رواية عودة الوصال الفصل الثامن و الاربعون 48 - بقلم سارة ناصر

   

 رواية عودة الوصال الفصل الثامن و الاربعون 48 -  بقلم سارة ناصر

‏«لديّ ما يكفي من الذكريات لأشرب قهوتي وحدي في مقهى يظنّه الجميع فارغًا، لكنّه يغصُّ بالغائبين.» - محمود درويش-



أيام قليلة مرت وجاء يوم نهاية الأسبوع ، يوم "الجمعة"، أي ثلاثة أيام مرت منذ ٱخر مواجهة بينه وبين "والدتها" وبينها هىٰ ،وبالأصح هو لم يدخل معها في مواجهة في ٱخر شئ حدث ، بل كانت تريد مراضاته بأي شكل لأنها وجدت مدى الضغط الذي يعانيه مع نفسه بسبب العقبات والظروف فكان قرارها النهائي حتى وإن كان متسرع هو أنها تذهب معه ، كانت تريده ولكنه أصر على بقاءها كي يرضي  نفسه أمامها عندما ينفذ ما خطط له! و ليرضيها هى ويرضي رغبتها ، هذه المرة لم يكن سامحاً بأن تضغط نفسها من أجله وتمحي قرار صحيح كان من حقها ، وبالنهاية رضا والدتها كان من أجلها هىٰ كي لا يحاصرها بضغطٍ بين الإثنان خوفاً من الأنهيار والتعب والضغط الذي كان يمر به هو الآخر!!



لذا هو لم يُريها وجهه في الأيام الماضية ، وعلمت هى ذلك لم تضغط في ان تراه أو تتواجه معه، صدقته عندما وعدها بأنه لن يرحل وهذا شئ كبير ، فحتى ان كانت لا تراه ، فوجوده هنا شئ ليس له بديل ولا مثيل!  لكن لديها من الأسباب ما تجعلها  تحزن من ما فعله واستطاع فعله من عدم رؤيته لها مُجبراً ذاته على ذلك كما أُجبرت هىٰ ،حتى اختبارات "وسام" كانت تطمئن عليها بالهاتف أو تذهب "وسام" لها لمراعاة حالتها الصحية وبٱخر مرة ذاقت بها الإحراج على يد والدتهما !!

ولكن اليوم هو يوم  اجتماع العائلة بنداء من شقة "عايدة" ،  بسبب أن لأول مرة ستأتي "فريدة" اليوم لزيارتهم  قبل موعد العشاء  ومن ثم العشاء والجلوس قليلاً ثم الرحيل!  ، وكي تستطع من جهة أخرى الجلوس بأريحية مع العائلة ووالدتها ، وفعل "حازم" هذا مقرراً هو ووالدته،  ودعا البقية كونهم عائلة واحدة تحت مسمى الترابط من كل جهة!! 



وهذا "حازم" الذي منع نفسه بضغطٍ على أن لا يتهور لأخذ حق "فريدة" ، فقرر اليوم الإتفاق مع "زينات" على الوقوف معه أمامهم وطردهم بكل هدوء صراحةً أمام الجميع عل هذه الطريقة هي الأخيرة قبل أي تهور!!..



دخل "غسان" على شقيقه الٱن غرفته وهو يتجهز ، فتح الباب فجأة جعل الٱخر ينتفض ثم زفر بصوتٍ وهتف بضيقٍ وهو يترك مشط الرأس:



_"نفسي في مرة تاخد بالك ان في باب بيخبطوا عليه قبل ما يدخلوا،ولا هو شغل قلة ذوق وخلاص؟!"



قلب "بسام" عينيه بعدها وهو يغلق سحاب السترة بضيقٍ  ، فإقترب "غسان" بتبجحٍ يفتح خزانته وتفحص بها باهتمام بحاثاً عن جلباب أبيض حتى يلحق الصلاة به ، اتسعت عيني "بسام" من إهماله المعتاد بل الملابس وقعت أرضاً فشهق ابحنقٍ مردداً  بصوتٍ مرتفع له:



_" انت بتدور على ايه يا متخلف انت؟؟ ايه اللي انت بتعمله ده الهدوم كلها وقعت على الأرض!"



استمر "غسان" في البحث حتى التقطها وهو يخبره بإيجازٍ متفحصا.ً ما بيديه وأخرجها :



_" بدور على عباية بيضة عشان أصلي الجمعة بيها "



_"  يعني فاتحها عابر سبيل انا بقى؟؟ متخدهاش سيبها أنا هلبسها !"



حاول "بسام" على أن لا يضحك مع  مشاكسته هذه ، فأخذها "غسان"  وفردها يرى ما ان كانت منكمشة أم لا ، فوجدها مرتبة ، فخلع ملابسه الذي خرج بها من  مرحاض غرفته وارتدى عباءة الٱخر أمامه تزامناً مع قوله الموضح :



_" متحورش عليا ، انت مش معزوم عند حماتك ومراتك؟؟ ولابس ومتشيك عشان هتروح تصلي مع "عز" هناك وتخرج تتغدا معاهم؟ عايز ايه مني بقا ؟؟"



قوس "بسام " ما بين حاجبيه بضيقٍ وأخبره بتأففٍ :



_" عايز شوية احترام  وذوق لما تيجي تاخد حاجة غيرك ، وبعدين انت مش لبسك اللي زي ده فوق ، بتاخد من عندي ليه ؟ وياريتك بترجعه مكانه!!، معتش تاخد حاجة من عندي ، اطلع هات لبسك من فوق!"



تراخت ملامح "غسان" بهدوء وهو  يهندم ما يرتديه متوجهاً أمام المرٱه كي يمشط خصلاته ورد حينها باختصار استشف به الأخر لمحة من الثقل والضغط :




        
          
                
_" مش عايز أطلع فوق!"



حاول التخفيف عنه خاصةً أنه  يعلم ٱخر ما حدث بينه وبين "سُمية" بقص"غسان" مختصر ما حدث لـ "حامد" الذي ضغط عليه ، طالعه "بسام" بابتسامة واسعة ثم ضرب ذراعه بخفةٍ وقال بحنقٍ زائف :



_" خلاص يا عم متزقش ، خد اللي انت عايزة ، ما انت من ساعة ما نزلت وانت ماشي تلبس في حاجتي جت على المرادي ، المهم تلم كل ده بعد ما تخلص عشان ممدش ايدي عليك! "



ترك "غسان" المشط ورفع رأسه ينظر تجاه شقيقه وهتف بنبرةٍ هادئة :



_" مش فاضي ،لمهم انت"



_"وراك ايه ان شاء الله ؟ ، لا بقولك ايه؟ انا  مبحبش الإهمال ده ، أنا بحب كل حاجة تكون منظمة ، وبص بقا انا رجعت  فكلامي و...خد هنا ، مش النهاردة فرح صاحبتكم في الشغل انت وشادي وبتقول انك رايح بليل، ابقى قابلني لو خدت حاجة من عندي!"



بل باغته "غسان" بسؤالٍ ٱخر بغرابةٍ  ملقياً نهره على جانب، حيث ان "صفا" قامت بدعوتهم جميعاً حتى شقيقه  وزوجته:



_"  هو انت مش رايح انت وفرح؟"



اعتلى كتفي"بسام " في حيرةٍ وهتف بتخبطٍ :



_" مش عارف ،  لو  انت روحت  أنا هاجي، عشان  محروج!"



هل هذا شرط ليخرجه من ما هو به؟ ، تنفس "غسان" بعمقٍ وإعتدل يحرك جسده ناحيته وطالع عيني الٱخر بثباتٍ مردداً :



_" احتمال كبير أروح ، صفا غطت كتير عليا في الشغل قبل كده وتعبت مكاني في وسط الظروف اللي مكانتش بتسمح اني اروح ،أو حتى أروح بس امشي بدري ، وبعيداً عن ده كله  أنا مش شايف انك متروحش ، بالعكس يعني انت تروح وتروق على نفسك انت وفرح هو وحد واخد منها حاجة!!!"



هتف بذلك وهو يعتدل مجدداً ناظراً نحو هيأته في المرٱه مرتباً نفسه وترقبت حواسه ما أن رد الٱخر عليه بثقلٍ وتخبطٍ على جزئه هو و"فرح" معاً  :



_" مش عارف ..فرح دي شغلانتها شغلانة معايا يا غسان ، أنا مش فاهم ايه بيحصل من ساعة موضوع" تاج " ولما طلعت اتكلم معاها فهمت وانتهى الموضوع بهدوء بس بعد كده حاسس انها مش عارفة تتكلم معايا ، وفـ  نفس الوقت مش قادر أفتح  أنا الموضوع تاني وأفهم إذا كانت زعلانة لسه  ولا لأ عشان مجرحهاش!!"



تحدث بتهيةٍ من ما شعر به من تناقض لما تشعره الأخرى رغم تفهمها ، فهم "غسان" ما يحتله من مشاعر ، فزفر بعمقٍ وهذا ما كان يريد أن يخرجه به من بداية  مشاعره اتجاهها الضغط لأنها لا تساعد نفسها!! :




        
          
                
_" الموقف مش سهل عليها ، وخليك فاهم انها بنت ، يعني حساسيتها في الموضوع مش زي حساسيتك انت من نحيته دلوقتي ، انت خلاص فهمت وعرفت وفوقت ، لكن هى لسه بتستوعب الكلام اللي حكيته ليها ، لما ردت ردت وفهمت عشان حست باللي انت عانيته ، ومن الآخر كده هي تايهة معاك عشان مش عارفة هي بتحبك  ولا معجبة بيك لسه ، لو هى عرفت الإجابة  هتعرف تنكلم وتتحرك عن كدة، بس انت دايماً مستعجل ، ومتلهوج ،سيب الحوار ياخد وقته  يا "بسام"ومتفتحوش تاني عشان انت عملت اللي عليك ،  اعمل بس اللي عليك من نحية تانية ، اثبت لها أكتر انك بتحبها هى وان مفيش في دماغك وقلبك غيرها وان «تاج» دي محطة في حياتك وعدتها!"



ظهر  الإقتناع على ملامح وجهه بالتدريج ، فزفر بتعبٍ يخرج أنفاسه محركاً رأسه بالإيجاب وسأله من جديد :



_" طب ايه ، مش  هتيجي عشان  اتبسط أنا وفرح؟، أنا ٱه بتاع مصلحتي بس وافق بقا عشان انا محروج أروح من غيرك!"



ضحك "غسان" بخفةٍ والتقط زجاجة العطر مردداً بنبرةٍ ضاحكة خفيفة:



_" هاجي ، بس مش هروح بدري ، هروح في الٱخر كده شوية وامشي!"



_"احسن برضه عشان أخرج مع فرح بعدها "



استنشق "غسان" العطر بإعجاب وأغلقه بالغطاء ، مردداً بفرضٍ :



_" البتاع ده ريحته حلوة ، يلزمني!"



لم  يترك له "غسان" الفرصة بل حمله بين  كفه واقترب يخرج من الغرفة ، تحت مناداة "بسام" بضيقٍ :



_" أنا لسه شاريه ،  طب استنى أحط منه ، رشة بس.!"



وأضاف وهو يشير بيديه بحسرةٍ :



_"طب تفة طيب"



لم يعيره الٱخر اهتمام ، بل دخل "غسان" يضعه بخزانته والتقط هاتفه ثم نظر بالمرٱه لنفسه برضا وحمل الخطاب قاتلاً التردد حتى يضعه في الشرفة ، فهذا أول خطاب بعدما رحل وتركها مقرراً على ان لا يتواجها من قبل أن تتضح الأمور ، حتى الثقل الذي بداخله تمنى زواله في الحال وتمنى رؤيتها ولكنه  تعمد عدم رؤية والدتها هى الأخرى كي لا يتضخم الموضوع ويصبح عجز مرة أخرى ، بل تعمد الصبر لأجل "نيروز"!!



مقابل هذا كان وقوف "حامد"  بعدما رحل "بسام" مودعاً البقية حتى يذهب ناحية منزل"عز" ليصلي معه ومن ثم الغداء والجلوس معهم  فترة ثم العودة وهي معه هى والعائلة كي يجتمعا على العشاء ، في حين وقف "حامد" مرتدياً  جلبابه منادياً بصوتٍ عالٍ على "غسان" في الداخل :




        
          
                
_" يلا يا "غســـان"، عايز ألحق اقعد في الجامع قبل الخطبة  بشوية!"



احتوى سبحته بين كفه وانتظر بصبرٍ قليل ولده ليخرج ، في حين جاءت "دلال" بطبق يوحي بتقشير حبات "البطاطس " به واقتربت تجلس على الأريكة أمام انظار "حامد" الذي سألها بإهتمام :



_" مروحتيش لـ "نيروز" تبصي عليها النهاردة يا دلال ولا ايه؟"



_"لأ"



نفت سريعاً وهي تنظر نحو شاشة التلفاز ، فقوس"حامد "ما بين حاجبيه بتساؤل واستوضح وهو يقترب:



_" ليه ؟"



تحركت عينيها ناحيته وأخرجت أنفاسها ببطئٍ ووضحت :



_"سألت كذا مرة وقالولي نايمة ومعرفتش اشوفها اليومين اللي فاتوا بسبب كده برضه، بيني وبينك حسيت انها مش عايزة تقابلني من اللي حصل مني. ٱخر مرة ، بس والله ما خدت بالي يا "حامد' ، أنا هقصدها ازاي بس !"



قالتهاا بقلة حيلة وحزن استشفه زوجها وسمعه "غسان" الذي خرج واقترب على قول "والده" لها :



_" مش هتبقى قاصدة تشوفك ليه بس يا "دلال" ، متظلمهاش البنت بتاخد مثبتات بتهبطها وبتنام بسببها كتير،  وبعدين هي عرفت انك متقصديش والموضوع عدى وانتهى ملوش لازمة  تفكري بدماغك اللي بتسوحك وتسوحنا دي!"



تحولت ملامحها للضيق ونهرته قائلة بضجرٍ  وهي تشير له :



_" قصدك ايه يعني يا "حامد"؛ قصدك ان أنا دماغي تعبانة ؟؟"



حرك "حامد" رأسه بيأسٍ منها واعتدل بوقفته مردداً بهمسٍ أولاً:



_" الله يهديكِ ، يلا يبني!"



هتف بٱخرها بعلوٍ. جعل"غسان" يترقب ما أن بررت "دلال", لـه سريعاً  بلهفةٍ كي لا يفهم بالخطأ :



_"   أنا حاولت أشوف نيروز يا غسان  واللهِ ، بس مبعرفش اشوفها بسبب نومها المتلخبط ده ، وٱخر مرة سمية حكتلي على اللي حصل ومعرفتش أرد ولا أصد ، بقى حد يقول لست في مقام أمه انا هاخد مراتي غصب عنك ملكيش دعوة ؟؟ بقى ده كلام ؟"



هل هولت من الوضع ؟؟ اتسعت عيني "حامد" من كلماتها فرد يهدأ هذا بقوله الحانق منها وهى تسرد :



_" ابنك مقالش  كدة يا دلال "



_"أهو اللي حكيتهولي بقا بيقولي كده ، مع اني رديت وقولتلها بكل هدوء انه جوزها  والواحد ما صدق الحال يتصلح بينهم ومتوقفيش  الدنيا وخليها تمشي وكلام من النوع ده بس هى دماغها ناشفة!"




        
          
                
هذا ما كان لا يريده من البداية ، عدم تدخل أي شخص بينهما حتى لا يتأزم الوضع! ، أخرج "غسان"  أنفاسه بسكونٍ وبعد فترة من الترقب  والإنصات ،  هتف بنبرة هادئة لها :



_"مقولتش هاخدها غصب بالطريقة دي ولا نفذت ، أنا سايبها تاخد راحتها عند امها عشان هى عايزة كده  ، ملوش لزوم الكلمتين اللي قولتيهم هناك مش هيعملوا حاجة ،  أنا عارف أنا بعمل ايه والدنيا ماشية ازاي بينا ، وأمها أنا فاهمها كويس!"



طالعته و طالعت الكلمات التي تخرج منه بهدوء ، وقررت التحمل دون رد حتى انه سبق يخرج حذاءه بعد قوله :



_" يلا يا حج عشان منتأخرش ،  حازم مستنى بره  هو وبدر!"



تلاقت عيني "والده " مع "دلال" التي نظرت بعلمٍ لما فعله من تجاهل ، ضَجر وجهها وشهدت زوجها في حزنٍ  على ولدها :



_"شايف ابنك يا حامد ؟؟،ابنك بيطنشني !! ، ولا بيطنشني ايه؟.. دا بياخدني على قد عقلي كمان!!، هو. انا كنت قولتله ايه يعني ، ما أنا بحاول اصلح هو حد يكره؟؟"



ضم شفتيه بضيقٍ واضح وأخرج أنفاسه يضرب كفن بكفه الٱخر وعدل من ثيابه أكثر مخرجاً يديه قبل أن يفعل بها ما فعله وهتف في يأسٍ :



_" نفسي في مرة تحكمي عقلك ده وتختاري كلامك قبل ما تقوليه ، ربنا يهديكِ !"



نظرت في حزنٍ من قوله وندبت قليلاً ومازال يسمعها إلى أن أغلق باب الشقة خلفه محركاً رأسه منها ، انتظره "غسان" في الخارج وهو يحمل"يامن" وخرج معهم "بدر"و"حازم " بينما "غسان" لم يحاول البحث بعينيه عنها في الداخل بسبب والدتها ، بل دعى صبره ليخرج رغم شوقه ، فهو لم يراها في الأيام الماضية وهى علمت هذا ، فرفعت من شأنها دون أن تحاول زيارته  بعد ٱخر مرة حدث بها ما حدث من والدته هى الأخرى!!



_________________________



بينما هى في الداخل لم تحاول الجلوس معهم مثل السابق ، بل منذ ٱخر مرة لم تتناقش بعدها مع والدتها ، فكرت في الوضع قليلاً ولم تعط الفرصة لأحدهم بل هى الٱن في الإنتظار كما وعدها ناهيك عن انها تتوعد له بينها وبين نفسها ، كيف يتحمل هذا القرار ؟ ولما أخذه؟ كان بإمكانه رؤيتها دون أن تصعد معه ، هل فعل ذلك من أجل والدتها؟ تاهت من ما فعله وشعرت بالحزن من قدرته على البُعد مرة ثانية خاصةً بعد سعادتها التي لم تكتمل عندما أخذ يردد أنه من  دونها لا شئ! ، ليس فراق بمعنى الكلمة ولكن بأي وقت هى تريده بجانبها؟ ، في الأونة الأخيرة رأته يحاول  من أجلها بحديث جاد عاقل مُقدر لها فكانت تسعد من أجل هذا وتتصنع التجاهل هي بتفهم ما فعله ،بينما في الأيام الماضية حساسيتها بحملها جعلتها تشعر بالضيق من هذا ، فقطعت أي أمل  للحديث عنه مع عائتلها حتى تبعد عن الجدال!




        
          
                
نهضت قبل قليل ما ان استمعت لصوت اغلاق شرفته لكنها تصنعت تجاهل هذا ووقفت أمام المرٱه تمشط خصلاتها بعدما اغتسلت حتى تفوق أكثر ، أصوات هنا وهناك في الخارج ما بين جمع ملابس "وردة"و"بدر", بعدما انتهوا من تنظيف وترتيب كل شئ قي الشقة من أكبر شئ إلى أقل شئ ، واليوم هو يوم الرحيل بعد العشاء!! ، إرتدت سترة منامتها وإلتفتت ترى من فتح هذا الباب عليها فوجدتها "وردة" التي ابتسمت لها بإتساعٍ وهتفت تحثها بلين تجاري ما تفعله شقيقتها من جهة أخرى :



_" ايه يا روز ، ما تيجي  تقعدي معانا بره ، ولا هتفضلي لوحدك هنا كده علطول؟"



_" تعبانة والله يا وردة وهبطانة  ، هصلي وهنام تاني "



هتفت بهذة الجملة وهي تضع المشط على "تسريحة أمامها " والتقطت ملابس الصلاة ترتديها وبعدما أخرجت رأسها من فتحتها وجدت "وردة" أمامها ومن ثم رفعت كفيها تحاوط ذراعي "نيروز" التي حاولت الهروب ولكن تمسكت بها "وردة" بحنوٍ وقالت :



_"ليه الهروب يا نيروز ،. ما تقولي انك زعلانة أسهل ، ماما والله العظيم عمرها ما  هتضرك  !"



حاصرتها أمام نظراتها بخضرواتيها ، فأخذت"نيروز " أنفاسها وردت بعد لحظاتٍ بنبرةٍ صادقة لما تشعر به فقد  كتمت لأيام وشقيقتها هذه تهزمها دائماً بعقلها ورزانتها :



_" إفهميني يا "وردة"، انتِ اللي هتفهميني ، أنا مش زعلانة من ماما ، أنا تعبت من إن كل حاجة جاية عليا وهم كمان جم عليا ووقفوني قصادهم تايهة  ، مكنش لازم ده يحصل ،  أنا نفسي أرتاح بقى ، وقولت لماما اني واثقة انه مش خاين ولا كداب بس هي لما جت تواجه هاجمته  غصب عنها من غير ما تحس فهو خد الموضوع على كرامته وفضل تلت أيام بعيد مفكرش حتى يسأل عليا  وانتِ بنفسك شاهدة أنا كنت في ايه امبارح لما تعبت ، أنا مستحقش كل ده منه ولا منها ، محدش قدر حالتي وتعبي وضغطي!!"



واسترسلت بعدما أخذت أنفاسها  أمام متابعة الأخرى  لها :



_" وعلفكرة أنا لما قولتله هاجي معاك كنت واثقة  انه هيرفض عشان أنا فاهماه كويس وعارفه ان عمره ما هيحطني تحت ضغط ويخليني اختار ، ومكنتش هقلل من ماما قدامه وقدام نفسي ، بس أنا تعبت من كل ده ، أنا مش واقفه في صف حد غير نفسي واللي في بطني ،  قوليلي  يا وردة هو أنا مستاهلش أعيش مرتاحة بقا ؟ ردي على سؤالي يمكن محدش فاهمني وانت اللي ممكن تفهمي تعبي وضغطي من كل ده!"



لمعت عينيها عند قولها الأخير ، وعلى الأعتاب تقف هناك "سمية" مع"ياسمين " تاركين الاحتواء لـ "وردة" التي تحترم "نيروز", عقلها واحتواءها وصبرها عليها إلى النهاية ، بينما هي بالفعل تلهفت لأجل هذه الكسرة والحزن  فرفعت يديها الحانية ترجع خصلاتها البُنية إلى الخلف  ورددت بإحتواء غمره الدفء والمواساة  :




        
          
                
_"لا والله العظيم تستاهلي بس بعد الصبر جبر يا هبلة ،  طب أنا كمان واثقة ان غسان مش وحش بس ماما  حكمت بإنك هتحكمي بقلبك ، وهى زعلانة لإن في كلام خرج في العمارة عن أنه سابك عشان بيخونك فلما ترجعي وكل حاجة تبقى زي ما كانت من غير ما هي تفهم هتبقى حاجة مزعلاها عليكي هي عايزة  ترفع راسك وتقدرك يمكن الطريقة  شديدة بس ما ده يمكن يعلمه. ان بعدين مش سهل يعمل حاجة زي دي من غير ما يفكر فيكي وفي انك بنت ناس ، أنا عارفة ان الحمل ملغبطك أوي وانك تايهة ، أنا ٱسفة ليكي من كل ده ، متزعليش عشان خاطري  وخاطر يامن واطلعي اقعدي معانا بقا!"



ابتسمت على احتواءها ودخلت بين أحضانها بعدما فردت ",وردة" ذراعيها وهتفت بجانب أذنها تخبرها بمزاحٍ خفيف رداً على تجاهله  لها :



_" وبعدين مسألش عليكي ازاي بس يا عبيطة ، دا كل يوم باعتلك بوسة مع يامن وحضن كمان ، انتِ فاهمة اكيد انه مقربش عشان متضعفيش وتعملي حاجة غصب عنك وتختاريه عن ماما ، بصراحة هو كبر في نظري أوي ونظر ماما كمان بعد ما فهمنا دا بوضوح من اللي عمله ومن بدر ، بس ماما مش معلقة على النقطة دي هي بس معترضة بالخوف على حقك بحكم العقل بس  سيبي كل حاجة للظروف أنا واثقة ان كل حاجة ربنا هيحلها فوقتها!"



سكنت قبال هذه الأقول واحتفظت بوجع على ما قالته من حديث خرج عليها وعلى انفصالها ، ورفعت يديها تحاوط ظهر شقيقتها بتشبت ، كل ما تريده هى في هذا الوقت هو الاحتواء ، لاحظت اقتراب "ياسمين " ووالدتهن فهتفت الأولى بمرحٍ  تدخل بينهما :



_"بعيداً عن الكلام اللي وردة قالته وكان محشور  جوايا ، وعن اني سكت وعديتلك  انك نخيتي وجريتيي زي الطرية  تحضنيه وتقوليله هاجي معاك وتنحنحي ، بس أنا مش عايزاكي تبصي لنفسك عن انك قليلة والراحة كتيرة عليكي ، أنا مش مع غسان ولا معاكي أنا مع الصبر عشان لو هو صح كل حاجة هتبان ، وأنا معملتكيش على كدة يا بت انتِ ، هو ايه اللي مقررة قرار ورجعتي فيه عشان صعب عليكي ؟"



سألتها بمشاكسةٍ ولم ترض لومها بشدةٍ بل تركتها بسبب ضغطها هذا فدخلت بينهما ولم تجيب "نيروز" سوى بـ :



_" مرجعتش في قراري على قد ما حسيت انه محتاجني ، أنا لما احتاجه بلاقيه من غير ما أطلب منه ده ، بس المرة دي توهت أوي ومش عارفه أعبر قد ايه أنا  كنت واقفه تايهة مش عارفة أعمل ايه ، مشوفتش غير اني من حقي أفرح واعيش في استقرار زي أي بنت أو ست مع جوزها ، أو حتى واحدة وحامل ومحتاجة جوزها معاها في اللحظات اللي مش بتكرر خصوصاً لو أول مرة ، أنا مبلحقش أفرح بحاجة ولا أرتاح ، غلط صح أنا مبقتش عايزة غير الراحة ودي مش بلقاها غير معاه !"




        
          
                
العجز الٱن رفيقهن بعدما رأوا الاستسلام منها ، من مَن كانت لا تفعل هذا  معه إلا بصعوبةٍ ، بينما  أفعاله تبرر لها أن كل هذا  ليس له معني مقابل وجودها بجواره ، ومازال الأمر عالق!! ، اعتدلت تخرج من بين أحضانهما بعدما اقتربت "سمية " تمسح على وجهها برفقٍ وخرجت كلماتها بعقلٍ :



_" انتِ بنتي وٱخر حاجة ممكن أعملها هي اني أخرب عليكِ ، كل اللي حصل مني ده كان حق يحصل يمكن الطريقة صعبة بس ده هيعلمه بعدين ان انتِ وراكي سند وأهل يقفوا ليه فأي حاجة ، أنا لو كنت شاكة فبعد اختباري بالكلام ليه خلاني أقول انه ميعملش حاجة بس حتى الإحتياط واجب من كل حاجة ، انتي هنا معززة مكرمة ، وهو جوزك مقدرش أقول اني همنعه ،. لو قولت كده قدامه يبقي عشان بعلي من قيمتك وهو عارف ده ، وعارف كمان انه من حقك تفهمي كل حاجة بتحصل من قدامك ومن وراكي عشان كده سايبك بمزاجه ، جوزك بيخاف يظلم يا نيروز وده اللي عرفته ومادام كده يبقي المتسخبي هيبان ٱنا مش عايزاكي تضغطي نفسك ولا حتى أجبرتك تقعدي هنا بالقوة ، أنا بس شايفة ان ده الصح يحصل لحد وقت معين ، هو انتي مش مرتاحة هنا ؟ مش مرتاحة مع امك يا نيروز  ومع اخواتك؟"



لمعت عينيها من كلماتها الهادئة ونفت برأسها بلهفةٍ تبرر لها العكس بهدوءٍ وهي تراها تمسح عينيها بكفها المجعد وهتفت بشفقةٍ من ضغطها النفسي التي تراه مما جعلها تستسلم وتتخلى عن كل شئ من أجل ذاتها وخوفها على صغارها قبله :



_"متعيطيش بقى ، متوجعيش في امك ، أنا واللهِ ما كارهاه  ولا واقفة ضده ، أنا عايزة مصلحتك يا بنتي واللهِ ، والكلام اللي الواحد سمعه ده مشقلب كياني عليكي أنا قلبي بيقيد نار لو سمعت كلمة واحدة على بناتي  من حقي أخاف وغصب عني أقف أدافع عنك قصاده حتي ولو بالقوة، انتِ مش قليلة! "



نزلت دموعها أمامهن وهي توضح لوالدتها بكسرةٍ وتذكرٍ لما أخرجته عليها "زينات", من حديث قبل :



_" وكلام الناس كان امته بيقف ياماما ، انتِ اكتر واحدة عارفة انتِ واخواتي أنا  كان بيطلع عليا ايه وليه ، مترحمتش من  حد هنا ، وسيرتي كانت  على كل لسان بإني مجنونة وبتعالج في عقلي ومحتاجة السرايا الصفرا  ، يعني هي أول مرة؟؟ أنا دوقت المُر من كل حاجة  عشان كدة مبقتش بتفاجئ ومبقتش عايزة اتصدم ولا حتى عايزة أبرر لحد  ، أنا لو هخاف فهخاف على حياتي وعلى اللي في بطني ، ملهمش أي ذنب في كل ده ومش عايزة أقرر قرار غلط أو متأخر معاكم ويطلعوا من غير ما يلاقوا أبوهم جنبهم ويتقال بإني ظلمته ونهيت الحكاية بظلم تاني ليه وليهم من قبل ما ييجوا الدنيا ، أنا مش هسمح بـ ده ، أنا في حياتي حاجات جديدة عايزاها تكمل  بس متبقاش زي تجربتي في الحياة اللي مكانتش عادلة معايا وصبرت فيها لحد ما لقيت عوضي في غسان لما جه حسسني بالأمان حتى ولو حياتنا حصل فيها الصعب بس هو مبيفشلش يحسسني إني مطمنة وأنا معاه! ، هو كتير عليا اللي بطلبه ده يا ماما؟"




        
          
                
ضمت "سمية "رأسها والتزمت الصمت كي لا تنهار باكية منها أكثر ، بل دخلت"نيروز" في أحضانها وبكت بصمتٍ وهى تكمل لهم :



_" أنا كل حاجة مأثرة عليا ، بُعده ووجعي والظروف ، حتى بعد كل ده شوفت في عين مامته ان أنا السبب في كل حاجة بتحصله ، حسيت انها مبقتش بتحبني من تاني يا ماما ، أنا أضعف من ان حد يتهمني اتهام أنا فوقت منه أو حتى مليش ذنب فيه ، أنا ليه كل حاجة بتضيع مني بعد ما كانت في ايدي!"



مررت "ياسمين" كفها على وجهها تمسحه في حين كبتت "وردة" الدموع وهي تمرر يديها على ظهرها بينما شددت "سُمية" من عناقها بقوةٍ وتأسفت لما فعلته  الحياة معها:



_" حقك على قلبي يا ضنايا ، والله قلبي ما اتمرض من قليل يا نيروز ، متزعليش ، ان شاالله كل اللي فيكي يجي فيا أنا قصاد انك تكوني كويسة ومتحسيش بكسرة النفس دي ، متوجعيش امك عشان خاطري!"



فخرج صوت "ياسمين" المتحشرج لها وهى تراها تهبط الدموع بغزارةٍ :



_" وجعك من وجعنا يا بنت سالم ، كفاية بقا ابوس ايدك ، يارب عمتك زهور تموت  قصاد الدموع دي ، يلا بقا "



ضحكت"نيروز" من بين الدموع وهي تعتدل ثم وكزت كتف"ياسمين" بحب وهي تمسح وجهها ، فضحكتا الاثنان أيضاً وأضافت "وردة" :



_"  متعيطيش بقا يا روز ، ده أنا همشي  النهاردة أنا ويامن حبيبك ، هتودعينا كدة بالدموع دي؟"



ابتسمت"نيروز", وهي تدفع كتفيها بضجرٍ زائف وهتفت :



_" بس متقوليش وداع ، انتِ لازم تبقي هنا علطول ، أنا خلاص مقدرش أعيش من غيرك انتِ ويامن ، تروحي النهاردة وتيجي بكرة ماشي؟."



أكدت برأسها وهي تشير بعينيها ، فرفعت "ياسمين" ذراعيها تضمهما  ناحيتها بسعادةٍ من هذه اللحظة ودخلت معهما "سُمية" التي هتفت بتمنى:



_" ربنا يسعدكم كلكم ويقومكم بالسلامة ،  ومشوفش فيكم كلكم الوحش أبداً عشان مش هستحمل!"



_" لا بتستحملي يا سمسم ، عشان عاملة كشري النهاردة ، حد يعمل كشري النهاردة؟ الجمعة ؟ عيد الاسبوع يا شيخة!"



ضحكن على قول "ياسمين" ، فخرج صوت"وردة" تخبرها :



_"أنا اللي عملته عشان "روز " نفسها فيه وبدر كمان بيحبه!"



فأضافت "ياسمين" بضجر وهي تطالعهن :



_" طب وأنا مالي ، يعني اجيلك يا ولية على كشري ؟ ، دا أنا أروح اتغدى عند عايدة بقى "




        
          
                
كانت الضحكات تخرج بخفةٍ وبايعت "سمية" بقولها بمرحٍ مشيرة لها ، ومن ثم خرجت نبرة "وردة", الهادئة بقولها وهي تحثهن :



_"  طب يلا  بقا عشان نصلي ونحط الغدا على ما "بدر "ييجي  هو "ويامن"!"



_________________________



_« "الصلاة" إنها آخر ما يفقد العبد من دينه، فليس بعد ضياعها، والتفريط فيها، ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل.»



هذه الكلمات لم تخرج سوى من الخطيب على المنبر في مسجد بالقرب من منزل "عز"الذي جلس يستمع بإنصاتٍ وإهتمام جوار "بسام" الٱن والذي أكمل أمام أنظاره وانصاته كلمات أخرى من الخطيب يكمل بها ما انهاه بقوله الأول والذي كان يعد بدء ختام الخطبة حتى يؤديا الصلاة:



_«لا يقبل الله من تاركها صومًا ولا حجًا، ولا صدقة، ولا جهادا، ولا أي عمل من الأعمال حتى يؤديها. ،هي فواتح الخير وخواتمه يفتتح المسلم بالصلاة نهارا، ويختم بها يومه، يفتتحها بتكبير الله، ويختمها بالتسليم على عباد الله، صلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نور في الوجه والقلب، صلاح للبدن والروح، يطهر القلوب، تكفر السيئات، تنهى عن الفحشاء والمنكر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)»



_«يتدبر المصلي في صلاته قرآنا، ويرفع إلى مولاه دعائه، ويخشع لربه في مناجاته.، مؤمنون مفلحون، في صلاتهم خاشعون، إذا قاموا إلى الصلاة أقبلوا على ربهم، وخفضوا أبصارهم، ونظروا في مواضع سجودهم، قد علموا أن الله قبل وجوههم، فهم إلى غير ربهم لا يلتفتون.»



لم يستمر كثيراً في القاء النصائح على هذا النحو بل أكمل ينهي هذا بـ :



_«إنها الصلاة -عباد الله- التي توفي صلى الله عليه وسلم، وهو يوصي بها، فلنحرص على أدائها بخشوع وطمأنينة ،تقبل الله منا ومنكم صلاتنا، وأعمالنا، وقيامنا وصيامنا.،اللهم اغفر لنا وارحمنا...»



رُفع الأذان ثانيةً ومن ثم قوله في ان يستيقموا لٱداء الصلاة ، نهض "عز" أولاً ومد كفه كي يدفع "بسام" ليقف فإستند عليه مبتسماً بخفةٍ ونهض معه ووقف الإثنان بجوار بعضهما  مع بداية التكبير!!  ، وبدأ الإمام في الصلاة بخشوعٍ ..



لم يكن يتوقع هو أنه سيرافق شقيقها في صلاة كهذه ويوم كهذا وهو زوجها يحق له الدخول في منزلها والجلوس معها بأريحية دون شروط! ،لحظات لا تقدر بثمن وبعد رفض كثير من نفسه قبل من غيره يُعَوَض هو الٱن !




        
          
                
بينما الٱخر ذكرها في دعاءه في السجود الأخير المطول ، بأن يوفقها الله في الاختبارت التي كانت نهايتها أمس. ، يقدر خوفها وتوترها كونها ٱخر سنة دراسية بينما الإثنان البقية في خارج الجامعة!  ، يظهر على ملامحها الإرتباك أمامه وهو دائماً ينجح في أن يطمئنها وما بعد هذا الدعاء جاء على عقله فجأة أن يدعو الله بأن يرزقها بحملٍ كون التوتر ساد معها بعد حديث زوجة خاله لها ، وعلى الرغم من انها عرضت عليه أن يذهبا لطبيبٍ ولكنه اقنعها بأن ما بهما ليس شئ يدعي القلق في حين أن الفترة لم تكن طويلة لقولٍ كهذا !!



حركا الاثنان رأسهما بعدما سلم الإمام ، وعقب ما انتهيا سلما على بعضهما بحبورٍ وهتف "بسام" بنبرة هادئة بشوشة مازحاً باللقب :



_"تقبل الله يا معلم عز"



رد عليه "عز" بإبتسامة واسعة ونهض الإثنان إلى خارج المسجد بعدما ارتديا حذاءهما ، وسارا بجانب بعضهما الٱن وبدأ "عز" بقوله:



_" منورنا النهاردة  يا بسام،  مش قادر أقولك أم عز مبسوطة بيك قد ايه !"



ضحك "بسام" بخفةٍ ورد عليه بلباقةٍ :



_"ٱنا اللي مبسوط واللهِ  عشان حماتي أم عز وابنها المعلم عز!  واخته فرح مراتي!"



تعالت ضحكات "عز" بمرحٍ  على طريقته وسأله دون النظر إليه ، سؤال كان لا يتوقعه منه "بسام" :



_" مرتاح مع" فرح" يا بسام؟"



كان يرى أن هذا السؤال سيسأل بالعكس عندما يلقيه شقيقها عليها ، ترددت عينيه في النظر نحوه ولكنه نظر يخفي دهشته وقال بوضوحٍ مصرّحاً :



_"  أنا الحمدلله مرتاح يا عز ، الأهم تكون هى مرتاحة وقابلاني، أنا بحبها!"



ٱخر تصريح كان جرئ منه ، لذا حرك "عز" رأسه ينظر ناحيته فوجد الصدق بان في عينيه ، لذا تنهد يواصل هو :



_" و  انت كمان  مهم ترتاح معاها برضه ، فرح مبتعتدمش على نفسها في حاجة معينة، لو سابت نفسها ليك تقرر ليها وتتولى مسئوليتها بقبولها تبقى بتحبك ,بعدين يمكن تحس ان مسئوليتها معاك كبيرة ، مش عارف ده صح ولا غلط ، بس هي ما تعودتش تعمل حاجة كبيرة من أولها لٱخرها ، هتحسها صغيرة علطول مهما كبرت، معرفش ده كان المفروض اتعافت منه أو لا بس دي كانت التربية اللي خدت طريقها معانا ، انا بس عايزك فاهم الدنيا عشان لو حصل حاجة  وانت مش فاهم تبقى تبدأ انت تساعدها فاللي انت عايزها تعمله، فرح بسيطة أوي وطيبة خلي بالك منها يا بسام ، معنديش أغلى منها "




        
          
                
تأثر من كلماته وحرك رأسه تلقائياً يوافق كلماته وهتف في صدقٍ :



_'' فرح أمانة ، وأمانتك في الحفظ الصون"



ربت "عز" على كتفيه بإمتنانٍ  وأدخل المفتاح الٱن في البوابة حتى فتحها ودخل الآثنان معاً إلى أن وقفا أمام باب الشقه المفتوح ، فأخفض"بسام " رأسه تحسباً لشئ متحنحاً بحنجرته إلى ان حثه "عز" بصوتٍ عالٍ :



_" تعالى يا"بسام "ادخل"



ترقبت "فرح " من الداخل فنهضت تتحرك بجوار باب الغرفه ومعها "جميلة" في الداخل والتي شجعتها على أن تتحدث معه بوضوحٍ وأريحية ، عدّلت  حجابها بلهفةٍ وسألتها :



_" شكلي حلو يا جميلة!"



طالعتها "جميلة " بتسليةٍ وحركت رأسها ضاحكة مرددة بنعمٍ :



_" زي العسل يا فروحة والله ، بس ايه الحماس ده كله!"



قلبت عينيها بإستخفافٍ ، وقبل أن تخرج أشارت لها بعجالةٍ ثم فتحت الباب فوجدته يرحب بـ "حنان" والدتها بحبورٍ ومن ثم زوجة خالها التي جاءت لتساعد والداتها في طهي الطعام ومنذ ان جاءت تحاول "جميلة" عن ان لا تختلط بها!



خرجت"فرح"  بخطواتٍ حاولت جاهدة على أن تظهر ثابته بفستانها الأسود الهادئ الطويل المميز ، الذي أظهر قوامها وربطة خصرها بتنسيقٍ جعل عينيه تقع عليها وهي تقترب بخجلٍ أمامهم ومدت يديها فرحب بها ببهجةٍ وهمس من بين انشغال الآخرين وانسحاب "عز" ناحية "جميلة" ورحيل الاخرتين ناحية المطبخ:



_"وحشتيني والله!"



توردت وجنتيها وجلست معه على المقعد الطويل ، وابتسمت بحرج وقاومته ما ان قالت  تبادله هذا :



_". وانت كمان!"



ابتهجت ملامحه ،  وقال بمشاكسةٍ :



_" أومال مش باين يعني ، دا أنا طلع روحي عقبال لما رديتي عليا في التليفون ، دا انتِ تقيلة تقل بس يلا علينا الإستحمال!"



هربت من عينيه وطالعت ملابسه بإعجابٍ فسرق انتباهها من جديد مردداً بمرحٍ :



_" بس ايه الماتشينج ده ، فستان اسود وعيون سودة برموش قتالين، تفتكري أنا قادر أقاوم كل ده؟"



ضحكت"فرح" بسعادة من قوله ونظرت  له بشكٍ وأخبرته :



_" بتقول كلام حلو أوي ، مكانش لايق عليك لحد ما عرفتك!"




        
          
                
_"أي حاجة في الحب بقت تليق ما دام انتِ هنا ، معايا!"



تعلقت عينيها بعينيه ، فتنفس هو بعمقٍ وهو يمسح ما تلطخ به أعلى رمشها برفقٍ :



_" بصي ، أنا مش عارف اللي أنا حاسه صح ولا لأ ، بس أنا حاسس انك متغيرة من ساعة الموضوع اللي كان حصل ، ممكن تتكلمي؟ أنا هسمع  وهفهم وهصبر للٱخر!"



لم يكن سيفعل هذا  إلا من حديث"عز", له قبل قليلٍ ، هو من يبدأ الخطوة لتفعلها هي؟ ابتلعت ريقها ونظرت  مطولاً له بلهفةٍ وردت :



_" واللهِ لأ ، أنا مش متغيرة عشان زعلانة ، أنا خوفت بس!"



ابتسم "بسام"  ابتسامة جذابة  هادئة زينت وجهه وهو يسألها بشغفٍ :



_" طب ممكن أفهم خايفة ليه ومن ايه ؟"



تقطعت أنفاسها  ووجدت الإنتظار في عينيه بقبولٍ فبدأت توضح بتوترٍ :



_" خوفت تفتكرني زيها أو ثقتك فيا تكون مهزوزة ، اللي حصللك مش سهل ، أنا فعلاً زعلت عشانك بس خوفت على نفسي لتفكر الكل زيها  بالذات أنا ، خوفت اتكلم معاك بعدها أعك الدنيا وأقول الكلام ده بعفوية تبوظ أي حاجة بينا وتفهمني غلط ، بس انت مبتفشلش  تثبتلي ان طريقتك بتطمني!"



أخذ نفساً عميقاً قبال هذا الحديث الذي كان يتوقعه لم يتفاجئ هو منه وقرر قول الاتي بوضوح وصدق :



_"أولاً أنا عمري ما فكرت أتسرع وأفهمك غلط ، انتِ بالذات بحس ان بالي طويل معاكي أوي ومستعد  أصبر علشانك وعليكِ لكتير ومش هبقى متدايق ، ثانياً بقا أنا عمري ما فكرت ان ثقتي فيكِ تتهز عارفة ليه ؟"



نفت برأسها وقرأ المسطور في عينيها فوضع كفه على كفها مصرحّاً:



_"عشان أول ما مسكت الإيد دي أشوف كدماتها في المستشفي أول مرة ،حسيت انك مختلفة عنهم ، حسيت انك شبهى عايشة مش فاهمة ليه بيحصلك كده ، أنا لو اللي حصل خلى ثقتي تتهز في الكل وخلاني اتقفل من أي علاقة ، فهو جه عندك وكل ده راح وقلبي ده دق ليكِ من غير ما أعرف أنا وعقلي فبقيت كل ما بشوفك استغرب وأسأل نفسي أنا ليه مرتاحلك ليه بقعد اتكلم معاكي براحة وليه ربنا بيبعتنا  لبعض في وقت ضيقة وأنا معرفكيش لسه!"



طالعت أقواله بتأثر ، فسألته بتهيةٍ وهي تنظر لعدستيه :



_" وعرفت ليه ؟"



_"عرفت ليه ، بس معرفتش بسهولة ، عشان كده لما حسيت انك هتضيعي مني اتحسرت وقولت ازاي هتروح بسهولة وأنا مخدتاهش بسهولة!"




        
          
                
هو الٱخر بارع في ان يعجزها أمام أقواله ، ابتسمت بعذوبةٍ ، فبادلها البسمة بحبٍ وغيرت هى مجرى هذا بقولها:



_" هنروح الفرح صح؟"



أكد برأسه ضاحكاً  مشاكساً. اياها:



_" آه هنروح ، بس أنا نفسي نروح على فرحنا علطول!"



ضحكت بعلوٍ هذه.المرة  وضربت كفه بعفويةٍ جعلته يضحك عليها ، وعادت تردد بنبرة بها أثر الضحك :



_" عموماً يعني  أنا معايا لبسي  هجيبه ألبس عند وسام عشان مش هقدر أحضر العشا بيه ممكن يتوسخ قبل الفرح!"



ورغم حرجها بالقول ولكنها لم تجد حلاً ٱخر غير هذا حرك رأسه مؤيداً وقبل ان يردد شئ ، وجد "حنان" تقترب وقالت بلهفة:



_" يلا يا فرح ، يلا يا بسام ياحبيبي الغدا جهز جوه تعالوا يلا!"



أشارت لهما بحماسٍ ، فنهض معها ناحية الداخل أكثر ،قبال وضع "عز" المقاعد بجانب بعضها وحمل "جميلة" الطبق من المطبخ فتقابلت عينيها مع عيني "ميرفت " التي ابتسمت لها مرددة بسماجةٍ :



_" كدة برضه تاخدي جنب مني يا جميلة ، مكنتش جملة قولتها تخليكي تتقفلي مني كل ده ،يا حبيتي أنا خايفة على مصلحتك ، عشان كده قولتلك اكشفي ، عادي بتحصل عند بعض العرايس ولو في حاجة بتتلحق قبل ما تكبر ، الواد عز غلبان ميستاهلش كل ده ، فكري فاللي بقولك عليه انتي بقالك فترة مش قليلة برضه!"



نزلت الكلمات عليها بقوةٍ ، اعتصرت قلبها دون أن تحاول الرد عليها ، لمعت عينيها خوفاً من تصريحاتها وحاولت التبرير بتقطعٍ وكأنها تعطيها الحق في أن تقرر لها :



_" احنا مش بقالنا كتير يا طنط ،  وعز مش متدايق من ده ، حضرتك ممكن تدعيلنا وان شاء الله خير"



_" يا ختي في حاجة اسمها  خدوا بالأسباب ، وانتِ حلوة وجميلة بس لو عندك حاجة تمنع مش هيفيد جمالك ده بحاجة قصاد ان الراجل هيبقي عايز يخلف ، افرضي عندك اللي يمنع  لقدر الله تفتكري عز هيفضل موافق كتير متروحيش لدكتور ؟  الرجالة يا حبيبتي مجانين و غداريين مش ثابتين على مبدأ وحبهم مش ثابت بالذات في الحاجات دي!"



ارتجفت يديها واستطاعت أن تلعب في عقلها بشيطانها ، حتى وان لم تكن قاصده ان توقع بينهما ولكنها ثرثارة تتدخل بأشياء لا تعنيها ، وما أثر بها جعلها تهتف بعدم استيعاب وكان قولها مسموع:



_" غداريين!!"



_" أيوة غداريين أومال ايه ، الحلاوة والحب مش كل حاجة بكرة يزهق من كل ده ويقولك احنا مش هنجيب حتت عيل بقا ولا ايه ، وٱه لو انتِ اللي عندك المشكلة في ثانية وعلطول هتلاقي ليكي ضرتك متعرفيش جت منين، عشان كده بقولك الحقي نفسك وشوفي ان كان العيب والتأخير ده من عندك تلحقيه!"




        
          
                
ثرثرت في الكثير وتدخلت أكثر فيما لا يعنيها ، دب القلق في "جميلة" وابتلعت ريقها تسألها بخوفٍ وكأن الأخرى استطاعت السيطرة على عقلها:



_"يعني عز ممكن يتخلى عني ويسيبني لو العيب من عندي؟"



_" آه يا ختي ، وساعتها هيبقى حقه ، بس انتِ بشطارتك تتجدعني وتعملي اللي عليكي وان محصلش زي ما بقولك تروحي تطمني ، في دكتورة حلوة أوي لو عايزة تروحي قوليلي وأنا هبقى آجي معاكي!"



تركتها وخرجت بعدما بثت بداخلها رهبة جعلتها تقف لمدةٍ حتى جاء "عز" يستفهم بإستغرابٍ :



_" مالك يا جميلة واقفة كدة ليه، ليه مجتيش؟"



انتفضت بخفةٍ وما ان وجدته و ابتلعت غصتها بمرارةٍ وحركت رأسها تبتسم بإهتزازٍ وردت :



_" مفيش ، أنا دوخت بس فوقفت شوية!"



_" طب انتِ كويسة دلوقتي؟ "



اقترب منها يسألها بقلقٍ وهو يأخذ منها الطبق فأومت برأسها بابتسامة صغيرة جعلته يشير لها بأن تسير بجانبه ناحية الخارج وبالفعل سارت معه إلى أن وقفا الإثنان أمام مائدة الطعام ،تعلقت عينيها بتوترٍ مع عيني "ميرفت"،في حين أشارت "حنان" لهما بعدما رحبت "جميلة" بعينيها بـ "بسام" :



_" اقعدي ، اقعد يا عز ، واقفين ليه؟"



سحب لها "عز" مقعد بجانب"فرح" وأشار لها بالجلوس بعدما وضع الطبق وجلس هو بجانبها متفحصاً النظر ناحية وجهها ، بدأت في تناول الطعام تحت حديثهم العشوائي وخروج صوت "ميرفت" التي قالت:



_"منورنا يا دكتور بسام النهاردة والله ، شد حيلك بقا عايزين نفرح ونعمل الفرح!"



ابتسم لها "بسام" نصف إبتسامة محركاً رأسه وهو يردد:



_" ان شاء الله عن قريب ، دعواتك!"



لم تتوقف إلى هُنا بل خرجت ثرثرتها المعتادة ولكن هذه المرة ضغطت على جرح أحدهم :



_"ان شاء الله يا بني ربنا يتمم بخير ، وميحصلش حاجة وحشة أبداً يوميها زي فرح عز ،  الواحد مقلق واللهِ ، بس انت شكلك قدمك حلو علينا ووشك فيه الخير والبركة كدة!!"



هل قصدت زفاف "عز وجميلة"؟!، توقف الطعام في فم "جميلة" وسعلت بخفةٍ أمام أنظار "عز" الذي ترقب الوضع وتحمل بسبب وجود "بسام" ، تحولت النظرات إليهم بوجه بعضهم ، في حين ناولها هو كوب لتشرب منه ، فلم تستطع الجلوس أكثر ، حينها لم تتناول شئ ، فرفضت بهدوء ونهضت تزامناً مع قولها المتحشرج :




        
          
                
_"معلش هستأذن أنا ، الظاهر ان معدتي تعبانة شوية!"



_"ألف بركة لتكوني حامل"



ضغط"عز" على فكه بصبر اقترب موعد نفاذه ، وصمت بسكون قبال نظرات "فرح" المغتاظة ناحية زوجة خالها ، في حين تلهفت و تدخلت "حنان" بلهفةٍ. وهي ترفع رأسها ناحيتها :



_"طب قومتي ليه ، اقعدي اشربي الشوربة واعصري لمون عليها ، اقعدي اعملهالك أنا عشان تروقي!"



رفضت بإبتسامة شاحبة وتحركت حينها لم يجبرها هو ، بل تركها تسير وترحل أمام خوف "فرح" من هذا السكون ، فبعده تعلم أنه ليس خير أبداً مادام صمت شقيقها هكذا أمام أمر كبير ، استمر في تناول الطعام وحاول "بسام" التخفيف من هذا الوضع عندما تدخل وقال:



_"ما تيجوا النهاردة معانا الفرح بعد العَشا يا عز!"



ابتسم "عز" له وابتلع ما بفمه وجاوبه بوضوح محركاً عينيه بحدةٍ من على والدته و"ميرفت".  :



_" أنا عن نفسي النهاردة اجازتي بحاول استغلها وارتاح ، اتبسط انت وفرح ، وخلي بالك منها!"



وافقه ونظر ناحيتها فوجدها تنظر بتردد ناحيته وناحية الأخرى ، فإكتفى "بسام" بهذا ونهض مردداً :



_". الحمد لله ، تسلم ايديكم على الأكل!"



_" اقعد يا بني هو انت لسه أكلت؟"



رفض بلباقةٍ وسار بعدما نهضت "فرح" هى الأخرى لتريه مكان الإغتسال بابتسامتها الهادئة ، وبقى "عز" على المائدة مع والدته وزوجة خاله التي نظرت ناحية سكونه الغريب بغرابةٍ. فهو حتى لم يتبادل الحديث بشغف مع"بسام" ، خرج "بسام" ليجلس مع "فرح" بركن بعيد عن هذا ، ونهضت المائدة ومن عليها منهم  ومن الأطباق الذي حملها "عز" معهم حتى غسل  يديه بصمتٍ وسأل من بعيدٍ بصوتٍ عالٍ :



_" هو المفروض نكون هناك على امته كدة  يا بسام؟"



أجابه "بسام" من على بُعدٍ بنفس مستوى الصوت :



_" كمان شوية كده هتلاقي حازم بيرن لوحده أصلاً!"



قدمت له "والدتها" الحلوى بعد هذا ، فشكرها بإمتنانٍ  وقرر فتح أي حديث معها للتخفيف من الوضع..



في حين ، اقترب "عز" ليصعد بسكون,تركهم وصعد بشرودٍ حتى فتح الباب  ودخل و وجد باب الغرفة مغلق ، حاول فتحه ببطئٍ فوجدها تضع يدها على وجهها وتبكي بصمتٍ وتخرج  منها الشهقات اقترب يجلس وانتفضت ما ان شعرت به يضع يديه على وجهها ، فمسحت وجهها سريعاً بارتباكٍ وسألته بتحشرجٍ :




        
          
                
_" طلعت وسيبتهم ليه؟"



مسح "عز"  وجهها بسكونه وباغتها بسؤالٍ ٱخر في هدوء ورزانة محاولاً سحب الحديث منها :



_" بتعيطي ليه يا جميلة ؟"



سالت منها دموعها من كل هذا ووضعت يديها تخفي وجهها مرة أخرى أمامه لمدة دقائق ، صمت أمام  هذا لفترة ورفع وجهها ناحيته مردداً:



_"بصيلي هنا ، واتكلمي معايا ومتعيطيش"



حينها خرجت  نبرتها الباكية وهي تحاول الابتعاد عنه وحثته قائلة :



_" انزل يا عز، خليك قاعد معاهم وأنا هاجي وراك !"



ضغط على مرفقها وهي تحاول التملص ووجدت الجدية عكس الحنو عندما واجهها بسؤاله:



_" اتعدلي وقوليلي ميرفت قالتلك ايه ؟"



_"مقالتش"



كلما تحاول النهوض يحكم من حركتها ، لانت تعابيرة وهو يمسح وجهها وسألها بهدوء :



_" قالتلك ايـه يا جميلة ردي عليا"



حاصرها بهذا فسكنت ووقفت فوقف هو عندما رددت في لهفةٍ ممزوجة بالاختناق:



_" عز..أنا عايزة أروح أكشف نشوف  ايه معطل الحمل!"



رفعت رأسها تطالعه ما أن وجدته هادئ إلى هذا الحد ، ابتلع ريقه متسائلاً محاول سلب اغوارها :



_"يعني هى اللي قالتلك كدة تاني؟"



ترددت عينيها في النظر ونهضت أمامه تمسح وجهها ووضحت:



_" حتى ولو قالتلي ، انا عايزة أطمن !"



تعلقت عينيها مع عينيه وهو لا يزال   يطالعها بتمعنٍ ،أخذ أنفاسه بعمق ووقف أمام ٱنظارها فنظرت له تكتم البكاء ولم تستطع كبت ما حدث بداخلها بل انفجرت باكية تردد من جديد:



_" عايزة اروح اطمن يا عز عشان خاطري ، أنا مش مستعدة أتفاجئ ان عندي حاجة تمنع ده ، وبعدين اتوجع لما تسيبني عشان خاطر كده ، انت هتسيبني؟ صح؟ هتسيبني لو كنت مبخلفش؟؟"



سألته بخوفٍ شديد لأول مرة يرى رهبتها هذه ، فتقدم يرفع ذراعيه سريعاً يضمها إلى أن  تشبتت به باكية :



_" انت ساكت ليه ؟ رد عليا ، أنا وشي وحش عليك مش كدة؟؟ هم خايفين يحصل حاجة في فرح "فرح" عشان اللي حصل في فرحنا ؟؟ أنا فقر يا عز مش كدة ؟؟ وشي وحش وعليكم  عشان كده خايفين مني ومن الفرح؟؟"




        
          
                
ضغط على فكه بتحملٍ فتوقفت عن البكاء وهي تخرج من بين ذراعيه تنتظر الجواب وحينها خرجت نبرته  وهو يردد بسكونٍ :



_" لو بتسأليني كل ده ومستنية مني اجابة غير  اللي انتِ بتسمعيها مني كل مرة تبقي ظلمتيني بعد ما ظلمتي نفسك وسمحتي ان حد يلعب في دماغك ويخوفك , لحقتي بسرعة تخافي ليكون عندك حاجة ؟ ليه متأكدة انك انتِ السبب ما يمكن يا ستي أنا السبب والعلة ، ساعتها أخاف لتسيبيني بقا وثقتي فيكي وفي حبك تقل عشان مش ضامن هتفضلي معايا ولا لأ!!"



احتوى. الموقف سريعاً وغيره لٱخر مما جعلها تنظر بدهشةٍ وتلهفت  تتمسك بيديه مرددة :



_" مستحيل اسيبك ، مش هقدر ,بس ..بس انا حاسة ان كل ده من عندي أنا"



_" ليه ميكونش شيطان ؟، أنا مش رايح لدكاترة يا جميلة ، عشان ببساطة لسه بدري وده رزق ربنا بيقسمه ولسه مجاش ميعادنا.، خليكي راضية وواثقه من نفسك!"



تجمعت الدموع بمقلتيها وسحب يديها خلفه مردداً بحزمٍ :



_'',  تعالي معايا!!"



انسحبت بفعل كفه المصر على عدم تركها ، فتح باب الشقة وهبط حتى تركه مفتوحاً ، ووصل الٱن إلى الشقة في الأسفل. ، دخل منها وهو يسحبها خلفه بهدوءٍ ، فقاطع سيره "ميرفت" وهو يسألها بإندفاع مع وقوف "فرح"و"بسام", بإندفاع من بكاء "جميلة"  :



_" انتِ قولتي لمراتي ايه ؟"



ترددت عينيها بخوفٍ ، حاولت "جميلة" التملص من بين يديه ولكنه رفض تركها فوقت "بسام" و"فرح" بترقبٍ ، أمام "حنان" التي نظرت بخوفٍ فتقطعت نبرة "ميرفت" وهي تبرر :



_" مـ ..مقولتلهاش حاجة !"



فاض به الٱن عندما ترك يديها صارخاً على فجأةٍ  وهو يشير بكفه أمام وجهها :



_" يــعني ملعبتيش في دماغها في موضوع الخلفه.؟؟ محاولتيش تقللي منها على السفرة وانتي بتبيني ان قدمها نحس؟؟؟ مجتيش عليها كذا مرة وانتي فاكراها خدامة؟؟ محاولتيش توقعي بينا بكلامك اللي زي السم؟؟؟ مضحكتيش عليها قدامنا وانتِ بتخليها  تغطي عليكي والإسم انك انتِ اللي تعبتي؟؟؟؟"



اتسعت عيني "جميلة" من أين يعلم؟، هابت "فرح " الآتي ، فصرخ بها مجدداً :



_" أنا عايز أفهم حاجة واحدة بس؟ ليه عايزة تخربي عليا وعلى حياتي؟؟؟"..




        
          
                
حاولت "حنان" التدخل ، فنزلت دموع "ميرفت" وهي تبرر بخوفٍ من صراخه عليها :



_" مكنش قصدي يا عـ .."



_" لا قصدك ، وبقولك ايه ، أنا اللي فيا    مكفيني وزيادة ، واللي ضاع مني قصاد شريف معتش منه أقف بيه قصادك ، قسماً بربي اللي ما بحلف بيه كدب لو هوبتي بكلمة نحيتها ، ساعتها هتشوفي وشي التاني ،. عشان أنا ساكتلك ومعبي من زمان !!!"



هاجمها بهذه الكلمات ، فهرولت ترتدي عباءتها كي ترحل ، في حين لمعت عيني"حنان" وهي تهدأه :



_" مش كدة يا عز ، مش بالطريقة دي يا بني!"



وجه لها نظرة حادة ، جعلت "بسام " يقترب ممكساً ذراعه ناحية المقعد ليجلس ، تحت بكاء"جميلة " من تدهور الوضع ، فعانقتها "فرح" بإحتواء ، جعل "عز" ينظر بضياع ، هو الٱخر لا يتحمل حدوث شئ أو ضغط بحياته يكفي ما مر ،لم يجد الراحة والآستقرار إلا بعد عناء،   اقتربت "جميلة" مسرعة من الداخل كي توقفها حتي لا ترحل منهارة هكذا فأوقفها نداء "عز":



_", ايــاكي تــدخلي وراها  ، امشي إطلعي فــوق!!"



توقفت بخوفٍ من لهجته الٱمره ، فوجدته يعتدل ساحباً يديها خلفه مردداً بجديةٍ :



_" يلا اطلعي عشان تلبسي  بقولك!"



توقفت عن ذرف الدمع ، ووجدت طريقته جامدة عليها لأول مرة ، حثتها "فرح" بخوفٍ وسحبتها معها للأعلى ، في حين احتوى "بسام" الٱخر وردد في هدوء:



_" اهدى يا عز ، مالك اخدت كل حاجة على أعصابك كدة ليه؟"



لم يجيبه بل أخرج لفافة ودخنها بحرقةٍ بعدما أشعلها ، ووجدها الٱن تهرول ناحية الخارج وهي تحمل حقيبتها ،وخلفها "والدته" تحاول أن توقفها ، راقبهما بسكونٍ جعل "بسام" يحاول التدخل ليوقفها ولكنها توقفت تأبى الحديث وأشارت لسيارة أجرة حتى ركبت بها ، فأسند "بسام" "حنان" ناحية الداخل برفقٍ ، ودخلت عليه وجدته يجلس هكذا ، فنظرت له بلومٍ والتزمت الصمت من غضبه الذي خرج ما أن أقسم أمامها عندما شعر بأنها ستدافع عنها وهى من دعتها !  :



_" عليا الطلاق كلمة زيادة هسيبلك أم البيت ده وهمشي!"



تعلم انفعاله لذا سكنت تدعي له بالهداية واقتربت تدخل إلى  الداخل تتركه ، خوفاً من الاقتراب منه وهو هكذا حتى لا يتأزم الوضع!!



_" صلي على النبي يا معلم عز ايه اللي جرالك يا عم ، فين  صبرك وعقلك ؟"



خفف عنه "بسام" بهذا فنظر له "عز" مبتسماً بسخريةٍ وخرج صوته :




        
          
                
_"الإنسان ليه طاقة ، مش هفضل صبور طول الوقت أنا ، وبعدين دي مش أول مرة انت مش غريب ، ولا غريب على انك تعرف ان حياتي مش ناقصة خراب ، انا براعي ربنا في مراتي عشان ألاقيك مراعي ربنا في فرح ، عايزني اسكت واسيبها تتكسر وتتهان ويترد فيا؟؟، صدقني أنا صبرت كتير ، بس متوصلش للدرجة اللي تلعب في دماغ واحدة غلبانة هتتأثر منها في ثانية، هو إحنا عيال؟؟ مالها بحياتي؟؟ ما أنا حر يا ٱخي أنا ومراتي!"



لم يفهم أشياء كثيرة ولكنه علم ان الٱخر أخرج الحديث بوقت منفعل ، ربت على كتفيه يحثه برفقٍ  حتى مرت الدقائق ووجدها تهبط مع "فرح" مرتدية ملابسها لذا سألها "بسام " باهتمام:



_"ايه يا فرح ، هنمشي دلوقتي ؟"



جاءت نحوه وهمست بصوت منخفض:



_" من الأفضل نمشي بدري الوقتي ، بدل ما يحصل مشكلة وعز كدة ، عز لما بيدايق حط جنبه ناس تلهيه بدل ما يبوظ الدنيا ، وجميلة وماما مش قد حمقته!"



تفهم هذا ، فإلتفت حتى وجد "عز" ينهض مقترباً من "جميلة" التي حبست الدموع في عينيها محملة ذاتها الذنب ، وما ان وجدته يقترب نهضت تسأله:



_" هي فين مامتك يا عز اكيد زعلانة كل ده بسببي أنا ياريتني ما اتكلمت أنا ٱسفة !"



رفع أنامله يمسح وجهها بضيقٍ وقال بجديةٍ :



_" انتِ مغلطتيش مع حد عشان تتأسفي وأنا قولتلك ده قبل كده ،  متتأسفيش على حاجة معملتيهاش تاني ، سامعة؟"



حركت "جميلة"  رأسها  تومأ فوجدت الضيق منها بعدستيه فسألته بحزنٍ :



_" طب انت ليه زعلان مني ، أنا عملت ايه؟"



أهبط يديه وأخرج اللفافة يطفأها ثم قال باختصار:



_" لينا بيت نقعد نتكلم فيه بوضوح يا جميلة ، مش محتاج أقولك اني متدايق عشان سمحتي ليها تلعب في دماغك زي الشيطان وتقنعك بحاجة العاقل ميصدقهاش ، اش حال ما  انتِ دكتورة  ومتعلمة وفاهمة؟؟ هو ده بقا التعليم اللي بيفتح الدماغ؟؟؟''



سكنت بحزن وخزيٍ  فالأخرى جعلتها تندفع بحرقة على ذاتها ، لمعت عينيها وكادت أن تتحدث فأشار هو لـ "بسام " يقطع هذا عنهما حتى لا يصبح فاتراً  فتحزن منه. وهو  أمام حزنها لا يرى به ثبات!! :



_" معاك  العربية يا بسام ولا  اتصل بتاكسي؟"



رفض"بسام ",  هذا وابتسم يخبره :




        
          
                
_" لا معايا عربية ، خش انت استعجل أم عز وراضيها وأنا هروح أشغلها على ما تيجوا"



وافقه ووقف "عز" يشير  لـ "فرح" في ان تعجل  والدتها بينما هو التقط  الجاكيت من على المقعد وارتداه ثم اقترب يخرج حذاء والدته كما اعتاد على تلك الفعله ، انتظرها تأتي كي يلبسها اياه ، فحتي بوقت غضبه  يزال  الود معه ، نظرت "جميلة" ناحيته بسكونٍ وابتلعت ريقها بقلقٍ فهو أول مرة يتعامل هكذا معها وأمامها ، يبدو أن كل شجار هادئ بينهما من قبل والذي كان يخص العمل الخاص به مع الزبائن كان يعلم به انه المخطئ لذا كان يصبر ويصمت محاولاً أن يرضيها بينما الٱن هى من انساقت وراء كلمات مبطنة من إحداهن جعلت الدماء تغلي بعروقها تفكيراً وقلقاً وليس انفعالاً!!!



_______________________



بعد  مرور وقت ليس قليل وقفت في المطبخ تغسل الأطباق الٱن بعدما أصرت على أن تحث"فريدة"  كي تدخل تبدل ثيابها بعد الغداء  المتأخر، وقفت "فاطمة" ترتب المطبخ والأطباق وتركت صغارها يرتدون ملابسهم التي أخرجتها لهم ، في حين بين هذا الشرود خرجت "فريدة" متجهزة وهتفت من خلفها :



_" مش كنتي سيبتيني أساعدك ؟ ، أنا زعلت علفكرة!"



إلتفتت "فاطمة", تنظر لها وهى تضحك وأخبرتها قائلة :



_" عادي يا فوفة انتِ كنتي الفطار أنا الغدا ، الأيام جاية كتير  ، المهم قوليلي ايه الحلاوة دي!"



ابتسمت "فريدة", تغمز لها وقالت بشقاوةٍ :



_" أقل حاجة عندنا يا ست فاطمة!"



ضحكت "فاطمة" بصوتٍ عالٍ ، وخلعت عنها مريول المطبخ ، وخرج صوتها وهي تحثها :



_"طب اطلعي نادي ٱدم من فوق ، أصل بينسى نفسه لو قعد على السطح ، ناديه بقا على ما ألبس!"



واففت برأسها ، من الأساس كانت ستسألها ، اعتدلت "فريدة" وسارت ناحية الباب حتى ارتدت حذاء خفيف وصعدت على الدرج بخفةٍ ، حتى وصلت إلى السطح ، فتحت الباب ودخلت تبحث عنه بعينيها إلى أن وقفت واتسعت عينيها من ما رٱته للتو! ، هل هذا "كلب" ؟ ، هرولت بعيداً بعدما التفتت بخوفٍ ووقفت بسرعة ما أن ناداها "آدم" بصوتٍ عالٍ وهو يضحك:



_" خدي هنا، استني!"



ابتلعت "فريدة" ريقها ، فتركه وتقدم ناحيتها ، ووكز كتفيها تلتفت ، فإلتفتت بخوفٍ تحت ضحكاته وسألته بغير تصديق وهي تشير بإصبعها نحو الكلب المربوط فهى لأول تصعد السطح منذ ان جاءت :




        
          
                
_"هو  ده بجد؟؟؟"



_" لأ بهزار "



سحب "ٱدم"  يديها ناحيته أكثر ، فرفضت ولكنه هتف بنبرةٍ مطمئنة :



_" متخافيش"



ارتجفت يديها بطريقة ملحوطة وانتفضت ما أن وجدت الكلب ينبح من مكانه ، سحب لها مقعداً لتجلس بجانبه وهو معها أمام الكلب المربوط ، فأمسكت بيديه بتشتبتٍ وقالت بخوفٍ رافضة الجلوس :



_" أنا  عايزة أقوم ، أنا بخاف منهم يا ٱدم"



احتوى هو  كفها بحنوٍ منتهزًا الفرصة ، فنظرت له بغيظٍ جعله يضحك وهي تنظر على الكلب من على بُعد ، ورفعت عينيها له وسألته :



_" هو ده هنا من امته ؟و ليه مقولتليش؟"



أخرج أنفاسه بصوتٍ ووضع ذراعه على كتفيها برفقٍ ووضح:



_"من ساعة ما خرجت  من المصحة وأنا جايبه، لما بخرج بليل واسيب وفاطمة في البيت هي والعيال بحطه تحت ، بس ٱدهم ويوسف وجنة بيخافوا منه عشان كده هتلاقيهم مبيتكلموش عنه،ولا بيهوبوا السطح ده  وبيني وبينك أحسن عشان محدش يتشغل بيه ويتجرأ"



نظرت برهبةٍ من على بُعد ، وتعمق النظر بهذا الخوف الذي كان لا يظهر إلا بصعوبةٍ أمامه ،  رحلت للطيب النفسي مرتين في الأيام الماضية كما اختباراتها أيضاً، يجد هناك تحسن وضوء في ٱخر النفق ،  حركت رأسها فوجدته ينظر لها هكذا ، فخرج صوته وهو ينهض ساحباً كفها :



_" تعالي ، هقربك منه ، متخافيش مش بيعض"



رفضت ووقفت  تتسمر في مكانها وقالت بلهفة:



_" لا ، لا أنا مش عايزة أتعرف عليه ، أنا بخاف منهم"



_"مش عيب كدة ؟،  بتخافي وانتِ معايا يا شاطرة ، بقا دا كلام  يتقال لحامي حمى الدار ؟"



ضحكت "فريدة" من كلماته وردت بنبرة بها أثر الضحك :



_" آه بخاف ، سيبني بقا ، عايزة انزل!"



تعمد عدم تركها وتمسك بكفها يسحبها بجراءةٍ يحثها بها :



_"  تعالي بس  ومتخافيش ، خليكي واثقه فيا"



ابتلعت "فريدة" ريقها بترددٍ واقتربت معه بأيدي ترتجف فأشار لها بأن تنحني إلى أن انحنت ومد كفها ناحيته يعرفها عليه بسكونٍ جعل الكلب يقترب منها فأغمضت عينيها سريعاً وكأنها تهرب من هذا ، مررت كفها على رأسه بفعل يديه هو فوجدت الكلب يقترب منها برفقٍ ففتحت عينيها تبتسم من هذا ، و اعتدلت في جلستها تنظر بعمقٍ إلى أن خرج صوته يخبرها بهدوء وهو معها :




        
          
                
_" بصي ، ده آخر حاجة ممكن يخاف منها البني ٱدم ، أنا بخاف من البشر أكتر منه ، تصدقي ده  بقى؟"



وجدت الحديث يحمل محمل الجدية معه  ، فحركت "فريدة" رأسها بتصديقٍ وهي تتلمس ما أمامها بخوفٍ يزول تدريجياً ، ورفعت عدستيها تتقابل معه ما ان أكمل:



_" أنا بقعد معاه هنا كتير ، بحكيله عنك من أول ما حبيتك ، عمره ما طلع سري أول ما اعترفت اني حاسس نحيتك بمشاعر ، وعمره ما خذلني لما كنت بوكله مهمة إنه يحمي البيت عشان محدش يدخله وأنا مش هنا !"



ابتسمت "فريدة" بتأثرٍ من هذا فوجدته يحاوط كتفيها وهو يطالعه بشرودٍ إلى أن سألته بإهتمام :



_"طب هو  اسمه ايه ؟"



_" مسمتوش ، ملهوش إسم!"



أجابها بصراحةٍ فإعتدلت في جلستها تحك ذقنها بتفكير وقالت بإندفاعٍ  تقترح:



_"  سامر..سميه "سامر" ، ايه رآيك ؟"



ضحك "ٱدم" عالياً بصوتٍ جعلها تضحك وهي تسمعه يردد بنبرة ضاحكة :



_", كدة  تظلمي الكلب يا شاطرة؟؟، وبعدين دا دكر  مش عيب تشبهيه بسامر ؟"



قرأت وقاحته وضحكت بخفةٍ وهي تقتنع ، فمسح على وجهها  وسألها بحنوٍ :



_" ما تسميه انتِ ؟"



نظرت "فريدة "بتفكيرٍ ، ونظرت نحو الكلب مطولاً ، وكأن الإلهام جاء لها ما أن قالت بنبرة هادئة شاردة :



_" أمان ، ايه رايك في اسم  "أمان"!"



أُعجب بإقتراحها ، ونظر ناحيته بصمتٍ الى ان عاد ينظر داخل عدستيها وقال بحبٍ:



_" مبروك عليكِ صداقة  أمان!!"



اتسعت بسمتها ونظرت ناحية الكلب بشرودٍ ، ونظر هو ناحيتها بشرودٍ ، أخذت أنفاسها ببطئٍ وهي تفكر بأمور كثيرة أهمها ما ستفعله الٱن عندما وقفت تعتدل فوقف هو بجانبها مبتسماً ، وأشار لها:



_'' مش يلا ؟"



_" استنى ، كنت عاوزة أعمل حاجة مهمة ، بجهز نفسي ليها  وهنفذها زي ما قالي"



عقد ما بين حاجبيه وسألها باهتمام:



_" هو مين ده ؟"



لم تجيبه بل أغمضت عينيها للحظاتٍ وفتحتها تأخذ أنفاسها ، حتى اتسعت عينيه ما ان وجدها تندفع لعناقه هو بإندفاع شديد ، هذا منها هي تعد مفاجأة كبرى ، وجد نفسه يندفع إلى الخلف فتشبتت به حتى رفع ذراعيه يضم ظهرها بسعادةٍ من هذا التطور الذي كان له يد به ، ووجدها تردد بإختناقٍ عندما حثها الطبيب على عدم التفكير بشئ  سلبي عندما تكون مقبلة على عناق كهذا :




        
          
                
_" أنا عارفة إن ممكن أكون أوفر عشان مش بقدر أعمل ده ولا أبدأ بيه، بس أنا بقالي جلستين بحاول"



تشبت بعناقها كما تشبتت به وتنفس بعمقٍ وهو يهمس جوار أذنها:



_"وأنا فخور بيكِ وبمحاولاتك يا شاطرة ! فخور بيكِ وبحبك"



وأضاف بمزاحٍ :



_"  ويبقى ابن أمان  اللي يقول عليكي  أوفر "



هل قصد السب بطريقة أخرى،  ، ضحكت بصوتٍ مسموع جعله يضحك ورفض إخراجها من أحضانه ، وعلم ان هذه خطوة جريئة منها ، اعتدل يقبل قمة رأسها وهتف من جديد :



_"هو  انتِ اوفر بس في حاجة واحدة ..في حلاوتك "



_", ودي حاجة حلوة ولا وحشة؟"



سألته بشكِ فضحك بخفةٍ وهو يضع يديه على كتفيها بمشاكسة:



_"دي حاجة فريدة ، مفيش منها اتنين!"



ابتسمت بخجلٍ وطالعته بحبٍ وهو يتأكد من طعام الكلب وعقدة ربطته ، واستقام مجدداً ينظر لها فوجدها تطالعه هكذا ، فمد يديه حتى تمسكت بها لتخرج من الغرفة على هذا السطح ، فوقف في المنتصف وابتسم يحثها :



_" نفسي أجيب تسجيل واسنده هنا وأشغل نور صغير ونرقص سوا لحد الفجر!"



هل يتمنى بعبثٍ ،. ضحكت "فريدة" بخفةٍ وتعلقت عينيها بعينيه وسألته بمشاكسةٍ:



_" هنرقص على أغنية ايه؟"



_"ٱه لو لعبت يا زهر"



تعالت ضحكتها واستشفت وقاحته وهو يشاكسها بمراوغةٍ :



_" أومال انتِ فاكراني هقولك ايه يا شاطرة ، أنا عايزك انتِ ترقصي، مليش أنا في جو الرومانسية الهادي ده!"



ابتسمت بخجلٍ ونفت قوله برأسها وضربت كتفيه قبل أن تسير اولاً ناحية الخارج :



_" بتحلم"



طالع جسدها الذي اختفى من أمامه وردد بغير تصديقٍ لنفسه:



_" ما أنا كنت بحلم من قبل كده ، وعايش دلوقتي في حلمي ، عادي الصبر طيب!"



خرج بعدها فوجدها تهبط على الدرج وهي تبتسم بإتساعٍ ، فهبط خلفها غالقاً باب السطح ، فوصلت هى ووجدتهم منتظرين في الأسفل ، ابتسمت تسألهم بمرحٍ :



_" اتأخرنا عليكم ولا ايه؟"



تأفف"ٱدهم", بحنقٍ وقال:




        
          
                
_''أيوة ، يلا نمشي بقا ، هو كل ده فوق؟؟"



_"ما تتك على الصبر ياض "



قالها "ٱدم", الذي انحنى يحمله بمشاكسةٍ مخففاً من ضيقه فضحك بإستسلام يترجاه بتركه وأغلقت حينها "فاطمة" الباب وهي تضحك بيأس منهم ، فأمسكت "فريدة", يد "جنة" و"يوسف" خلف "ٱدم وأدهم" ومعهم "فاطمة "، ليستعدوا في ركوب مواصلة توصلهم ناحية المبنىٰ!



________________________



-«الخطاب الرابع»
_«أصبحتُ على وشك فقدان عقلي من ما يحدث معنا ، أولاً كانت العقبة واحدة وثانياً ازدادت العقبة بعقبة أخرى ، واليوم كل منا يريد الٱخر
والأمر عالق وبعدما كان عالق بيننا توصلنا إلى حل لهذا ، وفي النهاية كان الحل غير مرضياً لأحدهم!  , ماذا علىّ أن أفعل!
فكل ما أُريده هو انتِ ، ان كان يُرضيكِ هذا الفراق العالق فهو لا يرضيني!!
أنا أُريدك ، ولا أريد سواكِ,بينما اختفائي شئ لا بد من حدوثه من أجلك وأجل سلامِك نفسياً وان توجب الأسف ، فأنا هُنا أتأسف لكِ!!
وأنا على وشك فهم سبب اختفاءك عني ، ولكن ما تهابينه من ضعف أمامي ليس هو الحل، ولا أريدك أن تعارضي قرار من حملتلكِ..
أتمنىٰ أن يختفي كل هذا عندما أراكِ ثانيةً، فقدرتي على تحمل الهجر قد تم محوها وهربت!! ، مثل  هروب كل حروف اللغة مختصراً القول بـ  أمنية واحدة  أريد" عودة الوصال" من جديد ، كما أنني حائر بسؤال واحد فقط ان بحثتي جيداً ستجدينه أمامكِ بطريقة ما ، وداعاً رغم أنني لا أحب الوداع»
-«من: غسان بن البدري 
إلى:نيروز بنت الأكرمي»



قرأت خطابه عندما خرجت الشُرفة بعد الإنتهاء من الغداء والجلوس معهن قليلاً ، ولكنهم ذهبوا لمساعدة "عايدة" في اعداد وطبخ طعام العشاء للعائلة وبقت هى برغبتها هنا ، تمسكت بالورقة بتشبتٍ وشعرت بنفس الضياع الذي يشعره ،  ولكن ماذا عليها أن تفعل هى الأخرى ، تقطعت أنفاسها من كلماته ووجدت رسائل  تعلو على هاتفها ، وجدتها "وسام" التي سألتها عن موعد ذهابها فأخبرتها أنها ستذهب بعد قليلٍ ،  ووجدت "جميلة" مرسلة لها بأنها هناك لدى والدتها  قبل وقت ليس قليل كي تأتي لها في حين عاق نظرها إشعار من صفحته هو يخبرها بأنه قبل وقت كبير نشر منشور على إحدى برامج التواصل الإجتماعي ،. ضغطت عليه ولم تكن تعلم أن هذا هو السؤال الذي حيرّه في خطابه  ، وخفق قلبها بتأثرٍ عندما قرٱت سؤاله للعامة بطريقة مجهولة :



_«كيف السَبيل إلى وصالها مُجدداً؟!»



لمعت عينيها من التشتت ووجددت الكثير من التفاعلات ولكنه ينتظر تفاعلها هى!، لم تفعلها وأغلقت الهاتف تهرب من هذا ، لم تكن تعلم بأنها تهرب وهو ٱتٍ  لها على الناحية الأخرى بعدما علم أنها بحالة ليست جيدة منه بقص "وردة" المختصر على "وسام" ، شقيقتها الكبرى تساعدها في الخفاء مع أخذ التحفظات ، هى الأخرى لا تصدق بـ "غسان" هذا واحترمت احترامه لوالدتها بعدم القدوم وهى هنا حتى لا يحدث شجار ، ٱتى لها بعدما علم من "وسام" الوضع وهى بمفردها! ، ولكنها اعتقدت أن القادم أحد أفراد عائلتها..




        
          
                
وقف "غسان" بعدما بدل ملابسه لأخرى رياضية بيتيه من بنطال وسترة بيضاء اللون أظهرته بقوامه من الأعلى وهو يقف ينتظر بأن تفتح له الباب بعدما دق الجرس!! ، بينما هى  سارت هكذا ناحية الباب تفتحه وفتحته بتلقائيةٍ وما أن وقع نظرها عليه بعد هذه الغيبة التي استمرت ثلاث أيام وقفت بصمتٍ ، صمت جعله يترقب ، ابتلعت ريقها ببطئٍ وتعلقت عينيها معه بحديث ولوم عجزت عن خروجه ، بينما هو لم يحاول الدخول رأي حديث مكتوم وخرج ما أن تركت الباب بكفها ونهرته بلومٍ وهى تلتفت قاصدة الفتور ليشعر بما شعرته :



_" لسه فاكر ، هان عليك؟؟"



هذا التخبط الذي بها وزاد من حملها جعله يقف ناظراً نحو عدستيها بشوقٍ ، في حين اعتدل ليدخل وبخفةٍ منه أغلق الباب بقدمه بدون صوت ، وهى لازالت تنظر نحو عدستيه حتى بعدما تنفس  ورد بنبرته الهادئة عليها:



_" مش ده اللي عايزك  تفهميه يا نيروز!"



_"عايزني افهم من غيابك ايه؟ بعد ما  جريت أقولك أنا هاجي معاك ، انت فاكرني زعلانة عشان سيبتني؟ ، أنا زعلانة عشان بعدت عادي ومجربتش حتى تحاول تشوفني وتطمن عليا بنفسك ،  احنا لما كنا بُعاد كنا بنشوف بعض صدفة عن كدة، وأنا قولتلك اني محتاجاك"



لمعت عينيها وهي تواصل وما جعلها تتألم منه الٱتي عندما واجهته بما لا يعلمه هو ولا عائلته :



_" امبارح روحت للدكتورة عشان كنت تعبانة ومحدش كان عارف وقصدت منعرفش حد بره شقتنا دي  ، كنت محتاجاك معايا لو كنت مهتم وبتسأل، انت مش حاسس بالوجع اللي أنا فيه لما كل شوية أروح مكان زي ده من غيرك ، هو أنا مش من حقي أفرح  معاك  بكدة؟"



ابتلع غصة مريرة من كلماتها واقترب يبرهن لها بلهفةٍ ممسكاً كفيها بين يديه:



_"  مكنتش أعرف  انك روحتي ، انتِ كويسة دلوقتي؟؟ لسه تعبانة!"



تملصت بكفيها من يديه ، وواجهته بسخريةٍ :



_" بتسألني بعد ايه يا غسان؟ انت كان بإيدك تبعد وتنفذ اللي احنا عايزينه بس مش عني ،. متبعدش عني ، هو ايه الصعب في اني أقولك أنا محتاجاك ، المدة مكانتش كبيرة ، بس عليا حاجة تانية وأنا بالوضع ده ، هو ليه محدش حاسس باللي أنا فيه! ، حياتنا ليه واقفة على حاجات أنا معرفهاش وصابرة!"



هو الٱخر طاقته نفذت من هذا ، مسح دموعها بأنامله ولم يجد أمامه سوى الأسف عن ما تشعر هى به ، فهمس على مقربة منها وهو يدفعها برفقٍ داخل عناق يريحه ويريحها :




        
          
                
_" أنا ٱسف ، حقك عليا  ، لو عايزة تقولي أنا السبب فأنا السبب يا نيروز ، امسحي كل ده فيا أنا ، أنا كمان عايزك وعايز أرتاح، وقصاد ده ساكت عشان لو ده حصل بإجبار حد من عندك مش هتبقي مبسوطة ولا أنا هبقى مرتاح ،. مع انه حقي يا بنت الناس!"



تشبتت بسترته وقالت بنبرةٍ باكية تخبره من كم هذا الضغط:



_" أنا تعبت وزهقت يا غسان ، تعبت أوي ونفسي أمشي وأسيب الدنيا كلها بحالها ، عايزة أهرب من كل ده ، عايزة أهرب مني، ليه مينفعش الواحد يهرب من نفسه وحاله وأيامه ويروح لمكان تاني ، يروح لنفسه التانية!"



تشبت بها هو الٱخر وهو يربت على ظهرها بلهفةٍ وهمس بإختناقٍ رداً عليها:



_" أنا نفسك التانية ، أنا يا نيروز ، إهربي منك ومني عليا أنا "



هاب انهيارها ، فإختنقت وهي تشهق تدريجياً حتى توقفت وهو الٱن يحتويها ممراً يديه على ظهرها بمواساةٍ ، وإعتدلت تخرج من بين ذراعيه وكلما يشعر بأنها ستتعثر وتسقط يحاول سندها بعناقٍ ، هشة ضعيفة هى الأخرى لذا لم يترك ذراعها وهو يسندها حتى وهى تقف ، ولكنها لم تترك له الفرصه في أن يسألها عن حالها وتوازنها بل سألته هىٰ بتشبتٍ :



_" أوعدني ان كل ده هينتهي قريب ، أوعدني ان اللي احنا فيه هيخلص عشان أنا مبقتش قاردة استحمل!"



خرجت نبرته المستسلمة لقولها وقال رغم التبرير في إجابته:



_" مع ان علشانك يتخلف الألف وعد بس أوعدك إن كل ده هيخلص وقريب!"



أسندها بينما هى تحاول مسح وجهها ، ولكنه سار بها ناحية المرحاض وفتح الصنبور يغسل وجهها ممراً يديه على خصلاتها ، ممسكاً كلا كفيها كصغيرة لطختهما ، اعتدل يقف رغم سترته التي ابتلت من الماء ، فنهضت معه بتعبٍ ناحية غرفتها .. جلست هى على الفراش تتحاشى النظر له بعقابٍ على ما فعله من فراق أجبر نفسه عليه كما أجبرها ، فتح خزانتها باحثاً عن أي ملابس ترتديها ولكنها وقفت  تقترب ببطئٍ والتقطت هى الملابس واخبرته بإيجازٍ :



_"  هغير أنا ، اطلع بره"



ورغم حدة كلماتها ولكنه تصنع بعدم الإنتباه واقترب يلتقط ملابسها مردداً :



_" هساعدك بسرعة"



كادت أن تلتقط ثيابها منه ولكنه رواغ بالحركة وبدأ في فتح سحاب سترة بيجامتها عنها ، ووضعه على الفراش بينما التقطت هى منه البيجامة الأخرى التي سترتديها ،  سحبتها منه بجديةٍ ورحلت ممكسة بعباءة الاستقبال وتركته في الغرفة وحده  كي ترتدي في غرفة أخرى، تركته يقف ينظر نحو أثرها بتفحصٍ منتظراً بقلق من شعورة بأنها ليست متزنة جسدياً ولكن  تلك هى حالتها منذ التعب النفسي والجسدي معاً! ،  فتح الشرفة وخلع سترته يضعها قليلاً في الخارج حتى تجف من المياه التي ابتلتها وعاد مجدداً بملابسه الداخلية الفوقية التي  التصقت عليه وكشفت عن كتفيه وذراعيه ومقدمة صدره والتي ما ان عادت بعد دقائق نظرت بغرابةٍ وهي تدخل فطالعها بتمعنٍ في حين قالت هى بسخرية:




        
          
                
_"انت كل مرة هتقلع حاجة وتسيبها وتجيبلي الكلام صح ؟"



لم تتوقع رده العبثي وهو يتوجه إليها مع ابتسامة شقت وجهه:



_" تذكار ، بسيبلك حاجة من ريحتي"



قلبت عينيها من عليه تحاول  الحزم على الرغم من انها  تود الضحك ، اقتربت وهي تتقدم لتمشيط خصلاتها وقبل أن تقف أكمل "غسان" وهو يشير ناحية معدتها :



_"مع ان ميجيش حاجة قصاد دول!"



وضعت"نيروز". يديها على أسفل معدتها ببسمة شاردة جعلته يبتسم ما أن نجح في إخراجها من هذه الحالة ولكنها أخفتها سريعاً ، وتركت تمشيط  خصلاتها وهي تفتح الخزانة ، وأخرجت قبعته وساعته معاً وقدمتها له مردفة :



_" امسك نسيت دول المرة اللي فاتت"



صُدمت ما أن أخذهما منها متلسماً يديها وهو يردد بمشاكسةٍ:



_" ومين قالك اني نسيتهم؟"



أمسكهما بكفها الذي لم يتركه على الرغم من أنها حاولت الإبتعاد ولكنه وضع يديه الأخرى على كتفيها مقربها منه وقال عن حزنها من ابتعاده  :



_" متزعليش!"



محاولاته في التخفيف عنها لا تفشل ولكنها تأخذ موقف ، هل ستسصمت ؟،  ازال المنشفة من على جانب رأسها وجفف خصلاتها بحنوٍ ملاحظاً خفة شعرها بعدما كان ثقيل في البداية ، هل فعل الضغط النفسي هذا ؟ مع الحمل؟، لم يرد مشاكستها بذلك كي لا تحزن ولكنه ابتسم بعذوبةٍ مستمراً في تجفيف شعرها في حين طالعته بأعين لا معة وصارحته :



_" شعري خف صح؟، مبقاش حلو زي الأول !"



وجد الدموع بمقلتيها ، شئ كهذا لدى الأنثى يعد ثمين ، إلتقط المشط يفرده خلفها لأنه لا يجيد التمشيط ، ولكنه مشطه فقط وهتف بنبرةٍ صادقة يُبعدم عن بعضه بكل خصلة والأخرى :



_" كل حاجة في نيروز حلوة زيها"



التزمت الصمت ومسحت وجهها وتركته بإستسلام يفعل ما يفعله ولكنه واصل مجدداً بصدقٍ ٱخر :



_"  أنا مبحبش فيكي شكلك وشعرك بس عشان أزعل وأتأثر ، أنا اللي بحبه فيكِ عمره ما بيتغير"



ترك "غسان" المشط وأشار ناحية موضع قلبها وهي تلتفت وقال يرفع من معنوياتها التي وجدها تهبط :



_"أنا بحب ده ، ده اللي عمره ما بيتغير مهما حاولتي "



رفضت هذا وصرّحت من التشتت وقالت بضياعٍ :




        
          
                
_"  مبحبوش عشان مبيمشيش ورا دماغي، بيخليني أمشي وراه حتى ولو مجبورة ،. زي بالظبط لما وافقتك وقولتلك اني محتاجاك مع اني معرفتش لسه أي حاجة تخليني أعمل كده!"



لم تكمل بسبب تشنج وجهه ألماً قد أخفاه ، إلى الٱن يؤلمه جرح رأسه؟ ،تلمست رأسه بحنوٍ بكلا يديها فربط كلا ذراعيه خلف ظهرها واقترب يقبل جبهتها وخرج رده منه :



_"وأنا مش موقف بينا اللي انتِ موقفاه عشان نرجع ،أنا عايزك بس مش عايز أحطك تحت ضغط، أنا مبقتش قادر زيي زيك على الحِمل ده ، نفسي كل ده يروح وأطلع فوق ألاقيكي زي ما كُنا ، عايز أعيش مرتاح وأكمل اللي باقي معاكي في جو دافي بواحد وواحدة مستنين عيالهم ييجوا ، أنا كمان مش طالب كتير يا نيروز!"



غفل الإثنان بهذه اللحظة عن صوت الباب الذي أُغلق في الخارج ، في حين تعلقت عينيها بعينيه ورددت باختناقٍ هى الأخرى :



_" أنا كمان نفسي أعيش مرتاحة ,أنا مش عايزة أعيش بدماغي دي كتير يا غسان ، أنا بتوجع أوي لما احس ان كل ده بدايته كانت من عندي أنا ، مبحسش براحة وأنا بفتكر وبقول لو مكنش حصل مكناش زمانا هنا دلوقتي ، عايزين نرجع زي اللي كنا فيه ومش عارفين!"



احتضنها مجدداً على هذا الحال متنفساً بين أحضانها بعمقٍ فأمسكت بمؤخرة رأسه بحذرٍ رابتة على كتفيه من الخلف بأسفٍ ، وتلمست خصلاته بحذر وهمست تخبره بإنتباهٍ :



_" بس انت لسه بتحاول تضحك عليا زي ما بتعمل ومفكرني هنسى إنك بعدت ونسيت ان في واحدة هنا قالتلك متسبنيش ، نسيت انك سايب حتى واحدة حامل في ولادك!"



كاد أن يُبرهن انه يسأل وسأل من دون علمها  ولكنها هى من انتفضت ما أن وجدت شقيقتها تدخل من باب الغرفة وهتفت تلقائيةٍ :



_"بت يا نـيروز اصحي ، جميـلة جـت  تقعد معاكــ....."



كل ما في الأمر من صدمة وخوف أن شقيقتها هى شقيقتها "ياسمين"، التي اتسعت عينيها ما أن وجدته يعانقها هكذا وملابسه الفوقية لم تكن عليه ، نظرت بصدمةٍ ووُضعت "نيروز", بموضع تحسد عليه الٱن عندما حاولت الابتعاد عنه بإرتباكٍ في حين أسند هو ظهره على الخزانة الخشبية بأريحيةٍ وخرجت ابتسامته المتسلية  وهو يطالعها ما ان هتفت "ياسمين", بدهشةٍ  لهما :



_" يخربيت أبوكم!!!!"



جاءت "جميلة" سريعاً لتنظر  ما سبب هذه الكلمات  وهي بحالتها هذه ونظرت بحرجٍ ما ان فهمت ما رأته الأخرى ، حاولت "نيروز" التبرير بخوفٍ مرددة  تشير لها وهي تتقدم اتجاهها:




        
          
                
_" ياسمين  انتِ فاهمـة غلط واللهِ ، أنـ..."



لم تترك لها الفرصة إلى أن تكمل بل توجهت ناحيته وأشارت بيديها بانفعالٍ له وعليه :



_" انت  ايه البجاحة اللي انت فيها دي ،  بــتعمل ايه هنا مع اختي ؟؟؟"



طالعها "غسان" بصمتٍ وأمسك المشط يمشط  خصلاته بحذرٍ واستفزها قوله المستفز ما أن رد بإبتسامة امتزجت بحديثه الجرئ  وكأنه يضع ذهولها على الهامش بل وهو واقف في غرفة شقيقتها ! :



_"واحد وجاي يشوف مراته ، تفتكري انتِ بعمل ايه؟"



اتسعت عيني "نيروز" من رده كما نظرت "جميلة" بدهشةٍ في حين واصل وهو يكمل تمشيط خصلاته غير ملقياً اهتمام لوقوفها بانفعال أمامه هكذا :



_" وبعدين هو في حد يدخل على حد كده ،  افرضي كنت مثلاً حاضنها أو ..ببوسها!"



حركت "نيروز" رأسها نفياً بخوفٍ من رد فعلها في حين هدرت به "ياسمين" بإنفعال مغتاظٍ.:



_" وأنا لسه هستنى لما أشوف ، ما أنا شوفت خلاص !!!"



حرك  هو رأسه موافقاً وأشار بكفه ناحية "نيروز" الواقفة بصمتٍ وارتباك:



_" المدام دي  مراتي ، وحامل مني ، جوزها أنا "



أشار "غسان" على نفسه في حين هتفت هي بتهكمٍ وهي تحدج شقيقتها بحدة ثم عادت تردد له بنفس الحدة :



_"جوزها بس قليل الأدب ومش محترم "



_''واللهِ دي بقا وجهات نظر ، إسألي غيرك كده هتلاقيني ملاك برئ!"



نظر بتسليةٍ وهو يتقدم ناحية الشرفة ملتقطاً منها سترته ووصل إلى مسامعه صوتها الساخر منه بشعبيةٍ وهي تردد :



_" حوش حوش جناحاتك مضيقة علينا الأوضه مش عارفه أتنفس!"



إرتدي"غسان" السترة وهو يخرج فوجدها تعنف شقيقتها بجمودٍ :



_" انتِ ايه  اللي خلاكي تفتحيله ، وايه الهدوء اللي انتِ فيه ده؟ ساكتاله ليه ؟"



وقف "غسان" في المنتصف ملقياً عليها رده المختصر :



_" ملكيش دعوة ، هتدخلي كمان بين واحد ومراته ؟"



_"ٱه هتدخل لما تكون جاي تضحك عليها بكلمتين عشان توافق وترجعلك من غير ما توضح وتبرر يبقي هتدخل ، انت فاكر نفسك مين عشان تبقى داخل خارج كده وكإنها هيصة ، حتى ولو مراتك في حاجة اسمها خصوصية البيت!"




        
          
                
اندفعت بهذه الكلمات عليه ، وعلى الرغم من انها تضعه بموضع محرج إلا أنه وقف منصتاً ،. إلى أن ردت "نيروز", بصوتٍ عالٍ :



_" بس خلاص كفاية ، ايــه؟؟؟ ، أنا اللي فتحتله ازاي مش هيحترم البيت وأنا اللي دخلته!!"



دافعت عنه لتمحي موضعه المحرج ، فطالعت هى شقيقتها بغيظٍ وصرخت بها عالياً :



_" مبتعرفيش تقوليه اطلع بره مفيش حد هنا ، معندكيش لسان ولا ايه؟"



بادلتها "نيروز" الصراخ وهي تبرر لها حتى تنتبه :



_",  انتِ بتقولي ايه؟؟، ده جـــوزي يا "ياسميـــن" ، جوزي انتِ ليه مش مستــوعبة؟؟"



_'' يا جماعة اهدوا ، بس بقا ، كفاية "



هتفت"جميلة " بذلك وانسحب "غسان" من هذا قبل أن يحدث شجار بينهما فيصبح هو المتسبب به ، لمعت عينيها وهي تراه يرحل بعد هذا الموقف مغلقاً الباب خلفه ، فنهرت شقيقتها بنبرةٍ باكية :



_"هو انتوا محدش هيبطل يتدخل في حياتي بقا؟؟؟ حرام عليكم!!!"



اقتربت "جميلة" من خلفها تحتضن "نيروز", بإحتواءٍ ، في حين وقفت "ياسمين", تتنفس بعلوٍ وقررت الرحيل ولكن قبل هذا هتفت بصوتٍ هادئ مغتاظ :



_" انتِ اللي حرام عليكي نفسك ، شوية بقرار وشوية بقرار تاني وكل ده مبيتعبش غيرك انتِ ، جياباه يشتتك بين حــاجتين؟؟ منتدخلش ايه؟؟ انتِ فاهمة انتِ بتعملي ايه اصلاً؟؟؟"



بكت في أحضان "جميلة " ولم ترد عليها سوى بـ :



_" فاهمة أو مش فاهمة دي حياتي وأنا حرة فيها ،  انتِ أحرجتيه قدامي وقدام جميلة ،. هو كان لازم تقوليله كدة بالطريقة دي؟؟؟"



حركت "ياسمين" رأسها نفياً. بيأس وكل منهما ترى الموضوع من جهة معينة لذا رددت قبل أن ترحل :



_"انتِ للأسف مش فاهماني يا نيروز ، بس أنا هسكت وهعديها  ومش هقول لحد على اللي حصل على الله تحكمي عقلك شوية وتثبتي على قرار"



تركتها بعد ذلك، ورحلت حتى سمعتا الإثنان صوت إغلاق باب الشقة ، فواستها "جميلة" بشفقةٍ وهتفت بإختناقٍ :



_" خلاص بقا يا  "نيروز" ، بالله عليكي متعيطيش أنا أصلاً على ٱخرى وعايزة أعيط!!!"



استمعت "نيروز" إلى نبرتها الضعيفة التي على وشك البكاء فخرجت سريعاً تستفهم منها فوجدت دمعتها  الوحيدة تفر منها فتشبتت "نيروز" بها بقلقٍ عليها ومسحت وجهها سريعاً ملقية ما حدث مقابل ما رأته برفيقة دربها!!




        
          
                
_" مالك ، مالك يا جميلة، ايه اللي حصل؟"



بالأساس كانت ستأتي لتقص عليها ما يحدث معها حتى تشارك أحدهم الثقل ، سحبتها تجلس وانتظرتها تتحدث ، وبالفعل قررت "جميلة",, أن تتحدث معها وبدأت بضعف  قائلة بإختناقٍ :



_"  أنا نفسي معرفش ايه اللي حصل فجأة  !"



ومن ثم وجدت الترقب وهي تحثها بلينٍ :



_", طب ، اهدي واحكيلي براحة ومتعيطيش !"



هكذا هو الحال ، حزن مقابل حزن احتواء مقابل مواساة وكل منا يعاني ، لم يكن أحدهم  بمفرده يعاني ، بينما الحياة مليئة بالأسرار كما الاسرار التي ستخرجها لها "جميلة" من بداية ما فعلته "ميرفت", إلى النهاية وضيق"عز" منها ٱخذاً موقف صعب منها وتجنبه لها!!



________________________



كان التجمع هناك بشقة "عايدة"، والتي جلس بها الٱن "حازم" جوار "بسام" و"عز" و"بدر" ومعهم "حامد" وعلموا أن "ٱدم"وعائلته على وصولٍ ،في حين كانت النساء في المطبخ وبعد صلاة العصر كان هذا التجمع ، يبدو أن "غسان" ضاع عليه فرضه فذهب ليصلي ثم ليأتي منتظراً قدوم "شادي" كما أخبره "حازم" أمس بأن يأتي هو و"منة" ،  الكل هُنا عداه "هو" !!



اقتربت "زينات" بعدما تركت "أسماء" معهم  تساعدهم ووقفت على مقربةٍ منهم  وهي تسمع صوت "حازم" موضحاً  لـ "حامد" :



_"  متخافش يا حج حامد أنا هروح أوصيهم بالحسنى يمشوا ، أنا مش عايز مشاكل وكل ما يكون ليا حق بحاول أخذه بس محدش بيسكت ويوقف لحد هنا "



_" يا بني أنا بقولك توكل على الله وخليك عاقل بلاش نعيده تاني ويحصل زي ما حصل لـ "غسان"، اه انت ليك حق عندهم بس دي اخر مرة هتقولها ليهم إنهم يلموا حاجتهم ويمشوا بقا ، وأم حسن جاية معاك عليهم مفيش موقف محرج أكتر من كدة ، على الله يحسوا بس!"



وافق برأسه ، وتدخل "بسام" يؤيد مع "بدر"وعز" بإيجازٍ ، فنهض "حازم " مشيراً نحو "زينات " ووقف الشباب تحسباً لشئ حتى يأتوا معه ،  سار "حازم ", أولاً ناحية الباب فوجد جرسه يعلو ، فتح الباب وأول ما وجدها تندفع هى "فريدة" التي عانقته سريعاً  وخلفها"ٱدم", المبتسم مع "شقيقته"وأولادها ، عانقها بتأثرٍ فخرجت تعانق"والدتها " بحبٍ وسألتهما:



_"رايحين فين؟"



_"ادخلي يا "فريدة " على ما نيجي ،مش هنتأخر!"



هتف "حازم" بذلك ورغم غرابتها ولكنها وافقت وهي تدخل مع "فاطمة " الذي رحب بها "بدر", هى والأطفال ، أغلق "حازم " الباب خلفه ووقف "ٱدم" يخمن ما يحدث عندما دق"حازم" جرس الشقة ووقف الكل في انتظارٍ ، ففتحت له "مروة" بذراعها المكسور الذي تفاجئ منه البعض فرددت بفظاظةٍ وهي تضع يديها بمنتصف خصرها  أمامهم جميعاً :




        
          
                
_" يــا نعـــم؟"



اشمئز "عز"من طريقتها الوقحة ووقف "بسام" ينظر بمتابعة مع "بدر" بينما ترقب"ٱدم" من على بعد بصمت غريب ربما سيتضح فيما بعد لما يصمت هكذا!! ،  دخل "حازم" من الباب والكل يتابع بترقبٍ ما أن سأل:



_"أمك وأخوكِ فين ؟؟"



_"مش هنـــا"



إندفع "حازم" بعدها مقترباً بإنفعالٍ صارخاً :



_" أومـــال فيــن ما تردي  ، انتِ لسه هتحكــي معايــا!"



هابت تحوله هذا فنظرت بترددٍ نحو وقوفهم حولها وهي الأنثى الوحيدة بينهم ، نظرت بتمعنٍ وردت عليه بتأفف تخفي خوفها وراء هذا :



_"في المستشفي بيغير على جروحه وجبس ضلوعه اللي كسرهاله عديم الرحمة اللي قدامك"



ضغط "بسام" على أسفل فكه وأشار لها ملوحاً :



_" اتكلمي عدل يا بت انتِ "



هل هذا أقصى شئ منه أمام امرأه  ، لو لم تكن هكذا وامرأه لاختلف الوضع منه ، ولكنها اندفعت بحرقةٍ وهي تشير بذراعها له أمام الكل مما جعل الكل ينصدم:



_" عدل ايه بعد ما كسرتلي دراعي ، حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفيكم كلكم!"



وقبل أن يندفع بشئٍ وجدت "غسان" يدخل من الباب ملقياً الرد دون أخذ الفرصة من الجميع :



_"لا مش  هو ، دا أنا اللي كسرتهولك يا حلوة، تعالي خدي حقك مني يلا!"



طالعتهما ببغضٍ وإقترب "غسان" بسخرية يخبر "حازم" :



_"انت جاي تكلم مين يا متر ؟؟ دي حاولت تسقط مراتي  تاني ، هى الأشكال دي ينفع معاها الإحترام ؟ دا أقل حاجة تخرج من الشقة دي وانت هاينها !!"



تفاجئ "حازم" من هذا مع "عز"و"بسام"في حين لم ينصدم "ٱدم" ولا "بدر" الذي علم من "وردة"، فآقترب "حازم", يمسك ذراعها الأخر بعنفٍ وهتف بغضبٍ :



_"الكلام ده حصل فعلاً ؟؟؟"



توجعت من ذلك ففصله"عز" عنها بهدوءٍ وخرجت نبرته الهادئة وهو يسألها :



_" اخوكِ وأمك جايين على امته اخلصي!؟"



تعجبت من دفاعه وإلى الٱن تصبر على ما يمكن شقيقها فعله بمعلومة "عز" يجهل عنها بالطبع مع العائلة ، ولأنها استنكرت احتواءه وتضامنه معهم علمت أن بسبب هذا لا يعلم ..لا تعلم بأنه يكره شقيقه ويبغضه ولم يختلف الوضع كثيراً ، لذا رددت بشفرةٍ قارب على فهمها الكل عداه هو :




        
          
                
_"انت مالك محموق أوي كدة ليه؟ ، أومال لو عرفت اللي فيها؟؟"



هذا القول جعل القلق يسري بـ "حازم" الذي نظر للكل ،وتحولت الوجوه بالنظرات  حول بعضها ، في حين لم يفهم"عز" ما يحدث ولم يلق بالاً بل خرجت نبرته:



_" اللي فيها انك تعقلي كده وانتِ واقفة وسط  ستة رجالة ،و فـ كل الحالات انتِ خسرانة حتى ولو أخوكي رجع!"



هل هذا تهديد؟؟، ابتسمت بسخريةٍ فإندفع "ٱدم" يلقي رده بوقاحة:



_"وهيفضلوا ستة برضه ، أصل من غير لمؤاخذة سامر ده مش.. راجل ، طب دا حتي انتِ أرجل منه وقلبك جايبك تقفي كدة وسطنا وتبجحي لكن هو معتقدش هيبقي جرئ كدة زيك يا سيد الرجالة!"



قرأت إهانته في التقليل منها ووجهت له نظرة حادة وخرج قولها الوقح الذي استفز الكل :



_"معتش ألا انت تتكلم ،  يعني انت اللي فاكر نفسك راجل لما تروح تاخدلي واخدة بواقي غيرك على رأي سـ.."



وبخفةٍ تقدم منها "ٱدم" بعدما هتف بسبةٍ في طريقه لها وعلى فجأه وجدته يمسكها من تلابيبها مقرراً صفعها بآنفعالٍ بعدما صرخ :



_"اخرسي يا بنت الـ**، اياكي تجيبي سيرة مراتي على لسانك. ، فريدة دي أشرف منك  ومن اللي زيك يا و*** دا انتِ اللي بواقي يا مره يا ***" 



سبات نابية خلف بعضها وقحة بشدةٍ جعلتها تنفلت لم تأت الصفعه كاملة ووقف "بدر", يفصله عنها في حين حاول "حازم" التقدم فمنعه "عز" ، أمام وقوف "غسان" وهو يضحك بخفةٍ  وكأن الوضع مسلي ، بل أشعل اللفافة بتسلية وسحب مقعد ليجلس واضعاً ساق فوق ساق وهو يسمع قول "بسام " شقيقه لهم :



_" بس يا جماعة ،  مهما كان دي حرمة في بيتها لوحدها واحنا رجالة اللي هيتقال في حقنا مش هيبقي كويس ، استنوا اخوها يجي وابقوا شوفوا الحق "



_"مش لما يبقى بيتها أصلاً "



هذا القول خرج سريعاً من "زينات " التي لم تتدخل من البداية ، تصاعدت أنفاس "مروة" بقمة صدرها  وسمعت ضحكته الخفيفة عندما التفت الكل ينظر له وهو يجلس هكذا :



_" طب اقسم بالله العظيم صعبانة عليا ، يعني بتتحرجي وبتاخدي في وشك ومفكرة انك بتهددينا مع ان اللي عندي ليكي انتِ واخوكي وأمك قادر يجلطكم وانتوا واقفين ويخليكم  تسحبوا كلامكم اللي بتقولوه ، بس يلا الصبر حلو!"



مد "غسان" يديه على طولٍ ناحية "عز" الواقف وقدم له اللفافة مردداً بابتسامة ليست هينة :




        
          
                
_" تاخد نفس يا عزوة؟"



لم يمنع "عز" هذا بل التقط اللفافة وجلس بجانبه بصبرٍ وهو يخفي بسمته ، في حين عادت الأنظار ناحيتها وهي تصرخ بـ "غسان" بحقدٍ:



_"  انا مبخافش ولا بتهدد يا قذر انتَ سامع؟؟ ويكون  في علمك  انت سيرتك انت ومراتك بقت على كل لسان هنا في العمارة بسببي أنا ولو دكر وريني هتعمل ايــه !"



هل خرج الحديث منها أولاً ، سبها له مرتين في كفة ميزان والكفة الأخرى التي اخفت هذا محتوى الحديث الٱخر ،  نهض "غسان" بالتدريجٍ وهاب الكل تهورة في حين خافت هى اقترابه منها عندما هتف بسكونٍ مريب وهى تتراجع إلى الخلف:



_"   قولتيلي لو دكر هعمل ايه ،. وقولتيلي ان أنا قذر ، السؤال والإجابة في كلامك انتِ وأنا عليا التنفيذ ، تعاليلي بقا"



اتسعت عينيها من جراءته ،  هذه المرة جاءت الصفعه على صفحة وجهها مما جعلها تصرخ مع صراخه الذي خرج وهو يمسك ذراعها يحركها منه بعنفٍ مع محاولة فصله عنها منهم :



_"إلا مراتي يا روح امك ، إلا مراتي وكلامك عليها ،  وأقسم بربي أنا اللي   حايشك عني انك ولية ، حتة بت لا راحت ولا جــت قادر ابعتر سمعتك على الأرض وأخلى العمارة الطويلة العريضة دي تبيع وتشتري في سمعتك ، تيجي أوريكي ؟؟"



أراد تخويفها والتقطت التهديد والجدية ، ولكنه بهذا الوقت أراد تخويفها أكثر وبدأ بهذا عندما دفعهم عنه وسحب يديها خلفه مردداً بصوتٍ عالٍ :



_", تعالى أفضحك وأجرسك قدام اللي طلعتي عليا كلام قدامهم ، تعالي أوقع سمعتك على التراب، عشان اللي يقتلك يبقى أخوكِي ، وساعتها مش هخسر ، لا دا أنا هقف واتفرج!"



اتسعت عينيها بخوفٍ ورفضت بهستيرية وهي تحرك رأسها ووقفت مكانها تحاول التملص في  حين كاد أن يتحدث"حازم", بمفاجأة ولكن طمأنه قول "بسام " على الرغم من انه شعر بالضيق من ما يفعله شقيقه الذي نفذ صبره:



_" مش هيعملها يا حازم ،ارجـع !"



ترك "غسان" كفها بعد هذا ودفعها حتى سقطت على الأرض في تشفي من "آدم" ومنه ، فوقف"بدر" يقطع هذا البكاء منها وهو يسألها أمام خوف "زينات " قبل قليل من ما كان سيحدث :



_" ردي علينا وقوللنا هم جايين امته بدل ما نستنى وتضيعي مننا بالشكل ده ، كله لأجل مصلحتك وانتِ حره! "



ظهر قولها الباكي وهي توزع نظراتها الخائفة بين "غسان"و"ٱدم" ورددت في تقطع :



_"مــعرفــش ،. معرفش هيجوا امته بس هم خارجين من زمان يعني قربوا لو مش هيروحوا مكان تــاني!!"




        
          
                
استشفوا الخوف فسار "بدر", أولاً وهو يشير لهم بحزمٍ ولم يخرج إلا عندما أشار لـ "ٱدم وغسان" أولاً فسار الإثنان ناحية الخارج  ومن ثم البقية ، فأخذت "زينات " مفتاح شقتها بذكاءٍ حتى عندما يعودوا ويرفضوا فتح الباب تفتحه هىٰ!!



وقف "غسان" على أعتاب باب الشقة مع "ٱدم" ، فدخل "حازم" يكبت كل هذا لوقت معين ودخل بعده "بسام" في حين أشار "بدر" لـ"غسان وٱدم" :



_"ادخلوا يلا!"



_"جايين وراك"
هتف "ٱدم" بذلك فوقف "غسان" يتفحص هاتفه ودق الهاتف على أحدهم ورد أمام الٱخر دون أن يأخذ فرصة الترحيب ، فالأمر مُدبر ، ألقى كلمات مُنبهة دون ذكرها  وأغلق الخط بعدها أمامه ، فسأله "ٱدم", بترقبٍ :



_"ايه الدنيا؟!"



_" تابعت معاهم وبيقولوا انهم  مستنين وهيتصرفوا يجيبوه وييجوا"



وكأنه تناسى ما  كان به فسأله بقلق من عدم سير الخطة كما هي مرسومة!:



_" وهو موافقهم وجاي؟"



طالعه "غسان" وهو يلقي عليه السؤال فبادله الإجابة بوضوحٍ وثبات:



_" والله يجي بمزاجه يجي مربوط يجي ميت ..لازم يجي!"



وصمت بغرابةٍ قبال سؤاله وكأنه لم يجرب هذا من قبل ،. ذلك الذي وقف أمانه فسأله "غسان"مجدداً  وهو يرى شكه :



_" وكأنك مش عارف الكيف بيضيع العقل إزاي ، وبيذل ما كان مين يروح بياعه يجري وراه!"



صمت "ٱدم" أمام قوله ووقف ينظر بشرودٍ في حين فُتح باب شقة "سُمية" والتي خرجت منه "نيروز" مع "جميلة"، وقعت عينيه عليها فاقتربت منه أمامهما ونظرت بأسفٍ لما فعلته شقيقتها فقطع أي حديث سيخرج أمامهما وأشار لها قائلاً بهدوء:



_"يلا ندخل!"



بالفعل دخل "ٱدم" و"جميلة"، فطالعته "فريدة" من على بعدٍ واقتربت تسأله باهتمامٍ :



_"كنت فين!"



_"  كنت واقف شوية مع غسان بره!"



دخل معها ناحية الداخل وجلس على الأريكة فجلست هى بجانبه، واقتربت "نيروز", من"جميلة", تواسيها مجدداً وكان آخر قولها بهمسٍ وهما يقفان معاً على مقربة من الشرفة التي توجد بالصالة أمام متابعة "عز" لها بحرصٍ :



_" متزعليش يا جميلة ،  متحطيش في دماغك اللي حصل ده ، وصدقيني الحمل ده نصيب  ورزق من ربنا وفي لحظة غير متوقعة هتلاقيكي مصدومة ان ازاي ده حصل ، وبعدين زي ما رديت وقولتلك مرات خال عز دي عايزة الحرق وموضوع انها بتدايقك في الرايحة والجاية وراه إن ، وانتِ بتقولي عندها بنت ، اتجدعني كمان يا خايبة مش بدل ما تاخدي بالك انها غيرانه وعايزاه لبنتها ، خافي على جوزك يا جميلة ومتتصرفيش من دماغك ولا تتسرعي زيي ومتسمحيش لواحدة زي دي  تبوظلك دماغك وحياتك ، عز بيحبك ورد فعله طبيعي على فكرة!"




        
          
                
ألقت عليها "نيروز"هذه الكلمات من قبل وترددها مجدداً كي تنصحها وتزامناً مع استماعها تلاقت عينيها مع عينيه وهو يتابعها بإهتمامٍ ، فحركت رأسها ناحية"نيروز", وأومأت برأسها وخرجت نبرتها بيأسٍ :



_"معرفش يا نيروز ، معرفتش اتصرف، أنا زي ما بقولك الكلام وجعني وخلاني افكر واتخيل الوحش بسبب طريقتها ، وهو احرجها وهي مشت زعلانة وخايفة مامت عز تزعل وتاخد موقف مني وتقول اني جاية أوقع وأخر بالدنيا !"



_"بطلي عبط يا جميلة ، مامت عز ميحقلهاش تعمل كده أصلاً ، انتِ اللي متقلل منها في بيتها وانتِ اللي معاها ومرات ابنها ، وهي اللي ضيفه ، انتِ مرات ابنها مش هتبقِّي حد على زعل ابنها ، متحمليش نفسك ذنب انتِ مش غلطانة فيه ، فكري كويس بس فإنك تراضي عز عشان هو رفع من راسك وانتِ روحتي تمشي ورا كلام واحدة في نيتها توقع بينكم أو توتر علاقتكم  ببعض ودي البداية، هو طبيعي يزعل  وطبيعي اللي عمله معاها لأن بعد كده هتيجي تقولك وتتجرأ بكلام يشكك في عز بعد ما تتمكن من دماغك ، وهو ده اللي مزعله انك مشيتي وراها معمية من غير تفكير! فـ أومال بعدين ايه هيحصل!!!"



تاهت بعقلها وزفرت أنفاسها بتعبٍ وحركت رأسها توافق مراضاته في القادم لا تعلم ما ينتظرهما هما الإثنان ؟ ، جاءت "فريدة" بعدما انتبهت لهما حينما نهض "ٱدم" ليجلس مع الشباب فعانقتهما بتأثرٍ وقالت بصدق :



_" وحشتوني أوي أوي!"



_" انتِ كمان وحشتيني يا فريدة، متزعليش مني كنت ناوية ازورك امبارح بس حصل حاجة غصبتني مجيش "



كان هذا قول "نيروز" التي تعمدت عدم قول أنها زارها التعب وذهبت للطبيبة ، حركت "فريدة" رأسها بمعنى لا شئ وتقدمت تقبل وجنتي "نيروز", بمرحٍ وهتفت تمزح معها :



_" نيروز براحتها ، أنا مش زعلانة ، هو حد يزعل منك برضه؟"



هل امتزجت كلماتها وطريقتها بطريقته؟ ، ضحكتا الإثنان عليها وعلى كلماتها ، في حين على  بُعدٌ كان  اثنان منهما بلا عقل ، أحدهم معها وهى تنظر له بأسفٍ على ما اقترفته بحقها وحقه وكان "عز وجميلة" والأخرى تنظر بأسفٍ أقل من الأسف الأول عن ما فعلتها شقيقتها به  وكان "غسان ونيروز"!



نهض "بسام" يدخل الشرفة مع "فرح" و"ياسمين" اللاتان يلعبان مع الصغار في مرحٍ وخفةٍ فشاركها هذا وهو يقف بجانبها فتعمدت "ياسمين" تركهما كي تدخل لتراهن في المطبخ إلى أين توصلن ولم تغفل عن نظرات "غسان" التي تحاشت النظر إليه وهي تراجع عقلها ..




        
          
                
وما جعل "نيروز", تترقب أنه وقف في ركن ما يجيب على هاتفه وما لا تستطع تصديقه أن "ٱسماء" خرجت من الغرفة الٱن ونظرت إليه وهو يتحدث في الهاتف فآقتربت منه وهو ينهي المكالمة كي تعلم ماذا عليها أن تفعل وهي تعلم أن مساعدته لها ستنفذ اليوم ، غلت الدماء بعروقها وهي تتابعهما ،. في حين تابعت "فريدة" هذا ومنعت نفسها من التوضيح  لا تتوقع رد فعل "نيروز"!! ،



_«كمان شوية هشاورلك تنزلي  ابقي تعالي ورايا عشان لو سامر كان رجع وطلع انتِ اللي هتيجيبه وتنزليه ، لكن لو مرجعش أنا هتصرف وألحقه!»



_«يعني سامر هيعرف؟»



سألته "أسماء" بخوفٍ ، هل تسأل الٱن؟ كيف وهو مملي عليها ما سيفعله لأن الأمر يتطلب موافقة منها ، نظر بإستنكارٍ ورد بجدية:



_ « لازم يعرف عشان بعد اللي هيحصل ، انت ِ مش هتكوني تحت ايده ، لو هوب نحيتك أنا هقفله متخافيش»



حركت "أسماء" رأسها بموافقة ، ونظرت له بإمتنانٍ ولانت نبرتها وهي تشكره:



_" أنا مش عارفة اقولك ايه يا غسان بجد ، أكيد كلمة شكراً قليلة ، أنا عارفة ان حياتك متوقفة وبايظة بسببي بس أنا ملقيتش المساعدة غير فيك ومكنتش متعشمة تساعدني بس ربنا وقعك في طريقي ، يمكن نيروز هتعرف مع اللي  هيعرف بس أنا لولا خوفي كنت كلمتها أنا !"



تابعت من على بُعد كل هذا ، هل يبتسم الٱن ؟ ، اتجهت "نيروز" بسرعة ناحيته ودفعتها بذراعها ببطئٍ  وهي تسألها بإستنكارٍ :



_"هو في حاجة يا حبيبتي؟ ، أصل شايفاكي من بعيد واخدة راحتك وبتتكلمي  بعشم ،وبتبتسموا لبعض ما شاء الله والله أكبر  ابتسامته هتاكل من وشه حتة زيك كدة "



لم تترك الفرصة للرد بل تلمست ذراع "غسان" بضغطٍ تقرصه بتهديد وهى تلتفت وأكملت وهي تنهره بعينيها:



_"مش كدة يا غسان ولا انت ايه رآيك؟؟"



نظر "غسان" لها وهو يسحب ذراعها ناحيته بجدية وتحذير ،  في حين خرج. أسف "أسماء" بشفقة عليها من ما تعاني به بسببها هى ولم تفهم "نيروز", سبب الأسف بوضوح حينها :



_", أنا ٱسفة يا نيروز "



تركتها وهي تبتسم نصف ابتسامه لم تصل لعينيها ورحلت تحت تعجب "نيروز" ودفعها له بعنفٍ وهو يمسك ذراعها ورددت بآنفعالٍ مرتفع:



_" ابعد عني كدة ، انت ايه البرود  والبجاحة اللي انت فيها دي ، واقف معاها قصاد عيني وبتلطف كمان؟؟؟، هو انت فاكرني ايه مبحسش؟ معنديش زفت مشاعر!؟ مش معنى اني واقفت أصبر أشوف نهاية ده كله ايه تبقى تسوق فيها انت وهي ، قدامهم ، عارف يعني ايه قدامهم يعني قدام ناس لسه شاكين وأنا في نظرهم قليلة !"




        
          
                
نهجت بعد هذه الأقوال المندفعة التي ترقب لها من على بُعد بعض الأنظار وكانت من بينم أنظار "حامد" و"بدر", و"عز"،"جميلة". "فريدة" ،و"حازم"!!



_"وطـــي صـــوتِك!!"



أشارت بيديها أمامه ،. تلك الحركة التي تزيد من انفعاله ، هدرت بعنادٍ :



_" لا مش موطـ.."



بتر هذا القول بتشنجٍ عندما قبض على مرفقها وقبل أن تشير بذراعها  الٱخر سحبها لداخل أول غرفة تقابله فأشار لهم "حامد", بالتراجع كي لا يكبر الموضوع بتضخمٍ ، في حين حاولت دفعه عنها  في الداخل وقدر حرقتها هذه لذا صمت وسكن وهو يسمعها تردد مجدداً :



_" انا نفسي أفهم حاجة واحدة بس ، هو انت ايه, انت ايه وفاكرني معاك ايه ؟؟"..



تصاعدت أنفاسها بمقدمة وصدرها وهي تنهج من جديد ، فإقترب يمسك كفيها برفقٍ ونبس بلينٍ يبعدها عن هذا الضغط بدلاً. من أن يحدث انهيار :



_" اهدي!"



حتى قدرتها على تحمل أي شئ ضاعت ،  أخفت وجهها بتعبٍ وقاومت على عدم البكاء أمامه ، حثت نفسها على الهدوء بدلاً من أن تؤذي صغارها بشئ ليس لديها مقدرة على منعه ،  فخرجت نبرتها الأهدأ وهي تلومه:



_", أهدى إزاي ، ممكن تقولي طريقة أهدى بيها  يا أستاذ غسان يا برئ؟؟عشان  ٱنا عبيطة وغريبة أوي لما أشوفك في الموقف ده ومتضايقش؟"



سخرت منه ومن الوضع ، فجارى هذا واقترب يمسك ذراعيها مردداً :



_"  أنا عندي الطريقة!"



هل يعبث الٱن ؟ ، اقترب منها محاوطاً ظهرها  واحتضنها بإحتواءٍ فحاولت التملص منه بضيقٍ قبل ان يقترب أكثر ودفعته بعنفوانٍ. مرددة بصوتٍ أعلى :



_" أوعىٰ كدة ، هو انت ايه ؟ ما بتصدق؟؟؟"



ضغط على فكه متحملاً هذا الإنفعال وسرعته ، ووقف متيقناً بأنه فشل في هذه اللحظة بأن يلهيها ، رجع إلى الخلف خطوتين ما أن دفعته مرة ثانية بغيظٍ حتى تستطع الخروج مُردفة قبل أن تترك له الغرفة:



_", إبـعد عني قولتلــلك.. الله!!!"



إلى متى سيتحمل هذا ، تركها تخرج مغمضاً عينيه بثقل وما يجعله يصبر هو اقتراب النهاية لكل هذا ، خرجت بضيقٍ. منه ، ووجدت الفتيات بوجهها فإبتسمت بطريقة زائفة  لهم ووجدت "منة" تندفع في عناق لها ومن خلفها خرج هو فوجد "شادي" يقترب منه بعناقٍ مَرِح بعدما جاءوا من الخارج ، 




        
          
                
عادوا من جديد وخرجت النساء بعد انتهاء الطعام وبين الجلوس ومع الوقت نهض "حامد" مردداً لهم بأنه سيؤدي فرض المغرب هنا جماعة فذهب الكل ليتوضأ وقرروا بأن من يقف إمام هو "بسام"، فسعدت "فرح" من هذا كونه يحفظ الكثير من القرٱن الذي قرأه معها من قبل ناصحاً اياها بذكره عند تعب والدتها ، وقف في المقدمة وفي موضع الصالة الواسع وكان الرجال أولاً خلفه ثم النساء والفتيات..



_«الـلّٰــه أكــــبــر»



بدأت الصلاة وكل منهم يفكر بشئ في حياته، الشئ الوحيد المستمر بينهم هو الإستمرار رغم ما يجري من متاعب معهم ، هو هنا يدعو الله بأن كل ذلك يزول لأنه فقد قدرة التحمل والصبر وأن تتقبل ما هو قادم وان يحفظ له صغاره خوفاً عليهما وعليها ، والٱخر يدعو بصلاح حياته وهدوء أيامها وهداية زوجته وعقلها وأن يكرمهم ، وٱخر يدعو بأن تتسحن حالتها وأن تصبح قادرة على أي شئ معه أو بدونه ، وٱخر يدعو بالصبر والرضا والطمأنينة على قلبها لأنها فقدت قدرة الانجاب مجدداً ، وٱخر يدعو بزوال العقبات والعيش في راحة فيكفي ضياع عمله بالتدريج وأصبح أقل من ذي قبل بسيب بصمة والده في المهنة والسُمعة التي خرجت عليه ولكنه لازال يستمر!! ، من دعا لهم جميعاً. كان رجل صاحب قلب طيب لين يذكر أولاده أولاً في صلاته ثم ابنته التي تهاب اختباراتها ذهبت لبعض منها فيما مضى وتبقي الأكثر! ، هي نفسها تناجي ربها الٱن وبجانبها أخرى تدعو الله بالهداية لنفسها كي ترتدي الحجاب ولم تكن سوى "منة" التي دعت لـ "شادي"



فكان سبب اختفاءه ليس هين حينما علم أن شقيقه قُبض عليه في الخارج وكان حزيناً لأجله مهما فعل به ، وهي بجانبه تحاول مواساته وتشفق عليه كلما ترى بأنه يمرح دائماً ولم يعط للحزن حقه مما يجعله يضغط بإنهاكٍ بينه وبين نفسه! ،وأخرى بجانبها تدعو بالرزق والصلاح لأطفالها وأن يديمها الله ويعينها على تربيتهم بدون أب!!، حتى هذه مسئولية صعبة!!



_«الســـلام عليكُم ورحـمـة الله ، الســلام عليكـم ورحــمة الله»



تم التسليم والمدح بصوت "بسام" الذي نهض بعدما رد عليهم فنهضت"فرح" خلفه تقف معه مع نهوض الكل وإعداد السفرة والتجهيز لها ما ان قالت "عايدة" :



_" يلا هنحط الأكل يا بنات!"



تقدمت الفتيات وقبل أن تسير "فرح" قاطعها"بسام " بعدما دخل الشرفة وهي خلفه ، فكادت أن تخرج ما ان استمعت لقول "عايدة", ووالدتها تؤيد قولها مع النساء ، امسك مرفقها بحنوٍ وسألها بابتسامة واسعة :



_" استني .. كنتي عايزة تقولي ايه؟"



ابتسمت "فرح" بخجلٍ ولم تمنع قولها بإجابتها وصارحته وهي تبادله التمسك بيديه:




        
          
                
_"كنت عاوزة أقولك ان صوتك مريح في القرٱن أوي ، كنت فرحانة وأنا بصلي  وراك "



_" عقبال يوم فرحنا لما تصلي ورايا كدة واحنا بنبدأ حياتنا بالبركة دي مع بعض!"



نظرت بحياءٍ وتركت كفه في حين طالع عينيها بشغفٍ وقال:



_"قسماً بالله هموت وأعرف روتين رموشك ايه "



خرجت ضحكتها بخفةٍ وتركته تخرج وقابلت "عز" الذي دخل بفضولٍ ينظر فنظر "بسام " إليه رافعاً كفيه بمشاكسةٍ وقال:



_"وربنا مراتي وحقي ، ملكش كلمة عليا ، خلاص معتش هستخبى منك!"



أشار له "عز" بسخرية وضحك وهو يردد :



_'' قال يعني وانت كنت بتعرف تستخبى أوي اتلهى يا بسام ، أنا لو هضمن حاجة في العبط ده هضمن انك مش هتعرف تخون أختي!"



ضحك "بسام " بعلوٍ وقبل أن يشعل "عز" اللفافة التقطها "بسام " منه وقال بسخرية منه ومن حال شقيقه :



_" هو أنا هلاقيها منك ولا من غسان ، ما تهدى يا معلم ، العشا لسه بيتحط وبنقول بسم الله!"



ابتسم "عز" محركًا رأسه بغير اكتراث واعتدل ينظر بشرودٍ ناحية السور وهتف:



_" اهو أي حاجة الواحد بيطلع فيها الهم، كتر خير الدنيا انها وقفت معايا على كده!"



استشعر ثقله وأراد احتواءه ولكن عجز عن هذا خوفاً من ان يتدخل فيما لا يعنيه بينه وبين زوجته فإلتزم الصمت محرجاً من الموقف ودخلت "جميلة" حينها فضرب"بسام " كتفيه بإنتباه وخرج من الشرفة ،تزامناً مع تقدم "جميلة" وهي تنظر له  ورددت بترددٍ :



_" العشا جهز يا عز ، يلا عشان ناكُل"



_"طيب"



رده المختصر هذا جعلها تقترب منه وهي ترفع رأسه ناحيتها وقالت بأسفٍ:



_" متزعلش مني يا عز عشان خاطري ، والله العظيم أنا مقصدتش أسمع كلامها أنا خوفت بس ، بس بعد كده مش همشي ورا كلام حد والله ، متزعلش!"



كلما تردد أي شئ بلهفةٍ شديدة يتأثر هو ،. خاصةً عندما لا يكون لديها ذنب وتتأسف ، هذا سبب له وجع وضيق ، وعلم أن بسبب أفعال والدها وتربيته معها جعلها هكذا تهاب وتخاف أقل الأشياء وتحاول اصلاحها بالأسف منذ ان كانت صغيرة لا تفقه شئ ، تعلقت عينيه بعينيها اللامعة بضعف أمام ضعفها وابتلع غصته هاتفاً بصوتٍ هادئ :



_"أنا زعلان عليكي يا بنت الحلال مش منك ، زعلان عشان انتِ اقوى من ان اي حد يأثر عليكي التأثير ده، أنا عايزك قوية مش عايزك ضعيفة ، الضعف مش لا يق عليكِ ، عايز لما امشي أروح هنا ولا هنا أكون واثق ان سايب مراتي قوية عمر ما حد يأثر عليها ولا يعرف يجي عليها في غيابي، عشان مهما يحصل يتعرف ان المعلم عز سايب في بيته ست بمية راجل ، مش عايز الاستسلام السريع يبقى من توبك يا جميلة  ، أنا بتعب لما بشوفك كده!"




        
          
                
سقطت دمعتها وهي تنظر به بأسفٍ ، فتمسكت بكفه إلى أن تشبت به  فنطقت هى :



_"أنا قوية بيك يا عز ، قوية بيك انت، أوعى تزعل مني في يوم وتبعد أنا ضعيفة من غيرك ومش خايفة أقول كده لأي حد يقابلني ، انت غيرتني وخلتني أبص للدنيا  بعينك ، عينك اللي بتشوف كل حاجة جميلة زي قلبك ، عمري ما عرفت اني استاهل كل حاجة حلوة إلا ما قابلتك!، أنا مش مستعدة انك تسيبني أو أخسرك "



مسح وجعها بكفه الخشن واحتضنها  بإحتواءٍ فابتسمت من بين تأثرها وقاومت على عدم البكاء الٱن فوجدته يربت على ظهرها مردداً :



_" حتى عز وقلب عز مشافوش غيرك انتِ وقلبك وعرفت برضه ان كل حاجة حلوة متعانة ليا فيكِ ، انتِ حلو الأيام يا جميلة عشان كدة مش عايزك تبقي كدة تسمعي كلام أي حد ماشي من غير تفكير!"



حركت رأسها بتأثرٍ وابتلعت ريقها تعانقه من جديد ما أن هتف بجوار أذنها قائلاً يذكرها :



_طب هو أنا مش قايلك قبل كدة ؟"



سألته وهى على وضعها بنبرةٍ هادئة :



_" قولتلي ايه طيب ؟"



_" ان كل واحد هيفضل في ضمة التاني!"



ابتسمت بسعادة من جملته ، هل عاد لها مجدداً ؟ لا تعلم هى ما يخبئه القدر لهما فيما بعد ، ضمها بتشبتٍ. وهو يبتسم ، فكلما تعمد القسوة يلين سريعاً بسبب ما عاشته في طفولتها لم تجد حنان قط وهو عاهد على أن يعوضها !



انتفضت ما أن وجدت"شادي" يهبط الزجاجة من على فمه وهتف بمرحٍ وهو يدق المقعد:



_" يا روميو ، ما تـ يلا  العشا مستنيك مش وقته!"



اعتدلت "جميلة", بخجلٍ وخرجت من الشرفة في حين ضحك "عز" علي كلماته واقترب الاثنان معاً ناحية الخارج حتى يجلس كل منهم على سفرة الطعام الذي إجتمع عليها الجميع  وبدأ كل منهم في تناول الطعام "العشاء" في حين تعمدت "نيروز", الجلوس بجوار والدتها و"جميلة" بينما هو طالعها بصمتٍ وجلست "أسماء" بجوار "زينات" وصاحت "عايدة" في لباقةٍ :



_" متجمعين دايماً في الفرح ان شاء الله"



رد الكل عليها بإبتسامات وحديث مُمتن! ، واستمرت الجلسة هكذا بحديث عشوائي ونظرات مجهولة ، ونظرات أخرى بعالم ٱخر مع "بسام"و"فرح" التي ضحكت بخفةٍ عندما مال  يهمس لها :



_"تصدقي بالله ، جوزك بيطبخ أحسن من كده!"



على الرغم من ان الطعام له مذاق جيد ولكنه حاول مشاكستها فضحكت وهي تسأله بمرح :




        
          
                
_" يعني هتساعدني وتطبخ معايا ؟"



أكد برأسه بإبتسامة و في سعادة وهي تكمل تناول الطعام أمام نظرات "عز" لسعادتها هذه هو ووالدته  ، وعاد ينظر فوجد "جميلة" منشغلة بالحديث مع "نيروز"، ووقعت عينيه على "غسان" الذي كان يتابع الثانية، بينما كان "ٱدم" منشغلاً بالصغار بحثهم على  تناول الطعام بسكون دون  مشاجرة وساعده "بدر" في هذا هو و"،فاطمة" التي ابتسمت بحب ناحية "وردة", وهي تحاول اطعام صغيرها فأخذته "سمية" تطعمه بدلاً عنها كي تسطع أن تأكل ابنتها..



وخلال وقت قصير انسحب كل منهم واحد تلو الٱخر إلى أن نهضت الفتيات والنساء بالنهاية  يحملن الصحون والأطباق ناحية المطبخ ، وعاد الشباب و"حامد". يجلسون في  تجمع الصالة بالمقاعد  الملتفة حول بعضها ، خرجت "وردة" بصينية عليها مشروب "شاي" لمن يفضله بعد الطعام و"نيروز" التي حملت صينية العصائر و"فرح", التي حملت أطباق الحلويات مع " جميلة"  وزجاجة المياة  بكوبها مع "منة" ،قدمن هذا وخلفهن البقية ، فأخذ "بسام" منها حلوى مرددا ً بمرواغةٍ :



_" حلويات شايلة حلويات والله "



ابتسمت "فرح" بخجلٍ وآعتدلت في حين تقدمت "نيروز" بالعصائر نحو "غسان" فوجدته يتعمد  اختيار  الطعم الذي يسبب له حساسية بجسده ، فمنعت هذا بحزمٍ وقدمت له ٱخر مرددة :



_" خاف علي نفسك شوية!"



هل هذه سخرية مع حزم ؟. ، تركته واعتدلت بعد ذلك تدخل المطبخ ، في حين دق هاتفه فنهض يجيب عليه مع مراقبة "ٱدم" له وهو ينتظر الإشارة فهو ان هبط  سيذهب لجلب شئ أوشخص متفق عليه بتدبيرٍ مع "غسان" فراقبه مع "أسماء" التي تنتظر هى الأخرى وما ان أشار لها "غسان", عدلت حجابها تنظر ما ان يراقبها أحدهم أم لا وانسحبت بهدوء ناحية الخارج وخلفها "ٱدم" مع "غسان"ومن بين انشغال البقية خرج الثلاثة.!!



خرجت "نيروز" تبحث عنه بعينيها ولم تجده ، فوقفت مع "جميلة" في حين بحثت "فريدة" هى الأخرى عن "أسماء" ولم  تجدها فتوقعت أنها رحلت الشقة الأخرى لجلب شئ بعدما علمت أن سامر ووالدته لم يكونا موجودان إلى الٱن يبدوا أنهم خرجا معاً قليلاً في الخارج والعودة لم تكن مباشرة بعد الكشف ، فبحثت هى الأخرى عن "ٱدم", بين الرجال ولم تجده!!!



_____________________



‏«كل شيء هنا يزدهر إلا أنا.»- أورويل-



عداه هو لا يزدهر ابداً ، غير قادراً على الازدهار! ، ضاع عقله هباء قبال أشياء كثيرة أخرى   وعى عليها ، وأخرى  هو من فعلها وكان السبب بها ، ماذا بعد؟
الٱن مصطلح "مدمن",قليل على شخصٍ مثله. شخص ان كانت وافقته الحياة في تربية سوية كان المحتمل بأن لا يكون هكذا ، حتى هو نفسه غير قادراً على أن يُفكر بفكرة التحسن، طاقته مستنزفة وهو من استنزفها بنفسه 




        
          
                
ثم يسأل نفسه ، ماذا علىّ أن أفعل؟، ماذا بعد؟ ماذا بعد التحسن والتغيُّر؟
لم يجد هنا أي شخص بجانبه كسند ، وهو من فعل ذلك وجعلهم ينفرون منه، ٱخر مرة شعر بها بالخذلان لم يستطع حتى ان يتقبل احتواء والدته! ، لم يتقبل أي شئ على الرغم من أنه  كان يريد ضمة ، أو عناق!



ما أقسىٰ أن يضيع المرء ويكون هو سبب ضياعه  وهلاكه، ما أقسىٰ أن يكون المرء شاعراً باقتراب الموت بعدما سقط في الهاوية ولا يستطع فعل شئ ولم يجد من ينصفه وينقذه!!



يتلفت الٱن حوله بريبةٍ ، يحك أنفه ورقبته يحك ذراعيه بفقدان الانتشاء ، زاغت عينيه وهو ينتظر ، لا يعلم هو أن هذا الإنتظار جاء به أحدهم من خلفه ووجد من بعدها الظلام في الشئ الذي لبسه في رأسه رغماً عنه بواسطة أحدهم في هذا الشارع الجانبي المخفي ، وجد نفسه يُكتف بسرعة ويُحمل حتى وُضع داخل سيارة سوداء سارت بعدها بسرعة قياسية ما أن هتف زعيمهم لمن يتبعه من سائق السيارة وصديقهم في الخلف :



_" إطلـع بسرعة!!"



يحاول التملص  تخرج منه سبات بذيئه كي يتركوه ولكن ضربه أحدهم بإحترافيةٍ ضربة فقد الوعي بها لفترة قصيرة جدًا  بعدما هتف بصراخٍ ، صراخ جعلهم يفعلون هذا حتى لا يُكشَفوا :



_"انتـــوا مــين ، سيـبوني ، سيبــوني يا ولاد الكلب وديني لأعرفكم يا ***"



لا يعلم هو أنهم  هم نفسهم الذي ينتظرهم ؟ ، أين عقله كي يربط الأحداث ببعضها؟، انطلقت السيارة في هذا الظلام قبل أن يتم فضحهم بواسطة حنجرته التي بُخت وهدأت بإستسلام وبالتدريج لفقدان الوعي المؤقت هذا ، ومن ثم أخرج من بعدها أكبرهم مقاماً هاتفه ليطلب رقم "غسان" في الحال يخبره بأن الخطة بدايتها قد تمت بنجاح ينقصهم الإنتظار منهم في داخل محل الورد!!



_« مساءك خطط ونفذ ، واتنفذ يا كبير!، حصل و راكبين  طيارة  وجايين في السريع»



ظهر الصدق بالتنفيذ في كلماته السوقية العشوائية ما ان سمعها "غسان" على الجانب الٱخر وعلى مقربة كانت تجلس "أسماء", تفرك يديها بتوتر تنتظر قدوم "ٱدم" بما كلفه به "غسان" الذي أغلق الخط واضعاً الهاتف في جيبيه ناظراً نحو الباب المغلق ، جاب عينيه جلوسها هكذا ولكنها وقفت سريعاً تقترب وهتفت في توترٍ :



_" أنا ..أنا خايفة ، أوعى تكون عملت في حسن حاجة "



في الأونة الأخيرة بعدما كان يدخن بين الحين والأخر أصبح يدخن بشراهة مقنعاً ذاته بأن هكذا يتم تخفيف الضغوط!! ، اقتناع ليس في محله اذن؟، أشعل اللفافة ناظراً لها بتمعنٍ وهتف بجديةٍ يجيبها :




        
          
                
_"لسه معملتش!"



برقت عدستيها ولم تمنع سؤالها بأن يخرج ما أن هتف ذلك أمام خوفها:



_" يعني انت هتأذيه؟ انت مش وعدتني انك مش هتأذيه؟"



_" انتِ عارفة إيه أكتر حاجة أنا بكرهها؟"



سألها بهذا وهو ينظر إليها بتهكمٍ ، فحركت "أسماء" رأسها بتساؤل جعله يجيبها وهو ينسق الورد :



_" إن حد يقول حاجة على لساني أنا مقولتهاش!"



ابتلعت ريقها وهي تنظر في موضع ما يفعله بتنسيقٍ في حين أضاف وهو يعتدل ملتفتاً لها :



_" زي ما انتِ عملتي بالظبط ، وأنا غرضي أساعدك ، ولو كان بإيدي أساعدك من غير ما حد يعرف كنت هعملها بس انتِ فاهمة حاجة زي دي لازم تتشهر ،لكن أنك تتشرطي عليا وتقولي حاجة أنا موعدتش بيها كده بقا نزعل من بعض ونجيب كمان ناس نزعل!!"



_"أيوة بس انت فإيدك تموته وأنا من حقي أخاف ، من عايزة الأذى يطوله ،. في ايه هتجوزهولي وفي ايه ناوي على الشر ليه!"



اقترب "غسان", بالتدريج يفتح الباب بزاويةٍ ثم هتف وهو ملتفتاً بظهره يعطيها الجواب الذي وترها أكثر وهو ينظر ناحية الخارج:



_" وماله ، تبقي أرملة , ٱخر واحدة تكوني أرملة ولا ايه؟!"



ترددت عينيها في النظر ناحيته وسالت دموعها منها  في محاولة لإخفاء وجهها فعندما إلتفت ينظر لها  نظر بسكونٍ غريب قطعه اختراق أذنيه لصوت السيارة ومن بها في متابعة لمراقبة المارة حتى يهبطوا ناحية الداخل في حمله سريعاً ، وجد "غسان", الرسالة  ففتح الباب ينظر ووجدهم يهرولون بحمل "حسن" ناحية الداخل هم الخمسة  أمام عيني "أسماء", التي هرولت تهتف بخوفٍ :



_" حسن!!!"



انحنت سريعاً تتفقده بخوفٍ وأعين باكية ، في حين طالعها الشباب بتفحصٍ سرقه منهم "غسان" الذي فتح أحد الأدراج موجهاً لأحدهم الحبل قائلاً بإيجاز:



_" أربطه "



حمله إثنان ووقف زعيمهم برفقة "غسان" وربطه اثنان ٱخرين، وفي محاولة من قبل هذا لأخذه من بين ذراعيها فهتفت هي بخوفٍ :



_" انتوا هتعملوا ايه؟؟ هتعملوا ايه ابعدوا عنه!!!"



تم سحبه منها عنوة فبكت بخوفٍ حتى رد عليها من يقف بجانب "غسان":



_"  اللي زي ده دمه متعكر يا قطة ان فاق متعرفيش هيعمل ايه ، و مالك محموقة عليه كده ليه؟ ده يبيعك بسرنجة مش بحقنه حتىٰ!!"..




        
          
                
_"كلامك  معايا هنا يا معلمة ، ركز "



أدار له "غسان", وجهه كي ينظر له  ويتركها ، في حين نهضت هي تقف برهبةٍ تتابع بوجع ما يحدث وتم ربط "حسن", على مقعد خشبي ورأسه تميل بسبب فقدان الوعي ،  فاقترب "غسان" منها وطلب منها :



_" دلوقتي بقا افتحي تليفونك كلمي سامر "



أخرجته "أسماء" بخوفٍ وموافقة ، ومن ثم رفعت رأسها تسأله بتقطعٍ:



_"طـ ..طـب أقوله ايـه؟"



أشار لها "غسان" بأنامله ووضح ملاحظاً رجفة يديها التي جعلته يأخذ الهاتف من بين يديها يضعه أمام وجهها:



_" الأول خدي نَفَسِّك ده كده وهدي أعصابك دي خالص!"



حاولت أخذ أنفاسها والخوف لايزال رفيقها ، ارتجافة يديها هذه ذكرته بخوف "نيروز" ورعشتها المماثلة ، راقبها بتفحصٍ تحت انتظارها فتابع كلماته بـ :



_" انت هتسأليه الأول هو فين لو لسه بره   هتصرف ، ولو  فوق هتقوليله ينزلك بأي طريقة، خوفيه قوليله انك  كنتي هتتخطفي وانتِ بره ينزلك.. أي حاجة تيجي في دماغك بس لو شغل العوء أنا مش هحبه وهنزعل!"



حركت رأسها توافق فضغط على الاتصال وأعطى حينها جرس الانتظار، والكل يترقب ،. فهناك اثنين سيجلبونه ان كان قادم أو اثنين أخريين ان كان في الأعلى سينتظرانه في الخارج كي يأتي بنفس الطريقة التي أتى بها "حسن"..



_«أسماء بنفسها؟؟ لسه فاكراني يا بت؟  لسه فاكرة ان عندك أخ مش ناسي اللي عملتيه ومستني لحظة رجوعك عشان يموتك ، يا انا يا انتِ يا أسماء ، استـنـ.."



من بداية المكالمة وهتف هذا بغيظٍ ، لأنه لم يراها منذ ما حدث الذي حدث , بترت قوله وعلى الرغم من ان نبرتها خائفة بطبيعة الموقف  إلا انها برعت في حبكها أكثر وهي تسأله بريبةٍ :



_" انت فين يا سامر ، رد عليا بسرعة والنبي؟؟"



على الناحية الأخرى نظر نحو والدته بغرابةٍ وهتف يجيبها بإستنكارٍ من  خوفها وأنفاسها الذي يسمعها :



_« أنا داخل على العمارة أهـو انتِ بتتكلـ..."



هذا جيد وأسهل إذن؟ ، قطع "غسان" الخط وأشار بيده بسرعة فخرج اثنان ينتظرانه فهتفت هى بسرعة تنبههم :



_" ماما معاه"



خرج إثنين أخريين ، وأُغلق الباب بسرعة ، بينما هى جلست على المقعد بخوفٍ ملازم لها لا يتركها أبدًا ، سُرقت أنفاسها ما أن استمعت لحركة في الخارج ، فكانوا يكتفون "سامر" ويكممون فم "زهور", مكتفين حركتها هى الأخرى فخرجت نبرة "سامر", المتقطعة من الحركة حينها قد وقع عكازه:




        
          
                
_" انت مين ياض انت وهو ، سيبني يالا سيب امي ، لو توريني وشك عليا النعمة لأقتلك ، سيبونــي بقولــكــم!"



دخلوا بهما في الداخل وأخرى تحاول الصراخ ولكن فمها مُكمم بربطٍ ، جلبا مقعدين وأجلساهما ، وقذف"غسان" حبل لربط "سامر " وسأله أحدهم :



_" طب والحرمة دي !"



_" أديك قولت  حرمة ، عضمها على قدها حرام نربطها ، بس لو غدرت وصوتت هنغطيها ونصوت عليها كلنا !"



قال هذا فلم يقتنع زعيمهم وأقنعه بقوله وهو يشير له :



_" با برنس دي من صنف الحريم ، إعمل حسابك على كيدهم  وحنجرتهم، سيبهالي أنا هتصرف!"



كيف كانت نبرته الزائفة بريئة! ، تصنع الطيبة وتم ربط "سامر", الذي وجد أن الصوت مألوف ، صوت "غسان" الذي ابتسم بخبثٍ ما أن كُشفت الوجوه واتسعت عيني "زهور" التي كانت تهاب الصبر  منه كل هذا ، كما خاف "سامر" وتم تحريك النظرات ناحية"أسماء " الذي  نظر لها "سامر", بغضبٍ محاولاً التحرك بالمقعد ولكنه عجز عن النهوض والحركة وهتف بدون عجز في القول :



_'' ٱه يا بنت الكلب يا زبالة ، بتبيعي أخوكي وأمك يا بنت الكلـ ـب!"



معه نسخة أعطاها له "غسان" لذا دخل منها "ٱدم", برفقة المأذون الذي اتسعت عينيه على الرغم من انه يعلم لمحة بسيطة لأن الزواج مفاجئ لستر إحداهن! ، ابتلعت "أسماء" ريقها  بتوترٍ واقترب "غسان" ملقياً اللفافة أرضاً وانحنى يرحب به بحرارة:



_" حمد لله على السلامة يا سمرة!"



وأضاف بضحكٍ وهو يشير بذراعه ناحية المشتل بأكمله :



_" محل الورد دِبل بوجودك ، معتم المكان كله يا حبيبي"



تشنجت ملامح وجهه ولاحظ الكل رفع رأس "حسن" بتشوشٍ وجلوس الخمسة شباب بسكون يدخنون سجائرهم بإستمتاع وكأنه أحد العروض المعتادة بالنسبة لهم ولعملهم بهذا دوماً ، اقترب"ٱدم" ينظر بتشفي في حين هتف"سامر "بشرر:



_"  هتدفعوا تمن اللي بتعملوه ده غالي ، ورب النار ما هسيبكم ، سامعيـــن؟؟"



نظر "غسان" وهو يضحك ناحية وجه "ٱدم" الضاحك ، ثم اندفع يمسكه من تلابيبه بعنف مردداً بحدةٍ مفاجئة فاجأت "سامر ", والبقية بعد هذا السكون الذي كان به :



_"ده أنا اللي هدفعك تمن  كل حاجة وهقهرك ، عايزك تتك على الصبر كده وتاخد صدمتك عشان أخونك فيها وأخد حقي منك ، انا ليا حق عندك زي ما الجدع ده ليه حقوق مش حق واحد ولا ايـه يا بن البدري؟!"




        
          
                
سأل "ٱدم" فأكد بتسليةٍ واقترب يمسك خصلاته ببطئٍ ملتفاً حوله وأكمل هو:



_"لا حقوق دي ايه يا بن عمي ، أنا فريدة دي حقها ميكفهوش حاجة ،بس أنا هتسلىٰ!"



تلقى غمزة وترقبت ملامح الكل عندما خرجت نبرة"حسن " بسكون وهو ينظر نحوهم :



_", انتوا عايزين مني ايه؟ ، جايبني هنا ليه؟"



سأل مستسلماً بوجعٍ جعل"أسماء", تقترب منه فطالعها بتمعنٍ وهرب من عينها وكلما تحاول"زهور" التحدث تفشل ، تشنج وجه "سامر" وهو يهتف محاولاً التحرك:



_"ما تفكوني ، فكوني وهعرف أبوكم يعني ايه تعملوا فيا أنا كده!"



ضرب "غسان" صدره بإستفزازٍ وهتف ببسمة ساخرة :



_"  مش ترحب بـ أبو على وتهدى كدة ؟ ، أبو على اللي عايز تجوزه مراتي يا جدع"



خفق قلب "حسن" من ترديده بأنها عادت زوجته ، ابتلع ريقه ونظر بمتابعةٍ في حين سأل "سامر" بإنفعالٍ :



_" انت بتبيع وتشتري فينا يالا انت؟؟ بتبيع فينا وتجيبنا هنا عشان الشويتين دول ؟"



إعتدل "غسان" مبتسماً واقترب من الناحية الأخرى لـ "حسن", وهو يجيب على قول "سامر":



_"أنا لا بعتكم ولا اشتريتكم تجارة الحيوانات أنا مليش فيها!!"



ضغط الإثنان على فكهما وتابع الخمسة شباب بتسليةٍ، في حين وقف "المأذون" بخوفٍ ، فأضاف "ٱدم", وهو يقترب بخوف أخفاه على"حسن" من تهور "غسان"الذي انحنى يهدده:



_" انت بقا يا أبو على حوارك حوار ، مش عارف هتلاقيها مني ولا من سامر بعد ما يعرف اللي انت عملته في أخته "



اخترق سمعهم كلماته ، فنظر "سامر" بإستفهامٍ قبال توتر "حسن" من هذا الخبر بينما  نطق "سامر" بإستنكار:



_" عمل في اختي ايه؟ اختي مين وعمل ايه؟ حد يفهمني، أنا مش فاهم حاجة من  مـ** أبوكم!! "



سحب"غسان" مقعد وجلس أمامهما وأمام متابعتهم حتى أخرج لفافة يشعلها وهو يبدأ الحديث مفسرًا بثبات يثير ضيقهم وهم هكذا بحالهما محكومين بعدم الحركة :



_" حقك يا سمرة تفهم ، عايزك بقا تفتح صدرك كدة وتستقبل المفاجأة دي!"



ترقب في حين تملك الخوف من "أسماء" ونهض"غسان" مرة أخرى ينهي دور الخمسة شباب مخرجاً من الدرج بجانبهم حفنة من بقية حسابهم ، أعطاه لكبيرهم ورحب به بيديه ثم احتضنه بعشمٍ متبادل وهتف :




        
          
                
_" دورك كدة خلص انت ورجالة ، منجلكش في حاجة وحشة يا معلم صابر"



_" عينينا ليك يا برنس ، رقمي معاك  لو احتجتنا في أي وقت ، رقبتنا تسد "



ابتسم له "غسان" وسار"ٱدم" يفتح لهم الباب فخرجوا جماعة بعدما أشاروا له مرددين:



_" سلام يا برنس!"



حرك"غسان" رأسه بالوداع ، وأخرجهم دون إكمال العرض كي لا يتم فضح"أسماء", أمامهم ، ودعهم "ٱدم" بقبول حتى ركبوا السيارة ومنظرهم هكذا يثير الريبة من تلقاء نفسه لم يضع "ٱدم" في الحسبان وقوف "بدر" الان مع الشباب في الشرفة وفي هذا الضوء الذي ٱنار  وقف يودع مناظر كان قد ابتعد عنهم؟. ، برقت عينيه ودب به القلق قبال  التفات "آدم" برٱسه بريبة كي لا يراه أحد ثم دخل من جديد داخل محل الورد غالقاً الباب خلفه..



وجد "غسان" يجلس فإقترب يسحب مقعد  للمأذون ليجلس بعدما حثه "غسان" :



_" قعد عم الشيخ يا ٱدم ، وجع المفاصل ده صعب أوي!"



ثم نظر نحو وجه "سامر" الذي عليه ٱثار ضرب شقيقه "بسام", وساقه الملتفة كما ذراعه وسأله بجديةٍ وكأن الأمر جاد:



_"مترشحلي مرهم كويس لوجع المفاصل يا سمرة"



_"هو حد كان قالك ان أنا دكتور ؟"



ضحك "ٱدم" يرد مع ضحكات "غسان" ، فنبس بتسلية:



_" ده انت تتحط على الجرح يطيب يا سمّور"



اغتاظ "سامر" من هذا وتعالت نبرته ينهي هذة الثرثرة الغير مفيدة بالنسبة له:



_"قُصره ، ما تخلصونا بقى!!"



اعتدل "غسان" وتنفس بعمقٍ وهو يشير ناحية "أسماء" التي جاءت بتردد تجلس على بُعد قليل بجانبه ، وبدأ حينها "غسان" موضحاً له:



_" عندك حق ، أنا كمان مبحبش الهري في الفاضي ، دماغك عجبتني يا سمرة زي ما دماغي  عجبتك وخدتها على خوانة كده بس نركن ده على  جنب ونقولك على اللي فيها ، بس صلي الأول كده علي النبي!"



هل يفتك بأعصابه ،  رد "ٱدم" على ٱخر قوله بالصلاة على الحبيب ، والغريب أن "حسن" رد بنفاذ صبر هو الٱخر ، فأكمل "غسان" :



_"  أنا هرميهالك بقا في وشك وانت خد الوضع اللي يعجبك ، شايف المأذون  المحترم اللي هناك ده ؟ جايبينه يصلح غلطة حصلت بين حسن ابن خالتك وأسماء أختك عشان لمؤاخذه أختك مدام وهتبقى مدام لحسن الأكرمي بعد شوية !"



اتسعت عيني "حسن" بصدمة في حين احمر وجه "زهور" وكأنها للتو ستقبل على صرع! أو تشنجات مقبلة على الموت ، في حين ابتلع "سامر" ريقه بعد استيعاب وهو يرمش بأهدبه مردداً بصدمةٍ وتقطع:




        
          
                
_"انت  بتخرف بتقول ايه؟؟؟"



رد عليه"ٱدم" هذه المرة ناهيك عن الدق على الباب في محاولة للإستماع في الداخل ،  هل الشباب هنا في الخارج؟. :



_"زي ما سمعت كدة ،. حسن  اللي قاعد متكتف قدامك ده ضيع شرف اختك أسماء ، ولمؤاخذة تاني عشان الحق ، كل ده برضا اختك ، فانت دلوقتي هتتفك وايدك هتتحط في إيده عشان تتستر على أختك ،وتجوزهاله وبعد كده نشوف مراتي فريدة كانت حرقاك أوي كدة ليه!"



تلقى صدمة أخرى بزواجها منه غير  الخطأ التي ارتكبته شقيقته  ، نظر "غسان" ناحية الباب ، ضاغطاً على فكه السفلي ناظراً نحو "ٱدم" معتقداً بأنه ناداهم بينما نظر له الأخر برفض وخرج صراخ "حسن" رافضاً  :



_"ده على جثتـــي يا حيلة امك  انت وهو!"



_" وماله ، ننفذلك طلبك يا ناقص!"



وقف "ٱدم" في المنتصف بعد أن وجه له "غسان" لكمة في وجه"حسن" وهو يصرخ به :



_"  هتحط ايدك في  ايده يا ناقص يا بن الناقص لإما وحياة اللي خلقك وخلقني وخلق الدنيا دي لاموتك قبل ما تقول  انك موافق!!!"



هاب هذا الإنفعال فحرك رأسه  ناحيتها ووجد دموعها تسيل بغزارةٍ وكسرة ما ان استمعت لسباب شقيقها لها ونظرات "زهور" بقهرٍ من هذه المصيبة الكبرى لها..



ترقبت الأنظار ناحية الباب في حين فك "ٱدم" رباط "سامر"ومن ثم"حسن ", وكل منهما في صدمته والأقوال في الخارج تعلو من الشباب واحد تلو الٱخر حتى أن جميع الفتيات هبطن ما ان لاحظن تأخيرهن وبقت في الأعلى "دلال"  و"وسام" و"عايدة " بينما هبطت "حنان" معهن ومع "سمية"و"فتياتها .. هذا التجمع يثير الأنظار بعد ان "غسان" انتشل المفتاح من ميدالية والده ليعطيه لٱدم ، وخوف "نيروز" جعلها تضيع وضاعت فكرة بأن بإمكانها انقاذ هذا بالصعود وجلب المفتاح الخاص بها!! وما سمعوه من أقوال أثارت صدمتهم والٱن تربط الأمور ببعضهما مع شقيقتيها وعائلتها وتهاب أن يحدث له شئ!..



_« افـتــح يا غســـان ، افـــتــح يا ٱدم"



كان الأول قول "حامد" وتلاه قول ," بسام وبدر" بقلق:



_" بلا ش تتهوروا وتودوا نفسكم في داهية ، افتحولنا نساعدكم ونتصرف معاكم!"



_" يا غســان رد ، متجيش جنب حسن وحياة اغلى حاجة عندك!"



هذه كانت جملة "زينات ",كما هتف "حازم" بهذا ،  بينما "عز" لم يعط الوقت للرجاء بل حاول دفع الباب  في حين لم يلق "غسان", اهتمام لهذا الخوف بل جلس على طاولة خشبية ووضع "سامر" يديه بيد"حسن" والإثنان  ينظران بصدمةٍ بينما   اقتربت "أسماء" ببكاءٌ تزيل ما على فم والدتها التي بصقت على وجهها بقهرٍ وهتفت بإختناقٍ من الصدمة :




        
          
                
_" لا  انتِ بنتي ولا أعرفك ليوم الدين ، ابعدي عني!"



انهارت باكية ولم تبتعد في حين خانت القوة وخان الجبروت"زهور", فنزلت دموعها قهراّ على هذه الطامة الكبرىٰ بالنسبة لهم ، وفُتح الباب أخيراً  بواسطة "حازم" و"عز" و"بسام"و"بدر"  وتوقف الكل على المشهد واخر قول قاله المأذون بعدما اقتربت "أسماء" بنداءه لتفعل ما يتوجب فعله بترديد الموافقة..وبعد هذا ..



_« بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير »



نهض المأذون سريعاً يهرب من هذا ، أشبه بهرولةٍ من بين الزحام ، ووقف "غسان", ينظر نحو النظرات في بكاء "نيروز" وخوفها وترقب الكل بقلقٍ، وقبل أن تضيع  الفرصة أخرج مطوته من. جيبه وفتحها أمام وجه "حسن" بسرعة فائقة ودفعه ناحية الحائط مما أدى إلى ركض البقية ، دفعه بساقة أولاً ركلة ثم ركلة أخرى وصفعه والأخر جسده يطلب الجرعة وعند الجرح بالمطواة وهو يصرخ :



_" إنــت عارف ٱنا ساكــت  وصابر عشان اللحظة دي بقالـــي قد ايـــه ، دكر اللي يشيلك من تحت ايدي؛"



على الناحية الأخرى أمسك"سامر" خصلات"ٱسماء" من أسفل الحجاب صارخا بها  بعنف :



_" يلا يا فاجرة يا رخيصة ،  ضيعتي نفسك ووقعتي راسنا في الأرض يا بنت الكلب يا زبالة .."



اندفع الشباب ناحية"غسان" وحاولوا منعه مع كل هذا الضرب بينما وضعت "نيروز", يديها على أذنها برهبةٍ واحتوتها "جميلة" وهي تبكي معها لأجلها ، بينما صاح "حازم" بترجي وأعين ضعيفة لامعة لأول مرة :



_", أبوس ايدك كفاية ،  كفاية يا غسان عشان خاطر أغلى حاجة عندك، أنا محتاج أخويا ، محتاج حسن هوديه مصحة يتعالج ، جارييني المرة دي ولو  مش قادر متخادش حقك تعالي خده مني ٱنا"



تلمس كتفيه من الخلف وهو يلكم الٱخر بوجهه ، اخترق أذنه الترجي ولم يرد أن تتلاقى عينيه مع عيني "حازم " كي لا ينهزم، أداره "حازم", بقوة وأمسكه  من تلابيبه وضاعت قدرته على التحمل بعد ما رٱه في حياته التي تمر بشريطها أمامه الٱن وهتف وهو يحركه ومحركاً كفه بالنصل الحاد ناحية وجهه يحثه على ضربه هو وجرحه هو مما جعل "ياسمين " تركض بخوف:



_",   خد حقك مني ٱنا ، اضربني ٱنا يا غسان ،  أنا عارف انه حقك بس خليه مني ٱنا وحياة نيروز عندك"



كان قد سقط "حسن", أرضاً لا حول له ولا قوة ينزف الدماء من أنفه ووجهه ، لمعت عيني "غسان", من هذا الضعف وعلم ",حازم", أن الراحه انعدمت من قاموسة وحياته حيث انه شعر بأن خبر موت والده على يد شريف لم يختبئ بعدما علم من "مروة" هذا بين الحديث! ، استسلم للحياة وٱخر ما بيديه فعله هو الترجي ومساعدة من لم يساعده في حياته وجاءت له الفرصة كي لا يُلام أو يُحاسب! ، سقطت المطواه من يد "غسان " وهو ينهج بصوتٍ عالٍ 




        
          
                
لا يعلم لمَ كان عليه أن يحتضنه بقوة في هذا الموقف ، دفعه بين ذراعيه وضمه ضمة شديدة شاعراً بما شعره من قلة أمام عينيه وأمام الحق 



لمعت الأعين من هذا وهرولت "ياسمين" و", فريدة" و"ٱدم", و"بسام" يفصلان "سامر" عن "أسماء" بعدما وقعت فحاول سحبها بذل ناحية الخارج وهو يعرج ، في حين وقفتا "نيروز وجميلة" على بُعد في احضان بعضهما توقفا عن البكاء ولكن خوفهم منعهم من التقدم خطوة ومشهد ", حازم"وغسان'' جعل "حامد", يقترب بشفقةً هو و"بدر", يُبعدان "حازم" عن الأنظار حتى لا يُكسر أكثر من هكذا ، وردد "بدر" بأنه سيتولى أمر الاتصال بفرقة ما قد جاءت من قبل لـ "ٱدم" فيما يخص المصحة فيما بعد!



الٱن "حسن". يتوجع بين عناق "زينات", له وهي تتفقد وجهه تمسحه بمنديل قماشي ، لم يفقد الوعي وان كان ضُرب أكثر لـ فقده وفقد نفسه!! كما يفقدها في كل مرة ، انسحبت "زهور", وكسرتها بما فعلته ابنتها جعلتها  تائهة ضائعة لا تريد أولا تفعل شئ سوى أنها سارت تترك كل شئ بعقل قد ضاع وصعدت! تترك كل هذا رغم مناداة "أسماء" عليها وهي تنزف الدماء من أنفها :



_" متسبنيش يا ماما ، والله العظيم أنا ندمانة ، استني خديني معاكي!"



وأضافت بإنهيارٍ :



_" انا عايزاكي انتِ دلوقتي مش عايزه غيرك واللهِ..!"



هكذا هى الحياة ، ما نريده لا يريدنا  على الرغم من أن والدتها لو كانت تعي لبقت تحتويها ولكنها مقهورة مصدومة حتى انها تركت "سامر"  ، في حين انها شعرت وكأنها صغيرة لا تود شئ سوى أحضان والدتها فقط واحتواءها علّ نيران قلبها تهدأ !!



وما ان وعت تركتهم وهي تركض ناحية "زينات" التي تعانق "حسن" مسحت بأكمامها وجهها بوهنٍ وحاولت اسناده معها ولكنها ضعيفة لم تقدر ، فجاءت "فريدة", تساندها ، مع خروج "سامر" من بين هذا التجمع واستطاع ان يفلت من عقاب "غسان" الذي تأثر من موقف "حازم"، اسنده ",غسان" لهم وصعدوا به وطمأن"بدر","حازم"  بأنه سيصعد بـ "حسن" ،. واقترب "عز", من "جميلة" التي تركت "نيروز", وركضت نحو "عز", برهبة من كل هذا 



ركض ٱخر مجازياً ولكن ليس منها هى بل ركض قلبه تجاهها وهو يتفحصها بنظراته بقلقٍ  ولازالت تضع يديها على اذنها تغمض أعينها خوفاً من الإنهيار ومعها وبجانبها "سمية"و"وردة" ، ابتعدا الإثنان ما ان اقتربت بلهفةٍ  ورفع  كفيه يزيل يديها المرتجفة مبتلعاً ريقه وهو يدفعها ناحيته واضعاً ذراعيه عليها من الخلف ، احتضنها بإحتواءٍ وردد بإختناقٍ :



_"متخافيش!"



استستلمت لعناقه لم يعد لديها القدرة على البكاء بل صمتت بجسد متصلب من رهبة الوضع ولم تتفوه بحرف ، في حين قد خلى المكان وصعد من صعد وبقى هو وهى معاً ، وخلفهم "فرح", التي خرجت من بين ذراعي "بسام" ولأول مرة  كانت تهاب مس ضرر بـ "بسام" الذي ابتسم  وهو يحثها بعيداً عن التوتر:




        
          
                
_" تعالي معايا فوق يلا ،متخافيش "



توقفت تنظر له فأراد حثنها على شئ بعيداً عن كل هذا :



_"، تعالي نسيب كل ده .. يلا عشان نلبس ونروح الفرح!"



تاهت نظراتها ووافقت برأسها وردد هذا يبعد عن أفكارها السوء ، في حين صعد الكل وبقت هى بمكانها تتمسك بأسفل معدتها بإنهاكٍ وان كان في الخارج تجمع من المارة فقط اختفى، شعر بالقلق فرفعت "نيروز", رأسها بأعين لامعة تخبره:



_" مش قادرة ، مش قادرة أمشي يا غسان ، أعصابي مش فيا "



طالعها "غسان" بقلقٍ وسحب مقعد سريعاً حتى جلست عليه بفعل حركته ، والتقط زجاجة المياة يمسح وجهها برفقٍ فأخذت أنفاسها بالتدريج ودلك هو ساقيها بحنوٍ مع كفيها  وقدميها ليغمرهما الدفء من جديد ، تعلقت عينيها بعينيه إلى أن شعرت بالتحسن وقبل أن ينحنى للإستعداد في حملها فرفضت هذا بإبتسامة هادئة شاحبة :



_'' خـ ..خـلاص!"



استجمعت قواها ونهضت ، فاعتدل ينظر بتمعن ووجدها تشير له بأنها قادرة ، خرجت بمساندته وأغلق المحل رغم فسخ الباب  وتركه في فوضى هكذا ، وعند مدخل العمارة حاول أن  يحثها في ان توافقه ليحملها برضا ولكنها أشارت له على المصعد فدخلا الإثنان كي يصعدا ناحية الطابق الثالث!!



الطابق الثالث الذي كان به في شقة ", عايدة" جلوس "حازم" برفقة ",جميلة", التي كانت تدواى جروح "حسن" الذي كان معهم بنصف تركيز فقط ومعهم "أسماء", التي  تداوى جروحها "منة" ، وفي الخارج أسند "شادي" ",دلال", ناحية شقتها بعدما رحل "حامد" مع "وسام", ناصحاً "بسام", بإبعاد "فرح" عن المكان وارتداء الملابس  للرحيل من هنا بعداً عن الضغط..



قررت "سمية", الرحيل ناحية شقتها مع ",فاطمة", وصغارها لتبعدهم عن هذه المشاهد ، وانتظرت على أحر من الجمر  صعود "نيروز", هى و",وردة"و"ياسمين"* التي دخلت من الباب الٱن بعدما تركت "حازم" مؤقتاً للإطمئنان على عائلتها ، كمان كانت"فريدة" تجلس في إحدي غرف شقة "عايدة " بعداً عن كل هذا كما نصحها الطبيب بعدم محاصرة نفسها أمام شئ لا ترغبه شئ يزيد من حدتها النفسية  وعلم "ٱدم", هذا فرافقها  وخرجت برفقته من مرحاض الغرفة بعدما توضأت وحثها كي تطمئن :



_" صلي..صلي  يلا يا فريدة وشيلي من دماغك أي حاجة!"



وافقت وبعدت عن عقلها كل شئ بالصلاة وهو معه رافضاً تركها كي لا تفعل شئ غير متوقع  فـ هو إلى الٱن لا يثق بتهورها الذي يخرج بدون إرادة منها!!




        
          
                
____________________



خرجت من المصعد برفقته ومن ركض عليها خارج الشقة كانت شقيقتيها  ووقوف "فاطمة", في الخلف بقلق عليه وعليها ، عانقتها "ياسمين"و",وردة" ودخلت فوجدت "سمية", تمسك كفيها بخوف وسحبتها لتجلس ، فجلست أمام أنظاره وهو يطلب من " وردة" :



_" هاتيلها كوباية عصير لمون تهدي  أعصابها يا وردة معلش!"



وافقت بلهفة وهي تهرول ناحية المطبخ تاركة الصغير يتعلق بساق"غسان" فابتسم وهو ينحني وحمله ملقياً أي كبت للآنفعال خلف ظهره واقترب منها سانداً على قدميه أمامها وقَرّب الصغير أمام الأنظار فقبلها "يامن" من وجنتيها ،ضحكت "فاطمة" عليه ، كما ابتسمت "نيروز"و"سمية" و", ياسمين" التي  نظرت اتجاه "غسان", بعقل يُندمها كما تراجع "سمية" عقلها خلسة، بينما تعلقت عينيه مع عينيها وجاءت"وردة" فحمل "غسان" الكوب وقربه من فمها لتتجرع منه ، تجرعت منه على مهلٍ وتمسكت بخوفٍ في ملابسها ناحية معدتها كانت تهاب كانت تخاف الانهيار ، هابت وخافت عليهما ، إلى متى ستظل خطراً عليهما هكذا ؟ هل هذا سيكون السبب في تقبل العلاج فيما بعد؟؟



نهض وشعر بالحرج ما ان أعطاه لـ "وردة" الذي يحترمها ،. كان على عقله يعطيه بفظاظةٍ لـ "ياسمين" ولكنه رأي أنه ليس وقته ولكن ما هو غير متوقع أن "ياسمين" قاطعت طريقه وهتفت  بهدوء:



_" عنك هوديها أنا "



اخذتها منه في حين عاد هو فوجدها تبتسم وبعد البسمة ضحكة مع "يامن" والصغار الذين خرجوا لها بواسطة ", فاطمة"، تلاقت عينيه معها وقبل ان يردد بشئ وجد الاتصالات والرسائل يبدو أن "بسام" يطلبه و"شادي" ووالدته والكل قَلِق عليه الٱن!! ، كان حينها قد انحنى ينظر باهتمام وقبّل "يامن", على مقربة منها فوجدت الإتصال الأخر من والدته بالمسمى التي فهمته منه ، فتفهمت الأمر وقالت :



_" روح طمنهم عليك ، أنا بقيت كويسة خلاص متقلقش"



قبل أن يجيب بأي رفض هادئ وجد "حامد" على أعتاب الباب يدخل وابتسم باتساع لـ "نيروز" التي نهضت له خصيصاً وعانقته بحبٍ وقال يحاول بعدها عن هذا المكان  من الضغط خوفاً عليها:



_" متخافيش يا حبيبتي ، متوتريش نفسك ونفسيتك عشانك وعشان حبايب جدهم"..



جملة "والده" أثرت به وهو يقف يتابع وترقبت حواسه ما أن هتف من جديد موزعاً أنظاره عليها:



_" انتِ مش هتروحي فرح صفا صاحبتك ولا ايه؟"



_"كنت هروح بس مش عارفة دلوقتي شكلي مش هروح لإن ياسمين كانت هتيجي معايا  و أكيد مش هتقدر تسببت حازم كدة!"




        
          
                
قالتها ببحة صوت ففهمت "سمية" ما تفعله لذا رددت سريعاً توافق أفكاره في حين كانت قد اختفت "ياسمين" من الانظار مما يعني ذهابها لرؤية زوجها وهي توزع السير بين الشقتين للإطمئنان عليه وعليهن :



_"لا يا حببتي سيبك من ياسمين ، خشي البسي انتِ وأنا هاجي معاكي ، أهو تفكي عن نفسك  وتشوفي الدنيا "



خافت عليها لتنحصر بعد هذا الخوف التي كانت هى به قبل قليل ،. ترددت عينيها فقال "حامد " مؤيداً :



_"صح ، وخليكي يا مدام سمية متتعبيش نفسك، فرح راحة وبسام كمان تروح معاهم عادي!"



لمَ لم يردد "غسان" ولمَ يقرر والده لزوجته وهو يقف هكذا ؟ ، شعر بأن والده يفعل هذا كي لا يتواجه مع "سمية" بطريقة أخرى الٱن بين هذه العقبات ،وافقت "نيروز", بعدما وجدت التشجيع منهن ،  نظرت ناحيته بوداع قبل ان تدخل المرحاض ، بينما هو مد ذراعه لـ ",حامد" الذي,  التفت وهو يحث ",فاطمة", لتأتي هناك في شقته هي والصغار  وانسحب "غسان" ناحية عائلته وشقة والده ليطمئنهم ويرتدي ملابسه هو الآخر..



خرجت "نيروز" بعد دقائق من المرحاض بعدما استجمعت قواها أكثر وعندما دخلت الغرفة  خرجت مجدداً في وجود انتظار "وردة", ووالدتها لتراها بالملابس فقوسا حاجبيهما بغرابةٍ متساءلين معاً :



_" ملبستيش ليه؟"



ارتبكت نظرات "نيروز" ووضحت :



_" لبس الخروج ده فوق والدريسات كمان ، أنا مش هعرف أروح الفرح بلبس حد من هنا"



فسألتها "وردة", بمساعدةٍ :



_"طب لو معاكي المفتاح نطلع نجيب  حاجة تلبسيها مش مشكلة "



بالفعل المفتاح بين يديها فرأته "والدتها" و"وردة", فعدلت "نيروز". حجابها واخبرتهما وهي تسير ناحية الباب :



_" ما أنا هطلع ، طالعه اهو "



_" استني أختك هتيجي معاكي"



انحنت "وردة" تحمل  "يامن", عندما جاء لها بلعبة مكسورة  وهو على مشارف البكاء فراضته بتيهةٍ وهي وتنظر ناحية"نيروز" واضافت بتضامن مع قول "والدتها ":



_" أيوة استني عشان أساعدك تلبسي بالمرة"



رفضت هذا وهي تبتسم على "يامن", وقالت وهي تفتح الباب :



_" لا خليكي انتي شوفي يامن، متقلقوش ، هجيب اللي هلبسه وهرجع علطول!"



أغلقت الباب فعادت شقيقتها تحاول ارضاء الصغير بضيق فضحكت"سمية ", بخفةٍ ناهيك عن حزنها لما يحدث وما قصدت تبتعد عنه هي وعائلتها خوفاً عليها وعلى قلبها الذي يتأثر بتعبٍ ، بينما خرجت "نيروز", تنتظر المصعد وحاولت تحاشي النظر ناحية شقة "عايدة ", ومن فكرة وجود"حسن", ومن كل ما حدث ، لا تعلم بأنها ستستطيع النسيان بالفعل ولكن ليس من تلقاء نفسها ، بل  هو ما سينسيها هذا بعد زوال العقبات التي كانت تقف تُرى ماذا بعد, ما المُنتظر بعد كل هذا ؟




        
          
                
______________________



_"بس ايه النشاط ده كله ،  كنت فاكرك هتقولي استنى شوية!"



شاكسه "بسام" بخبث بعدما علم أن "نيروز" قادمة ، قلب "غسان" عينيه ونهض يفتح الخزانة بعدما غسل وجهه ويديه وخرج من المرحاض بالمنشفة :



_" خف شوية"



التقط حنقه لأنه كُشف ، فضحك "شادي". عالياً من الخارج وهو يردد بصوتٍ عالٍ لها:.



_". طب والله  فستان عسل  وطويل ومحترم"



_", انت قصدك ان أنا مش محترمة ؟."



سألته "منة" بهذا فقلب عينيه  بنفاذ صبر وقبل أن ينقذ نفسه أنقذه "غسان" بضيق من  شجارهما الدائم :



_", بقولك ايه يا شادي ، خد مراتك واسبق بعربيتك وأحنا وراك"



هتف بها عالياً ، ونظر "حامد", لهما من الخارج  و"شادي" يوافق هذا مشيراً له بالوداع المؤقت فخرجت "منة" معه من باب الشقة ، في حين أخذ يبحث هو في الخزانة عن أي شئ يرتديه وقطع هذا دخول "دلال" بكوب مشروبه المفضل اعتقاداً انه يشعر بالهبوط من ما حدث ، الوضع مضحك إذن ، وقبل أن تردد له بأخذه التقطه "بسام" وتجرع من  على الفور بغيظٍ 



وكل منهم يشعر بالفرحة بسبب وضوح كل شئ وظهور "غسان" بأن ليس عليه أي حرج أو ذنب ، لم يتعمد أي منهم أن يجادله سوى أن "حامد", قد سأله بضجر وعلم أن رحيلة عن المبني بعيداً عن وجوده و"حسن وسامر", هنا شئ جيد إذن وبمحله :



_" انت  بتدعبس في ايه يبني ؟"



بحث "غسان"  ووضع يديه على رأسه بتعبٍ متحسساً جيبه بضيقٍ وأخبرهم وهو يلقي المنشفة:



_"هطلع اجيب لبسي  وأرجع!"



تركه "بسام" وقال بصوتٍ عالٍ وهو يمسح فمه بمنديل ورقي بطريقة بريئة زائفة متصنعاً الرقة المبالغ  بها :



_" متتأخرش بس!"



ثم نظر ناحية "والدته" تزامناً مع صوت إغلاق باب الشقة خلف "غسان" وهتف بنفس التصنع وهو يرمش بأهدابه في مرح:



_" اthanks Mom"



نظرت له "والدته "بضجرٍ من ما ردده بجهلٍ منها ، فضحك "حامد" بصوتٍ عالٍ ما ان قالت:



_" النبي عربي يخويا"



ثم نظرت دلال" ناحية "زوجها" وهتفت بتساؤلٍ:



_" قال سناكس قال ، ألا هي ايه الـ سناكس دي يا حامد؟؟"



ضحك"حامد" و"بسام" بقوةٍ في حين أجابها "حامد" وهو يجاريها :




        
          
                
_" يعني أكلة خفيفة كدة عالماشي  يا دلال ، سيبك منه وتعالي أما اقولك"



_"هو مش لسه  متعشي ، ده ايه ده يا خويا بطنه مخرومة ولا ايه؟؟؟"



مصممت شفتيها وهي تردد كلماتها هذه فخرجت ضحكات "حامد" عليها وهي تخرج وقابلت هى في طريقها "فرح" التي تجهزت بمساعدة "وسام" والتي لم تستطع الذهاب معهم بسبب المذاكرة ومن جهة أخرى تود تركهما مع بعضهما رغم شعور الغيرة الذي يتملكها ، انبهرت بأناقتها وقبلتها بحبٍ وانتماء ، وخرج "بسام" حينها واضعاً يديه على موضع قلبه متصنعاً التعب وهو يردد :



_" ٱه ، قلبي ، دكتور بسام  جاله هبوط من  كتر حلاوتها"



تعالت الضحكات عليه فإقترب منها وتركه والديه منشغلين ببعضهما ، فتمسك "بسام", بكفها وهي تشعر بالخجل هكذا وإقترب يردد بابتسامة عذبة :



_" أنا عايز أعرف حاجة واحدة بس ..هو في جمال بعد جمالك ده ؟"



نفت برأسها بغرورٍ فضحك وهو يقبل جبتها برفقٍ وهتف بلينٍ :



_" ربنا يحميكِ ويباركلي فيكِ يا فرح"



ابتسمت ورتبت خصلاته بتنسيقٍ  ، فنظر هو لـ "وسام" الواقفة وغمز لها مردداً بكيدٍ :



_" يلا يا سنجل يا فقيرة يا ثانوية عامة!"



قهقت "فرح" عالياً كما ضحكت "وسام" بقوةٍ فآقتربت منهما وعنفته بنظراتها تهدده :



_" والله ؟، يعني هي بقت كدة ؟"



نفي "بسام" برأسه ورفع ذراعيه يضمها كما ضم بالذراع الٱخر ", فرح" في حبٍ واحتواء ، وعقب هذا اعتدل الإثنان مستعدين للخروج  ولانتظار "غسان"  أمام الشقق في الخارج بعد أن يخبرا "عز"و"والدته", انهما سيرحلا!!!



____________________



قبل قليل وضع "غسان", المفتاح في الباب ودخل حتى أغلقه خلفه ، وحينها انتفضت "نيروز", في الداخل وبرقت  عدستيها  بتلقائيةٍ وهي تخمن ، كيف يأتي وهى  قررت الارتداء هنا مباشرة كي تنجز الوقت بعدما خلعت عباءتها وسترتها وحجابها ؟! ، بينما هو اقترب يفتح الباب الذي كان مغلق ولكن ليس بالكامل وما أن دفعه وجدها تنظر بانتظار ، هل  ما رآه صحيح ؟هل هى حقاً  هنا؟؟



ابتلعت "نيروز"  ريقها  بإهتزازٍ فإبتسم هو رغم المفاجأة  وأخبرها وهو يتقدم ناحيتها:



_" أنا كمان جيت عشان ٱخد هدومي والبس!"



علمت أنه سيذهب للمناسبة كيف وهو صديق لها في العمل كما كانت هي صديقة لها من قبل العمل   ، وأضافت هى على قوله بعدما سقطت "الشماعة" من يديها قبل ان تستطع التحكم في مسكها من مفاجأة قدومه :




        
          
                
_" وأنا "



تعلقت الأعين بحديثٍ مكشوف وخُفقت القلوب وتركها هى من تبدأ الحديث رغم أنه يود أ ن يُنهي كل هذا بينهما فسألها  بعدما فتح خزانته :



_"بقيتي أحسن ؟"



أخرج ثياب ووضعها على المقعد كما انتشل ما وقع منها على الأرض قبل أن تنحنى وعندما اعتدل يضعه بجانب ثيابه باغتته هى بأقوالها المندفعة بهدوء شديد وأعين لامعة بتأثرٍ :



_" كنت تحكيلي أنا كنت ممكن أفهم كل حاجة وأقدر من غير ما تضغط نفسك كده  ومن غير ما تطلع نفسك وحش في نظرهم!"



تلمس "غسان" وجهها يلحق الدموع قبل أن تهبط ولكنها هبطت فمسحها بكفه الحاني وخرجت نبرته بلينٍ وهو يبتسم :



_" كفاية اني مش وحش في نظرِك انتِ "



_" دا مش كفاية عندي ، أنا ببقى عايزة أقول لكل الناس ان انت مفيش زيك وانك مش وحش ولا حتى خاين!"



أثر به قولها فرفع كفها يقبل باطنه برفقٍ وسقطت دمعتها الثانية وظهر أسفها في كل شئ ، كل شئ  كانت قد اقترفته بحق ذاتها  وحقه ، كل ألم تسببت به لنفسها وله ، كل وجع طال الاثنان معاً :



_" أنا عارفة إن كلمة آسفة قليلة عليك أوي ، بس ٱنا آسفة ، آسفة أووي  من كل حاجة وحشة حسيت وبتحس بيها سواء كانت بسببي أو بسبب غيري"



ابتلع"غسان" ريقه بتخبط من كلماتها العميقة وأردف رداً على كلماتها الأولى:



_"أنا ممكن مقبلش الأسف من أي حد في الدنيا إلا انتِ يا نيروز ، هى دي كانت الكلمة اللي كنت عاوزها في الأول تبرد نار قلبي وترد كرامتي اللي وقعت في عيني قدام نفسي، بس أنا عايز ننسى كل ده ، ننسى اللي فات واللي حصل واللي بيحصل!'



سكنت هى بعجز عن قول الكثير ، ولكنها سألته بأعين ضعيفة  متساءلة بها بشفقةٍ :



_" هو اللي حصل النهاردة ده بجد؟؛ أسماء فعلاً عملت كدة ؟ عشان كدة مكنتش عارف تتكلم؟"



لم يؤكد ولم يرفض وقف هكذا إلى أن بادرت بأخذه هو بين ذراعيها الحانيتين ودفعت رأسه بحنوٍ ليستند على كتفيها وهتفت بتحشرجٍ :



_"انت عارف ان كان ممكن يحصلك حاجة النهاردة ؟ أنا خوفت أوي ،. خوفت تتأذى قبل ما خوفت برضه تضيع نفسك ، خوفت تسيبني ، مكانش قدامي غير الخوف وصورتك وانت بدمك في حضني مراحتش طول ما أنا واقفة ، ومرواحك للمستشفى وتعبي في بُعدك في كام ساعة بس ، هو قلبك بيطاوعك تعرض نفسك للخطر إزاي ؟ محستش ان في وراك تلاتة من غيرك مش هيقدروا ؟"




        
          
                
هل قصدت نفسها وتوأمها؟، لمعت عينيها وسقطت الدموع ،  أولاً كانت تهاجم بلوم مندفع الٱن ذهب الإندفاع هباء قبال هذا الاحتواء وهو الذي كان بين أحضانها بإحتياج لهذه الراحة والتي لم يحصل عليها بمثل هذا القبول والرضا  منذ فترة كبيرة!! ، أخذ "غسان", أنفاسه بعمقٍ فأخرجته تنظر له بانتظار للرد ولكنه نظر نحو عدستيها اللامعة ووضع كفه على معدتها ناظراً لها بأسفٍ لم يخرج ، ولكنها هى من ابتلعت ريقها ومدت ذراعها تتحسس جرح رأسه وواصلت:



_" ده  انت حتى راسك لسه مرجعتش زي الأول ، ليه كدة ؟"



_"عشانِك ، عملت كل ده عشانِك انتِ في الأول ،  نار قلبي متطفتش في كل مرة كنت  بسيب الحق ، حتى المرادي مخدتوش كله وسيبته مضطر زي ما ببقى مضطر أحاول و اتصرف وبعد كده بضطر برضه أتنازل ، بس أنا مقدرتش أتنازل لما سمعت أنهم عايزين حسن يتجوزك  بعد طلاقنا "



ولأول مرة يظهر ضعفه بهذا الشكل أمام عدستيها التي تتابعه بتأثرٍ  عندما سألها بتعلق:



_"هو ينفع انتِ تكوني لغيري ؟"



ورغم صدمتها ولكنها رفضت بضعفٍ وردها على سؤاله كان بالرفض ، مسحت وجهها وحاولت أخذ أنفاسها وهو يشملها بنظراته وردت بصدقٍ شديد تصارحه :



_" أنا عمري ما كنت هقبل أكون لحد غير ليك، الوحيد اللي قررت أكون ليه بعد ما بعدنا كان اللي في بطني ، ساعتها عرفت انهم اتنين وقولت هعيش ليهم وبس ، بس خوفت ..خوفت أوي أكون السبب في انهم يحسوا انهم من غير أب ، احساس وحش قريب للإحساس اللي بحسه ومراحش غير بوجودك ، وعرفت وقتها ان أنا محتاجاك قبلهم حتىٰ!"



_"وأنا مش شايف  حاجة غيركم ، لما اتجوزتك كنت خلاص بعرف انك عقلتيني وهتخليني مسئول ولما بقيتي حامل أقصى أمنية كانت ان أنا أعيش في بيت دافي يتبني واحدة واحدة  ووسط أسرة مكنتش أتخيل في يوم إني هعملها بعد كل ده ، بس حتى الظروف وقفت بينا وضيعت مني شغفي وأحلامي"



تعلقت عينيها بعينيه وهتفت في صدق وهي تتشبت بكفه تثبت له :



_" بس أنا هنا ، أنا معاك ورجعتلك تاني ، خلينا نحلم  ونتمنى ونستنى تاني وننسى كل ده!"



فخرجت ابتسامة صغيرة له بعد كل هذا التعب ما أن هتف هو  مؤكداً متشبتاً بكفها هو الٱخر:



_"دا كان كفاية عندي وكل حاجة بترجعلي تاني  بشغف عشان زي ما قولتلك ، نيروز بتيجي وبتجيب الشغف معاها و كفاية انك عرفتي كل  حاجة، كفاية اني ارتاحت وانتِ كمان عقلك ارتاح"




        
          
                
ابتسمت له بإهتزاز وهو يعانقها مجدداً  ومن ثم كانت قد التقطت ثيابها  وتمسكت بهما تزامناً مع خلعه لسترته بإنهاكٍ سقط منها قطعة ملابس مجدداً ربما كان رُباط خصر الفستان الذي التقطه وقاطع دخولها المرحاض وقوفه أمامها بعدما  توجه يعطيه لها مردداً بعينيه التي لا تفارق عينيها :



_" وقع منك"



اقترب هو أكثر فرجعت إلى الخلف تضع له مساحة يقف بها ولكنه كان يستدعي العبث في هذه اللحظة ، فسقطت منها جميع الملابس ووقف هو قبالها مبتسماً بعذوبة وسأل بمراوغة :



_"هو ممكن تيجي تحضنيني تاني؟"



توقف مكانه هذه المرة منتظراً نظرت نحو ثيابها ونحو هاتفه الذي كان قد وضعه على الطاولة بجانب الفراش ، يضئ برسائل الٱن ، ولكنه لم يلق بالاً له ووقف ينتظرها تأتي ، ولكن هى من سألت نفسها هل سترفض ويأتي هو أم تأتي هى وتقطع تحديه ولعبه بتوترها ! ، فهم تخبطها بخبثٍ منها فتقدم هو وقال قوله الذي قاله من قبل:



_" وماله ، هسهل عليكِ الرد وهاجي أنا"



اتسعت عينيها ما أن وجدت نفسها تُضم منه ممراً يديه على كتفيها بخصلاتها وظهرها ، إقترب يقبل وجنتيها وقبل أن يكون على وشك تقبيلها مرة أخرى تصاعد صوت الهاتف وعلم أنه "بسام", فهتفت هى تنبهه :



_"  تليفونك بيرن"



_"مش مهم"



ابتسم مع رده ببساطةٍ فإعتدلت تنظر له بلمحة من التوتر استشفها ما أن اقترب ونبهته ولكنه لم يستمع بل سألها هامساً وأنفاسه تلفح بشرتها :



_"  عاوز  أقولك حاجة "



ثم اعتدل ينظر بعبثٍ وأخذ أنفاسه ما أن سألته بإستفسارٍ وفضول :



_", ايه ؟"



ابتسم "غسان" ناظراً ناحيتها وأرجع خصلاتها ناحية الخلف مردداً ولم تستطع هى كشف العبث المخفي ٱنذاك :



_"دلوقتي هعلمك"



قوست"نيروز" حاجبيها بإستفهامٍ غريب وابتلعت ريقها وصعدت بعدستيها تطالع عدستيه متساءلة:



_" تعلمني ايه مش فاهمة؟"



ابتسم "غسان" بتسليةٍ وسحبها ناحيته نابساً بنبرةٍ هامسة جوار أذنها :



_" هعلمك  حركة غامضة بحبها أوي "



ضحكت بخفةٍ على طريقته وسألته بإستفسارٍ وهي تطالع عدستيه:




        
          
                
_" ايه هىٰ؟"



ظهرت بسمته اللينة على شفتيه وابتلع ريقه متنهداً وهتف بلينٍ  مطالعاً عسليتيها ببنيتيه الداكنتين :



_"هنختفي ومش هنرد على حد لمدة محدش يعرفها غيري أنا وانتِ واللي خالقنا "



ابتسمت بخفةٍ واهتزت نظراتها وبعيداً عن الرفض ووجود بوادر القبول أخبرته أن بما توقعت أنه غفل عنه :



_" طب والفـرح"



ضحك "غسان"  بخفةٍ ومشط خصلاتها برفقٍ بواسطة يديه وكرر قوله :



_" مش مهم برضه "



اتسعت ابتسامتها أمام عينيه الشغوفة بها وهو لا يفارق تقاسيمها حتى بعدما إقترب يتلمس جرح كتفيها الظاهر وقبله فضاع الإرتباك قبال سؤاله لها وهو يضع خوفها ورفضها السابق أمامه ، في حين احترم تخبطها الذي يراه فـ لذا سأل ولم يمنع سؤاله في الخروج وهو على مقربةٍ وهاب حينها حدوث شئ رغماً عنها فتعي وتنهار!! :



_" موافقة أقرب؟"



ابتسمت بحرجٍ وتعلقت عينيها بعدستيه ما أن حاوطت ظهره تعانقه بعدما حركت رأسها بموافقة :



_" آه"



ابتسمت بحبٍ فبادلها السعادة والقبول ، شعرت به يقترب أكثر وكلما حاولت اخفاء الارتباك يتصاعد حتى أنها هتفت بتقطعٍ بعد القبول تذكر نفسها وتذكره :



_" بس مـاما  مــ..."



قاطع "غسان" هذا القول بإبتسامة عبثية جريئة مثل رده:



_" اللي عارف أمك يقولها "



إنفلتت ضحكتها العالية على قوله ، منذ كثير أفتقد هذه الضحكة النقية ، جلست تستريح وجلس جوارها على الفراش وهى تضحك هكذا ورددت  وهي تنظر له:



_" مفيش فايدة فيك ، لسه قليل الأدب زي ما انت ومش هتتغير"



ارجع خصلة من شعرها خلف أذنها وضحك بصوتٍ عالٍ ومال يشاكسها :



_"طب مش عايزة تعرفي بالمرة الست قالت اية؟"



ابتسمت تستند برأسها على كتفيه وهتفت بنبرةٍ عميقة :



_" أنا وحشتني الست وكلام الست واللي بيثبتني بكلام الست"



فرفعت عسليتيها تطلب الرد منه وهي تنظر لعينيه ورأسه العالية عنها :



_"قولي قالتلك تقولي ايـه!"



أخفض "غسان" رأسه يهمس جوار أذنيها بلينٍ لم تعهده قبل فترة طويلة  ،لين تعلم أن ما بعده هو الإستسلام لمشاعرهما هما الإثنان :




        
          
                
_"والمساءُ الَذي تَهادىٰ إلينَا ، ثُم أَصغىٰ والحُبُ فِى مُقلتَيّنَا ، لِسؤالٍ عَن الهَوىٰ وجَواب وحديِث يذوبُ فى شَفَتينا قد أطَال الوُقُوف حِين دعاني ليلمّ الأشواقِ عَن أجفاني فأدن مني وخُد إليكَ حَنانِي ثُم أغمِض عَينَيكَ حتَىٰ تَرانِي ، وليَكن لَيّلنا طويلاً فَكثير اللقاء كانَ قليلاً!.."



همس هو بهذه الكلمات وكأنه يقصد بالفعل كل حرف أردفه هل قصد هذا المساء وهم به معاً الٱن من جديد؟:



_" ثبتني يا بن البدري !"



ابتسم "غسان" بهدوء قبال هذه الجملة ، لم يستمع إليها منذ كثير ، ولكنه بادلها جملتها بكلمة أخرى صادقة ظهر بها الشوق والإشتياق الذي لا يفارق ظهوره على تقاسيمه أمام عسليتيها :



_"وحشتــيــني!"



ابتلعت "نيروز" ريقها بالتدريج واحتضنت عينيها عينيه ولم يفارق أي منهما تقاسيم الٱخر حتى بعدما هتفت تجيبه بصدق نابع من فؤادها له :



_"و انت كمان وحشتني أوي!"



اقترب وكان على وشك تقبيلها ..يتراقص قلبه كلما  تعطيه القبول ، لذا لبت النداء وأوفت بقول القبول حتى رُفعت راية الاستسلام تحت مُسمى الحب والرفق منه ، عادت تعهد منه كل شئ حاني عليها وعلى قلبها برفقه وحرصه ولينه وحنوه، وتُرك هاتفه في الخلفية يُدَق والكلمات  الخاصة بالأغنية تكمل نفسها بعدما أرضى مشاعره الثائرة بحبها وشغفه ناحيتها كما كانت هىٰ ..



-«فتعال احبك الآن اكثر
ياحبيبي طاب الهوى ماعلينا
لو حملنا الايام فى راحتينا
صدفه اهدت الوجود الينا
واتاحت لقاءنا فالتقينا
فى بحار تئن فيها الرياح
ضاع فيها المجداف والملاح
كم اذل الفراق منا لقاء
كل ليل اذا التقينا صباح
ياحبيب قدّ طال فيه سهادي
وغريب مسافر بفؤادي
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر
فتعال احبك الآن اكثر
سهر الشوق فى العيون الجميلة
حلم آثر الهوى ان يطيله
وحديث فى الحب ان لم نقله
اوشك الصمت حولنا ان يقوله
ياحبيبي وانت خمري وكأسي
ومنى خاطري وبهجه انسي
فيك صمتي وفيك نطقي وهمسي
وغدي فى هواك يسبق امسي
هل فى ليلتي خيال الندامى
والنواسي عانق الخياما
وتساقوا من خاطر الاحلام
واحبو واسكروا الاياما...»




        
          
                
ضاع كل شئ وعاد مجدداً ، ما يربطهما حبل وصال عُقد عقدة ليست سهلة التراخى فكيف الفرار من الوِصال وعقدته وحبله ؟، غمرتهما السعادة والسكينة من جديد مع المودة والرحمة وعاد بينما ما كان يتمناه منذ الفراق ، عاد ما كان يتمناه في آخر خطاب أيضاً وتحققت أمنيته الذي أرسلها لها كتابةً في خطابه اليوم : " عودة الوصال" من جديد!!!



_____________________



_« مبيردش ، معرفش  ايه كل ده ،  دا احنا اتأخرنا وهو ولا هنا!»



رددها "بسام" بحنقٍ وهو يحاول مراراً وتكراراً ، في حين وقف "بدر" معهم في الخارج حاملاً الصغير يفكر بشرود ، ٱخر ما يعلمه هو صعود "نيروز"،  من زوجته ، تلمست "فرح" ذراع "بسام" وحثته قائلة :



_", طب انت ممكن تطلع تشوفه !"



حرك رأسه ايجاباً كان سيفعل هذا ، ولكن من خرجت من شقة "سمية", بجوار ",والدتها" كانت "وردة" التي تساءلت بإستفهامٍ :



_"مشوفتوش نيروز ، هي لسه منزلتش؟؟"



توقف "بسام" عن طلب المصعد عند هذا القول وأغمض عينيه واستطاع ربط الأمور ببعضها فتراجع عن  الصعود ووقف ينظر لـ "بدر"الذي فهم هو الٱخر ، فأمسك "بسام"ذراع "فرح" وأخرج مفتاح السيارة من جيبه فقد كان معه وأخبرها بعجالةٍ :



_"طب  تعالي يلا  نسبق احنا"



_" استني بس طب وغسان .. ونيروز اللي بتقول هتيجي!"



سحبها معه ناحية الأسفل أمام الضحكات وقال بلهفةٍ وهو يهبط متناسياً الهبوط بالمصعد :



_" هقولك بعدين ، بس يلا بس !"



تحركت الأنظار بعد اختفاءهما ،  في حين كانت قد ودعتهم "جميلة", بعدما انتهت لترحل مع "عز" ووالدته  كما رحل "ٱدم" مع ", فريدة", خوفاً من الجلوس أكثر على حالة "فريدة" ورحلت معه بالطبع شقيقته وصغارها ..



_"  خد أكله يا بدر  على ما اطلع أشوف نيروز إتأخرت ليه!"



اندفعت بقول هذا دون تفكير  بينما توقفت "سُمية", ببوادر فهم عن ما يجري دون ان تنتبه ، رفع "بدر" ذراعه يوقفها وأخبرهما بصوتٍ هادئ :



_" خليكي يا وردة ، هي مع غسان  فوق، سيبيهم مع بعض لعله خير!"



تفهمت سريعاً وأخذت أنفاسها بفرحةٍ من هذا فحملت منه صغيرها  ودخلت ، بينما هو وقف ينتظر دخول "سمية" أولاً أخرجها  هو من شرودها وتوترها بقوله الهادئ :



_"أظن كل حاجة واضحة زي الشمس يا حماتي ، ملوش لازوم نفتح الكلام تاني ، سيبيهم بقا الله يصلح حالهم!"



وافقت برأسها وخرجت أنفاسها ببطئٍ وهي تدخل في حين دخل هو فوجد "يامن" يأكل و"وردة", تلبسه الحذاء فهتف يسألها أمام حزن والدتها المخفي برحيلهم:



_" خلصتي يا وردة ؟ هما دول كل الشنط ؟"



ٱكدت برأسها فحملهم وأمسكت هى يد صغيرها ووقفت فلمعت عيني "سمية", بعد هذا التعلق ولكن ما يسعدها أنهم هنا بنفس البلدة وعلى مقربة من هنا :



_" خلي بالك من نفسك ومن "يامن" أكليه كويس وتقلي بليل هناك في برد  عن هنا ، وان مقدرتيش تكملي رص الهدوم سيبيها أنا جاية بكرة أنا وياسمين"



وافقت بأعين لامعة وحملت "يامن" تقدمه لـ "والدتها" بدلاً من أن تنحني فعانقته "سمية ". كما ضمت ابنتها  في هذا العناق ورددت ما ان نزل الصغير يمسك كف والدته:



_" في رعاية الله يحبيبتي ، ابقي طمنيني لما توصلي، لا إله إلا الله!"



_" محمد رسول الله يا ماما ، متنسيش تطمنيني  انتِ كمان على نيروز وحازم "



وافقت برأسها وقبل أن يخرج الصغير توقف ملتفتاً يشير بكفه الصغير ببراءة  ناحية جدته :



_" باي يا تيتة"



ضحكتا الإثنتان عليه وبادلته "سُمية" الوداع بحبٍ  وحماس مماثل لحماس فرحته البريئة بالخروج :



_"باي يا قلب تيتة "



أغلقت باب الشقة خلفهما وهبطا هما لـ "بدر"  الذي سبق بحمل الحقائب ،في حين التفتت"سمية " ونزلت دمعتها بفقد ، فقد كانت الشقة خاوية لم تكن هكذا من قبل ، ما يجعل لها بكاء ودموع في الأعلى ومن يخفف كل هذا مع زوجها في الشقة الأخرى والتي كانت تمرح بمشاكسة دائمة فقدت هذا بتواصل بعدما تزوجت وابتعدت قليلاً ، وفقد ٱخر لإبنتها وفرحتها الأولىٰ وأعقلهن!! ، دخلت تأخذ الدواء وابتلعت ريقها بوجع ففقيدها الأول في كل شئ فحتى  وجعه لم يزول بعد ، كيف وقد كان ومازال هو حبيب أيامها..



على أية حال  مر اليوم بأحداثه وقهره ووجعه وكل شئ ، وبين احتواء والٱخر لم تترك "زينات" " أسماء", واحتوتها كما لم تترك "ياسمين" زوجها "حازم" وباشرت "عايدة" واهتمت بالجميع حتى "حسن" مع ", زينات" التي لم تهمله ،  وٱخرون في الشقة الأخرى إلى الٱن في صدمتهم وتشاركهم الثالثة بصدمة مماثلة بعدما علمت!!



واثنان في الأعلى على ٱخر حال لهما ، تغمرهما الطمأنينة من جديد واجتمعا بعد فراق كبير لم يحدث من قبل بمثل هذه  المدة ، وجمعهما القدر صدفةً في شقتهما كي يعودا كما كانا هما من قبل ، فبدايتهما منذ فترة كانت وجع، فراق، شجار ، حزن، قهر حسرة، ونهايتهما الأخيرة بنهاية اليوم كانا معاً من جديد


تعليقات