في ورشة العمل! اعتباراً بأنه مُقرب له ، واستطاع اليوم اخذ قسط من الراحة بعد اليومين الذي بذل بهم مجهود وحده كونه وجد نفسه رئيساً بمتطلبات كثيرة أكبر من قدرته ، فمهما عمل هو في الأصل خبرته أقل من خبرة "عز" الذي اعتاد على ذلك منذ الصِغَر! ، رحل وترك كل شئ خلفه دون تحسبات ، هكذا يصل المرء بعد مدة من التحمل ، بعد مدة من استنفاذ الطاقة الذي كان يستمر بها معدومة! ومع ذلك مجبر على الإستمرار والإستحمال!



نصف عقل معها والنصف الآخر يصنف لأشياء كثيرة  منها صديقه هذا ومنها صديقه الآخر الذي وُضِع بالمصحة! ، هل يتحمل التعب ؟ ، هكذا سأل نفسه وهو يضغط على الهاتف بضغطٍ نفسي من أمور الحياة التي لم تنتهي بعد معه ، مسؤليات كثيرة.. هو ..هى ، شقيقته وحالتها، صغارها ..العمل..الأصدقاء ..كل شئ هنا يتطلب منه جهد كبير ، لمجرد التفكير!!



نظر "آدم" بعشوائيةٍ في المكان  وثبت نظره عند باب مخصص لخروج الحالة لمن ينتظرها ، لم يتبق للانتظار شئ ، فهو هنا ينتظر منذ فترة ليست قليلة ،  أخرج أنفاسه براحةٍ ما ان وجدها تخرج غالقة الباب خلفها ببطئٍ ، ابتسم لرؤيتها ونهض تزامناً مع اقترابها ناحيته ، حينها ابتسمت تراضي انتظاره فهتف قبل أن تردد هى بشئٍ :




        
          
                
_حمد لله على السلامة يا شاطرة ، يارب تكوني خارجة مرتاحة.



ابتسمت "فريدة" بلينٍ وما قررت فعله من جلسات اضافيه ،فرقت كثيراً في حالتها وكلمات الطبيب تتردد في أذنها ، زفرت بصوت وتنهدت قائلة تطمئنه:



_الحمد لله



رفع ذراعه يحفزها بعناقٍ ما بعد خروجها فتنفست بعمقٍ وتنهدت تخفى الثُقل  وهتفت تسأله :



_هتروح الشُغل ؟



اعتدل "آدم" ينفي برأسه ، فشعرت كما شعرت قبل فترةٍ بأنه مضغوط فنبست بهدوءٍ :



_طب تعالى نمشي يلا ، شكلك تعبان ، لو مش حابب نروح  نزور ماما النهاردة مش مشكلة المهم ترتاح.



ابتسم "آدم" قبال تقديرها هذا ، فسار الإثنان معاً مع هذا الحديث والذي رد عليه بمشاكسةٍ هادئة :



_ المهم راحتك انتِ يا شاطرة.



لم تتعمد العناد مقابل اللقب التي  تغناظ هى منه ، بل صمتت وهى تخرج من بوابة السكن الحديث ، وابتسمت بسكونٍ وتفاجأت به يردد لها بتذكرٍ :



_وأنا مش ناسي طلبك اللي طلبتيه مني امبارح ، عشان كدة أنا معاكي دلوقتي زي ما هبقى معاكي وانتِ بتروحيله ، انا بس سكت عشان واحنا خارجين بالمرة ومكنتش شايف انك كويسة امبارح زي النهاردة كدة عشان نروح 



قصد شئ كانت قد طلبته منه بترددٍ ورحب بهذا بتقديرٍ ، ابتلعت"فريدة" ريقها ورفضت بترددٍ أمامه :



_ مش لازم خلاص ، انا مش شايفة انك قادر تستحمل معايا كل ده حتى مرواحي هناك انا مضمنش نفسي ، وانا بخاف عليك لما بتشوفني زعلانة.



ضحك بخفةٍ وجعلها تتأبط ذراعة وهو يهتف بمشاكسةٍ ضاحكة :



_ حلوة بخاف عليك  دي ،  ابقي قوليها علطول بدل ما أنا حاسس اني متجوز حد مبينطقش!



ضحكت "فريدة" واغتاظت ملامحها وهى ترفع حاجبها الأيسر باستنكار قائلة أمام مراقبته لتقاسيمها الذي يرى بها الراحة :



_قصدك ايه  يا مستفز انت؟



_قصدي ان بحبك كدة يا شاطرة ومش متضايق ، المهم قوليلي انتِ ، انتِ جاهزة للزيارة دي دلوقتي؟ أنا كدة كدة معاكي في الحالتين.



حركت "فريدة" رأسها بتأكيدٍ وذهب كل الخوف مقابل نبرته الساكنة التي وجدت بين حروفها الامان ، فنبست  ناطقة قبال عدستيه :



_ آه جاهزة .. ، كنت بقول ان من بعد آخر مرة مش هروح تاني بس لا بعد ما كل حاجة اتكشفت قلبي رق وبقا من واجبي زيارته والدعاء ليه علطول لعل اللي بعمله ده يكون سبب في دخوله الجنة رغم ان عقلي مش مقتنع بإنه عمل حاجة  كويسة ، بس هو أبويا وعمري ما هقدر أفكر فـ حاجة غير كدة ولا هعرف اغير الحقيقة دي..




        
          
                
في كل مرة يتغير تفكيرها بمنظورٍ آخر ، كلما يشعر بأنها تتعافى شئ فشئ يتراقص قلبه سعادةً وفخراً بها ، خاصةً بعد حديث الطبيب معه اليوم ، قاربت جداً على الشفاء  نهائياً ، تركها تتحدث كما تشاء ، فأكملت هى وتبدل اليأس و هتفت بعقلٍ عكس كل مرة :



_ أصل خلاص بقا يا "آدم" ، كل اللي حصل كان مقدر انه هيحصل ، وبقيت بشوف أن كل حاجة حصلتلي ليها حكمة ،  مع اني هفضل افتكر ان اللي حصل حاجة صعب نسيانها بس قررت منساش ان لازم هطلع بكل ده بحاجات مكنتش فيها من الأول ، اول حاجة فكرت فيها هو وجودك جنبي واني بقيت من نصيبك بعد ما كنت متوقعش ان حاجة زي دي تحصل ، حتى "حسن" وعلاقتي بيه اللي كانت في الأول واللي اتغيرت ولسه بقرر انها تتغير عشان لولا برضه اللي هو فيه مكنتش هبقى كدة معاه ، تعرف ؟  كل حاجة بتحصلنا فيها حكمة ..كل حاجة بتحصل عمرها ما تبقى صدفة أبدًا ..



ربما قصدت أشياء أخرى لم تذكرها أيضاً مثل علاقاتها معهن وتغير شخصيتها بهن ، وكل شئ ذكرته ولم تذكره تفَهمه هو على الفور ، واتسعت ابتسامته كما لم تتسع من قبل بل ظل ينظر لها هكذا إلى ان سألته مغيرة مجرى ما كانت ستكمله :



_ أصـ .. ،. هو انت بتبصلي كدة ليه؟



سألته بغرابةٍ ، فعدستيه الآن تراقبها بوميضٍ غريب ، ربما كان وميض الفخر والسعادة ، وجاوبها بصدقٍ حينها:



_ عشان فخور ، فخور بيكي أوي وعايز أرقص من كتر ما انا فرحان وفخور بيكي!!



ضحكت "فريدة"على سعادته ، بل كان حقاً فخوراً صادقاً بما ردده ، كانت تريد هكذا ..شخصاً يدعمها حتى ولو بأقل الأشياء ، شخص يعد لها السند 
تمسكت بكفه بسعادةٍ من رؤيته سعيد بها هكذا واندفعت تعانقه غير مبالية بمن حولها بل رددت بأكثر نبرة كانت صادقة وقتها :



_أنا بحبك أوي يا "آدم" ، يا بختي بيك ، يا بختي بواحد زيك.



مرر كفه على ظهرها براحةٍ وابتسم حتى خرجت بسعادةٍ ، الآن تسعد لأنه سعيد بها ، اتسعت ابتسامته بحبٍ وغمز قائلاً :



_وانا كمان بحبك يا شاطرة ، ومش "أمان" اللي ياخدك مني، دا انتِ بقيتي بتحبية أكتر مني.



ضحكت "فريدة" بصوتٍ ظهر فضحك على ضحكتها وهي تصرّح :



_بصراحة  القعده معاه لوحدك حاجة تانية خالص ، مع انه حيوان بس على رآيك وفي أوي..زيك كدة.



تلاشت بسمته من قولها الأخير فأدركت ما فعلته إلى أن ضحكت بقوةٍ هذه المرة المرة ووكزت كتفيه بنبرةٍ بها أثر الضحك :




        
          
                
_ مكنتش اقصدها والله ، متزعلش .



نظر لها بحنقٍ وهو يتابع سيارات الأجرة الفارغة من الرُكاب كي يشير لاحداهما ، فضحكت تشاكسة سريعاً :



_متزعلش بقا ، أومال لو شتمتك قولتلك "يا سامر" هتعمل ايه ؟



ضحك على مزحتها ولوى شفتيه متهكماً بقوله:



_لا أمان أحسن ، ومتفكرنيش بالمحروق ده عشان مزاجي ، مش كفاية لسه عارف انه محجوز في المستشفي وممشاش هو وامه واخته لسة.



فأضافت هى تزامناً مع إشارته للسيارة  ولم يغيب عن بالها تأففها من وجودهم فيما انها لم تعد تتأثر مثل السابق فقد وضح كل شىء ولم يعد شئ مخفي من الجهتين!!  :



_سمعت انه خارج النهاردة وهيمشوا بس مش عارفه هيمشوا النهاردة ولا بكرة!



إلى هنا وشرد ، لم يكن الشرود بالحق ، بل شرد بفكرة إقامتها معه بسببهم من الأساس وسبب الحالة التي ازدادت بوجودهم ، هل رحيلهم برحيلها هى الأخرى  عنه؟ ، على الرغم من انها رفضت هذا وأكدت له تطمأنه بأنها لم ولن ترحل بعد الآن ولكن الفكرة نفسها  جعلته خائف من فقدانها حتى وان لم يكن بالمعني الحرفي الموجع! ، لا يثق بقرارات الأخرين ، ولكنه يثق بها هىٰ ، هل سترفض هذا وتقف معه توافقه؟ ، كان يردد بأنه يريد لها الراحة وفقط بينما الآن زاد تعلقه وزاد الحب وهى بجواره ومؤخراً زاد  وهي تغفو بين ذراعيه الحانتين وأحضانه الآمنه وهي مطمئنة تعطيه الثقة بأن هذا القرب سيقف إلي هنا ولن يفعل شئ الا بإرادتها ..



انتفض "آدم"بطريقةٍ ليست ملحوظة بعدما وجد نفسه  يجلس بجانبها في المقعد الخلفي في السيارة التي سارت وأخرجه من شروده سؤالها المستنكر:



_روحت مني فين ؟ ، بقولك فين الموتوسيكل بتاعك مجبتوش معاك وكنا مشينا بيه ليه؟



أخرج أنفاسه بعمقٍ ناظراً ناحيتها بقلق من الفقدان ، الآن علم سبب الحزن المجهول ، ربما كانت هى من فعلت به هذا دون دراية منها ومنه ، وابتسم يجيبها مهتزاً من الداخل وثابتاً أمام عدستيها من الخارج :



_ مع "غسان" من امبارح.



صمتت قبال هذه الإجابة ونظرت بعشوائيةٍ من الشُرفة ، فلم يحرك عينيه من عليها ، سائلاً ذاته بماذا فعلت هى به كي يظل مرتبكاً خائفاً هكذا دون معرفة السبب في البداية ؟ ، هل يفعل الحُب في المرء هذا ؟ أم ان التعلق يؤذي عقل المُحب هكذا ؟ حتي وان وُجِدت الأدلة والأسباب والبراهين ؟




        
          
                
___________________



أُجبرت على السير في الخارج منها ، بعدما سمعت "نيروز"لقول "غسان"، كانت بملابسها التي صعدت لها بها لذا لم تردد لأحدهم بأنها ستهبط مع "نيروز" للسير والجلوس أمام البحر وأمواجه، وبعدما تجهزت "نيروز" وارتدت عباءتها السوداء ، هبطت مع رفيقة دربها  حتى انتهى بهما المطاف الآن هنا أمام امواج البحر  الهادئة من على بعدٍ ، والشرود رفيق واحدة والمراقبة رفيقة لأخرى تحزن للأولى!!



تسيل الدموع منها بغزارةٍ أمام هذا المنظر الذي يعد مفضل للإثنان منذ زمن مر عليه الكثير رفقاء لهذا المشهد ، حزنها تارة وتارة أخرى حزن الأخرى ، يتشاركان معاً ثقل كل شئ حتى الآن! ، مفضل لها بأي وقت ومفضل للأخرى في ضوء النهار فقط! ، أهذا ما يعد مختلف فيهما؟، فكل منهما تشبه الأخرى حتى في الحزن..



حركته المعهودة التي أُخذت منه من كل من حوله ، حركته الحانية التي يبدأ بها بأنامله في مسح دموع من أمامه ثم الاحتواء بذراعيه بعدها .. ، أخذتها منه "نيروز" ، عندما رفعت أناملها دون تحسب لشئ ومسحت عيني الأخرى بحنو أصبحت تعهده منه هو منذ ان عرفته 



وبدون أي شئ تُقدم به بداية الحديث ، نبست بنبرةٍ بها أثر البكاء الساكن ، الذي ظهر به ضعفها وقلة حيلتها :



_هو ليه مشى يا "نيروز" ؟ ، ليه مشى وسابني ، افكر واتعب؟ ، دا أنا قولتله اني من غيره ضايعة أوي ، من غيره مش هقدر ، قالي عمري ما هسيبك مهما ايه حصل ، قالي ان كل واحد فينا هيفضل في ضمة التاني ، هو أنا مستاهلش يا "نيروز"؟ مستاهلش ارتاح واعيش في هدوء من غير ما أتكسر مرة ؟



لمعت عينيها تأثرًا وشفقة عليها ، فيما تابعت "جميلة" بوجعٍ شديد وضع وحده بكفةٍ وبالكفة الأخرى كل حزن كانت قد حزنته من قبل :



_سابني مقهورة مرتين  ، مرة بألف مرة عشانه ومرة واحدة بس عشاني أنا ، موجوعة عليه وخايفة وقدّرت انه مشىٰ ، بس مكنش يسيبني كدة ، مكنش يقهرني كدة ولا يحسسني اني خلاص مبقاش مرغوب فيا لمجرد ان أبويا  اتقتل على ايد اخوه..



اجهشت في البكاء بوجع الظلم ،  بكت بكاء المظلوم وهي تضع كلا  كفيها على وجهها وهي تردد بكسرةٍ :



_طب أنا مالي ؟ ، أنا مالي يا "نيروز"؟ كان ايه ذنبي ؟



كان المتوقع سؤال آخر لم يغيب عن بالها كما لم يغيب عن بال أي مظلوم من هذه الحياة ، سؤال بكلمة واحدة فقط يسأله كل من يشعر بالخيبة ، كل من تهرب منه الكلمات فيحل محل كل الأحرف ثلاثة أحرف أخرى ، كل حرف منهم يتساءل بوجعٍ امتزج بقهرٍ شديد :




        
          
                
_"ليـه؟."



نزلت دمعة "نيروز" بعجزٍ عن الرد ، ولم تستطع ان توقفها عن التعبير ، بل رددت مرة أخرى بنفس البكاء وكأن الأمواج ولون السماء الذي عُكس على لون المياة أمام عدستيهما جعلها تنفجر لتصرّح رغماً عنها ، كي تخرج ما بداخلها  ناحية المياة التي عُرفت في هذه الموافق بالفضول  لكل من يجلس أمامها خائباً منكسراً ضائعاً ! :



_ مكنش ذنبي اني جيت الدنيا ووعيت على أب زي ده ، أب وحشني مع انه سبب في حاجات كتير عايشة فيها لحد الآن ، أب خلاني أخاف من ضلي واعمل حساب لكل حاجة حتى ولو متستاهلش ، مكنش ذنبي اخش حاجة محبيتهاش ، مكنش ذنبي اتأذى واتجبر على حاجات انا مش عايزاها ، مكنش ذنبي في حاجات كتير زي ما ماكنش ذنبه يطلع هو كمان يلاقي نفسه كدة ، حتى اخوه مكنش ذنبه ولا بإيده يختاره عشان يكون اخوه .



تساءلت الٱن بأعين حمراء من البكاء أمام وجه "نيروز", الباكي من كلماتها 
التي شعرت بكسرتها الأخرى ، حتى الأحرف ظهرت بنبرتها منكسرة! :



_هى ليه الدنيا بتعمل فينا كدة ؟



لم تنتبه ان هذه بوادر اعتراض خرجت في بدايات محاولات شيطان جوارها الآن ، والأخرى خدرتها الكلمات بوجعٍ وفُتحت الجروح في لحظة غير وعي ، لذا من أجاب كان شخصاً ما قد رآهما وهما يسيران من أسفل العماره ، أجاب من رآهما من الشُرفة :



_ عشان احنا عند ربنا حاجة كبيرة ، حاجة شايف فيها اننا قادرين على ابتلاءاته..يا ..حرباية هانم!



كان لقبها الأخير ظاهراً بإختناقٍ شديد ، والأن ظهر من هو هذا الشخص! ،
كانت هى ، كانت "ياسـمـين" ، التفتت "نيروز" تبتسم من بين دموعها وحتى"جميلة" نظرت في تأثر.ٍ خرج للتو ما ان اقتربت "ياسمين" تجلس بينهما وهي ترفع كلا ذراعيها على كل منهما كما جلسن هكذا من قبل يتشاركن معاً الهموم وشاكستهما بنبرةٍ متحشرجةٍ في محاولة للمرح :



_وسعولي كدة ، جالكم قلب تقعدوا كدة من غيري يا أندال؟



ردت  حينها "نيروز" وهى تستند برأسها على كتفها :



_  كانت نقصاكي فعلاً .



استسلمت لها بهذا القول وزفرت تتابع "جميلة" التي مسحت عينيها ببطئٍ وأجابت باختناقٍ :



_ مكناش عايزين نتعبك عشان رجلك الوارمة من الحمل دي.



_بنت الوارمة مورمالي رِجلي فعلاً بس مش معنى كدة اني مبقاش جنبك لما تحبي تهربي من كل حاجة ،  متنسيش اننا تلاته في الحلو والمُر من زمان أوي ، ايه اللي اتغير؟




        
          
                
شاكستها "ياسمين" ورددت الأخير بجديةٍ ، فإستندت "جميلة" برأسها عليها مثل "نيروز" وردت بهدوءٍ :



_ مفيش حاجة اتغيرت فينا ، الدنيا بس هى اللي بتتغير ، كذاب مين قال ان البني آدم بيتغير والدنيا لا .



_هو مش كداب اللي قال كدة يا "جميلة"، وآه في حاجات اتغيرت فينا ، اللي اتغير فيكي هي قوتِك اللي شيلتيها خالص بمجرد ما حبيتيه ، كنت هنا في نفس المكان ده وقولتلكم مهما حصل مش لازم نرمي كل حاجة على حد مكانته عندنا كبيرة ، لازم نعتز بالقوة والاستحمال والطاقة اللي ربنا عطاهلنا عشان الدنيا ملهاش أمان ، بعيداً عن زعلك على "عز" ، لأن ممكن ربنا عمل كدة عشان تقوي أكتر في بعده ده لحد ما يرجع ، عشان لما يسيبك تكوني قوية في غيابه اياً كان ايه هو نوع الغياب ،  ده اللي عيشت ازرعه في "نيروز" ، كنت بقولها بشهادتك ..ان مهما كنتي فاكرة نفسك ضعيفة فانتِ مش كدة واثبتي لنفسك العكس في عز ما تكوني فأضعف حالاتك ، كنت بقول ولسه بقول ..فاجئي نفسك بالعكس عشان تعرفي تعيشي!



هناك أمل ما من مصدر القوة ، مصدر القوة والاحتواء الجاد بالثبات التي تجلس بينهما الٱن ، رفعت "جميلة" رأسها  تبتسم لها بتٱثرٍ فهي دوماً "أُم" لها في الاحتواء القوي ، اعتدلت "نيروز" تحرك رأسها بتضامن لـ "جميلة" التي زفرت بتعبٍ خرج أمام حديث "ياسمين" العقلاني لها :



_ارضي كدة  وعودي نفسك تتماسكي ، حتى ولو غصب عنك بتلاقي نفسك مش قادرة بس لازم تحاولي ، اللي مبيحاولش ده ببقى انسان ميت بس حي ! ، في غياب زي ده مش لازم تعيطي ، لازم تقفي ثابته تبيني للكل انك قوية قد غياب جوزك اللي مش عيب ابداً تحاولي تدوري وتشوفي هو ممكن يكون فين ، مش ممكن يكون محتاجك ، مش ممكن تكوني هتعرفي توصليله عشان يرجع؟ أو حتي مش يمكن ثباتك ده يحط قوة وصبر في مامت "عز". و"فرح" ، أنا شوفتهم داخلين عند عمو "حامد" من شوية والزعل مغير ملامحهم ، انتِ بدل "عز" ، انتِ اللي هتعرفي ترجعي جوزك يا جميلة.



وجدت الشغف بين الكلمات فإعتدلت تمسح دموعها بشرودٍ ونظرت "نيروز" ناحية "ياسمين" التي ابتسمت لهما وشاكستهما بعيداً عن كل هذا وهي تسألهما :



_ عندي ليكم عرض  ميتفوتش ، لأجل وصلة النكد دي ، اطلبوا أي حاجة اجبهالكم حالاً أو انفذهالكم ، الواد حازومي لسه قابض  فبراحتكم بقىٰ .



خرجت ضحكة "نيروز" على حديثها كما ضحكت "جميلة"مستسلمة وصمت أمام قول "نيروز" :



_عايزة مشبك!



عقدت "ياسمين" ما بين حاجبيها بغرابةٍ من هذا الطلب ، التي اعتبرته "جميلة" وحماً فهتفت تتساءل :




        
          
                
_بتتوحمي ولا ايه؟



فأجابتها "نيروز" بضحكٍ وهي تتلمس معدتها :



_مش عارفة!



_خلاص هجيبلك ، قوموا معايا نتمشي على أول الطريق ، بس لسه انتِ  يا "جميلة"، قوليلي عايزة ايه يلا بالمرة!



هتفت "ياسمين" بحديثها هذا ونهضن الثلاثة قبال ترقب الاثنان على الثالثة التي اهتزت عينيها وعبرت عن رغبتها التي لحت عليها منذ ان علمت انه قُتل :



_أنا مش عايزة حاجة ، أنا بس كان نفسي ٱعمل حاجة ونفسي توافقوني وتيجو معايا ومش هنتأخر .



نظرت"نيروز" إلى "ياسمين" التي تساءلت بفضولٍ  مازح بعد الشىء للتهوين عليها :



_طب قوليلي عايزة تعملي ايه واحنا عنينا للحرباية !



ابتلعت "جميلة" ريقها بتشتت وأخذت أنفاسها تُخرج برغبتها التي جعلتهما صامتتين لبرهة من الزمن أمام هذا الطلب الآن وهن معاً أمام المياة التي تشاركهن المشهد :



_عاوزة أزور قبر بابا!



نبستها بنبرةٍ ضائعة ، اعتقدت ان بمجرد هذه الزيارة سينشغل عقلها بأشياء أخرى غير التي تؤذيها! ، ولكن هناك من اهتزت ملامحها خوفاً ، فإبتلعت ريقها ووجدت نفسها تُحاصَر من رفيقة دربها ، إما ان ترفض لها هذا الطلب كي تنفذ حديث "غسان" لها بعدم الذهاب إلى هناك من دونه ، اما ان توافقها وتذهب وتترك ما يأتي بعد ذلك يأتي دون ترتيب! ، ولكنها لا تضمن حالتها النفسية التي تفاجئها هى نفسها قبل أن  تفاجئه وتفاجئ الجميع!!



هنا بجوارها شقيقتها التي لديها خفة في انقاذ أي وضع بالتفكير السريع ، ولكنها الآن لم ترض الرفض لـ "جميلة" حتى لا تذهب بمفردها وهى كذلك ، ومن ناحية أخرى لم تكن تعلم السبب الريئيسي لخلاف شقيقتها وزوجها والذي أدى إلى الطلاق!! ، ولكنها تراها الآن بحالة جيدة نسبياً !!



_هو انتِ بصراحة مش ناقصة نكد وحِزن ، بس أنا موافقة عشان حاسة بيكي ، وحاسة قد ايه الواحد مببقاش عايز حاجة غير الزيارة دي فعزم ضغوطة ، موافقة بس بشرط ..



نظرت "جميلة" بعدستيها لـ "ياسمين" التي أكملت بعدما زفرت أنفاسها :



_بلاش عياط ، بلاش أي حاجة تتعمل لمجرد انها تضغطك وانتِ كدة ، موافقة؟



أرادت ان تُدللها كصغيرة ، بينما هى يطلق عليها أم في العلاقات التي تشابه علاقتها بشقيقتها والأخرى ، نظرت "جميلة" في تأثرٍ وحركت رأسها موافقة قولها فيما وقفت "نيروز" تفكر بترددٍ قطعه قول "جميلة" المُقدر لحالتها عندما تراها عائدة من هناك :




        
          
                
_لو مش حابة يا "نيروز" بلاش ، ياسمين معايا خلاص!.



طالعتها "ياسمين" بتضامن لقول "جميلة" ، فأنهت "نيروز" هذا ولم ترض ترك رفيقة الدرب التي تساندها دوماً وجاء وقتها لتساندها  هى الأخرى ..



_لأ عادي ، يلا عشان  نلحق بس ، لأن "غسان" هيرجع ياخدني عشان نكشف، فبسرعة بقى.



ربما تعجلت كي تعود قبل أن يراها! ،ولأن المقابر قرببة سار الثلاثة على أرجلهم بخطواتٍ متوسطة شاردة وبدأت حينها "ياسمين" بسؤالها المهتم :



_طب الاقي فين المشبك ده يا "نيروز" علشان  اجيبهولك ؟



طالعتها بملامح جاهلة تعلن عن جهلها فصمتت ، وخرج رد "جميلة" بعد وقت تخبرهم بنبرةٍ حملت بين طياتها الوجع:



_ "عز" كان راجع مرة وجايبهولي ، اعتقد هيبقى في مكان الورشة هناك.



كان هذا آخر قول منها وهي تتخطى البوابة التي وُجِد عليها العامل ، تخطت كل منهن وبدأ بترديد قولهن :



_'السلام عليكم دار قوم مؤمنين، انتم السابقون وإنَّا ان شاء الله بكم للاحقون يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين.'



جعلتهم الخطوات بعد ذلك أمام المُبتغى ، القادمين لأجله وصوت الشيخ الذي طلبه "آدم" يعلو ، وهن الثلاثة في صدمة ومفاجأة من وجود "فريدة" مع "آدم" الذي جلب لها مقعداً لتجلس ووقف هو بجوارها وجوار الشيخ ينصا بتمعنٍ وسكون.



_«قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ ، قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ،وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ , قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ , قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ, قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ»




        
          
                
كانت آخر آيات سورة "المُلك" ،سورة  من السور المُفضل قراءتها للمتوفي ، انتهى الشيخ من هذا ثم رتل بقول آخر يصدق به الٱيات الكريمة :



_صَدق الله العظيــم.



وعقب ذلك استطاعت كل منهن التحرك للاتجاه ناحية "فريدة" التي انتبهت لهن مثل "آدم" ، ولكن كان هناك نوع من أنواع الاحترام والسكون لكلمات الله التي تُرَدد بيقينٍ وإيمانٍ وصوتٍ خاشع هادئ مُريح على قلوبهم!



عانقن بعضهن في احتواء لهذه اللحظة ، ولمعت عيني "جميلة" بتأثرٍ وتفهم وهي تعانق شقيقتها الآن ، هى الأخرى ظهر بها نقطة الاشتياق المُوجع ترصصن بجانب بعضهن لقراءة سوؤة الفاتحة  على روحه ، فيما وقف هو بهدوءٍ ينتظرهن كي يوصلهن قبل ان يحدث أي شئ مُعبراً عن الوجع منهن! ،أخرج "آدم"أنفاسه بصوتٍ هادىء وتخلل أذنه صوت شهقات "جميلة" التي احتوتها"فريدة"  مقدرة حالتها جيداً عن اي شخص ، ووقفت بها تدخلها بين ذراعيها وهي تردد باختناقٍ لها كي تهدأ:



_بس ..بس خلاص عشان خاطري يا "جميلة" ، بالله عليكي بلاش كده,خلينا ندعيله ، مفيش في ايد حد فينا حاجة غير اننا ندعي ان ربنا يسامحه على اللي عمله وعلى اللي كان السبب في اللي احنا فيه دلوقتي ، عمرنا ما هنغير حقيقة انه ابونا وانه كان مؤذي بس لازم نتأقلم ونرضى ، اهدي عشان خاطري انا .



مسحت لها "نيروز" وجهها بالمنشفة الورقية التي توجد بين يديها فيما وقعت دمعة "ياسمين" وهى تنهرها بحزمٍ لم يلق مع دمعتها التي خانتها وخانت قوتها الزائفة :



_بقى هو ده اللي احنا اتفقنا عليه؟.



نفت برأسها تستمع إلى حديثهن ، وتقدم "آدم" شاعراً بقلة توازنها فحث "فريدة" قائلاً بقليل من الحرج كونه الرجل الوحيد بينهن الآن :



_ قعديها ترتاح على الكرسي يا "فريدة"، وخدي شربيها الماية دي.



أجلستها بالفعل كي تستريح ، ووقفت "نيروز" تنظر لقبر والدها  وتأسفت بهذه اللحظة بعينيها وكل ما تريد قوله تم منعه الآن لأنها معهم! ، فصمتت مُجبرة وخرج قولها الذي استمع اليه الجميع من خلفها :



_وحشتني أوي يا بابا ، ياريتك كنت هنا معانا.



وضعت "ياسمين" ذراعها عليها ووقفتا الاثنان معاً كما وقفت "فريدة" في الخلف بجانب "جميلة" المُنهكة ، وهذه تعد لحظات من ضمن اللحظات المُتعبَة! ، فهو الآخر كان عند قبر "والدته" قبل قليل ، هو أيضاً فقد شخص غالٍ على قلبه ، شخص  مُعلق بقلادته الثمينة التي تتمسك بها "فريدة" الآن وهي تراقبه بعدستيها وكأنه فهم احتواءها له من على بُعدٍ فابتسم يطمئنها وهو بموضعه ينتظرهن!!




        
          
                
_____________________



قبل قليلٍ كان بآخر مكان كان يتوقع الذهاب إليه ، على الرغم من انه تحدث مع هذا الشخص من قبل ، بينما  أول مرة يجلس في عيادتهِ كضيفٍ لا كمضطرب نفسياً !! ، أشياء كثيرة تقتحم عقله والخوف هو من جعله يأتي إلى هنا ،  مطالعاً ذلك الذي يجلس أمامه واضعاً ساق فوق الأخرى وهو ينتظره ينتهى من ما جلبه له من كتبٍ وأوراق يقرأ منها كي يتفهم بطريقة أوسع وأضمن بعدما رأى به صعوبة ثقته السريعة في من أمامه ، على الرغم من انه لم يتماشى بعد ان شقيقه قد تم علاجة النفسي هنا ، على يد هذا الطبيب .."عاصم أمين"..



خدعها بخفةٍ عندما ردد لها بأنه ذاهب إلى "شادي" صديقه! ، ولكنه لم يكن ذاهباً اليه بل كان هنا ، حيث مكان تواجدها من قبل للتعافي من ما كان تقرر التعافي منه ومن داخلها لا تقتنع ، بالفعل كانت قد تعافت من أشياء عدة ، ولكن هذه المرة كان هناك شئ جاء فجأة من عزم الضغوط، شئ يعد  خطراً عليها وعلى من بأحشاءها ولم تفكر قط بالذهاب كي تُعالَج!!



قرأ ومن غيره بارع في القراءة والمتابعة السريعة بسرعة بديهة بطبيعة عمله ، هو الآخر يجلس كمن يجلس بملكٍ له!! ، واضعاً ساق فوق الأخرى وعينيه لا تفارق الأحرف التالية :-



_الإنهيار العصبي مرض نفسي يصيب باكتئابٍ عميق ومزاج سيئ وعدم مبالاة بالنشاطات وإحساس حادّ ومزمن بالإرهاق والأرق والأفكار السوداوية تترافق هذه الاضطرابات مع تقلّبات مزاجية تتفاوت حدّتها ونسبتها ومدتها بين أسابيع وأشهر تسبّب معاناة نفسية وتغيّراً في الأداء الاجتماعي ، قد يرتبط احياناً بصعوبات الحياة ، فقد يرتبط بالتوتر الحادّ والمستمر أو بفترات معينة من السنة أو الحياة تنعكس أعراضه بشكلٍ ملحوظ على أداء الوظائف اليومية، وتتأثر علاقات المريض الاجتماعية والزوجية والأسرية وحتى علاقاته مع أصدقائه وزملائه…



_يصعب على الأشخاص الذين يحيطون بالمريض فهم حالته المرضية، ما يدفعهم إلى الارتباك والقلق والخوف ،.  إذ يصعب عليهم اختيار طريقة التصرّف الصحيحة لمساعدة المريض من دون الإضرار بأنفسهم. لا ينمّ هذا المرض عن ضعفٍ في الشخصية، لكنّ لا تكفي الإرادة وحدها للتغلب عليه، ذلك أن هذا المرض يولّد لدى المرء شعوراً بالدونية وأفكاراً سوداوية غامضة بعض الشيء وقد تكون غامضة ..



_كما ان الانهيار العصبي أحد الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً، إلا أنّ نصف المصابين به تقريباً يجهلون حالتهم ..تعتبر نسبة لجوء الرجال والشباب والمسنّين إلى الطبيب متدنّية، ويجهل مرضى كثر إلى من يتجهون أو ما هي الإجراءات المتبعة..كيف يمكن تخطّي الانهيار والكآبة؟ العلاج بالأدوية  لأن أحياناً الأدوية هي الحلّ الأكثر شيوعاً ضدّ الانهيار تعمل مضادات الاكتئاب على السيروتونين وناقلاتنا العصبية وتستلزم بعض الوقت قبل إعطاء المفعول المطلوب، كذلك يجب المرور بمرحلة أولية للتأكد مما إذا كانت كمية الدواء ونوعه مناسبين للحالة أم لم تناسب بعد..




        
          
                
رفع "غسان" عينيه بعد قراءة هذه المعلومات الدسمة التي تحمل تفاصيل عدة تقلقه وبنفس الوقت تعطيه أمل ، ولكن هناك الخوف الذي أخفاه وهو بتساءل بدون مقدمات :



_هى مش كانت هنا قبل كده ؟ ، متعالجتش منه ؟ مخدتش اي أدوية أو منتظمتش بجلسات خاصة ليه عشان ميرجعش تاني؟



خرجت التساؤلاات كذلك فيما طالعه "عاصم" الذي ارتشف من كوب القهوة بهدوء ثم اعتدل يوضح له أكثر :



_استاذ"غسان", أكيد حضرتك قرأت وشوفت وعرفت ان أغلب اللي عندهم الحالة دي مبيعترفوش بيه ولا بيهتموا انه مرض نفسي محتاج يتعالج  ويتواظب على علاجه ، حتى لو كان دا عندها من قبل وجت هنا فهي معترفتش من جواها ان ده بيجي ليها في وقت الضغط  وحاجة بتحتاج انها تتعالج منها ،  يعني حاجة مجتش فخلاص مش هتيجي تاني ، اه هي اتعالجت من حاجات كتيرة بس في حاجات لسه غصب عن البني آدم وغصب عن الطب النفسي بتسيب الأثر اللي ممكن يرجع كل ده تاني وترجع تنتكس ودا عامةً مش على الانهيار العصبي بس ، لأن لو على الانهيار العصبي فهقولك انه محتاج علاج ومحتاج حد يكون فاهم ومدرك ان ده تعب ومحتاج دوا ليه سواء نفسي او بأدوية مضادة ليه..



ثم أضاف سريعاً يثبت له بابتسامةٍ جذابة :



_إقلب الصحفة ، اتفضل كمل عشان تبقى مدرك بنفسك.



نظر له "غسان" مطولاً محدقاً بإنصاتٍ واهتمام ولبى قوله ما ان نظر ناحية الصفحة الأخرى كي يرى ما قد اعتقد انه انتهى إلى هنا :



_العلاج النفسي يُنصح به للمراهقين والبالغين على حدٍّ سواء، إلا أنه لا يكفي وحده في حالات الإنهيار العصبي الحاد، وله فائدة كبيرة لدى الأشخاص الذين يطاردهم القلق بشأن العلاقات يندر ألا يترافق العلاج النفسي مع العلاج بالأدوية ويمكن اللجوء إلى التحليل النفسي أو العلاج التصرفي أو الإدراكي، لكن الأهم أن يتم العلاج طواعية وبمرافقة أسرة المريض ودعمها.



_والانغلاق على الذات والصمت أحد أبرز الأسباب التي تفاقم وضع المريض، لذا يشدد الأطباء النفسيون على ضرورة أن يفضي المريض بمكنونات قلبه إلى الأسرة أو الأصدقاء أو الطبيب، لأنه بذلك يختصر طريقة المعاناة ويسير على طريق الشفاء، ويتأكد من أن عجزه ليس إلا حالة موقتة.



طالعه بعد ذلك وهو يرفع رأسه بتفهمٍ لما كانت قد فعلته من صمت حتى تراكم هذا فظنت انها تتعافي ، الأمر معقد وأكبر من ما كان يتخيل مادامت لم تعلم الي الان بأن يتوجب عليها الاقتناع كي تُشفىٰ !!



_أكيد فهمتني دلوقتي ، وفهمت انها اختارت بنفسها تتعالج نفسياً  مش علاج آخر ، وبكدة ضيعت كل ده  من جهة تانية لما دارت ومحبتش تبوح عن اللي جوه ،  ساعتها من بين حاجات كتيرة كانت بتعاني منها كنت بقولها لازم تتكلم لازم تتفاعل ولازم تشارك مادام اختارت تتعالج نفسياً .




        
          
                
اخذ "غسان" أنفاسه بتعبٍ وانقذ ذاته  من التشتت والشرود بها ، واعتدل يسند الكتاب على الطاولة الأنيقة بحداثتها ، وأخرج نفساً عميقاً يفسر له بنبرةٍ ظهر بها الخوف  وقتها :



_أنا عايزها تقتنع ان ده شئ  لازم يتداوى وان ده خطر عليها وعلى اللي في بطنها ..



توقف يأخذ أنفاسه بتقطعٍ وأكمل بهدوءٍ وارى خلفه القلق :



_أنا مراتي حامل ، يعني مش مستعد اخسرها في مرة ولا اخسر عيالنا ، أنا للأسف طاقتي معتش فيها يكفي الاستحمال للضغط ده كله، أنا تعبان لأجلها هى ومش عارف اعيش في راحة بال بسبب خوفي عليها، كل اللي اقدر اقوله لك عشان تنصحني ..ان انا عندي طاقة بس طاقة احاول ولو مش عندي هفضل احاول لحد ما تتقدم وتبقى أفضل، أنا جاي لك النهاردة مش عشان دكتور وهتفهم كل ده ، انا جيت عشان أفهم أكتر ، جيت عشان الاقي مساعدة بكل الاشكال مش بس بشكل الطب النفسي..عارف انك هتقولي ان الخطوة لازم منها ، بس هى نفسها مش مستوعبة ان كل ده بيحصلها وعندها وخطر ،عشان كدة انا محتاج مساعدة ، محتاج تقولي ايه في ايدي اعمله وفي  نفس الوقت تتقبله هى ،  ولو العلاج بالأدوية مش لازم يبقي مع العلاج النفسي انا جاهز  وبسألك ايه أفضل ليها ، لإني مبرجحش انها تاخد اي علاج ليه نتايج سلبية فيما بعد عشانها وعشان حملها وصحتها.



ردد حديثه بلهفةٍ غريبة لم تظهر بالكثرة الا الآن ، فيما تفهم الآخر حالته ووضح :



_ أنا مقدر كلامك وخوفك ده ،لأنه الطبيعي ، ولكن بالنسبة مثلاً للعلاج ففي علاج مش هيأثر عليها وانا هشوف ده طبعاً بما انها حامل ، دا غير ان العلاج ليه أشكال كتيرة غير ده ، بس اشوفها من تاني عشان اقدر احدد هى هتبقى كويسة على ايه ، بس اهم حاجة واللي هيفضل ثابت مع كل شكل هو العزيمة والارادة منها هى نفسها .



حسناً قد توقفت كل الحلول بعدم رده بها الا بوجودها !! ، بالطبع الأمر يتطلب تواجدها بعد كل هذه الأحداث التي غيرت بها الكثير عن قبل ، وافق "غسان" برأسه ، وهو يطالع عنوان الكتاب الذي اسنده بشرودٍ قطعه هو كي لا يتعمق أكثر ، وتحدث قبل ان يقرر الذهاب حينها :



_هحاول عشان تيجي وتبدأ من جديد بالعزيمة المطلوبة.



_ وانا واثق في محاولاتك كلها ، وعلى فكرة الموضوع أسهل من ما تتخيل ، انت بس اتعامل صح ، وهى كمان لو كانت عايزة فعلاً تتعالج عشان هى عايزة كدة الموضوع هيبقي سهل جداً ومش هيطول في العلاج حتى ولو كان ايه شكل العلاج ، أهم حاجة إرادتها يا "غسان" .



رده كان ابتسامته وقوله الذي ردده بصدقٍ بعدما وقف واضعاً هاتفه في جيبه معدلاً قبعته:



_شُكراً يا دكتور "عاصم".



_متشكرنيش ده شغلي يا "غسان" واسمحلي اقولك "غسان" عادي عشان مش شايفك غير "بسام" صديقي اللي بعزه جداً ، ربنا يديم  القبول في وجوهكم دايمـاً .




        
          
                
رد بإبتسامةٍ وحديث لم يتعمد تذكرة بعدما تذكر هذا الحوار الآن بالكامل وهو يقود الدراجة البخارية بسرعةٍ , كان هذا من بين شروده بعدما خرج وتم ما حدث ثم عاد ومن حسن حظه انه لم يتلاقى بـ "آدم"و"فريدة" اللذان كانا هناك وقتها بعده 



شرود عميق والسيارات تصارع نفسها على  الطريق وهو بين اثنتان الآن  حتى تخطاهما بسرعةٍ أكبر ومن عزم هذا الاحتكاك لم يسمع دقات الهاتف في جيب بنطاله الأسود! ، يُنهك..يتعب لاجلها وهذا ما يلحظه والده به لأنه يرى بعدستيه تعباً يحاول اخفاءه! ..



بفعل الهدوء في السرعة  ثم "الفرامل" كانت سبب في ايقاف الدراجة سانداً قدميه أرضاً بطول ساقيه أمام المبنى الآن وهو يميل كي يخرج هاتفه  ناظراً نحو إحدى الشرف ربما تكون هناك واقفة تنتظره كما حثها بعدم تأخيره ، طلب رقمها الآن متتظراً بدلاً من الصعود مقرراً الصعود عندما يتساءل في المكالمة ما ان كانت تقدر ام لا ،  هل تناسى بأنه حثها على الخروج؟ ام انه توقعه خروج سريع أمام المبني لدقائق ثم العودة؟؟..



لمَ لم تجيب على الإتصال من أول مرة ؟، زفر أنفاسه بهدوءٍ ، ثم نظر للأعلى لبرهة وهو يضع الهاتف على أذنه مبتسماً نصف ابتسامة لشخص ما يسكن فوق شقته ، جاراً له ، فترقب للرد ..



..



في حين على الجهة المقابلة ، ابتلعت "نيروز" ريقها بتوترٍ وهي تسير بجانبهن بعدما خرجن وهو معهم ، لاحظت "ياسمين" صمتها وعدم ردها على المكالمة في حين من قبلهما كان يسير "آدم" ومعه "فريدة" التي تمسكت بـ"جميلة' ، فيما نطقت "ياسمين ", بغرابةٍ لها وهى تتساءل :



_مبترديش ليه؟



وزعت "نيروز"  نظراتها بينها وبين الطريق وردت بتوترٍ وهي تسبق عنها بخطواتٍ بسيطة :



_هـرد اهو!



هل قتلت التردد ام ان التردد هنا بين الكلمات التي تخرج وباهتزازٍ منها؟، شعرت بأنها تعطي الأمر اكبر من حجمه فيما ذهبت هذه الفكرة عندما وجدت نفسها تكذب فيما بعد..!!



_ألو ، ايوة يا "غسان".



ردت بهذا بينما على الجهة الأُخرىٰ  خرج صوته بهدوءٍ متسائلاً :



_مبترديش ليه ؟



_كنت قاعدة مع "جميلة" فمسمعتش التليفون ، لو بتتصل عشان البس فأنا هجهز وانزل استناك اهو .



هل وضحت للتو انها في الشقة؟ ، حرك رأسه يُجيب بتوضيح لها أكثر كي يخبرها بأنه بالفعل بالأسفل بينما هربت الكلمات منه ما ان وقعت عينيه على طيفها من على بعد وهي تحدثه ولم يرد!! ، أهبط الهاتف من على أذنه ولم يفارقها بمراقبته الصامته عن اي رد فعل ، بل سكن غالقاً الخط دون النظر ناحية شاشة هاتفه واعتدل أكثر ما ان وجد "آدم" يتحدث بشئ لهن لم يسمعه هو بينما كان قوله لهن كي ينتبهن :




        
          
                
_دا "غسان"هناك اهو.



اهتز الهاتف من بين يديها التي  ارتجفت للتو ووجدتهم يقتربون معه وهى في الخلف  وقفت لدقيقة تستوعب والخوف رفيقاً لها ، ابتلعت غصتها وتحركت بصعوبة تقترب بترددٍ وهى تهرب من عينيه التي تحركت من عليها للتو عندما رحب به "آدم" والذي وجد منه السؤال سريعاً :



_كنتوا فين كدة؟



فخرج رد "آدم" بعفويةٍ دون ان يلحظ بأنه فعل شئ ما بينهما الآن!! :



_أنا كنت مع "فريدة" في المقابر ولقيتهم بعد كدة جايين هناك.



تحركت عدستي "غسان" ناحيتها وهي صامته هكذا بوجة قد احمر من التوتر ، فيما صعدن هن وودعه "آدم" حتى يصعد وقال ينهي وقفته بـ :



_ المكنة معاك ، خد راحتك ، انا طالع انا ومستنيك على ما تيجي براحتك 



وأشار ملوحاً بعجالةٍ حتى يلحق بهن :



_ سلام.



انسحب في حين اشارت "ياسمين" لها من على بعدٍ فابتسمت لها "نيروز", ابتسامة ليست صادقة من عزم ارتباكها الذي جعلها تردد بتقطع أمام عينيه التي تراقبها :



_"غسان"، أنا والله مـ..



_اركبي!!



رددها مغيراً مجرى الحديث بتجاهل الأمر آخذاً موقف!, تجاهل وفتور قصده  معها ، أكثر شئ تكرهه ،  لمعت عينيها من ما اقترفته للتو ، وتصلبت حركتها  تحاول التبرير :



_اسمعني طيب أنا مكنـتش عايـ…



بتر قولها مجددا ببعض من الحدة التي ظهرت بقوله وهو ينظر إليها مشيراً :
_ يلا!.



نظر "غسان" يحثها بعينيه ، ملقياً نظرته التي تخترقها وكأنها تكشف ما تفعله وما بها من الأساس ، هذا الموقف الذي حدث بفعل كذبة صغيرة جعل الأمر مرتِبك حتى انها ركبت خلفه بسكونٍ مُريب بعباءتها دون الصعود لتبدل ثيابها !!



التفت "غسان" برأسه ينظر ما ان  تجهزت أم لا ، واهبط ذراعه يلملم أطراف عباءاتها كي لا تُسحب في الأسلاك الحديدية ثم لتقع أرضاً ، ودارها بخفةٍ ، وهذا الصمت التي تلقته منه كعقابٍ كان قد شعرت به من قبل عندما طال الخصام بينهما في مرة من المرات  حين تعَبَ والده!!



تساءلت وكأنها  تهرب من ما فعلته بتسرعٍ..ان لمَ في كل مرة تذهب معه إلى الطبيبة للكشف يحدث شئ يدمر اللحظات التي تنتظرها بفارغ الصبر؟
سارت  الدراجة  البخارية بسرعة بفعله والصمت سيدهما وعيناها تتفحص تعابيرة في محاولة لهذا وهى خلفه جالسة هكذا! ، وصوت ما جاء بعقلها وحثها على عدم التحدث كي لا يتجادلا ، وتابعت ان في كل مرة يبتعد بصمت وتجاهل هكذا وهي من تُصر على الحديث والمواجهة فينقلب الأمر! ، تعمدت الصمت هذه المرة ومدت ذراعيها تتمسك بمنتصف جسده وبادرت في الاستناد عليه من الخلف بسكونٍ مغضمة عينيها وهى تتمنى ان هذه العقبة السريعة تزول سريعاً كما جاءت دون حسبان منها وكما اتت بكذبة صغيرة لم تستمر وكبر حجمها ؛ فقط لأنها تسمىٰ"كذبة" مهما اختلف حجمها!!




        
          
                
____________________



«وأنا حزينٌ يا أبي
كـ حمامةِ الأبراج
خارجَ سربِها
دُلَّني! 
لِمَ جِئتَ بي؟»
-محمود درويش-



يسأل نفسه ، لمَ جاء على حياة كهذه؟ ، يُنهك بها كل الوقت وليس أغلبه ، دموع كثيرة تنهمر أو انهمرت منه وهو يقضي اليومين بعيداً عن كل مكان يُتوَقع وجوده به ، لا يلوم سوى الحياة ومن قبلها شخص واحد فقط ، شخص يخفي له كره كلما تشتد به أزمات الحياة ، سره بكرهه لما فعله به هذا الشخص ،  فيسأل : هل أكره أبي؟ ، لمَ لم أردد أبي في الحديث بين الكلمات ؟ ، البغض الذي يحمله تجاه شقيقه هو نفسه من يحمله تجاه والده؟!



هل كل الأيام كِفاح؟ جهاد؟ تعب؟ مشقة؟ شقاء؟، عناء ؟، اسئلة كثيرة يسألها لنفسه المسكينة منذ ان فر هارباً من مكان تم كسره به كما كسرته الحياة بما فيه الكفاية! ..



المشاهد تتولى في ذاكرته والعقبات تعود ليتذكرها ووالده هنا في عقله لا يذهب أبداً ، لا يذهب ، والده هنا حقاً أمامه في هذا القبر في بلدٍ أخرى يعتبرها بعيدة عن بلده الذي عانى بها !! 



_إذيك يَابَا ؟!



بنبرةٍ مبحوحة قاوم على اخراجها ، خرجت أخيرًا  من بين الأفكار والأقوال والأحلام التي ماتت بداخله .. هنا حيث من كان سبباً في موت هذه الأحلام ..مسكين حتى في أحلامه الصغرى الذي لم ينساها لم يحقق اي منها ، لمَ وَعى على هذا؟ ، أنفاسه تتصاعد وبعد قرارات مترددة  كثيرة ، هو هنا الآن أمام قبر والده ينهج لأن ذاكرته تضعه أمام الأمر الواقع! ، سلب أنفاسه ، كما سلب أحلامه مقابل رحيله المبكر حتى يصبح مسئولاً ، طفلاً مسئولاً لا يفقه شئ ، لكنه مسئول ، قبال ضياع الأحلام ، قبال كل شئ مات بداخله فور وفاته!! ..



ألا يكفي ابتعاده عن المنزل ليومين فر بهما في مسجد ما بعيد جلس به وقت كبير ثم عقد العزم على الذهاب للوم والمواجهة وكأنه اختل للتو ، لأول مرة بحياته القاسية يقرر لوم والده وهو في قبره ، غير عابئاً بالمارة ومن حوله .. هل كان هو ؟ كان من لم يرى عدلاً في حياته من البداية إلى النهاية؟ ، لمَ يُردد النهاية الآن؟ أم أنه يقتنع بأن شخص مثله نهايته مثل بدايته؟ ،. هل كان "عز"؟



استند "عز" بإنهاكٍ على صخرة القبر الذي خلفه مطالعاً القبر الذي أمامه ، بملابسه التي أظهرت مدى انهاكه بعدم ترتيب أزرارها من الأمام ، وجهه الذي يصب عرقاً ، بشرته القمحية المنهكة وملامحة المتعبة بعينيه التي  زاد احمرارها من الضغط  والتي سقطتت دموعها الآن منه وهو يحدق بالقبر، ظل تائه إلى ان جعله القدر هنا حيث والده .. أسئلة كثيرة داخل عقله المتعب وأمام هذه المواجهة الذي يتخيلها وحده .. عاجزا..




        
          
                
_مش عارف..مش عارف أبدألك منين ولا من فين..بس أنا تايه ، تايه أوي بسببك ولسه تايه ، ليه  يابا؟؟ ، قولي ليه ؟، رد عليا وقولي أنا كان ذنبي ايه ؟؟؟.



مرات عديدة يكن بها مضغوطاً ولكن هنا والآن حيث أول مرة تنهمر منه الدموع هكذا ، نام من قبل نومة مظلوم والآن يبكي بكاء المظلوم ، يستجوبه بهستيريةٍ في البكاء ولم يتوقف بل ازداد وازداد وهو يلومه بضعفٍ في بدايته:



_ليه جيبتني الدنيا القاسية دي، أو حتى قولي ليه كنت قاسي وسيبتهم وهربت على أمي؟؟, ليه سيبت ضناك عشان تيجي تجيبني للدنيا من واحدة غلبانة مكانتش شايفة غير حبك وبس ، مكانتش عارفه انها ظلمت زيك بالظبط لما وافقت على وضع زي ده ..قولي ليه بتقهرني في كل مرة بفكر وانا بحط نفسي مكانه ، مكان ابنك اللي سيبته وعقدته وكبر يخرج عقده علينا لحد ما بوظ حياتي ،لحد ما هيجيلك خلاص.. رد قولي هو أنت قاصد كل ده ؟؟  قاصده في عيالك  اللي من صلبك اللي بهدلتهم وانت بتختار نفسك وبس؟



شهقات وبكاء لم يخرج من قبل من رجل تحمل ما تحمله ، ولكن الآن انفجر بركان يدخر الكثير من الأوجاع ، انفجر قلب منهك مُغلق والآن فـتح أمام مقر الأوجاع :



_ياريٕتني كنت مُتّ  بدالك من قبل ما أكبر واحارب نفسي كدة ، من قبل ما اوعى  على نفسي وانا مبحاربش غير دماغي مع الدنيا ، سيبتلي عَيّلة صغيرة متعرفش يعني ايه أب ، وسيبتلي ست ماقدرتش على الدنيا من بعدك لحد ما جالها المرض اللي فضل يحارب فيها  ، سيبتلي حِمل كبير كبير أووي.



واسترسل يوضح الأسرار الذي كتمها دون البوح ، أسرار متعبة ، ماتت بداخله مع موته ، أسرار ماتت ولكنها تركت الأثر هنا ، تركته في الفؤاد ، فؤاد لم يتماشى مع أي دواء لداءه ، داءه كان حلم ، حلم لم يستمر حتى ليصبح القول حُلم ، حتى هذه الكلمة حُرم منها ومن قولها  مبكراً : 



_حِمل وتقل أكبر بكتير أوي من عيل كان كل همه هجيب ازاي طيارته  الورق اللي وقعت على سطح الجيران ، أكبر من عيل بيحلم زي كل العيال اللي حواليه ، كان بس عايز يتقاله يا دكتور ويبقى حاجة فخر بدل ما  انا قٍله , هو كان كتير عليا يابا ؟ كان كتير عليا احلم ؟



الآن واتضح بالواقعية الأكثر عندما كان يُسأل لمَ شخص مثله يدعم زوجته كل هذا الدعم؟ ، هل كان هناك رجلاً مثله في واقعنا هذا؟ أم ان هناك سر ما وراء هذا الاحتواء الذي كان أكبر من حجمه؟ ، نزلت دموعه بقوةٍ وضرب حائط القبر بكفه وهو يُشهده بهستيريةٍ في القول:




        
          
                
_قولي ، قولي بس .. انا كتير عليا كل ده ؟؟؟ مشيت ليه؟؟ خلفتني ليه ؟ طب خلفتهم هما ليه؟؟ ، ليه سيبتهم ومشيت؟؟؟ ليه حبيت امي ومحبيتناش ؟ ليه حبيتها ومحبتهمش؟؟؟؟ ، ايه ذنبنا؟؟؟؟ رد عليا ، متسبنيش كدة!!



ان رآه شخص ، سيُردد للجميع بأنه اختل في عقله للتو! ، ابتلع غصته بمرارةٍ ، مرارة في كل شئ حدث له ، نزلت التي لم تتوقف بعد ، نزلت دموعه بغزارةٍ وكأنها سماء تمطر مطراً غزيراً بعد عطشٍ كبير من الأرض! ، أرض بور جافة متشثققة لم ترى بحياتها ساقٍ قط! ..



_عيل غلبان طلع من المدرسة وطلّع أحلامه من عقله ، طلع رسمته اللي اتشخبط عليها من الدنيا ورماها زي ما رمى طوبته من كل حاجة كان نفسه فيها ، قولي كدة وانت موجود حسستني انك ابويا ؟ حسيتني انك ضهر  طول ما انا قاعد فاكر انك سيبت غيري ، كنت عايزني اديك الأمان ازاي وانت سايب لحمك وماشي؟ سيبتهم قدي وانا صغير عشان تيجي تجيبني انا وواحدة غلبانة طلعت وبقيت بالنسبة لها كل حاجة بسببك برضه .. عشان خليتني اعطي وادي اللي مخدتهوش ، خلتني اديه بقوة ، قوة راحت مني خلاص، ومبقاش نفسي في حاجة!!



هل للوجع عنوان؟ ، ان كان له عنوان سيكون عنوانه اسم من حرفين فقط ، اسمه هو ، ونبذة تعريف الكتاب ستكون الدموع التي تسقط منه وهو يستمر في ترديد أوجاعه كما الآن :



_حق مين اللي بيتاخد مني ده يابا؟ ، حق مراتك اللي ماتت بسبب اهمالك ليها في الاول وانت بتسيبلها عيال لسه برضه ، حقها وانت بتسيب ابن ليها برضه كبر وعاش ليهم بس سابوه ؟ ، سابوه..وسابته بنتك اللي دمروها في غيابك واتمرمطت ..يا شيخ  دا انا بحط  نفسي مكان واحد..بكرهه قد الدنيا دي كلها.. بحط نفسي مكانه وبعذره رغم كرهي ليه..



وأضاف وكأن البوح هو عنوان قاموسه الآن :



_ جاي أقولك ان اخويا دمرني  ، كسرني ، عاش عايز يكسرني ويموت أمي ، عاش عايز يفككنا زي ما انت فككتهم ببعادك ، فككتهم في تعبهم ومصايبهم ، زي ما فككت مني احلامي وسيبت ليها الحبل تهرب مني ، بس ٱنا وقفت ، وقفت عاجز عشان عارف مهما جريت مش  هعرف امسكها من تاني ..وقفت أسأل مع اني كنت صغير اوي عن اني اسأل ، أفضل ولا مفضلش؟ امشي واسيب المسئولية ولا ممشيش ، لقيتني واقف  وفضلت بس من بعدها عمري ما دوقت طعم الراحة ، عمرى ما عرفت اسأل نفسي اللي كنت بسأله عشان خلاص مبقاش ينفع والوقت فات!



ضرب رأسه في الحجر بتعبٍ واستسلام ورأسه تتداخل بها العقبات ، تتداخل بها الأوجاع باختلاف شدتها عليه ..




        
          
                
_نفسي اشوف نفسي حاجة كبيرة ، نفسي مشوفش نفسي قليل ، طول عمري شايف  نفسي ولا حاجة ، طول عمري  واقف ومبرضاش اتحسر على تعبي وطاقتي اللي راحو لناس  هما كل حياتي ..بس حتى  دول ..شوفت نفسي قليل قصادهم لما سيبتهم ومشيت .. شوفت نفسي قليل قدام الوحيدة اللي قلبي اختارها وحبها واتعلق بيها ، حتى لما كل حاجة راحت مني وكانت هى هتروح قولت يعني هى اول مرة يضيع منك حاجة؟ ، بس هي كانت مختلفة ، لأول مرة حاولت عشان متمشيش لاول مرة  احس ان المرة دي مختلفة .. كل حاجة بيني وبينها اكبر من اللي بيبوظه ابنك ، بس المرة دي مش زي اللي فاتت ..المرة دي انا اتكسرت بالجامد ، عيني وقعت مني على الأرض زي كرامتي!



ازدادت شهقاته آنذاك وهو يرجع رأسه إلى الخلف مردداً بتقطع لا يليق بجبل كان شامخ في يوم من الأيام ..عكس الآن..عكس هذا الانكسار :



_ارجعلي قولي  اني مش شبهك عشان سيبتهم ومشيت زيك ، قولي اني مش نسخة منك عشان انا كاره نفسي وفنفس الوقت مش قادر أرجع ،. ارجعلي رد .. عشان اعرف ازاي هعاشر واحدة اخويا اللي من صلبك قتل ابوها اللي كان سبب في تدمير حياة بنتك .. يعني حتى اللي حبيتها مسلمتش من اذاكم؟؟



تمسك بالحجر بقوةٍ ودفعه في الأرض بإنهيارٍ مردداً بصوتٍ أعلى في البكاء:



_ارجـعلي ، ارجعلي قولّي اني مش ندل..ارجعلي وقول اني مش عويل .



واستسلم يتمسك برأسه بإنهاكٍ من صداعها الشديد وأكمل بنبرة أهدأ توحي بالاستسلام:



_قولي بس ازاي كان ضميرك مرتاح!؟ ، قولي حتى انك كنت بتتوجع  زي ما انا بتوجع بس مكنتش بتبين..قـــولي موتّ ضميـــرك ازاي؟؟؟؟



صرخ بقوةٍ في آخر حديثه ورفض الاستسلام ، تجمع قلة حوله وهو جالس بانهيار منفعل هكذا على الاتربة التب لطخت بنطاله, نظر ومسح وجهه بإنفعالٍ وهو يلقي الحجر على الأرض ناظراً نحو القبربأعين زائغة حمراء اشتدت كشدة أعصابه وهو يصرخ:



_يـــاريــت ربنـــا كــــان خادنِــي بدل ضمـــيــرك!!!!



تمسك برأسه بوجعٍ بعد هذا الصراخ والناس تتهامس من حوله الآن في دهشة وذهول لهذا الإنفعال والحديث وحده!! مرددين خلف بعضهم وربما كان الحديث بوقت واحد بعشوائيةٍ غير متزنة وغير منتظمة :



_لا حول ولا قوة الا بالله 
_لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم



_لا اله إلا الله ، قوموه ..تعالوا  نقومه  نسنده .
_الدنيا جرا ليها ايه ..يارب استرها على عبادك




        
          
                
_قوم يبني معانا ، قوم ربنا يهون عليك ويسترها علينا 
_قوم يا حبيبي وادعي بالرحمة ، قوم اشربلك شوية مايه يفوقوك.. قوم بينا



الأصوات تتداخل وهو الآن يضع  كفيه على أذنيه بوجعٍ غير متحملاً اي حرف ، بل استند كي يقف وهُزم من قوته التي تركته في أضغف أوقاته وهربت منه فوقع على ركبتيه ، وفعلة كهذه جعلت دموعه تهبط منه وهو ينظر ناحية القبر في خيبةٍ كُبرى امتزجت بالتحسر ، مردداً بصوتٍ لم يصل إليهم بسبب أصواتهم العالية:



_ خدت مني ايه تاني لما جيتلك؟..مش كفاية بقا؟؟



لم ينتبه انه شئ لا يُردد من الأساس ،شئ خرج من الانهيار وكأنه يهلوس لتوه! ،ابتلع ريقه ووجد  رجل وشاب يسندانه من أسفل ذراعه فحاول الإبتعاد وهو يسمع حديث أحدهما له أمام البقية الواقفين بمتابعةٍ ومراقبة:



_اسمع بس الكلام وسيبنا نسندك ، شكلك هتقع من طولك .. اهدى كده بس وصلي على النبي في قلبك.



لم يعير لقوله اهتمام بالغ بل حاول تركهم وهو ينظر ناحية الوجوه التي اهتزت وتداخلت مع بعضها البعض ،  ها هو يرى الأطفال من حوله في الصِغر وهو يقف لا يشاركهم اللعب ، ها هو يرى بكاء شقيقته ..مرض والدته ، شقيقه وملامحه المتشنجة في إحدى المواجهات ، ثم ضربهما لبعضهما أمام المستشفىٰ ، ثم مرة أخرى تمسكه بيد "فرح" وركوبهما معاً سيارة ما كانت مع شقيقه الثاني في ذهاب ناحية مبنى "عائلة البدري" 'والأكرمي" للتقدم لخطبة "جميلة"، ثم بكاءها مرة أخرى وهي تخلع ذهبها له في محاولة لفض ما بينهما بسبب ما فعلته شقيقته ، شقيقته الذي رآها للتو تبكي كي يغفر لها ما فعلته ولم يرض هذا ففقدت النطق ..فكان معها في المستشفي هو وزوجته التي غفرت هي لها هذا ، بكاءه عندما حاولت قطع شريانها ، بكاءه في غيبوبة والدته!!.



بكاءه صغيراً عندما عاد من العمل بسبب طرد زعيمه له بسبب فعلة غير مقصودة،  بكاءه لأن لا يوجد بالمنزل قطعة واحدة من الخبز حتىٰ تكفيه هو وحده وليس هو وعائلته الصغيرة ، بكاء والدته عندما رفض وهو في بداية الشباب ان تهبط لتعمل ، ترديد لقب"عز الرجال", وهو يضحك ومرة وهو يبتسم ومرة وهو حانق منها ..من شقيقته وزوجته.."جميلة" الذي جاء وجهات مبتسماً  عندما نظر في الوجوه المهتزه فلم يرى سوى حياءها بعد بكاءها في اسعد ليلة في حياته بسبب موت والدها على يد شقيقه ، معرفة الخبر في يوم الزفاف الذي انقلب عليه بقهرٍ ثم ابتسامتها الواسعة وسماحها له بعد ذلك بالقرب ..فحدث القرب الذي أسعده والوعد بأن لا يتركها أبداً !!




        
          
                
الأحداث الكثيرة تتداخل مع بعضها الآن وجملتها تتردد في أذنه بأن لا يتركها بينما تأسف وصوت صفير عال في اذنه ووجع رأسه يشتد وآخر ما نبس به بدموع كان أسفه لها وشقيقته التي بكت أمام عينيه وهو يتخيل ووالدته الذي يرسم لحالتها الآن في فراقه أحداث لم يراها ولكنها حقيقه في وجعها عليه:



_أنـا آسـ ـف!!.



يتأسف ويحمل كل شئ كأنه المذنب لآخر فرصة وضعت أمامه!! ، انقطعت نبرته كما هربت منه انفاسه بعد محاوله في ان تنتظم ، هربت المشاهد وهربت الكلمات عندما خانته نفسه ، عندما هزمته القدرة ووقع من بين أيديهم معشياً عليه .. ولم يظهر أي صوت بعد ذلك الا صوت الصراخ من النساء اللواتي في زيارة لمقابر أخرى ، صراخ لاق وبشدة مع ملابسهن السوداء وصوت ضرب الكفوف لبعضها البعض في تحسرٍ على ذلك الشاب الذي انهزم من الحياة وضاعت قوته هباء كما ضاع ثباته وهناك سؤال  وُضع للأمر خلفية ، هل سيضيع هو كما ضاع منه ما كان السبب في الثبات الذي ضاع هو الآخر مع الأنفاس التي فرت هاربة منه ومن الجميع؟؟



___________________



تمسكت بكوب مشروب الليمون التي اعدته لها "عايدة" والدتها عندما رددت "فريدة" وهي تخبرهم بأنها تشعر بالهبوط منذ ان كانوا معاً هناك في المقابر ، علم الكل هذا وبينهما كانت "ياسمين" التي اعدت شئ ليأكله زوجها بتأخيره ..لـ "حازم" الذي عاد قبل وقت من الخارج على الرغم  من انه كان هنا قبل ساعات ، اطمئن بخفةٍ عليهم حتى انتهى قلقهم بوجود "جميلة" الآن بجوار "حازم" وهو يجلس وأمامه أسندت "أسماء" مقعد كي تضع "ياسمين" الصينة عليها وهو جالس هكذا جوار شقيقته ، بينما وقفت "فريدة" تتابعها بنظراتها بجوار "زينات" التي تفحصت"فريدة", بعينيها بشوقٍ حتى سحبتها معها ناحية غرفة ما كانت تجلس بها هى و"أسماء" ، في حين خرج صوت "حازم" بقلقٍ وهو يتساءل ناحية تقاسيم شقيقته :



_أحسن دلوقتي يا "جميلة؟؟



ابتسمت تراضيه رغم الوجغ التي تشعر به ،. فهدأ خوفه تدريجياً وهو يقدم لها الملعقة لتأكل من  يديه ، فلم ترفض كي لا يحزن منها قبال الحزن الذي بداخله وحده وهي تشعر به ، أخذت من بين يديه فضحك بخفةٍ كي يخفف عنها مرارة الفقد وقال:



_فاكرة لما ماما كانت بتجيب الطبق وتملاه رز وتحط فيه شوربة وتديهوني أكلك عشان كنتي بتلوعيها وانتي بتاكلي بطئ ، فكانت تقوم تشوف اللي وراها وتقولي خلي بالك يا حازم وأكل أختك على ما ارجع!



ضحكت عندما استمعت لما تذكره ، كما ضحكت "ياسمين" وهى تجلس أمامهم وتدخلت قائلة :



_تلاقيها كانت بتتبلى عليك يا كبدي وبتقول انك أكلت أكلها اسألني أنا ، دي جميلة بنت ام جميلة اللي شقية في الدِرا .




        
          
                
تعالت ضحكات "عايدة" وهي تندمج لأجل نفسية ابنتها وهتفت تجيب الأخيرة بدفاعٍ فطري:



_واللهِ دي غلبانة ولا بتعرف تتخابث ولا بتعرف تعمل حاجة ، قلبها أبيض مبتعرش تإذي دي!!



_ما هو ده عيبه بقىٰ ، طالعين حلوين زيك لا وكمان طيبين وقلبهم أبيض زي الجبنة الحلوة اللي بتعمليهالنا يا عايدة ، مش كدة يا حازومي ؟



سألته  "ياسمين" كي تجعله يضحك ، فضحك هو ومن حوله وهو يؤكد برأسه وهتف بخوفٍ زائف لها :



_هو صح وكل حاجة ، بس ياخوفي بنتي تيجي زي عمتها كده لا بتهش ولا بتنش.



نظرت له "جميلة" بضحكٍ ودعمت قوله "ياسمين" فتدخلت "أسماء" بقليل من الحرج على الرغم ان أجمعهم لم يشعروها بأنها غريبة بينهم عدا "نيروز" التي لم تتحدث معها :



_دي أحلى حاجة تطلع زي "جميلة"، طيبة وملهاش في حاجة ،صدقوني الشدة مش كل حاجة ولا بترجع كل الحقوق ولا حتى بتخلي الواحد مرتاح ،  غالباً الوسط في كل حاجة ببقى أريح.



هز "حازم" رأسه يؤكد ، ونظر لها بدعمٍ فابتسمت "ياسمين" لها كما ابتسمت "جميلة" وهى ترد على حديثها بتعبٍ ظهر على ملامحها:



_الله يخليكي يا "أسماء" ، تسلمي.



ابتسمت لها ابتسامة هادئة ، ثم التفتت كي تقترب من  غرفة متواجد بها الآن "فريدة"و"زينات" التي استندت ابنتها على صدرها الآن وهي تتنفس بعمقٍ وخرج صوتها الهادئ لها :



_وحشتيني أوي يا ماما ووحشني حضنك.



ابتسمت "زينات" ناحية هذا الدعم والجبر بالكلمات التي تسعد قلبها ، ضمتها بحبٍ داعية ربها ان تدوم لها هى وشقيقها ، رغم حزنها على "حسن" الا انها تحاول التماسك كونها ذات شخصية قوية هى الأخرى!



_وانتِ كمان يا حبيبتي ، معلش اعذريني والله غصب عني مش عارفه اقرب منك واشوفك انتِ وحياتك اللي اتلهيت فيها دي ، بس مش هترجعي بقى؟ مش هترجعي لحضن امك؟



اعتدلت "فريدة" في جلستها وهي تطالعها بهدوءٍ ، رأت الترجي بعينيها وقبل ان تجيب وضحت لها "والدتها" الأقوال أكثر:



_ كنت لسه قاعدة مع "حازم" ومعاهم قبل ما تيجي ، من ساعة ما عرفنا أنهم ماشيين  مفيش حاجة جت على بالنا غيرك انتِ وغير وجودك من تاني ، بس "حازم" قال مكان فين ترتاحي هيسيبك بس انا قلبي مش راضي يصدق انك خلاص اتجوزتي وبقى ليكي بيت ، بسأل نفسي هو انا لسه لحقت اشبع منك ..لحد ما قولتلهم كده وقالولي ينبهوني اني اسيبك على راحتك ، وانتِ راحتك من راحة امك واللهِ يا بنتي.




        
          
                
أدمعت عينيها تأثرًا وهي تتمسك بكفها ودخلت في أحضانها تخبرها بهدوءٍ :
_مهما روحت ومهما جيت هفضل معاكي وفحضنك  ، أنا مقدرش ابعد عنك يا زينات ، دا انتِ الحب كله ، بس زي ما تقدري تقولي كده ، اني خلاص فعلاً لقيت بيتي ولقيت شريكي اللي كنتي بتقوليلي بكره يجي اللي يتمنى ضافرك ، مكنتش مصدقة بس خلاص "آدم", خلاني أصدق..



ابتسمت لها "والدتها" بتأثر وهي تمسح وجه ابنتها برفقٍ حاني منصته لبقية حديثها :



_خلاني اطمن وخلاني معاه في أمان ، وخلاني متكسفش اقول ان مشاعري اتحركت  نحية راجل رغم كل اللي حصل ،بس انا مش بعيد ياماما أنا هنا موجودة ومش بقطع وجودي هنا ، باجي وهاجي ومتخافيش عليا انا في أمان وبيت دافي كنت بتمنى ألاقيه وسط ناس بتحبني ، ومعايا كمان فوقي وردة ، ومعانا فاطمة وعيالها وانتِ بتيجي بس عشان الظروف الايام دي بطلتي تيجي ،. كل حاجة هتبقى فل يا زينات ،. خلينا نستنى "حسن" بأمل جديد وحياة جديدة بدل اللي راح مننا ..لو حازم سألك عن اللي يخصني قوليله اني مطمنة واني مع جوزي ياماما لإني مش هسيب آدم وارجع استنى ، انا خلاص كده دي حياتي.



أظهرت لها كل شئ ، وربما من بين الكلمات توقعت الأخرى حدوث شىء بينهما فإبتهجت ملامحها وصمتت فوجدتها تقبل قمة رأسها ببرٍ فأخرجت الأخرى سؤالها :



_ يعني اطمن أكتر ؟ ، أنام مطمنة على بنتي يا "فريدة"؟



حركت رأسها تؤكد قول والدتها ، وظهرت الإجابة في ابتسامتها عندما نظرت ناحية الهاتف الذي أعلن بقدوم رسالة منه وهو لدى شقة عمه هناك!:



_نسيتيني يعني يا شاطرة ولا تتصلي تسألي جوزك راح فين ولا تحاولي تشوفيني مش جنبك ليه.



ضحكت ورأت رسالته ثم تركتها متعمدة عدم الرد  بإستفزاز وبرود يعهده منها أغلب الوقت ، نظرت "والدتها" لتعابيرها وخرجت أنفاسها براحةٍ كُبرى قطعها  دخول "أسماء" التي وقفت لها "فريدة" وهي تفرد ذراعيها في مزاحٍ هادئ تعبر لها :



_وحشتيني ، خليني اخد حضني بضمير المرة دي عشان ملحقتش.



ضحكت "أسماء" بخفةٍ فنهضت "زينات", ناحية الخارج وتركتهما بمفردهما معاً  فيما جلستا الاثنان بجانب بعضهما وبدأ قول "أسماء", وهى تتساءل :



_اخبارك ايه يا فريدة ، اتصلت عليكي النهاردة بس تليفونك كان مقفول فقولت تلاقيها قاعده مع جوزها ولا حاجة!




        
          
                
فهمت تلميحها المبطن وضحكت بخفةٍ تضرب كفها وهي تنهرها :



_لا يا ختي مكنتش قاعده معاه ولا حاجة، وسيبك مني خالص وقوليلي انتِ اللي عاملة ايه ، أنا عارفة انك زعلانة وعارفة انك مش تمام!



صمتت جراء هذة الأقوال و الاعترافات الصحيحة ، التي اخرجت بها أنفاسها ببطئٍ وهي تطالع الفراغ بأعين لامعة وسردت وكأنها كانت تنتظر جلوسها معها هكذا :



_ مش عارفة يا "فريدة"، بفكر امشي معاهم ، أصل نهايتي معروفة خلاص أنـ….



لم تتركها لتكمل بل احتدت  نبرتها وهي تصحح لها بتعمد :



_انتِ بتقولي ايه يا "أسماء"؟؟؟ ، انتِ مش هتمشي معاهم  ، ده بيتك وهتفضلي فيه تستني جوزك يرجع وتعيشي حياتك ، سامعة؟؟



هل حقاً لها حياة معه بعد كل ذلك، جاء الحديث على جرحها فسألت بدموعٍ  قد هبطت وهي تردد :



_ اعيش حياتي؟؟ ، وهي فين حياتي دي يا "فريدة" ، أنا حياتي متدمرة وعارفة من زمان انها متدمرة من ساعة ما سمحت ان يضيع مني حاجة مينقعش تضيع بالطريقة دي واغضب ربنا كده، حياتي ايه وانا وسط ناس زي دول حالفين يدفنوني بالحيا لو رجعت ، لحد ما استسلمت وقولت همشي وايه يعني لو روحت فيها ، اصل بقى ايه هبقى عليه؟ هستنى ايه تاني؟ انا حياتي كدة كدة بايظة سواء استنيت فهي واقفة ولو مشيت  فهي رايحة!!



ورغم ان الأخرى بادرت بعناقها سريعاً الا انها تركتها تكمل بنبرةٍ باكية بكاء هادئ :



_أنا قصاد "حسن" قليلة أوي يا "فريدة" ، قللت من نفسي ، مش عارفة  ازاي لما يفوق هيقدّر اني مراته ، عيشت طول عمري عاوزاه وحباه ، وكنت  وحشة لما كنت بقول لنفسي اني عايزاه وعايزة حبه بأي شكل ،بس دلوقتي بقيت في عصمته وعلى اسمه و مبقتش عايزة ده ، عشان شايفاني قليلة اوي في عيني وعينه وعينكم ، الإحساس ده وحش أوي بعد احساس  الندم على حاجات غلط وحرام حصلت وبتوب منها وبفوق ، بس لما كل ما بفوق بعرف اني مش ليه ولا بقى ينفع ده ، غصب عني شايفة ده ومش قادرة اشوف اني هكمل بس مجبورة أكمل وكإني راضية!!!



ابتلعت "فريدة" ريقها بتفهم لما تشعر به وهتفت بهدوءٍ يعبر عن هدوء أفكارها وهي تحتويها بين ذراعيها :



_أنا عارفة انك مشتتة وعارفة انك متأثرة وتايهة ومقدرة انك مش شايفة ان "حسن" يصلح يكون زوج عشان تعيشي حياتك معاه ، بس ممكن فرصة ؟ اعتبريني مكان "حسن", واعطي فرصة تصبري فيها لحد ما يطلع وابقي شوفي دنيتك ، بس مهما حصل مش عايزاكي تمشي يا "أسماء"، خليكي  انا عايزاكي جنبي ، عايزاكي اخت ، ولو على "حسن", سيبيها لله ان كان كدة ولا كدة فهو خلاص هيطلع يروح الجيش علطول وحازم هيحاول يدور له على شغلانة كويسة تلهيه وتتعبه وتشغل يومه..بس انتِ خليكي هنا ..خليكي معانا.




        
          
                
ضمتها "أسماء" بإمتنانٍ ولمعت عينيها مجدداً بدموع متأثرة وهي تردد لها:



_ربنا يخليكي ليا يا "فريدة"، شكراً لانك جنبي في وقت مش شايفة فيه حد جنبي ، في وقت كله اتخلى عني وسابني مع عدا ناس كنت هبقى غبيه لو خسرت ودهم !



_متشكرنيش يا هبلة انتِ ، أنا اختك ، وبعدين احنا مش بنشوفك قليلة ، كلنا فاهمين اللي بتمري بيه ، وكلنا عاطيين فرصة وعارفين ان اللي  كان فيكي قصادنا مكنش منك انتِ ، احنا بنحترمك والله وهنفضل نحترمك لانك واحدة مننا ، وعارفة انك بتزعلي عشان حساسية الوضع وكدة..



توقفت تأخذ أنفاسها وفسرت ما انتبهت هى له:



_بس متتحسسيش زيادة من "نيروز" ، أنا شوفت زعلك وهي مش بتكلمك وواخده جنب منك ، بس والله هي بتاخد وقتها وبترجع ، متزعليش منها اكيد مقصدتش تبين انك مش مرغوب فيكي ، دا هي كدة مع ماما لسه رغم انها راحت تعتذر ليها كذا مرة بس هى مبتقدرش تغفر بسرعة ، اعذريها دي حاجة غصب عن البني آدم يا "أسماء" واللهِ



بررت لها بدفاعٍ فتحركت رأسها في تفهم وابتسمت توضع لها وهي تمسح وجهها من الدموع :



_انا حسيت كده برضه وحاولت محطتش في دماغي ، وقولت يعني "ياسمين", بجلالة قدرها بقت كويسة معايا زي الباقي ، مش هتبقى "نيروز" كدة !!!



خرجت ضحكات "فريدة" بعلوٍ على سخريتها المضحكة وفسرت بصدقٍ رغم نبرتها الضاحكة ودافعت :



_بتهيألك واللهِ ، دا "ياسمين"دي بقا أطيب واحدة فينا كلنا ، ومبتشيلش في قلبها أبداً ، الموضوع بياخد وقته معاها ويعدي وبتهب تهب وتطلع و تنزل على مفيش ، هي بس عاملة زيي كده لسانها  طويل زيادة ودي حاجة بقت واجبه في الدنيا دي واللهِ يا بت يا أسماء!!



ضحكت "أسماء" وهى تعتدل، فنظرت لها الأخرى بابتسامة هادئة مطمئنة تطمئنها بها بأنها شخص مرغوب به بينهم وليس العكس تماماً ، هذا ما نريده دائماً ،. أن يردد لنا أحدهم بين الحين والآخر بأننا مرغوبين ، بأننا بخفة الفراشات كي لا تهزمنا الأفكار في عقولنا!!!



____________________



_والله قلبي مقهور عليه يا أم غسان ، قلبي قايد نار ، "عز"دا كل حياتي، انا عارفه والله ان الحمل كتر عليه ، بس هنا نار ، هنا موجوع عليه وعلى حياته وعلى اللي جراله ، الضنا يا حبيبتي ربنا ما يوريكي اللي انا فيه !!



حديث متحسر ومقهور خرج بإستسلام وهي تشير على موضع قلبها ، خرج من "حنان" وهي تجلس بجلسةٍ لاقت على سيدة مثلها بين "دلال"و"سمية" في شقة"حامد" ، كانت السيدات مع بعضهن بينما وقفت "فرح" في المطبخ تعد أكواب من "الشاي" بشرودٍ لمن بالخارج بعدما اقسمت على "والدة زوجها" بأن لا تفعله وهي من ستفعله فيكفي تعب الغداء قبل ساعات ، نزلت دموع "حنان" وهي تكشف عن ما بداخلها ، لمن يشعر بوجعها جيداً كونهم أُمهات!! ..




        
          
                
بينما على بُعدٍ قليل كان "حامد" يجلس بجوار "آدم"و"بسام" متحدثين حديث عشوائي ، إلى ان استمر الحديث حتى علو صوت هانف "آدم" الذي نهض ناحية الشرفة يجيب على الاتصال ، فنظر "بسام" ناحيتهم ولم يجدها ، وقبل ان يقرر النهوض سمع صوت ضحكة "والده" وهو يشاكسه منتبهاً لتفحصه وبحثه عنها بلهفةٍ :



_ما تتقل شوية ياض ، خليك واد تقيل كده ، متخوفنيش عليك!.



ضحك "بسام" وهو يحمحم بخجل زائف تصنعه بمرحٍ وهو يسأل رامشاً بأهدابه :



_هو باين عليا أوي كدة ؟!



أكد "حامد" برأسه فوجده ينهض بخفةٍ منحنياً ممازحاً اياه وهو يشير بإستئذانٍ :



_طب بعد اذنك ، هروح أكدلك المعلومة وارجع!



تركه "والده" وهو يبتسم في أثره ، فيما دخل "بسام",  المطبخ رافعاً الستار ثم اهبطها وهو يتسحب من خلفها حتى لفحت انفاسه عنقها من الخلف وهو يهمس بمرحٍ :



_سرحانة في ايـ..



لم يكتمل قوله لأنها انتفضت بسرعةٍ وهي تلتفت فاستغل الوضع واقترب حتى فرد ذراعه خلف ظهرها يقربها منه وهو يضحك بخفة مبرراً الوضع بأسفٍ :



_والله بهزر!!



هدأت أنفاسها بالتدريج ، وحاولت الاعتدال واضعة يديها على موضع قلبها وهي تنظر في ضجرٍ قائلة :



_حرام عليك خضتني ، مفيش حد بيعمل كده ، عاوزني اتجنن؟؟



_والله انتِ اللي جننتي أمي!



خرجت جراءته في القول بصراحةٍ استشفتها ما ان وجدته يطالعها ، فإعتدلت تنظم انفاسها وابتسمت "فرح" في حرجٍ وهي تلتفت وحدثته دون النظر إلى وجهه :



_ الشاي اتأخر؟ ، انا بجهز فيه واللهِ ، معلش على التأخير ، شكلي سرحـ..



اتسعت عينيها ما ان وجدته يضع يديه على ظهرها وردد يحثها :



_لفي يا "فرح".



ابتلعت ريقها والتفتت تنظر ، فوجدته يبتسم مخرجاً لها حلواها المفضلة من الثلاجة، حلواها الذي وضعها الي ما بعد الغداء عندما عاد ووضعها سريعاً ، ابتسمت في تأثرٍ وهي تنتشلها وصرّح في هدوءٍ :



_يمكن تكون حاجة هايفة ، بس أنا مبيغيبش عن بالي اللي بتحبيه، كنت بدور عليها امبارح وملقتهاش ،. فقولت لازم اجيبها النهاردة ، اهو يمكن تبطلي  عياط يا عيوطة!!




        
          
                
لمعت عينيها تأثراً وردت في سعادة من اهتمامه:



_دي مش حاجة هايفة أبداً ، دي أكتر حاجة بتفرحني عشان فاكر اني بحبها ومهتم ، شكرًا .



وقف أمام كلمتها الأخيرة رافعا حاجبه الأيسر في استنكارٍ ، فتجاهلت فعلته إلى ان ضحك يحرك رأسه بالصبر ، فنبست هي من جديد :



_فكرتني بـ "عز" , كل ما يرجع من بره يجيبهالي معاه وهو راجع 



وأكملت وهي تخفض رأسها تخفي لمعة عينيها كي لا ترد له شكرها بما جلبه بدموع وحزن :



_بس هو مرجعش المرة دي ولا جابها معاه ، يا رب يكون بخير ومش عايزه منه حاجة تاني ، بس يرجع ! 



رفع "بسام" ذراعيه فدخلت بقبولٍ بين أحضانه وأخذت أنفاسها وهي تمرر يديها على ظهره بإمتنانٍ  وهمست  بتحشرجٍ :



_شكراً ، كنت عايزة أقولك شكراً  بس شكراً بجد ، عشان معانا ومسيبتناش ، وشكراً عشان خليتني اشوف عز فيك مع اني مكنتش اتوقعها تحصل ، بس انت غير ،. انت مش زي اي حد ، انت عوض ربنا ليا ، ممكن أطلب منك طلب؟



سألته وهي تستند على كتفيه ولم تتركه يتأثر ويأخذ وقته بهذه الكلمات التي جعلت قلبه يخفق في موضعه ، فهمهم هو من خلف ظهرها ولكنها خرجت تتمسك بذراعه الأيمن من الأعلى وعدستيها الداكنة لا تفارق عدستيه الفاتحة في هذا الضوء الآن :



_ممكن متسبنيش؟ ، ممكن ما تمشيش عشان أنا اتعودت على وجودك في حياتي؟ ، متسبنيش وتلف ضهرك ليا في يوم ، أنا  مكنتش عارفه انا ازاي عندي الثبات الانفعالي ده ، وازاي ساكته بس فهمت انه عشان انت معايا متماكسة وقوية .



تشبتت في يديه وكأنها تهاب الهروب ، وكأنها لا تثق في ثباته جوارها بعد غياب من كان كل أمانها ونطقت بنبرةٍ مهتزة :



_"بسام"! ، انت كل قوتي دلوقتي ، لو روحت مني قوتي هتروح ، أنا مش عارفة اتكلم عشان متلخبطة ، بس اوعى تروح مني!!



تلك المرة هي من دخلت تستند على قمة صدره وأغمضت عينيها وهبطت دمعتها بضغط وتحمل لكل هذا  فضمها بذراعية بتأثرٌ ووعدها :



_بيقولوا ان الوعود بتتخلف ومبقاش في أمان ، بس لو كل حاجة هتتخلف ولو الأمان كله راح ، فهيفضل وعدي ليكي بإني مش هسيبك ،حق ، وهيفضل وجودي جنبك أمان مش هيروح من عندك أبداً يا "فرح"!



اتسعت بسمتها من وعده الصادق بصفاء عينيه التي تهبط لتنظر ناحيتها فإعتدلت إلى ان تقدم يقبل جبهتها فنظرت له بإمتنانٍ وحياء ازداد ما ان ردد :




        
          
                
_بتبقي حلوة اوي وانتِ بتعملي شاي!



هل قصد اخراجها للحديث المكبوت في صالح له؟ ، أخفت ضحكتها وهي تنظر في شكٍ جعله يضحك مخففاً عنها وهو ينظم الاكواب ليضع بها أمام مراقبتها له وهى تبتسم وساعدته إلى ان حملت صينية صغيرة وهو الصينية الأخرى وبدأ يخرج هو ثم هى من خلفه ووجد "شادي" الآن يدخل  من الباب ، فقد جاء بعدما أوصل "منة" لمنزل "والدها" .. فيما صاح "آدم" مهللاً :



_شادي ســيطرة !!، طب وربنا واحشني.



كالعادة يظهر عكس ما بداخله  دوماً ، هي وحدها من تستطع كشف أحزانه في الداخل ، رغم خوفه من تركها له الا أنه يحاول الهاء عقله بعيداً عن هذا ، ضحك "شادي" وهو يمازحه :



_ما تظبط يالاا ، تعالى خش قي حضن اخوك!



دخل برحب به هو وعمه و"بسام" فيما وقفت "دلال" بلهفةٍ وهي تهرول ناحيته بسعادةٍ من قدومه بينما لم يُغلق الباب إلى هنا بل  كان قد أرسل "حامد" خبراً لهم ليأتوا للجلوس معهم  كعائلة! ، فدخلت "فريدة" من باب الشقة ومعها "أسماء" بحرجٍ هي و"زينات" وخلفهم "عايدة" تتمسك بيد"جميلة" ومعهما "حازم وياسمين"!!



__________________



معاً الآن بعد خروجهما من عيادة الطبيبة الخاصة بمتابعة حملها ، اطمأن الاثنان على حالتها وهدأ قلقه عليها فيما بعد قد اسندها هو ناحية الخارج ومهى معه الى ان توقفا معاً أمام الدراجة في الأسفل حيث جانب الطريق ، الصمت سائِد وحتى هو لم يغازلها بأي شئ خاص بقدوم أطفالهما ، بل صمت هذه المرة بسبب ما فعلته ، هدأت أنفاسه وهو يخرج المفتاح من جيب بنطاله فيما طالعته هي بحزن وندم لما اقترفته وتابعته هو وملامحه كي ينظر ناحيتها أو يُردد أي شئ ولكنه صمت ، تحركت عينيها بعشوائيةٍ وهي تشرد بحزنٍ وثبتتها بشرودٍ ناحية عربة ما تحمل شئ ، الشئ التي كانت تبتغيه وتريده ، الشئ التي رددته لشقيقتها قبل ساعات..



العجيب انها لم تنتبه لما داخل العربة بل تنظر وكأنها تحدق بينما عقلها ذهب في مكان أخر ، التفت كي ينظر حتى يخبرها لتركب ولكنه نظر محط أنظارها بإهتمام. اعتقد بأنها تُريد ، فإعتدل وظهر وده وحنوه في خصامه الغير ظاهر وهو يلتقط كفها  برفقٍ وسار معها ناحية العربة حتى وقف يخبر البائع بأن يجلب له "مشبك",, تفاجأت بما فعله القدر وتأثرت من ما حدث من أسباب كي يأتي لها ما تريده ، فيما انتهى هو وهو يسير معها من جديد للعودة ناحية الدراجة البخارية الذي  أسندها فلم ينتظر حين العودة بل فتحه يقدم لها كي تبدأ غير عابئاً بالمارة فنظرت له بمشاعر مختلطة وهتفت باختناقٍ عكس بسمتها له وهي تردد:




        
          
                
_شُكراً عشان عرفت ان نفسي فيه.



اخذت من بين يديه كي تأكل بعدما حثها بإشارته فإبتسم "غسان", ابتسامة لم تصل لعينيه وانتظرها تتناول على مهلٍ ولاحظ مراقبتها له وهو يستند على الدراجة آخذاً هاتفه بين يديه يعبث به ، وما فعلته بعد دقائق لم تستمر طويلاً كان مفاجئ بالنسبةِ له ما ان التقطت الهاتف بين يديه وهي تحثه بعدما ابتلعت ما بفمها :



_ممكن تبصلي؟ ، تكلمني وتقولي حتى انك زعلان واتدايقت؟



_كويس انك عارفة .



رددها "غسان", بتهكمٍ فتشبتت بكفه الذي سحبه وهو يتفحص مقدمة الدراجة متحاشياً النظر إليها ، فعادت تخترق أذنه كلماتها المتأسفة :



_أنا آسفة !



اعتدل وعندما لاحظ توقفها عن  تناول ما بيديها ، أشار برأسه معقباً :



_اركبي يلا عشان نِرَوَّح 



نكست رأسها في حزن ، ولأول مرة يرى الاستسلام دون الاندفاع، هناك جانب جعله يحثه بالتخطي لأنه في جهة مقابلة كذب  وخدعها عندما ردد بأنه سيذهب لصديقه ، ولكن كان الأمر لصالحها ، فختم هذا وردد بأنه ليس مبرر للكذب! ، اعتدلت خلفه والتزمت الصمت بعد ذلك حتى ادار الدراجة البخارية وسار بها سريعاً بعيداً عن المكان حيث المبنى وسكنهما .



لم يستطع الالتفات ولكنه يعي جيداً معنى تقلب هرموناتها التي جعلتها تبكي خلفه بصمتٍ وهناك شهقة خافتة خرجت رغماً عنها ،. فمسحت بعفويةٍ في ظهر قميصه ، فانتبه وأهدأ من السرعة كي يستمع ما ان كانت تبكي ام لا في حين توقفت هى تحكم ذاتها ، ونظرت في المساحات الواسعة وهي تخرج أنفاسها فسأل هو مقتضباً محاولاً أن يجعل صوته مرتفعاً قليلاً كي تستمع :



_بتاخدي الدوا اللي قالته الدكتورة ده؟انا مبشوفوش في كيسة العلاج!



_مش علطول!



نبست بذلك محاولة الثبات ، فصمت بعد ردها عليه ، دون تعقيب واحتضنت ظهره بذراعيها كي لا تقع فيما سأل هو مجدداً بجديةٍ هذه المرة:



_ حلو المشبك ؟



هل هاب أن يضغطها للتو حتى لا تنهار منه ؟ ، لمَ يسبب الانهيار هواجس وخوف لديه؟ ، همهمت بالإيجاب واكملت بالقول قائلة:



_آه حلو أوي.



أكمل الطريق بعد ذلك ، فيما مرت الدقائق حتى توقفت الدارجة وهو يسندها في الأسفل ، ونهضت وهي تستند على كتفيه وذراعه ثم نهض مشيراً ناحية البواب كي ينتبه على الدراجة ، واقترب من المدخل وهى معه ، حتى ركبا المصعد وصعد بهما للطابق الثالث مقرراً الجلوس مع والديه قليلاً ورؤية شقيقه الذي لم يراه منذ يومين..




        
          
                
توقفت بهم اللحظة عند وضع المفتاح في باب الشقة الذي ما ان فتحه ظهرت الأصوات بعشوائيةٍ والترحيب بهما ، فاقترب وهو يرى صديقه يرحب به أمام غرابة "نيروز", التي استنكرت قول "شادي" له :



_ليك واحشة يا أبو الغساسين ، مش تيجي يا عم ولا لازم انا اللي انطلكم هنا كل شوية؟



سَألهُ بمشاكسةٍ على الرغم من أنهما يتحدثان مع بعضهما في الهاتف للاطمئنان  ان لم يرى أحدهما الآخر ولكنها فهمت سبب عدم راحتها لما ردده لها في الصباح،  صمتت وهي تدخل بين النساء والفتيات واقترب هو من الشباب الذي انضم لهم "بدر" تاركاً "وردة" وصغيره هناك في شقته مع "فاطمة" وصغارها وجاء هو ليطمئن عليهم جميعاً بنفسهِ.



نهض "آدم" من بينهم بسبب إنهاكه الجسدي من العمل الذي لم يزول أثره ، وهتف أمامهم بصوتٍ عالٍ وهو يضع هاتفه في جيب بنطاله :



_يلا أنا هستأذن أنا بقى ، عايزين حاجة ؟ عايز حاجة يا عمي؟.



تداخل  الحديث وخرج صوت"بسام" له :



_ما تستنى ، هو انت لسه قعدت؟



_ما تقعد يبني انت عليك   طار ولا ايه ؟



ضحك على قول "حامد" كما ضحك البقية وظهر تعبه لهم وهو يبرر:



_مرة تانية بقا ، أصلي تعبان ومحتاج ارتاح .



تفهموا الوضع ووافقوا على الفور فأشار لشقيقه بأنه سيرحل يسبقه هو وزوجته ان عادت ، فيما اقترب هو يحمحم ناحية النساء ووقف على بعد  خافضاً رأسه مردداً بعلوٓ كي تستمع:



_يلا يا "فريدة"!



ربما رحل مبكراً بسبب هذا الخوف ، خفق قلبه من الرد على الرغم من انها رفضت الاقامة هنا وصرحت له بهذا ولكنه لا يثق في الظروف حتى وإن كانت في عصمته هو وزوجته ، خفق قلبه  ما ان وجدها تنهض وهي ننحني تودعهن ، واذ به يتفاجئ بيد "حازم" توضع على كتفه بخفةٍ فإستدار سريعاً وعلم ان قد كشف للتو ما ان وجده يهتف دون مقدمات:



_مش هبقى رخم وكل شوية هعقد اقولك خلي بالك منها ، عشان عارفك راجل وقدها ،  أنا جيت أقولك يا بختك عشان اختارِتك وده مش غرور عشان اختي لا .. عشان انت مش هتلاقي في حنية "فريدة"، دلوقتي أقدر اقولك خد مراتك في ايدك وخلي بالك من الأمانة ،وبيت جوز اختي واختي مرحب بيا فأي وقت ولا ايه؟



وضح له يطمئنه بأنه وافق على تواجدها معه حتى وان لم يكن له بأن يتدخل كونها زوجة الآخر ولكنه  ترك الأمر بأدبٍ واحترام لها ولعائلتها دون الضغط أو الإجبار، سأله مازحاً فرد بلهفةٍ سريعاً :




        
          
                
_بيتك يا حازم طبعاً ، ومتقلقش "فريدة" في عنيا واللهِ ، دي مراتي متوصنيش!



ربت على كتفيه فجاءت "فريدة "تبادر بعناق شقيقها بوداعٍ ونبست :



_مع السلامة يا "حازم" ، ان مجتش ابقى تعالى انت وفضي وقت واقعد معايا شوية ، وابقى طمني على "حسن" عشان خاطري.



_ان شاءالله يا "فريدة" ، ان شاء الله ، اطمني.



ابتسمت تودعه عند الباب ، وارتدت حذاءها ، وحقيبتها التي جلبتها معها هذه الشقة تحسباً للذي حدث ، فتأبطت ذراعه تقترب معه ناحية المصعد تزامناً مع إغلاق الشقة بواسطة "حازم" الذي عاد يجلس ملاحظاً انسحاب "غسان" ناحية غرفته ، فنهضت بعده "نيروز" كي تدخل فدخلت ووجدته يخلع قميصه بضيقٍ من  ضيقه وأخذ يبحث عن تيشيرت قطني مريح بدلاً من هذا فإلتقتطت ما يبحث عنه من خلف الباب المغلق واقتربت أمامه كي تجعله يرتدى ، وبدون مقدمات تأسف للمرة الثانية :



_أنا آسفة يا "غسان" ، أنا عارفة اني غلطت لما كدبت عليك، بـس والـ…



بتر هذا القول وأدخل ذراعيه مطالعاً وجها متسائلاً :



_وتكدبي ليه يا "نيروز"؟



وأضاف بجديةٍ موضحاً باسترسالٍ :



_الحاجة اللي مكنتش بتحصل بينا وكنت ببقى فرحان بيها ، هي انك مبتكدبيش ولا بتعملي ده معايا.



لمعت عينيها وهي تحتوي الموقف آخذه كفه بين يديها بلهفةٍ وهي تفسر له:



_والله ما كنت  اقصدها كذبة  ، انا لما عملت كدة عملتها عشان خوفت تعرف وتزعل مني خصوصاً اني مروحتش هناك بعد آخر مرة بالموقف اللي حصل وضيع مننا أيام وخلاني اعيش في قهر مش عايزة ارجعله ، وافتكرت انك حذرتني مروحتش من غيرك عشان ميحصلش حاجة ، فقولت انت مش هتعرف وتعدي.



_مفيش كذب عشان خوف.



هل يردد عكس ما فعله في الصباح ؟ ، خرجت جملته منه بعفويةٍ ، فإعتدلت تصرّح له هى:



_لأ في .



واضافت توضح له بهدوءٍ غريب لا يليق مع قولها:



_وانت كمان كدبت عليا النهاردة! 



تغيرت تعابيرها وهي تطالع وجهه الذي نظر به لها  وعدستيه تطالب بالمزيد في التوضيح ففسرت :



_قولتلي انك رايح لـ "شادي" ومطلعتش رايح ليه ، وكنت عارفه عشان بعرفك لما  تكدب بس محبتش اضغط عليك عشان لما بتكون عايز تقول حاجة بتقولها ولما بتحب تسكت بتسكت ومبتقولش.




        
          
                
زفر "غسان" أنفاسه بتعب متذكرًا ذهابة لهذا المكان وبرر لها :



_دي حاجة ودي حاجة!



_الكذب كلمة واحدة ملهاش أي بديل ، بس أنا بعترف انها خرجت مني كدبة وبقولك تاني متزعلش مني ، انا مش ضامنة الأيام انا ما صدقت رجعنا يا "غسان"!



نزلت دموعها فخرج الخوف من أن تفاجئه بشئ خاصة انها تضغط من حالة "جميلة", فأسرع يضم رأسها ناحيته وهو يحثها برفقٍ :



_متعيطييش!



_متزعلش انت مني ولا تخلي ثقتك تتهز وتفكر اني بكدب علطول والله ما حصلت قبل كدة !!



ربما حملها يجعلها تعطي للأمر اكبر من حجمه ، رغم غرابته ولكنه نبس بهدوء وهو يربت على ظهرها :



_وانا مصدقك ، خلاص متعيطيش.



قالها بقلقٍ استشفته فخرجت تنظر نحو تعابيره وهي تمسح وجهها فردد هو وهو يعقد حاجبيه :



_تصدقي الحمل ده بعد ما خلاكي حلوة ، خلاكي بعقل كمان ومبقتيش تتسرعي وتبوظي كل حاجة زي الأول.



ابتسمت على حديثه، هي من حاولت أن تصبر كي لا يكبر حجم الأمر ، صمتت قبال هذا وسألته ولم تنس :



_كنت فين النهاردة؟ ، احكيلي اللي مداريه عني ومش عايز تقوله .



هرب من عدستيها ، ليس وقته تماماً وهي هكذا ، سيختار الوقت المناسب ، ابتلع ريقه فحركت رأسه ناحيتها تستجوبه ، فنظر "غسان" نحو عسليتيها وردد كي يهرب من هذا :



_هقولك كنت فين بس مش دلوقتي ، تعالي اقولك حاجة تانية.



شتتها ونجح ببراعةٍ  ما ان تساءلت هى :



_ايه؟



_عارفة الست قالت ايه؟



ضحكت تستوضح بعينيها التي كانت على قرب منه وهو يطالع لونها في شدة الضوء ، فإقترب هاسماً بعبثٍ قصده هذه المرة:



_رجعوني عينيك لأيامي اللي راحو.



دخلت بين أحضانه فاحتوى جسدها محتضناً اياها حتى سحبها لتستريح كي لا تشعر بالهبوط ، فجلست بجانبه وقد تركها يريح ظهره واضعاً يديه على ظهره وهتف يخبرها بتعبٍ من اليوم:



_مش هنعرف نبات هنا النهاردة 



فتساءلت بغرابةٍ من تركه للخطة الذي رسمها بقرار الإقامة هنا :




        
          
                
_ليه؟



كان قد اخبرها بأنه سيقيم هنا ولكن بعدما علم من شقيقه انهى هذا فوضح لها يخبرها رداً على سؤالها توضيحاً لقوله :



_أم عز وفرح  هيباتوا هنا .



أراحت ظهرها بتعبٍ على الفراش بتفهمٍ وهى تحرك رأسها وصرّحت:



_كدة أحسن عشان ميبقوش لوحدهم ، بسام ده بيفهم جداًواللهِ



فمال"غسان" يشاكسها بعبثٍ وغمزها بخفةٍ مازحاً :



_طب ما انا كمان بفهم  أوي!



طالعته "نيروز" بضحكٍ وهي تستند على الوسادة من خلفها ووضعت يديها على معدتها فأسند رأسه بخفةٍ ناحية معدتها في سعادةٍ ، فيما أدخلت يديها بين خصلاته وضحكت عندما اعتدل يستند على ساقها متسطحاً على الفراش متسائلاً :



_مفكرتيش قبل كدة هنسمي ايه؟



فأجابته بنبرةٍ ضاحكة:



_مش لما نعرف الأول هما ايه وايه؟



ضحك "غسان" بخفةٍ وتوجع ما ان لامست جرحه ، فإعتدلت تنظر له بأسفٍ إلى ان التقط هاتفه وهو يرى صديقه يرسل له أين اختفى  فنهض يخبرها وهو يعدل ملابسه :



_انا طالع اقعد معاهم شوية ، هتيجي؟ ولا هترتاحي هنا شوية؟



رفضت هذا وهي تنهض واهبطت اطراف عباءتها وظهر تعبها الجسدي وهي تشير له :



_لا طالعة ، بس هستأذن اطلع واسبقك ، عشان خروجي النهاردة تعب ضهري ورجلي بزيادة ومعتش قادرة خلاص.



سحبها برفقٍ وحاوط كتفيها وهو يفتح الباب ، التي خرجت هي منه تستأذن منهم كي تصعد ووقفت قليلاً تتحدث ما قبل الرحيل بينما هو اقترب ممازحاً "شادي" الذي جلس بين الشباب و"حامد" الذي طالع "غسان" وهو يجلس بجانبه وتوقع ما سيفعله حينما ربت "غسان" على كفه ومال هامساً كي يستمع له بين هذه العشوائية:



_خدت علاجك يا حج ؟



هز "حامد" رأسه إيجاباً ووافقه قائلاً :



_ايوة الحمد لله يا بني .



استمر بينهم وتحرك "شادي" ليقترب منه جالساً بجواره ، فقرر "غسان" التحدث معه حول موضوع شقيقه وحبسه ، فيما كان هناك يتحدث "بدر"مع"حازم"، ونهض "بسام" يقترب منها وهي تدخل للمطبخ فدخل خلفها وحثها بنبرةٍ هادئة وهي تغسل الاكواب:



_لو تعبانة ادخلي ارتاحي في أُوضتي ،. ولو مامتك محتاجة تنام دخليها.




        
          
                
ابتسمت "فرح" قبال اهتمامه وجففت يديها تخبره :



_أنا مش  هدخل أنام غير لما اطمن انك مشيت ووصلت شغلك ، وماما لو حبت ترتاح هتصرف أنا ، بس أنا قاعده معاهم دلوقتي يعني مش متاديقة عادي.



سعد من بداية قولها وغمز لها وهي تقترب حتى تخرج معه ناحية الخارج:



_اتغيرنا وبقينا بنهتم وبقينا حاجة تانية خالص!



ابتسمت "فرح" بحياءٍ واقتربت منهن فيما اقترب هو يجلس بين الشباب ووالده من جديد ، مردداً لـ "بدر" بحنقٍ بعد ترديد "غسان" نفس الحديث له:



_مجيبتش "يامن" ليه يا"بدر"؟؟ ، ليه تعمل فينا كده حرام عليك يا عم ، الواد واحش اعمامه ، الله!!



_________________



_يا حبيبي انت كنت سخن ويدوب فايق ، اهدى واركز في مكان واحد بقى الله يهديك.



نبست "وردة" بضيق هذه الكلمات لـصغيرها الذي تركها في الحال كي يشارك الصغار الآخرين اللعب ،  كانت في الأعلى حيث شقتها ومعها "فاطمة" التي ضحكت توضح لها بهدوءٍ:



_متقلقيش يا "وردة" ، هما كل العيال كده واللهِ ، بكره يبقى حلو وزي الفل.



تحركت رأس "وردة" ناحيتها في هدوءٍ وردت توضح أكثر لها :



_سخونية "يامن" وحشة يا "فاطمة" ، وبعدين انا رفضت اروح هناك عشانه .



صمتت قبال حديثها ، وجاء لها "يوسف" طالباً منها بإلحاحٍ :



_يا ماما ما تيسبيني بقى أطلع فوق 



يريد الصعود إلى السطح ، فرفضت بحزمٍ وهى تشير له :



_قولت مفيش طلوع فوق من غير حد كبير ، روح العب معاهم يلا واسمع الكلام.



طالعها بضجرٍ وذهب لهم في حين تعالت ضحكات "وردة" وهى تحرك رأسها بقلة حيلة من شقاوتهم ، في حين دارت رأسها تطالع الأخرى بتساؤل:



_متعرفيش هيجوا من هناك امته ؟ عايزة "بدر" يعطي "يامن"الحقنة قبل ما ينام وميخدهاش ويرجع يتعب.



هزت كتفيها في جهلٍ وفسرت لها :



_بصراحة لا ، بس سمعت صوت البوابة بتتقفل من شوية ، شكل "آدم"و"فريدة" جم .



لم تصمت "فاطمة" إلى هنا بل اقتربت توكز ذراعها وهي تكمل وكأنها تذكرت وانتهزت فرصة جلوس "وردة" التي تقضل التحدث معها لعلقها:




        
          
                
_اسكتي يا "وردة" ، دا أنا بقيت بخترع أي مكان عشان بس اسيبلهم المكان براحتهم وامشي انا والعيال ، بتحرج أوي ودايماً بحس ان "فريدة" مش واخده راحتها ، رغم اني والله العظيم اشهد انها بتساعدني ، حتى كان الأول في امتحاناتها مكانتش أوي بس دلوقتي شغل البيت متقسم وحرام يعني بتعمل كل اللي عليها ، بس انا برضه محروجة عشان مشاركينهم الحتة وهما لسه يدوب .



تفهمت "وردة" حديثها فربتت على ساقها بتقديرٍ لهذا الإحساس الذي سَيشعر رغماً عنها وردت تجيبها :



_متقلليش يا "فاطمة" ،"فريدة" حابة وجودكم وواخده راحتها ، وعارفة  انك  بتحسي بكده غصب عنك ، بس فكرة  غيبي وكل فترة وفترة قومي سايبه الشقة تحت وطالعة هنا انتي والعيال في الأوضة دي ، والله "بدر" كان قالي كدة مع انه عارف انك مش هتواففي بس قال هبقى اكلم "فاطمة" تطلع تبات معانا ، وكدة كدة أخوكي"آدم" مش متقل من حاجة ، دا طيب  واللهِ  زي ما "فريدة" طيبة برضه وعمرها ما تطلع تفكر ولا تقولك انها مش واخده راحتها.



طالعتها بإنصاتٍ شديد ، ورغماً عنها لا تحبذ وجودها هى واطفالها ،في حين ترى بأنه من المفترض تركهما ، حثتها "وردة" وطمأنتها كي لا تشعر بهذا الإحساس الذي يداهمها بين حين والآخر بحساسيةٍ ..



«بينما في الأسفل»



دخلت "فريدة" قبل وقت تبدل ثيابها فيما صعد "آدم" في الأعلى ليضع الطعام للكلب ، ثم هبط ولم يجلس حتى دخل المرحاض في الخارج وكانت هى حينها في مرحاض الغرفة الواسعة ،  تركت "فريدة" خصلاتها خلفها وجلست بعدما ارتدت قميصها القصير حتى تستطع أن تدهن جرح ساقها ، تحسبت لدخوله ، هو من  أصبح يضعه لها في كل مرة ..



وكالعادة يدخل دائماً في هذه الأوقات ، فُتح باب الغرفة ، ودخل منه واضعاً المنشفة على عنقه وهو يبتسم وظهر التعب على تقاسيمه ، فدخل غالقاً الباب خلفه ، واعتدلت هى حينها تطالعه ، فإنحنى بصمت وهو يجلس بجوارها ولم ينتبه للعلبة التي بين يديها التي كان ستضع منها الدهان ..توقفت عن فعل ما ستفعله فيما نظر هو لوجها بتفحصٍ إلى أن سألته بغرابةٍ من هذا السكون :



_هو مفيش حد هنا ولا ايه؟



نفى"آدم" برأسه مبتسماً وأخبرها :



_لا ،  كلهم فوق مع "وردة".



حركت "فريدة" رأسها بفهمٍ ضاع سريعاً قبال اخفاءه لكلا يديه هكذا دائماً، ولم تمنع نفسها في التساؤل أمام مراقبته لها :




        
          
                
_ممكن أسألك سؤال؟



ضحك على طريقتها ، وهناك راحة مادامت هى بجواره ووقع عليه الاختيار هو ، ولكنه تفاجأ وضاع ثباته قبال سؤالها الذي كان سيسأل مهما كان :



_ليه بتلبس بكم علطول مع ان الجو ساعات ببقى حر ، حتى وانت نايم برضه بتلبس بكم !!



حرك عينيه هروباً منها بأسىٰ ، وترك المنشفة ، وزفر أنفاسه مؤخراً مقرراً الاجابة ، نهض ولأول مرة ترى جزئه العلوى ، فتابعت فعلته حتى خلع ملابسه الفوقية ، فأهبطت عينيها تنظر بمكان آخر ولكنه أجبرها في النظر ناحيته عندما جلس يجيب بنبرةٍ مختنقة مشيراً لها على كلا ذراعيه :



_ شايفة العلامات دي ؟



نظرت نحو علامات ذرقاء وأخرى حمراء في ذراعيه ، وابتلعت ريقها بندمٍ من ما فعلته وسألته بعدما فهمت مخزى ما  فعله تلمست ذراعيه في أسفٍ وأعين كان قد لمعت ما ان أكمل هو :



_دي لسه مراحتش ، كانت من الحقن اللي كنت باخدها ، بس سايبة علامات في كل مرة مخلية شكل دراعاتي وحش ، ممكن تاخد وقتها وتروح ، بس الحقيقة اني عايزها موجودة وفي نفس الوقت مش عايزها!!!



وزاد الاختناق عندما انهكت نبرته وهو يطالع عدستيها التي امتلئت بالدمع :



_عايزها تفكرني ، ومش عايزها تفكرني!



رفعت "فريدة" ذراعها تضمه هى ناحيتها حتى أسند رأسه على قمة صدرها ، كأمٍ تحتوى صغيرها من خدش ترك الأثر وهو بين إخوته مختلف!!! ..



_أنا آسفة ، آسفالك من كل الدنيا .



هذه جملته هو ، ابتسم "آدم" وهو يستند عليها حتى ربط ذراعيه خلف ظهرها ولم يتركها تكمل بل شكرها الآن كصغيرٍ وضاع ثباته وحتى كيده قبالها في كل مرة بل كان كصغير لا يريد سوى عناق واحتواء لا يريد سوى عدم الضياع ، لا يريد رحيلها :



_شكراً عشان اختارتيني ، لأول مرة ابقى عاجز بعد ما بقيت كويس ، عجزت  وخوفت تروحي مني وتمشي بعد ما اتعودت على وجودك، شكراً عشان حسستيني اللي محستوش من زمان ،  عشان خليتيني احس اني مرغوب واني شخص استحق الإختيار واني استحق الحب والتقدير، ومستحقش اتساب بعد ما اتعلقت.



في البداية لمَ كانت تصدق بأنه سيضعف ويردد هذا بين ذراعيها، تماسكت وردت بصدق شديد وصل له:



_اختارتك عشان انت بقيت كل حاجة بالنسبة ليا ، اختارتك عشان بحبك وعشان منسيتش لما قولتلي انك بقيت تخاف اسيبك زي ما خوفت اول مرة  عشان حسيت ان مامتك هتسيبك ، ٱنا عمري ما هسيبك.. انا اختارتك بكل حب..




        
          
                
وأضافت قبال تأثره وهو يأخذ أنفاسه بإطمئنانٍ :



_واختارتك عشان ربنا جمع فيك الصاحب والحبيب والحياة و الٱمان وكل حاجة حلوة يا "آدم".



ابتسم على قصتها القصيرة التي تختصر بها الحديث دوماً ، حتى شدد من ضم ظهرها بعناقٍ شددت هي به وهي تعانقه بين  ذراعيها ، فتنفس بعمقٍ ورد عليها مصرّحاً  وهو يعتدل :



_ وانا اختارتك من غير أسباب يا "شاطرة "!.



اقترب يقبل  جبهتها ، وطالع الفراش جوارها فمنذ ان أصبحا معاً في احضان بعضهما تغفو دون خوف تغفو بثقةٍ ، طالعته بتمعنٍ بعدما عاد ، فأمسك بتيشرته ذو الاكمام الطويلة  وقاطع ارتداءه ، وجود الدهان بجانبها وقميصها المرفوع حتى ظهر جرحها ، طالعت محط أنظاره وقبل ان تهبط طرف قميصها اقترب  يتلمس جرحها في أسفٍ ..



هو أيضاً يعلم جيداً معنى ترك العلامات القاسية التي تُذكر بالماضي الأليم ، والعقبات الموجعة ، اقترب يتلمسه برقةٍ لم تعهدها من قبل فرجعت إلى الخلف فيما حاوط هو ظهرها  بذراعها يمنعها من التحرك ، وتسارعت دقات قلبها ما ان وعت انه يقترب أكثر فتصاعدت أنفاسها بخوفٍ وهى لم تصرّح له بالقرب بعد!!



منذ ان أصبحا معاً على فراشٍ واحد وعلم انه سيضعف لذا رفض أولاً ،  علم ان هذا اليوم قد اقترب ، ولكنه اقترب دون ان تصرّح ، ربما هى من حركت مشاعره تجاهها بدون أراده منه ، تحدثت الفطرة في هذا الأمر، وقال على مقربةٍ منها :



_"فريدة".. متخافيش ..انا.. انا عمري ما هأذيكي!!



في هذه اللحظة ، نظر لصفاء  عينيها ،علم انها لم تصرح أبداً بالقرب وتركت الوقت يأتي كما يشاء ، هناك صمت هناك بوادر قبول ضئيلة، على الرغم من انها سمحت لأشياء كثيرة تحدث من قبل الا انها صمتت لربما كانت ستأتي البداية منه ، مهما تعافت فهي مازال لديها رهبة ، حتى وان لم تهاب صنف الرجال ولكن المشهد يعاد في ذاكرتها وما جعله مقبل على الاقتراب ان طبيبها طمأنه اليوم في الهاتف بأن هناك جلستان أو ثلاثة وستنتهي ، وهذا ظهر في تفكيرها وفي  حديثها الذي بان به تحسنها كما بان به سماحها.. ولكن الآن هل ستسمح؟ستكسر الحاجز ؟



لا لن يعود المشهد كما كان يعود ، نزلت دمعتها من عينيها بغير  وعيٍ ، فابتعد على الفور ونهض ممسكاً كلا كفيها التي رفعتهما تمسح وجهها بهما ، كان متوقع بأن هذا الأمر لن يأتِ من أول مرة !!



تحدثت بتحشرجٍ ووجه  اخفته بين يديها :



_ أنا آسفة واللهِ ، والله غصب عني مـ..




        
          
                
تأسف هو سريعاً بدلاً منها وردد وهو يدفعها داخل أحضانه:



_أنا  اللي آسف والله ،آسف حقك عليا ، انا محاولتش غير لما شوفتك  كويسة ، فـ..



مسحت وجهها بخيبةٍ ، كانت تريد الموافقة ولكن البكاء منعها بدلاً من تذكر الماضي ، وهذا الأمر ليس واقعي حدوثه هكذا دون حدوث عواقب!!



_انت ملكش ذنب ، أنت استحملت كتير أوي ، غيرك مكنش هيستحمل كل ده ، أنا آسفة واللهِ ، آسفة  بس غصب عني واللهِ..



أخفت "فريدة"وجهها فبادر في احتضانها مجدداً وظهر الندم في عينيه وهو يغمضها ، ندم ليس بمحله الآن لأنه لم يفعل شئ خطأ ، ابتلع ريقه ونهض سريعاً يترك لها المكان كي لا تهابه مردداً بلهفةٍ :



_ بصي ،. ارتاحي وأنا هنام بره خلاص ، انا مش  هـ..



_متسبنيش يا "آدم" ، خليك معايا عشان خاطري.



ترجته وهي تقف بلهفةٍ فوقع تيشرته أرضاً ما ان اقتربت تهمس بأسفٍ وهي بين ذراعيه كي لا يأخذ الأمر بحساسيةٍ منها ، نفي هذا ،. رفض أسفها ومسح وجهها بالمنشفة وهي تجلس على الفراش وأبعد هذا المحور من الحديث ما ان مازحها بعيداً عن هذا :



_خلاص يا شاطرة ، شكلك وحش وانتِ بتعيطي.!



خرج الآن عنادها بعدما نظرت له بإمتنان لتقديرة ، وهتفت:



_متقوليش يا شاطرة ، ومحدش خد رآيك .



_,هو انا مقولتلكيش؟



سألها وعلمت الإجابة ، فصمتت تريد سماعها منه وهو يفتح الدهان كي يدهن ساقها برفق ولبت غرضه في أن تجيب بما يريد :



_ قولتلي ايه؟



_ان رأيي أمر مفروض ، اجباري يعني يا شاطرة .



مسحت وجهها من الدموع وضحكت بخفةٍ ، فإطمئن انه انقذ الوضع وراضته بتأثرٍ كما راضاها بتفهم الوضع وتركها ، لذا لم تهاب تقبيل وجنتيه وبادرت بعناقه من جديد ونبست بنبرةٍ هادئة :



_شكراً



لم يرض الرد كي لا يعود مجرى الحديث لهذا ، عدل من وضعية الفراش، وكي لا تشعر بالندم ظل بجوارها كما هو على الفراش ،فإعتدلت حتى سحبت نفساً عميقاً  فيما تنفس هو بهدوءٍ وجارته كي لا تحزنه بعدما وجدت تردده في مد ذراعه ليحتضنها جواره: 



_ أقولك حدوتة ؟



_ياريت.



اقتربت حينها في المساحة ، وتمسكت بذراعه حتى احتضن خصرها ، فابتسمت تطمئنه وهو يمسح على خصلاتها :



_ممكن تقولِّي انتَ؟



لم يمنع بل وافق برأسه وسرد بهدوءٍ مخرجاً أنفاسه الدافئة :



_مبعرفش أحكي ، بس لو في يوم هيقولوا ايه احسن بطلة في حدوته ، هقولهم روبانزل بس ام شعر اسود طويل بطلة قصة  اللي بقوا يقولوله يا معلم آدم!!!



ضحكت "فريدة" على سرده، ودارت عينيها بعد وقت وهي تطمئن ومازلت الثقة هنا بينهما ، مرر يديه على خصلاتها بتعبٍ وعقب ما غفت لمعت عينيه من ما تعاني منه وحدها في خيالها وأفكارها , خرجت أنفاسه وقبل جبهتها قبل ان يعتدل وهو يجذب الغطاء أكثر مررداً بهمسٍ وعينيه لا تفارق تقاسيمها الجميلة الذي يشهد بها الكل كونها اجمل تقاسيم لأجمل فتاه في هذه العائلة :



_تصبحي على جنة يا شاطرة!



يكفي وجودها جواره ، لا يريد أكثر من هذا ، كان يطمع في قربها التي كانت به بوادر قبول ثم  ضياعها بواسطة بكاءها وتخشبها ، ولكنه عاد يحتوي الوضع ببراعة كي لا يضيع الأمان التي وجدته أخيراً به. ، كانت سبباً فيما فعله كما كان السبب الرئيسي فطرته المخلوق بها من ربه كأي رجل! , ولكن رجولته هنا كانت بين الصبر والاحتواء و التفهم والتقدير للوضع ! وضع اقترب كي تصبح له دون خوف ، وضع يتطلب صبر آخر لمرة أخرى ، لأن نهاية هذا قاربت على الإنتهاء بفعل وجوده ودعمه ،  فمر الكثير في الخوف  والقلق الحزن  والرهبة ولم يتبقى سوى "القليل على النهاية ".


هو لايُدرك أي مجهول, ولكن هناك بالفعل صمت ، صمت بين التعب والمعاناة وصمت بين الصراخ رغم أنه "صراخ"!! ، هناك أشياء كثيرة تحدث ، وهو متعب لآخر درجة ، حبيس كما من كان قبله حبيس بين الأوجاع  والآلام والإحتياج ، وجع وحدة وجع مُنهك من الإنهاك ذاته ، وجع ماضي وحاضر وربما مستقبل يجهل عن سيره وهو الآن هكذا !!


بكاء ؟ ، هل هذه الكلمة بسيطة هكذا كي تكتب بـ أربعة أحرف تقريباً؟!



كل حرف يحمل بين طياته الكثير من الأسباب كي يسمى بكاء! ، كل شئ يتطلب الأمر به بكاء مختلف ، والأسباب تختلف ما بين بكاء وبين الآخر ، هل كان عليه تجربة هذا ؟ هل كان عليه منذ البداية بأن يختلط بأصدقاء سوء؟ ، أم انه السوء بنفسه؟ ، تقطع أحباله الصوتية وملامحه وعينيه الحمراء المنهكة والجلوس هكذا على أرضية الغرفة الحديثة ، ولكنه يجلس كمن يقوم بإذلال نفسه ، تارة يردد بأن هذا أفضل ولأول مرة يردد شئ به أمل وتارة يصرخ ويسب سبات  لا تليق بأشخاص وعائلات راقية يجلبون أولادهم إلى هذه المصحة العالية بخدماتها الكبيرة ذو المجهودات المبذولة بجهدٍ كبير يتطور شئ عن شئ ، فها هو يجرب ما جربه الأول ، يجرب ما جربه صديقه "آدم" ، ففريق المصحة الطبيعية ، يتطلب بذل أشياء ونشاطات كثيرة كي يخرج الشخص سوى من جديد وليس متعافي فقط ، وهو بين هذه الأشياء جاف ، فاتر ، لا يريد أي شىء وكأنه كان يتعاطى في الأساس كي لا يحاصر نفسه ويصل إلى ما يشعر به الآن من فقدان الأمل في كل شئ 



جسد به روح بمثابة جسد بلا روحٍ!! ، كانت هذه المعادلة لديه هو شئ آخر ، لديه تتساوى أطرافها وكأن كل طرف هو نفسه الآخر!



خطوات تفصل بين الخارج   والداخل ، ورقةٍ يتمسك بها شخص ما ، في مكان الزيارات والذي تم منعها لأن الحالة في بداياتها ، هل جاء بدون فائدة؟ ، جر أذيال الخيبة وقلبه يرق لشقيقه ، هل يبكي؟ هل يعاني ؟ هل أصبح أفضل ؟ عينيه الآن لا تفارق الورقة التي تُوزع  والهاتف يدق!



_ استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.



خرجت بتنهيدة حارة مستسلمة منه عندما فقد كل الطرق  في التوصل لرؤية وجه شقيقه ، اللهفة البريئة التي بداخله تجعله يقرأ الكلمات المدونة والمطبوعة في هذه الورقة الإعلانية لهذا المكان ، وكأنه يرضى ضميرة ويُريح فؤاده تجاه واجبه ناحية شقيقه ..



فها هو يحمل مسؤوليات كبيرة أكبر من كونه شاب في بداية طريقه لإنشاء أسرة صغيرة بطفلته القادمة ، وجد نفسه مقبل على أوجاع وعقبات ومشاكل ومسؤوليات أصبح لها وعليها يتغلب!! ، والطاقة تزداد فقط لأنه الوحيد الذي لها وليس لغيرها إلا هو ، ليس للمتاعب وتحملها إلا "حازم" ، وضاع حزمه قبال رجفة يديه وهو يقرأ وتفكيرة يذهب نحو شقيقه في سؤالٍ صريح مشتت : كيف حاله الآن؟، ماذا يفعل في الداخل؟ :



_في المصحة، المدمن يخضع لبرنامج علاجي متخصص يهدف إلى مساعدته في التغلب على إدمانه وتحسين حالته النفسية والجسدية إليك بعض الأنشطة والعلاجات التي قد يتلقاها المدمن في المصحة:
إعادة التأهيل الجسدية: يتضمن ذلك برامج لتنظيف الجسم من المواد السامة والمخدرات، وتحسين اللياقة البدنية والتغذية السليمة،  العلاج النفسي: يشمل جلسات فردية وجماعية مع مختصين نفسيين لمساعدة المدمن على فهم أسباب إدمانه وتعلم كيفية التعامل مع العواقب النفسية للإدمان ، الدعم النفسي والاجتماعي: يتضمن دعمًا نفسيًا واجتماعيًا من قبل فريق متخصص من العاملين في المصحة والمدمنين الآخرين، تعلم مهارات التحكم بالانفعالات والتوتر: يتم تدريب المدمن على كيفية التعامل مع الضغوطات والتحديات بطرق صحية وبناءة، برامج مجتمعية: تشمل أنشطة اجتماعية وثقافية للمساعدة في إعادة تأهيل المدمن ودمجه مجتمعيًا بعد الخروج من المصحة, هذه بعض النشاطات التي قد يتلقاها المدمن في المصحة، ويجب أن تكون مصممة خصيصًا لتناسب احتياجاته الفردية ومرحلة الإدمان التي يمر بها.




        
          
                
طوى الورقة وهو يزفر أنفاسه بهدوءٍ وجعلته الخطوات أمام السيارة الآن ، وعينيه لا تفارق المبنى الساشغ في المساحة ، رفض قلبه تصديق كلمات "بدر" بأن مهما ذهب سيتم منعه كما مُنع "بدر", من قبل ولم يتم الموافقة على رؤية شقيقه إلا في أواخر شفاءه  بالكامل ، ركب سيارته وترك الهاتف يدق فيما نظر هو مبتلعاً ريقه متمنياً رؤية من يعاني بالداخل ،



معروف عنه بأنه متصلب العقل على الأغلب ولكن مالا يظهره على الرغم من انه يمتلكه هو انه يمتلك قلب رقيق يرفق ويشفق ويحن دائماً ، فهو بدايةً ونهايةً لم يكف عن مساعدته حتى وان كان يظهر عكس ذلك فإنه كان يبحث عنه في كل مرة يغيب بها وما يجعله  بطىء التلهف هو خوفه من عودته عندما كان يتوعد له "غسان"! ، زفر أنفاسه ووازن النظر ناحية الطريق مع رده على الهاتف بنبرةٍ شديدة في الهدوء وكأنه اعتاد :



_أيوة يا "ياسمين" .. حاضر ،هطلع على المكتب وورايا شوية حاجات هخلصها وأرجع أوصلك انتِ ومامتك على العمارة 



صمت قليلاّ يستمع إلى سؤالها المهتم ثم عاد يرد مبتسماً وبان خوفه على ترك والدته وشقيقته  في هذه الحالة  فقد تركهما أمس ورحل ثم قرر العودة اليوم :



_لا مش هنبات النهاردة في شقتنا ، خلينا نبات النهاردة معاهم، جهزي لبسي وأنا هخلص وهعدي عليكم علطول .



لم يستغرق كثيراً وقد أغلق الخط على الفور عقب ردها ووداعها الحنون، نظر ناحية الطريق بشرودٍ وزفر أنفاسه في صوتٍ عالٍ هذه المرة ، وكأن تنهيدته تشرح الكثيرمن ما يوجد بداخله!



« بينما في داخل إحدى الغرف في  مبنى المصحة»



كان يجلس أرضاً مشفقاً على حاله وهو هكذا ، آخر ما فعله هو دموع وبكاء ، ويديه وعقله يشعران بالعكس عن ما يمكن فعله ، إرتجف جسده من البرد الذي يشعر به بدون إرادة منه بسبب جسده المُحتاج ، هنا منذ أيام ، أيام يعاني بها بجهلٍ ولكنه استسلم ، لم يصرخ الا للإحتياج فقط بينما الصراخ الآخر ليخرج تخلى عنه بإستسلام وتحل محله الدموع الذي كان يعتقد بأنه  ففدها ، فهو وحده من بينهم كان قليل البكاء الا هذه الأيام ، إلا الآن عندما  مسح وجهه ونهض بتعبٍ ..



سار "حسن" بخطواتٍ ثقيلة ، ناحية أحد الأدراج الخشبية الملونه باللون الأخضر الذي يمتص السلبية  ،كل شئ هنا  تم وضعه بحرصٍ ، وُضع بعناية وتفتيش وتفحص بنظام كي لا يُخان الفريق بتهريب شئ ما من الشخص المتعاطي أو من اتباعه ، فهو لأول مرة يتفحص هذه الأدراج كي يأخذ سترة غير التي أخذت للغسل ، سحبه وكان بين أكمامه ورقة تم طويها نصفاً وتم قراءتها قبل ان توضع هنا!!




        
          
                
ما هذه الورقة ؟ ومن وضعها قاصداً ؟ ، ابتلع ريقه وانكمشت ملامحه وهو يتمسك برأسه بألمٍ فسحب مقعداً وجلس ملتقطاً الورقة بغير اهتمام ولكن ما أثار انتباهه هو شئ ما لم يغيب عن ذاكرته الذي دمرها الاحتياج نسبياً.



رسمة تشابك الإصبعين  "السبابة والوسطى" من يد شخصين ، تم رسمها بفعل يد تحترف الرسم ولكنها لم تدخل تعليم عالٍ ، هل كان هو ؟ صديقه؟



هذه الرسمة كانت حركة معهودة بينهما عندما كانا يفعلان أموراً شبابية ، لا يستطع أحد فهمها أو معرفتها سواهما ، كم من مواقف فعلت منهما ان عرفها وكشفت سيهربان معاً لمكان آخر ، ابتسم "حسن" عندما وصل تفكيرة لهذا وفرد كفه ينظر بشرودٍ ناحية أحد الخدوش التي تركت الأثر هنا, ثم تذكره لحادث الدراجة البخارية الذي أصاب "آدم", صديقه ومنع حينها من دخول الجيش ، فقد كان من المفترض ان يدخله بإعتباره لم يدخل جامعة بينما هو كان بجامعة اجلت له أمر الجيش الذي لم يمنع  من دخوله لانه لم يُصاب .. 



زفر أنفاسه وتم لهي عقله عن الصراخ والتوجع بل فتح الورقة الآن ينظر محاولاً التركيز بشتي الطرق كي يقرأ ، قراءته ببطئٍ على الأغلب  ولكنه سيقرأ مادام صديقه هنا ، بين هذه الأحرف الذي عرف في الحال من هو صاحبها  الذي تعامل بخفةٍ شبابيه كي يضع هذا في ملابسه دون معرفة أحد ، مازال مشاكس يرفع شعار الخفة والشباب بعقباته وحوادثه :



_ إذيك يا صاحبي ، أنا عارف انك ممكن متشوفش الورقة دي ، بس قولت أعمل حاجة بنت ناس ويا صابت يا خابت  ، بس متٱكد انها هتصيب بالصح زي ما عمرنا كنا في ضهر بعض وبنسيبها برضه يا تصيب يا تخيب ،  يمكن خيبنا كتير بس في كل مرة كان بيبقى نفسي نقب على الدنيا عشان تضحكلنا ،  مضحكتش ليك أنا عارف وحاسس .. وعارف انك بتعاني دلوقتي وبتتوجع وعارف كمان إنك ضايع ومقهور ومتكتف وعاجز ومش عارف تعمل ايه ، بس أنا معاك في الأوضة دي يا "حسن" ، معاك يا صاحبي وكنت هنا من قبلك ، عايزك تعرف انك قد الوجع ده وهتخرج منها أحسن من الأول،أ نا في ضهرك وعمري ما هسيبك..



تأثر "حسن" من هذه الأحرف واهتزت عدستيه وهو يغلقهما بتعبٍ ثم فتحهما وأكمل ما لفت انتباهه بعد ذلك :



_شايف الشباك الحديد اللي هناك ده !



كيف يعرف؟ ، طالع بعينيه الحروف الذي قرأها ثم حرك رأسه تجاه الشرقة المحكمة ، وعاد يقرأ ما دونه صديقه له:



_في هناك  تحته صندوق خشب صغير كده ، قوم افتحه يا "حسن" وبعد كده اقرأ اللي في ضهر الورقة ، وأنا هنا مستنيك يلا اتحرك !




        
          
                
عقد حاجبيه في استنكارٍ وكأنه معه للتو ، ولكنه نهض بتثاقلٍ حتى فتح المُبتغى ، ثم نظر نحو محتوياته بصمتٍ دام لدقائق ، ورجفة يديه من ما رآه تثير غرابته ، منذ متى هو هكذا ؟ ، نظر في ظهر الورقة بفضولٍ به لمحة من التأثر البسيط وقرأ :



_متستغربش، عرفت ان الأوض كلها بنظام واحد ، خرّج السجادة يا "حسن" ، وامسك المصحف ، وصلي وادعي واشغل وقتك بقربك من ربنا ، صدقني عمرك ما هتندم ، أنا عارف انك ممكن  تطنش زي ما طول عمرك كنت بتعملها معايا ،بس جرب كدة دلوقتي ،. أنا كنت زيك كده وبعد ما جربت وقربت مبقتش أحس بحاجة غير الراحة اللي عمرنا ما حسيناها ، افرد السجادة على الأرض وروح اتوضى وارجع  وانا هنا مستنيك ..انا هنا معاك يا "حسن" ، في ضهرك وعمري ما هسيبك !.



لمرة أخرى يعيد جملته ، متفهماً ما يجتاح الآخر الآن ، كان في موضعه ، كان أيضاً يشعر باحتياج هذه الكلمات وقتها !!



كانت هناك كلمات لم يكملها توقف إلى هنا وسقطت دموعه خلف بعضها بإضطراب لم يشعر به ، بل هنا حيث يديه التي ترتعش ما ان خُذل وخذلته نفسه لأنه فقد قدرته على فهم خطوات الوضوء بترتيبها !! 



ترك الورقة برفض وخزيٍ من حاله ، هذه المرة كان رفض بخزيٍ لأنه يرى أنه شخص لا يستحق هذه الخطوة ، شخص فقد الكثير ، شخص لا يصلح للتقرب من عظمة الخالق..



هل الٱخر كان يعلم ذلك ؟ كام يعلم أنه سيخجل من هذا ؟. المُراد وصوله إلى شعوره بالخجل ، ثم السؤال ، هل بداخل قلبه نقطة بيضاء بين كل هذا السواد الذي يُهلكه ؟ ويهلك عقله ؟ ،  كان قد ترك الورقة واستدار يجلس على الأرض كما هو ، وأصوات عقله تتداخل فأغمض عينيه بإنهاكٍ و نفض هذا من بين تفكيرة ..



هناك إشارتين سيأتيا في الحال؟ ، رُبما قدرة الخالق جعلت الآتي يحدث بأسباب تجعل شخص آخر يدمع عينيه من التأثر ،  والذي حدث ان نسمة ما من هواء الشرفة المحاطة بحديدٍ جاء منها هواء جعل الورقة تطير أمام ساقيه في الحال ، فزفر أنفاسه بهدوء وتركها كما هى على الأرض مرة أخرى .!! 



أراد ربه أن يقربه إليه ، ربما شخص ليس محبوب لدى العامة ولكن لدى ربه أفضل ؟، وللمرة الثانية يجهل هذه الرسالة والعلامة فجاءت له علامة وإشارة أخرى جعلته ينتبه لكتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" حيث انتشلها بسرعة كي لا يترك بسملة واسم الله العظيم على الأرض فوقعت عينيه على بقية ما لم يكمل قراءته صدفةً لم تكن صدفة!! :



_رجعت؟،  أنا عارف إنك ملقيتش حد يوعيك عشان كدة هقولك ازاي تتوضى صح!




        
          
                
نظر ناحية الأسفل في فضولٍ وإراة على المعرفة ، فطوال حياته يتوضأ بغير ترتيب تحت مسمى الوضوء ، تارك الضمير هكذا ميت ! ، لا يعلم بأن الله يرى! ، ابتلع ريقه وركز مع الكلمات الآتية التي اختارها الآخر بعناية كبيرة وسهولة في الألفاظ ليفهم صديقه بسرعة :



_ أول حاجة يا "أبو علي" .. تسمي الله ، "بسم الله الرحمن الرحيم"



هل هذه ما كانت سبب في انتشاله الورقة ورؤية كل هذا ، لا يعلم لما خفق قلبه وهو يرى دائرة بها كلمة الوضوء وأسفلها أسهم بأرقام مرتبة بعملية وشرح مفسر من "آدم" الذي  اتسم بالوفاء والإخلاص:



_ اغسل إيدك تلات مرات يا "حسن" ، وبعد كدة تتمضمض تلات مرات وتستنشق تلات مرات   ،. بعد كدة تغسل وشك تلات مرات بودانك ودقنك من تحت وكله ، ، بعد كده اغسل ايدك لحد مرفقينك  تلات مرات كمان  برضه ، وبعده تمسح على راسك وشعرك تلات مرات ، وودانك تلات مرات، وبعد كدة اغسل رجليك لكعوبك تلات مرات .



ترددت يديه في ترك الورقة ، تمسك بها الآن بقوة كمن يتمسك بشئ ثمين ، ونظر ناحية المرحاض الصغير  وعاد ينظر ناحية آخر شئ دونه بعد هذه الأسهم :



_ وادعي وانت بتتوضى وقول:أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ .



تنفس "حسن" بعمقٍ وابتسم له وكأنه بجواره عندما قرأ بقية الكلمات ووداعه الذي أحزنه بعدما جعله يشعر بأنه هنا معه :



_كده أنا قولت كل اللي نفس اقولهولك واللي نفسي تعمله ، متنساش تقرأ من المصحف يا "حسن" ، وعادي تقرأ سور صغيرة لو مش قادر تقرأ الكلام الكبير ، بس لو جيت تقرأه هتتعود ولسانك هياخد عليه ،  مع السلامة يصحبي ، مستنيك تخرج ، مستنيك زي الأول وعمري ما هلف ضهري ليك إلا في اللي يضرك ويضرني ، ساعتها هلف زي ما لفيت بس مش هبطل أحاول اخليك كويس  وأفضل من الأول ، متنساش بقى تدعيلي معاك ، يا بختك لو شوفت  الورقة دي وقرأتها ، ربنا بيحبك لو بتقرأ دلوقتي يا أبو علي ، قول كل حاجة لربنا وهو سامعك فأي وقت ،. وقابلك وحابب قربك منه  ،  اتمنى تكون شوفت الورقة وعملت بكل اللي فيها ، واخرج بقا عشان  أنا من غيرك مبعتمدش صحاب غيرك يالا ، انت صاحبي وطريقي  حتى ولو كنا ايه .




        
          
                
نقاط تفصل بين العقل والمزاح ، لم يصدق أنه ضحك بصوتٍ الآن عندما قرأ نهاية الآتي :



_ قبل ما أقولك سلام ، كنت هنسى أقولك اني اشتريت الكلب من الواد " بندق" جارنا زي ما كنت بتقولي انك عايز تشتريه بس ابوك الله يرحمه مكانش موافق يدخل بيتكم  ، "فريدة" اختك سميته "أمان" ، بصراحة اسم على مسمى ومستنيك تيجيله عشان عارفك بتحبهم أوي ، واسمحلي أنادي قلة الأدب اللي عاينها لحد ما نكون مع بعض  من تاني عشان انا دلوقتي مؤدب ومحترم وراجل متجوز ومسئول عن بيت وعن أختك اللي بقت مراتي يالا ،  بس بص ! ..بكل قلة ادب بقولك مع السلامة يا بن المتدايقة ، ياللي اختك الحلوة وقعتني فيها وشكلك كدة هتخرج على عيال يقولولك يا خالو مع انك أهطل!. 



ضحك رغم حنقه من الكلمات ، وعاد يقرأ بعد رؤيته لسبه  له بمرحٍ :



_سلام يالا يا بن زينات!



لم يشعر بنفسه إلا عندما نبس بصوت مبحوح من كثرة الصراخ وقال من بين ابتسامته الباهتة :



_ سلام يا بن جنات.



ترك الورقة عقب قولها بمشاعر مضطربة وحماس الحياة في الخارج أرسله له "آدم" بين الكلمات ببراعةٍ وخفة وقبول يتميز به على الأغلب ، ابتلع ريقه ، وسار خطواتٍ بطيئة إلى بداية المرحاض ، نظر ناحية خطوات الوضوء يتذكر ثم تركها على المقعد ، وتخبطت ركبتيه قبل الدخول لفعلها..



ٱغمض "حسن" عينيه بهدوءٍ وألم ووجد نفسه يهتف من بين شفتيه :



_أنا عارف اني مستحقش ده بعد كل حاجة عملتها ، بس كنت بسمع الشيخ في صلاة الجمعة بيقول انك حنين اوي على العبد أكتر من امه ، أمي مورتنيش الحنان اللي كنت عايزه يارب ، أنا أناني وانا بقرب عشان عايز ارتاح الراحة اللي "آدم" بيقول عليها ، أنا أناني وأنا آسف!! .



كان يعجز عن الحديث ، خرج الحديث  منه وكأنه يتحدث كما يتحدث دون شروط ، تركها تأتي كما تأتي والشئ الذي يعلمه ان الله غفور رحيم بعباده، دخل بأيدي مرتجفة يبدأ بخطوات الوضوء وسارت القشعريرة في جسده كمن لم يرتعش من قبل ، بوادر التقرب الذي كان يراه ثقيلاً ، صعباً كونه لا يفقه شىء، وسهلاً عندما  تبدأ في خطواتك الأولى فتتيقن حينها أن الصعب هو ابتعادك عن طريق الاستقامة والهداية!!



اختيار الصديق هو اختيار الطريق ، لم يختار أي منهما طريقه في البداية وجعلتها الأيام والحياة سيئين تحت مسمى الضحية التي لم تستمر طويلاً حتى تمسك كل منهم بمبادئ عاش معها وزاد فيها السوء أكثر ، ومؤخراً نهض وهرب منها أحدهم بصعوبة أصبحت سهولة وأصبحت فخر توصل إليه حتى الآن ، حتى وهو يرشد صديقه إلى النور وهو بعيدا عنه ..




        
          
                
من يريد أن يتوصل لك سيٱتِ بشتي الطرق الممكنة وبكل المحاولات ،حتى وان  توقف يقطع طريقه الكثير ، حتى وان منعه الأكثر ، من يريد لا يترك من يريد لا ينتظر ، ولا يرحل أبداً!!



خرج"حسن" وفرد السجادة ومد يده يتمسك بالمصحف بكفين باردين ونظر ناحية الصندوق فوجد بطاقه أدعية ، وقف أولًا يرفع يديه وخفقات قلبه تزداد بقربه من الخالق الذي كبّر له الآن مرددًا بمشاعر عدة  لا يتفهما الآن ولكن بها راحة ورهبة كونها أول مرة رهبة ضاعت وفاز عليها الاستسلام الوحيد الذي يريده المرء:



_"الله أكبر ."



الله أكبر من أي شىء وكل شئ ، أكبر من احتمالات وأكبرمن أفكار وتفكير ، وأكبر من كلمات كانت تُردد له بإستحالة تغيره وتحسنه للأفضل في التعامل والأسلوب والافعال ، الله اكبر وأقوى من مجرد وسواس ينصت له المرء ويغضب ربه ، ربه الذي يتقبله فيما بعد بكل قبول ، رُبما مثل الآن.



_فَيَا عَبْدًا يَضِيقُ بِكُلِّ إِثْمٍ وَيَرْجُو اللَّهَ تَسْدِيدًا خُطَاهُ 
تَقَدَّمْ نَحْوَ بَابِ اللَّهِ تَظْفَرْ بِتَرْحَابٍ تُرَدِّدُهُ سَمَاهُ 
كَرِيمٌ لا يُخَيِّبُ ظَنَّ عَبْدٍ تُمَدُّ إِلَيْهِ فِي ذُلٍّ يَدَاهُ 
فَكَمْ لِلَّهِ مِنْ فَضْلٍ عَلَيْنَا وَيُمْنَاهُ تَجُودُ بِمَا قَضَاهُ 
حَلِيمٌ لَيْسَ يَعْجَلُ فِي عَذَابٍ إِذَا مَا الجَهْلُ مُرِّغَ فِي ثَرَاهُ!



______________



_يختي  دا حملها صعب أوي ، أقولك على حاجة كلام في سرك يعني ؟ قلبي متوغوش  ان البت" نيروز"مرات ابني دي  تولد بدري فجأة ، دا يدوب أكلت امبارح بسلة "فرح" بنتك كانت عملاها معايا ، ويادوب أكلتها من هنا يا "حنان" وعينك ما تشوف الا النور ، رجعت علطول!!.



خرجت الكلمات في جلسة ثرثرة بين "دلال" و"حنان" والفارق منذ آخر الأحداث يوم ونصف فقط ، كانت تحاول الهاءها عن الحزن من فراق فلذة كبدها فيما جابَ الحديث بعضه وهما معاً الآن على منضدة المطبخ وفي الخلفية تقف "فرح" تذوب "الشراب" في الإناء الكبير حيث اقترب موعد الغداء ، "غداء متأخر بوقته " ، نظرت لها "حنان" بإنصاتٍ وابتسمت تدعو لها مرددة بصفاءٍ ونقاء:



_لا بعد الشر من الولادة الفجأة يا حبيبتي ، متخافيش هما بنات اليومين دول كدة ، معتش مِرّوة  ولا صحة زي زمان ،  زمن الخير والعز والقوة راح خلاص يا أم غسان ، بس صلي على النبي في قلبك كده ، وان شاء الله ربنا هيسترها وتبقى حلوة ، ما هو الحمل برضه مش سهل ، انتِ مجربة يا ختي يمكن الحمل في توأم صعب ولا حاجة الله أعلم !




        
          
                
ضحكت "دلال" على آخر حديثها وأكدت:



_عندك حق يا أم عز واللهِ ، البنات يختي مبقوش زي زمان ، كانت الواحدة تولد وتاني يوم تقوم تشوف مصالحها ، طب واللهِ أنا كنت حامل وبشتال الأنبوبة على قلبي كده ، الصحة والبركة اللي في زمان راحوا، مش زي دلوقتي ، يوم تكون البت كويسة بس متقدرش تعمل حاجة ويوم نايمة وواخده علاجها وبترجع وحالتها صعبة , يلا ربنا يستر وتقوم منها على خير وبخير!



حديث نساء ، وثرثرة أغلبها فارغة والأخرى تهم البعض ، قبل أن تؤيد هى وقبل ٱن تُجيب جاءت "فرح" من الخلف تبرر بطيبةٍ :



_مش حكاية قوة ولا ضعف ، الحمل بيختلف من واحدة للتانية يا طنط ،أكيد معدتها تعبانة أو قولونها  مثلاً هضمي وعصبي بيتأثر بسرعة بأقل الحاجات ، "نيروز" من زمان صحتها مش كويسة  أو مش اللي بتستحمل أوي ، ربنا يقومها بالسلامة  يارب ويجي أولادها سالمين معافين!



فأشارت لها "دلال" بتضامن ورددت :



_على رأيك يا "فرح" ، يلا عقبالك يا حبيبتي وتبقي أحسن من كده ولا انتِ يختي طرية  ومش هتستحملي وتحسرينا معاكي !



توردت وجنتي "فرح" في خجلٍ وأكملت فيما تفعله فيما ردت "حنان" بإبتسامة هادئة :



_ان شاء الله ربنا يتمم بخير ويعطيها القوة ساعة ما يرزق.



لم تتوقف ثرثرة "دلال" ولكن خرج صدقها بدفاعٍ فطرى رآه البعض تفخيم بولدها حينما قالت لهما :



_ آمين يارب ..بس واللهِ "بسام", ابني عاقل ونضيف ومنظم مش هيجهدك يا " فرح ". ولا هيتعب في قلبك ، ان شاء الله تبقي مرتاحة كدة بدل يا ختي ما يقلبلك المطبخ ويمشي أو بدل ما يكون واحد سايب اللي وراه واللي قدامه يضرب يقلب كده ومش مرتب  زي ناس كدة الله يهديهم يارب ويصبر مراته عليه بقى!



لمحت بقليل من المرح على "غسان"  والتي لم ترض قولها صراحةً كي لا تضع عليه أي ذنب ٱو خدش أمام غرباء عن عائلتها الصغيرة ، ضحكت "فرح" بخفةٍ واستمعت لقول والدتها الهادئ :



_لا بسم الله ماشاء الله والله دكتور بسام زينة الشباب ومريح فعلاً ربنا يحميه ويكمل فرحتهم على خير ، أصل هقولك برضك يا أم غسان ؟ "فرح" برضه بتزهق من المطبخ بسرعة ، فـ ما جمع الا ما وفق ، وبسام شاطر أوي ، هم حرين يختي مع بعض بقى احنا مالنا .



ضحكت "دلال" على كلماتها ، في حين التزمت "فرح" الصمت وهي تبتسم بشرودٍ ،. استمرت فيما تفعله بشرودٍ ، قطعته هى وهى تستأذن للإنصراف بضع دقائق كي ترى مرة أخرى "وسام" بعد أداء إحدى الاختبارات التي أدتها وعادت بعد وقتٍ على الرغم من اطمئنان الجميع دون استثناء .




        
          
                
فيما كانت هى في الغرفة تجلس أمامه مبتسمة بإتساعٍ بسبب ما يفعله ، من تمشيط لخصلاتها  ، كان يتحكم بمسك المشط برفقٍ على رأسها وسألها للمرة التي لا تعرف عددها :



_يعني الجغرافيا كانت سهلة ؟



تأففت "وسام" من تكرار السؤال ،. فصمتت والتفتت برأسها ترد في ضجرٍ :



_ما خلاص بقا يا "بسام" الله!!! ، انت عارف كام مرة سألتني السؤال ده؟ انا حليت وخلاص معتش عايزة افتكر بقى!



طالع حنقها وضيقها الشديد ، فنظر بتعجبٍ وسرعان ما اعتدلت تشير له بحنقٍ :



_هه خلصني يلا ، اعمل الكحكة خليني أقوم أوريك  المفاجأة اللي عملتهالك!



ابتسم"بسام" بهدوءٍ وهو يعقد خصلاتها برفقٍ وضرب عنقها من الخلف موضحاً :



_خلي خلقك واسع يا بت ، أنا بسألك عشان أطمن انك معايا على الخط ومسبكيش مع دماغك اللي هتقعد تفكر في الإجابات ، كل ده خلاص في زمن كان ، طولي بالك كدة شوية .



صمتت دون رد وراضته بإبتسامة لم يلاحظها إلا عندما واصل يوضح بحماسٍ :



_ها؟ ، أنا مستني المفاجأة اللي بتقولي عليها دي بصراحة وربنا يستر بقا .



_اطمن يا بيسو ، حاجة هتعجبك أوي.



عقد خصلاتها على شكل كعكة في الخلف ، واسند المشط برفقٍ ،فإلتفتت له تنظر فوجدته يبتسم بعدما انهى مُهمته ، وخرجت نبرته المازحة حينها:



_يلا خليني أشوف المفاجأة ، واسيبك تذاكري ، انتِ بتتمرقعي وواخداها حجة ولا ايه يا ويسـو؟



ضحكت رغماً عنها وهى تحاول رسم علامات الضيق على وجهها ، فنهضت تجلب ما فعلته له وحفظتها على جانب معين من المكتب بين الأوراق ، انتشلتها برفقٍ وعادت تجلس ثم أخذت أنفاسها وهي تقدم له الشئ الذي بين يديها ، فطالعه بفضولٍ وأمسك منها هذه الورقة الذي كان عليها غلاف رسمت في أوله رمز العين دون تفاصيل ، فيما فتحه ووقعت عينيه على آخر شئ كان يتوقع حدوثه ..



صفحة الورقة بأكملها بَصَمت بها براعتها في الفن والرسم عندما ذُهل ولم تفشل كل مرة في ان تدهشه ببراعتها ، هنا في صفحة الورقة حيث رسمة عيني "فرح" لصورة طبق الأصل من الحقيقة ، ابتلع "بسام" ريقه وقبل ان يعظم بما رآه سألته هى بإبتسامةٍ هادئة :



_ايه رآيك  عجبتك؟ 



حرك رأسه بتيهةٍ ،. وخرجت أنفاسه بهدوءٍ وهو يحرك رأسه بنعمٍ مردداً بصدقٍ :




        
          
                
_مش عارف هي حلوة كدة إزاي؟؟ 



وتاه بالفعل  وهو يسأل مجدداً  :



_ من حلاوة رسمك ولا من حلاوة عينيها؟!!



تشتت ، على الرغم من انها مزحة ، ولكنه رددها بتأثر ، لم ترض مشاكسته بالغرور بل اعتدلت تفسر له بنبرة هادئة :



_بصراحة ، ماشاء الله والله أكبر ، عيون "فرح" جميلة أوي ، سواء كنت بتحبها أو مش مهتم لرسمتها ،فأنا كنت قررت أعملها ، ولما حسيت بالملل قولت خلاص نصييبها أرسمها وآخد ريست فاصل كده بين المذاكرة  ، فصممت الغلاف ده ورسمتها جوه في يوم على ما خدت وقت في التفاصيل وجبت منها صورة من غير ما تحس، وتحت الرسمة بص كدة هتلاقيني سيبت ليك ٣ سطور للكلام اللي عايز تقوله وتكتبه ليها وتديهولها ، حاسة ان في الوقت ده الهدية دي هتفرق في نفسيتها أوي.



ورغم تأثره من طيبتها الغير معهودة دائماً والتي فاجئته الآن الا انها لم تترك له مجال للرد بل واصلت تكمل بتوضيحٍ :



_هى اليومين اللي قعدتهم هنا ، حسيت انها زعلانة أكتر ما كنت متوقعة انها تزعل كل الزعل ده ، حاولت أخفف عنها بس هي حاطة فكرة اني ثانوية عامة ومش بتسيبلي فرصة أواسيها عشان الوقت والمذاكرة ، لكن لاحظت انها مش تقيلة وانها بتتكلم وبتحكي ، أنا زعلانة عشانها أوي يا "بسام" ، لأنها دخلت عندي الأوضة تاخد الاسدال والسجادة بليل وقعدت تعيط وهي بتصلي ، بقيت عاجزة أقوم ولا لا عشان متتحرجش ، بس تعرف؟ انا مش متفاجئة من الزعل ده كله ، انت  و"غسان"  عندي حاجة كبيرة وبخاف عليكم أوي ، عشان كدة انا حاسة بيها ، بس صدقني بجد أنا مش عارفة  أساعدها .



مشاعر متضطربة ٱتت من التعلق بها ، ربما  ما بجذب "فرح" دوماً عن "نيروز" هى الخفة التي بها وتتشارك بها دوماً دون وضع حدود منغلقه ، بينما يعرف عن"نيروز", بالعقل والصمت دوماً حيث لم تشارك مع أحدٍ شىء خاص بها كون هذه هى طبيعتها الهادئة ، بينما الأخرى تأخذ وقت للتعارف قصير عكسها !



طالعها "بسام" وهو يتمسك بالورقة ، ولم يفعل ما سيفعله هذا كثيراً ،. عندكا انتشل كفها وقبله برفقٍ ورد في هدوءٍ يطمئنها كونها تشعر بالعجز عن مواساة شخصية أصبحت مقربة منها في وقت ضغط هكذا :



_تسلم إيدك اللي تعبت ورسمت ،  أنا مبسوط عشان انتِ  مهتمة في وقت الضغط ده ، بس أنا مش عايزك تحسي بالعجز ، أنا عارف "فرح" بتمر بإيه وبحاول بكل الطرق أخفف عنها ، متزعليش عليها ، أنا دايخ أنا و"غسان" و"آدم" وحتى "حازم",و"بدر" عشان بس نوصل  للمكان اللي فيه رقم "عز" المقفول وهانت ان شاء الله.




        
          
                
اطمئنت من حديثه  نسبياً وابتسمت بتأثرٍ قبال قوله الممتن:



_المهم اني حابب أقولك شكراً يا "وسام"بجد



مدت "وسام" كفها بمرحٍ وهي ترجع خصلاتها الأمامية خلف أذنها وهتفت بمزاحٍ :



_ العفو ، هات حقها بقى!



ضحك "بسام "بصوتٍ عالٍ هذه المرة ، فإلتفتت تقدم له القلم كي يكتب أسفل الرسمة التي تفننت بها ، فانتشله بيديه اليُمنىٰ ، وأسند على فخذها بمزاحٍ الورقة ورتب ياقته بغرورٍ زائف وكأنه يمضي عقد  مع إحدى الشركات
الكبرىٰ ، ضحكت على أفعاله وبدأ هو يدون في الأسطر بصدقٍ نابع من فؤادة :



_" أرى كل الأعين بعينيَّ ، إلا عيناكِ لم أرهَا إلا بقلبي ، حينها أكتشفت ولأول مرة أن عدستي قلبي أصدق من الأخرتين "



لم يتوقف خط القلم إلى هنا بل واصل أسفل هذه الكلمات مباشرةً :



_والآن أنا هنا أتساءل! : روتين رموشك ايه وحياة أمك ؟



انطلقت ضحكة رنانة من "وسام ", التي قرأت مضمون ما كتبه فضحك هو الآخر فيما غمزته هى ما ان وضع الورقة بجيب سترته بعدما طواها واقترب بمرحٍ يقبل وجنتيها بقوةٍ فتقززت وهى تبعده عنها  وسرعان ما نهض يشير لها بالخروج ،. فإقترب من الباب كي يفتحه..



تزامناً مع ذلك كان القرار منها قد صدر عندما قررت الذهاب للإطمئنان عليها وبعدما فتح هو الباب  كانت هى على بعد ثلاثة خطوات فوقفت تبتسم له بهدوءٍ فيما أغلق هو الباب مع سؤالها المقابل :



_هى كويسة ؟ ولا زعلانة من الامتحان ومش عايزة تقول ،. أنا كنت لسه راحة اطمن عليها تاني.



ابتسم "بسام" على اهتمامها ورد بنبرةٍ مازحة:



_كويسة اطمني ، وسيبتها تذاكر التاريخ بقا ، شوية وهتلاقيها خارجة تتعارك مع ولاد محمد علي!



دائماً ينجح في التخفيف عنها واخراجها من ما هى به بانطلاق الضحكات منها على مرحة الذي أصبح معتاد بينهما ، ضحكت بصوتٍ كبتته في النهاية ودعت بها في نبرة بها أثر الضحك:



_طب ربنا معاها يارب.



ابتسم "بسام" وهو يقترب ودعى لها هى الأخرى بصدقٍ :



_ومعاكِ انتِ كمان يا "فرح", ويخفف عنك اللي أنا مش قادر أخففه عنك.



تلقى منها بسمة صغيرة ، وابتلعت ريقها وهى تسأله بتعلقٍ وعينين تدمع على الفور كلما تسأله  هذا السؤال :



_مفيش أخبار عن "عز"؟!



_هانت واللهِ 



أجاب بذلك فقط حتى لا يفتح محور وجع بالنسبةِ لها وقطع الآتي صوت "دلال" وهى تخرج من المطبخ فنظرا لها بمجرد ما صاحت عالياً :




        
          
                
_يلا يا "بسام" ، أدخل غير يلا عشان شوية وهحط الغدا على ما أبوك يقفل المحل ، و"غسان" يجي من بره وعشـان كمـ...



قاطعها من كلماتها السريعة مردداً بمرحٍ :



_خدي نفسك ، خدي نفسك بس يا  ماما بدل ما تروحي مننا.



ضحكت "فرح" حينما اقترب يردد لها بذلك فضربت "دلال" موضع قلبه قائلة بضجرٍ :



_انت بتتريق عليا؟ بتقاطعني دك ضربة في قلبك؟



أمسك موضع قلبه على الفور وهرول ناحية "فرح" متلمساً ذراعها في خفةٍ وهو يسألها بجدية جعلتها تتوقف عن الضحك بغرابةٍ من ما يفعله:



_فرح،  انتِ كويسة؟



هزت "فرح" رأسها  وعقد حاجبيها تسأله أمام وجه والدته المنصدم :



_آه  ، ليه؟



زفر "بسام" أنفاسه مع اقتراب والدته منه وأخرج الهواء تزامناً مع قوله وهو يجيبها بجديةٍ مشيراً نحو والدته :



_أصلها قالتلي دك ضربة في قلبك!



انفلتت ضحكات "فرح" بقوةٍ ومهما وضعت يديها على فمها تكمم ضحكاتها تفشل فيما شهقت "دلال" وهي تضرب صدرها:



_يا حلاوة خلفتك يا دلال ، يا حلاوتها!



سخرت وهي تلوي شفتيها فإقترب يقبل وجنتيها بقوةٍ وجذب "فرح"من ذراعها ففعلت مثله وهي تقبل وجنتيها برفقٍ حتى ضحكت مستلمة ورددت بحبٍ :



_ربنا يريح بالكم ويسعدكم دايماً 



ولم تترك لهم الفرصة كالعادة بل رددت سريعاً بلهفةٍ وعجالة:



_  يلا زي ما قولتلك يلا ، على ما مرات أخوك تنزل حط مفرش السفرة ونادي "وسام" تيجي تساعدني انا و"فرح" عشان "نيروز" متعملش ويبقى اسمها تعبت عشان عملت عندي حاجة ، خليها  متلصمة ربنا يشفيها  ،فيلا شهل كدة معايا .



والدة زوج ، على الأغلب لن ينج أحد من هذا الحديث المنتشر بالثرثرة المعتادة ،كانت حانقة منها لأنها لا تقضي الوقت معها الا انها سريعاً قدرت الوضع بتعبها فتركتها على راحتها كي لا يخسر ولدها ..



نظرت"فرح", ناحيتها بإبتسامة هادئة ولبت قولها سريعاً ما ان نظر لها "بسام" بصمتٍ تعتاده والدته منه لأنه  دوماً ما يتخطى لها ويتركها تتحدث كما تشاء دون  رد ، اقترب هو من غرفته ليبدل ثيابة فيما اقتربت "فرح" من المطبخ تساعد والدتها هناك ، بينما اقتربت "دلال" من غرفة ابنتها كي تخبرها بموعد الغداء المتأخر هذا !!




        
          
                
____________________



_هتخلصي تطبيق الهدوم دي امته يا "نيروز"، زمانهم مستنينك تحت وانتِ بتقولي الغدا عند حماتك النهاردة ، مش حاسة انك إتأخرتي؟



سألتها "جميلة" التي صعدت بإلحاحٍ من "نيروز" كي تجلس معها لتقوم بإلهاءها ، تابعت كلماتها باهتمام وهي تطوي القطعة القماشية بين يديها والأخرى تساعدها بهدوءٍ فيما ردت "نيروز" بتوضيحٍ :



_خلاص قربت أهو ، "غسان" أصلاً لسه مجاش ، فعشان كدة براحتي على ما اخلص اللي ورايا  لأحسن لو نزلت مبعرفش أطلع الا بصعوبة وببقى ورايا حاجات كتير أوي وماما مش دايماً معايا ، انتِ عارفه انها رجعت الشغل وساعات بتروح  لـ "وردة" والنهاردة بتقول انها خرجت من الشغل على شقة "ياسمين" تنضف معاها شوية وهيرجعوا سوا، فأنا بحاول اخلص عشان لما ننزل نقعد تحت اقعد مطمنة ان مش ورايا حاجة تتعمل،   



ثم ختمت كلماتها المفسرة بسؤالها المهتم :



_هوانتِ مش هتيجيلنا على هناك بعد شوية تقعدي معانا  ولا ايه؟.



تابعت "جميلة" آخر سؤال منها بتعبٍ واعتدلت بإرهاقٍ تطالعها بشرودٍ بسيط ، فأجبرتها "نيروز", وهى تحرك رأسها متساءلة ، فردت "جميلة" بثقلٍ :



_مش عارفة ، أنا بقيت عايزة آجي التجمع ده وبهرب منه بسبب  مامت "عز" و"فرح" ، حاسة اني السبب في انه مشى ، بقيت مقتنعة انه مشى عشان اتكسر ومش قادر يبص في عيني بسبب اللي حصل وبس ، بيحسسوني بالذنب كل ما بشوفهم يا "نيروز"، أنا فى غنى عن ده ، أنا لو عليا مش هخرج بره أوضتي بس بطلع عشان خاطرك ، ده حتى "فريدة" قالتلي عايزاكي وأنا مقدرتش أروح امبارح مع انها شكلها كانت محتاجاني فعلاً بس انا معنديش طاقة امشي هنا ولا هنا.



تفهمت حملها لذنب ليس لديها الذنب به من الأساس تلمست "نيروز" كفها بحنوٍ واحتوتها بتفهم قائلة :



_متحمليش نفسك ذنب زي ده يا "جميلة" ، "عز" لما مشى وساب كل حاجة فهو مشى عشان معتش قادر مش أكتر ، أنا مش ببالغ بس أنا حاسة بيه وحاسة لما الواحد بيبقى عايز يهرب ببقى حاسس بإيه ، ولو على موضوع "فريدة" فمتشيليش هم هي أكيد مقدرة ،. بس انتِ برضه متقفليش غلى نفسك كدة ، طب ايه رآيك بقى اني هاخدك ونروحلها النهاردة ونتمشى.؟



رددت "نيروز" حديثها بهدوء ودعم لـ "جميلة" التي ابتسمت تحاول الرفض بطريقة غير مباشرة حينما قالت :



_ خليها مرة تانية ، طنط "زينات" عندها من الصبح.



نظرت إليها بضجرٍ زائف ووضعت قميص زوجها على جانب وهى تردد:




        
          
                
_ واحنا مالنا بـ "زينات"، أنا بقول احنا ، وبعدين علفكرة هى مكلماني برضه وقولتلها هحاول اجيلك ، وهتيجي يا "جميلة" معايا ومش هقبل أعذار هه ، دا اذ كان "ياسمين" كانت عندهم امبارح ، الولية الحامل يا قادرة  راحت لاختك تقعد معاها ومع اختي وانتِ ملكيش مزاج تروحي لاختك؟؟؟؟



ضحكت "جميلة", عندما فهمت انها تريد مشاكستها على الرغم من انها تعذرها جيداً فضحكت مع خروج نبرتها الضاحكة بخفةٍ :



_طب متقوليش كدة قدام "فريدة"  عشان متزعلش ، أنا مش حكاية مليش مزاج ، بس أنا هبطانة أوي ومش قادرة بقالي يومين ، معرفش بقا ده من نفسيتي ولا تعب عادي ، بس يلا معدتش فارقة  كدة كدة !



نظرت "نيروز", ناحية يأسها بحزنٍ، فإنتهت من الملابس وطويها فنهضت "جميلة" تحمل عنها الطبق وسارا الإثنان ناحية غرفة  النوم ، حتى وقفت أمام الخزانة لتضع الملابس ، وحينها خرج صوت "نيروز" بإنتباهٍ وهى تقوم برص الملابس بتنسيقٍ :



_بلاش الحزن ده كله يا جميلة ، شكلك بقا مطفي وانتِ ملامحك متستاهلش ده ، انتِ جميلة واللهِ 



دعمتها مجدداً فابتسمت "جميلة" لها وطالعت هيأتها في المرآه بصمت هي من قطعته وهي ترد :



_عز يستاهل أزعل عليه العمر كله يا نيروز ، أنا اللي مصبرني اني معلقة نفسي ومستنية يرجع فأي لحظة ، مع ان لو رجع مش عارفة ساعتها هيكون رد فعلي ايه ، أنا زعلانة عليه ومنه أوي ومحدش فاهم حيرتي وتوهاني ده!



لمعت عينيها وهي تناولها  الملابس ، فنظرت "نيروز" بتعاطفٍ وتركتها تكمل وتخرج ما هو مكبوت داخلها :



_أنا تايهة اوي ، تايهة من زمان، ولما فكرت اني هرتاح كنت هبلة ، دا أنا حتى مسملتش من أذى نفسي بعد ما اتأذيت من كل حاجة ، وكتت بقعد أفكر هو ايه اللي مأخر الحمل ونسيت انه رزق ، بس حتى هو مكانش متدايق من ده ،. بس شكلي اتعودت على عدم الراحة لما بقعد انغص على نفسي كل حاجة كده .



ابتلعت "نيروز" ريقها بهدوءٍ وواستها قائلة بعقلٍ :



_الحمل ده فعلاً رزق يا "جميلة" وفي كل حاجة فاكرينها شر ببقى فيها خير ، تخيلي مثلاً كنتي حامل وحصل كل د وعز برضه كان مشى ، ساعتها كنتي هتبقي لسه حامل وانتِ بحالتك دي؟



رفضت بأعين لامعة فوجدتها تتلمس معدتها بحزنٍ وقالت:



_مش كدة بس أنا حاسة بحاجة محدش غيري فاهمها ، أنا كنت عايزة اتبسط وابسطه معايا بخبر زي ده كنت بفضل احسبله واستناه وفي الآخر بيطلع مفيش حاجة ، عز شاف كتير ومن حقه يفرح بس حتى الوقت مستناش ولا صبر علينا نستنى كمان .




        
          
                
_والله هيرجع وهترجعوا وهتبقي أحسن أم في الدنيا لما ربنا يأذن ، وبعدين يا ستي  ما ولادي ولادك ، وكويس انك مش هتبقي ملبوخة في حاجة عشان تبقي تشيلي عني واحد بقا وأنا واحد ما أنا مش هقدر لاتنين ، عارفة؟ لو كان في أوبشن اني اعطيكي عيالي تشيليهم في بطنك كنت هعطهملك بقا لإني مش قد التعب ده كله والله يا جميلة ، أنا ضهري مموتني وساعة مش طايقة نفسي ، أنا كنت بعيط من ضهري امبارح بليل ومنمتش منه ، متستعجليش ابوس ايدك بقا ، دا كتر خير غسان انه مستحمل تقلباتي المزاجية دي وساكت.



ضحكت "جميلة" واقتربت في حبٍ تتلمس معدة "نيروز" البارزة ، ثم عانقتها بحبٍ وردت متفهمة :



_والله أنا عارفة ان حملك متعب، ربنا معاكي ويقومك بألف سلامة 



مررت كفها على ظهرها ثم اعتدلت مرة أخرى لتجد سؤالها :



_ متعرفيش حاجة عن عمتك وعيالها ؟



تابعت "جميلة" كلماتها  بتشنجٍ وخرج ردها المقهور وهى ترد قائلة:



_ولا عايزة أعرف ، أنا عمري في حياتي ما  كرهت حد قد ما كرهت "سامر"، ياريته ما كان اتكلم ، يا ريتني كنت لسه على عمايا ولا كان ده كله يحصل .



كل شئ يرتبط به وبفقدانه ، استدارت برأسها ما ان شعرت بأن دمعتها ستهبط فجففت عينيها بطرف حجابها الأسود ، عكس ما كانت ترتديه دوماً وفسرت لها قبل ان ترد :



_أنا بس سمعت انهم لسه مرجعوش من المستشفى مع انهم المفروض كانوا يرجعوا ، ربنا يبعدهم عننا عشان أنا خلاص بقيت على أخري.



وابتلعت ريقها وخرج صوتها المتحشرج تحثه بها كي تبعد عن محور الحديث حتى لا تبكي:



_يلا ، هسبقك ألبس جزمتي .



تركتها وخرجت وبقت "نيروز" تنظر في أثرها بحزن بالغ من أجلها ، شعرت بنبض مجدداً من أحد صغارها ، فتحسست معدتها بشرودٍ وكأن الصغار تشعر بحزن والدتهما ، حزن لأجله وأجل شرودة وصمته معها وحزن لأجل رفيقة الدرب!



ابتلعت ريقها وهي تغلق الخزانة ، والتقطت عباءتها من خلف الباب وقامت بإرتداءها سريعاً ثم التوجه ناحية المرآه لترتدي الحجاب .. وعقلها يسبح لكثيرٍ قطعه صوت دقات هاتفها منه فعلمت أنه عاد من الخارج وهو الآن بالأسفل ،  انتشلت الهاتف تغلق عليه الخط حتى تقوم بإرسال رسالتها التي أرسلتها سريعاً وخرجت ناحية الخارج ، أغلقت باب الشقة خلفها بعدما ارتدت الحذاء وابتسمت تربت على رأس "جميلة" بحنانٍ استشفته الأخرى وهي ترسل لها الإطمئنان كي لا تحزن..




        
          
                
ركبا المصعد ، و إحداهما تشعر بالتعب والإعياء ، تقلصات أسفل معدتها تأتي لها  عندما تكون بحالة مزاجية سيئة ،  تجاهلت أخذ دواء لهذا و اعتقدت أن هذا الوجع لا يعد شئ بجوار وجع الفقد ، وجع فقده ورحيله ، وجع كسرتهما معًا ، قررت الدخول ناحية شقة والدتها كي تنتظر "نيروز" حين تأتي ليذهبا معاً لـ "فريدة" ، فيما اقتربت "نيروز" تدق جرس شقة "حامد" وختم وقوفهما قول "نيروز" قبل ان يُفتح لها الباب :



_هبقى أبعتلك ماسدج أقولك تلبسي لما أطلع ألبس عشان نمشي ومتقلقيش "غسان" هيبقى يوصلنا ان شاء الله.



____________________



_أمان يا "أمان" بألف هنا يا باشا .



مسح على رأسه الصغيرة ووضع وجبة الكلب بترحابٍ له وكأن مهتم بينما ذهنه ذهب  بمكان آخر قبل دقائق ، ذهب نحو مكالمة هاتفية لم تستغرق إلا دقائق صرّح له بها  الشخص الذي طلبه على الجهة الأخرى بمعلومات مختصرة طمئنته كونه يهاب أي شئ ، يوم وأكثر منذ ما حدث وجعله لم يبادر بالقرب بعدها رغم بوادر القبول التي وُجِدت بعد ذلك وآنذاك!!



_ «اعتقدلك   بشكل كبير انها الرهبة الطبيعية على الخوف من الحادثة اللي لسه سايب أثر بسيط ، واسمحلي اقولك ان الانسان مبيتعافاش بنسبة مية في المية ،  دا كلام في الكتب والروايات والمسلسلات عشان الحياة تبقى لونها بمبي  وتبقى دايماً النهاية سعيدة. شئ جميل بيحصل بس مش كتير، بعيد عن واقع الواقع اللي احنا فيه ، اكيد مش هفكرك دايماً ان اللي حصلها بشع لأي بنت ،بس محاولتك دي أول مرة بعد  اللي شافته من قسوة وعنف بالإغتصاب ، فالرهبة الطبيعية جه عليها خوف من التجربة طبيعي مع شوية هواجس بترجع انت بإيدك تضيعها منها بنفسك وبإحتوائك ، هى جت النهاردة في جلسة وواضح من كل حاجة زي ما قولتلك بالظبط  انها بقت أحسن بكتير ، كدة يبقي لسه ليها جلسة أو اتنين وتبقى انتهت ، وده مش انتهاء نهائي لان  لو حبت ترجع فأي وقت عادي جداً .»



كان حوارهما أمس في الهاتف ،  هو من استفسر بقلقٍ كونه لم يبادر بإحتواء الوضع ، طبيعة الموقف حينها جعلته يبتعد في الخوف عليها حتى لا تعتقد بأنه سيأحذها عنوة مثل السابق! ،  تذكر هذا الجزء من الكلمات في المكالمة وهو الآن على السطح جالس بجوار الكلب ، عاد من العمل وتناول الغداء معها ومع شقيقته ووالدتها هى ثم تعمد تركها معها بخصوصيةٍ وسار للأعلى يجلس بمفرده..



أحداث كثيرة فوق رأسه ، وخوفه عليها كان حدث كبير يتعمد عليه أحداث أخرى يريد حدوثها ولكن  رهبتها تمنعه ،  عاد يتفهم رهبتها الطبيعية فاطمئن قليلاً ، وما تعايشة من ضغطٍ يعد ضغط له هو الآخر ، حتى العمل به مسؤوليات كثيرة أصبحت من شأنه ..




        
          
                
نظر "آدم" ناحية الكلب بشرودٍ فربت على رأسه بحنانٍ وسرعان ما فرد ساقه يخرج من جيب بنطاله الأموال كي يوزعها بالتراضي علي من لديه من مسؤليات ..



مصروفات هنا وهناك وعقل مشتت ، زفر "آدم" أنفاسه بهدوءٍ وشكر ربه على نعمته برضا للحال ، ولكنه انتفض ما ان وجد شقيقه يقف على باب غرفة السطح محدقاً به بسكون ، فتحرك ووضع يديه على وجهه بضيقٍ وردد له :



_جرا ايه يا "بدر"؟ ، قطعتلي الخلف يا عم ، دا انا لسه مدخلتش دنيا ، الله يسامحك!



ضحك "بدر", وهو يقترب ناحيته ، وانحنى يجلس جواره وهو يوكز كتفه كي يترك لها مساحة ، فتزحزح "آدم" وهو يسمع نبرته الضاحكة له :



_مالك ياض خفيف كدة ليه؟



_لا ميغركش ، انت اللي اخدتني على خوانة ، لكن احنا جامدين أوي خد بالك!



غمزه بخفةٍ فضحك "بدر" ومدد ساقه جواره  تزامناً مع خروج نبرته المشاكسة له :



_ماشي يعم الجامد  ..المهم قولي بقا قبضت ولا العملية ناشفة ؟



مازحه بخفةٍ وفي الأصل كان يصعد مستغلاً الفرصة للانفراد به كي ينفذ قراره ، ابتسم "آدم" ببشاشةٍ له وأخبره برضا :



_انت عارف الورشة مش ماشية أوي اليومين دول بسبب غياب عز ، بس ربنا ساترها يعني الحمدلله.



ربت "بدر" على كتفه بحنوٍ وردد في عقلٍ واحتواء: 



_أنا عارف ان المسؤلية صعبة ، وصعبة عليك انت بالذات عشان مكنتش متعود على ده ولا كان يجي في دماغك انك تبقى كده في يوم من الأيام ، هى تقيلة بس أهم حاجة انك ماشي صح ، صح؟



سأله يسحب منه الحديث ، فإبتسم يحرك رأسه وردد في قناعةٍ :



_عندك حق ، مكنتش أتوقعها فعلاً بس أحسن من زمان ، احسن من ما كنت لوحدي وأحسن ما أخد منك فلوس ، ساعتها كنت مجبور اخدها منك عشان كنت بعمل حساب لموتي اللي هيجي لو مشوفتش دماغي وكيفي ، الوقتي عيني في الأرض منك بس راسي مرفوعة في نفس الوقت عشان عندي أخ زيك يا "بدر" .



ابتسم "بدر" متأثراً ومسح على خصلاته السوداء الناعمة برفقٍ كصغير بين يدي والده ، والده الذي توفى مبكراً جداً ، لذا لم يلحق كل شئ منه وله ، لذا تعلقه بوالدته الراحلة شئ صعب تحمله عند فقدانها ، ربما هذا الفقدان هو من سبب للجوءه ناحية الهلاك عن طريق أصدقاء سوء ليكملوا ما بدأه الشيطان في عقله ، إستند "آدم" على كتف شقيقه وتنفس بعمقٍ فيما خرجت منه الكلمات   واستطاع الآخر احتواءه كي يخرج منه الثقل الذي يخبئه دون المشاركة:




        
          
                
_ تصدق؟ ، لو الواحد معندوش ماضي في حياته ، مش هيعرف يعيش الواقع والحاضر ، بالذات لو ماضي صعب في من العبرات ألف ، بس الجدع اللي يعيش يومه وهو بياخد حذره انه ميعملش النهاردة اللي هو عمله امبارح وخد على قفاه فيه ، عُمر الدنيا ما علمت حد ببلاش ، بقيت مقتنع ان عشان أعيش راضي لازم اتقبل  وجع اللي فات ، الحكمة دي مكنتش مطبقها أوي ، بس طبقتها وأنا مقتنع لما عرفت "فريدة" عن قُرب ، ولما حسيت هى قد ايه مظلومة ظلم الواحد يقعد يفكر هو ازاي ممكن واحدة تستحمل كل ده ، وواحدة! ،. يعني قلبها ضعيف وتحكماتها في الحياة قليلة مش زي أي راجل في المجتمع ده  فاكر نفسه بعافية وهيستحمل اللي مفيش ست تستحمله ، أنا مكنتش مقتنع بكل ده بس لما شوفتها وعرفتها غيرتلي كل اللي كنت فاكره عادي ومطلعش عادي!



البوح ليس من قاموس "آدم" ، الضعف ليس من قاموس "آدم"؛ جملتان كانا يترددا بالعامية على طريقة سيدة بارعة في تشخيص أولادها وصغارها ، عن طريق من تحفظ من أنجتهم عن ظهر قلب!! ،. عن طريق والدتهما 



أنصت له "بدر" بإهتمامٍ وتركه يخرج ما بداخله بسكونٍ ومتابعة ولم يتوقف الآخر بل أكمل مبتسماً بأسىٰ :



_ أوقات بحس انها أقوى منى! ، لا مش أوقات ..ده علطول..أيوة علطول ،  علطول بحس انها  بتتظلم من أقل حاجة ، لما بقعد أفكر ، وأقول هو بنت زيها لسه يعتبر صغيرة ليه تتعلم من الدنيا بدري كدة؟، ليه الدنيا داست وخدت منها أكتر ما عطتها ، طب هيكون رد فعلها ايه لما حد يجي يحكيلها مصيبة أو مشكلة أياً كان ، حاجة كبيرة هتبقى بالنسبة ليها ولا حاجة بسبب اللي شافته ، بسأل نفسي وبقول طب ليه كدة ؟ ليه ممكن الدنيا تسرق مننا اللهفة بدري؟! .



واسترتسل بأعين بها  وميض المأساة عليها ولها وحدها :



_زمان كنت بحس صدمة البنات أوفر في كل حاجة ، نظرتي ليهم انهم  بيكبروا المواضيع كانت دايمة  ، بس جيت دلوقتي قدام واحدة بقيت بخاف لمعدتش تتأثر بأي حاجة بسبب كل اللي حصلها ، جيت أتمنى أغير نظرتي ، اتمنى يجي اللي مكنتش بحبه فيهم ومسترخمه ، واهو جه واحدة واحدة من تاني ، بس عارف ليه ؟



سأله وتاه وكأنه بلحظة غير وعيٍ ، فلم يقطع عنه "بدر" اللحظة بل صمت وتركه يتابع ما استجوبه به :



_عشان برضه لسه شايفها قوية وأقوى مني ، وخالفت كل توقعاتي زي ما  لايق عليها دايماً ، لايق عليها الاختلاف واسمها مش من فراغ ، هى فعلاً "فريدة" من نوعها مش هزار ، فريدة عشان تقبلت العلاج بسرعة محدش توقعها وانها عايزة تكون أحسن وبتكابر دي لوحدها يتعمل ليها تمثال فيها بعد كل اللي حصل ، أنا معاناة واحدة من ضمن اللي عاشته ، أنا مكنتش عارف ايه طعم الفخر، لحد ما شوفتها برضه ومن ساعتها وأنا فخور بيها وفخري عمره ما قل ، دا بقا بيزيد كل يوم عن اللي قبله ! 




        
          
                
لم يتوقع لمعة عينيه حزناً عليها ، أوصلته لمراحل لم يتوقع أبداً في يوم بأنه كان سيصل لها ،  رغم جراءته ووقاحته في أغلب الأوقات الا أن ما يميزه في أوقات الجدية هى البراءة ، براءة الرجال النادرة ، بعيدة كل البعد عن براءة الطفل ، برئ في كلماته ومشاعرة التلقائية التي تخرج من شخصه الصادق وليس شخصه اللعوب !!



عقباتها أمام عينيه يتذكر ويتذكر ، أغلب التذكر أشياء قصتها هى عليه وهما معاً ،  أخرج "بدر" أنفاسه بهدوءٍ شديد وخرجت نبرته الواضحة بسكونٍ له :



_وقعت يا '"آدم" ، تعرف؟ أول مرة أشوفك كدة ، بس أنا فخور بيك كأخ وأب ، وفخور برضه بـ "فريدة" كأخ ، لإنها من زمان وهي كانت بالنسبالي شخصية أنا بشفق عليها فوسط اللي كانت فيه ، وكنت بثق في كلام أمك ، أنا فاكر كل حرف كانت بتقوله علينا واحنا صغيرين ، مكانتش بتكرهها ، كانت بتحبها وبتتقبلها عادي ،. فاكر كانت بتقول ايه؟



ابتسم "آدم"  يحرك رأسه بتذكرٍ لكلمات والدته التي تحفر بداخله ، كذكرىٰ أبدية لا تختفي أبداً :



_ "كانت بتقول حلوة وصعبة وطيبة ، وان كان على الطيبة مسيرها  تبان ، ولو على الصعوبة فالحلاوة تمحيها وتأسر قلب الحبيب اللي هيحبك بكل ما فيكي فيسألوه فين الصعب؟ يقولهم بقىٰ لين يا بني آدمين!"



ردد الكلمات طبق الأصل، لم يرض"بدر" قولها بحرج لاحترام لقب زوجة للآخر ، فيما ضحك الإثنان ومازحه "بدر" مردداً :



_أمك دي كان عليها شوية حكم وكلام !!



ضحك "آدم" بصوتٍ عالٍ وسأله بخفةٍ :



_فاكر يا "بدر" كان بتقولك ايه؟



_" مجهول ومشغول ، وعن قريب فاضي لكل حبايبك ومعلوم"



ابتسم بإتساعٍ وهو يرددها ، فإعتدل "آدم" ينظر على الكلب ،وعاد مجدداً فوجد ه يضع بين كفيه حفنة من الأموال مردداً بتفسير:



_إمسك دول يا"آدم" ومن قبل ما تتكلم ، أنا جايبهم في ايدك المرادي عكس كل مرة كنت بسيبهملك وامشي عشان مبترضاش ، دي فلوس البيت ، بتاعت فاطمة والعيال وبتاعت الأكل والشرب، وسيبتلك يا عم مسؤليتك انت ومراتك عشان متنجرحش أوي.



مازحه بخفةٍ فأراد "آدم" الرفض بينما نهره الآخر بعينيه فلم يستمع وقال بعنادٍ :



_يا بدر اسمع الكلام  ربك ساترها ، وبعدين احترم عقل راجل معلم عشان الفلوس دي كتير عن حوارات فاطمة وعيالها ، انت بتضحك على مين يا عم؟




        
          
                
_ ماشي يا معلم ، عينهم وانت ساكت واعتبرهم يا عم فلوس نقوط  فرحك 



أجبره على حفظها في جيب سترته ، فوضعها "آدم"بالإجبار ضاحكاً بسخريةٍ :



_كان نفسي في فرح فعلاً بس أديك شايف الوضع!



_وماله يا عم نعمل  فرح لما الظروف تتحسن ، وبعدين مش يمكن نطبق خاصية لأول مرة عروسة وعريس متجوزين ونسيوا يعملوا الفرح ، ولما افتكروا عملوه؟



ضحك عليه "آدم" وتمسك بكفه كي ينهضه ، فنهض الإثنان ، وبادر"بدر" في عناق شقيقه بإحتواءٍ ، وبهذه اللحظة سعد "آدم" عندما وجد الدعم منه شاعراً به :



_انت بطل وقد كل حاجة انت فيها ، ربنا معاك ويقويك على حياتك وأنا في ضهرك عمري ما هسيبك ، خليك عارف كده كويس.



بادله الإحتضان بحبٍ وشكره على طريقته الشقية عندما ابتسم قائلاً :



_حبيبنا يا أبو يامن ، ربنا يخليك لينا .



سارا معاً للأسفل ، بعدما ابتسم "بدر" يمازحه هو الآخر :



_عقبال ما نقولك يا أبو "بدر"، وترد جمايل أخوك ياض وانت بتسمي اسمه ولا انت بقا عويل ؟



ضحك "آدم" ينفي ذلك برأسه وسار الاثنان معاً ناحية السُلم ، وأحدهما يتعمد العناد الآن قبال الآخر ، كما كانا في زمن غير هذا هكذا ، وكلما كثر العناد كثر العراك بينهما ، والآن يتذكران تدخل "فاطمة" بحنانها المعتاد في الصلح بين من يريد لشقيقه الصلاح ، والآخر الذي كان لا يُبالي ويشتته بتصرفاته الطائشة دوماً ، صنعا ماضي صعب نسيانه وبين الماضي وذكرياته الحنونة هناك ذكرى موجعة لهما لفراق من يتعلقون بها بشدةٍ. ، من تشبهها في جمالها "فاطمة" و"جنة" التي أشتق اسمها من اسم جدتها الراحلة "جنات"!!.



«بينما في الأسفل»



في غرفة "فريدة" ، كانت هى بها قبل وقت كبير ، ومعها "والدتها", والدتها التي جاءت  لها تقضي معها اليوم من بدايته بعدما قصت عليها "فريدة"في الهاتف مختصر ما حدث بطريقة لائقة ،. ومن غير والدتها تشاركها الأسرار والخبايا؟ ، تفاجأت بها قادمة بلهفةٍ لتطمئنها وٱعدت قائمة مشتريات كثيرة أغلبها ملابس تليق بها بعدما علمت أنها لن تعود ثانيةً للإقامة هناك ، بل هنا حيث منزل الزوجية ، كالعادة نصحتها نصائح هادئة لترسل لها الٱمان .. فرتبت ملابسها الجديدة في خزانتها وجلست معها هذا الوقت ولم ينتهي الحديث بينهما ، بل سألت "زينات " وهي تمشط خصلات ابنتها الكثيفة :



_طب نتيجتك هتبان امته ، عايزة أطمن انك نجحتي عشان اعملك صينية بسبوسة من ايديا .




        
          
                
ضحكت "فريدة" وهي تضع دهان ساقها التي نظرت له "زينات " بألمٍ ومازحتها قائلة بخفةٍ :



_هو نفسي فيها وكل حاجة، بس انتِ مش واثقة فيا ولا ايه يا زينات ؟



ضحكت"والدتها" ووكزت كتفيها بحبٍ ومشاكسة :



_أثق فيكِ ازاي ، هو الحلو نديله  الأمان فيتنطط علينا بجماله وغلاوته ولا ايه؟



انطلقت ضحكة عالية كممتها "فريدة" على الفور كي لا يستمع ٱحد بالخارج، فضحكت "زينات" وانهت فرد خصلات الأخرى كما تريد ، فإستدارت "فريدة" فيما ربتت "زينات" على ساقها برفقٍ ومسحت على وجهها بحنانٍ لم تعطيه لها في الصغر وقبلت قمة رأسه ببرٍ ، بر الأبناء التي تأثرت منه "فريدة" وهي تستمع إليها تطمأنها للمرة التي لا تعرف عددها:



_مش عايزاكي تخافي من حاجة  طول ما أنا جنبك .



استندت "فريدة" على قمة صدرها  وهي تتنفس بعمقٍ فيما مررت "زينات" يديها على رأس ابنتها وهي تحثها بضجرٍ :



_هو لازم يعني تسيبي شعرك كدة علطول وراكي؟ ، مينفعش تلميه أبداً؟ ، دا العين حق يا "فريدة"، ابقي اربطية عشان خاطري ، أهو يتلم على بعضه ويتقل أكتر.



_حاضر



نبست بها بهدوءٍ ، وعقب ذلك لم تترك لها الفرصة ، بل مالت تنتشل حقيبة يديها الواسعة الأنيقة ذو اللون الأسود ،فإعتدلت "فريدة" فيما أخرجت "زينات" علبة بها قطعتين من الكعك ، فإتسعت بسمة "فريدة" وهي تردد بمرحٍ :



_ال ال ال ، ايه الحلاوة دي يا زينات ، دا انتِ مروقة عليا عالآخر!



ابتسمت "زينات" تقدم لها العلبة وظهرت سعادتها وهي توضح لها :



_ حلاوة ايه بس ، دا انا اشتريتها مش عملاها ولا حاجة ، بصراحة ملحقتش أكتم فرحتي لما عرفت ان لسه جلسة واحدة بس وتخلصي ، قولت أعبر عن سعادتي بكدة ولما تخلصي وعد أعمل صواني حلويات قد كدة وافرقها على العيلة كلها!



ابتسمت "فريدة" بتأثر وقبلت يد والدتها ببرٍ ،  فيما خرجت نبرتها بتحشرجٍ:



_أنا بحبك أوي يا ماما ، وأنا اللي فخورة بكل اللي بتعمليه عشاني وبكل محاولاتك ،  ربنا يبارك فعمرك  ويزيدك عشان "حسن" لما يرجع يلاقي منك اللي أنا باخده منك دلوقتي ، ربنا يخرجة بالسلامة ويهديه .



لمعت عيني "زينات" تأثراً وكأن الأخرى نادت الوجع ففتح الجرح وهى تسألها بقلب أمٍ مكسور:



_حسن!! ، تفتكري هيتقبل ده مني؟



وقبل ان تبادر "فريدة" بالرد وجدتها تسترسل بتعبٍ :




        
          
                
_دا أخوكي موجوع مني أوي يا "فريدة"، أنا طلعت سبب في كل عُقَدُه ، قلبي بتقهر في كل مرة بيحملني فيها الذنب ، وفي كل مرة كان يقف قصادي عايز حضني بس برضه مش عارف ولا قادر يحسه ، إحساس صعب لما تلاقي الضنا بيروح منك وكونك أم بتحس بنار بتكوي في قلبها كل ما بتشوف ابنها معاها كدة ، أنا أذيته فعلاً ، أذيته أوي ، أذيته أذيه مش قادر يفوق منها ، أذيته وأذيت ناس كتير بس واللهِ ندمانة وبقول يارب سامحني يارب حنن قلبهم عليا ، يارب حنن قلبك يا "حسن" عليا .



نزلت دموعها وهي تتذكر جموده معها على الرغم من انه حاوا اكثر من مرة تقبل ما تحاول فعله ولكنه لم يقدر على التقبل ، تذكرت رفض"نيروز" مسامحتها ، أذتها هى الأخرى ، وتركت لها ندوباً كثيرة صعب نسيانها!
لم تتوقف الدموع آنذاك بل أكملت بتعبٍ لها:



_ندمت والله وتوبت ، وبدعي في كل صلاة ان ربنا يشيل من قلبي كل حاجة وحشة ، بدور على أسباب كانت تخليني أعمل كده وملقيتش غير اللي طول عمري بقوله ، بس كنت بقوله وانا ببرر لنفسي لكن دلوقتي لا ، دلوقتي بقوله عشان حقيقة عشان كنت مفكرة كده فعلاً!!



أسرعت "فريدة" وضعفت قبال دموع والدتها فبكت من أجلها وهي تقبل كفيها بلهفةٍ تحثها على الهدوء فيما ٱكملت هى بنبرة باكية:



_كنت عايزاكم أحسن ناس في  الدنيا ، بس الطريقة كانت غلط ، كنت بحاول أكسب حنان أبوكم  عشان يخلي باله منكم ويحبكم ، إحساسي مكنش بيفارقني ، كنت بحس اني التانية يعني هبقى قليلة في يوم من الأيام وهيتبص عليا كده ، التانية يعني  أول فرحة أبوكي مش مني ، أول حب وأول تجربة مش معايا أول خلفة مش عندي وأول كل حاجة حلوة مكنتش معايا ، مكنتش باخد اللهفة اللي انا عايزاها منه ألا بالزن ، كنت بتقهر في كل مرة كان بيقولي فيها كلام حلو عشان يريح ضميرة من كلامي ونكدي مش من حبه فيا ، أبوكي كان ملهوش أمان يا "فريدة" ، والله أبوكي خلاني أتعامل بطريقة تانية عشان مضيعش منه وميحاولش ، وعشان اربيكم بأي طريقة وسط أب وأم ، حاولت..والله العظيم حاولت أعمل أسرة بس فشلت!!



نزلت دموع "فريدة" وهي تحثها  بلهفةٍ كي تستكين بين أحضانها:



_ انا آسفة واللهِ حقك عليا من كل حاجة ، حقك عليا من الدنيا كلها ، انتِ أحسن أم في الدنيا يا ماما .



شهقت "زينات" تنفي برأسها وهي تبرر لها بوجعٍ :



_ مخدتش حاجة يا فريدة، واللهِ. يا بنتي ما خدت حاجة عشان أديها ، أنا ضايع مني حاجات معرفش هي بتتعطىٰ إزاي ، بس وجعكم علمني بعدين، لكن أنا مشوفتش حنان ، مشوفتش حب، ولا احتواء ، مشوفتش حاجة عشان أعطيهالكم ، فلما حاولت حاولت غلط ، حقك عليا انتِ ، حقك عليا انتِ وٱخوكي يا بنتي.




        
          
                
ضمتها بإحتواءٍ كي تهدأ ، فرفعت كفها تمسح وجهها وهي تدعو بإنهاكِ رافعة كلا عينيها ناحية الأعلى:



_يارب يخرجك بالسلامة يا "حسن" يا بن بطني ، يارب حنن قلبه عليا وخلهوملي ، هما اللي طلعت بيهم من الدنيا متحرمنيش منهم ولا توجعني فيهم تاني يارب



ودعت مرة أخرى وهي تتمسك بكف ابنتها :



_واسعد قلب بنتي وفرحها وأرزقها الراحة ، يارب ابعد عنها الخوف وتمم فرحتها  وجوازها بخير وأرزقها بالذرية الصالحة يارب .



كأنها اندمجت في الأقوال فلم تنس "أسماء" حينما رددت مرة أخرى:



_وارضيكي يا "أسماء"ويريح بالك ويخرجلك "حسن" ويهدي قلبه ليكي  .



استمعت "فريدة" لأدعيتها بصمتٍ ومسحت وجهها سريعاً وهي تفتح العلبة بأنف إحمر من البكاء وضحكت تخفف عنها وهي تشير لها كي يبعد عنها الوجع الآن :



_سيبك من النكد ، تعالي نشوف الجاتوه ده بيقول ايه يا زينات!



ضحكت "والدتها" أخيراً ، وفتحت العلبة وهى تحثها :



_أنا مش عايزة أعرف بتقول ايه ، بس خلي واحدة ليكي وواحدة لآدم ، أنا جبتلهم بره علبة كبيرة وطلعت لـ "وردة" علبة على قدها وقد جوزها  وابنها ، متحمليش همهم!.



وقبل أن تتناول  من شئٍ سمعت صوت طرقه على الباب ، تستطيع تميز طرقه ، إعتدلت "زينات " تهبط طرف عباءتها تخفي ساقها ، فيما أذنت "فريدة" له وهي تصيح بمرحٍ:



_أدخل ياللي حماتك بتحبك ، تعالىٰ!!



دخل على وجبة لذيذة اذن !، فتح "آدم" الباب بخفة فيما ابتسم بإتساع وهو يدخل ، فشاكستها "والدتها" بمزاحٍ :



_بحبه طبعاً ، ده كلام! ، بحبه من قبل ما تتجوزيه كمان، مش صاحب ابني اللي كنت بطمن عليه منه علطول  ، هو اللي بيفكرني بحسن علطول ، ربنا يرجعه بالسلامة ويحفظك يا "آدم"



ابتسم "آدم" بإتساعٍ وغمز بخفةٍ لاقت به وهو ينحني حتى التقط العلبة منها وضحك نابساً بنبرةٍ مازحة:



_زوزو حبيبتي أومال ايه ، دا احنا فريندس من زمان ، حسن فين يا آدم ، مشيه يا آدم رجعه يا آدم ، قوله غسان جايله يا آدم ،متعرفش هو فين يا آدم؟



قلد نبرتها وكأنها كانت ترسل له صوتاً على الرغم من العكس فيما ضحكت "فريدة" بقوةٍ وغازلته بجراءةٍ :



_هو أنا صوت أمي حلو أوي كدة؟!



ضحكت "زينات" وهى تضرب كتفها بتوبيخٍ مرددة بضحكٍ :




        
          
                
_يا بت يا بكاشة انتِ!



فطالعها هو بعدستيه متصنعاً البراءة ونطق:



_شايفة يا حماتي ، أنا الطرف الأكثر أدباً خدي بالك!، بنتك وجودها معايا مأثر على أخلاقي علفكرة!



طالعته "فريدة" بأعين  متشككة وسرعان ما ضحكت بقوةٍ على مرحه ، لأول مرة ترى ابنتها تضحك هكذا بمثل هذه السعادة الواسعة , شكرت ربها وطالعتها وهي تضحك بشرودٍ عميق غاصت به وهي تتابعهما  يمازحان بعضهما بعناد كصغار! ،  غاصت بعقلها وذهنها عنهما وشعرت بأن ابنتها وجدت ما لم تجده هى بزوجها ، وجدت ما لم تجده بوالدها كما لم تجده الأخرى بوالدها أيضاً..



_حوش حوش وانت اللي أدبك مقطع بعضه يا خويا!!



عاندته بكبرياء أنثى وهى ترجع خصلاتها بغرورٍ قطعه هو ما ان هتف بصدمةٍ :



_أخوكي!!!!



أومأت "فريدة" ، فتعمد الجراءة بفرض سيطرته عليها ما ان شعرت بما تحاول فعله من صده لتربح ، فمال مردداً بهمسٍ وهو يسند العلبة :



_انتِ مغلطتيش فعلاً ، ما أنا لسه أخوكي!



فتحت عدستيها وهى تطالع وجه والدتها بحرجٍ لم ترض اظهاره كي لا يربح ، فتعمدت عدم الإنصات ولكنه ضحك ما ان اعتدل وردد بغرور زائف:



_خلاص يا شاطرة ، ودانك اللي احمرت كشفتك .



وضعت يديها على فمها ولاحظت تحرك والدتها وهي تبحث عن الحجاب فيما اعتدل هو يردد سريعاً :



_انتِ رايحة فين يا حماتي ، اقعدي ،أنا خارج  خليكي مع فريدة ، لسه بدري!



_لا معلش يلا ، هسيبكم مع بعض بقى ، خلي بالك منها يا "آدم"، حطها في  عينك.



أوصته وهي تعقد الحجاب فيما  وقفت "فريدة" لتودعها بينما رد "آدم" مصرّحاً :



_من غير ما تقولي والله ، تعالي أوصلك بقىٰ



رفضت وهى تفتح باب الغرفة وقالت سريعاً وهي تحاول حمل حقيبتها :



_لا خليك ، والله ما انت جاي ، يلا عايزين حاجة؟



اقتربت "فريدة" لتعانقها مرة أخرى فيما همست لها والدتها بعض من الهمس المعتاد ،حتى انتهت فرددت "فريدة" لها :



_حاضر ، لما توصلي طمنيني عليكي .



واففتها وأشارت لها بالوداع وأغلقت الغرفة بسبب ملابسها التي تكشف عن ساقيها فوجدته يفتح الخزانة يبحث عن ملابس ليدخل المرحاض ، ولاحظ وجود الثياب الجديدة الأخرى ، فلم يتعمد محاصرتها ، ووقف متجاهلاً يغلق الخزانة ببطئٍ وابتسم ناظراً نحو أذنيها حتى ضحك فسألته بحنقٍ :




        
          
                
_بتضحك على ايه يا مستفز انت؟



أخفت "فريدة" أذنيها بخصلاتها فغمزها مردداً بغزل:



_حقك ما انتِ شعرك حلو بقا !



كبتت ضحكتها ورفعت كفها تشير له بالخمسة أصابع :



_الله أكبر في عيون الحسود يا خويا 



اقترب من المرحاض ووقف على كلمتها التي حاولت التراجع بها بينما كانت قد خرجت لا مفر فالتفت يضحك وهو يحذرها بهدوء:



_مابلاش نعيدوا تاني بقا يا فرفورة يا طرية !



قصد ضعفها وقوتها الزائفة أمام حديثه ، فإقتربت في تحدي زائف وأشارت له وهي تضع يديها بمتصف خصرها :



_ أنا بميت راجل ، عشان تكون عارف بس!!



اعتدلت على الفور بضيقٍ من اللقب وحاولت البحث عن هاتفها تزامناً مع رده الجرئ لينبهها:



_علفكرة..



وواصل ما ان رفعت رأسها تستمع إلي كلماته الثابتة وهو يطالع عدستيها:



_ حرام حد زيك يقول انه بميت راجل ، ارتقي يا مدام  واعتزي بجمالك قدام جوزك بدل ما انتهز الفرصة وأقولك انك بميت راجل فتزعلي.



رمقته بحدةٍ وجلست على طرف الفراش تنظر نحو شاشة الهاتف وهمست من بين شفتيها بسب عقله ، لم تصل إلى مسامعة ، وبخفةٍ وجدته أمامها منحنياً على ركبتيه وسألها  ما أدهشها بعد كل هذه المشادة الكلامية :



_يعني مش هتقولي مال عينك برضه يا شاطرة ، معيطة ليه؟



منذ ان بدأ الحديث وهو يحاول سحب إجابة السؤال ولكنها تهرب من عينيه ، اهتزت عينيها وهي تنفي ذلك وقالت :



_مش معيطة ، قوم يلا ادخل الحمام عشان لما تخرج نطلع نقعد على السطح بدل الملل ده!



الآن وحتى سابقاً يتركها تقص دون ضغط ، وافق وهو يعتدل وتشرط بمزاحٍ :



_بشرط تحكي  ايه اللي معيطك كدة  ، موافقة ولا أخرج أفتح التليفزيون وبلاها قاعدة بقا على السطح ، انا أصلا تعبان ومحتاج أرتاح!



قوست حاجبيها ورددت في شموخٍ وصل إليه بقوةٍ وقد إعتقدت بأن شموخ كلماته سيفوقه!:



_أنا  محدش يتشرط عليا.



فمال مختطفاً قبلة من وجنتيها سريعة وغمزها مجدداً بقوله الذي ربح عليها بنقطة به :



_إلا "آدم البدري" يا شاطرة.



لم تسمع بعدها إلا إغلاقه باب المرحاض ، فسمحت لضحكتها بالخروج، تعايش مشاعر واجواء جديدة ، وعراكهما المستحب هذا تفضله ،  هى من دون كل هذا  حزينة كما كانت ، هو  وحده من استطاع فعل ما لم يفعله أحد من قبله! ، أخرجت عباءة بقبعه من الخلف مطرزة ، من ثيابها المنزلية ، ارتدتها ووضعت القبعة القماشية الخاصة بها على رأسها وعقدتها بدبوس كي لا تظهر خصلاتها على السطح ، ووضعت مساحيق تجميل بسيطة ونثرت بعض العطر حتى تشغل وقتها بتسليةٍ  إلى أن يخرج!!




        
          
                
_ما تخلص ، علفكرة انت مش عريس يعني!



جاءه قولها المتأفف وهي تنتظر في الخارج فخرج رده وهو بالداخل يردد كلماته المبهمة بالنسبة لها مع أثر صوت خرير الماء :



_نفسي ابقى عريس والله يا شاطرة!



_____________________



_تسلم ايدك يا أم غسان عالأكل انتِ وفرح وأم عز ، كتر خيركم!



كعادته لا يخجل من ترديد كلمات الشكر لأجل تعبها هىٰ حتى يهون الوضع دائماً ، نظر "حامد" إليهن ببشاشةٍ بعد انتهاء وجبة الغداء قبل قليل ، فدخلت "وسام" للمذاكرة وبقى "بسام" بجوار "فرح" في الشرفة ، فيما جلست"نيروز" جوار "غسان" الذي ابتسم بإمتنانٍ لوالدته ، وردت حينها "حنان" بلطفٍ :



_دايماً عامر يا حج حامد ، ربنا يخليك ليهم ويبارك في عمرك .



ابتسم يرد في لطافةٍ فيما وزعت "فرح" أكواب الشاي  ودخلت حينها الشرفة له تردد من خلفه :



_الشاي 



إلتفت "بسام" يلتقط الكوب منها بإبتسامة هادئة ، سحبتها حتى وجدت نفسها تقف برفقته وابتسمت تردد بتلقائيةٍ :



_تعرف؟، انت بقيت حاجة مهمة أوي عندي.



تفاجئ من كلماتها التلقائية فوجدها تبتسم وهي تهرب من عينيه وتجرعت من كوب الشاي وقاطع حينها الصورة المفتوح عليها هاتفه الذي يوجد بين يديه ، لم يسألها بل هو ينتظر على أحر من الجمر أي حديث من قبل هذا ، ابتلع ريقه وتوسعت بسمته  الهادئة ما ان سألته بغرابةٍ ومفاجأة :



_مش دي عيني ؟



رواغ حينها وضحك وهو يسألها بجديةٍ :



_ليه لما ممكن تكون عين حد تاني، متأكدة انها صورة لعينك؟



نظرت له "فرح" والتقطت الهاتف في جراءة من يديه ، وسواس الغيرة ظهر ما ان استطاع ان يلعب في عقلها ، صغرت الصورة أكثر ثم طالعته وهي تغلق الهاتف  ما ان تأكد انها  خاصتها ورددت بعفوية:



_انت تعرف عين حد تاني غيري عشان تحفظها عندك !



فهم مشاعرها المضطربة التي لا تريد اظهارها فآبتسم وضغط على هذه النقطة بعدما ارتشف من الكوب:



_ممكن ليه لأ؟ ، أنا شخص بينجذب لكل ما هو جميل ، تلقائياً عيني بتخوني وبتتعلق بالعيون الحلوة اياً كان!



التزمت الصمت وداخلها الأسئلة كثيرة ، واستطاع ان يحتوي مشاعرها ما ان تمسك بكفها وهو يكمل:



_بس مخانتنيش ألا قصادك ، ومتعلقتش غير بـ دول بس!



أشار ناحية عدستيها، واحمرت حينها وجنتيها بخجلٍ ، ولكنها ابتسمت تشاكسه بهدوءٍ :




        
          
                
_بتعرف تثبت وتقول كلام حلو وتلحق نفسك ، علفكرة أنا كنت مفكراك سهل وبرئ ، بس أنا صدقت الوقتي أن مفيش راجل سهل ولا برئ.



ضحك "بسام" عالياً وأخذ أنفاسه بهدوء مع خروج رده العميق:



_في راجل سهل ، أصعب راجل هو الراجل السهل بس مع اللي وقعته ، وأخبث راجل برضه هو اللي هتلاقيه برئ قصاد عيون وقعته زي ما وقع الراجل الصعب من قبله وبقى سهل ، فاهمة حاجة؟



سألها بإبتسامة واسعة فضحكت "فرح" بخفةٍ وهي تنفي قائلة:



_لأ!



_ ودي أهم حاجة!



ضحكت مثله وهي تضرب كفه بخفةٍ وهما واقفين بجانب بعضهما وبتلقائيةٍ وهي تستند على السور من الأمام مالت برأسها على كتفه وهمست بصوتٍ هادئ يحمل بين طياته الكثير :



_عز وحشني أوي ، أول مرة يبعد عننا كذا يوم ورا بعض ، أنا معرفش يعني ايه أب، بس لما مشى حسيت اني يتيمة مليش حد وده محستهوش من زمان ، حسيت ان لو راح في يوم من الأيام أنا من غيره مليش  ضهر، هو مش بس أخويا ، يمكن أنا مستحملة عشان انت هنا جنبي يا "بسام" ، ضهري، أنا عارفة اني هبقي بزودها في الكلام لو قولتلك اللي أنا عايزة أقوله مع اني قولته قبل كده!



توقفت وهي تستند إلى الآن فرفع ذراعه يضعه على كتفيها وأسند ذقنه على رأسها مردداً يجاريها منصتاً إلى النهاية :



_زيادة كلامك معايا طاقة باخدها عشان أقدر أكمل ، أنا مش متدايق أنا قويت بيكي علفكرة ولسه بقوى بيكي أكتر خليكي عارفة ده كويس ، انتِ قوية ..سمعيني اللي عايزه تقوليه وأنا هنا جنبك مش هتدايق!



تأثرت من حديثه وابتلعت ريقها ثم اعتدلت تنظر داخل عدستيه الفاتحة عنها بكثيرٍ ، مدت يديها تضعها بكفه الذي حثها به على التحدث أكثر وهتفت بما قالته له من قبل :



_كنت عايزة أقولك متبعدش..وانت معايا مببقاش خايفة من حاجة مببقاش شايلة هم ، معرفش دا ايه ، أنا أول مرة أحس اني حاسة بكدة مع شخص غير "عز"!!



تخبطت مشاعرها لم يرض ان يخمن معها بأن ربما ما تشعر به هو شعور الحب! ، ابتسم بهدوءٍ وردد بما هو مبهم ناحيتها :



_مش عارف أقولك ده ايه ، انتِ الوحيدة اللي هتعرفي ، بس أنا كدة كدة جنبك ومش هسيبك!.



تنفست براحةٍ فيما حاول خلق أي حديث كي يخفف عنها شعور التيهة الذي يداهمها بكثرةٍ بعد عقبة شقيقها ومشاعرها التي تنمو تجاهه بكثرة في نفس الوقت ؛!



«بينما في الداخل»



  طالع "حامد" معدتها البارزة بسعادةٍ  وهي تجلس بجانب ولده والإثنان ينظران في شايشة الهاتف   بعد ان قطع شرودهما قول "والدته" له :




        
          
                
_وشك أصفر كدة ليه يا "غسان"، انت مبتاكلش ولا ايه يا ولا؟ ، ولا انت اللي حامل بدل مراتك؟



برقت عدستي "نيروز" من قولها الآخير بحرجٍ له فيما اعتدل "غسان" ينظر ناحية ضحكات "والده" العالية ، فمال عليها هامساً بضيقٍ :



_عيب منك دي يا أم غسان!



_مش قصدي يا حبيبي بس انت مش عاجبني حاسة فيك حاجة متغيرة كدة ، يكونش يخويا دايب فيها وزعلان على اللي بيجرا في حملها ؟



لم تتوقف إلى هنا عندما وجدته ينصت بصمتٍ قبال ضحكة "نيروز" وهي تتلمس ذراعه ودافعت تؤكد لها بهدوء:



_هو فعلاً بيتعب معايا لما بكون تعبانة ، بيفضل صاحي بيا يمكن عشان منامش كفاية طول الليل فحضرتك شايفاه مرهق شوية .



فتابعت "دلال" بإندفاعٍ :



_ مش مكتوبلك راحة أبداً يا حبيب ٱمك ، متخافش عليها الحمل كده ، كلنا يا خويا حملنا وخلفنا وكبرنا وجوزنا اللي مرتاتهم حامل أهو ، روق بالك!



أرادت ان تهون عليه فيما انها لا تعلم ما بداخله ، تابع كلماتها بصمتٍ وسعل بخفةٍ ماسحاً على عنقه بإرهاقٍ قطعه حديث "حامد" لزوجته كي تكف عن ضغطه بالكلمات:



_قومي يا "دلال" دخلي لبنتك كوباية عصير ولا حاجة.



استمعت لقوله ونهضت فيما انسجم "غسان" بشاشة هاتفه من جديد  ، فنظر والده وربت على ساقها ودوماً ما يسألها بإهتمامه التي تتأثر منه وكأنه يسأل للمرة الأولى في كل مرة :



_اخدتي علاجك يا بنتي؟



إلتفتت"نيروز" برأسها بعدما كانت تشاركه مشاهدة الهاتف بعشوائيةٍ ، فيما طالعته بحبٍ وهى تبتسم رغم ملامح الإنهاك ،حركت رأسها توافقه وقطع هذا مشاهدته لصغار رُضع بين يدي والدهم يُكبر في آذانهم مشاعر تظهر ولكنه الآن لم يشعر بهذه المشاعر فقط يشاهد ، يشاهد توأمان بين يدي شخص عجز عن حملهما بسبب رجفة يديه ، ووالدتهما في الخلفية تنظر بتأثرٍ مع  موسيقى هادئة ، رفع عينيه بين هذه العشوائية من حولهم ولم يشعر بأحد سواها  ، وجدها تطالع وجهه بتمعنٍ ، لمعت عينيها بتأثرٍ فإبتسم وهو يأخذ رأسها ناحيته بهذة اللحظة فيما همست هى بتحشرجٍ:



_عقبال ما نعيش اللحظة دي سوا  من غير أي خسارة  .



وواصلت وهي تستند على كتفه :



_يارب يجمعنا ببعض كلنا على خير يا "غسان".



ابتسم لها بتأثرٍ وشعر بنهوض "والده" ناحية غرفته ووجد نفسه معها بمفرده ، فأسندت ظهرها على المسند بتعبٍ في حين خرج صوته المازح وهو يطالعها :




        
          
                
_ طب والله الحمل ده جاي ببركته ومخليكي حلوة أكتر ما انتِ!



ضحكت "نيروز" بعدما علمت أنه يخفف عنها ما ان انكمشت ملامحها بتعبٍ ، فوضعت يديها على أنفها وسألته بشكٍ :



_بمناخيري اللي كل يوم بتكبر عن اليوم اللي قبله دي؟



انطلقت ضحكاته بصوتٍ عالٍ ومال يخبرها بمرحٍ :



_ده من علامات الجمال يا رزة.



رمقته بسخريةٍ ، فيما لم تحرك عينيها من عليه بل ظلت تتابع ملامحه وعينيه تخبرها بأنه يخفي وراءها الكثير ، ولأول مرة تقرر الكشف عن ما تشعره من تعب له ، فمدت كفها تضعه على كفه فرفع عينيه من على هاتفه ينظر ناحيتها فيما سألته هىٰ:



_ مالك يا "غسان"؟ ، أنا حاسة انك مخنوق وبتحاول تداري وكأن مفيش حاجة ، مش حاسة أنا متأكدة ، بس لما قولت هسيبك وهتيجي تتكلم لما تحتاج تتكلم طولت أوي ، وأنا مش عايزة أسيبك كدة !!



ازداد التخبط عن الأمر العادي بسبب مشاعرها المتضطربه بكثرةٍ من هرمونات الحمل ، فطالعته بٱعين مراقبه بها لمعة ودمعة على وشك الهبوط..، مشاعرها بعدم  راحته الذي يخفيها توجعها وتسأل نفسها تساؤلات كثيرة ، فيما عاد يتركها لعقلها بدون إرادة منه ..



ابتسم "غسان" وأمام عدستيها فقد الخداع الآن بل صمت فقط دون تبرير، فيما انتظرته يتحدث ولم يحدث ، فإعتدلت تحرك رأسه ناحيتها بإحتواءٍ وسألته مجدداً :



_يمكن الوقت مش مناسب ،بس انا تعبت من كتر ما انا مستنية تتكلم معايا وتقولي اللي تاعبك ، "غسان"..انت كل الأوقات مناسبة ليك ..عشان خاطري رد عليا ومتعملش أكتر حاجة بتوجعني ، انت فاكر انك كدة هتضحك عليا لما تفضل يومين ساكت وأنا اللي بسحب منك الكلام؟، دي حاجة بتتعبني ٱنا وبتحسسني اني ممكن ٱكون مقصرة معاك فـ..



قطع كلماتها مبرراً الأمر بسرعة وهو يمسح أسفل عينيها بحنوٍ :



_والله لأ ، انتِ مش مقصرة ولا حاجة.



ربما عادت اللهفة والخوف في نبرته ، ربما هاب ضغطها فيتصاعد انهيار مفاجئ يعجز عن انقاذها به وانقاذ صغارها من بين تفاصيل الخطر الغير متوقع! ، تابعت لهفته بوجعٍ شديد وسألته ما  تفاجئ منه وجعله يعلم بأنها تراقب وتتابع وتحفظه عن ظهر قلب معها في كل حالاته:



_أومال مالك ، قولي بس مالك ، وليه الخوف اللي بقيت بشوفه منك من ساعة ما رجعنا؟ ، أنا بقيت بقول إنك بتتلهف وخايف عشان حامل ، بس لما تابعت كل حاجة وراجعت نفسي وانت معايا من قبل ما نبعد ، انت مكنتش كده ، انت كل حاجة كنت بتظهرها معايا بعقل ، انا مش متضايقة من خوفك الزيادة عليا ولا على لهفتك ، بس مش حاسة انهم في مكانهم ، مش حاسة انهم خارجين على حاجة طبيعية ، مش حاسة انك طبيعي في كلامك وردوك وتعاملك معايا ،. انا مش كارهه ده بس شايفاه خارج منك بتعب عكس ما بيخرج بحب!!




        
          
                
هناك تفاصيل بين الكلمات ، الوضع منهك ، قرر اخبارها اليوم ولكن ليس بهذا الوقت بين العائلة لا يتوقع رد فعلها أبدً ا ، هاب بكاءها عندما رددت أخر حديثتها بتعبٍ وكأنها توضح له بين تفاصيل الحروف بأنها أصبحت تعب بالنسبة له! ، لذا تمسكت بكلا  كفيه بلهفةٍ وهى تسأله:



_هو أنا تعباك أوي كدة ؟ ، قولي بس عشان خاطري ، أنت حاسس انك تعبان معايا بعد ما رجعنا ؟ مش قادر مثلاً  تكون زي الأول ، لسه موجوع في كرامتك فمش قادر ؟ ، أنا كسرتـ.…



أخذ رأسها بين كفيه بسرعةٍ ورد مندفعاً وكأن التبرير عنوانه بعدما كان لا يوجد في قاموسة كل معاني التبرير , عدا هى ، عدا أمام عدستيها يُهزم:



_انتِ بتقولي ايه يا "نيروز"؟؟، والله العظيم ما في أي حاجة من دي ، أنا عارف ان الوقت اللي بعدنا فيه كان صعب واللي رجعنا فيه برضه صعب وحتى اللي اتجوزنا فيه كان صعب ، بس والله العظيم كل حاجة صعبة في وجودك بتتهون، مببقاش عايز غير راحتك والله ينت الحلال ، لا عمرك كنتي تعب ولا حِمل ، أنا اللي  مضغوط شوية بس!



كان واضحاً عكسها عندما ردد بجملته التي كانت تريد جوابها منه ولم تستطع السؤال بها :



_أنا لا حبي ليكِ قل ولا وجودك متعب بالنسبالي ، أنتِ على قلبي زي النسمة يا "نيروز" ،  أنا  يا بختي بيكي ، ادعي بس ربنا يعدي الجاي على خير وسيبك من أي حاجة تانية!



وجد التساؤلات في عينيها بعد التبرير، أي ؟ ماذا حدث؟ ، تابعها بعدستيه حتى ضم رأسها ناحية صدره وهو يكمل:



_ حقك عليا اني حسستك إحساس غلط مكنتش قاصده كدة ، أنا آسف.



مسحت وجهها وهي بين ذراعه وعناقه وسألته بضعفٍ وهناك أعين  تتابع بعدما قرر الخروج للذهاب ناحية المرحاض:



_ليه لسه مش قادرة أصدقك ، ليه زعلان طيب ، أنا زعلانة والله علشانك ومش عارفة أعمل ايه!!



زفر "غسان" أنفاسه بهدوءٍ وأهّل نفسه لإخبارها ببوادر فتح الحوار :



_أنا زعلان فعلاً مش هكدب عشان معاكي مبعرفش ، بس كنت بدور على وقت أحكيلك فيه ,لكن أنا شوفتك تعبانة من كل حاجة وكل يوم في  تعب شكل فإستنيت الوقت المناسب .



فاندفعت تخرج من بين ذراعه بلهفةٍ ونظرت نحو عدستيه تخبره:



_أنا جاهزة أسمعك في أي وقت ، احكيلي وأنا هنا جنبك ، عمري ما هسيبك ولا هطنشك وازهق واللهِ!!



اختنقت أنفاسه والخطوة ليست هينة ، فتجعله في كل مرة يريد الهروب ولكن ليس بعد الآن ، فحياتها أهم ، وهى من ستربح كي يخبرها ، ابتسم مردداّ بصدقٍ :



_أنا متأكد من ده



فقط ؟ ، حاولت سحب الحديث معه على الرغم من انه كان سيخبرها بما رددت به الآن :




        
          
                
_طب تيجي نخرج زي ما خرجنا من كام يوم ، و نقعد فأي مكان نتكلم؟



_انتِ راحة لـ "فريدة" امته انتِ و"جميلة"؟



سألها بإهتمام بعدما أخبرته ووافق ، فأخبرته مصرّحة :



_كان المفروض هقوم أطلع البس واقول لـ"جميلة" تلبس وتيجي توصلنا ، بس مش مهم المهـ..



بتر قولها عندما حرك رأسه راضياً وأخبرها :



_لا قومي نطلع وغيري أوصلكم ، على ما اقعد مع "آدم" هناك وتخلصي براحتك وبعد كده نخرج بعدها .



نظرت لبرهة فوجدته يستعد بالفعل بترحاب ،  ابتسمت توافق وراضته بخفةٍ عندما قبلت احدى وجنتيه ، فغمزها  ضاحكاً ما ان جاء "حامد" وهو يرفع طرف عباءته:



_يا بخت اللي مراته راضيه عنه



ضحك "غسان" بصوتٍ عالٍ فيما نظرت هى بخجلٍ ما ان رد "غسان" عليه:



_يا بخت اللي مراته "نيروز" يا حج "حامد" ، ابنك حظه الحلو كله خده فيها ، ادعيلنا وانت بتصلي بالله عليك بقا



وحده من رأى ترجي ولده صادق وليس بالمزاح الذي خرج ! ، رددها بصدق بينما نظر "حامد" بحبٍ وقال مصرّحاً :



_بدعيلكم علطول ,ربنا يريح بالك وقلبك ويعينك على المسؤلية وتفرح بيهم ويقومك يا بنتي بالسلامة  لينا .



وقفت احتراماً له ما ان اقتربت ، فتمسكت بيديه برفقٍ ورفعتها تقبلها ببرٍ وهى تدعو له بعدما اعطته كوب المياة عندما رأ علبة الدواء بين يديه:



_ربنا يبارك في عمرك يا عمو وتعيش و تفرح بيهم معانا.



تأثر من حركتها وهى وحدها من توصلت معه لأعلى مراحل الإمتنان الصادق ، ربت على رأسها فيما وقف "غسان" يقبل رأس والده  مردداً :



_ربنا يخليك لينا يا حج ويطول في عمرك.



هى من جعلته يتأثر عندما نهضت من قبله تقبل يد والده هو  وتناوله ما انتبهت له بسرعة ، شعر بتحرك والده فتلقائياً رد لها فعلتها بتقبيله لكفها بهدوءٍ عندما انكمشت ملامحها وهي تئن من ألم عظامها ورددت كي لا تنسى :



_ممكن تبقى تفكرني أجيب مرهم العضم من عند ماما عشان تدهن ضهري بدل ما أنا مش قادرة أنام وتعباك واتفضحنا كدة قدام مامتك!



ضحك بخفةٍ وهو يحرك رأسه موافقاً فيما أرسل لما في كلماته تلميحٍ هادئ :



_مش عايزك تدققي في كلامها يا "نيروز"، عديلها ، كلنا هنا لازم نعديلها كل كلمة بتقولها ، أنا عارف ان ممكن كلما تفلت منها في الكلام فتاخديها انتِ بحساسية ، لكن أنا مش عايز كدة ومش عايز اتحط في الموقف ده ، لكن أنا واثق  انك عاقلة ومش بتردي ، بس مش عايزك تزعلي في نفس الوقت برضه.




        
          
                
تشبتت في كفه وهي تبتسم ببساطةٍ ورددت :



_مامتك مامتي يا غسان ، والله أنا بحاول أراضيها  بكل الطرق لكن مش ببقى فاهمة انا مزعلاها في ايه بالظبط ، بس أنا فهمت انه بتزعل وترد من بين الكلام عشان زعلانة وبترجع تصفى تاني بسرعة فمبقتش بزعل خالص والله ، أنا بس عايزاها تفهم اني مش بقدر أقعد هنا كتير عشان الشقة وعشان ببقى محتاجة اريح ضهري وبخاف ارتاح هنا ابقي قليلة الذوق وهي بتشتغل وأنا ارتاح ، فمش برضى وبطلع بس بحس انها بتدايق بس!



تفهم كلماتها فربت على كتفها برفقٍ وهز رأسه يخبرها :



_أنا فهمتها كل ده ، متخافيش



أصبح بينهما مجال للنقاش عكس السابق ،  ابتسمت بتأثر لتفهمه  لتعبها دون أن يضغطها فبادرت بعناقه وقليل كلمات الشكر منها مثل الآن:



_شكرّا لإنك فاهمني من غير ما أبرر ومستحملني بكل حالاتي اللي تطفش أي حد ، أنا آسفة بس أنا اليومين  دول  مش حمل حاجة ومش عارفة مالي مش بقدر لأقل حاجة  ليه .



ابتسم غامزاّ له غمزته المعتادة فضحكت تتلمس معدتها وهي توكز كتفيه ورددت بمرحٍ :



_ادعيلي ها ؟؟ ،ولادك تاعبيني لوحدي وانت قاعد تتفرج وبس.



تعالت ضحكاته وأكمل قوله وهو يتراقص بحاجبيه:



_وفي الآخريطلعوا شبهي!



شهقت من مجرد التخيل واحتوت معدتها البارزة بغيروعيٍ وهي تردد في دهشةٍ :



_يعني اتعب كل ده واتمرمط واشيلهم جوايا ويطلعوا في الآخرشبهك؟ ،  انت حلو آه ، بس لا لازم ربنا يعطيهم حاجة مني عشان متقهرش  



حرك "غسان" رأسه ومال يطبع قبلة على وجنتيها مردداً بصدق:



_كفاية تقومي بالسلامة ويجوا بالسلامة  وشبهك انتِ ومش عايز حاجة تاني خلاص ، وان مكانوش شبهك يبقى المرة الجاية يبقى شبهك!



برقت عدستيها من تكرار هذا الأل ورددت :



_المرة الجاية!!!



احتوى صدمتها سريعاً عندما مد يديه يدفع كتفها ناحيته بعناقٍ مازح وقبل ان يردد قوله العابث قطع لحظتهما صوت"بسام" من خلفه:



_أوعى الرومانسية !!



إلتفت "غسان" ينظر وضحك بخفةٍ فيما تابعتهما "فرح" ببسمة هادئة ناظرة ناحية معدة "نيروز" التي اقترب منها تربت عليها بخفةٍ ومزاحٍ تزامناً مع قول"بسام" المازح:



_لا بس  بقت بطيخة اهي يا "غسان" ، وبان الحمل ، ربنا يقومهم بالسلامة.



ضحكت "فرح", على لقبه فيما نظرت له "نيروز" في هدوءٍ عكس ردها التي وارت خلفه الضيق التي لم تظهره :




        
          
                
_عموماً كما تدين تُدان يا دكتور بسام ، المرة الجاية عندك انت وفرح ان شاء الله.



نظر "بسام" بذهولٍ وسألها أمام ضحكة شقيقه:



_ايه ده انتِ بتزعلي من الهزار ولا ايه؟، انا اه دكتور ومقدر مشاعرك بس وربنا بهزر، دا أنا متعشم توافقي تسمي "بسام" ولا ايه يا غُس!



ضحكت "نيروز" بإستسلامٍ وهى تنفي ضيقها فيما رد "غسان" بمرحٍ :



_كفاية واحد منك بس يا غالي، انت مفيش منك اتنين 



هل رفض للتو بطريقة لعوبة ، وضع"بسام" يديه على فمه بتصنعٍ ورد بنبرة مصطنعة :



_ثبتني يا أبو الغساسيين  ولعبتها صح!



اكتفى منه بضحكة هادئة ،  فتحدثت "نيروز" بلباقةٍ لها في محاولة للتخفيف عنها :



_ما تدخلي تلبسي يا "فرح" وتيجي معانا عند"فريدة" .



حاولت الرفض أمام النظرات فيما تابعت "نيروز" بإبتسامة هادئة :



_من قبل ما تقولي حاجة ، ادخلي البسي بس وتعالي فكي عن نفسك شوية ، والله القعدة مع فريدة حلوة وهتخفف عنك كتير صدقيني ، ممكن مترفضيش بقى ؟



قليل ما تحاول هكذا مع شخص ، وجدت نفسها تحاصر ووجدها "بسام" فكرة مناسبة وخرج صوته يدعم ذلك :



_أيوة يلا ، وهاجي معاكم اقعد مع "آدم" و"بدر" أنا وغُس .



صمت"غسان" بينما حركت "فرح" رأسها توافق وانسحبت كي ترتدي ملابسها حتى لا ترفض بعدما ابتسمت تخبر "نيروز", بالموافقة ، فانسحبت وتفاجأت "نيروز" من شكر "بسام" عندما ابتسم قائلاً بلطفٍ :



_شكرًا يا "نيروز"



ابتسمت تزامناً مع محاوطة  كتفيها من "غسان" وردت عليه ببساطةٍ :



_على ايه أنا معملتش حاجة .



ابتسم لها بهدوء وأشار محركاً رأسه ويديه يخبرهما :



_يلا هدخل ألبس ، على ما تخلصوا وهنستناكم تحت علطول.



لم يجد منهما سوى الموافقه والحث بالسرعة ، فخرجا الاثنان من باب الشقة فيما نظر هو بأثرهما بإبتسامة هادئة والهاتف بين يديه  بعدما حاول الوصول إلى "عز" ولم يجد الرد  مجدداً ، زفر أنفاسه بهدوءٍ واقترب من غرفته حتى فتحها بشرودٍ غير منتبهاً بأنها من المفترض أن تكون هنا بعدما ترك لهم الغرفه في  غيابه وان جاء فسيقيم بغرفة شقيقه ،  توقف على الفور ما ان وعى أنها هنا ، لم تنتفض ، لم تفعل شئ بعدما وجدت الورقة على مكتبه استدارت تنظر بتأثرٍ وأعين لامعة فنظر "بسام", بسكون وهو يقترب حتى قطع هذا الصمت المتأثر قولها :



_جميلة أوي.



_عينيكِ مش حد كدة؟



سألها بإهتزازٍ بعدما وجدها تتأثر هكذا فتأثر ، وبعدما دخلت خلعت حجابها فأرجع لها خصلاتها إلى الخلف ، وتابعت سؤاله  العميق بنظرة عين قليل ما تظهر ، بل أجابت الآن على سؤاله بجوابها :




        
          
                
_لأ ، الرسمة وكـ..ـلامك!!



تقطعت نبرتها بإهتزاز مجدداً ، فمسح حاجبها برفقٍ وهو يردد بمزاح هادئ:



_ما يعني عينك برضه ، أصل بصي! ، الجميل في الورقة اذ كان رسم أو شكل فهي كدة كدة عينك والحلو اللي هيتقال هيتقال فيها هىٰ !



وأضاف مصرًحاً بصدق:



_ملقتش كلام يوصف مدى حبي لعينيكِ ورموشك ، ما هو أنا لسه تايه وجاهل برضه ومعرفش لسه ايه هو سر جمالها أو حتى روتين روموشها!



وقطع اللحظة عندما أمسك كفها يحثها بلهفةٍ :



_بالله عليكي ما تقوليلي اسأل ماما دي عشان بتعقد منها ، يرضيكي أتعقد؟



سألها ببراءةٍ فطالعته بضحكةٍ خفيفة وإعتدلت تأخذ أنفاسها ببطئٍ وبادلته التمسك بكفه عندما أجابت على سؤاله بصدقٍ :



_مينفعش تتعقد ، عشان انت دايماً عندك حلول لكل عقدة حتى لو ملهاش حل ، بس بحس برضه ان الحل موجود وانت معايا .



اتسعت بسمته مع دقات قلبه التي تزداد من أثر كلماتها وكأنه للتو يعيش أول تجربة رغم انها الثانية!, وتأثر أكثر عندما أكملت هى بصراحةٍ :



_وعشان دايماً الحل الثابت عندك هو انك واثق في ربنا انه هيحل كل حاجة علطول ومش هيسيب عبده كده أبدًا ،  بحب دايماً لما بتفكرني ان احنا مش لازم نشيل الهم وربنا موجود .



قبلها بين عينيها كسنةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبادر بعد ذلك بعناقها وهمس جوار أذنها وهو تتمسك بالورقة بين يديها :



_ربنا دايماً معانا ، وأنا دايماً هبقى معاكِ يا فرح!



ربتت على ظهره برفقٍ وابتعدت ما ان وعت أنها بمفردها معه في غرفته ، حتى وان كانت زوجته فوالدتها لم تعترف بهذا مادامت ليست بشقته ، ان رٱتها ستحاسبها ، تراجعت إلى الخلف وترددت بكلماتها قائلة :



_بسام ، ممكن تبعد ؟ هاخد لبسي وخليك عادي ، عشان بس ماما متتضايقش اني معاك لوحدي في الأوضة .



فدافع مفسراً بحاجب مرفوع:



_ما انتِ مراتي يا "فرح" ، أظن مفيهاش حاجة حتى لما تقعدي هنا معايا كمان ، أنا مش غريب يعني ومامتك واعية لـ ده !!



_لأ ، لسه مادام مش في بيتك ، وعايزاك تفهم النقطة دي من غير ما تزعل يا بسام ، معلش ماما مش كدة ولا هتوافق اني اقعد معاك لوحدي في الأوضة ، أنا مش زيكم هنا ، تربيتي فيها حاجات كانت عندكم مفيش فيها مشكلة ، أنا آسفة بس دي مبادئ اتعودت  عليها كدة يمكن عشان لوحدنا من غير عيلة ، لكن انتم عيلة زمان أو دلوقتي وعارفين بعض وبتتدخلوا وتخرجوا شقق بعض علطول فأنا مش زي "نيروز" ولا أمي أمها !




        
          
                
بررت له في أواخر حديثها ما  كانت تستمع إليه منهم في عقد قران "نيروز" وتواجدها هنا مع شقيقه ، وإقامتها ببساطةٍ ودخولها الغرفة  بقبولٍ منها ومن الجميع ، ربما تربيتها هكذا كونهم عائلة واحدة بينما "فرح" تربت على مبادئ أخرى في بيت واحد بمفردها دون اختلاط وهذا الأصح على الأغلب ، فلم يتأفف بل أعجبه تفكيرها وحرصها على الاحتفاظ بكل شئ إلى الزواج  حتي خصلاتها التي ترفض أن تظهر بها أمامه ، فكلما يراها بها يراها صدفة غير مقصودة منها !!



تفهم على الفور مغزى حديثها وابتسم يتخطى الٱخر مردداً :



_مفيش مشكلة خلاص ، أنا هاخد لبسي أنا وهخرج ألبس في أوضة "غسان", ولا يهمك.



سار ناحية خزانته كي يلتقط ملابسه ، فيما وقفت هى تطالع الورقة مرة أخرى بسعادة ٍ ، فقاطع نظراتها دخول "والدتها" وهي تستند فقابلها "بسام" يسندها برفقٍ وتحركت "فرح" تزيح لها الغطاء من على الفراش، فجلست تبتسم بإمتنان له وهي تحدق بابنتها فلاحظ هو ذلك وبرر سريعاً :



ارتاحي يا ٱم عز ، معلش كنت جاي أخد لبسي بس وخارج.



قبل ان تدخل الغرفة ذهبت أولاً لتخبر والدتها بذهابها  فوافقت كما وافقته الآن وهي تردد :



_خير خير ، خد  بس بالك منها .



وافق برأسه واعتدل كي يستعد للخروج من الغرفة ، فيما فتحت هي حقيبتها كي تلتقط ملابسها في قرار للدخول ناحية المرحاض كي تنتهي سريعاً حتى لا يتأخرا على "غسان" و"نيروز"!



_____________________



مر وقت قليل ارتدت فيه "نيروز" ثيابها وكذلك هو ، رأت محادثته في الهاتف للمتخصصين في معرفة مكان الرقم  ولكنه في كل مرة يتوصل إلى نتيجة تجعله يشعر بالخيبة ، لم ترض الاقتراب منه الآن بعدما وجدته يزفر أنفاسه فيما لمحت هى مجدداً  بطاقة ما وقعت من جيب سترته الفوقية ، هل يعاد الموضوع ؟



بطاقة تعريفية لمهنة طبيب نفسي برقم هاتفه وعنوانه ، تحفظ هذه البطاقة عن ظهر قلب ، أغمضت عينيها سريعاً كي لا يرى محط أنظارها ولم يأت ببالها شئ ،فقط  أقنعت نفسها بأنها معه منذ زمن ، على الرغم من انها تغسل ملابسه دوماً فهذا يعني أنها جديدة!!!.



أهبط "غسان" الهاتف من على أذنيه ، والتفت فوجدها خرجت من الغرفة للبحث عن حذاء مريح ، وضع الهاتف بجيب بنطاله وعاق سيره  رؤيته للبطاقة واقعة أرضاً ، فإنحنى يلتقطها كي يضعها في جيبه وخرج فوجدها تجلس على المقعد بتعب بجوار الباب ترتدي الحذاء ، ابتسم يقترب منها فيما أخرجت له حذاءه فإرتداه ثم مد كفه لها كي تنهض معه بعدما أهبط طرف حجابها على مقدمة صدرها من الأمام فتعمدت تجاهل الأمر له وببخته هذه المرة بقليل من الحرج:



_متبقاش تقول بس ان تخنت ولسه حلوة زي ما أنا ، أديك شايف حتى اللبس الجديد مش مظبوط كمان.




        
          
                
ربت على كفها بحنانٍ وردد برفقٍ وحنوٍ كي لا تعطي الأمر حجم كبير :



_معلش ، فترة وهتعدي وكل حاجة هترجع زي الأول.



أخرجت أنفاسها بثقلٍ ونظرت نحو شاشة الهاتف فوجدت "جميلة" أرسلت لها رسالة تخبرها بها بأنها في الأسفل مع "فرح"و"بسام" اللذان انتها للتو!



وضعت الهاتف في حقيبتها ومد هو يديه يفتح الباب ، وسحب كفها برفقٍ حتى أغلقه خلفه وفُتح المصعد لهما بعد دقائق بسيطة وركب الإثنان بهما وسألته هى حينها بإنتباه :



_بتقول شادي جاي ؟ ، ولا مش النهاردة؟



رد وهو يغلق هاتفه بتوضيحٍ :



_مش عارف بيقول لو معرفش يجي بليل هيجي بكرة وخلاص!



«بينما في الأسفل»



حيث الطابق الأخير ، أمام مبنى العمارة الكبير وقفت ",فرح" تسند "جميلة" عندما شعرت بتعبها على تقاسيمها ، وسألتها الآن بغرابةٍ حزينة :



_شكلك هبطانة يا "جميلة"، لو مش لازم النهاردة خليكي وأنا هطلع معاكِ عادي!



رفضت "جميلة"ذلك أمام عيني "بسام" وردت :



_لا مش للدرجادي يا "فرح" ، أنا كويسة الحمد لله ، وهروح عشان "فريدة", متزعلش ، كفاية لما كلمتها في التليفون سمعتها فرحت ازاي ، ونزلت من فوق تستنانا .



لم تجد الأخرى رد عليها ، فيما طالع "بسام" حزنهما البادى على وجههما دون تعب في البحث عن السبب المعلوم لديهم جميعاً ، فأخرج هاتفه ينظر تجاه الساعة وقطع نظراتهما وقوف سيارة أجرة أمامهم الآن فتحرك "بسام" بضيقٍ من تهور هذه السيارة التي شاهدت "فرح" امكانية اصطدامها بـ "بسام" الذي انقذ نفسه متحركاً في جهة أخرى فيما رددت هى بقلقٍ سريعاً قبل ان يتحرك  وهي تتحرك ناحيته بلهفةٍ:



_حاسب يا بسام.



امسك يديها يبعدها وابتعدا الإثنان فيما خرج إنفعاله الطفيف الذي لم يخرج إلا في القليل:



_انت مجنون يا بني آدم انت؟؟ ، مش شايف الطريق اللي المفروض تمشي عليه فين والناس  واقفة فين؟؟



نظرت "جميلة"و"فرح" بقلقٍ فيما نظر السائق من الشرفة تزامناً مع خروج الراكب :



_معلش يا أستاذ ، أُعذرني مخدتش بالي .



تأسف وأنهى ما فعله فيما اتسعت عيني "جميلة"من هوية الراكب الذي خرج ، لقد كانت هى!! ،"مروة" التي كان ذراعها محمول بحامل ذراعي وبالأخرى حملت حقيبة بلاستيكية ، وأتت لجلب ملابس لشقيقها الذي سيخرج بعدما رُفض خروجه أمس!!



_انتِ؟؟؟؟



سألتها "جميلة" ، بينما نظر "بسام" بصمتٍ بعدما تحركت السيارة وحملت هى الكيس  وهى تنظر لهم ببغضٍ وخرجت فظاظتها في الرد :




        
          
                
_آه أنا يا ختي ، في  حاجة؟؟  زعلتكم بشوفتي تاني مثلاً ؟؟ ولا انتوا بقى هتتلككولي!!



هي من تفعل ما تردده الآن وجدت "جميلة" "غسان ونيروز" يأتيا من على بعد في الداخل فيما رد عليها "بسام" في محاولة لإنهاء أي شجار أو عراك تحاول فتحه الأخرى بشر منها :



_لا نتلكك لك  ولا تتلككيلنا ، اتوكلى على الله يلا بعد إذنك!



شهقت "مروة"  بوقاحةٍ ونظرت إليه بإستنكارٍ وبعقلها تريد انتهاز الفرص لخلق اي شئ  بعدما علمت أنه الآخر بعد آخر كلمتان رددهما مع محاولته في النظر بعيداً عنها وعن وجهها وجسدها:



_ بعد إذني؟؟ ، لا دا بعد إذنك انت بقا تخليك في حالك بدل ما ألم عليك الناس دي كلها قدام الحلوين دول واخد حقوقي منكم كلكم فاللي عملتوه  فيا وفي أخويا وأمي ..روحوا ربنا ياخدكم ،،لو كنتوا بتنسوا بسرعة أنا مبنساش، قال بعد إذني قال يا خويا !!



كادت أن تسترسل مجدداً بينما التفتت على صراخ "جميلة" بها :



_هو حد عملك حاجة يا متخلفة انتِ ، ما تحترمي  نفسك وتشوقي يلا انتِ ماشية رايحة فين ، ولا هى تلاكيك وقرف وخلاص؟!



وضعت "مروة" يديها بمنتصف خصرها وهي تصيح عالياً :



_رايحة اجيب لبس لاخويا اللي كنتوا هتموتوه في إيدكم يا فجَرة ، وبعدين انتِ بتتكلمي معايا ليه بفراغة العين دي ، هو انتِ يا بت مش مكسوفة من نفسك وانتِ رايحة تعاشري واحد  أخوه قتل أبوكي ؟؟؟ صدق من قال فاجرة في الدِرا وماية من تحت تبن!!!



واسترسلت تكمل بضغطٍ على الجرح  بعدما ، اتسعت عيني "جميلة" من كلماتها :



_ألا قوليلي كدة يا حبيبتي ، لما يحصل  وتحملي كدة هتقولي لعيالك ايه لما يسألوكي عن جدهم ؟ ، هتقوليلهم مات واللي موته عمكم أخو أبوكم؟ ، دا انتِ واطية وطينة بعد كونك فاجرة وقليلة ، أنا لو منك أهرب من العذاب اللي دماغي هتبقى فيه من التفكير بعد ما الحقيقة بانت!!



لا لن تسقط منها الدموع الآن ، تشنجت تعابيرها مع ضيق "بسام" و"فرح" التي نقطت بنفورٍ :



_هو انتِ ايه ؟ ، انتِ مريضة صح؟ استحالة تكوني طبيعية أبداً ، ربنا يشفيكِ بجد!



نفخت "مروة" في وجهها بجراءةٍ وأشارت بعينيها ناحية "بسام" قائلة:



_خليكي انتِ يا عسل في حالك ، كار العيلة الواطية دي مش كارك ، اخلعي بدل ما تلبسي ، ولا خلاص ما انتِ لبستي في واحد نسخة من ظالم ماشي فارد دراعه على الستات .



ذهلت "فرح" فيما انفجرت "جميلة" مع رد "بسام" وهو يضغط على فكه بنفاذ صبر :



_بقولك ايه؟ الأدب لو مبيجيبش سكة معاكي أنا أوريكي قلة الأدب عادي ، متجيبيش سيرتها ولا سيرتنا أنا وأخويا على لسانك العِكر ده !!!!




        
          
                
نظرت إليه بإستخفافٍ واعتدلت تنظر نحو من جاء خلفه ، خرج صوت "غسان" وهو يأتي من خلفهما  مردداً بتساؤل جاد:



_ هو في ايـه؟



وقبل أن ترد  بشئ خرج وانفجر بركانها ، بركان من كانت تصمت  دوماً للحزن والظلم ، انفجرت من اتصفت بالعقل وأخرجت حزنها وقهرها بمجرد ما استمعت إلى هذه الكلمات ، ربما تعلمت هذه الحركات المعتادة ببنهن من "ياسمين" وشقيقتها الأخرى ،  وظهر بمفاجأةٍ عندما تحركت "جميلة" بسرعة وهي تلتقط حجاب الأخرى بإنفعالٍ وتمسكت بتلابيبها بعنفوانٍ وحركتها صارخة بها أمام صدمة الكل :



_أنــا اللي فاجـــرة يا فاجرة ؟؟ انا اللي ماية من تحت  تبن يا زبالة يا حقيرة ياللي عمرك في حياتك ما عدى عليكي ربع تربيتي اللي تشرف أي حد يا عرة ، قسماً بالله العظيم ما هسكت على أي كلمة تتقال في حقي  منكم  عليا وعلى جوزي واخواتي ، أنا هعلمك ازاي تتكلمي معايا ، وهعلمك تعلمي أخوكي ازاي يفكر مليون مرة قبل ما يرجع وقبل ما كان يفكر يجي  من الأول يا حقيرة !



"اتقي شر الحليم إذا غضب "، جملة وحكمة تردد  ونتائجها تبهر الجميع دائماً ، عاشت تتحمل والآن نفذت طاقة التحمل ولو كان بإمكانها قتلها لقُتلت الآن من عزم قهر الأخرى ،  كل ما هو غير متوقع يحدث الآن والمفاجئ أمام نظرات الجميع هو أنها أخر شخص كان سيخرج هذا منها في يومٍ من الأيام !!!



تتمسك بخصلاتها بقوةٍ حتى تقطعت خصلات الأخرى من الجذور، وقع الكيس منها ووقعت أرضاً بعدما دفعتها "جميلة" بقوة والصدمة شلت حركة "نيروز"و"فرح"  معاً ، فيما كانت تفعل "جميلة" ذلك بقهر ، وبدموع تهبط من مشاهد كثيرة أمام عينيها الآن وقُطع الثبات في  نبرتها عندما صرخت بها وهي تنحني عليها :



_حســبي الله ونعم الوكيــل فيكم وفي كل اللي زيكم !!



تحرك "بسام" على الفور يفصل بينهما فيما وقف "غسان" ينظر بوعي قليلٍ وتشفي بالأخرى التي كانت تصرخ مع صراخ "نيروز" الباكي:



_خلاص ،خلاص عشان خاطري والنبي يا جميلة!!



تحرك "غسان" على الفور ما ان استمع لنبرتها الباكية واجتماع الناس من حولهم!! بما فيهم بواب العمارة وبعض من سكانها ،بينما اقترب يفصل بهدوء عكس الفوضى التي تحدث والتي خرج بها صوت "بسام" بعلوٍ:



_ ما تتحرك يا "غسان"، اتحرك بسرعة نفض الليلة دي!!



أقترب على الفور وبمساعدة الإثنان بعدما أشار لهما "غسان" بعدم التدخل فوقف الناس بعجز والهمسات تعلو ،فيما كبل هو ايدي"جميلة" وسحبها بعيداً من على الأخرى وهى تبكي  ، كانت تحاول التحرك بقوةٍ فيما نبس هو بها عندما أجبرها على السير بفعل يديه التي تمنع حركاتها:




        
          
                
_ابعدي معايا وانتِ ساكتة ولو ليكي حق هيرجعلك!



اقترب بها بمساحة بعيدة فوقفت تضع كلا يديها على وجهها بإستسلام تبكي بين أحضان "نيروز"و"فرح" فيما توجعت الأخرى وهي تحاول النهوض فلم يساعدها أحد منهم بل من ساعدها كان سيدة ومعها ابنتها كي تنهض بسبب فشلها بكسر احدى ذراعيها التي حاولت الاستناد عليه ففشلت !!



نهضت "مروة" تمسح وجهها والتقطت حجابها  من يد الفتاه ، فيما نظرت نحو الحشد ببغضٍ وانهيار داخلي ، كيف؟ كيف يحدث بها هذه القِلة ؟؟، كان متوقع منها أي صورة من صور الغدر عندما صرخت تضع يديها على رأسها في محاولة لانقاذ قلتها بينهم جميعاً فيما اجتمع  أشخاص أكثر واختارت في تهمتها من كسر لها احدى ذراعيها ودمر جسد شقيقها ووجهه في خدوش وجروح وكسور هو وابن عمه وما جعل الأعين تتسع ..



محاولتها في تصنع عدم التوازن واستغلت فتح أزرار قميصها التي كانت ترتديه على بنطال قماشي تمزق بفعل الأسفلت  وركعت أرضاً تضع كلا يديها فوق رأسها بقهر امتزج كله بالخداع وهى تصرّح بكذبٍ و صراخ عالٍ وضعت به تهمتها أمام الوجوه والأعين وهى تسلط عينيها على من يقف بجوار شقيقه أمامها الآن :



_إلحــقونـــي يا نَــاس ، تعالوا الحقوني منه ، عايز يتحرش بيا وسط الناس والشارع ، عايز يقرب مني ولما رفضت جاب النسوان دي تتهجم عليا ،تعالو شوفوني ، شــوفوا هدومي ، شوفوا دراعي اللي كسره وهو كان  بيحاول يعمل ده معايا قبل كدة ، روح يا شيــخ  ربنا ينتقم منك وياخد كل واحد حقير زيك ماشي يرازي في بنات الناس بالغصب!!!!



اتسعت عدستي "نيروز"و"فرح"و"جميلة" وحتى "بسام" الذي اندفع برأسه ينظر نحو وجه شقيقه والهمسات تزداد !! ، فيما لم تتوقف دناءتها إلى هنا بل شقت قميصها أكثر ببكاءٍ زائف وخرجت كلماتها أمام همسات الكل وخروج "حازم"و"ياسمين"و"سمية" التي عادت معهم من السيارة التي وقفت الآن بصدمة :



_عايز تاخد ايه مني يا حقير يا واطي ، عايز تعمل ايه في دنية ربنا والناس حواليك يا شيخ ، كل مرة بعديهالك بس انت مفتري ، عايز تتحرش بيا ولا عايز تغتصبني؟؟ راح فين  الخوف من ربنا ، راح فين يا جبار يا ظالم؟؟



لم تتوقف بل اتسعت أعين أخرى، أعين "حازم"و"ياسمين"و"سمية" والثلاثة يقفون بجوار بعضهم بعدما دخلوا بين هذا الحشد واستمعوا لبقية افتراءاتها الكاذبة :



_ اشهدوا يا خلق ، اشهدوا كل حاجة بتحصل قدامكم ومن وراكم ، كل شوية يحاول يقرب مني زي النجـ ـس من ورا مراته ، بيرجع نص الليل سكران ويخبط على باب شقة خالتي وكل الناس نايمة ، مرة كسرلي دراعي ومرة ضربني حتى بصوا ، بصوا الجرح اللي في وشي ، بصوا اللي جنب بؤي بصوا شعري اللي بيمسكني منه لحد ما وقع في كل مرة ببعده عني ومبرضاش اتكلم 



ثم واصلت ولم تترك. مجال للصدمة :



_لو مش مصدقين ، دا كان مطلق مراته عشان كان ماشي مع أختي عايز يقنعها بالقرف اللي بعمله ، دا شيطان ومش زي ما انتوا فاكرينه ، دا حتى اللي كانت بتضربني دي سمعتها سابقاتها والاسم دكتورة ، واحدة رخـيصه بتتفق معاه عليا يا خلــق!! ، اشهدوا ..




        
          
                
نزلت دموعها بإسترسال ، وصرخ بها "بسام" بقوةٍ جعلت الناس تنتقض بتشتت بسؤالهم من الخطأ ومن الذي على صواب بعد؟:



_اخرســي يا زباله ، اخرسي انتِ بتقولي ايه؟؟؟



تهمتها جعلت الكل لم يبادر بالإقتراب حتى لا يُثبت شئ عليهم ، ومن تقدم بخطواتٍ هادئة ليقف أمامها كان "حازم" التي تعمدت عدم النظر ناحيته وهي تبكي أكثر :



_لا مش هخرس ، خلي كل الناس تعرف الحقيقة ، خلي مراته تعرف تبص في الأرض عشان اختارت بني آدم زي ده ، دا  حتي اليوم اللي حكيت فيه لسامر يا ناس ياللي  شاهدين ، راح ضاربه وعدمه العافية قدام اللي كانوا شاهدين وواقفين آخر مرة 



هناك دلائل زائفة تحاول التمسك بها منتهزة ، أكد البعض من وُجدوا في حين تعالى بكاء "نيروز" وهي تقترب صارخة بها :



_اسكتي يا حقــيرة ، اسكتي خالص ،  جاية ترمي بلاكي علي جوزي يا رخيصة ؟؟ ، متصدوقهاش ،دي كدابة والله العظيم كدابة ، جوزي مش كدة ، غسان معملش كل ده دي منافقة وعايزة تعمل فضيحة عشان تاخد حقها منه ، دي قادرة وكانت عايزة تسقطني ، والله العظيم كانت عايزة تسقطني وقدامكم بطني اهيه ، وجوزي هو اللي لحقني منها فإنكسر دراعها ساعتها  والله العظيم دي كدابة والله كدابة متصدقوهاش!!



الآن وبالمعني الحرفي حدثت "فضيحة" كبرى ، كطامة جمعت كل الناس الآن ، حتى عائلته هبطت وهناك من نظر من الشُرف بسبب الصراخ ، وصراخ "جميلة" الآن الذي لم يتوقف وكأنها انهارت للتو بين ذراعي "ياسمين"و"فرح" ، فيما ركضت "سمية" ناحية "نيروز" التي بكت بصوتٍ عالٍ من هذه الفوضىٰ  والسُمعة التي حدثت  لها ولـ "غسان" ،  والمتضرر دائماً هى في كل مرة بسبب نظرات الناس والسكان لها !!



لم تتوقف إلى هنا وكأن هذا ما ينقصهم، وكأن ما ينقصها هو التبرير للناس الذين لا شأن لهم ، التبرير من ٱجل السمعة والتهم الكاذبة المقهرة لهم جميعاً ، تمسكت بذراع "غسان" تحركه بشدةٍ وصرخت به تكمل :



_مش كدة؟؟؟ ، مش كدة يا غسان ؟؟؟ رد!! اتكلم ودافع عن نفسك وعني ، قولهم انها كدابة وبتتبلى علينا !!!



ابتلع "غسان" ريقه أمام الوجوه خاصةً وجه والده الذي وصل إلى مسامعه  مختصر الحوار بعدما هبط بحسرةٍ من عزم الصراخ الذي ازداد الآن من "جميلة" ، وهناك تجمع يزداد شئ فشئ وهو صامت ،لم يبادر حتى بالدفاع عن نفسه!!, حركته "نيروز" بقوة رغم تمسك "والدتها" بها في حين ركضت "زينات"  وهي تخرج من البوابة مع وقوف "أسماء" بصدمة كبرى !!  .



ازدادت الهمسات وهناك حديث غير مسموع منهم ، والدفاع متوقف ، والبكاء سيد العائلة ، بينما في حركة ملحوظة اندفعت "ياسمين" ناحية "أسماء" وهي تمسك كلا كفيها بقوةٍ  وهي تتقدم بها في منتصف التجمع وصرخت بها قائلة بعلوٍ:




        
          
                
_اتكلمي ، قوليلهم إنك اختها وانها كدابة ، قوليلهم الحقيقة وانطقي عشان يصدقوا ، عرفيهم انها رخيصة ووسـ***, ومتربتش يا أسماء ، اتكلمي ،ردي ارفعي من راس أختي وردي جِمِيل جوزها اللي مش هيتكلم  قوللهم انه وقف ومتدخلش عشان ميتقالش انها صح !!! قوللهم ان اختي متضحكش عليها ،اتكلمي قوليلهم ان جوزها محترم ومتربي وعمر ما تطلع منه العيبة !!!



ما جعلهم يتلهفون للحقيقة هو أن تهمتها ثقيلة وان اجتمعوا مع بعضهم وانسحبوا دون تبرير او وضع نقاط على الأحرف او حتي الأجوبة على التساؤلات فسيخرج حديث وستخرج أقاويل كثيرة وسيزداد عليها ما لم يخرج منهم من الأساس!!.



توقفت "جميلة"عن صراخها وهي تبكي بين ذراعي والدتها التي نجدتها الآن وهي تحاول سحبها فيما تعالت الهمسات ودفعت "ياسمين" "أسماء" كي تصرّح لهم مع بكاء "نيروز" التي نفت برأسها الهمسات فيما حولها 



وما جعلهم يترقبون جميعاً هو انحناء"حازم" ناحية "مروة" التي تمسكت بمقميصها بطريقة تمثيلية وغفل الكل الآن عن  مهاتفة أحد الأشخاص لفض هذا التجمع بطلب رقم قسم الشرطة قبل وقت!  وحجم العقبة يكبر بعدما كان لا شئ!!



شهق الكل ما ان وجدوا "حازم" يضربها على صفحة وجهها مرتان خلف بعضهما ثم تمسك بكفها يحاول سحبها بقوةٍ خلفه كي يصعد بها ، فيما تعالت الكلمات والحديث ببغض عن الذي فعله وصوت صراخها به يعلو الآن:



_ابعد عني ، سيبني ، بتضربني؟؟ بتضربني عشان غلبانة ومليش حد يدافع عني ؟؟ سيبنــي بقولك !!!



حاول "حازم" سحبها عنوة وخرج انفعاله عليها وهو يصرخ بها :



_قومي يا زبالة ، قسماً بالله العظيم لأربيكي من جديد مادام مش لاقية حد يربيكي .



_انت مالك بيا ؟؟ مالك؟ ابعدوه عني ، ابعدوه دا عايز يموتني بالحياه ،عايز يخرسني وأنا بقولكم الحقيقة ،  انا متبرية منه،سيبني انت ملكش الحق تمد ايدك عليا ، ابعد عني يا حيوان!



تم منعه عنوة بواسطة رجال فيما صاح آخرين بإخبار البقية بصلة القرب بينه وبينها  ، بينما اقتربت "أسماء" ببكاءٍ ناحيتها وهي تمد كفها لها :



_قومي يا "مروة" ، قومي معايا ربنا يهديكي ويبعدنا عن شرك ده ،قومي وبطلي افترا وظلم حرام عليكي!!!



هل رددت للتو الحقيقة بين التفاصيل التي خرجت بين الأحرف؟ ، طالعها الجميع بصدمةٍ من مَن كان لا يفقه شئ ، شقيقة ؟ هذا يعني ان صدقت ستقف معها شقيقتها ، فإستغلت الأخرى الوضع ودفعت يديها بقسوةٍ وهي تحاول النهوض صارخة بها :



_امشي ابعدي عني ، ابعدي ، اللي قدامكم  دي واحدة ناقصة شبههم بالظبط ومطبخة كل حاجة معاهم ، دي كدابـ…



وضعت "أسماء"كفها على وجهها بوجعٍ من هذه الإهانة التي كانت ستكمل بها واذ بها تتفاجئ بركض من خلفها ، ركض "ياسمين" وهي تحمل قالب من الحجر ، وفي نية للفتك بها  في الحال !.




        
          
                
_ هموتك، هقتلك يا بنت الكلاب يا تربية الشوارع يا نصابة يا قليلة الدين!



صرخت بها "ياسمين" بحرقةٍ ومنعتها بسرعة "ٱسماء"و"حازم" الذي صرخ بها في حين تقدم "غسان" الذي كان يتحسب لكل نقطة وهذا الصبر الذي صبره ليس من فراغ!!



_قدام كل الناس دي ، أنا بقولك  مش عايزك تزعلي من اللي هيحصلك!!



هتف بها "غسان" بتحذير جعلها تبصق عليه ، فتقدم رغم صراخ والدته وشقيقته ، وبكاء "نيروز" وهي تحرك رأسها وجسدها بقوةٍ  محاولة التملص من بين يدي "سمية"و"حامد"، فيما حاول في هذه اللحظة التبرير ، حاول فعل أي شئ أمام النظرات واذ بسيارة الشرطة تعلو بصوتها من على بُعدٍ جعلت الأعين تتسع وبنفس ذات الوقت خرج إنهيار "نيروز"!! بالصراخ الذي كان أعلى شئ في المكان بأكمله ..



وقعت بين يدي "والدتها" وهي تستمر في صراخها فيما انتفض هو وهو ينظر بضياعٍ والسيارة يهبط منها ضابط وعساكر تحاول الإمساك  بكل من يكن بهذه الواقعة التي هرب منها كل هذا الحشد خوفاً من أذى قانوني من هذه الحكومة التي أنت فجأةً عليهم في هذا الشارع الملئ بالمارة والأشخاص والسكان الموجودين في المبني ،  شرطة ؟ هل هذا صحيح ؟  جاءت الشرطة..والتي اقتربت تتتمسك بـ "مروة" الواقعة أرضاً وبـ "بسام" فيما خرج صراخ "غسان" وهو يحاول التحرك ناحيتها :



_نيــروز!!!



وقبل أن يركض ناحيتها هى والخطر الذي يداهمها الآن كما يداهم صغاره مُنع ووجد نفسه يُمسك منهم وهي الأن  تنتفض بقوةٍ وتحرك رأسها بعنفوانٍ  لرفض كل هذا عله حلم عله كابوس مقابل عدم حدوث هذا مقابل عدم امساك الشرطة به وعدم إلقاء هذه التهم عليه وهو هكذا مسكين حتى في دفاعه عن نفسه ضاعت منه الفُرص !! كما ضاعت الآن فرصته وهو يحاول اللحاق بها بخوفٍ فتمسكوا به يكتفونه هو وحركاته التي تعاند حركاتهم فحاول التملص منهم وهو يصرخ بعلو أكثر وخرجت بحته وكأن الوضع علم بأنه مظلوم بعد كونه مسكين لحدوث أمرين كهذين في وقتٍ واحد والضياع رفيقه ! :



_  لا يـــا "نيـــروز"لا ، ابوس إيدك لا !!!



ينفي ، ينفي وقوعها ينفي بوادر الإغماء بعد هذا الإنهيار العصبي المفاجئ ، فكيف كان حالهما من قبل وقت قصير؟ تبدل الحال والقهر أصبح عنوان قاموسه بعدما كان عنوانه قبل قليل الإحتواء منها هى في محاولةٍ للكشف عن أوجاعه التي هى سببها هي وتعبها الذي يواجهها الآن وتغلب عليها ! ، بينما الآن ضاع كل شئ وهو يبتلع غصته المريرة بهلعٍ ورهبةٍ وكلما يحاول التملص بالممسسكين به يزداد عدد أكثر من عسكرى للتحكم في حركته كي يضعونه عنوةٍ في سيارة الشرطة بجوار شقيقه الذي يحاول الخروج لإنقاذها من بين هذا الحشد وانقاذ هلع شقيقه عليها وخوفه :



_سـيبـــني !!.. سيبــــني ..بـــقولك ، ابــعــد عني!!!



إغماء سريع الآن يوحي بخطر الإنهيار هذه المرة عليها وعلى صغارها وعليه  هو هذه المرة عندما أُجبر على عدم الاقتراب بإمساكه هكذا ، وكأنه يعاني من جاثومٍ للتو ، جاثومٌ طالت سيطرته على  التحكم بجسده هكذا وعقله الآن يعي ولا يعي  بينما ترك له قلبه يخفق خوفاً عليها ، يخفق قهراً على عجزه ، يعلو في دقاتهِ حسرةً على ما يحدث دون إرادة منه ومنها  !!




        
          
                
محاولة في التملص هنا وهروب هناك وعلى أقرب ترجي ودموع وهناك رهبة وخوف وهناك أم تجلس على الأرض بحسرةٍ على آخر أُخذ ظلماً وآخرين في صدمةٍ جعلتهم لم يتحركوا بعد ، وآخر يسرد الكتاب له بعدم الأخذ به لأنه المحرر الوحيد لعقدة هذه العقبة ،والمنقذ لفك الأسر قبل ٱن يحدث والشاهد الذي يعد من أهلها وأهلهما !!



حاول "غسان" التملص بينهم فيما قد أُغشي عليها ما ان وعت لتمسك الشرطة به ، فغابت عن الوعي مع البكاء  ودفعهم عنه في محاولة للتحرك ناحيتها ..



_نيروز ، فوقي يا نيروز أبوس ايدك ، فوقي والنبي ، والنبي متعملي فيا كدة دلوقتي!!!



ترجاها وهو يتحسس جبينها ويضرب وجنتيها بخفةٍ فيما دخل "بسام" بالإجبار في هذا البوكس ، مع "مروة"و"أسماء" بينما تعالى بكاء "دلال" وهي تجلس أرضاً :



_ابني، ابني معملش حاجة والله العظيم ما عمل حاجة ، سيبوه ، سيبوا ابني حرام عليكم !



لم يتوقف قهرالأم إلى هنا ، هنا أم ثانية ، هنا بكاء وصراخ وهي تحرك ابنتها بحسرةٍ قائلة من بين الدموع:



_نيروز ، ردي على أمك يا نيروز ، قومي ، قوموها ، قوموها بسرعة بنتي هتروح مني !!



فقدانها للوعي سبب كارثة أخرى بداخله عندما تمسكت به الشرطة في  إصرار لأخذه عنوةٍ وهو يحاول النفي ،  إلى أن صرخ به أحدهم :



_انت هتتحرك معانا من غير شوشرة ولا  ننادي العافية؟ ، اخلص يلا معانا بهدوء!!!



ضاع كل شئ منه في لحظة كهذه ، مُمسك منهم بقوةٍ وربما كان البلاغ بمواصفات ليأخذوا أشخاص معينة دون الآخرين منهم! ، ربما أخذوا من كانوا في بداية هذا الشجار ، هو وشقيقه وهىٰ!!  ، وكل  غريب من أمامهم يأخذونه ، نظر "غسان" بضياع وهو يرى الآن والده يحاول افاقة"نيروز" ووالدته تبكي وهي تجلس أرضاً عاجزة عن التدخل فيما بكت "فرح" وهي ترى "بسام" يُأخذ قبل دقائق.. فيما حالفهم القدر وهم يتركون "حازم". الذي ركض بخوف ناحية "نيروز"و"جميلة" و"ياسمين" التي بكت وهي تتمسك بملابس شقيقتها..



فلم يشعر بذاته المسكينة  الا عندما أُجبر على الركوب وعينيه اللامعة  تظهر لمعتهما ما ان هتف بعلوٍ وخوف محركاً رأسه بنفس الضياع وهو يردد بخوف ناظراً لولده في وَسط هذه الفوضىٰ:



_نيروز ! نيروز يا بابا!!



منع من إكمال المزيد عندما وجد نفسه يعجز عن ترديد الكلمات ، ووجعه يزداد ما ان  وجد نفسه يرى زوجته أرضاً وهم من حولها وهو ؟ هو الآن مُجبر وعقله ضائع!! ، وكأن "والده" فهم مخزى كلماته فنظر له بتعبٍ وردد وهو يرى "حازم" يحاول حملها :



_متخافش ، متخافش يا حبيبي!



وكيف لا يهاب ، آخر ما سمعه وبعد ذلك انطلقت السيارة بسرعة على الرغم من ان محاولاته لا تقف إلا أن شقيقه يحاول ان يطمئنه ، وعقله وكأنه اختل للتو وهو يهتف بإسمها بضياعٍ ، فيما حُملت "نيروز" من "حازم"  ناحية الدخل و"ياسمين" تحاول اسناد "والدتها" كما "حامد" الذي أسند ابنته الباكية و"زوجته" التي تردد بلهفةٍ وخوف:




        
          
                
_ولادي ! ،ولادي يا حامد ، ولادي معملوش حاجة .. والله العظيم دول غلابة ..هاتلي ولادي يا حامد رجعهوملي!!



تمسك بكفها بلهفةٍ وهو يردد لها كي تثبت رغم وجع حسرته:



_ متخافيش والله ما تخافي يا دلال, هرجعهملك والله هرجعهم وهروحلهم ، قومي بس ، قومي  متخافيش..



اسندها هو وابنته التي تشهق بصوتٍ عالٍ ، فسارت معهم بنصف عقل ، عقل قد ضاع منها مثلما ضاع عقل ولدها قبل قليل ، والجميع انسحب بخوفٍ والمكان به آثار الفوضى التي حدثت قبل قليل!!



مسكين ، ضاعت الحلول من بين يديه في أسرع وقت ، دمعته صارع على ان لا تسقط فلم تسقط و كفيه بين كفي شقيقه الآن وهو ينظر بالفراع مردداً بهمس له من بين شفتيه في خوفه عليها!!



ما جعل الأمر متدبراً انهم ليس معهم "حازم" المُحامي!! ، بينهم أشخاص أخرى أُخذوا ظلم  مثلما أخذوا هم ، وحالفهما القدر بعدوم وجود أشخاص أخرى من العائلة !! 



سيارة تسير بسرعة فائقة وهو بها جالس بضياع فائق ، كمثل ضياع الكل من  حولها الآن !! ، ضياع وهم يحاولون افاقتها والكل ملتف حولها ، هبطتت دموع "سمية" وهي بين ذراعي"ياسمين" فيما حاولت "فرح" فعل أي شىء أمام هذا الخوف ، وما جعلهم يهابون الآتي هو استقامتها وهي تردد بنبرةٍ باكية تخبرهم بها كونها الطبيبة التي تعي الحالة عكس "جميلة" التي كانت منهارة بوجع ما حدث ووجعها على رفيقة الدرب:



_لازم تروح مستشفى  بسرعة ، مينفعش نسكت شوية كمان عشان حملها ميبقاش في خطر ، حـالتـ..



توقفت عندما فزعت "جميلة" وهي ترى الدماء أسفل نومة "نيروز" :



_دم!!! ، نيروز بتنزف!!!



انتفضت "سمية" و"حنان" وحتى "زينات" بينما ، انحنى "حازم" بخوفٍ شديد ، جعله ينتفض ما ان صرخت به "ياسمين" بسرعةٍ :



_شيــلها ، شيلها يا حازم بســـرعة أرجوك ، انت مستني ايـــه؟؟ اختي!! اختي بتروح هى واللي في بطنها!!



فرد "حازم" ذراعه أسفلها  فيما هربت من "والدتها" الأعصاب فإنهارت أرضاً ببكاءٍ عالٍ وهي تتمسك برأسها بقهرٍ و"عايدة" تحاول الاسناد بها ،فيما هرول "حازم" بها ناحية الأسفل صارخاً بـ "ياسمين":



_اسبقي افتحي العربية بسرعة يا ياسمين!! ..بسرعة!!



هنا حيث التشتت والضياع الذي لم يذهب من قاموسهم ، ضياع وهم منشغلين بها بقهرٍ وبالشقة الأخرى بكاءها على أولادها وهي ترى زوجها يرتدى ملابسه كي يذهب سريعاً ناحية القسم غافلاً عن الخطر الذي داهم زوجة ولده ، صدمة ما حدث جعلته يتشتت وضاع عن أشياء صادمة ، صدمة أولاده فاقتها بالفطرة دون ان ينتبه ، عقله متشتت والخوف رفيقه كما رفيق الآخرين ، وكل منهم يتوجع من أجل فلذة كبده! 



هم هنا وهناك وفي كل مكان ، كل منهم بوجع مختلف ، ذهابها في طريق المستشفى وحالتها التي تعد خطرة ، ووجوده في قسم الشرطة هو وشقيقه بقسوةٍ عليه وعلى قلبه المسكين الذي أُجبر في الجفاء والبعد في أصعب اللحظات الذي يخاف منها ، فسردت القصة كلمات والأحرف تعرف طريقها لدى شخص ضاع ما بين الذهاب للقبض عليه عنوة وبالغصب وعلى الناحية الأخرى مُنع من الإقتراب لينتشلها من ضياع ووجع على الأغلب هو المنقذ الوحيد له ، المنقذ الوحيد لهذا الإنهيار العصبي المفاجئ، ثم تأتي الحروف وهي تتساءل بإنسجامٍ وترتيب في معاني اللغة ، وكتبت معنى الوجع ..في سؤالٍ واحد ، ماذا ان علم الآن بأنها  مثله في خطر هى وصغاره؟! ، ثم آخر سطر في هذه الصفحة ، سطر الأجوبة عليه  كُتبت في صفحة أخرى ، سطر يحتوي على ثلاثة كلمات ، أول كلمة بأربعة أشخاص هو وهى وصغاره ، آخر سطر دُون به .." الأربعةُ في خطرٍ" وليس الأخير في الكتاب!!

وضعه خوفه أمام اللحظات الذي لا يريدها دائماً ، لحظات الإنتظار المبهم! ، المجهول والقاسي، لأول مرة ترتجف يديه بكثرةٍ ظهرت عندما وقف مستنداً برأسه على الحائط بين هذه الفوضى التي تحدث وبجانبه شقيقه واضعاً ذراعه على كتفه وهو يستند عليه ، لحظات من  الخوف والتوتر والإرتباك ،  لم يعد لديه طاقة للتحمل ، جلس على ساقية بتعبٍ وهو يحركهما بقوةٍ واخترق سمعه قول "بسام" الذي غمره الحنو وقتها :



_متخافش يا "غسان" ، متخافش عليها والله  هنخرج وهتلاقيها بخير.



وحده في ساحة المعركة وتركها بالإجبار وعجز عن انقاذها ، ماذا بعد ؟ بماذا سيشعر؟ لم يسعفه لسانه للرد بل أدمعت عينيه وهو يخرج أنفاسه مغمضاً عينيه بإنهاكٍ هامساً بحديث غير مفهوم إلي حين خرجت الكلمات منه وهو يفتح عينيه بخوفٍ ناظراً نحو شقيقه :



_"نيروز"تعبانة ، نيروز لسه متعالجتش يا "بسام "، لسه في خطر عليها وعلى عيالنا.



يُقال أن الرجل دوماً يتماسك ، كان دوماً عدا في هذه اللحظات ، عندما تمسك بذراع شقيقه متقطعاً في نبرته وهو يصارحه :



_أنا..أنا خايف يا "بسام" ، خايف عليها أوي!.



لمعت عينيه وضاعت أعصابه وثباته ، عندما افتقد التوصل إليها كي يعلم ، إهتزت أنفاسه وهو يدعو في سرهِ بلهفةٍ وخوف ، لم يكن بيديه فعل شىء مثل شقيقه الذي تابعه بعينيه بقلقٍ من هذه الحالة التي ترافق توأمه ، ضاعت أنفاسه وهو يرسم الكثير من السيناريوهات المحتمل حدوثها فيما ضغط على كفه بثقلٍ بين هذه الفوضىٰ !



فوضىٰ وأصوات كثيرة تتداخل وأشخاص كُثر وهو يستند على الجدار وأمامه بضع عساكر كي لا يتحركوا إلا عندما يدخلوا  مكتب الضابط ، وعلى بُعد تجلس وهي تتمسك بقميصها تراقب الجميع بارتباكِ وجوارها شقيقتها تبكي بصمتٍ، فيما كانت "مروة" تراقب تعابير "غسان" وتفكر كثيراً في موضعها الآن!



لم يعي هو لأي شىء ، حتى الناس من حوله ، بل رفع رأسه لأعلى مخرجاً أنفاسه بصوتٍ عال وقطع نظراته العشوائية جلوسهما ، فتشنجت تعابيرة تلقائياً ، وكاد أن ينهض ليشفي غليله من ما يشعر به الآن من ضياع عليها وإليها ،. ولكنه وجد "بسام" يتمسك بذراعه ناصحاً إياه بتعقلٍ:

_"غسان"، اهدى عشان خاطري ، انت كنت كويس لحد الآخر وده هينفعنا جوه لو معانا شهود ، بلاش تختمها بسوء وبالذات هنا في القسم!



ضغط "غسان" على فكه بصعوبةٍ وخرج الحديث بحدةٍ ناحيته:



_مش هحلها يا "بسام " ، قسمًا بربي ما هحلها أبداً ، مش سايب حقي منها ، وحق عجزي اللي أنا فيه دلوقتي!!!



خرج حديثه المتوعد وهو يلقي عليها نظرة جعلتها تهتز ، ربما نظرة الاشمئزاز من رجل ، نظرة مختلفة تعهدها ولكن من رجل بمثل هذا الوضع جعل الخوف من الآتي يظهر ، نفخت في صوتٍ عندما حثها عسكري بفظاظةٍ على عدم الجلوس ، فنهضت تبحث عن مساحة فارغة ، وكانت من قبلها تسير "أسماء", بتيهةٍ للبحث عن مكان تقف به ووقفت بالنهاية جوار جلوس "غسان" على ساقية دون أن يلامس الأرض! 



أخفت "مروة" ما يحتلها وسارت مُجبرة تقف بجانب شقيقتها وكل ذلك يتابعه "بسام" بتحملٍ وهو يتمسك بذراع شقيقه الذي نفضه ووقف للتو مقترباً منها متخطياً شقيقتها التي برقت عدستيها في خوفٍ من هذا الإندفاع !!



وقف "بسام" بسرعةٍ يحاول تهدئته في حين كان قد وقف "غسان" مقترباً حتى مال يهمس بصوتٍ تهديدي مع حبس أنفاسها بتوترٍ من قربه هذا ونظراته المتوعدة تجاهها:



_وحياة اللي خلق الخلق ما هسيبك!



اهتزت عيني "مروة" وتصنعت غير ذلك عندما خرجت نبرتها المبحوحة من أثر الصراخ الزائف قبل وقت :



_خد بالك اننا في القسم ، لو عملتلك فضيحة هنا هتفضل ومش هتخرج ..انت مش قدي لا انت ولا عيلتك كلها!



ثم أكملت بوقاحةٍ جعلته غير مندهشاً قبال دهشة شقيقه وشقيقتها:



_وبعدين انت مقرب كدة ليه؟ حابب تثبت اللي قولته عليك هنا ولا ايه؟.



ومن غيرها يحظى بدرجات الوقاحة العالية ، الذي فاقها ما ان ابتسم يردد:



_نثبتلك وماله ، طالما انتِ عايزة كدة!



أشار بكفها في جراءة ومدت ذراعه تدفع مقدمة صدره كي يرجع إلى الخلف مع قوله الجرئ:



_انت آخر واحدة ممكن أبصله بصة الإعجاب!



_وانتِ واحدة ميتبصلكيش أصلاً!



ردد "غسان" جملته بإستفزازٍ بعدما استفزته ومن غيرها بارع في هذا الاستفزاز ، علم مبتغاها الآن وما تريد التوصل إليه هنا كي تضعه بين المخالب وتهرب عندما تُثبت بالدليل  عندما يثور وتُثار أعصابه بالانفعال الذي يجعله يرفع يديه عليها ، أرادت هذا وفي هذا المكان! ، ابتسم بزاوية فمه والتقط ما تريد فعله ، ثم مال عليها مردداً بنفس النبرة التي امتزجت بوقاحة زادت عن وقاحتها أكثر، هنا حيث وقاحة رجل! حيث التوعد والتلميح المبطن مع التحذير ، ابتلعت ريقها ما  أن تابع وهو يعتدل أمام غير الاكتراث الزائف:




        
          
                
_وهنشوف مين اللي مش هيطلع بالظبط ، بس قبل ده كنت عايز أقولك حاجة مهمة أوي هتفرق معاكي في اكتشاف حاجة في شخصيتك مكنتيش واخدة بالك منها .



قوست "مروة"حاجبيها وابتلعت "أسماء" ريقها بتوترٍ قبال أذن "بسام" التي استمعت للتو لسبة شقيقه النابية لها ما ان  ردد بأبشع لفظ يمكن أن يقال في حق امرأة ! أو "فتاة" ، فحينها فُتحت عدستيّ شقيقه  واندفع يمسك ذراعه ليرجع إلى الخلف مع رفع كف "أسماء" على فمها من صدمة ما التقطته أذنيها صراحةً منه أمامهم :



_انتِ واحدة **** ؛ و******



أفظع ما في قاموس السباب ردده للتو ، فيما وضعت "أسماء" يديها على فمها بذهولٍ بعدما جحظت عيني "مروة" حتى احمر وجهها من صدمة ما نطق به عليها وعلى شخصها وسمعتها!!



أمسك "بسام" كفه يسحبه على بعد خطوات ، فيما ضاعت الصدمة من "أسماء" عندما رددت في اختناقٍ لها :



_حرام عليكي بقا يا شيخة ، حرام عليكي ، انتِ السبب في كل اللي احنا فيه ده ، مبسوطة كدة ؟؟..ربنا يهديكي وينجينا من شرك!.



حركت "مروة" شفتيها في تبرم ووكزت ذراع "أسماء" بقوةٍ:



_حُرمت عليكي عيشتك انتِ  لوحدك ،. واحدة باعت أهلها وناسها اللي مكنش ليها غيرهم ، استنى من واحدة زيك ايه بعد كدة؟



فبانت نظراتها التهديدية أكثر ما ان مالت تحذرها بحدةٍ :



_أقسم بالله يا "أسماء"لو نطقتي كلمة واحدة مش في صالحي جوه لأفضحك وسط العمارة هناك والناس واسيطك بسمعتك اللي هتسبقك لما يعرفوا انك غلطتي مع ابن الدور التالت  والصايع بتاع العيلة، عشان كل ما يشوفوكي يبصولك بصة القِلة طالما ناوية تقعدي معاهم وشرياهم ، فاهمة ولا مش فاهمة؟ لو كلمة واحدة خرجت عليا جوة بشهادة ضدي هتتوجعي جامد ، وانتِ عارفة أختك بياعة وميفرقش معاها حد إزاي!!



هابت وخافت واهتزت عدستيها اللامعة أمام التهديد ، رأت الأخرى رجفة يديها فعلمت أنها أرسلت لها التهديد صراحةً وصحيح ، فإعتدلت تستند برأسها على الحائط مع ظهرها ودخلت في حرب نظرات الآن مع "غسان" فيما نطقت "أسماء" بنبرة باكية منخفضة :



_هو انتِ ايه يا مروة ، انتِ مبيصعبش عليكي حد ؟، مش عارفة انك المفروض تكوني سند وتداري اللي أنا غلطت فيه.؟ ليه بتعملي كل ده؟ انتِ خسرانة واللهِ خسرانة ولو فاكرة انك هتاخدي نقطة في كل ده قصاده تبقي غلطانة!!



حركت 'مروة' رأسها بإستخفافٍ وردت ببرودٍ دون النظر إليها:



_ايه؟ فكراني هكش وأخاف زيك وأنخ قصاده؟..لا مش أنا يا حبيبتي أنا معايا شهود من العمارة والشارع شاهد كل حاجة وانتٓ كمان هتشهدي معايا وإلا هأذيكِ ومش هسمي عليكي وانتِ حرة!




        
          
                
نزلت دموعها بكثرةٍ ورفعت أكمامها تمسح وجهها وهي تنظر ناحية "غسان" في أسفٍ تجاهله هو على الفور وأخفى رجفة يديه من رهبته الداخلية وضاعت الكلمات على بعضها البعض ما ان دخل الضابط من الطرقة بعجالةٍ وهو يخلع نظارته السوادء  مردداً بصوتٍ عالٍ :



_هو ايـــه ده!!! ، انت يا بني؟؟ موقف كل دول هنا ليه ، وايه الدوشة دي كلها ، خدهم كلهم على الحجز ، يـــلا!!



رفع يديه للتحية العسكرية مردداّ بالإهتمام المطلوب:



_أوامرك يا باشا ، يلا يالا قدامي انت وهو ، يلا يا بت انتِ وهىٰ!



حجزين أحدهما للرجال والآخر للنساء ، مع المعاملة التي تحدث بتقليل منهم الآن ، هم ليسوا من هذه الفئة ، لم يكن يليق بهم في يوم من الأيام في الدخول إلى هنا ، حيث قسم الشرطة ظالم مع مظلوم وبعد قليلٍ مُتهمون!!



_________________



هل هذه خفقات قلوب عالية ؟ رجفة أيد؟ ، وأفكار من الخوف تصعد للرؤوس وهم هنا أمام غرفة طوارئ وُضعت بها "نيروز" في المستشفىٰ ، لم تتوقف "سُمية" عن البكاء والشهقات التي احتوتها ذراع "ياسمين" بقوةٍ وهي تشدد من ضمها ، في حين البعض يقف في صدمة وفرك أيدي غلبت السكون وحل محله الإرتباك!



لم تكن هنا "وسام" وظلت "فرح" برفقتها بخوفٍ وبكاء لم يتوقف على هذه العقبات وخوفها على "بسام" يحرك من ثباتها الزائف بدونه ..



هنا تجلس"سُمية" مع "دلال" و"حامد" الذي هرولا معهما ما ان استمعا للصراخ الأخير وهم أمام الشقق يهرولون خلف "حازم" الذي حملها ، ترك أولاده وركز نحو الخطر بذاته ..



أمسك موضع قلبه مع استماعه لصوت بكاء "دلال" التي رفعت رأسها تردد بتنهيدةٍ عالية :



_يارب ..يارب متخسرناش ، متوجعناش يارب! 



وخرج ضعفها وهي تذكر أولادها و"نيروز" وصغارها:



_إحميهم يارب!



وقفت"جميلة" بجانب تنتظر بلهفةٍ أي خبر يعلمهم بحالة الأخرى، فيما تعالت شهقات "سُمية" وهي بين ذراعي ابنتها ونطقت بتقطعٍ:



_أختك يا ياسمين ، اختك هتروح مني،أنا كنت حاسة والله كنت حاسة ان هيحصلها حاجة ، يارب مش مهم أي حاجة المهم هي يارب ، هي..متخسرنيش فيها !!



كل أم لا تريد الخسارة ، لا تعد لهم أي خسارة إلا خسارة فلذات أكبادهن ومن أنجبت أرحماهن! ، وضعت كفيها على وجهها تستمع لنبرة "ياسمين" المختنقة بقوةٍ ولهفة:



_ هتبقى كويسة والله العظيم.. نيروز هتبقى كويسة متخافيش .. يا ماما ، متعمليش في نفسك كده عشان صحتك ، أرجوكي!



تلمست موضع قلب والدتها في خوفٍ شديد جعل الأخرى تتمسك بكفها بحسرةٍ قبال بكاء "دلال" ووقوف"حامد" الذي يهاب أجواء المستشفى ، أجبر حاله على الوقوف بخوف عليها وهي بالداخل وجواره "حازم"  بملامحه الشاردة بأكثر من شىء!!.




        
          
                
كلما تتذكر بقع الدماء من أسفلها يرتجف جسدها وكأنها هابت الشىء ذاته ، نزلت دموعها بإستسلامٍ وهي تنكمش على ذاتها المسكينة وخرج قولها المبحوح ناحيته وهي تسأله وكأنها تحاول التعلق بأمل خروج رفيقة دربها بأفضل حال دون خسارة:



_حازم! ، "نيروز" هتبقى كويسة مش كدة ؟ مش هيحصلها حاجة صح ؟



سألته على الرغم من ان لديها خبرة إلا أن كل شئ ضاع مقابل هذا الخوف الذي احتواه سريعاً وهو يرفع ذراعه مقرباً منها من ظهرها حتى مرر ذراعه عليها بإحتواء  وهو صامت لم يقطع هذا الصمت القاسي علي قلبها وقلوبهم جميعاً الا بـ ركض "بدر" أولاً من نهاية الطرقة ومن عزم خوفه تركها خلفه تهرول في فزعٍ ما ان علمت ما حدث من "زينات" التي حدثت "فريدة" وأخبرتها بعدم القدوم وأقسمت حتى تضمن صلاح حالها ونفسيتها!



ركض ولم يركض وحده بل بجواره "آدم" بملامحه المنصدمة والذي وصل أولاً  عندما قابله "حامد" بعينيه اللامعة من التعب ووجد "بدر"وهو يتساءلان بنفس الصوت الذي امتزج به الخوف:



_ايه اللي حصل؟؟ ، ايه اللي حصل يا عمي!!



أمسكه "آدم" من كفه على الفور وهو يحاول إسناده  كي يجلس فيما تابع "بدر" الوضع منتظراً تفسير أكثر رغم انهم يعلمون في حين ارتمت "سُمية" تبكي في أحضان بكريتها "وردة" التي ابتلعت غصتها بخوفٍ مع عينيها الحمراء التي لم تتوقف بهما عن البكاء منذ ان عملت :



_هي فين يا ماما ، نيروز فين ؟ بقت كويسة ولا لأ ، ردي عليا ، طمنيني عشان خاطري.



لم تجد الرد فخرجت تنظر برهبةٍ وهي تردد بنفس النبرة الباكية:



_حد يرد عليا ، اختي بقت كويسة صح؟ محصلهاش حاجة هي وعيالها مش كدة؟؟



دائماً ما يُعرف عن الأخت الكُبرى بأنها أم ثانية، فماذا الآن وابنتها الصغرى بين تفاصيل الخطر والوجع! ،. فماذا بعلاقة الأكبر والأصغر وما بينهما تحاول بكل الطرق الممكنة التماسك لأجلهن كما تفعل دائما ، أسرعت "ياسمين"وبادرت في اخذها بعناقٍ لتطمئن خوفها ورهبتها هي الأخرى من هذه الأجواء



فيما وقف "بدر" يحاول التصرف للتدخل في حل الأمرين بسرعةٍ قبل حدوث شئ :



_احنا لازم نروح وناخد "حازم" معانا ، مينفعش يتسكت عن كدة ، دي ممكن تعمله محضر وتكبر الدنيا!!



كان وقوفهم بعيداً بقليل عن النساء ، فكان يقف وأمامه "آدم" و"حازم" ومعم "حامد" يجلس واضعاً كفه على مقدمة صدره في محاولة لأخذ أنفاسه ، أسرع "آدم" ملتقطاً كوب المياة وقدمه إليه برفقٍ وهو يربت على كتفه جالساً جواره حتى انتهى "حامد" مع تساؤلات "بدر"و"حازم"له بخوفٍ وقلق:



_انت كويس؟



تابعهم بتعبٍ يومأ برأسه وأخذ أنفاسه بصعوبة كي يخرج بالحديث الذي خرج أخيراً وهو يرفع يديه للإشارة ناحية  الغرفة التي توجد بها "نيروز" مما سهل عليهم الوضع ولكنه تحدث مفسراً بنبرة كادت أن تُسمع :




        
          
                
_نيروز..مش همشي غير لما أطمن عليها ، بنتي في مستشفى..



سعل من الإختناق ولمعت عينيه يردد بعجزٍ أمام تهوية "آدم" له أمام وجهه بقلقٍ :



_ولادي في قسم وواقفين على رجلهم ، ولادي رجالة ليهم حق يا بدر، واللي ليه حق ميخاقش .



ثم تابع بتقطعٍ لم يظهر بشدةٍ ولكنه يخرج بالفعل بتقطع أثر ضيق أنفاسه من الخوف و،بهذه اللحظة كان أب للجميع خاصةّ هىٰ ، خاصةً لمن فقدت والدها وسُميت في هذا الموقف بالـ "يتيمة" :



_لكن هى! ..هى جوا لوحدها ربنا اللي عالم بيها ، فأنا مش متحرك من هنا غير لما أطمن على بنتي !



تأثرت "سمية"و"وردة" من كلماته فيما أكمل وهو يتمسك بكوب المياه مردداً بنبرةٍ حملت بين طياتها الكثير من المشاعر الخائفة:



_هروح أقول لإبني ايه؟ ، هقوله ايه لما يسألني عن مراته،هقوله سيبتها وجيت من غير ما أعرف حصلها إيه؟!



ندبت "دلال" آنذاك وهي تضع يديها على صدرها بتعبٍ قائلة:



_يا مصيبتي ، دا يروح فيها هناك ، ابني مش حمل الصدمات دي كلها ، استنى يا حامد بالله عليك ما تروح تقوله كده في وشه ، انت مشوفتوش؟؟ مشوفتوش كان ماشي  وواخدينه بالقوة وكان عامل ازاي ؟؟



لم تتوقف فحسب بل أكملت بالعكس في لهفةٍ لرؤيتهم بكل سرعة ، فالآن موضع فؤادها يغلي لأجلهما !! 



نظروا لبعضهم في حيرة من ضيق الأمر فيما حاول "بدر" الوزن بين الأمرين رغم خوفه الشديد على من تعتبر شقيقة صغرى له:



_طب خليك مرتاح يعمي ، خليك معاهم وخلي معاك آدم ،وأنا و"حازم" هنمشي نروحلهم عشان ميباتوش في الحجز الليلة دي ، لازم نلحقهم !



تركته أعصابه وضاع منه الثبات الذي استمر في البحث عنه الآن لينطق بشىء ولكنه لم يفعلها ولم يتحدث بل وجد نظرات الرجاء في عينين زوجته ، وبخفةٍ أغمض عينيه بتعبٍ وعلم أن عدم الرد جعل "بدر" يسحب "حازم" بعيداً للإتفاق ، واستمر "آدم" برفع كفه مشيراً عكس الاتجاه أمام وجه "حامد" كي يستطع أخذ أنفاسه المتقطعة!



_حد يستعجلهم ، حد يدخل يشوف بنتي ، انا عايزة اطمن على بنتي يا "يا سمين"!!



بين الأحرف نطقت هى اسم ابنتها الوسطى ، لم تردد من فراغ اسمها بل رددته كونها ترى الثبات التي ترسمه ببراعةٍ، كونها تعلم أنها القادرة على فعل أي شيء ولكن الآن؟ الآن ليس بيد أي شخص من الجالسين شئ!



تمسكت بيد والدتها وربتت على كفها تحرك رأسها لها موافقة ، دون أي رد كان سيخرج من بين شفتيها ، بل الرد لم يخرج منهم هم الآن !!



الرد من بكاء "وردة" التي ضاع منها في مرة من المرات رحمها الذي يُنجب ويحمل ، هابت فور اسمتاعها بأنها نزفت كثيراّ حتى خرجت رهبتها من بين الأحرف قائلة:




        
          
                
_هتبقى كويسة ، والله العظيم ما هيحصلها حاجة يا ماما ، نيروز مش هتبقى زيي متخافيش!! .



ونفت هذا برأسها عندما هابت سقوط حملها وضياع الثمين منها:



_مش هتبقى زيي لا ،. مش هيحصل!



ربما الخوف والرهبة تُحدِث أكثر من هذا لم تجد إلا ذراعي"ياسمين" التي احتوتها بسرعةٍ فائقة ، فيما وقف "آدم" محاولاّ فعل أي شىء عندما توقف يميل ناحية "جميلة" مردداً :



_قومي معايا يا جميلة ، تعالي أوقفلك تاكسي تروحي لـ "فريدة" 



اتجه ناحيتها كونها الأكثر تعباّ وبان هذا على ملامح وجهها بقوة ،بينما الآخرين سيظلوا ولم تتم الموافقة منهم ، ومن ناحية أخرى قرر التوجه بها لـ"فريدة"..ترددت عينيها الباكية في النظر فيما ردد هو مرة أخرى برجاء بان في عينيه:



_هى قاعدة هناك لوحدها وفاطمة وولادها مش في البيت دلوقتي مفيش معاها غير "يامن"بس ، هي محتاجاكي  ومش هينفع تيجي ، قومي معايا أوقفلك تاكسي يوديكي ليها.



وجدت نفسها تُحاصر ما بين رفيقة الدرب وشقيقتها ، تابعته بعينيها اللامعة وهي تنظر نحو باب الغرفة وعادت تردد باختناقٍ:



_ونيروز ، أنا عايزة أطمن على نيروز!! .



_هطمنك عليها ، صدقيني هتبقى بخير ، بس قومي معايا عشان انتِ شكلك تعبان ، وفريدة برضه محتاجة حد منكم دلوقتي في الوضع ده!



ربما وجدها أمانه لم يوصيه عنها "عز " كما أمانته الذي تركها ،العمل! ، نظروا ناحيتها بترقبٍ وفي دعم لرحيلها فهي الأخرى نفسيتها لا تتحمل كل ذلك! ،يكفي ما تعانيه ، وبقرار لا تعلم من أين جاء ، نهضت وخوفها على شقيقتها يضغط عليها بقوةٍ. ورهبة ، تهاب فعل شىء جنوني مفاجئ كما حدث منها أكثر من مرة ، بينما الأخرى قد تخطت كل هذا ورُفض قدومها خوفا من  انتكاسها !!



اقترب من عمه ومال يطمئن فأومأ "حامد" له بهدوءٍ وشرودٍ قطعه ما أن أخبره بعجالةٍ :



_هنزل أوقفلها تاكسي يا عمي وهرجع علطول .



وافقه وخرج صوت "دلال" الضعيف ولم تغيب قدرتها على الإنتباه الشديد:



_ربنا يصلح حالك يا بني ، وديها دي شكلها هتقع مننا واحنا مش ناقصين!



وافقها "آدم"سريعاً  وهو يأخذ الهاتف وسار برفقتها ، أما هي فسارت بتمهلٍ بسبب تعبها وهو يراقب سيرها بقلقٍ لاختلال توازنها ، فيما خرج رد"فريدة" عليه في الهاتف فأراد اطمئنانها ، بينما زفرت "دلال" أنفاسها بصوت عالٍ وعقلها الآن وقبل الآن ليس مع من بالداخل بل مع من في قسم الشرطة بوضعٍ مجهول  فقط ما جعلها تهدأ هو رحيل "بدر"و"حازم" لهما بسرعة!



________________



عقارب الساعة تمر عليهما وهما بالداخل حيث نصف ظلام هكذا بين رائحة كريهة وأوجه توحي بالإجرام ، رفع "غسان" رأسه ورغم انه يعلم بٱن الهاتف أُخذ منه ولكنه تفحص جيبه من القلق الذي يتٱكل بروحهِ وصدره الآن ، نظر ناحية رأس شقيقه التي تستند على ذراعه ووجده قد غفل وغفى!




        
          
                
إقامته في المستشفى كطبيب تجعله لا يغلق عينيه طوال الليل وجاء في  صباح اليوم ولم يغفل حتى ولو ثلاث دقائق ، علامات التعب والإرهاق والسواد أسفل عينيه ظهر بشدةٍ عليه في هذا الحال ، هواء بارد ، وأرض رطبة تخرج برودة عكس طبيعة الجو في الخارج .



كعادته دوماً ، القلق رفيقه على كل من يتبعه ، الخوف صديقه على أفراد عائلته ، لمعت عينيه ما ان جعله الشيطان يرسم سيناريوهات أخرى ، نفضها وهو يبتلع غصته خالعاً سترته رغم شعورة بالبرد ، كي يغطي شقيقه الذي وكأنه غاب عن الدنيا بمثل هذا الثقل ، لم يكف عن  مواساة شقيقه على زوجته إلى أن أُنهك هو الآخر وغفل!



وضع سترته على ذراعي شقيقه المكشوفتين وربت على رأسه بحنانٍ وهو يزفر أنفاسه ، مسح "غسان" على عنقه بتعبٍ ناظراً في هذا الفراغ بقوةٍ محدقاً به هكذا إلى أن وجه له شاب من نفس عمره تقريباً علبة السجائر مفتوحة مبتسماً وكأن الحياة تضحك له مردداً له بغمزة خفيفة :



_ شد ،روق بالك !



طالعه "غسان" بصمتٍ ونظر نحو الفراغ مرة أخرى دون أدنى رد في حين صمم الآخر تقديمها له بقول:



_مد إيدك يا صاحبي ، وشوفني ..بعرف أساعد علفكرة!



نبرته سوقية إلى حد كبير ، قلب "غسان" عينيه من عليه متحدثاً بزاوية فمه بسخريةٍ تكاد تكون مسموعة:



_ كنت عرفت تساعد نفسك!



_ما انت حلو وبتعرف تتكلم أهو ، بس هو انت ايه دراك اني هنا غصب؟ ، انا داخل في مصلحة وخارج علطول وضامنها .



غمزه و تفوه بذلك ثم نظر ناحيته بتفحصٍ لملابسه وعاد يردد:



_شكلك ابن ناس يا باشا ، أنا غرضي سليم ، ليك في السليم؟



طالعه "غسان" مشيراً ناحية رأسه بفظاظةٍ وأفق قد ضاق بسبب ما رآه:



_بقولك ايه يا جدع انت ، حل عن دماغي ، أنا لو ليا في السليم كنت جيت هنا عشان تاخد نصيب من كلامي؟،  اتك على العقل عشان مش فايقلك الساعة دي!



هل  استخدم طريقته للتو ، ضحك الآخر بخفةٍ وأخرج اللفافة يضعها بين يدي "غسان" الذي لم يرفض بل وضعها بين شفتيه فأشعلها له الآخر وهو يرد :



_مع انك جاي عليا بس عجبتني! ،و لسه برضه عايز أساعدك ،أنا هنا بقلب رزق ، وانت شاطر وفاهمني!



تولى زمام الأمر في شُرب اللفافة الذي أخرجها من فمه مع خروج الدخان ونظر له بسكونٍ لبرهة ثم عاد يهبط عينيه ناحية بنطاله  فإبتسم من زاوية فمه وفهم لمَ الجلوس هكذا بجانبه!



طالعه الآخر بصمتٍ فمال "غسان" عليه مردداً بنبرةٍ منخفضة:



_طلع اللي دخلت بيه ، محتاجه!




        
          
                
فضحك الثاني ، وغمزه وهو يقترب وكأنه يعانقه بعدما أخرج الهاتف يضعه في جيب السترة التي على شقيقه  وتحدث وكأنه يرحب به بحرارةٍ ثم همس مردداً :



_ما كان من الأول يا معلم!



نظر "غسان" له وهو يضع الهاتف في جيب  السترة ، حتى فاق"بسام" بسرعةٍ فوجده يعانق شقيقه كي لا يلفت أنظار عكسري يقف أمام الباب الحديدي ، فعقد حاجبيه متساءلاً بصدمةٍ:



_مين ده يا غسان ،وماله  بيحضنك كده ليه؟



خرج هذا الشخص من أحضانهِ ، وبرقت عدستيه وهو يضرب كفيه ببعضمها وكأنه اكتشف شىء ثمين للتو:



_اللهم صلي على النبي ، دا انتو تون!



لم يرددها بالكامل ، تمسك "غسان" بسترته فيما تحدث"بسام" يصحح له:



_قصدك توينز ؟



_يا جدع تون ، توأم يعني ، انت ملكش في العلام ولا ايه، دا انت شكلك ابن ناس يعني!!



ابتسم"غسان" بخفة ، هناك هموم تُضحك وأخرى تُبكي ، نظر إليه "بسام" ببلاهة ثم تعمد التصحيح له :



_اسمها توينز حضرتك..لسه في حرف الـ…



بتر قوله "غسان" عندما وكزه في ذراعه كي يصمت وابتسم للآخر مردداً يجاريه كي يفعل ما يريده:



_انت صح ،  احنا فعلاً تون ، قوم بقى شوف شغلك.



همس له قبل قليل بما سيفعله ، لذا أشار ناحية عينيه ونهض يلهي العسكري، في حين مال "غسان" ناحية شقيقه وهو يعطيه السترة في يديه هامساً :



_خليك هنا على ما أرجع ، عشان محدش ياخد باله!



لم يعطه فرصة للاستفسار بل تركه ونهض يقف بركن بعيد كي يدون ويطلب الرقم الذي يحفظه ، وفي الخلفية  جحظت عيني"بسام" خوفاً من أن يراه أحدهم فيُعاقَب! ، ابتلع ريقه ناظراً نحو الآخر وهو يلهي العسكري بحديث فارغ يحاول به وفيه المراوغة! ، تلمس سترة شقيقه ثم نظر ناحيته فوجده عاري الكتفين والذراع ، فإبتسم على ما فهمه الآن ، فحتى في أصعب الأوقات قسوة ،كقسوة جو قارص ..ولكن هما بينهما الدفء مستمر على أية حال!



_______________



فرد ذراعيه في سرعة وبخفةٍ كي يرتدي قميصه ، الآن هو يبدل ملابسه في شقة "والدته" تاركاً "بدر" معهن في شقة "حامد" التي جلست بها "وسام" تبكي في أحضان "فرح" فيما كانت "عايدة" في الشقة الأخرى تبدل مفرش الفراش الذي عليه آثار الدماء ، ودموعها على وجهها لا تجف وما بيديها فعله الآن تفعله ، فقد جرت أذيال الخيبة ما لم تأخذ الإطمئنان منهم على  حالة "نيروز" على من تعتبر ابنتها هى الأخرى!!



وقف "بدر" يُجيب على اتصال "شادي" بعدما وجدهم هكذا وهو في الطريق بعدما أوصل زوجته لوالدها ، طلبته "وسام" ببكاء لم يفهمه وهو عائد لهم فيما لم يفهم شئ فطلب رقم "بدر" مسرعاً كون البقية لم يجد منهم رد!




        
          
                
فهم المختصر وكان ختام المكالمة الصوتية بينهما مع سرعة قيادته الضعف على الطريق:



_طب اقفل يا بدر ، اقفل وأنا خمس دقايق بالظبط وطالعلك ، متمشيش من غيري انت وحازم.



أغلق الخط على الفور ، فيما نظر "بدر" ناحية شاشة الهاتف بأنفاس زفرها في علوٍ ، وأذنيه تلتقط بكاء وأنين "وسام" عندما نطقت بتقطعٍ :



_أنا عايزة أخواتي، عايزة اطمن عليهم ، عايزة اطمن على نيروز ، متمشيش من غيرنا يا "بدر"والنبي!



هناك بجوار"حنان" تجلس"زينات" بأعصاب تركتها وهربت، فيما نطقت "وسام" بذلك فإقترب "بدر" يقف ناحيتها ونبس بنبرة. هادئة تطمئن حالتها تلك:



_مينفعش تيجي المكان ده يا وسام ، انتِ مش شبهه ولا شبه انك تدخليه بحالتلك دي ، خليكي هنا معاهم وأنا أوعدك اني هطمنك علي غسان وبسام زي ما هنطمن كلنا على "نيروز".



فرفع كفه بعاطفة اخوه يربط على ذراعها مردداً في حنوٍ:



_متخافيش.



أُجبرت على الصمت هكذا ودموعها لم تتوقف عن الهبوط فيما كانت "فرح" لا تختلف عن حالتها قلقها على "نيروز" وخوفها الشديد على "بسام" والدموع التي تسقط تسقط لأجله هو ، مما جعلها تندفع حتى وقفت تطلب من "بدر" بتعلقٍ كما الدموع العالقة على وجهها:



_ممكن تطمني على بسام ، ممكن ترد عليا بس لما توصل وتخليني أكلمه؟ ، أنا خايفة أوي!



لم يلتفت بظهره ، الا بعدما وجد الباب يُطرق فإلتفت ينظر لها بشفقةٍ من تداخل العقبات عليها وهي هكذا منذ ان رآها..مسكينة!



_ان شاء الله.



هرب من عدستيها وكأن عينيها تجبره على تحمل مسؤولية خروجهم وفي أسرع وقت ممكن! ، إقترب ناحية الباب ووقف سريعاّ ينظر تجاه "زينات"ولأول مرة يثق في وجودها حينما أوصاها ولم ينس قدرتها على ما يريده الآن :



_ احنا هنمشي ومحدش موجود مننا في البيت ، اتمنى تخلي بالك منهم على ما ربنا يفرجها ونرجع كلنا بالسلامة.



كلفها مهمة  لم تكن صعبة بالنسبةِ لها ولكن ضاع هذا قبال حديث "حازم" الذي دخل للتو من الباب وطلب بخبرة عمله وما يتفهم حدوثه وما فعله من مكالمات جعلت الأمور تتضح في عينه أكثر بسبب معارفه الكُثر في هذا المجال:



_قومي البسي هدومك وتعالي معانا.



بالتأكيد هى من أهم الشهود ان حدث شىء أو ان حدث حركات غدر من الأخرى! ، نظرت إليه "زينات" بسكونٍ ثم سألت في توترٍ :



_آجي معاكم؟



حرك رأسه مؤكدًا ذلك ووضح في حزمٍ وهو يغلق سحاب السترة واضعاً الهاتف في جيبه أمام النظرات :




        
          
                
_أه ، بنت أختك مش هتسكت وهنحتاجك شاهدة ، انتِ مش موافقة ولا ايه؟ عشان أكون فاهم يعني!



حاوطها بعينيه فنظرت ووجدت الإنفعال المبطن بها ، لذا ابتلعت ريقها وضاع كل الثبات التي تتصف به بل خرج رفضها بلهفةٍ وقالت:



_لا ، مش قصدي ، أكيد هشهد على الحق، استناني خمس دقايق بالظبط وأكون جاهزة علطول..عن إذنكم!



تابعها وهي تنصرف فيما نظر له "بدر" بحيرة متسائلاً :



_هنسيبهم كدة لوحدهم؟



طالعه "حازم" شارداً وخرج من بين شفتيه الحديث عنوة:



_هحاول على قد ما أقدر نخرج بيهم النهاردة ، دا لو الدنيا مشت من غير عوء!!



إلتفت خلفه على الفور ما ان هرول "شادي" في الداخل ناحيتها ، فنهضت "وسام" مندفعة ودموعها على وجهها تخبره بنبرتها الباكية على ما حدث ، لم يضعها بين الدموع كثيراً بل حول لها مناشف ورقية وهو يحثها قائلاً :



_اهدي..اهدي يا "وسام" متخافيش ، متخافيش واللهِ مفيش حاجة هتحصل . اطمني.



ناولها المناشف الورقية والتفت مع هدوء بكاءها ناحيتهما فوجد "بدر" يحثه برأسه فأومأ موافقاً وعاد ينظر تجاهها فوجدها تأمنه أمانة لا يضمنها هو:



_اخواتي يا شادي ، رجعلي اخواتي معاك .



وأضاف وكأن بيديه كل الحلول لعقد الأمور التي تحدث واحدة تلو الأخرى :



_ونيروز كمان!!



شقيق ثالث لها روحياً ، تشبتت بعينيه تأمنه للمرة الثالثه وهو أمام هذه المسؤولية يجهل عن الكثير فقط حرك رأسه بثقلٍ والتفت كي يسير بعدما حثهن :



_خلي بالكم من نفسكم على ما نرجع ، متفتحوش لحد طول ما مفيش راجل هنا معاكم ، ماشي ؟.



وافقته "فرح" بصمتٍ قاسي على فؤادها ، غياب الاثنان بمثابة كسر كبير لموضع القلب الذي يدق لأحدهما الآن ، فيما هزت "حنان" رأسها توافق بقلة حيلة اتسمت بها في هذا الموقف..



لم تمر ثوانِ الا وقد أغلق "شادي" خلفهم الباب ، ووقف أمام الشقة معهم ينتظر "زينات" ، وصوت هاتفه يعلو الآن ، وضع يديه في جيبه وعقد حاجبيه ينظر تجاه هذا الرقم المجهول الغير  مدون ، ولكنه لم يتوقف كثيراً ، وطبيعة الموقف جعلت "حازم"و"بدر" صامتان بمتابعة بل خرج منه هو الحديث حينما قال مفسراً  معتقداً بأنه رقم بدون عنوان في العادة يدق :



_دا رقم غريب ، مين ده؟



تساءل في العادي وكأنه يسأل حاله ، طالعه الاثنان بصمتٍ ونفذ صبر "حازم" حتى دق جرس الشقة لتسرع الأخرى فيما رد "شادي" على الهاتف قائلاً للرقم المجهول:




        
          
                
_ألو..مين معايا؟



كان يحفظ رقم صديقة ، الرقم الوحيد الذي يحفظه من قبل حفظه لرقم "نيروز" ، ابتلع "غسان" ريقه على الناحية الأخرى وعلم أنهما لم يلبثا إلا قليل وسيعلم "شادي" منهم والذي يعلم كل شئ دوماً في غيابه ، فخرج رده المنخفض عليه:



_أنا "غسان" يا شادي ، قـ..



_غسان!!!



كان هذا قوله الذي جعل "بدر" يندفع للوقوف جواره هو و"حازم" تزامناً مع فتح "شادي" مكبر الصوت مع حديث "بدر" المسرع :



_اطمن يا "غسان" ، احنا جايين في الطريق أهو ،  متخافش عـ..



لم يتركه يكمل بل وضع يديه على عنقه بتعبٍ وخرجت اللهفة رغماً عنه وهو يتساءل بسرعة فائقة بتر بها قول الآخر :



_طمني على "نيروز" يا بدر ، نيروز فين؟؟ بقت كويسة؟؟ .



توقف الثلاثة عن الرد بعجزٍ فيما خرجت نبرته المختنقة وهو  يتوسلهم ولأول مرة يرونه هكذا :



_رد عليا يا شادي ، طمني يا بدر عشان خاطري ، "نيروز" كويسة؟؟  فاقت وبقت كويسة صح؟



لم يعطهم الفرصة ورغم ذلك انفعل فتعالت نبرته أكثر من السابق ورددد:



_حد يرد عليا ، انتوا ساكتين ليه؟ مراتي حصلها ايه؟؟



لم يعلم أي منهم بأنهم سيصبحوا هكذا أمام هذه المكالمة التي لم يكن مرتب لها أبداً، حينها قبل ان يؤهل أحدهم نفسه للرد ، جاءه الرد من انتشال "زينات" الهاتف من يد "شادي"  وتلبسها حالة الثبات الذي أدهش الثلاثة حينما رددت في هدوء عكس القلق الذي في داخلها عليها :



_مراتك فاقت وبقت كويسة متقلقش.



لم ينتبه بأن هذا صوت من أكثر الأصوات الذي يبغضها ، لذا أكمل وكأنه يحدثهم هم وردد في غير ثقة :



_طب هاتهالي ، خليني أكلمها كدة يا شادي؛..



كان سيسترسل أكثر وما أوقفه وجعله ينتبه هو حديث "حازم" له:



_نيروز نايمة ، ركز معايا يا غسان الأول كدة قبل أي حاجة .



انتشله من شئ لشىء آخر ، انتقل لمحطة الانتباه فيما حدث حينما سأله "حازم":



_قولي مين كان حاضر كل حاجة من الأول خالص ، مين  كان موجود من بداية اللي حصل وتقدر تاخده شاهد يكون ثقة في نفس الوقت ، سامع؟..سامعني؟؟ 



وأضاف من تقطع الاتصال:



_انت معايا؟؟



شرد الآخر بتفكيرٍ ونظر بخفةٍ ناحية من ساعدة وهو يلهي الآن العسكري ، فعاد يهمس بتذكرٍ :



_سلطان ، الحج سلطان بواب العمارة ..



وأضاف بما كان يهدد به الأخرى سرًا ، حينما هددته في جعله يلبث هنا دون رجوع ، والتحذير الذي كان قبل قدوم سيارة الشرطة ، احتدت عينيه حينما جاء محور الحق ورده بطريقة تختلف عن طريقة حدة الشباب في كل مرة ، الآن حيث طريقة القانون ، أخذ أنفاسه واعطاهم دليل قبل البحث عنه أو طلبه كي يُسرع حتى يخرج لما ينتظره:




        
          
                
_خد مفتاح المحل يا "بدر" من أوضة أبويا ، وشغل الكاميرا وفرغها هتلاقيها مسجلة كل اللي حصل .



فتحت الأفواه في مفاجأة كيف غاب عن ذهنهم هذا ، أم ان صدمة ما يحدث لـ"نيروز" تؤثر!! ، هرول "بدر" ناحية الداخل فيما لم يغيب عن بال الآخر التفاصيل حينما حثه قبل ان يتورط بدون تورط من الأساس!:



_ حازم ..متنساش يا حازم انت ضربتها بالقلم.. شيل كل ده ، بنت الـ*** دي بتحاول تمسك أي حاجة عشان تعمل منها موال!



كان هذا قوله الأخير قبل أن يخفي الهاتف بسرعة عندما وجد الحارس ينظر بتفقدٍ فأخفاه بعدما سمع صوت صفارة من شقيقه جعلته يجلس متصنعاً الانشغال في أي شئ حوله!!



قُطع الاتصال ، فرأى "شادي" هذا وعلم ما يمكن حدوثه آنذاك هو و"حازم" الذي ردد على الفور:



_كويس ، كل ده هينفعنا لو هي أصرت على اللي بتعمله ،ساعتها مش هيبقي في رحمة لو "غسان" متنازلش عن حقه هناك ليها وسابها تاخد جزاءها قانوني!!



هل هناك خطر قادم بالنسبة للأخرى؟ ، تابعته "زينات" بصمتٍ فيما خرج "بدر" مسرعاً بعدما التقط المفتاح وأشار لهم بقول:



_يلا.



ساروا خلفه وفُتح لهم المصعد حتى ركبوا به وبدأ في الهبوط ومعهم تلك التي تهاب حدوث شىء للتي تعد زوجة ولدها ، ماذا عن "أسماء" بريئة في هذه المعضلة ولكن هناك معها وبالقرب منها أخرى تريد محو هذه البراءة!!.



دقائق بسيطة جعلتهم الآن في محل الورد لفعل المطلوب فيما وقفت "زينات" في الخارج بإرتباكِ والعجالة تلبسها الآن على أشياء كثيرة ، فها هو القلق يوفي بالغرض ويحقق لها ما تفكر له عندما جاءها إتصال من "فريدة" ففتحت سريعاً بلهفةٍ :



_أيوة يا "فريدة "، ايوة يا حبيبتي 



على جهةٍ أُخرىٰ تتمسك بالهاتف في خوفٍ أصبح سهل ظهورة بعد عناء ، عينيها تلمع وهي تسأل للمرة التي لا تعرف عددها:



_أيوة يا ماما ، طمنيني على "نيروز" فاقت ولا لاء؟؟



_لسه معرفش عنها حاجة واللهِ يا فريدة ، بس ادعي ، ادعي وان شاء الله هتكون كويسة ، خلي بس بالك من نفسك ومتخافيش مفيش حاجة يا حببيبتي!



تحاول إرسال الاطمئنان لها فلم تتوقع نبرتها الباكية وهي تتشبت بين ذراعي "جميلة":



_أنا خايفة أوي يا ماما ، خايفة على نيروز، عشان خاطري لما تعرفي اي حاجة طمنيني أنا وجميلة علطول بالله عليكي!



وأضافت بوعيٍ وقلق:



_وأسماء يا ماما ، أسماء فين دلوقتي ، رجعت معاهم ولا هما لسه هناك ؟



زفرت "زينات" أنفاسها بهدوءٍ ووضحت لها بنبرة هادئة كي يغمرها الأمان:



_أنا راحة لأسماء وان شاء الله ترجع معايا ، اطمني بس وادعيلهم، كلهم محتاجين الدعوات يا "فريدة" واللهِ.




        
          
                
أرادت إغلاق الخط حينما شعرت بأحدهم خلفها  فوجدته "حازم" الذي تحدث مع البواب كي يأتِ ووافق بالفعل لأجل خاطر "حامد" المحبوب بين السكان والمعروف بأدبه واحترامه هو وأولاده! ، دائماً ما يقال أنه هو وعائلته لا يليقان على الطابق الثالث بتاتاً ، لا يليق به جيرة عائلة "الأكرمي"!!



أغلقته على الفور ، فوجدت "حازم" يركب سيارته مع "سلطان" وهو يشير لها بيديه بسرعة فيما خرج بعد قليل "بدر" مع "شادي" الذي أغلق المحل واقترب يفتح سيارته كي يسير بها مع الآخر خلف سيارة "حازم" الذي كان بها مع"زينات".



سيارات هناك وأخرى تقف هنا ، وتزامناً مع هذا السير ، توقفت سيارة وهبطت منها وهي تسانده برفقٍ وعلى ملامح وجهها العبوس من تأخر ابنتها كل هذا الوقت فخرج منها قولها الذي ظهر به الضيق وهي تخرج مع ولدها موجهه للسائق الأموال بخفةٍ من الشرفة وهي تنحني:



_مش عارفة أختك اتأخرت ليه كل ده ،ايه بتجيب الهدوم  من باريس؟ ، دا حيالله كنا عايزينها عشان نعرف نخرج وفالآخر أخرج بعكازي اشتريلك اللبس عشان نعرف نخرج ، كله بسبب الهانم ، ماشي يا مروة ماشي!!



كلمات متوعدة خرجت من بين شفتيّ "زهور" بتوعدٍ ، استند "سامر" ووقف بنفسه بملامح متشنجةٍ من الألم والضيق وختم حديثها بقوله المنفعل بخفةٍ :



_بنتك دي يامه عايزة الحرق ، سيبيني عليها والله ما سايبها ،مترجعيش بس تزعلي..ما انتِ عارفة ان ميهماش غير مصلحتها وبس بنت الكلـ..



سبها بضيقٍ ووقف الإثنان ينتظرا المصعد مع ملامح وجهها المغتاظة وتركته هكذا دون رد فوجع عدم اختيار "أسماء" لها يتآكل بداخلها بقهرٍ وحسرة ، لاحظت الهدوء المُريب وعدم وجود البواب فتساءلت مع هذا الهدوء رغم الليل:



_هى الدنيا اسكت هوس كده ليه؟



_الدنيا ليل يامه ، المفروض عايزة الدنيا تبقى ازاي!!!



كان هذا رده بإستخفافٍ وبعدها تم ركوب المصعد بواسطتهما وتوقف ليخرجا بعد دقائق تزامناً مع وجود "عايدة" وهي تخرج من باب شقة "سمية" حاملة مفرش الفراش الأبيض والذي بان به بقع الدماء التي جعلت الأعين تتوجه ناحيتها بفضولٍ.



فيما كانت تنظر هي بصدمة من وجودهم فعاملتهم معاملة تليق بهم حينما تجاهلت وهي تخرج المفتاح من جيب عباءتها المنزلية حتى تقتح باب شقتها لتضع ما بيديها للغسل ، وتوقعت رد "زهور" الفظ على تجاهلها حينما قالت بسخرية عليها من هذا الصمت:



_وعليكم السلام يا ختي ، كتر السلام بيقل المعرفة مش كدة أومال!.



فلم يخرج سوى همس ضئيل من بين شفتيها وهي تغمض عينيها تتحاشى بأن تتقابل مع عدستيهما :



_استغفر الله العظيم  من كل ذنب عظيم ، اللهم طولك يا روح.



فلم تطيق الإنتظار بل التفتت ترفع كفها وهي تحذرهما :




        
          
                
_خليكي في حالك يا زهور انتِ وابنك ، وياريت تاخدي بعضك انتِ وهو تهربوا على أي داهية ، عشان بعد اللي بنتك عملته ده محدش هيسيبكم في حالكم من عيلة البدري ،  وبقى من حقهم.!



وختمت قولها وهي تتذكر ما حدث بأعين لمعت من الخوف على من تحمل دماءها في قماشٍ بين يديها :



_حسبي الله ونعم الوكيل ، ربنا ينتقم من بنتك!.



اقترب "سامر" في حمقةٍ يشير لها بكفه بصوتٍ عالٍ جعل شقة "حامد" تفتح :



_جرا ايه يا ولية ، هو عشان سكتنالك هتسوقي فيها؟؟ ، اختي مين وعملت ايه ما تظبطي الحوار!!



ربطت "زهور" الأمور ببعضهما وعلمت أن غياب ابنتها ليس من فراغ فسألت بعكس حالتها قبل قليل ، سألت بهدوء وداخلها طبول الارتباك تدق بانذار ، ربما حدس الأم :



_مروة!! ؛عملت ايه؟؟



تعجبت وسألت سريعاً ، فيما اندفعت "وسام" من خلفهم ببكاءٍ تفسر لهم بحرقتها على الأحدث وأعصابها المنهارة:



_قولي معملتش ايه؟ ، هما اللي زيكم بيسيبوا حد في حاله ، واقفه بتسألي بنتك عملت ايه بعد ما اتبلت على اخويا انه اتحرش بيها فوسط الشارع ؟ هو انتِ مربية بناتك ازاي؟؟ نفسي ٱعرف انتِ ورتيهم تربية ولا لأ ؟؟..اللي تقطع هدومها في وسط الشارع قدام الرجالة والشباب عشان بس ترمي بلاها على أخويا وتثبت حاجة مش صح تبقى واحدة عمرها ما شافت تربية عشان تنهي كل ده بوجودها في القسم وهى عارفة انها ظالمة..لو بينا وبينكم الجنة عمري ما هسامحكم ..ربنا اللي هينتقم منكم يا عيلة زبالة يا لمامة!



الآن تندفع بحرقة وصراخ ، صراخ عالٍ بقوة جعل "فرح" تتمسك بذراعيها كي لا تندفع بتهور لفعل شىء بعدما علمت أن هذه نسخة مصغرة من شخصية "ياسمين" في مثل هذه المواقف ،أو لرُبما النسخة المتطابقة لحدة الشباب! 



هنا والآن تحدث صدمة من ما استمعت له أذن"زهور" مما فعلته ابنتها من تمزيق ملابسها في الشارع والطربق ، والزحام والحشد والفوضىٰ ، أشياء كثيرة ليست لها براهين جعلتها  تحدق في صمت وصدمة قطعها ولدها ، حينما اندفع "سامر" يرد عليها بغضبٍ :



_لمامة مين يا بت؟. انتِ فاكرة نفسك مين بروح امك عشان تعلي صوتك علينا كدة؟؟ دا انتِ حتت عَيّلة  لسة بتلبس البامبرز!!



سخر وقلل منها ، فجعل الدماء تصعد إلى رأسها وبرزت عروق رقبتها المكشوفة أمامهم بخصلاتها العشوائية التي تحركت في سرعة وهي تنحني تلتقط الخف"الشبشب"  من قدميها مع خروج صوتها المندفع:



_أنا هوريك دلوقتي يا حقير يا واطي اللي لسه بيلبسوا البامبرز بيعملوا ايه في اللي علطول متعلم عليهم من عيلة اسمها البدري اللي جزمها على رقبتك انت وعيلتك يا حيوان!.




        
          
                
حليمٌ وغضبت هى الأخرى فلا صدمة بعد الآن ، بها طاقة ان خرجت سَيُقتل هذا الذي يتصنع الرجولة! ،تفاجئ من هجومها وبالفعل ضربت رأسه بالحذاء الذي بين يديها وتوقفت عن ذرف الدموع فيما كان يحاول منعها وتمنعها هى الأخرى "فرح", الباكية هى ووالدتها و"عايدة" وحتى "زهور"، وصوتها الصارخ به لم يتوقف إلى هنا بل زادت وهي تقوم بضربه بقولها العالي الذي جعل الطابق الذي فوقهم يهبط منه رجلان وامرأه وشابة من نفس عمرها تقريباً :



_أنا  بنت راجل واخت رجالة يا معفن ، يعني يوم ما تفكر تيجي عليا تفكر ألف مرة تربية الرجالة بيعملوا ايه في اللي بيجي عليهم وعلى اللي منهم ، دا تربية الرجالة يعني اللي عمرها ما عدت عليك  لا انت ولا اخواتك العرر يا مقرف!.



خُدشت جبهته فرأت دماء خفيفة عليها لا توحي بالخطر فحاولت أن تكمل لولا دفعه لها فسقطت على الأرض على الفور وحولها "فرح"ووالدتها و"عايدة" فيما كان سيتهجم ليهبط لمستواها حتى منعه الرجلان بقول أحدهم الصارخ به كي يهدأ:



_" ايه؟؟ هتمد ايدك على بنت؟ اهدي كدة وشوف طريقك ، مينفعش اللي بيحصل ده!".



استندت "وسام " عليهن لتقف حتى وقفت تأخد أنفاسها وهي تنهج قبال غضبه من الذين يمنعونه ، فتوقف في حرب نظرات معها انتهت للتو بقولها التي تتعمد التقليل فيه منه :



_يلا روح ، روح المستشفى تاني وابقى ارجع المرة الجاية على الرجالة اللي مربيني عشان يتعلم عليك منهم ، ما هو ده أخرك ..



جابت كل ما تدخره ، حينما انهتها وهي تبصق علي وجهه وأكملت قولها التي ختمت به كل ذلك:



_أخرك الفاضي يا فاضي يا بن الفاضية!



اتجهت بعدها تدخل الشقة وخلفها هرولت "حنان" لها فيما وقفت "فرح" تنظر بحدةٍ من بين الدموع ومن ثم اتجهت مسرعة لهن ، حتى "عايدة" هرولت هى الأخرى خلف "وسام" التي وقفت بعد دخولهن والتفتت تصفع الباب في وجهه هو ووالدته التي وقعت ثم نهضت بفعل مساعدة السيدة وابنتها فإستندت مرة أخرى على عكازها وهي تنظر في خيبةٍ ومفاجأة لكل ذلك أما هو فصرخ ناحيتها ما ان وجدها تبحث عن المفتاح :



_انتِ بتدوري على ايه؟؟ بتقولك بنتك المحروسة في القسم!! انتِ واعية ؟؟. بنتك القِلة اللي قطعت هدومها قدام الرجالة في القسم يامه ، فــوقي!



حاولت أن تكذب الأخرى ، كي لا تنصدم مرة أخرى في تربية بناتها ، توقفت في صمت وأعين لمعت في خزيٍ من ما توصلت إليه ، فإنتشل يديها في عجالةٍ كي يفهم الأمر وينقذ شقيقته من أقرب قسم وهتف وهو يسحبها ناحية المصعد :



_يلا يامه، يلا نروحلها القسم نشوف هببت ايه دي كمان! ، مش وقته صدمات ..بنتك لو وقعت في ايدي بعد اللي قالته البت دي وطلع صح ..هعدمهالك العافية!




        
          
                
لم يغيب عن باله قول الأخرى بتمزيق الملابس وخوضها في عرض نفسها أمام الجميع كي  تظهر بأنه المتحرش! هذه نقطة وكفة ميزان أخرى لديه ولدى تقاليده الذي يتسم بها خداعاً ، فأقل ما يقال عنه هو..شبيه الرجل وليس الرجل ذاته الذي من المفترض بأن يتسم بهذه العادات!!



_________________



الوقت الذي يمر عليهم وهم في محاولة لجعلها في أمان ، والتوتر سيدهم ، هذه الحالة لا تختلف عن حالة "غسان" عندما كان أيضاً بين الموت والحياة في غرفة العمليات، بينما هى؟ لا أحد يعلم ان كانت هى بين الخطر والموت والحياة أم صغارها ، على الأغلب صغارها صحياً ونفسياً لها وعليها هي كما جسدياً .



تم بعدهم عن المكان فجلست "سمية" في الغرفة ومعها "ياسمين و وردة" وبجوارهما "حامد"و"آدم" ، فكان "حامد" الآن يرى أن هذه المسؤؤلية لا تليق بهروبه من هنا كما هرب من قبل ، فحاصر نفسه بين هذا الحق التي تأخذه منه "نيروز" روحياً ومعنوياًوظل رغم تعبه من هذا المكان والوضع وانتظر ..



لم ينتظر هكذا بل الآن وفعلياً وهو على سجادة الصلاة أمامهم لضيق المكان وعدم اتاحه غرفة أخرى ، والمساجد الآن مغلقة!
لمعت عينيه وهو يرفع كلا يديه أمامهم على السجادة ليدعو سرًا 



فيما كانت الدموع حاضرة لا تغيب عن وجه أي منهم حتى " ياسمين" ، وكان "آدم" معهم ومع الأخرين في الهاتف ما بين "فريدة" التي تركت وصيتها لوالدتها عندما قالت لها بأن تطمئنها حينها كان لا يرد "آدم" والآن  رد عليها ومن جهة أخرى يهاتف "بدر" الذي انهى المكالمة وهو يخبره بنبرةٍ سريعة :



_«خلاص إحنا نازلين أهو وداخلين القسم ، لما نقعد مع الظابط ونشوف الدنيا نظامها ايه ، هرن عليك ، متنساش تطمن عمك وخلي بالك على ما نرجع ..سلام!».



كان هذا قوله الأخير ثم انهى المكالمة ونظر موضع "حامد" فوجده يسجد على الأرض وما بيديه فعله يفعله ولا يبخل ، يتأكد فقط من فكرة ان الدعاء يغير القدر! ،وقف يحمل زجاجة المياة واقترب بها من زوجة اخيه حتى فتحها لها برفقٍ وحثها بهدوء:



_امسكي اشربي يا وردة، بلاش عياط وحياة "يامن" عندك ، قومي اغسلي وشك ده وخدي نفسك براحة!



نهضت بالفعل ، فقد رأى شحوب وجهها تركت الزجاجة ونهضت تغسل وجهها فقدم الزجاجة من "سمية" وابتسم ابتسامة صغيرة يطمئنها :



_اتفضلي اشربي يا ام وردة ، ومتخافيش والله العظيم نيروز هتبقى هتبقى كويسة أنا حاسس بـ ده ، بس بلاش اللي بتعمليه في نفسك ده ، حضرتك لسه عاملة عملية من فترة وكل اللي بيحصل ده حمل  وضغط وغلط..أظن بنتك لما تفوق مش هترتاح لما تشوفك كده ..سمي الله وخليكي واثقة في ربنا.



تنهدت "سُمية" تخرج أنفاسها بثقلٍ وردت في بحة صوت من التعب والإنهاك لأمله وابتسامته الهادئة الآمنة التي وصلت لها مع رسالته:




        
          
                
_ونعم بالله ، الله يطمنك ..الله يطمنك يا بني ،بس ده الضنا ، الضنا غالي ،والله ما معترضة انا بس خايفة على بنتي ، عايزة بنتي  تبقي بخير وأي حاجة تانية تتعوض..يارب..يارب نيروز غلبانة وشافت كتير  ، متخسرنيش فيها ولا تخسرها يارب!



تردد الشىء وعكسه أملها في ابنتها وأمل ابنتها في صغارها وهذه هى الحياة!!  ، ربما الخوف المرتبط بفطرة الأم هو ما يجعل الحياة بها ذرة من الخير ، خوف نقي ؟ إذن هناك أمان ! هناك سند ..هناك دفء وانتماء؟ ، هناك أُم!!



أُم صغارها في خطر ، أم تحملت الكثير من العقبات ، أم تمنت بأن تصبح أم على خير لتلتقي بصغارها هى وزوجها على خير ،فلم تقف  معهما الحياة في هذه ، ظُلمت ،. وكُرهت بسبب خصالها دون أن يفكر أحد بأن حياتها القاسية جعلتها هكذا ، جعلتها تقسو في أشد الأوقات كي لا تُظلم من جديد..



"نيروز" ، تعني الوردة المتفتحة ، تعشق الورود كثيراّ ، ولكنها ان كانت وردة فلم تكن متفتحة طوال الوقت ، دائماً ما تُغلق بأسباب مفاجئة ، فلم تتفتح للحياة والشمس وأمل الحياة كل يوم ، على الأغلب تنطفىء كثيرًا. وتعاني أكثر وكل ما كان يهمها كمسكينة هى راحة الأيام ..راحة البال والقلب ، هدوء الحياة ، دفء في منزلها الصغير ، اكتمال عائلتها الصغيرة دون خسارة!



كحلم أي فتاة ،ولكن هل سيظل هذا الحلم أم سيضيع منها كما ضاع منها الكثير وتحملت ، هل ستكون هناك طاقة ؟ ،أسئلة كثيرة أجوبتها ليست الآن ،. أجوبتها بعد وقوف الطبيب وبجانبه الممرض وهم في لهفةٍ تحولت إلى خوف ورهبة ما ان ردد الأول :



_مش هقدر أفيدكم بحاجة ، احنا بنحاول عشان متطلعش بأقل الخساير فحتى لو هى طلعت هى وحملها بخير هتحتاج معاملة تانية وراحة بدون حركة..احنا دلوقتي محتاجين حد يتبرع لها بالدم في أسرع وقت وفصيلتها نادرة مش موجودة في المستشفي ، حد هنا نفس فصيلة دمها؟؟



أقواله المُقلقه لم تتركهم للتوتر بل أدخلتهم في عقبة وخوف آخر دون راحة ولم تنتظر "وردة", الافصاح عن مسمى الفصيلة التي تعلمها هى ووالدتها وشقيقتها التي هتفت تزامناّ مع قولها الذي خرج بنفس الوقت فكان كالآتي:



_وردة.



_أنا..أنا نفس فصيلة دمها !!



الأول قول "ياسمين" بإندفاع وأعين حمراء ، فيما هتفت "وردة" بالجملة الثانية في لهفةٍ شديدة ، والمشهد يعاد مع آخرون غيره وغير شقيقه ، اندفعت تسير خلفهم بعدما حثوها بذلك فيما أسرع "آدم" خلفها ليكن برفقتها تحسباً اذا حدث شىء ،فينا ارتعش جسد "سمية" من عزم الخوف وأمسكت موضع قلبها في بكاءٍ وهي ترفع عينيها كعلامة للدعاء والتوسل في حين عاد "حامد" يدعي أكثر ونفس اليقين لديه بأن  ان كان هناك شىء فالدعاء سيمنعه والله قادر على كل شىء ، ظل يردد هذا وبجانبه على المقعد بعدما جلس يصلي  جالساً من التعب ، كانت تجلس زوجته الذي ربت على كفها بدفءٍ ، فسقطت دمعتها وهي تهمس له بوجعٍ :




        
          
                
_نيروز غلبانة يا حامد ..غلبانة هى وابنك ومش حمل خساير ، ادعيلهم ..انت ربنا بيحبك يا حامد..متبطلش دعا عشان خاطر ابنك!



وثقت به فتأثر من قولها وسقطت دمعته على كفها وهو يتمسك به بقوةٍ  فعادت تردد بتحشرجٍ :



_بس أنا كبرت برضه زي ما بتقول ، تصدق؟ تصدق اني بقيت كبيرة  وقاعدة  اضحك على نفسي وعليك وأقولك لا أنا صغيرة ؟ ، أنا مش عايزة أصغر.. بس ابقى جدة وابني ميخسرش يا حامد!!



لم تتوقف آنذاك رغم عدم ترتيب الحديث بل بكت وهي تردد بنفس الهمس المنهك  وهى ترفع عينيها لأعلى:



_يارب خد من عمري واكتبه للي في بطنها ، أنا راضية ، راضية بس قلبها وقلب ابني ميتكسرش يارب!!



 فطرة الأم هنآك ما لا تريد الخسارة في ابنتها وهنا أخرى لا تريد الخسارة لولدها !, تمسك بكفها يحرك رأسه بتعبٍ فربتت على كفه كي يخرج بالحديث الذي تقطع به وهو يرفع رأسه كعلامة للدعاء أو التحدث لربه:



_انت حبيبي يارب..حبيبي وكل اللي يجي من حبيبي أنا راضي بيه..الحمد لك حتى ترضى..اللهم لا اعتراض!



رددها ونهض يُكبر وتركها من جديد ، فمسحت وجهها في محاولةٍ لأخذ أنفاسها وعادت تنظر فوجدت "سمية", تستند برأسها على كتف"ياسمين" التي اخرجت هاتفها تفتح به المصحف حتى تقرأ بنية شفاء شقيقها وخروجها سالمة  معافة هى وصغارها المُهددين بالخطر!



________________



أصابع تطرق المكتب بشكل متواصل في الانتظار ولولا واسطة "حازم" السريعة لمَ كانوا سينتظروا الضابط المسؤول عن هذه الفوضىٰ ،. نظراتهم  لبعضهم توحي برهبة المكان ، ولكن ما لديهم ليس الرهبة بل الخوف على من تركوها وجاءوا ،والخوف على من بالداخل أيضاً ، آخر ما تم ذكره من بين شفتي أحدهم أو أكثرهم حضور بطبيعة عمله :



_هاتهم يا بني من الحجز.



أعطاه البطاقتين الخاصتين بـ"غسان"و"بسام" وكلف آخر بحضور "مروة"و"أسماء" ، فيما جلست "زينات" بقلق من رهبة هذا المكان وهى تتمسك بهاتفها بين يديها ولأول مرة تجرب شعور الخوف الصادق على "نيروز" على الرغم من انها لم تسامحها بعد! ولم تتلقَ منها قول المسامحة التي تتلهف لسماعه في كل مرة تظهر بها أمامها..



كانت تتابع حديث الضابط اللبق مع"حازم" وما جعل الأمر أخف أنه على معرفة سابقه به ، فإطمئنت ولو بقليلٍ فيما تابع"شادي" الحديث هو و"بدر" ، ودخل من الباب العكسري الأول يخبر الضابط بقدوم الفتاتين! ، فأشار لهما بالدخول فآتي بهما وخرج ، حينها خفق قلب "أسماء" وركضت ما ان رأت خالتها تقف بإندفاعٍ وهي تردد بإسمها بتلقائية خرجت من لهفتها عليها وخوفها المصاحب لها عليها منذ ان أُخذت ظلم!:



_أسماء!!



اندفعت في عناقٍ تحتاجه الآن وبقوة ، وبكت بصمتٍ وهي تبتلع غصتها ، حتى شقيقتها التي توجد معها لم تشعرها بالأمان التي افتقدته وجاء لها بصورة عناق خالتها  أو "والدة زوجها"!!




        
          
                
على الرغم من ان الأخرى أحق بإعطاءها ذلك ، ولكنها شعرت بالغربة هنا ، والحسرة مع الخزي ولأول مرة تردد بينها وبين ذاتها الفقيرة من الإحتواء بأنها لا تتمنى بأن تكون الأخرى شقيقتها، أمنية ليست بمحلها أبداً ومستحيلة التحقيق..، بكت وشعرت بالوحدة وما أصعب ذلك الشعور على المرء في أشد أوقاته لم تسمع الأخرى ما تردده ببكاءٍ ولكنها رددت بلهفةٍ توقف هذا بوجعٍ لها :



_متخافيش..متخافيش يا حبيبتي أنا معاكِ أهو ، مش هسيبك!



هذا ما كانت تريده ولكن ليس منها هى بعينها! ، نظرت "مروة" بسخريةٍ ولوت شفتيها بتهكمٍ وشعرت بأنها عرضة للمراقبة وبالفعل وجدت نظرات الكره والانفعال المكتوم من كلٍ من "بدر"و"شادي"وحتى "حازم" التي وبمجرد ما ان رأته تلمست وجهها في غلٍ وفي داخلها تعتقد بأنها ستورط الكثير وهى الفائزة ولن يخسر أحد سواهم!



استندت على جانبٍ بعدما وجهت لهم نظرة توحي بالكره المتبادل ، فيما طالعت "زينات" بأعين ضيقة تراقب تعابيرها ما ان كانت ستقترب ام لا، وكي لا تثير الشكوك في رأس الضابط ، فعلت بأصلها واقتربت تتفقدها بنظراتها التي تصنعت بها التمثيل المبالغ به وارتمت في أحضانها واستطاعت بأن تذرف الدموع التي صدمت البعض وهي تردد ببكاءٍ زائف :



_شوفتي ..شوفتي يا خالتي خدوني وظلموني وبهدلوني ازاي ،حسبي الله ، والله ما مسامحة..مش مسامحة أبداً كل اللي ظلموني وجم عليا.



ابتسم "شادي" بتهكمٍ مخفياّ كل الإنفعال كي لا يكبر حجم الأمر عن ذاته فيما خرج صوت "حازم" تزامناً مع طرق الباب للاستئذان بدخول "غسان وبسام":



_صادقة ..لا صادقة أوي، متقلقيش يا بنت عمتي أنا واقف في ضهرك وهرجعلك حقك ، معاكِ راجل!



تفاجأت من حديثه المتصنع والكل يعلم مدى مصداقية النبرة الذي ردد بها كي يوقف رميها للتهم ، فدخل من الباب "غسان" و"بسام" ، دخل وهو يغلق سحاب سترته وعلى وجهه هربت التعابير بل حل محله الجمود ، الجمود الغير مفهوم حتى وان كان الآن بين ذراعي "شادي" الذي ربت على ظهره بقول:



_متقلقش يا غسان ، شدة وتزول والكل عارف انك صاحب حق، وان مجاش أجبهولك لو فيه دمي يا صاحبي.



تلبسته الحمقة في آخر قوله لصديق أيامه، فأعطاه "غسان" بسمة صغيرة لم تصل لعينيه ورحب بـه "حازم"و"بدر", بعدما انهوا الترحيب بـ "بسام" الذي خرج من بين ذراعي "شادي" الذي أراد التخفيف عنه وعن أرقه فمازحه كي يرى بسمته التي لا تقارقه وهو معه دائماً :



_كفارة يا دكترة!



هل يردد هذا حقاً دون أن يضمن خروجهما؟ ضحك "بسام" بخفةٍ وربت على ذراعه فأشار له بالجلوس ليستريح فجلس بعدما أذن له الضابط بقبولٍ ، فيما نظر "غسان" لها بحدةٍ تحولت لملامح مبهمة ما ان وجد في وجهه "بدر" فسأله بنبرةٍ هادئة لا توحي بشىء سوى البركان الذي أسفل هذا الهدوء:




        
          
                
_طمني  على مراتي يا "بدر" ، قولي انها بقت كويسة ومتداريش عني!



هل وجد الرجاء في آخر قوله؟ ، هرب بعينيه ونجح ما ان نهض الضابط بخفةٍ محاولاً اصلاح الأمر في نبرة وارت خلفها هذا بقوله الذي خرج للتو :



_طيب أنا هسيبكم هنا خمس دقايق عشان خاطر المتر ، يمكن تتصافوا وكل حاجة تنتهي زي ما أتمنى ان ده يحصل ، وهرجع تاني، خدوا راحتكم ، المكتب مكتبك يا متر ملناش بركة الا انت!.



علاقاته الكثيرة هى من تنجية دوماً ، وجدية "غسان"و"بسام" بأخلاقهما المعروفه هما ووالدهما جعلت الحظ يحالفهما بضابط بشوش الوجه كهذا ..وهذا من النادر حدوثه في هذه المنطقة السكنية التي بها من المباني الكثير ومن الأشخاص أكثر ومن المشاكل والحوادث الأكثر والأكثر!!



ومع إغلاق الباب مجدداً ، التفت "غسان" وبمجرد ما ان وجدها اللحظة المناسبة ، اقترب في خفة لم يلحظها البعض وخنق رقبتها البارزه بعدما نُزع حجابها وبقت بما أسفل الحجاب التلقيدي! ، احمر وجهها مع كلماته المرتفعة قبال صدمة الكل:



_وعرش ربنا اللي ملوش زيّ ما أنا راحمك يا بنت الـ*** يا ***.



بفصلٍ سريع على الفور من "شادي"و"بدر"و"حازم" جعلوها تأخذ أنفاسها التي كانت ستنتهى من  قبضته الذي  اعطى لها ما يكبته فيها ، فخرج قول "حازم" المعنف له:



_اهدي يا غسان ، احنا في قسم وفي مكتب ظابط عامل واجب معانا ، اهدى وسيب كل حاجة وأنا هتصرف.



_تتصرف في حقي؟؟



سألته بإنفعالٍ فأكد "شادي" الذي أشار لهم بالصمت حتى يحتويه كما يبرع دوماً في فعل ذلك معه:



_أيوة يتصرف في حقك هنا ، ولما نخرج تشوف اللي انت عايزه.



ما يجعله يبرع في تهدئة هذا هو أنه يجاريه دون عناد ، وفي المقابل يعلم الآخر هذا ولكن من بين وقت الانفعال لا يريد أي حديث ، عكس ما حدث من  كلمات خرجت بغلٍ منها رداً على قول صديقه الآخير له:



_دا لما يخرج ، زي كدة لما يشوف حلمة ودنه، انتوا فاكريني هعدي كل حاجة كدة ولا ايه؟؟ ،  اقسم بالله العظيم ما هسيب حقي ليك يا غسان .. سامع ولا اعيدهالك عشان ممكن تكون ما بتسمعش؟



وفي مرة أخرى كمثل الآن تريد نفس الانفعال وربما أقوى كي يقوى موقفها ، أرادت كما أرادت من قبل وظنت انه سيقابلها بنفس الانفعال من قبل لحظات ولكن خاب أملها وفاجأها ولم يفشل في ان يُفاجئها دوماً ، حتى هذه اللحظة حينما خرجت منه نبرته الثابته وسُمى البارع في نقل محطات التعابير من وجهه أمام أوجه لا تريد له إلا الضياع:



_أنا عايزك مُصرة على اللي انتِ بتقوليه ده عشان اللي جاي ليكي مني مفهوش راحة ومتبقيش تقولي براحة..




        
          
                
وأشار يستفزها ليخرج أسوء ما فيها مستخدماً نفس الطريقة ونقشها بنفس النقاط ما ان أكمل بقية كلماته بكيدٍ والذي توقف ولم يكملها :



_عشان زي ما بتقولي.. مبسمعش ، وساعتها مش هسمعك وانتِ راجعة تتذللي!



راقبه الجميع بصمتٍ وتركوه يخرج الطاقة الكامنة بداخله تجاهها حتى لا يحدث شئ في الدقائق القادمة ، فلم يكن التالي منه بل سألته هي بتعابير متشنجة أمام نظرات "أسماء" تجاهها بالخزيٍ :



_هتعمل ايه يعني!!!



استخفت بقولها هذا قبال عدستيه الداكنة التي تقترب منها قبالهم فلم تسمع سوى.. سوى قول معهود يردده على الأغلبّ:



_لا ما اللي بيتكلم مبيعملش واللي بيعمل مبيتكلمش.



وأضاف في جراءةٍ زادت عندما دفع خصلاتها من الأمام لأسفل فتأوت بوجعٍ تلقائي خرج قبال حركته الجريئه وهو يكمل بتسليةٍ:



_فأنا عايزك تتفرجي وبس!



أمسكت جبهتها بوجعٍ. دفعت مقدمة صدره وهي ترد عليه كلمة بكلمة دون ترك المجال والساحة ليربح:



_انت اللي هتتفرج وشهودك دول مش هيجوا حاجة جنب اختي اللي هتشهد معايا!



جحظت عيني "زينات" فيما أشار لها بإستخفافٍ ولكن من رد كان "بسام" الذي اندفع يشير بكفه بغضبٍ حاول كبته :



_انتِ عايشة الدور ليه كدة؟؟ أومال لو كان اتحرش بيكي بجد كنتي هتعملي ايه؟ فاكرة نفسك مين انتِ؟؟



انفعال مهذب لم يتماشي مع رد شقيقه الوقح على جزء حديثه الأول:



_مستنضفش الصراحة، والمفروض دي تكون حاجة معروفة ، يعني بمجرد ما تقفي هنا تتمسكني اني قربت وحاولت أقرب منك هينكروا ده علطول بمجرد ما يبصوا على الخلقه من غير أي دليل ..



وأشار ناحية الشباب و"زينات" وهو يتساءل بجديةٍ :



_بقا بالذمة دي مناظر أتحرش بيها ، دا أنا أموت أهونلي قبل ما افكر أعملها.



لا تملك شكل مقزز لهذه الدرجة لكن أكثر ما يوجع الأنثى هو التقليل من جمالها ، وكانت تمتلك جمال العائلة ولكن على مواصفات تنطبق عليها هى بالتساوى دون الكثرة المفرطة في جمال ووضوح الملامح ، وأكثر رد منفعل خرج منها قبال الكلمات العشوائية بالتوقف عن الحديث فلم تتوقف وردت تحاول  ان تهزمه بقولها المندفع بغلو الدماء في عروق أنثى تقلل منها للتو قبال شباب كانت تريد الظهور في أحسن صورة أمام واحد منهم لأجل الزواج منه:



_شوف مين بيتكلم ، اسم الله على مراتك هى اللي ملكة جمال أوي ، انت مش شايف هى عاملة ازاي؟ محاولتش تخليها تبص في المراية؟؟ ولا اتعميت في نظرك؟




        
          
                
_مش ملزم أفسرلك هى حلوة وعجباني قد ايه! ، اعتقد ده صورم الحريم اللي بيقولوا عليه ولا ايه يا أم حسن؟ مش هو ده الصورم برضه؟



كان هذا رده البارد مخفياً أي ذرة انفعال خرجت بحرقة على من اختارها الفؤاد ورآها جميلة روحاً قبل الشكل ، نظر "غسان" لـ"زينات"  بقوةٍ بعد قوله واستطاع ان يجعل الدماء تغلي بعروق الأخرى ما ان نجح ما خطط له بخروج الحديث من خالتها كي يصبح الشاهد من أهلها هى:



_ نيروز جميلة ، ربنا يحميها ويقومها بالسلامة.



كان يريد أي شىء يشابه هذا الحديث ، ابتلعت "مروة" ريقها وهي تحدج الأخرى بسهام الغل والوقت يضيع بعدم التحدث بعد!، وما انهى هذا هو قول "حازم" لها :



_انتِ الخسرانة لو مشيتي فاللي بتعمليه ، أنا مش هحاول لو لقيتك بتضيعي هنا بسبب نفسك ، وانتِ حرة!



فأكثر ما وجعه في هذه اللحظة شماتتها بالرد ما ان قالت:



_اذ كان محاولتش عشان ابوك اللي خلفك ورباك ومات وانت ولا على بالك هتحاول عشاني أنا؟؟ متشكرين يا متر عارفة أنا بعمل ايه كويس أوي واللي هيفضل هنا هو انتم مش أنا وهنشوف!.



تابعت الشر في عدستيه ومحاولاته الكثيرة مع نفسه كي لا يفتك بها الآن في هذا المكان ، وقبل ان تردد "زينات" بشىء لها رد "غسان" في وقاحة أخرى وهو يجلس على المقعد بتعبٍ وشموخ طغى به بحضوره عليها ما ان جاب انفها المرفوعة وأسقطها لسابع ارض يسكن بها من شبهها بهم!!:



_ثقتك دي عاملة زي القرد اللي "مؤخرته" عريانة وفاكر نفسه مستور..



لم يتوقف بعدما قلل والقى كلماته  الجريئة بل  استرسل بنفس الوقاحة على الفور:



_ومؤخرته هنا احتراماً لسن الحاجَّه خالتك عشان انا شكلي كدة قلبي بقا رُهيف نحيتها.



وأضاف قبال كبت "بسام" و"شادي" ضحكاتهم لان الموقف كان لا يتطلب هذا حينها:



_وأنا لما قلبي بيبقى رُهيف قدام العواجيز بحترمهم ، فلولا الحاجّة كانت هتبقى كلمة تانية لايقة على الوضع اللي احنا فيه دلوقتي..سدي ودان خالتك وتعالي أقولهالك!



فُتحت الأعين ..قصد لتوه التقليل من "زينات" هى الأخرى التي اغتاظت رغم الخوف ، فتعمدت الصمتت قبال غيظ "مروة" التي نظرت لها تشهدها بقولها الشامت بها :



_شوفتي اللي واقفالي في صفه؟ ، ملهوش عزيز زيكم بالظبط وزي صنف عيلتكم الواطية.



_اللي امك منها!



كان هذا قول "شادي" ينبهها به ، فضغطت على فكها ، وجاراهم "بسام" من عزم غيظة وردد وهو يشير لها لتفسح مجال:



_عدي كدة يا ..قـرد.. قصدي يا ..مروة!



ما جعله يضحك هو شقيقه ، وانقلب الوضع لسخرية قبال ملامح "حازم" الصامته ومتابعة "بدر"  الذي انهى هذا بقوله:




        
          
                
_نادي الظابط يا "حازم" خليه يجي بدل  ما هى مش خايفة على مستقبلها ومصلحتها!



وتزامناً مع ذلك أخرج "حازم" الشىء الذي افرغ به تصوير المشهد  دون أن تنتبه هى ، فوقفت تهيئ حالها للمشهد الدرامي التي تود فعله بإصرار حينها مالت عليها "أسماء" تحذرها قبال دخول الضابط:



_متعمليش كدة يا "مروة "عشان خاطري، ارجعي عن اللي في دماغك ده ، غسان مش ناويلك على خير طالما ساكتلك كده ، وحياة أغلى حاجة عندك بـ….



فوضعت كفها على فم شقيقتها بفظاظةٍ وهي تشير لها بتبجحٍ:



_مش وقته صعبانياتك دي..مش هتاكل معايا ، وملكيش دعوة خالص غير انك هتشهدي معايا ، غير كدة مش عايزة اسمع!.



لمعت عينيّ الأخرى بمحاصرةٍ انقذتها في الحال كف "زينات" الذي احتوى يديها الباردة ونظرت بإطمئنان وهي تميل عليها  هامسة بكلمات كي لا تهاب الآتي!.



فيما دخل الضابط وجلس  بمكانه مع ترصصهم بشكل منظم جوار بعضهم أمامه فحالفها الحظ وهى تقف جوار "غسان" الذي نظر لها بطرف عينيه وهمس بتلاعب:



_سمي الله عشان محدش هيسمي عليكي!



رمقته بحدةٍ قبل أن تجتمع الدموع في عينيها الواسعة وتمسكت بكتفها وخرج صوتها الصريح قبالهم والمتوقع قوله منها هو:



_أنا عايزة أعمل محضر للبني آدم  ده يا باشا ، اللي اتحرش بيا واتهجم عليا في وسط الشارع قدام الناس ولو عـ…



أوقفها إشارة الضابط وهو يتفقد مظهرها وسألها وهو يشير للعسكري الذي يدون المحاضر بجواره:



_متأكدة من الكلام ده يا آنسة؟



استخدم الطريقة التلقيدية لعمله ، فأومأت برأسها بمسكنةٍ مع نظرته المتأسفة لـ "حازم" بأنه حاول فليس بيديه اجبارها على شىء ، فنظر له "حازم" بمعنى لا شىء ، قبال اشارة الضابط بقول:



_اتكلمي ، ايه اللي حصل في حين انك كنتي خارجة من التاكسي على حسب ما أنا متذكر..ها؟؟



نظرت ناحية الأوجه في متابعةٍ قبل الحديث فوجدت هنا بسمة ماكرة وهناك متابعات باردة ثابته وكأن ليس بيديها ضياع لمن يقف بجوارها ، هناك مشاعر قلق  تداهمها ولكنها أصرت وخاضت التجربة التي من المحتمل بأن توقع بها هنا اذا ما كان لم يتنازل الآخر عن ما ترمية عليه من تُهم وافتراءات كاذبة تريد بها الضياع له والمكوث هنا لموضع آخر مشابه به أشخاص ليسوا من أشباهه ولا أتباعه ..



أرادها تجارى عقلها وإصرارها كي يرى ذلها على يديه بعد الآن ، نظر بمتابعةٍ وانصات وهي تقص وحينما كان يُسأل ينفي أو يصمت لأن هناك محامي حاضر عنه هو قبال ظُلمها ، فانتظرها تكمل ليتحدث بقلةٍ فتجري الاجراءات بالبحث عن شهود ودلائل وهم معهم الدلائل والشهود في حين بأنها لا تملك الا شاهدة واحدة معها إذا شهدت!!!




        
          
                
____________________



«أتعلمُ يا أبي؟
ما حلَّ بي،
لا مِرآةَ أكسِرُها
لـِ يَنتشِر الطريقُ
حَصىً أمامي »
-محمود درويش-



هذا فراشٌ ومحلول معلق في وريده ، وهنا  تعب وانهاك ، وأحلام وفوضىٰ وعقبات وشقاء عاشه وملامح باهته لوجه من كان سببًا في هذا الشقاء ، ثم ملامح واضحة لآخر سبب في بُعده عن مكان الدفء ، عن الانتماء والسكينة ، عن أكثر أحضان وجد نفسه بها ، عن أكثر شخص بان أمامه كصغير لا مسؤؤل ولا رجل تحمل الكثير من الصعاب .



وجه والده يبتسم له ولكنه لا يبادله الإبتسامة ، والده الذي اختفت ابتسامته سريعاً ما ان ضربه شخص ما على مؤخرة رأسه لتندفع الدماء على قميصه عندما اتسعت عينيه بذعرٍ وخوف بان ما ان وجد أمامه شقيقه بعدما وقع والده أرضاً !!



هل قتل أباه؟



ابتلاع ريقه بصعوبةٍ كان الرفيق وهو بين هذا الحلم الذي كلما يتحرك به يعجز ، وكأن الضعف الذي عاش يخفيه ليستمر بان الآن وظهر وعجز أمام دفاعه عن نفسه ، مُنع جسده ان ينحني لوالده بعدما كتفه شقيقه بيديه وهو يبتسم له ابتسامة ليست  مريحة بتاتاً بل ظهر صدى لصوته الحاد رغم الضحكات العالية التي توحي بشره وقال له من بينها:



_لسه دورك!



لم يعتقد بأنه سيخاف الموت هكذا ، خفق قلب "عز" بسرعة فائقة وارتجف جسده مع استماعه لصوت بكاء "جميلة" وهى ترتدي الأسود في ركنٍ من الأركان وجوارها "فرح"  تناديه من على بُعد بعد الخط التي حُذرت بأن لا تتخطاه والا ستقتل:



_عز…تعالى يا عز، متسبناش هنا ، أنا خايفة أوي 



عشوائية في هذا الحلم ورؤيته للدماء ، لم يكن حلم بل كابوس، عقله لا يستوعب ومنع من التحرك بفعل تكتيف الآخر له ، فقط ما يسمعه منه بفحيح نبرته له هى تحاذير وتهديدات مشابهة  للذي كان يسمعها في الماضي :



_دروك بعد ما خدت كل حاجة مني!



انحلت عقدة لسانه وأصبح له حق التبرير والدفاع عندما صرخ بقوةٍ:



_مش أنا والله ما أنا ..مليش ذنب والله العظيم مليش ذنب.



لا يريد التبرير لا يريد الضعف ، منصدم من كونه هكذا وكلما يفعل عكس ذلك تجبره نفسه على الصراخ المقابل لصراخ الآخر له:



_لا انت ، انت واللي زيك مفيش عشان انت السبب في كل حاجة بتحصلي، انت السبب في وحدتي وكسرتي ، انتَ!!



_والله العظيم ما أنا والله ما انا



_انت !



_والله ما انا ، انا زيي زيك ، زيي زيك لقيتني وحيد ومكسور، مش أنا ، أنا عاجز، أنا مولود عاجز عن كل حاجة الا عن مسؤوليتي ليهم ، مولود كبير , ملحقتش اشوف نفسي صغير يا شريف..والله ما أنا!!!




        
          
                
القَسم يتردد كثيراً تراخت قبضة الآخر ما ان استمع لصراخ والدته هو ، والدته الذي رآها "عز" لأول مرة في هذا الحلم ما ان صرخت عليه بصوتٍ عالٍ وبشدة:



_أبوك؟. قتلت أبوك يا شريف؟؟ أبوك!!



بكى قبالها وكأنه وعى للتو أنها هنا ، في بدلته الحمراء الخاصه بالإعدام  دخل بين ذراعيها وهو يبكي بضعفٍ فوقف الآخر بذهولٍ ينظر بأطرافٍ باردة ما ان دفعته بعناقها آخر شخص كان يتوقعه ، من بادرت بإحتضانه شقيقته من الأب "بُثينة" التي كان ظُلمها سبب لتعاسة أشخاص كثيرة منهم هو الآن 



وضعت رأسه على قمة صدرها فوجد بها حنان والدته الفياض ما ان ربتت على ظهره بتعبٍ ورددت بأسفٍ :



_أنا آسفة ، حقك عليا يا"عز"، حقك على أختك يا حبيبي!!



وبعدها صدى لأصوات كثيرة بكلمات أكثر آخرها :



_ارجع!.. ارجع!!



تتردد وتترد حتى وضع يديه على أذنيه يخفي الصوت  يحاول الرجوع لموضع شقيقته وزوجته ولكنه يعجز للوقوف هنا ، يعجز ويُجبر على مرافقتهم وترك الآخرين ، فلم يتلقى سوى صوت صرخة عالية انطلقت من فم شقيقته وهي تردد بإسم زوجته فبرقت عدستيه ما ان وجدها متسطحة على بعدٍ وهي تتمسك برداء أبيض كان يحبه عليها كثيراً وغابت عن الوعي من عزم البكاء ،. حينها ولأول مرة في هذا الوضع لم يعجز عن  الركض وتحرك من هذا المكان وتركهم بعدما ساعدته شقيقته الأخرى على الركض ناحيتها فخفق قلبه وكان اطول طريق يسلكه رغم قِصر المسافة فكلما يحاول الوصول تطول المسافة ومازلت الصرخات تعلو منه بإسمها كذعره بأول مرة:



_جــــمـــيـــلــة!!



دوت الصرخة بإسمها منه عندما انتفض من على الفراش فخرجت الابره من بين يديه ووقعت الوسادة التي بجانبه مع الكوب الذي تهشم أرضاً ، وجهه الذي يتصبب عرقاً وضربات قلبه العالية  ووجد الدموع على وجهه ، هل كان يبكي في الحقيقة؟؟ هل كان هذا كابوس به الكثير من الأشياء الغير مفهومة؟؟ ، هبطت دمعته بذهولٍ ووجد الممرضة تركض ناحيته تعطيه كوب آخر من المياة وآخر ينظم وضعه من جديد وهو يتلفت لهم برأسه في عدم فهم للمكان فأين هو وماذا جاء به إلى هنا؟؟.



فبعد قليلٍ حثوه على أخذ أنفاسه بهدوءٍ فإعتدل يجلس ما ان تذكر آخر ما حدث له ، أراح ظهره بفعلهم ونظر في الفراغ بعدما تجرع من الكوب ، فطرق الباب رجل خمسيني العمر مع زوجته في لهفة ما ان علموا انه فاق للتو وكانوا في زيارة له في الخارج..



دخلو مسرعين وقال الرجل وهو يسحب مقعداً ليجلس مع خروج الممرضين الذين لم يمنعوا جلوسهم:



_حمدلله عالسلامة يا بني، أخبارك ايه دلوقتي؟.



نظر"عز" للأوجه محاولاً تذكر من هم ، وهو يعتدل وسعل بتعبٍ وعينيه تدور ورغم ذلك لم يمنع سؤاله لهما :




        
          
                
_انتوا مين؟



_احنا ناس على باب الله ، ربنا جعلني نصيب لما أخدتك من عند التُرب بعد ما وقعت وجبتك على هنا علطول ، ألف سلامة عليك متقلقش انت كويس بس بقالك يجي يومين  مفوقتش..حمد لله على السلامة مرة تانية ومتقلقش حاجتك معانا ، قوم انت بس على رجلك وأنا رقبتي سدادة لأي حاجة تحتاجها شكلك طيب وعلى الله .



كلمات كثيرة عليه لم يرد عليها سوى رد معتاد بخواءه هذا:



_شكراً ليكم ، كتر خيركم ، مش عارف أرد جميلكم ده إزاي.



نفت السيدة برأسها بطيبةٍ وفتحت الحقيقة تقدم له علبة الطعام التي اعدتها على أمل افاقته اليوم ، فرفض هذا بتعبٍ وهو يضع يديه على موضع قلبه الذي كان يخفق بقوة قبل قليل من ما رآه:



_شكراً ، مليش نفس ،  تسلم ايدك.



نفت هذا بمشاكسةٍ لاقت بعمرها وهي تجلس بجواره على الفراش وكأنها من انجبت هذا الجالس على الفراش لا حول له:



_لا ازاي بقى؟. لازم تاكلك حاجة ترُم عضمك ، ولا انت بقا قاصد تكسف ايدي وتكسف الحج عشان جابك مستشفى حكومي مفيش فيها الخدمة اللي هى يعني!؟



رفض هذا بسرعة وهو يلتقط منها العلبة بقوله:



_لا والله مقصدش ، دا كتر خيركم على كدة ، قولولي بس محتاجين ايه وأنا رقبتي تسد.



_احنا لحقناك لله يا بني ، ولو يعني مُصر تعمل حاجة ، ادعي ربنا يصبر قلب الست اللي قاعدة جنبك دي؟



وبمجرد ذكر هذا لمعت عينيها ، فلم يمر على وفاة ولدها إلا اسبوعين وأقل فكانت في زيارة هناك له مع زوجها ، نظر "عز" وعلامات الاستفهام على وجهه فصرّحت له بتحشرجٍ وهى بجواره تنظر وكأن عقلها يخيل لها بأن هذا ولدها وهو على فراش التعب قبل الوفاه:



_كنت في الترب بزور ابني , ربنا اختاره من اسبوعين ، النهاردة أول يوم في الاسبوع التالت ليه ، كان حلو كدة زيك وطول بعرض ، اسم الله عليك يا بني  ربنا يخليك ويحفظك.!



نظر بأسىٰ فأكملت بدموعٍ هبطت منها وهزمتها:



_أصل كان طيب ووشه فيه القبول زي وشك ده ، خد حته من قلبي وراح بس ما يتعزش على اللي خلقه وخلقنا .



رضت بالقضاء وهى تبتسم في قوة لا يعلم من اين جاءت ، فرفع كفه يربت على كفها بتأثرٍ ودعى له:



_ربنا يرحمه ويغفر له ويجعله من أهل الجنة، ويصبركم على فراقه.



قالت"آمين" هى وزوجها المبتسم بحزنٍ ، ففتحت العُلبة بلهفةٍ وهى تقول بنفس اللهفة وتداخل ذكر اسم ولدها مع الكلمات:



_كُل بقا ، دا أنا عملالك شوربة خضار هتاكل صوابعك وراها يا "خالد"!



هل ذكرت اسم "خالد" للتو.؟ تفهم ما فعلته فلم تنتبه ومازالت تردد بلهفةٍ فتلقى "عز" من الرجل نظرة أسف ، فنظر له بتفهم ورغم عدم مقدرته ولكنه فتح وراضاها  بتناول طعامها الذي مدح به بقول:




        
          
                
_أكلك جميل أوي ، تسلم ايدك!



_تعيش يا حبيبي ، خالد برضه كان بيحبه أوي ، مكنش يحب ياكل من ايد حد غيري ، كان يقولي أكلك حلو أوي يامه ومبستطعمش اي أكل تاني غيره!



لمعت عينيه تأثراً وأكمل تناول الطعام كي يراضيها فسعدت من هذا ، وجلست جوار زوجها من جديد ، في حين انتهى هو بعد دقائق وشكر في الطعام من جديد وابتسم يتساءل بانتباهٍ:



_ممكن تليفوني بعد اذنك ؟ لو معاكم !



فتحت حقيبتها بسرعة تعطيه الهاتف والمحفظة وما يخص جيب بنطاله ثم اعطته حقيبة بها ملابس من ملابس ولدها ونهضت تتحدث :



_هم قالوا بره انك ينفع تخرج النهاردة ، انا كنت عايزاك تيجي بيتنا تنورنا اهتم بيك بدل الإهمال اللي انا شايفاه ده ، بس لما جيت النهاردة جيت وجبتلك لبس معايا عشان لو خرجت.



نظرت بمتابعةٍ فأكملت بقليل من الحرج واتضح أنها عفوية كوالته تماماّ فتذكرها بتعابير وجهها وهي تكمل:



_الحج ناصر قالي نشتريلك  هدمة جديدة تلبسها بس أنا قولتله أنا نفسي حد يلبس من لبس ابني عشان يفتكره، هو نفس جسمك طولك بعرضك كده ، فـ.. يعني لـو أ..آا..



تعلثمت بحرجٍ فحاول النهوض بسرعة من على الفراش فسانده زوجها وهو يسرع،فوقف "عز" يبتسم ملتقطاً الحقيبة منها برضا تام وقال بلباقة ممزوجة بالتأثر :



_ليا الشرف اني ألبس لبس ابنك  الله يرحمه  يا..أم..



وتوقف يسأل بخفةٍ :



_هو ابنك اسمه ايه؟



لمعت عينيها ورفعت رأسها ترمش بأهدابها وهي تجيب:



_اسمه "خالد"، خالد ناصر"!!



نظرت ناحية "ناصر" زوجها الذي ابتسم ، فابتسم ونظر "عز" ناحية المرحاض مستئذناً ليرتدي ملابسه فسانده الآخر بإصرار ، فيما بقت الأخرى سعيدة وحزينة بنفس ذات الوقت ولفت انتباها من بين الدمعة التي سقطت صوت الرسائل خلف بعضها من هاتف "عز" الذي فتحه وتركه على الفراش ودخل يبدل ملابسه!!.



رأت به وجه ولدها أو هكذا ما تريد ، لمعت عينيها وهناك مشاعر حزينة تجتاحها على الحزن الذي كان يداهمها ولا يزول ، ففكرة رحيل الآخر تجعلها حساسة،  خاصةّ ان ولدها المتوفي كان وحيد على ابنتين فقط! ، أخرجت البطاقة الورقية بلهفةٍ التي طبعتها وجاءت بها لتعطيها لـ "عز" التي انقذته هى وزوجها فقد كانت هذه البطاقة تحتوي على دعاء لولدها المغفور له باذن الله فكانت كلماتها كالآتي:-



_«" خالد ناصر " فقيد الشباب»
_«اللهمّ إن كان محسناً فزد من حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته. اللهمّ أدخله الجنّة من غير مناقشة حساب، ولا سابقة عذاب. اللهمّ آنسه في وحدته، وفي وحشته، وفي غربته ، اللهمّ ارحمه فإنّه كان مسلماً، واغفر له فإنّه كان مؤمناً، وأدخله الجنّة فإنّه كان بنبيّك مصدّقاً، اللهمّ احشره مع أصحاب اليمين، واجعل تحيّته سلامٌ لك من أصحاب اليمين. اللهمّ بشّره بقولك "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية". اللهمّ اجعله من الّذين سعدوا في الجنّة، خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض,اللهمّ انقله من مواطن الدّود، وضيق اللّحود، إلى جنّات الخلود. اللهمّ احمه تحت الأرض، واستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون "يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم».




        
          
                
________________



أقوال وحديث كثير ، أغلبه منها فكان خادع كاذب ، تتصنع هى ذلك به أمامهم ، أمام الضابط الذي أشار بتدوين أقوالها ، وأقوال "غسان" الذي نظر ناحية "حازم" وهو يردد بقوله المدافع به عن نفسه بعد كل الذي قاله ، فهو يكمل الآن ما بدأه:



_أنا لسه عندي كلام مقولتوش ، غير كلامي اللي بدافع فيه عن نفسي وبما انها مكملة وعايزة المحضر يبقى قضية فأنا مش هفضل أدافع من غير أدله زي ما حضرتك قولت..أنا عندي شهود ومعايا بره ببطايقهم وعندي أدله تانية من قبل ما تقول وتدور عليها!!



وأشار تجاه "حازم" يخبر الضابط للمرة الرابعة:



_حازم حاضر عني أنا بس ، ومعاه اللي يثبت اني مش كداب واني متحركتش نحيتها عشان اتحرش بيها ، وهدومها المتقطعة قدام حضرتك دي كلها بلح ، وهى اللي مقطعاها بنفسها في وسط الشارع قدام الناس!



اندفعت ببكاءٍ تمثيلي تشير له بدراما برعت في حبكها وكأنها في حلقة من مسلسل درامي للتو:



_ اخرس يا كداب ، دك قطع لسانك اللي بتتبلى بيه عليا ، هقطع هدومي ليه قدام النـ…..



_الـــصوت !!!



ضرب الضابط بكفه سطح المكتب فإنتفضت تصمت قبال نظرته الجامدة لها ، فعاد "بسام" هو من يكمل وردد بتكرار لما سبق قوله:



_مع احترامي لوجود حضرتك يا باشا ، دي واحدة كدابة ، وكلامي اللي قولتله بَعيده تاني ، هى نزلت من التاكسي تجر شكل "جميلة" بأي كلام وبعدها اتبلت على اخويا انه اتحرش بيها من قبل كده وفي المكان نفسه قدام الناس ، فعشان كدة احنا حواليها بننجدها منه أو بنكتر عليها عشان نشيل اللي عمله لكن كل ده كذب ومحصلش ، هى فجأه شقت قميصها ومثلت اللي بتتكلم فيه دلوقتي هنا قدامنا واللي كان شاهد على كلامي أنا واخويا البواب بتاع العمارة وبعض السكان ، حضرتك طلبت حضور الحج سلطان بواب العمارة بس  "حازم" جابه معاه بره وهو جاي بما انه فاهم الاجراءات واللي بيمشي هنا كويس!.



أومأ له الضابط ورفع يديه للعكسري في اشارة وهو يأمره:



_دخله يا بني، وهاتلي بطاقته!



وافق مسرعاً وهو يخرج فوجد صوت فوضى ربما وصلت "زهور" مع "سامر" ، فيما كان "غسان" في الداخل ورغم كل هذا بنصف عقل لتفكيره بـ "نيروز" وما انتشله من ضياعه هو سؤال الضابط له:



_هى دي كل أقوالك؟ لسه عندك حاجة؟



رفع رأسه وقال مختصراً :




        
          
                
_الباقي كله بتاع المتر!



وبمجرد دخول البواب ابتلعت "مروة" ريقها فاندفعت تردد بسرعة:



_أنا كمان عندي شاهد ، اختي.. اختي شاهده على كل اللي قولته بإنه حصل ساعتها بالظبط!



خفق قلب "أسماء" التي صمتت إلى حين دورها ، فأسرع الضابط بالإشارة نحو "أسماء" قبل ان يتحدث البواب حتى يستطع معرفة الحق ، فإهتزت عدستي "أسماء" ونظرت ناحيتهم وشجعتها "زينات" التي تذكرت همسها لها بعدم الخوف من الحقيقة وستصبح في حمايتها وحماية "غسان"و"حازم"، فأخذت أنفاسها متحاشية النظر نحو نظرات "مروة" التهديدية وصرّحت:



_أنا..أنا كنت فوق مع خالتي زي ما قالت بس لما نزلت ملقتش "غسان" جنبها ومن قبلها لما بصيت من البلكونة مكنش في وضع يخص اللي أختي مروة قالته يا باشا ..أما بالنسبة لاتهامها ليه بأنه رجع سكران قبل كدة أو حاول يدخل البيت ويتحرش بيها فـ…..



ارتجفت يدي "مروة" لم تتوقع هذه الشجاعة منها كي تصرّح بهذا وتتخلى عنها ، اتسعت عينيها في صدمة وشعرت بالضياع يرافقها ما ان أكملت الأخرى في ثباتٍ أخذته من كف "زينات". الذي يربت بحنان على ذراعها :



_فـ ده محصلش خالص ، حضرتك "غسان" انسان محترم ومحدش شاف منه حاجة وحشه هو و"بسام" ، الاتنين معروف عنهم بالأدب والأخلاق وتربية الاستاذ "حامد" معروفه لو سألت في العمارة كلهم يشهدوا بأدبه وأخلاقه وعقله ، عمر ما الكاس يعرف طريقهم دي ناس من ساعة ما عرفتهم وهم بيصلوا ومش بيضيعوا ولا فرض..وأنا كمان ساكنة مع خالتي في شقتها فعمري ما سمعت حركة تدل على انه حاول يدخل أو عمر ما مروة زعقت عشان تحاول تبعده ،لانه مدخلش الشقة من أصله..حضرتك دا راجل متجوز وبيحب مراته وحامل كمان في ولاده ربنا يقومها بالسلامة.



امتن ولأول مرة يمتن لها بعينيه لم تخيب نظرته المشفقة لها وعليها ، امتن لها كما امتن شقيقه والشباب فيما نظرت"مروة" بقهرٍ من الصدمة  التي لم تتوقف إلى هنا عندما حذرها الضابط:



_كل حاجة لحد دلوقتي بتقول ان كلامك ده محصلش ، لو انتِ بتعملي ده لأجل مسائل شخصية ، خليكي فى غنى عنها عشان موقفك  هيبقى ضعيف وصعب!!



انتظرها ان تتحدث بشىءٍ ولكن صدمتها جعلتها تصمت وتلقت من "غسان" نظرة ماكرة فهمتها الآن وزاد الضياع ما ان نظر الضابط في بطاقة البواب وأشار له بقوله:



_احكيلي اللي حصل واللي شوفته بالظبط وقت ما الآنسة دي نزلت من التاكسي!



_حاضر يا بيه!



كان هذا قول سلطان الذي أسرع "غسان" في مد ذراعه كي يسانده فنظر له بإمتنانٍ وأكمل:



_الصراحة يا بيه انا بفضل قاعد مفنجل عيني لحاجة تحصل كدة ولا كدة ، بس ساعة ما الست "مروة" نزلت من العربية أنا كنت متابع ان حاجة هتحصل أصل الصراحة هى لمؤاخذه معروفة انها بتجر الشكل وربنا يهدي يعني.. فأنا كنت موجود وهي نازله وكان ساعتها الدكتور "بسام" موجود مع الجماعة بتوعه و"غسان" مكنش لسه موجود لأن هى جرت معاهم شكل قبل ما هو يجي ، لان هو جه بعد كدة هو ومراته يا بيه وبعد كدة الصوت طلـ..




        
          
                
بتر قوله الضابط وشعر بشعور ليس صحيح حينما سأله بذكاءٍ:



_وانت ازاي قدرت تفرق بينهم بالشبه ده وعرفت ان اللي كان موجود الأول كان بسام مش غسان ؟



فرد الآخر مسرعا بصدقٍ:



_بعرف أفرق بينهم ، أنا أعرفهم من زمان من وهما صغيرين بس مشوا ورجعوا تاني ، وان معرفتش افرق يا بيه ففي طريقة البس يتعرفوا وكمان الدكتور بسام كان مع جماعته ساعتها!!



_تمام كمل!



_ وحصل شد بين اخت الاستاذ "حازم" المحترم  فاتعاركوا عاركة ستات زي ما انت فاهم واتدخل الدكتور يشيل وكنت رايح لهم فنادى علي "غسان" اخوه خلاه يتحرك والمدام ساعتها كانت بتصرخ، فهو شال جماعة الدكتور بعيد ولما جه يبص تاني في وسط التجمع هي قامت شقه ولمؤاخذه هدومها واتبلت عليه بإنه كان بيحاول يقرب منها وجاب الستات اللي هما الجماعة عشان يتلموا عليها يعدموها العافية  وحصل شد في الكلام لكن ربنا اللي يشهد ان الاستاذ غسان مفتحش بؤه بولا كلمة حتى الجماعة بتاعته قالتله يتكلم ويرد ويدافع عن نفسِيه بس هو كان عاقل وحاسبها صح بإن اللي هيحصل بعد كدة مش خير ، وبس يا بيه هو ده كل اللي حصل قبل ما الشرطة تيجي تاخدهم وتسيب جماعة الاستاذ واقعة من طولها على الأرضية يدوبك شالها الاستاذ حازم وطلعها بعد ما مشيتوا علطول!



لم يتوقف حتى لأخذ أنفاسه ، كتب العسكري هذا في المحضر، فيما سانده "غسان" بقوةٍ فأعطاه الضابط البطاقة" وشكره مردداً:



_تشكر يا حج سلطان ، تقدر تتفضل انت!



ناوله "حازم " البطاقة وعاد يجلس في حين اعتدلت "مروة ". تنفي برأسها بتيهةٍ أخرجها منها قول الضابط وهو يرفع حاجبيه:



_لسه عند قولك برضه؟؟



وأكمل بتوضيحٍ لصبره:



_أنا عاطيكي فرصة لأجل صلة القرابة اللي بينك وبين المتر ، واللي بتقول ان المشاكل العائلية دي كان أسهل حلها في قعدة رجالة وخلاص يا مروة!



فهمس "غسان" وهو يقف جوارها:



_دا لو عندها رجالة!



هنا وتدخل "حازم" بهدوءٍ:



_قصره يا باشا مصر ، لو بتطالب بدليل تاني  فهو موجود عشان الحق يبقي بالقانون من الجهتين!، احنا ناس حالفين وقايلين القسم برضه!!!



لها وله؟ ، حرك الضابط رأسه بإبتسامة واسعه من اللقب الذي لقبه به الآخر بخفةٍ فإذ به يجد نفي "مروة" المندفع بسرعة فائقة:




        
          
                
_لأ..لاا



نظروا لها جميعاّ عدا "غسان" الذي لم يحرك رأسه بل ابتسم بإصفرارٍ لم يتلاشى حتى بنهوض الضابط ما ان استمع لصوت صراخ من امرأه في الخارج تريد الدخول ، فنهض يرى ما هذه الفوضى ، فإلتفت "غسان" الذي ميز الصوت بذكاءٍ وخفه وردد بتوعدٍ:



_وحياة أمك اللي بتزعق بره دي ما عاتقك!



ابتلعت ريقها تحاول محو الكبرياء قبال عدستيه ، فدخلت "زهور" ما ان علم الضابط بأنها عمة الأخر وابن عمته ، مقتنعًا بأنها قرابة عادية ! 



اندفعت "مروة" بين أحضان "زهور" ووقف "سامر" ينظر لها بتفحصٍ واحتقارٍ ما ان علم المختصر من العسكري الواقف على الباب ، ومن ثم وجد من يرحب به على عكس العادة:



_أهلاً بيك يا سَمرة في مكان أكل عيش أختك.



عقد"سامر" حاجبيه بجهلٍ وسأله بإستخفافٍ ولم يخفِ نظرات الكره تجاهه والمتبادل ايضاّ:



_أكل  عيش ايه؟؟



ابتسم "غسان" باستفزاز برع في إخراجه قبال المتابعة من الجميع عدا "حازم" وحديثه مع الضابط بإنشغالٍ فردد بنبرة هادئة تعالت مع أثر الكلمات:



_هو انت متعرفش؟ ، هو مش القسم بقى بيشجع المواهب؟؟!



فتساءلت "زهور" مع ولدها بآن واحد قبال بسمة "بسام" على رد شقيقه الذي خمنه للتو مع "شادي":



_مواهب ايه؟



_التمثيل يا أبو سَمرة.



اندفع  "غسان" في قولها بإعجابٍ ورفع إصبعه قاصداّ عدم اخفاء الإنبهار وهو يشير تجاه "مروة" مصرّحاً لهم :



_بصراحة هايلة! ، أبهرتني بأدائها النهاردة!



ثم رفع ذراعه على "شادي" وأكمل بسخريةٍ :



_حتى اسألوا "شادي"، أصله دمع واتأثر ، مش كدة يا شادي؟؟



كبت شقيقه و"بدر"ضحكاتهم قبال الغيظ ، فيما أخرج "شادي" منديلاّ ورقياً ومسح عينيه بطريقة تمثيلة وهو يردد ببكاءٍ زائف جعل الكفوف توضع على الأفواه لكبت الضحكات:



_خلاص  بقى يا "غُس" ، مش لازم تعرف الكل  ان دمعتي قريبة يعني!



وقفت "مروة" جوار والدتها فيما أمسك "سامر" ذراعها بقوةٍ وهو يميل هامساً:



_انتِ عملتي ايه يا بت؟؟ ، الكلام اللي سمعته بره ده صح؟؟



حركت رأسها تؤكد في حين رأى الضابط ما يوجد مع الآخر وعاد يجلس مشيرًا لهم بصمتٍ فوقف الجميع بسكونٍ وعم الصمت وهو يشير بحزمٍ ناحية "غسان"و"بسام":




        
          
                
_لسه عندكم حاجة تقولوها؟؟



نفى برأسه مع شقيقه ، فخرج حديث"مروة " ببكاءٍ تحاول التمسك بأي شىء هنا كان البكاء بصدق من الخوف ومع ذلك انكرت بـ:



_دول كدابيبن ، كدابيين !!



_انتِ اللي حطيتي نفسك في الموقف ده ، والخروج منه صعب مش فإيد حد غيره لو وافق يتنازل عن اللي رافعه ضدك!



قال الضابط هذا في لحظة توتر زادت ما ان سأل الضابط "غسان":



_موافق تتنازل؟



استقام "غسان" أكثر ونظر ناحية الأوجه ، وساد التوتر أكثر ما ان اخذ أنفاسه يردد بقوله الذي رفضه :



_لأ.



خفق قلب "زهور" و"مروة" التي نزلت دموعها بغير وعيٍ لما اقترفته بحق نفسها وانهارت في البكاء وعدم التصديق ما ان ردد الضابط بإخلاء سبيل "بسام وغسان وأسماء" وعندها توقف يمليه الآتي بعدما أملاه براءة الآخرين الصغيرة:



_ويتم حبس "مروة سيد عبده المحمدي" أربعة أيام على ذمة التحقيق إلى حين ….



أكمل كلماته ونفت"زهور" بلهفةٍ وهي تهرول ناحيته حتى تترجاه:



_ بالله عليك ما تعمل في بنتي كدة حرام تضيعها كدة وتضيع مستقبلها ، اعتبرها عيلة وغلطت وامسح غلطتها فيا، خد حقها مني أنا بـ..



بتر قولها حينما أنهى وضع  الهاتف ومحفظته في جيب سترته ورد بحدةٍ:



_وحقي وحق مراتي فين من كل اللي حصل منها من ساعة ما شوفناكم؟؟ ، ارجعي.



أشار لها بعينيه وتحولت نظراته ناحية "سامر" الذي أمره وكأن حضور طغى على حضور من يجلس هناك:



_خد أمك وامشوا من قدامي، وده الأحسن ليك دلوقتي!



هدده بنظراته فلم ينتظر حتى يوافق بل سبقه شقيقه و"بدر" قبل دقائق حينما مضى شقيقه فمال يمضى هو الآخر وأشار بوداع سريع بعينيه احتراماً للجالس وترك المكتب وخرج بعدما راضى جزء الحق ما ان رأوهم يسحبونها ناحية الحبس من جديد ، وبكاء والدتها وحديث "سامر" تعالى في محاولة للمنع ، فتم طردهم من الفوضى وخرجوا خلفه هو الآخر بعدما رافقه "حازم"!!



وقف "شادي" يعطي زجاجة المياة لـ"بسام" الذي غسل منها ذراعيه ووجه وشرب ثم وقف ينتظر شقيقه الذي خرج بخطواتٍ سريعه مقدماً كفه لـ "شادي" وطلب بلهفةٍ :



_المفتاح!



لم يتركه  ليتساءل بل انتشله مع تساءل "بسام" له:



_هتعمل ايه يا "غسان"؟



انفعلت تعابيره وانفلتت أعصابه من كم الضغوط فخرج على شقيقه صراخه :




        
          
                
_هشوف مراتي هعمل ايه يعني ، ما تـخـلصوا !!!



كل هذا الخوف ولم يعلم بعد بأنها في المستشفىٰ فمن قرر إخباره "زينات" التي قررت قولها له فهو سيعلم لا محال:



_مراتك في المستشفى وحالتـ…



لم يسمع شىء بعد ذلك بل سقطت الزجاجة الصغيرة التي خرج بها من الداخل ووقف في صدمةٍ يردد وكأنه صدى لصوتها:



_مستشفىٰ!!



وقف الكل في متابعةٍ لتعابيرة ، فأغمض عينيه بألمٍ وكلما يخرج من شىء يدخل بأخر وكأنها حلقات متواصلة لا نهاية لها ، لا نهاية للوجع ، ركض في الناحية الأخرى بسرعة بعدما انتشل المفتاح وركب سيارة صديقة الذي ركب بسرعة جواره قبل ان يتهور ، فركب "حازم" على الناحية الأخرى ومعه "زينات"و"أسماء" الذي قرر العود بهم ناحية المبني ثم يسرع في التقدم ناحية المستشفى لهم ، فسارت السيارتين تزامناً مع خروج "زهور"وولدها وهي تبكي مستندة عليه لا حول لها ولا قوة والصدمة رفيقتها من ما وضعت  ابنتها نفسها به فلا شىء أمامهم سوى الترجي لـ "غسان" حتى يتنازل!!



قاد السيارة بسرعة فائقة رغم حديثهم بأن يُهدئ واتصال "حازم" من خلفهم ليحثهم على الهدوء في السرعة ، ولا حياة لمن تناديه الآن ، كل ما بعقله هى ، وحمل نفسه كل الذنب فحدق في الطريق بشرودٍ وتعرق وجهه مع عينيه اللامعة وهو ينهر نفسه كما يفعل على الأغلب ونزلت التساؤلات..



لمَ لم يستتطع اللحاق بها ؟ ماذا حل بها الآن؟ هى؟ وصغاره؟ تساؤلات كثيرة على عقله وهنا دمعة سقطت للتو من عينيه التي منعته من فعلها منذ بداية العقبة وانتهت بدمعه وحيدة قاسية على وجهه الممتلىء بتعابير الخوف ، أغمض عدستيه يدعي بينه وبين نفسه في خوفٍ وضربات قلبه تزداد بقوة السرعة لا من أجل القيادة بل كانت الضربات لها هىٰ ، تدق خوفاً لها ، خوفاً من ضياعها وضياع صغاره!! ، حتى يديه لم تسعفه هى الأخرى وترتجف أناملها الآن ولم يلحظ بالوجع إلا شقيقه التي تختنق أنفاسه بشعور ضيق الصدر منذ الصباح تتكرر كثيراً هذه العادة كونه التوأم الأكثر تأثرًا بالآخر وتلقائياً من كثرة الخوف اعتقد ان يديه هو الآخر ترتجف مثل شقيقه فسيطر على هذه الحاله وهو يضم قبضته ولأنه بجانبه في الأمام مسح وجه شقيقه بحنوٍ ولم يشعر باختناق نبرته حينما حاول أن يطمئنة بقوله:



_متخافش ..والله العظيم هتبقى كويسة ، خلي أملك في ربنا كبير!



أخذ "غسان" أنفاسه بتقطعٍ ولم ينظر تجاه وجه شقيقه كي لا يضعف بل تعمد التجاهل وخرج رده دون النظر له او النظر في المرآه لهم في الخلف:



_مش قادر أقول مش خايف ، مش قادر يا "بسام" ، قلبي مش مطمن المرة دي .



تحشرجت آخر نبرته وكأنه على مشارف البكاء ،. فمنع "شادي" "بدر" من التدخل لرفع ذراعه أو ما شابه بل أشار له بتركه بدلاً من ان يدفعه أو يمنعه بفظاظةٍ من بين اللاوعي ، فوجده يتفادى سيارة فتحركوا بشدة ،. ومُنعوا من تعنيفه لأنه الآن ولأول مرة تهبط منه الدموع خلف بعضها دون محاولة لإخفاءها بل تركها تهبط دون انكماش ، تركها بملامح خاوية ورجفة يد وخفقات قلب تزداد كلما يقترب ..




        
          
                
حتى انتهى به المطاف إلى ركن السيارة  فمسح وجهه وخرج راكضاً مهرولاّ وتركهم ، تركهم وأحدهم خلفه يركض وهو يردد له بأن يتوقف حتى يخبره مكان غرفتهم لأن تم منعهم من الوقوف أمام الغرفة التي هي بها ، فحتى هذا تاه عنه وهو يركض بسرعة وأثار دموعه على وجهه ، ابتلع غصته وهو يتفقد كل شئ من حوله ومازال الركض مستمر وكأنه يركض بساحة معركة انهزم بها وضاع منه أغلى ما يملك ففاق ليجد نفسه وحيداً تائهاً لا يعلم أين الطريق ، الشىء الوحيد الذي يعلمه بأنه يركض في هذه الساحة التي كانت حرب، يركض من أجل البحث لمصدر قوته وأمانه، من أجلها هىٰ فحتى وان كانت هى في نهاية الساحة وان كان الطريق لا نهاية له ، فسوف يأتي هو بالنهاية حتى يصل لها!! 



خوفه هنا..رهبته هنا وذعره أيضاً هنا ، فلا رحيل بدونها!!



____________



جاءت"وردة" قبل قليل بعدما سُحبت منها الدماء وتم التأكد من  نقاءها ، جلست تستريح واستندت برأسها على كتف "ياسمين" وغفت وما جعلها تستيقظ من هذه الغفوة هو وقوف "آدم" جوارها وهو يمد يديه بالأكياس مخرجاً عُلبة العصير وهو يردد برفق:



_خدي يا "وردة" اشربي عشان الدم اللي اتاخد منك ده!



لم تكن قادرة على المجادلة ان رفضت بل أخذته منه فعاد هو يقدم  البقية للكل حتى انتهى بإنحناءه لـ "حامد" وعلى سجادة الصلاة ، لم تكف "سمية" عن البكاء وتواسيها "دلال" وهي تصمت تارة وتبكي تارة أخرى ، وبين وقت والآخر تنادي الأولى ربها بتعبٍ ..



_نيروز غلبانة يارب ، واللهِ غلبانة وفرحتها مش ليها.



بكت مع هذا القول وموضع فؤادها يتآكل خوفاً وقلقاً ، يحترق لأجل ابنتها الصغرىٰ المُدللة بسبب حالتها ،  ربما الخوف الزائد من هذا ،  نهضت "دلال", مندفعة فتعجب البعض!



ما جعلها تنتفض هو صوت أنفاس عالية ، وكان على الجهة المقابلة "غسان" ينهج بركضه ناحية هذه الغرفة فعلمته من أنفاسه ، لذا خفق قلبها ونهضت تردد بمفاجأة:



_ابني!



توقع البعض بأنه خوف ، ولكن ما صدمهم هو ركضه ناحية الداخل حتى توقف ينظر ناحية الوجوه وكأن عقله لا يريد التصديق فيبحث عنها هنا بين هذه الملامح والتعابير ، والبكاء!!



ازدادت خفقات قلبه ولم يبادل والدته العناق بل تساءل بخوفٍ وهوينظر لهم :



_نيروز فين ؟؟ نيروز يا بابا؟؟



لمعت عينيه وهو يتساءل ، فنظر له "حامد" بوجع ، لم يختفي بل زاد ما ان تساءل بإهتزازٍ:




        
          
                
_مراتي فين؟ جرالها ايه؟؟ ، حد يرد عليا؟ ، انتوا ليه بتعيطوا؟؟



اقترب "حامد" يبادر في عناقه بعيداً عنهم عندما سحبه ناحية الخارج وهو بهذه الحاله ، لم يشعر بأي شىء بل من شعر به كان والده عندما أمسك كفه البارد بين يديه الدافئة واحتواه كصغير يهاب فقد أغلى ما يملك:



_متخافش ..متخافش يا حبيبي!



كيف لا يبكي وهو بين ذراعي رجل يبرع دائماً في كشف  مشاعره حتى وان تصنع قباله بعدم التأثر ، شهق شهقة مكتومة ومازال يتساءل عنها بلهفةٍ والخوف رفيقه:



_رد عليا يا بابا ، "نيروز" كويسة صح؟



استقام ينظر مع دخول الشباب الغرفة وتركوه مع والده ،فنظر بانتظار وخرج حديث "حامد" رغماً عنه:



_منعرقش..لسه منعرفش حالتها ايه يا بني واللهِ ، غير بس كانت محتاجة دم وفصيلتها  كانت نفس فصيلة دم وردة فإتبرعت ليها من شوية ولسه منتظرين الفرج.



تاهت الأوجه ، وضاع الثبات عندما دارت به رأسه فإستند على الجدار واضعاً كفيه على وجه بتعبٍ وهو يرفع رأسه ، رفع والده ذراعه يحتويه فرفض الآخر بتعبٍ وظهر الضعف حينما رفض بقوله المتقطع:



_سيبني لوحدي…سيبني!!



_مش هسيبك انت ابني وعارف انك أقوى من كدة ، استحمل عشان خاطر أبوك ، استحمل يا غسان عشان تعدي على خير يا بني!



قاوم "حامد" على إخراج الحديث عنوة ، فخرج بإهتزاز مع وضع يد الآخر على رأسه بضغطٍ وسقطت دمعته وهو يتساءل مع خروج شقيقه وصديقه من الغرفة:



_ليه يا بابا ؟، ليه؟ هي كان ذنبها ايه فـ ده كله؟



تذكر في هذه الحالة كل ظلم تلقته وكل تعب داهمها وكل شئ كسر لها فرحتها فإستند على الجدار وهو يسرد:



_ مظلومة ، والله العظيم مظلومة ومن حقها تفرح، أنا مش عايز حاجة غيرها يا بابا ، هاتولي مراتي زي ما خدتها، مش عايز حاجة غير "نيروز"!!!



طلب طلبه كطفل يريد الشىء بإلحاح ووالده هو المحقق لأحلامه البسيطة ، بينما هذه المرة لم يكن الحلم في يد والده ، الذي أخفى وجهه من هذا الضعف الذي ولأول مرة يراه هكذا ومن بادر بأخذه في عناقٍ كان توأمه الذي يتألم لنصفه الآخر..



صرخ صرخة مكتومة خرجت بوجع من كل مُرٍ رآه ، كان يحلم بزواجها ودفء البيت وعمل أسرة صغيرة كأسرته مع والديه ، ضاع هذا رغم التحقق فمنذ ان حقق ما أراد لم يرى سعادة كاملة في يوم واحد تمت ،،وبالأخص هى ، صرخ بآهات متوجعة تابعتها "سمية" من على  اعتاب  باب الغرفة هي والبقية!!




        
          
                
فيما شهق هو بين ذراعي شقيقه الذي بكي من ضعف الآخر وهو يحثه بكلمات تشابه:



_اهدى..اهدي عشان خاطري يا غسان ، وحياتها عندك ما تعمل في نفسك كده.!!



لأول مرة يشعر بالخطر يداهمها وهو ليس بيديه شىء ، كتم أنفاسه في كتف شقيقه وردد ببكاءٍ ينفي بعجز لقول الآخر:



_مش قادر..مش قادر يا" بسام"، رجعوهالي..رجعولي مراتي



سعل بقوةٍ واختنقت أنفاسه فقدم له "آدم" زجاجة المياة سريعاً وتم سحبه ناحية الغرفة كي يجلس على الفراش فدخل معهم وعقله قد ضاع الآن بالكامل بعدما كان بنصف عقل!



جلس على الفراش ودفع كل من حوله في محاولةٍ للنهوض ولكنه مُنع فغسل له شقيقه وجهه بسرعةٍ وجعله يتجرع من الزجاجة،فعادت له أنفاسه بهدوءٍ ونظر في الفراغ وجاءت نظراته ناحية "سمية" التي شعرت بالشفقة على رد فعله المفاجئ لهم ، فاقتربت تأخذه في عناقٍ تحاول ان تطمئنه في حين هى من كانت تريد ان يطمئنها أحد ومازالت!.



_متخافش يا بني ، هترجع وسطنا من تاني ، بإذن الله ربنا مش هيخسرني فيها ولا هيخسرك فيها وفي عيالك، طمن قلبك وقول يارب.



ردد قولها بسره واعتدل يمسح على خصلاته بتعبٍ ونظر بحثاً عن شقيقته فلم يجدها فنهض بسرعة بخوفٍ يشير نحو "بسام" بقوله:



_روح لأختك يا بسام ، روح بسرعة خليك معاهم ، زهور وسامر راجعين على هناك!



تلبسه الخوف فلم يستطع الرفض وحتى القبول لم يفعله ، فوجده يدفعه من ذراعه بقوةٍ فوافق يراضيه ورحل آخذاً والدته معه بإصرار من شقيقه ووالده ، فرحلت بعد رفض كبير ، لذا جلس البقية من جديد ووقف هو على ساقيه ناظراً نحو الساعة وعقاربها التي تتحرك ببطئٍ وهو هنا ينتظر بتعبٍ وخوف!



زفر أنفاسه مستغفراً وخرج معتقداً بأن ما سيفعله سيخفف عنه عندما أخرج لفافه يدخنها معتقداً بأن تدخينها سيخرج منه الخوف والقلق ، جلس في الخارج بتعبٍ وراقبه والده ومن في الداخل حتى خرج "آدم" يجلس جواره هو و "شادي" تزامناً مع هرولة "حازم" من نهاية الطرقة لهم! ، لم ينهره أحد على عدم فعل ذلك ، إلا صديقه الذي استخدم الطريقة الخاصة عندما مال يهمس  ناحية أذنيه:



_مينفعش تدخين في المستشفى علفكرة، السيجارة مش هتضيع منك اللي انت فيه ، اطفيها يا "غسان"عشان خاطر اللي جوه دي ومحدش عارف عنها حاجة !



استطاع بقوله أن يجعله ينهض ليقف بعيداً عنهم وبعد دقائق أطفأها ، ماسحاً على عنقه بتعبٍ وتوترٍ لم يحن موعد انتهائه بعد!




        
          
                
_________________



صعدت بتيهةٍ على السلم بعدما تم ايقاف المصعد في هذا الوقت ، فصعدت جوار "سامر" ولدها في تعبٍ وهي تجر أذيال الخيبة وفي عقلها تتداخل الأسئلة ، ضاعت ابنتها كما ضاعت منها الأولى والآن من معها هو الآخر الذي تاه وهو يفكر بعقله إلى ماذا ستصل شقيقته ؟ وكيف كان الخطر رفيقها وهي مازالت تعاند وتصر ؟



وصلت إلى الطابق الثالث وهي تنهج ودموعها على وجنتيها لم تجف بعد ، وما صدمها هو رؤيتها للآتي عندما رأت باب شقة شقيقتها يغلق وهي تخرج منه لتضع الحقائب بجوار الأخرى على الأرض وكما تفأجأت هى تفاجأت "زينات" و"ٱسماء" التي وقفت بنصف عقل هى الأخرى في هذا الموضع ووخر قلبها ما ان تساءلت "زهور" والدتها ببكاءٍ لم يزول بعد:



_انتِ بتعملي ايه يا "زينات"؟



قاومت عدم إرادتها لفعل ذلك الآن وبهذا الوقت في هذه العقبة خصيصاً ولكنها فعلتها ورفعت رأسها تشير لها:



_من غير مطرود والله يا "زهور" بس معتش ينفع قعادك هنا ، حقك عليا اني جيت عليكي يا اختي في الوقت ده ، بس كفاية لحد كدة ، كفاية ظلم وافترى عشان خلاص معتش  فينا منافس  نستحملك انتِ وعيالك ، وأنا خرجت هدومكم وحاجتكم مش عشان مبقتش عايزاكم، دا عشان مصلحتك ، غسان وعيلته بركان لسه منفجرش لحد دلوقتي ، وأنا شايفة الراجل جايب أخره ومحدش هيمنعه لما يفوق ان يطربق الدنيا على دماغك انتِ وابنك ، لو باقية على اللي باقي منك امشي يا زهور ، ان شاء الله حتى تأجرى في العمارة اللي قبالنا دي شقة لحد ما تشوفي هترسى مع بنتك في ايه وتمشوا من هنا زي ما كنتوا!!!



لا تصدق بأنها فعلت هذا حقاً وتخلت ، تخلت بالخوف عليها فلم ترى الأخرى هذا عندما قاومت تصعد بما تبقى من كرامة لديها حتى تنحني فمنعها قول ولدها :



_استني يامه!



فصعد مستندا على السور إلى أن وقف وأكمل:



_انتِ بتطردينا من مكان مكنش هيبقي ليكي لولا أمي؟؟، لحقتي تتطبعي بطبعهم؟ انتِ فاكرة نفسك هتقدري علينا ولا ايه؟؟



تشنجت تعابير"زينات" وأشارت له توقفه عند حده:



_إلزم حدك واحترم نفسك وانت بتتكلم معايا ، ولآخر مرة بحذركم من القُعاد هنا وافهموها زي ما تفهموا!!



_هى بقت كدة يعني ؟



سألها بإستخفافٍ وما بيديه فعله ضاع منه قبال قوته المنعدمه ،ويأسه من المحاولة أمامهن، أكدت برأسها فرأى نظرات والدته المقهورة والمتحسرة لـ"أسماء" فإتجه يسأل شقيقته بسخرية:




        
          
                
_وانتِ؟؟



رفعت"زينات " ذراعها حماية لها وصرحت بحدة له:



_مرات ابني وملكش دعوة بيها نهائِي ، وبيتها ده ..اللي انتوا شايفين انكم اطردتوا منه!



ربما السوء لم يختفي منها بل يظهر لمن يشبهه فقط! ، استقامت "زهور " ، فضحك"سامر" بسخريةٍ وجذب ذراع شقيقته بقوة ناحية وهو يسأل في تهكم:



_مرات ابنك؟ وبيتها ؟، دا بإعتبار ان كل ده قبل ما تكون اختي مثلا؟؟ ، انتِ شكلك بتخرفي يا ولية! أصلك فاكرة انك هتقدري تمنعيني عنها، دا أنا أكسر رقبتها هي واللي يتشدد لها.!



هابت "أسماء" شره الذي ظهر في نبرته  وحتى والدته وخالته ، فلم يجد الرد منهم بل وجد الرد بمن صعد آخر درجة حتى وصل ورد من خلفه وهو يقف جوار والدته بعدما تركها من إسنادها :



_لو راجل اعملها ..لو راجل خليك قد قولك ده!



كان "بسام" وبجواره  والدته، كان هو  الذي وجد باب شقة والده يفتح بسرعةٍ ولهفة ما ان وجدوه بعدما كانوا يراقبوا الأجواء من خلف الباب ، وقبل ان تركض شقيقته لعناقه هي وزوجته "فرح" أشار بكفه وهو يحدج بهم في تحذير من الإقتراب وتلبسته الحالة التي كانت تهابها "زينات"  ، فإقتربت "دلال"منهن  تعانقهن بخوفٍ ولهفةٍ ،فيما علمت الأخرى ان شر العائلة سيخرج بعد كل هذا الكبت ولكن ماذا الآن وقد خرج الرد من الآخر بإنفعالٍ:



_وانت مين عشان تقفلي وتقول لو راجل؟ ، انت مش شايف نفسك؟



اقترب "بسام" في خطواته ناحيته ورد عليه بإيجاز:



_أنا الراجل اللي هيمشي كلمته عليك وحالاً!



انفعل "سامر" أكثر ، وقبل ان يردف شىء وجده يأمره ومن الداخل لا يريده بأن يتلاقي مع شقيقه بعد الآن في هذه الأجواء:



_يلا لم حاجتك دي وامشي من هنا بالذوق انت والست والدتك!



_هو انت واثق من نفسك كدة ليه؟ مش ماشي!



عاند "سامر" وأشار بيديه وسحب كف شقيقته وهو يساومه:



_ولو مشيت همشي بمزاجي ومش لوحدي، هاخد اختي معايا ، جدع امنعني بقا!



استند "بسام" على حافة السور ، وأخذ أنفاسه بثبات يهدده اولاً:



_معنديش أي مانع.



لم يتوقف وكانت هناك صدمات أوقفها ما ان تابع يخفيها لهم ويزيدها لديه هو ووالدته! :



_متمشيش أو أقولك؟ امشي وخد أختك عادي..ساعتها الشرطة هتعرف تجيبك لما نعملك المحضر فتبقى  قضية ونوريهم دماغ أخويا كانت عاملة ازاي من ضربتك ليه والأشعة والتحالليل والتقارير الطبية اللي بتقول ان الخبطة دي فيها موته او ارتجاج وبينهم احتمال ضعيف ان الواحد يفوق من تاني، واحنا دلوقتي موقفنا الأقوى  ، بس اخويا ربنا بيحبه وشكله كده هيمشي في الإجراءات قريب وهتقعد جنب أختك تونسها في حبسها ! ، ايه رأيك ؟ بتوجع دي؟ ولا نشوف غيرها؟




        
          
                
هدده واستخدم طريقة أخرى فتراخت قبضة "سامر" بصدمةٍ لم تتلاشى مع إكمال الآخر كلماته:



_ما انت مصايبك كتير الصراحة..قولي لو معجبتكش ندورلك على غيرها..وغيرها كتير متقلقش!!



ابتلع ريقه وحاولت "زهور". سحبه بخوفٍ فهو الوحيد الذي  تبقى لها فلم يخرج حديث سوى من "وسام " التي أشارت بإنفعال:



_ولسه مصايبه لحد من كام ساعة ، والمقرف ده حاول يتهجم بالضرب عليا زي ما اتهجم بالكلام!



لم ينتظرها"بسام " تكمل بل انفعل واندفع يمسك تلابيبه وهو يسأله بصوتٍ غاضب جعل"فرح", تخاف على وضعه:



_انت مديت ايدك على أختي يالا؟؟ هوبت نحيتها؟؟



_لا ما هو مقدرش ، ونسلت شبشبي ده على دماغه ، أصله افتكر  اني واحدة دلوعة طرية حبيبة ماما زيه كدة ..بس على مين عرفته ازاي تربية الرجالة ، وفهمته الدم الحامي بتاع البدري قيمته في ايه!



ابتسم بزاوية فمه ودفعه بإستخفافٍ وهو يشير لهما :



_يلا !



أُجبر حينما انحنى يحمل الحقائب رغم تعبة ، وسارت والدته جواره ورددت في بكاءٍ عالٍ :



_حسبي الله ونعم الوكيل فيكم كلكم ، ربنا ينتقم منكم !



فنظرت "وسام" واقتربت برأسها تنظر وهي تقول بعدما أصرت "والدتها" على عدم الاقتراب والتحرك:



_متدعيش بس على نفسكم يا طنط، حاسبي وانتِ نازلة ، العكاز بيخون!!



نظرت إليها "فرح" بذهولٍ ، فيما دخلت "أسماء" بركض وهى تبكي  في شقة خالتها التي هرولت خلفها بعدما رأت رحيلهم وشهدت قول "سامر" الآخير قبل ان يهبط الدرج:



_ورب النار ما هسيبكم !!



تجاهله "بسام" الذي أشار لـ "زينات" بالدخول فدخلت وما ان أغلقت الباب ، وجد شقيقته ترتمي بين ذراعيه في لهفةٍ جعلته يتأثر وهو يربت على ظهرها ودخل يغلق الباب خلفه ، فخرجت ولم تتحدث ما ان وجدت"فرح" تبكي بصمت قبال عدستيه وبادرت بإحتضانه بقوةٍ وهي تضم ظهره بتشبتٍ وهتفت:



_أنا كنت خايفة أوي ، كنت خايفة عليك ومرعوبة ، الحمد لله انك رجعت ، متمشيش تاني !



ضم "بسام" ظهرها متنفساً بعمقٍ فيما نطقت بضعفٍ له أمام نظرات والدتها و"عايدة"وشقيقته:



_أنا من غيرك مليش حد انت وعز ، عشان خاطري محدش يفكر يسيبني تاني ، هو مشى لكن انت لو مشيت مش هيبقى ليا حد..اأوعدني انك مش هتسيبني!




        
          
                
تشبتت وتلهفت ومن عزم الخوف رددت هذا فضمها بقوةٍ وهو يهمس بوعده المعهود وهمس جوار أذنها يختم قبال عيني والدته التي تتمسك بها "وسام":



_انتِ طوق النجاة ، محدش بيسيب طوق نجاته يا "فرح".



تنفست وذاقت طعم الراحة بعد المرارة ، فخرجت وهي تنظر له عندما تساءلت "عايدة"و"وسام" و"حنان", بتساؤلات تشبه :



_"نيروز" عاملة ايه دلوقتي؟ طمنا عليها وعلى "غسان"؟؟



حاول أن يحتويهن مع والدته ولكن كلماته الذي قرر الخروج بها لهن كان بها شىء يوحي بأن الوضع هناك آخر ما يكون جيد أو خير بعدما ترك شقيقه والعائلة في هذه الحالة ، حالة يُرثى لها!



_________________



«أَتَهزَأُ بِالدُعاءِ وَتَزدَريهِ 
وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ 
سِهامُ اللَيلِ لا تُخطِي 
وَلَكِن لَها أَمَدٌ 
وَلِلأَمَدِ اِنقِضاءُ!»
- الإمام الشافعي-



فترات من الإنتظار والليل قارب على الإنتهاء وتأخير الأطباء عليهم لا يبشر بالخير ، خفقات قلبه لا تتوقف عن الدق بقوةٍ ، وقف في الخارج غير راضياً الجلوس جوار من بالخارج والداخل ، وجد "والده" يصلي ، ولآخرين جالسين في الداخل، و"شادي" يتحدث مع زوجته في الهاتف ، كما كان "آدم" ، وبالداخل ساند "بدر" "وردة" كي تريح رأسها على كتفه وظل جوارها كما ظل "حازم" جوار "ياسمين".



مجدداً تنزف منه الدماء ، شعر بها تهبط من أنفه وقبل ان يبحث عن منديل ورقي جاء له "آدم" به ورفع يديه بمسح أنفه بحنوٍ ، طالعه بشفقةٍ وتلمس ذراعه في خفةٍ ، وتجرأ يضع يديه على موضع قلب الآخر الذي يشعر بإحتراقه الآن ،أكثر من يعلم مدى خطر اللحظات على من اختارها القلب لتصبح العنوان ، وبكل ثقةٍ وصوت هادىء نبس آية قرآنية تريح القلب، آية نصحه بها الشيخ في أن يرددها لنفسه دوماً عندما يشتد الكرب فبدأ:



_أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم:
"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا".



لمعت عينيّ "غسان" وحاول أخذ أنفاسه بصوتٍ عالٍ ، فوجده يحثه بثباتٍ :




        
          
                
_قول ورايا يا "غسان" ، قول ورايا وسيبها لله يا بن عمي.



لم يبدي رد فعل سوى انه حرك رأسه مستعداً لهذه الراحة الذي وجدها في وجهه ، فوجده يردد الدعاء لفك الكرب بنبرةٍ هادئة جعل من يجلس خلف وقوفهم يرددون خلفه في صوتٍ واحد هادئ جعل القشعريرة تسري بجسده :



_اللَّهمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّه لا إلهَ إلَّا أنتَ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ الكريمِ لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ العظيمِ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ الكريمِ لا إلهِ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ الكريمِ ،اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهمِّ و الحزنِ ، و العجزِ و الكسلِ ، و البُخلِ و الجُبنِ ، و ضَلَعِ الدَّينِ ، و غَلَبَةِ الرجالِ ،  اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا.



رددها خلفه بصوتٍ منخفض فلم يتوقف الآخر واستغل فرصة انتباههم فدعا لها بيقينٍ :



_اللهم يا سامع دعاء العبد إذا دعاك، يا شافي المريض بقدرتك، اللهم اشفها شفاء لا يغادر سقمًا، اللهم ألبسها لباس الصحة والعافية يا رب العالمين، اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفيها  وتمدّها بالصّحة والعافية.  وان تحفظ من وضعته بقدرتك في رحمها ، اللهمّ ألبسها ثوب الصّحة والعافية، عاجلًا غير آجلٍ يا أرحم الرّاحمين.



رددها الجميع خلفه حتى هو والذي ما ان أكمل تشبت في عيني "آدم" ثم أغلق عينيه بتعبٍ وهو يردد ببحة صوت متلهفة:



_آمين ..آمين يارب.



الدعاء يغير القدر بالفعل ، لا يرد الله من لجأ إلى بايه باكياً ليدعوه بالخوف الذي وضع في فؤاده ،فمن لنا سواه ندعوه ، ومن سواه يستجب لنا؟



_دَعوْتـُكَ يا منْ يُجيبُ الدُعـــــــاءْ
ويا منْ لهُ يسجُدُ الاقويـــــــــــاءْ
ويا منْ برحمتهِ أستجيـــــــــــــرُ
ليرفعَ عنـّي الاذى والبــــــــــلاءْ
لكَ الحَمْــــــدُ وحـْدكَ أنتَ المغيثُ
وأنـْتَ المُدبـّرُ ،يا ذا البَهــــــــاءْ
خلقـْتَ بني آدم ٍمنْ تـُـــــــــــــراب
وصيّرتهُمْ بشــــــــراً أسويــــــاءْ
فرفـْقــاً بطينكَ يا ذا الجــــــــــلال
اذا كانَ يومــاً بجهــل ٍ أســـــــاءْ
وراحَ يُفتشُ تحتَ القـُبــــــــــــور
عن العون ِ مُعتقِـــــداً أو ريــــاءْ
طريقي إليكَ طريــقُ الوضـــــوح ِ
وليسَ التعرٌّجُ والالتــــــــــــــواءْ
دعوتـُكَ أنت القريبُ إلـــــــــــــيَّ
أ أحتاجُ يا خالقـــي وُسطــــــــاءْ؟
أ أطمعُ في حاجــــة ٍ من ســــواكَ




        
          
                
وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"



وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء".



استمع لمَ شابه ذلك ،  فتحرك برأسه ينظر إلى الطرقة وهو يدعو بسره بأن يطمئن قلبه لا أكثر! ، أخذ "غسان" أنفاسه ببطئٍ ، وفتح اول سحاب سترته من شعوره بالاختناق والهاتف بين يديه لا يتركه كونه لا يفارق متابعة الوقت الذي كان أطول ما يكون عليه وحده وكلما يُفتح تأتي صورتها معه في داخل الهاتف خيث الخلفية الداخلية ..



تلك الصورة الذي لم يغيرها منذ فترة كبيرة! ، حينها كانا لا يحملا هماً ، صورتها الذي اخذها على فجأة بفستانها السماوي المطرز بلون فضى كان على وجهها من أثر لمعة هذا الفستان وابتسامتها المفاجئة كانت عفوية عندما التقط لها الصورة بخفةٍ يوم زفاف شقيقتها و"حازم"!!.



تلمس وجهها بإصبعه على الشاشة في أنفاسٍ مختنقةٍ ولم يشعر بنفسه إلا عندما خرج من بين شفتيه الحديث عنوة وكأن عقله لا يعي بأنها صورة وأنها بالفعل أمامه حتى يتحدث معها كذلك ، ليس مجرد حديث بل رجاء وعينيه اللامعة لا تفارق وجهها بشاشة الهاتف المضاءة:



_إوعي تسيبيني يا "نيروز".



احتوى هاتفه أكثر وكأنه يحتوى وجهها بين كفيه حينما ظهر الضعف بنُطقة:



_مينفعش تسيبيني بعد كل ده ، أنا عايزك انتِ ومش راغب غيرك !



كرر القول الذي ردده لها من قبل وهمس بإختناقٍ يكمل بإسترسال:



_مش عايز من الدنيا غيرِك ، مش طالب كتير ،كفتك تطب عن أي حاجة حتى عيالنا يتعوضوا لكن انتِ متتعوضيش..متروحيش مني..أنا ضايع من غيرِك واللهِ العظيم!



أقسم يبرر لها ، لم يُعرف له ضعف ظاهر او بوح بكلمات ترجي إلا عندما وقع بها هىٰ ، أخرج أنفاسه الدافئة وقبض على الهاتف بتشبتٍ ،  فإنتفض وسار بسرعة ناحية الطبيب الذي جاء من على بعدٍ فرأوه حتى خرجوا جميعاً بلهفةٍ من الغرفة والتساؤلات تزداد فيما رفع رأسه يردد بهدوءٍ:



_احنا حاولنا بكل الطرق الممكنة نطلعها من غير خساير، وان شاء الله خير ، هى بس محتاجة راحة وممنوع الحركة، وزي ما حضراتكم عارفين ان المدام حامل في توأم كل واحد في كيس ، في كيس كان مهدد للسقوط وضعيف ، فان اتحركت واجهدت نفسها ونفسيتها، مقدرش أوعدكم انه هيفضل في مكانه مع التاني للأسف ، زائد المثبتات نوعها هيتغير لحاجة أقوى فممنوع الحركة ، هى هتفضل هنا في المستشفى  وان قدرنا نكتب لها على خروج تخرج بكرة بليل ان شاء الله ، وألف سلامة عليها وعلى  حملها !




        
          
                
لا يعلم أسلب منه أنفاسه أكثر ام أعادها إليه ، هناك حمد كثير لكونها بخير ، وهناك قلق أكثر لمَ ردده الطبيب ، على الأقل رغم القلق عادت أنفاسه وهو يرى والده يربت على ذراعه بكفه وهو يطمئنه ، والحديث كثير ولكن هو؟ هو توقفت به اللحظة وهرول خلف الطبيب بعدما تحدث مرة ثانية ولم يستمع إليه بخصوص حالتها هى:



_أنا عايز أدخلها ، ينفع؟!



عاد يلتفت ناحية المتحدث ، فوجده "غسان" الذي ينتظر الموافقة بكل لهفةٍ  وقبال المتابعة وضع الطبيب يديه على كتفه واقترب يردد بصوتٍ منفخفض:



_حضرتك جوزها ؟



أومأ بنعمٍ ، فأمسك الطبيب مرفقه برفقٍ ناحية زاوية ما وصرّح بهدوءٍ:



_قبل ما تدخل ، أنا كنت عايز أعرفك انها لازم تتعرض على طبيب نفسي يشوف حالتها ، الإنهيار ده بيؤدي احياناً إلى الموت ،وأحياناً هنا تنطبق على شخص مش شايل جواه أرواح ، لكن  المدام حالتها مكنش ينفع يتسكت عليها كل ده! ، انا حبيت أطلب بعدين أقرب شخص للحالة عشان مكنش ينفع أقول الكلام ده قدام الكل، حضرتك متفهم ؟



تاه بين الكلمات وخرجت كلمته بالغصب:



_آه



ابتسم الطبيب وأشار ناحيتهم في الخلف بعينيه وقال من جديد:



_مسموح بشخصين يرافقوا الحالة ، ومن الأفضل تشيل الزحمة دي كلها، الٱمر مش مستاهل كل ده ، تقدر تفهمهم ده بإسلوبك وتتفضل معايا .



إلتفت "غسان" ليجد "شادي" خلفه والذي استمع لقوله الآخير فأسرع يشير له بالاقتراب ناحية غرفتها وسيتولى هو الأمر ، فسار "غسان" بخفقاته التي تزداد في السرعة ولم تتوقف حتى الآن..



أجبرهم "شادي" على الرحيل عدا "سُمية" التي جلست رغم إصرار "ياسمين" بالعكس ، فوقف "بدر" يستمع الى حديث عمه ما ان حثه:



_روح انت وأخوك يا بدر وخد مراتك معاك ، والصباح رباح!



عند استماعه لقرار عم زوجها احترمته رغم انها لا تريد ذلك ، وبالفعل اقتربت تودع والدتها وهي توصيها بلهفةٍ كُبرىٰ حتى تطمئنها بين ساعة والأخرى ،فرحلت وفعلت شقيقتها الأخرى المثل ، وتبقى "شادي"و"حامد" الذي رأى إشارة ولده له وهو  يترجاه بالرحيل قبل قليلٍ فوقف قبل ان يرحل مع الآخر وردد:



_احنا ماشيين يا أم وردة ، غسان معاكِ ، خلي بالكم من نفسكم ، وأنا هجيلكم الصبح ان شاء الله  اكون اطمنت عليهم هناك وطمنتهم ، محتاجة حاجة؟



_كتر خيرك .



هتفت بها بضعفٍ وأراحت ظهرها على وسادة الفراش ، فتنحنح يخرج مع "شادي" حتى يرحل معه في سيارتهِ ناظراً نحو بداية الطرقة على أمل رؤية ولده ولكنه لم يراه فتنفس يخرج الثقل ودعا له وهو في طريقه للخارج و"شادي" يرافقه ويسانده بحنوٍ يعهده منه  دائماً ، فلم يرى به سوى انه ولده الثالث بعد توأميه ، والآخر لا يرى به سوى انه والده وعائلته وكل ما يملك هو وبقية عائلته!




        
          
                
..
وقف أمام الباب بعدما تركه الطبيب الفريق الطبي ليدخل ، مسح على وجهه وفتح الباب بلهفةٍ كبرى ودخل ينظر فوجدها بعالم آخر غير عالمه هذا ، مغمضة الأعين ووجهها باهت من ما حدث ومن كثرة الانهاك ، محلول وابرة تغرز في وريدها وملامح تنكمش بين دقيقة والأخرى ، هوى فؤاده بمجرد رؤيتها هكذا ولمعت عينيه وهو يقترب ناحيتها ناظراً نحو كفها الموضوع به الآبرة والتي اسندته على معدتها البارزة والعالية!



جلس "غسان" على طرف الفراش  ورفع كفه يتمسك بكفها بتشبتٍ وهو يناديها بصوت ليس مسموع! ،هل كانت تعاني قبل فترة بما هو به الآن حينما كان على فراش المستشفي بين الحياة والموت ؟ ، أهبط رأسه يقبل كفها بشفتيه وأنفاسه الدافئة قبل ان يمرر يديه على وجهها الذي ارتسم عليه  تعابير الوجع وبدأت كلماته في الخروج وكفها ببن كفه لا يريد تركه:



_أنا عارف انك تعبتي أوي ، عارف وحاسس بيكِ ، ومفيش في ايدي غير اني أكون أناني واقولك استحملي عشان من غيرك مش هقدر يا نيروز !!



بين الوعي واللاوعي كانت هى، التقط أنفاسه وسقطت دمعته ما ان وجدها تتشبت بكفه وبنفس ذات الوقت لا تريد تحريكه من على موضع معدتها وكأنها تهاب خسارة صغارها التقط ما فعلته وخرجت كلماته بتعب:



_انتِ عندي بالدنيا كلها ، خافي عليهم بس أنا خايف عليكي انتِ الأول.



انكمشت ملامحها ، ووجدها تتمسك بكفه بقوةٍ وكأنها تحارب لتعي الآن، أرادت الهروب الا عند هذه اللحظة، مرر يديه على خصلاتها واعتدل يحتضن رأسها ناحية قمة صدره التي تعلو وتهبط ونظر ناحية ملامحها وقال بدون مقدمات:



_أنا آسف ، آسف لك عشان وريتك عجزي غصب عني ومعرفتش ألحقك ومشيت ، حتى ولو غصب فمش من حقي ، مش من حقي أسيبك كدة يا نيروز ، مش من حقي حاجات كتيرة أولهم اني بسأل نفسي سؤال معذبني!! ، بسأل نفسي أنا ليه مش قادر أخليكي سعيدة وانتِ معايا ؟ ليه ؟ مع انك عمرك ما قولتيلي كدة ولا ببنتي ده!.



سقطت دمعته على وجهها فيما قاومت على إخراج الرد التي سمعته فلم تستطع وهمست تنادية وهي تصارع على فتح عينيها'



_غسان!



اعتدل في لهفةٍ يمسك كفيها ويعدل من وضعية رأسها ، ففتحت عينيها بتشوشٍ ولم تجد الا العناق السريع وهو يميل عليها ، فتنفست تحاول ان تقنع ذاتها بأن هذه حقيقة وليس خيال ، بأن هذا ليس حلم وهو هنا معها لم يتركها:



_انت..انت هنا؟؟



سألته بأعين لامعة وهي تبتلع ريقها بألمٍ فإعتدل يؤكد وهو يمسك كلا كفيها مؤكداً بلهفةٍ :




        
          
                
_أنا هنا وعمري ما هسيبك ، أنا جنبك ومش همشي.



حاولت ان تبتسم فخرجت آهات متوجعة وأسرعت في وضع يديها على معدتها بوجعٍ وجحظت عينيها ما ان تذكرت ما حدث من اغماء، ما هذا الوجع؟ سألته بفزعٍ وهي تحاول التحرك:



_عيالنا!!! عيالنا يا غسان ، متقولش انهم راحوا عشان خاطري! متقولش كدة!!



حاولت التحرك وهي تنظر حولها في ريبة فمنع هذا بلهفةٍ ورفض مسرعاً في الرد:



_لا  ، لا والله العظيم انتوا التلاتة بخير ، بس متتحركيش.



أسندت "نيروز" ظهرها بتعبٍ وتشبتت بكفه وهي تبكي بصوتٍ منخفض فإحتواها سريعاّ وهو يدخلها بين أحضانه الدافئة وما وجعه هو سؤالها وكأنها تهاب رجوعها لحالتها القديمة:



_يعني انت هنا بجد؟ أنا مش بحلم ولا بتخيل؟ مش كدة؟



استندت عليه بإنهاكٍ وسمعت نبرته المختنقة تخرج لها:



_مش بتحلمي يا" نيروز"،  ياريته كان حلم عشان معيشّ اللي أنا عيشته وأنا خايف عليكِ ، أنا لسه خايف لحد دلوقتي وأتمنى كل ده يبقى حلم!



سقطت دموعها الذي مسحها لها ، فيما أغمض عينيه وهو يحتجزها بين ذراعيه وكأنه يريد توقف العالم إلى هنا حينما أهبط شفتيه يهمس جوار أذنها:



_بتخليني ضعيف وخايف ، بتخليني مكشوف وأنا مبحبش أكون كدة الا قدامك انتِ لوحدك!



حاولت مد ذراعها لتمسح وجهه فلم تستطع ولكنه اقترب بنفسه كي ترى ما تفعله ، مسحت وجهه بأناملها فيما ابتسمت ابتسامة باهته تتأسف له:



_أنا آسفة أوي ، آسفة بس مقدرتش ومعرفش ايه حصل لما شوفتهم بياخدوك بعد اللي عملته مروة.



لم يرض فتح هذا الحوار الآن ولكنها رغم التعب أرادت التخفيف عنه وسألته بإنهاكٍ رغم المشاكسة:



_شكلك طلعت بتحبني أكتر ما كنت أتوقع.



_حُب يعني خوف ، وخوفي عليكِ عدى كل التوقعات يا "نيروز".



ردد جملته ونَعُمَ بالتنفس بأريحية بين أحضانها ، بان الضعف  عندما ردد به بأسفٍ :



_أنا آسف ، آسف عشان ملحقتش ألحقك  وعشان مقدرتش أكون جنبك ، حقك على قلبي اللي اتهلك من خوفي عليكِ وانتِ هنا وسايباني!.



تشابكت الكفوف وردت بإندفاع وتأثرٍ:



_أتمنى تكون معايا في كل حاجة ، إلا هنا في المكان ده ، متمناش تكون معايا ، لو اتكررت هسيبك برضه عشان أنا جربت الوجع ده قبل كده ، جربت خوفي وعقلي اللي راح مني وانت جوه بين الحيا والموت..أنا اللي مش هقدر من غيرك يا غسان ، متسبنيش!




        
          
                
استندت بتعبٍ على كتفه فأغمض عينيه بإنهاكٍ وأرق ، ربتت علي ذراعه فتفقد ملامحها بلهفةٍ وهو يمسح عليها ووجد حينها عينيها تتسع فنظر بغير فهمٍ امتزج بالقلق الذي لبسه الرهبة ما ان انتفضت حينما شعرت بأن هناك دماء تُنزف منها أسفلها ، رفعت الغطاء ووضعت يديها على معدتها بذعرٍ وهي تناديه:



_,غسان!!!



انتفض بذعرٍ أمام عينيها التي تهبط منها الدموع بصدمةٍ ، وهرول سريعاً ناحية الخارج فوجد في طريقه الممرضة تدخل ، فقبل أن يتحدث بشىءٍ تحدثت هى بخوف وبكاء:



_أنا..أنا بنزف.. أنا بسقطـ..



لم تتركها الممرضة تكمل بل اتجهت مسرعة تنظر  وعادت تتمسك بذراعيها وهي تطمئنها برفق:



_اهدي يا مدام ، اهدي ..دا  من أثر ضغط وممكن لحد بكرة ، متقلقيش ، اهدي خالص!.



عادت إليها أنفاسها بعدما سُرقت فأسرع يسندها كي تتوجه ناحية المرحاض تزامناً مع تبديل الممرضة  مفرش الفراش ، فمنعت هى أن تدخل عليها المرحاض الممرضة بحرجٍ ،. فدخل معها "غسان" كي يضع على جسدها المياة الفاترة وكي يزيل أثر الدماء مردداً كلمات مواسية تحتويها كي تهدأ من روعتها.



قررت مناداة والدة الحالة التي معها الملابس، لذا ستأتى" سمية" كي تساعدهما وتعطيها الثياب التي توجد معها حتى ترتدي ملابس نظيفة وتعود حيث الفراش من جديد!



______________



على الأقل  لمحة من الإطمئنان سارت بحسد الجميع ، هنا في منزل "آدم",و"بدر", وهناك في مبنى وطابق العائلة! ،
عادت أنفاس "جميلة"و"فريدة" حينما عادوا قبل قليل وصعدت "وردة",بصغيرها  كما اطمئنت "فاطمة" بعدما علمت ودخلت تنام جوار صغارها ، فيما ذهب "آدم و"بدر" لأداء صلاة الفجر.



نظرت"فريدة" ناحية "جميلة",   التي استندت بظهرها على الاريكة وحثتها قائلة:



_جميلة..قومي نامي في  الأوضة دي ، محدش بينام فيها ، ارتاحي مدام ماما عايدة اطمنت عليكي وقالتلك خليكي الصبح هى وحازم ، قومي يلا .



وافقت "جميلة", بإرهاقٍ وأسندتها تدخلها ناحية الغرفة حتي وضعتها برفقٍ على الفراش وقالت قبل ان ترحل:



_ثواني هروح الأوضة اجيبلك بيجامة تنامي فيها .



خرجت مسرعة تدخل غرفتها وأذنيها تلتقط إغلاق البوابة التي توحي بقدوم "آدم" من جديد ومعه "بدر" الذي صعد للأعلى حيث شقته!



أخرجت ثياب قطنية مريحة  وقبل ان تخرج من الغرفة وجدته يفتحها ببطئٍ وابتسم يلقي التحية فردت السلام وقالت مسرعة بلهفةٍ :




        
          
                
_ثواني هودي دي لجميلة، واجي احضرلك حاجة تاكلها واجيبهالك!



لم تعطه الفرصة للرد بالرفض بل خرجت مسرعة ناحية شقيقتها تعطيها الثياب المريحة مع زجاجة مياة رطبة ووضعتهما على الفراش وختمت كل ذلك بعناقها لها وهي تردد في عجالة من أمرها :



_خدي راحتك يا جميلة ، البيت بيتك ، تصبحي على خير، هروح أنا احضر حاجة لآدم ياكلها , تحبي أعملك معاه؟



سألتها للمرة التي لاتعرف عددها وتلقت رفضها. كالعادة فخرجت بهدوء ويأس تغلق الباب خلفها فهي لم تأكل سوى شطيرة كي تراضيها قبل ساعات!.



جعلتها الخطوات في المطبخ الآن وهي تُفرع كوب اللبن ووضعت على الطبق ثلاث شطائر متوسطة الحجم جعلوها تستغرق خمسة عشر دقيقة في اعدادهم بمحتوياتهم الداخلية



وعادت تفتح الغرفة بحظرٍ ، فوجدته عارى الصدر يقف  أمام المرآه بعدما بدل ثيابة واغتسل وخرج ، مرتدياً سروال يصل  لبعد ركبتيه فقط ، إلتفت ناحيتها وابتسم يأخذ منها بإمتنان وتعمد عدم الرفض  تقديراً لتعبها :



_تسلم ايدك يا شاطرة.



ابتسمت "فريدة" بإتساعٍ وحثته بلهفةٍ وهي تربت علي ذراعه:



_كُل يلا ، شكلك مرهق وتعبان أوي.



أكد "آدم" برأسه ونهضت تخلع عباءتها المنزلية مع قوله المنهك:



_فعلاً اليوم كان صعب أوي النهاردة ، الحمد لله انها عدت وربنا يستر في اللي جاي!



لم تتعمد ضغطه بل وقفت تناوله الشطيرة ، فوجدته قد خانته عينيه قبالها وهي تمر عليها ، فإرتبكت تقدم له الشطيرة والكوب ورددت:



_كُل ، امسك!



التقطهم منها فعادت تجلس ووجدته يغمزها بخفةٍ مشاكساً اياها بقوله:



_لا بس وحشتيني يا شاطرة ، ملقيتش حد يجيبلي صداع ويناكف فيا.



ضحكت "فريدة" بخفةٍ ، فتلمس رأسه في تعبٍ جعلها تبادر في الربت على رأسه وخصلاته ، مسح هو على وجهها وعينيها التي بها أثار بكاءها على الأحداث ، فإقترب يقبل احدى وجنتيها بحبٍ فإبتسمت تتراجع ولكنه وجد نفسه لم يرض بعدها ، وفي هذه اللحظة المليئة بالثقل أراد ان ينعم في قربها بشوقٍ عل هذا يزيل كل ما يشعر به!



وجدته يعانقها مقبلاً عنقها بخفةٍ فحاولت البُعد عنه رغم ان شفتيها تريد إخراج القبول لأخذ حقوقه الذي لم يأخذها وصبر فمن غيره كان سيتحمل ذلك ؟ ضاعت أنفاسها وحاولت عدم تذكر شىء ، ورددت اسمه فلم تجد منه سوى قسمه :



_والله العظيم ما هأذيكي ، مفيش حبيب بيإذي حبيبه يا فريدة!



تشنج وجهها بخفةٍ وهي تصارع نفسها على عدم البكاء أو عدم تذكر الماضى فوجدته يردد بكلمات تحتويها ، وسألت لمَ كل هذا الخوف؟ ، لا لم ترفض ولا لم تتذكر ، هى أقوى من ذلك ، أقوى كما يعرف وكما يُردد لها بشهادة أكثر من شخص ، فعل بنصيحة الطبيب وحاول احتواء هذا الخوف ، فلم تشعر بشىءٍ من حولها سواه  وسوى احتواءه وحنوه ، حتى أكملت وهربت منها وتولى الأمر عنها إلى ان وصلت لمَ كانت لن تصدقه..وصلت إلى نهاية الطريق ورفعت راية الإستسلام بعدما كانت ترفض بعدما كانت تهاب ، أما هو فحاول على اسقاط حدود القلعة التي تُحَصن بها ، وصدق كل شىء حينما وجد القبول بكل ترحابٍ فعلى رفقه وحنوه التي عهدته منه قبل كثيرٍ..



وبوقت غير متوقع جعلها ملك له ، ووُضع اسمها على اسمه  قولاً وفعلاً ، وما بينهما بعد الآن أصبح مودة ورحمة بكتاب الله وسنة رسولة الكريم ، وزارته السكينة آنذاك والراحة كما ضاع منها الخوف وهى معه وآخر ما تم تذكره منها بأنها سمحت بسقوط حصون قلعتها حتى تُرحب بمن كسر القوانين وآخر ما همست له به:



_جمع الله فيك الصاحب والحبيب والٱمان والحياة وكل حاجة حلوة يا آدم 



وثقت واستسلمت بعد القول تردد بالقبول والثقة بمن تضمنه وتضمن بأنه لم ولن يقيم الحرب حتى يستولى بالقوة والغصب على القلعة  كما فعل أحدهم ..بل كان بمنتهى رضاها هىٰ ، فبعد عقباتٍ كثيرة وحوادث وبكاء وتعب، جاء وحدث شىء بالتأكيد يُسعدهم رغم ما هم به،فهي لم ولن تجد شخصاً يخرجها من ما هى به سواه ، وهو حتى اللحظة الأخيرة لم يجد الا هى كي تخفف عنه ما يعانيه! ، محاربان خاضا تجارب كثيرة مع معركة سُميت الحياة وكلما ينهزم الآخر ينقذه الثاني، وكلما ينتصر  أحدهما يشاركه الآخر، حتا سارا معاً نحو نهاية طريق ما كانا يريد أن يسلكه أحدهما ، إلى ان حدث وصدقت صفحة الكتاب ما ان رُفعت الأنظار نحو عنوان اختصر العقبات بشىء أخير وُضع به وعليه العنوان دوناً عن البقية فكان
 سقطت حصون القلاع لـ "حامي حِمى الديار" 

تعليقات