رواية عودة الوصال الفصل السادس الاربعون 46 - بقلم سارة ناصر
سعادتهم أمس كانت ليست مُنتظرة ، خاصةً العائلة و "وردة"التي سعدت لقدوم "بدر" المُفاجئ ، وحتى سعادة عائلتها الصغيرة ، سعادتهم كانت من أجل فرحتها الظاهرة على وجهها بقوةٍ ،. رُبما ما خفف عن "نيروز" هى رؤية شقيقتها كذلك! ، حتى "يامن"وضحكاته وسعادته كانت ظاهرة أيضـًا ، بات الصغير في أحضانها ٱمس ، كان بين ذراعي"نيروز", وهى من طلبت هذا بعد أن جلس معه والده بما فيه الكفاية يبث شوقه واشتياقـه ..
لا تُصدق ذاتها على قرارها وكلماتها الخائفة له في أن ببتعد ، بل كانت بين حين والٱخر تفتح خطابه تقرأ ما خطه قلمه لها هىٰ وحدها ، حتى الٱن في ضوء هذا النهار تقرأه مجدداً ، ووقعت دمعتها هذه المرة وهي تُفكر لكثيرٍ
يُعلقها بحروفٍ؟ يكتب كلمات بسيطة لم تكن عليها كذلك؟؟،ما معنى ٱخر كلماته ؟؟ ، مسحت وجهها برفقٍ وهي تفتح الدرج تضعه به حتى أغلقته مجدداً ، قبل ساعات خرج الصغير لوالديه بعدما استيقظ!! ، أما هى فجلست تعيد قراءة ما دونه دون ملل!! ، سمعت صوت "وردة" وهي تنادي عليها من على بُعدٍ :
_"نَـــيـروز"
_" نعم يا وردة جاية أهو!"
ترقبت حواسها ما ان نادت شقيقتها عليها وسرعان ما مسحت عينيها وهي ترد عليها من على بُعدٍ ، عدّلَت "نيروز" حجابها بترتيبٍ وخرجت من الغرفة بخطواتٍ هادئة تنظر حتى وجدت "بدر" يجلس على مائدة الطعام ومعه "يامن" يُلاعبه ، اقتربت تنظر حتى ابتسمت ما ان رفع "بدر" رأسه يبتسم لها وردد حينها بنبرةٍ هادئة لينة :
_" أقعدي يا روز عشان تتغدي يلا!"
هل ستجلس على مائدة الغداء وهو وحده عليها مع صغيره ووردة؟؟ أين البقية؟ ،جلست بصمتٍ إلى أن جلبت "وردة"ٱخر صحن وجلست تبتسم لها بإتساعٍ فسألتها "نيروز" باهتمام:
_" أومال فين ماما يا "وردة "وياسمين وحازم مش هنا ليه؟"
ابتسمت "وردة" بخفةٍ ورفعت رأسها تخبرها ما غفلت هي عنه بسبب استيقاظها المتأخر :
_" ياسمين كانت هنا الصبح ومشت عشان حازم جه من الشغل وهيتغدوا عند طنط عايدة ، وماما انتِ عارفة راحت تشوف موضوع الشغل ده عشان ترجعله تاني!"
حركت رأسها ببطئٍ وسرعان ما رفعت عينيها تبتسم بلطفٍ ما ان بارك لها "بدر" على حملها بتوأم :
_" ألف مبروك يا روز ، شدي حيلك كدة ، ربنا يقومك بالسلامة!"
ابتسمت وفهمت مقصده ، وبدأت في تناول الطعام ، تزامناً مع تناول الصغير بواسطة "بدر" الذي سَعِد قلبه تلقائياً لرجوع هذه اللحظة ، وبدأ هو الحديث بتلقائيةٍ يخبر "وردة" :
_"عايز أخلص وأروح لـ "غسان" ، لحد دلوقتي ميعرفش اني جيت ،وقولتلهم امبارح ميقولوش حاجة ألا ما أروحله أنا!"
غفل هو الٱخر عن طبيعة استيقاظة متأخرًا بسبب المخدر في الدواء لا يعلم من الأساس ما حدث له! ، تلاقت أعين "وردة"مع "نيروز", بتوترٍ ، إلى الٱن لم يخبره أحد بحادثة "غسان"، تركته "وردة" يعلم بمفرده ، وافقت "وردة" بنظراتها وغيرت مجرىٰ الحديث وهي تسأله بإهتمامٍ :
_"هى فاطمة جاية امته ؟"
_"هتيجي كمان شوية ، عشان تقعد معانا ونروح الخطوبة وكتب الكتاب من هنا مع بعض ان شاء الله!"
حركت رأسها مُبتسمة واستمرت "نيروز" في إكمال الطعام بشرودٍ ، إلى أن نهض "بدر" معلناً الحمد في الاكتفاء من تناول الطعام واقترب يغسل يديه في حين تلاقت أعين "وردة", المتوترة مع "نيروز", التي سألتها بصوتٍ منخفض:
_" هو لسـة ميعرفش؟"
نفت "وردة" برأسها فجاء "بدر" مستعدًا للخروج تجاه شقة "حامد", وانحنى يقبل وجنتي صغيره الذي مازال يأكل وقال مستأذناً بهدوء:
_" أنا ماشي !"
فتح باب الشقة تزامناً مع رد "وردة" المُختَصر عليه ، وما أن رفع رأسه وجدها تحمل أكياس بيديها تستعد للطرق على باب شقة خالتها ، تحاشى النظر اليها بصمتٍ ولاحظت "وردة" تأخيره في غلق الباب ، واتسعت عينيها ما أن استمعت إلى نبرتها المتصنعة بالرقةِ وهي تسأله عن حاله :
_" حمد لله على السلامة يا "بدر" ، عامل ايه؟!"
وقبل أن يُحرك ذراعه يغلق الباب وجد "وردة" تقترب تنظر بتفحصٍ وتصنعت الثبات أمام عينيها وكانت لأول مرة جامدة في الرد عندما ردت هي هذه المرة على "مروة" :
_" كويس طول ما انتِ بعيد عننا ، خليكِ في حالك!"
ابتسمت بإصفرار من ردها وتفحصت بعينيها "نيروز", الواقفة التي ترسل لها نظرات مشتعلة ، رأتها الٱن بعدما تذكرت من بين الحديث والمشاجرة بينها وبين "غسان" أنها من تعمدت أن تدفعها لتسقط ويسقط حملها!!، رفع "بدر" رأسه بغيظٍ ضاغطاً على فكة ما أن رأى استفزازها في نبس الكلمات الٱتية لـ "نيروز":
_"ايه ده ؟!، براحة على نفسك يا "روز" ،أصل يطق لك عرق ولا حاجة من كتر ما انتِ كاتمة في نفسك كدة!"
لم تصمت ٱنذاك بل أخذت تكمل بنفس الإستفزاز:
_" انتِ حامل يا حبيبتي مينفعش اللي بتعمليه ده ، بعدين جوزك يزعـ..."
وضعت "مروة" يديها على فمها بتذكرٍ برئ زائف متصنع وقالت بحزنٍ وارى خلفه الشماتة:
_" يقطعني جوزك ايـه بقى ما خلاص!!، قصدي طليقك !! "
وأضافت قبال تشنج ملامحها وترقب وضيق الأخران :
_" ألا قوليلي هو انتِ ازاي ساكتة كدة من بعد اللي حصل ، بعيدًا عن ان "أسماء" أختي يعني بس لو أنا مكانك هتصرف تصرف تاني خالـص ، ده غير انك يا حبة عيني مُطلقة وانتِ لسه مكملتيش كام شهر جواز على بعضهم ، هو في كدة ؟؟، ده حتى أنا سامعة كلام كدة في العمـ..."
بُتر هذا الحديث عندما هتفت "نيروز" بصوتٍ مرتفع توقف اردافها عن الحديث الذي حتمًا يجرح شئ ما بداخلها:
_" إخــــرسي!!"
_"ايـه؟ كلامي وجعك أوي؟"
هتفت بها "مروة" بنبرةٍ ضاحكة ، في حين حبست "نيروز", الدموع بعينيها وإقترب "بدر" حينها منها تحت نظرات "وردة" الانفعالية ، وهتف بهمسٍ أمام عينيها محذراً بشررٍ :
_" انتِ لو مختفتيش من وشي دلوقتي ، مش هيحصلك كويس!"
تصنعت الخوف بإستفزازٍ ووضعت يديها على قمة صدرها بتمثيلٍ درامي:
_" خَوفّتِني أوي!"
وعقب ترديدها لهذه الكلمات تمايلت تضع كفها على ذراعه وهتفت بنبرةٍ هامسة مثل همسه :
_". مع ان يعني شكلك ميخوفش خالص!"
نفض يديها بتقززٍ وقاوم على عدم رفع يديه على إمرأة في حين اقتربت "وردة" هذه المرة بانفعالٍ من جرأتها ومعها "نيروز" التي تولت الأمر بدلاً عن شقيقتها وهتفت بها بعنفوانٍ وهي تمسك خصلاتها من خلف الحجاب فجأةً :
_"هو انــــتِ يــا بــت مش لاقيــة حد يربيـكي؟؟؟؟"
تركها "بدر" تفعل ما تشاء منتظراً اللحظة الفارقة ، توجعت "مروة " من مسكها كذلك وحاولت دفعها عنها بعنفٍ إلا أن "نيروز" رفعت سِوارها أسفل رقبتها بتشنجٍ وحذرتها للمرة الأخيرة :
_" قسمًا بالله ما هيكفيني موتك سامعة؟؟، تاخدي بعضك وتخشي جوه ، وأنا وأختي مبنتكادش يا رخيـ ـصة ،وحسك عينك ألاقيكي بتتخطي حدودك في الكلام!"
ضغطت على سوارها أكثر وحدجتها بغضبٍ في حين طالع "بدر" ما تفعله بانتظارٍ , منتظراً لحظة انفعالها على "نيروز". كي يتدخل في اللحظة الفارقة حتى يُكتب مجبراً ، طالعتها "نيروز" بتقززٍ ولبستها طباعه هو في الحال عندما تذكرت موقف مشابه لذلك ، ضغطت أكثر تحت جسدها المرتجف وخوف "وردة" وهي تمسك ذراع "نيروز" بقلقٍ من تهورها ، بينما هتفت هى تحثها بنبرةٍ جادة على ما فعلته مع زوج شقيقتها من وقاحة في تخطي حدودها أمام عينيها:
_"إتأسفيلها!"
يُعاد المشهد بإختلاف الأشخاص! ، ابتلعت "مروة" ريقها بجبنٍ وهتفت بأهٍ متوجعة ثم حركت رأسها بخوفٍ ونظرت تردد بتقطعٍ ناحية "وردة":
_" أنا ٱسـ ـفة!"
ثم رددت بسرعة وهي تحاول دفع معدتها بالأكياس التس تتمسك بها بذراعها :
_" إبـعـ.."
قطع فعلتها مسك "بدر" لمعصمها بشدةٍ ضامًا أصابعها فوق بعضها لذا تجمعت الدموع بعينيها وهي تهتف في نبرةٍ مفزوعة:
_" ٱه.، ســـيب إيدي ، إيـــدي ، إبـــعد عنـــي!"
ضغط بعزم ما لديه وضغط أكثر فنزلت دمعتها بوجعٍ وكأنه يٱخذ حقه بذلك، حاولت التملص منه في حين رجعت "نيروز" إلى الخلف بالتدريج مع "وردة" وردد "بدر" حينها وهو يضغط على يديها:
_" ايدك دي وضلوعك كلها هكسرهالك لو اتماديتي تاني ، أنا سكوتي صبر ، ولما يقرب يخلص قولي على نفسك يا رحمان يا رحيم !"
ابتلعت ريقها بخوفٍ تحرك رأسها بطاعةٍ وما فعلته بغلها اعتقدت أنه سيمر بينما في الحين القادم لم ولن سيمر مرار الكِرام!! ،لم تجهل وجهلوا هم؟! ، تمسكت بالأكياس ، وما مر من حوار كان بصوتٍ مرتفع ولكن ليس بصراخ يجعل من بداخل الشقق يترقبون لذا لم يخرج أحدهم إلى الٱن ، أمسكت "وردة " "نيروز" بخوفٍ عليها من ما فعلته من انفعال جعل أعصابها تشتد والصغير في الداخل لم يخرج إلى الٱن ..
_" انتِ كويسة يا نيروز؟ "
سألتها "وردة" بقلقٍ وأكدت الأخرى برأسها رغم تشنج تقاسيمها بالتعب ، فأسندتها برفقٍ تزامناً مع قول "بدر" الهادئ وباب الشقة قد أُغلق الٱن ما ان فتحت"زهور" وأغلقته على الفور بإندفاع ابنتها ناحية الداخل بسرعة..
_" خلي بالك منها يا "وردة" ، ادخلوا يلا "
أومأت وانتظرهما يدخلان الشقة حتى أُغلقت بواسطة كف"نيروز" في حين إعتدل هو كي يرفع يديه يدق جرس شقة عمه , "حامد"!!
_______________________________
«هناك من يرَى الحبَّ حياة، وهناك من يراه كذبة، كلاهما صادق، فالأوَّل التَقى بروحه، والثاني فقدها »-محمود درويش-
بين الإلتقاء بروحه وبين فقدانها كانت الأفكار وكان الشرود ، فقدها ففقد نفسه ،وكأنها سَرقت منه أنفاسه عندما وقعت بين ذراعيه ولم تعيدها له إلى الٱن ، تنفس الصعداء وهو الآن يجلس على مائدة الطعام حيث الغداء ، رمق بطرف عينيه ضحكهم الخفيف وهمساتهم بين الحين والٱخر ، ولم يشارك إلا القليل ، وجد "حامد" يبتسم لهما الٱن ولـ "بسام" الذي هتف بحماسٍ مشاكس لـ "غسان"و"وسام" بالأخص:
_" أنا عايزاكم النهاردة تولعوا الدنيا ، مش عايز نبطل رقص!"
ضحكت "دلال". بخفةٍ وردت أولاً قبل أن يرد عليه أحدهما:
_"ربنا يسعدك يا حبيبي ، بس حاسب يا غسان علي نفسك النهاردة!"
وكأنها تحثه كصغير قادم على أذى لنفسه دون أن ينتبه ، إبتسم يجاريها بقوله الهادئ :
_" متخافيش"
وكأنها أصبحت كلمته المعهودة ، كل شئ يذكره بها ، أخذ "غسان" أنفاسه ببطئٍ ووزع نظراته بينهم حتى سأل "والدته" ما لم يسألها به أمس وتخطاه بإرادته :
_"مقولتليش ليه "نيروز" عملت ايه عند الدكتورة؟"
ترددت عينيها في النظر وترددت نظراتهم هم أيضًا ، حدجها بتمعن وفهمت معنى نظراته فوضحت سريعاً :
_" مقولتلكش اني رايحة عشان انت تعبان واللهِ يا بني بس قولت لما هاجي هقولك ، وكمان سُمـ.."
قاطع "غسان" قولها بسؤاله المتكرر غير راغباً في سماع أي تبريرات:
_" الدكتورة قالتلها ايـه ؟"
رمشت "دلال" بأهدابها بتردد امتزج بتوتر "وسام" وترقب"بسام" ولكن هذه المرة رد "حامد" عليه بثباتٍ مرسلاً له نظرة جادة من مقاطعته لوالدته أثناء الحديث:
_" قالتلها انها كويسة ونفس اللي بتقوله في متابعة عادية، انها تخلي بالها من نفسها وتبطل تحط نفسها تحت ضغط !"
وكأن حديثه الأخير شكل له وجع ، زفر بصوتٍ متوسط في العلو وسأل "والدته" مرة أخرى:
_" المرة الجاية إمته ؟"
لم يتعمد أحد قول خبر حملها بتوأم!! ، ابتلعت "دلال" ريقها بالتدريج وابتسمت تخبره دون تفسير:
_"ٱخر الإسبوع الجاي!"
حرك رأسه موافقًا قولها ، وسمع صوت الجرس ، فنهض هو أولاً يقطع نهوض أي منهم وأشار بكفه مردفًا :
_" خليكم هفتح أنا ،أنا كنت قايم أصلاً !".
تابع سيره بخطواتٍ متوسطة ناحية باب الشقـة ، والذي ما أن تحسس رأسه بوجعٍ مد كفه على الفور يفتح الباب ، فُتح الباب ورفع عينيه حتى وقعت على "بدر" الٱن!! ، صُدمت النظرات ، نظراته هو. بكيف ٱتى؟ وصُدم الٱخر برأسه الملتفة وملامحة المُرهَقة ، حرك "غسان" رأسه بعدم استيعاب والترقب كان في الداخل عندما سأله بتيهة :
_" بدر؟؟؟."
مد "غسان" ذراعه على الفور يعانقه بشوقٍ وهو يبتسم بينما الٱخر دخل في أحضانه يبادله العناق بهدوءٍ على غير العادة ولم يجيب بل خرج يرفع عينيه يسأله بقلقٍ طغى على شوقه وظهرت صدمته بقوله:
_" ايه اللي حصلك يا غسان ؟"
لم يعط فرصة للرد بل أمسك "بدر" ذراعه بلهفةٍ جادة وسأله مجدداً باهتمام:
_"مين عمل فيك كده ؟"
سحبه "غسان" ناحية الداخل فدخل معه "بدر" وجاء "حامد" بعدما غسل يديه هو و"بسام" حتى وجدوه الٱن يجلس وجلس "غسان", بجانبه وسأله حينها بنبرةٍ هادئة :
_" انت جيت ازاي يا "بدر" ومقولتليش ليه ، أنا مش فاهم حاجة!"
تحولت ملامح الٱخر بجديةٍ وعلم مراوغته فإلتفت برأسه ينظر نحوهم وسألهم بلوم:
_" محدش قالي ليه ان حصله كدة ؟؟ ومين اللي اتجرأ وعمل فيه كده ؟ حد يقولي طالما هو هيقعد يتوه فيا !!"
ارتبكت ملامح "دلال" الٱن ، تعلم تمام العلم أنه ساكن ويسكن إلى حين محدد ، إلى حين الأذى ان طال أحد منه ، وهو بمثابة شقيق أولادها الأكبر ، زفر "غسان" بصوتٍ ورد هو الٱخر في جدية يخبره:
_" محصلش حاجة يا "بدر" ، أنا كويس ،و دا حوار كده هبقى اقولك عليه بعدين!"
ضيق "بدر"عينيه بشكٍ ووجهها ناحية من علم أنه سيخبره رغم وقوف "حامد" :
_" ما ترد يا "بسام", ايه اللي حصل ومين اللي عمل فيه كده!"
عاد ينظر ناحية رأس "غسان" ومد يديه يتفقدها بتفحصٍ تأثرت منه "دلال"، بينما ابتلع "بسام" ريقه وأجابه حينها بنبرةٍ هادئة:
_"كانت خناقة بينه وبين" سامر" ، بس ربنا ستر الحمد لله ، وفاق منها وبقا كويس، متخافش!"
نظر بدهشةٍ ونهض بالتدريج ما أن رأى ملامح الٱخر المتعبة عندما تفقد جرح رأسه فأوجعه ، حرك رأسه بتشنجٍ فهاب "حامد" أي رد فعل لذا مد كفه على كتفيه وحثه قائلاً :
_" اقعد يا بدر ، الموضوع دا بقاله شوية ، والدنيا دلوقتي نايمة ، بلاش تقومها من تاني!"
على الرغم من أنه يعلم أن ولده صمته ليس عبثاً ولكنه قرر قول ذلك بشفرة في القول لـ "بدر" كي لا يسحب"غسان" نحو شجار أو عراك ٱخر مجهول ، بينما نبس "غسان" بهدوء عكس الطمأنينة التي بداخل" والده" ، نبس بقلةٍ في القول جعلت الارتباك المخفي سيدهم :
_"متستعجلش يا" بدر" ، قولي بس إنت جيت ازاي ؟."
هل يلعب بالكلمات كي يبث الرهبة في نفوس عائلته ؟ ، ضغط الٱخر على فكه بصبرٍ وأخذ أنفاسه مقرراً قص عليه ٱخر اخبار عمله ،في حين جلس "بسام" يشاركهم ،وساعدت "وسام" والدتها في حمل الأطباق وغسلها في الداخل ، وجلس "حامد" هو الٱخر معهم يشاركهم الحديث الذي يقصه "بدر" بالتفسيرِ ، تم حكم الوضع سريعًا قبل أن يتطور وربما ما يقصه مجهول الآن وفي القادم سوف يصبح معلوم لهم جميعًا ، رُبما شئ مُفرح!! ،وقبل ان بخبرهم "بدر" بٱخر أخباره أكثر ، هتف بقولـه الهادئ:
_" ٱدم جاي في الطريق دلوقتي وأنا قايل لـ حازم يبقى يعدي علينا هنا ، شوية ، عاوزكم بقا في موضوع مهم!"
استغرب "غسان" وعقد "بسام " ما بين حاجبيه في حين رد "حامد" سريعًا عليه :
_" خير يا بني؟"
_" خير ان شاء الله يعمي ،بس اسمعوني كويس فاللي هقوله ده!"
نوى اخبارهم بخطةٍ ما أشبه بقرار سريع ، اما ان تنجح أو تفشل ، ترقبت حواس الكل بقوةٍ خاصةً بعدما أثار فضولهم ، بينما بدأ الٱن في قول ما يريد فعله هو وشقيقه ومتردد لأن الأمر به احتمالية شيئان اما الرفض أو القبول!!!
_____________________________
«حتى لو لم يكن هناك أمل، فمن واجبنا أن نخلقه، بدون الأمل سنضيع.»
- محمود درويش-
رُبما هذا تفكيرها في بعض الأمور بسبب جلستها الأولى أمس!! ، أمل ولكن في أشياء تستحق ، مجازفة بأشياء تركتها دون مواجهة!!
نوت النهوض للذهاب ناحية شقة "والدتها" حاولت التحلي بالشجاعة والمواجهة للمخاوف كما هتف لها بذلك الطبيب أمس ، أغلقت "فريدة" باب شقة "عايدة" خلفها وبعقلها الأفكار تتضارب ، أشياء كثيرة تفكر بها ومن بينها المواجهة والمساعدة! ، ومشاعر البغض والكره تتملك منها تجاه "زهور" وأولادها ، ورغم أنها تتعاطف مع "أسماء" الا أنها لا تقتنع بكل هذا في النهاية ، واغتاظت لأجل "نيروز" حتى نوت التدخل لفهم أي شئ يدور وهو غير مفهوم! ، «سامر»نفسه يسرق أنفاسها ولكنها ستحاول هذه المرة على أن لا يهرب اللص بأنفاسها دون هزيمة ، ليست الهزيمة بالرد بل ستكون الهزيمة في غير المبالاة وعدم التأثر ، هكذا أقنعت نفسها كي تبدأ رحلة علاج صحيحة!!
الٱن لا تعلم لِمَ جاء على عقلها "حسن" شقيقها وسرعان ما هاجم ذاكرتها جرحه لها بالنصل الحاد في لحظة غير وعي ، لم تراه منذ فترة ، كانت تعاهد على كرهه ، ولمرة أخرى تنصت لحديث الطبيب بأن تعطي من حولها الفرصة بعد ان تعطي نفسها ، فرصة ان كان الشخص هذا يُقدر ، هل كل "أخ" يستحق أن يأخذ الفرصة من جديد خاصةً لو كان "حسن"؟! ، هذا ما سألته لنفسها!!
أخذت "فريدة" أنفاسها ببطئٍ ومسحت على وجهها براحةٍ حتى رفعت كفها الٱن تدق جرس الشقة ، وقفت تنتظر بضع دقائق وعلمت أن الخوف يتملكهم ما ان كان شخص من الشقة المقابلة !! ، وضعت هاتفها بمللٍ في جيب سترتها وابتسمت بخبثٍ ما إن سمعت صوت أنفاس من خلف شرفة الباب ، ربما هناك عيون تُراقِب من بالخارج ، ولكنها هتفت بثباتٍ لمن بالداخل :
_"متخافوش ، ده أنا "
قالتها بنبرة ليست هينة ، بل بها من التهديد المبطن ما يكفي ليظهر لمن فتحت الباب للتو ، فُتح لها الباب بواسطة "مروة" التي طالعتها بسكونٍ ونظرة العينين تشرح نفسها بمدى الكره الموجه لها الٱن ، تنفست "فريدة " بهدوءٍ وثبات وطالعتها بتمعن من بداية مسكها للسكين وقطع خضار ما بيديها و"مريلة" المطبخ التي ترتديها ، ابتسمت"فريدة" بتسليةٍ في حين لوت "مروة" شفتيها بتهكمٍ ورحبت بها بسخريةٍ مُردفة بتقطع يستفزها:
_" أهلاً وسهلاً ،ايه ده جاية بنفسك؟؟!"
تحلت "فريدة" بالصبر واقتربت تدخل من الباب وهي تدفعها بكبرياء من كتفيها لتخلو المساحة لها وهتفت بتعالي تجيبها :
_" قصدك جاية بيتي ، ايه مفيش دم خالص؟ ، اوعي كدة!"
دفعتها بعنفٍ مُستفز ، فنظرت لها "مروة" بغيظٍ ، وسارت "فريدة" بتعالي في صالة الشقة إلى أن وجدت "زهور " تهتف من خلفها وهي جالسة على الأريكة:
_" الله الله ، مش خير ؟"
دارت "فريدة" رأسها ببطئٍ وهي تقلب عينيها ورسمت ابتسامة صفراء مع ردها الذي امتزج به البرود:
_" وهيجي منين الخير طول ما انتم لسه هنا!"
_"قولي خير ايه بس اللي هيدخل بيتكم وانتِ ماشية على حل شعرك مع البيه!"
كانت هذه كلمات "مروة" التي ضحكت عليها "زهور" بخفةٍ تستفزها ، فأخذت "فريدة" نفسًا عميقا واقتربت من" مروة " تبتسم لها ورددت تجيبها بثباتٍ :
_" طب بس يا رخيصة "
انفعلت تعابير وجه "مروة" من تقطع الأخرى في سبها فإندفعت ترد لها سبتها قائلة :
_" انتِ اللي رخيصة وستين ألف رخيصة ، فوقي يا بنت دا انتِ خلاص مبقتيش نافعة ، شبكتك طارت ياعين أمك واللي انتِ مسكالي فيه ده بكرة يعايرك ويرميكي زي الكلبة ويقولك أنا خلاص مش عايزك !"
هذه الكلمات بمثابة سهام تصفع صفحة فؤادها الهش ، ولكنها هكذا مهما حدث ضعف من الداخل فتظهر الثبات والقوة! ، احياناً يكون هذا أكبر خطأ ، ضمت"فريدة" كفها قبال ابتسامتها المتسلية وضحك الأخرى على الكلمات وهي تؤيد ، في حين رفعت "فريدة" عينيها وهتف في جراءة وهي تقترب:
_"انتِ يا بت ناسية انك عانس وموقفة حياتك على واحد متجوز ، بلاش دي ، هقولك ..عارفة اللي بترمي نفسها زي الكلبة على راجل متجوز الرجالة بتقول عليها ايه ؟ ولا بلاش الرجالة تعالي أقولك في ودنك بيتقال عليكي ايه عشان دي حاجة مش ولا بُد!"
ضحكت "مروة" هذه المرة بإستفزاز. وتمايلت تجيبها بنفس الوقاحة:
_" وانتِ مال أهلك بالرجالة واللي بيقولوه "
تلميح مبطن ٱخر بالوقاحة فهمته الأخرى وصمتت تبتسم وهي تتمايل عليها مندفعة بردها الحاد :
_"أصل عندي منهم ، لكن انتِ متعرفيش يعني ايه نص راجل حتى!"
نهضت"زهور" بغيظٍ واقتربت تحذرها :
_" بت انتِ احترمي نفسك ، ايه ؟ هتقارني نفسك انتِ وأهلك بولادي؟؟ دا انتِ حتة حاجة كدة لا راحت ولا جت وجيبالنا الكلام بصياعتك ، اوعي يا بت تفكري نفسك حاجة ،. دا انتِ اللي زيك بعد عملتها السودة دي بنروح ندفنها حية!"
_"لا فوقيلي انتِ..أنا وأخواتي وأمي جزمة وتتحط فوق دماغكم كلكم هنا واحد واحد ، وابنك اللي انتِ محموقة عليه ده محصلش تُمن راجل في سوق الرجالة ، بلاش اقولك بنقول عليه ايه يا خالتي ، اما أنا بقا فأنا لحد دلوقتي بإيدي ابعتر كرامة كل واحدة فيكم على الأرض هنا "
واضافت قبال انفعالهم هذا من كلماتها :
_"ميدخلش عليكم اني هعيط واشكي وابكي ، ولا يفرق معايا أي حد هنا حتى انتِ ، اصل بصي.. تربية زينات وسليم هتستني مني إيه ؟؟!"
دفعت "فريدة" هذه الكلمات بحدةٍ عليهم واعتدلت في وقفتها ووضعت يديها سريعاً على أنفها بتقززٍ زائف وهتفت بنبرة تغيرت أثر وضع يديها على وجهها :
_" ده ايه القرف ده ، الشقة بقت ريحتها منتنة من ساعة ما انتم جيتوا فيها, مش هتمشوا بقا ؟؟"
اندفعت "زهور" بإنفعال من وقاحتها معها وهتفت بنبرةٍ عالية جعلت "زينات " تخرج من الغرفة أثر صوتها العالي مهرولة :
_" اللـــي بتعمــليـــه ده أخرته وحشة يا بنت زينات ، متفتحــيش صدرك أوي كدة عشــان متزعليش في الٱخــر ولا ناسية ٱخر مرة كنتي هتعملي ايه في نفــسـك!"
هل تذكرها بمحاولتها التي فشلت في الإنتحار؟ ، تحرك جسد "فريدة" من أثر الضحك الساخر وحركت رأسها تؤكد بإستفزاز:
_" هنسى ازاي بس.. إن ابنك معرفش يطولني ولحد دلوقتي بيتحسر على كده!"
تعمدت الغرور لتذكرهم بما كانوا يريدوه والٱن تتبدل الكلمات ؟ ، فتحت "زينات " عينيها على وسعها من هذه الطريقة التي تثير من انفعالهن ، وهرولت تقف بجانب ابنتها تزامناً مع رد "فريدة" الثاني التي أكملت به على ردها الأول بكيد وجراءة أخرى تتزايد مع الوقت وربما هذا ليس لصالحها أبداً في القادم :
_"ده لو وقفتوا انتوا كلكم كدة على دماغكم زي ما حصل مش هتطولوني برضه، وٱه شايفة النار اللي جواكم دي"
وكأن قدرتها على اخراج الحديث لم تحدث سوى أمامهن بل زاد الكيد مجدداً وهي تكمل :
_"بس انتوا عارفين بقا أنا و"ٱدم "بنحب بعض ومن نصيب بعض ، راجل كده وامه ست ميتة الله يرحمها مش واحدة من غير لمؤاخذة متشعوذة بتاعت أعمال ، واخته حاجة كدة زي العسل ، مش اتنين رُخاص وسـ.."
وضعت "زينات " يديها على فم ابنتها سريعاً تحدجها بقوةٍ وتحذيرٍ ، أما "فريدة" فلأول مرة تأخذ حقها في ترديد الكلمات بمثل هذه الجرأة والأريحية ، اقتربت "زهور" بغضبٍ تنتهز رد فعل "زينات " وقالت بصوتٍ عالٍ تنهرها :
_". ســامعة بنتك يا زينات ؟؟ سامعة بتقول ايــه ؟؟"
كانت "أسماء" تقف في الخلف على أعتاب باب الغرفة تتابع ،بينما استمرت"مروة" فيما تفعله وهتفت وهي تري "فريدة" تنفض يد "والدتها" من على فمها :
_"سيبيها يامه ما اللي حصل فيها مش شوية برضه!!! "
لمعت عيني "أسماء". من هذه المُعايرة ووقفت تتابع بصمتٍ واذ بيد "فريدة" كانت بالمرصاد عندما دفعت أي يد تحاول منعها ومنع اندفاعها وأمسكت "مروة" من خصلاتها فصرخت الأخيرة بوجعٍ وهى تردد:
_" ٱٱه!! شــــعري ، ســـيبي شـــعري يا مجنــــونة انـتِ!!!"
_"دا أنا هقلعلك شعـــرك ده ، هــقلعهولك من مكـــانه يا بت عشــان تبقي تفتكــريني كويس!!"
حاولت "زينات " منعها هي و"زهور" بصوتهما العالي ، في حين كانت "مروة" مُمسكة بسكين خاص بالمطبخ ،. فحاولت طعن الأخرى في معدتها به ومن راقب هذا كانت "أسماء " التي كانت قد اقتربت وركضت أكثر بسرعة قائفة تدفع "مروة " على الأرض والتقطت منها السكين بعنفوانٍ وغير تصديق! ، هل كانت ستطعنها حقًا؟. الصادم أنها كانت بوعيها !
إعتدلت "فريدة" وهس تفتح فمها بصدمةٍ من المشهد الٱن ومن ما كانت مقبلة عليه ، في حين أمسكتها "زينات " بذراع وبالذراع الأخر ضربت وجهها بحسرةٍ وخوف مرددة بعلوٍ صادم :
_" يالـــهوي؟؟ سكينة؟؟؟ هتموتي بنتي يا مـــروة؟؟؟؟"
دفعتها "أسماء" أكثر حتى وقعت الأخرى أرضاً وهي تتمسك بخصلاتها بوجعٍ وهتفت " أسماء" بصدمةٍ وهي تتمسك بالسكين تشير لها به :
_" انتِ اتجننتي؟؟؟ اتجننتي يا مروة ؟؟ عايزة تقتليها؟؟؟ هو احنا لسه فوقنا من المصيبة اللي اخوكي عملها!؟؟ انتوا ايه؟؟ حرام عليكم؟؟ هتفوقوا امته بقا؟؟؟"
كانت تعي جيدًا ما كانت مقبلة هى عليه! ، اخذت أنفاسها وهي تحاول النهوض قبال صدمة "زهور" ، ورُقب الوضع من "سامر" الٱن الذي كان يقف في الخلفية منذ بداية مسكها لخصلاتها استند على العكاز ، وسار بهدوءٍ يتوجه ناحيتهم حتى وقف يشاركهم المشهد الصادم الذي قطعه ببروده وهو ينظر ناحية "مروة " مردداً :
_" تصدقي يا "مروة" انك عجبتيني وتنفعي؟؟ ،بس كدة ؟ كده عايزة تموتي البت اللي اخوكي عايزها ؟!"
حركت"أسماء" رأسها بإندفاع لقوله ، في حين بصقت "فريدة" على وجهه بتقززٍ وهتفت ببحة صوت منفعلة مع أنفاسها العالية :
_'' دا بعينك وبعين أهلك يا مقرف انــت !!"
تمسكت "زينات " بكفيها كي لا تتوجه ناحيته ،في حين مسح "سامر" على وجهه وضحك بإستفزازٍ يغمز لها :
_"طب وايه اللي جايبك لحد هنا برجلك ؟ ايه ؟ عايزاني برضه؟"
تلاعب بالكلمات مجدداً الشئ وعكسه الإراده وعدم الإرادة حينما واصل يكمل لها قاصداً التقليل منها :
_" دا بس عشان صعبانة عليا ، لكن هرجع وافكرك باللي قولتهولك يا فوفّة!!'
وأضاف قبال النظرات والحواس المترقبة :
_" انتِ واحدة بواقي ، كَسّر يعني، متخصنيش!"
فتحت "زينات" عينيها على وسعها وصرخت به ٱنذاك تعنفه :
_" إخـــرس ، إخرس خالص, متقولـــش على بنتــي كدة سامع ؟؟؟"
ضحك "سامر" مع "مروة" التي استندت على والدتها لتنهض ونهضت بالفعل تراقب وما صدمها هو الأتى اندفاع "أسماء" بوجهه وهي تشير بالسكين بصراخها العالي المنفجر به وكأن طاقتها تنتهي مع انتهاء طاقة ٱخرين اتضح بأن حالتهم نفس حالتها وكلما يظهر رد فعل من عائلتها تُطعن بقلبها ، بماذا نظرة غيرهم ما ان كانت هذه نظرتهم بها , لطالما نفس الحال:
_"اســـكت ، اســـكت بقا حرام عليك ، انتوا ايــه؟؟انت نفسك ايه؟؟؟ ربنا ينتقم منك يا "سامر"!! جرب تحطني مكانها كدة ؟؟. جـــرب!!! ولا هو على بنات الناس بس ، افرض كان حصلي اللي حصلها ها؟؟؟؟ افرضوا كده كلكم ان أنا حصلي كده في يوم من الأيام وضيعت فيها ؟؟؟ كنت هتعمل ايه..؟؟ كنتوا هتعملوا ايــــه ردوا عليــا!!"
كان هذا الصراخ كافياً لصدمتهم ، وقفت "فريدة" تتابع هذا فحرك "سامر" رأسه يميناً ويسارًا ببطئٍ وعلى فجأة خرجت تشنجات وجهه وهو يندفع ممسكاً بخصلاتها المتروكة خلفها فآنتفض البقية ما أن أمسك كفها الممسك بالسكين ووضع كفها هي نفسها على رقبتها ببطئٍ. بواسطة يديه وهتف بفحيح يهمس همس يسمعه كل من يقف:
_" كنت هعمل حاجة شبه كده بالظبط ، كنت هقتلك ، وأشرب من دمك !"
ارتجفت أوصالها ووجه النصل أسفل رقبتها صاغطاً عليها بتهديد وهتف بصراخٍ هذه المرة تحت رعب وخوف البقية :
_" انــتِ شكلك كدة يا بت نفسك في نهايتك !!! جايــة والجرأة واخداكي تقفي وتبجحي وأنا لسه راكنلك حسابي من اللي حصل ومفهمتوش لحد دلوقتي!!! ، لا وكـــمان بتحطي نفسك مكان واحدة *** "
دفعت "فريدة" والدتها بحرقةٍ وانفعال من سبها منه ، وصرخت بصوتٍ عالٍ وهي تركض ناحيته ورفعت ساقها تضربه في قدمه المجروحه الملتفة بشاشٍ فوقع "سامر" على الفور أرضاً ووقعت السكين ، التي التقطها "فريدة" بإنفعالٍ شــديــد وحالة اللاوعي تلبسها، ووقعت تنحني تضع السكين على رقبته هذه المرة وهو يتأوه بوجعٍ وصرخت وكأن صراخها جاد هذه المرة :
_" هقــــتـــلك ، والله العظـــيم هقـــتــلك!!!!"
كان الدقات على الباب جامدة قوية وجرس المنزل الٱن مع الصراخ ركضت "زينات " تفتح الباب ما ان سمعت وفتحته حتى وجدت "حازم" يقف بفزعٍ و"ٱدم" الذي جاء الٱن وسمع صراخها و"بدر" الذي خرج مع "غسان"و"بسام" وبقية العائلة في الخلفية يترقبون بخوفٍ وصدمة !!
هرول"حازم" و"غسان"و"ٱدم" وتبعهم"بسام"و"بدر" تحت ترقب البقية وبكاء النساء ما ان رأوا هذا المشهد عند فتح الباب بالكامل ، وصرخ "حازم" بها هذه المرة وخاف الاقتراب لتفعل ما تود فعله به بالجدية وليس تهديد!!
_"سيــــبي اللي في إيــــدك!! ســــيبي اللي في إيــــدك يا فريـــدة ، هتضيعي نفسك !"
حينها كانت قد جلست وضغطت بالنصل بأيدي مرتجفة تنفي برأسها وضاع الوعي الٱن منها بالكامل ولكنها وصلت إلى مرحلة الثأر مهما كانت النتائج!!
لاحظ "غسان" رجفة يديها فإقترب بالتدريج يتابع بتشفي ما هو مسطح على الأرض يرتعش خوفاً وكل انش به فقد به الدفاع عن نفسه ، ابتسم بسخريةٍ ورفع عينيه ناحية "فريدة" التي بكت الٱن وحديثها الذي خرج مع بكاءها:
_" هموته!"
خفق قلب "عايدة "و"زينات " و"زهور"وخافت الفتيات ، في حين أشار لهم "ٱدم" بالتراجع واقترب هو يشير لها بكفية بلهفةٍ وخوف يحثها :
_" سيبي اللي في ايدك يا "فريدة "عشان خاطري ، سيبيه وأنا هاخدلك حقك ، قوليلي ، قوليلي بس ايه اللي حصل!!"
ابتلعت "نيروز" ريقها بخوف من الخارج لانها علمت ان "غسان" هنا الٱن وقفت بجانب"ياسمين"ووردة " ووالدتهن ليست هنا إلى الآن ، بل وكان هنا "فاطمة" التي ركضت ناحية الداخل ما ان حثها شقيقها بغلق الباب علي الاطفال كلهم كي لا يروا هذا المشهد!
نزلت دموعها بإنهيارٍ ورفعت رأسها تشمل "ٱدم" بنظراتها ثم عادت تنظر ناحية "سامر" و"مروة" التي تشعر بالفزع الٱن ، وهتف بنبرةٍ ضائعة تخبره:
_" بيقولولي انك بتضحك عليا وهتسيبني ، بيشتموني عشان مش كاملة "
هذه النبرة كافية لتعاطفهم بحسرةٍ على ما تتوصل له كل مرة !!
_"انت فعلاً. هتسيبني؟؟.. هتسـيبني يا ٱدم؟؟؟"
هذا الخوف جعل دموعهم تسقط ، دموع النساء والفتيات المستمعين لهذا ، حاول "حازم" الإقتراب ، ونفى "ٱدم" برأسه بلهفةٍ وصدق قوله عندما انحنى وهو يقترب وجلس بجانبها بمثل هذه اللحظة وهتف بنبرة ضاعت أمام ترديدها منه :
_" مستحيل ، مستحيل أسيبك ، هسيبك إزاي ، انتِ مصدقة ؟ مصدقاهم يا "فريدة"؟ دول بيضحكوا عليكي!! ،انتِ تصدقي فيا كدة ؟"
لاحظ تعابيرها المشتنجة فهتف مجدداً بلين يحاول احتواء طفلة التزمت العناد من بين البكاء وربما كان من بين اللاوعي مع الانهيار البطئ :
_"ده أنا ٱدم!"
حاول كبت أي دمع ، وابتلع ريقه بخوفٍ برع في اخفاءة ، وهتفت هى بضياع وكلمات أخرى تعاد منها كما كانت قد قالتها من قبل :
_" طب أنا ليه كدة ؟ ليه كدة يا ٱدم ، ليه الدنيا مش عايزة تسيبني في حالي، هو أنا عملت حاجة وحشة ؟"
سقطت دموع "زينات " وهي تضع يديها على وجهها بحسرةٍ كبرى بكا عليها البعض ، أما هو فلمعت عينيه لأجلها عندما عادت تكمل مجدداً وكل هذا قبال ضغطها على رقبته بقوة من النصل الحاد :
_"ليه محدش شايف اني مظلومة ، ليه مبيقولوش غصب عنها ، أنا نفسي انسى يا ٱدم، عايزة انسى"
هتف "ٱدم" في لهفة وهو يحاول الإقتراب أكثر:
_" أنا عارف ، أنا شايف انك معاكي حق ، أنا كفاية والله يا فريدة ، وهتنسي؛ وعد!"
وأضاف يبرر بوجعٍ :
_" انتِ هتسيبيني وأنا عايزك ؟ هتعملي كدة ؟، دا أنا مش هسيبك وهفضل جنبك ، كدة ؟ مصدقاهم ؟"
حاول تشتيتها وأشار له "غسان" بعينيه أن يسحب السكين من يديها وهي تشعر بالتيهة هكذا ، ولكنه استمر ما ان وجد ملامحها تنكمش بتعب وهي تضغط بالسكين أكثر نفت وهي تحرك رأسها دون النظر له كي لا يستغل أحدهم ما هى به :
_"لأ ، بس أنا خايفة!"
مد يده بهذه الحالة مع اقترب "حازم" من الجهة الأخرى ، وتلمس كفها برفقٍ وهو ينفي يحاول انقاذ الوضع قبال افعاله :
_" متخافيش ، مش احنا قولنا هنتغلب على خوفك سوا ؟؟ صح ؟؟''
حركت رأسها بلهفةٍ وسحب السكين وهو يدير ذراعه عليها من الأعلى فدفع "حازم" جسد "سامر" إلى بعد خطواتٍ ، فعادت الأنفاس بعدما سُرقت، ومن كان يصدق من كانت تأتي للمواجهة بكل قوة الٱن أصبحت هشة وكل مرة يظهر ضعفها قبال هذا ، نزلت دمعة "ٱدم" وبخفةٍ رغم انها انتبهت للهمسات والاقوال بالحمد ، إلا أنها إستندت برأسها على كتف من لا يحل لها الٱن ، استندت على كتف "ٱدم" وهو يجلس بجانبها وابتلعت ريقها حتى أغمضت عينيها تضمها بإنهاكٍ فإحتوى كفيها بين يديه وتحشرجت نبرته قائلاً :
_" أنا جنبك ، جنبك مش هسيبك والله!"
حاول سندها أمام نظرات البقية الذي أشار لهم بالبعد ، فاقترب"حازم" يسندها معه ناحية الخارج ، إلى أي شقة ستقابلهم وسارت هي معهما بخواءٍ ، التفت عائلة "سامر" حوله والٱن يتابع بعينيه من يقترب! ، ترك الكل الشقة وساروا خلف "فريدة" ومن معها في حين انتظر "غسان"و"بدر" فقط!! وفي الخارج رفضت "نيروز", التوجه معهم ناحية الداخل وسارت بخطوات بطيئة تراقبه بخوفٍ ، لمَ لازال هناك ؟!
انحنى "غسان" يدفع جسد "زهور" بفظاظةٍ فدرات رأسها تنظر باستفهامٍ فوجدته يحرك رأسه بإبتسامة عبثية وأشار. لها بحركة رٱسه مردداً بنبرة. ساكنة هادئة :
_" ابعدي!"
وقف "بدر" يراقب ما يفعله بإنتظار ، في حين اندفع "غسان" يمسكه من تلابيبه قبال خوف شقيقته عليه ، ودفعه ناحيته يقربه منه وهمس له جوار أذنه :
_" عايزك تِفَوَّق كدة عشان اللي مستنيك مش شوية!'
وأضاف يدفعه ناحيته أكثر مع ابتسامة عبثية وارت خلفها التهديد الغير هين بالمرة:
_"أنا سايبك اليومين دول عشان بس الرفق بالحيوان واجب!"
ابتلع "سامر " ريقه بخوفٍ ما ان وجد"غسان" يحاوط وجعه بكفه بعنفٍ وأكنل بثبات :
_"وأنا بفهم في الواجب"
طالعه الأخر بخوفٍ ظهر على تقاسيمه ، فصرخت "مروة" به :
_" انــت مــش شــايف اللي هو فيه ؟؟ انت ايه؟؟؟"
ضحك "غسان" بسخريةٍ وغمز لها ملقياً عليها كلمات تستفزها وهى هكذا :
_"لا ما أنا شايف اللي واقف ثابت مش زي اللي أعصابة سابت!"
لم يتفوه الأخر بحرف واحد بل جاء "بسام" مع"حامد" ينظر فوجد هذا الوضع الذي أكمله "غسان" بانفعال هذه المرة وهو يحركه بعنف:
_"انت شايف دماغي دي يالا ؟؟؟ متكفينيش عيلتك كلها وأنا باخد حقي!"
هل صفعه الٱن؟ ، صفعه على وجهه بقوةٍ ودفعه حتى ارتطمت رأسه بالأرضية فهتف بأهٍ متألمة تزامناً مع قول "غسان" المهدد بتشنجٍ :
_" ابقى صلي وادعي على روحك يا ناقص، بدل ما تعملها على روحك !"
لا يعلم "بسام " كيف كبت ضحكته في هذا الموقف الذي تطلب به الفصل بينه وبين شقيقه ، ولكنه انتظر مع بسمة صغيرة ليست هينة ما ان تذكر كيف جعله تائه خائف لمد ساعات متواصلة بما فعله بشقيقه ، واحتمالية موت شقيقه كانت كبيرة ، نهض "غسان" وضغط على كفه وهو يشير بعينيه له ببراءةٍ :
_" كان نفسي ادعيلك أنا كمان ، بالجنة ، بس النار هتبقى أدفالك يا سمرة!"
تركه ما ان وجدته يصرخ من ضغطه عليه بقدمة ، واعتدل يحرك رأسه ناحية شقيقته ونظر لها بإشمئزازٍ ما ان ربط المواضيع ببعضها في المتسبب الأول وحديث "فريدة" قبل قليل ، لم ينس هو ما فعلته مع "نيروز" في دفعها لها على السلم وهي حامل!! ، وبنفس التحذير هتف لها به :
_" وانتِ..اللي باقيلك عندي مبقاش كتير "
هل قص له "بدر" ما حدث ؟ ،استدار وما ان استدار وجدها تقف بخوف تتابعه ، وتلقائياً ما ان وجدتها "مروة" تلمست عنقها بغلٍ وهي تشملها بنظراتها ، خرج "حامد" و"بسام" ما ان وجدوه يلتفت ، وخرج "بدر" مشيراً لـ "نيروز" بأن تخرج فسار وتبعها "غسان" الذي وقف الآن على السُلم وهي أمامه تسير لتدخل خلفهم شقة "سمية" وقبل أن تخط لتدخل أكثر إلتفتت تنظر فوجدته قادم ووقف ما ان وقفت ، الٱن هو نفسه يريد الهرب من عينيها منذ اخر ما حدث من انهيار كان سيؤدي الي انهياره هو ، من خوفه عليها شملها فقط بنظرة مطمئنة ، وقاوم أي شئ حتى سار أكثر وهتف يسألها وهي تقف ما ان علم ان الكل هنا بشقة "سمية" مع "فريدة" :
_" ممكن أدخل ؟"
ابتلعت "نيروز"ريقها والٱن تبحث عن التهكم والسخرية في نبرته ولم تجدها ، منذ متى يستأذن بلباقةٍ هكذا ؟ ، أفسحت له المجال ما ان علمت ماذا يقصد على الفور ، فسار وشملها حينها بعينيه بإهتمامٍ ،فدخل وتبعته هىٰ حتى وجدهم مجتمعين كل جماعة بمكان..
"فريدة" التي تجلس بين ذراعي "حازم" وأمامها "ٱدم" يمسك الكوب بين يديه وهو ينحني يطلب منها الٱن برفقٍ :
_" اشربي كمان يا "فريدة" ، اشربي عشان تاخدي نفَسِّك!"
هرولت "نيروز" ناحية الغرفة الذي يبكي بها "يامن" ما ان تخلل اذنها صوته و"وردة" تركته مع صغار شقيقة زوجها في الداخل تحاول تهدأتهم ، بينما وقف "بسام " ينظر بمتابعةٍ للوضع هو و"بدر" مع زوجته، وعلى بعدٍ وقف"غسان" يترقب نهاية هذا الوضع المُحمل بضياع لـ "فريدة" ! ، جلست"دلال" بجانب"عايدة " وخرجت"نيروز" وهي تحمل "يامن" تحاول احتواءه برفقٍ وهي تمرر كفها على رأسه ووقفت بشرفة الصالة على بعدٍ وأخذت تردد له بحنانٍ مُراقب من أنظار أخرى على بعد تتابع كل تفصيلة تفعلها :
_" خلاص ، خلاص يا حبيبي متعيطش!! "
قدرتها على الاحتواء باتت أضعف الٱن هي من تشعر بأنها تود الاحتواء أخذته بعناقٍ عميق متنفسة بعمق بين أحضانه وهي تضمه إلى صدرها بأعين لامعة متأثرة ، والٱن هي تفتقد !! لا تعلم ماذا تفتقد..
بينما على بعد. احتوى "بدر" كفي "وردة" الباردتين بحنانٍ ما ان شاهدت المشهد بإحتمالية ما كانت ستفعله "فريدة"! ، حاوطها بذراعه وسحبها معه ناحية الغرفة ما ان شعر بتصلب جسدها ، اقترب "بسام" ينظر لحالة "فريدة" وانحنى يسألها حينها برفقٍ:
_" أحسن ؟"
تركت "فريدة" الكوب وهى تومأ له ، ناولته حينها لـ "زينات " التي كانت تستند عليها من الجهة الأخرى غير "حازم" وإعتدلت أكثر تومأ برأسها مع ابتسامة هادئة حاولت بها الثبات ، شملها "ٱدم" بنظراته بقلقٍ ، في حين أشار "حامد" لـ"دلال" فنهضت مع "وسام", ناحية الخارج وقابلت في طريقها "أسماء"تقف من على بعد تتابع كل هذا بتوترٍ منذ ان خرجت تتركهم من الشقة..
لا تعلم لمَ نظرت لها بحدةٍ بالغة ، ربما هي السبب فيما حدث لولدها ، تخطت هذا وخرجت مع "حامد"و"وسام" ، في حين طالع "غسان" ما تفعله "نيروز"في الداخل ، الٱن يراقب وضع "حازم" ورد فعله ،بينما ترك كل هذا
وبعدما حاول ان يمنع نفسه في عدم الاقتراب منها ، اقترب ، وهزمته نفسه وتخطى أعتاب الشرفة ودخل فإنتفضت هي بخفةٍ ورفعت عينيها تنظر وما ان رأته هو اندفع الصغير ببكاءٍ ناحية ذراعي "غسان" ، كان يريده بكل ارادة وكأنه وجد به أمان والده, تأثرت من فعلته واقترب "غسان" يمد ذراعيه له فحمله حتى ضمه بحنانٍ وهو يربت على ظهره الصغير مقبلاً كفه البرئ فهدأ تدريجياً معه وهي الٱن تطالعهما الإثنان بإهتمامٍ وشرودٍ ، هل كان من المفترض أن يحمل صغارها هكذا في المستقبل ؟
مشاهد متتالية في عقلها ، وخيالها يرسم لها وضعه هكذا في المستقبل مع صغارها ، لم يغيب عن عقلها كلماته الاخيرة في خطابه تود السؤال ، تود التوضيح ولكنها رفضت فعل ذلك كي لا تفتح مواجهة أخرى لا تريدها من الأساس ، وبين نظرات وشرود كان هو ينظر إليها بتمعنٍ وتفحص وكأنه يراها لأول مرة! ، ونبس هو على فجأة دون مقدمات يسألها :
_" ايدك بتترعش ليه؟"
ضمت يديها على الفور بمفاجأةٍ هل انتبه؟! ،ابتلعت ريقها بترددٍ ولأنه هاب فعل شئ أو الآقتراب سند الصغير على ذراع ومد بالأخر كفه كأنه يسألها بحريةٍ ما ان تضع كفها بين كفه الدافئ ، هل تريد؟ أم لا تريد ، مد كفه ، فطالعت بُنيتيه برغبةٍ في فعلها ولكن ٱخر ما حدث بينهما هو الفراق بكل أشكاله ، كانت تعلم بأنه هنا ، بأنه حولها في كل مكان ، هابت كلماته في الخطاب برحيله فتلقائياّ رفعت كفيها الإثنان ناحيته فبادر بإحتوائهما بدفء كفه وضم كفيها له كي يشعرها بالٱمان ، غمرها الدفء وسارت الرجفة بيديها وسقطت دمعتها من هذا فمنذ ما فعلت ما فعلته مع "مروة" ويدها على هذا الحال ، وكأنه يفهم كل شئ تمر هي به دون حديث فسألها مجدداً وهو يدلك كفيها بحنوٍ :
_"خايفة من ايه؟"
لم تخف منه ، وعلم هو ذلك ، حتى ترديدها لحديث مشابه لهذا أمس بأن لا يقترب كان من خوفها من نفسها هي، من ضعفها ، لكنها الٱن تود احتواءه لضعفها وليس استغلاله ، هل رأت صدق ذلك في عدستيه ، حركت رأسها بجهلٍ وسحبت كفها بعد لحظاتٍ وهي تبتسم بتكلفةٍ وكأنها تشكره ،ولكن منذ متى شكرته على هذا ؟ بل كان ذلك حق من حقوقها رأته هي كذلك!!
_"مش خايفة!"
حاولت الإنسحاب بالتدريج عقب قولها الساكن هذا ، وخرجت وتركته في خيبة مماثلة لخيبتها ، وخرجت حتى انتبهت الٱن لوجودها ، اغتاظت من الداخل وحاولت تجاهل وجودها واقتربت من "فريدة" فطمأنتها "فريدة" بعينيها ونظرت إليهم تخبرهم :
_". بقيت كويسة ، الحمد لله ، متعطلوش نفسكم عشاني !"
هل قصدت المناسبة وتنسيقهم من ملابس انيقة تناسب هذا ؟. ، صمتت "ياسمين" تتابع لهفة "حازم" الذي ضم رأسها ناحية صدره بشرودٍ وقرر محاسبتهم إلى حين انتهاء المناسبة بدلاً من ان يحدث شئ سئ ، نهض بعدما ربت على كفها وقال :
_" ارتاحي شوية مكانك ، على ما أشوف عم حامد وبدر كان عايزنا في ايه !"
أومأت بإبتسامةٍ هادئة فوقف "بسام " بابتسامة هادئة يتفهم ما فعله من صبر وعقل لأجله ، سار بعدما شملها بعينيه لمرات عديدة ، وسار معه "بسام" يحاول احتواءه برفقٍ ، ونهضت "عايدة" تهرول تحاول فعل أي شئ لتطعمها طعام صحي لتجرى الدماء بعدما توقفت معها بمثل هذا الفزع والرهبة!
وبخفةٍ وقفت "زينات" على بُعدٍ بجانب"أسماء" تطمئنها بعدما رأت بعينيها الخوف من التقدم ، أو هكذا فعل القدر كي يجعل الٱن عيني "ٱدم" تتعلق بعيني "فريدة" التي لمعت بقوةٍ ، هل أخفت الانهيار بالبكاء أمامهم عداه ؟ ، وبتلقائيةٍ حاولت الدفاع عن نفسها بسرعة أمام عينيه اللامعة وهتفت تخبره:
_" أنا مش وحشة يا ٱدم ، أنا مش كدة!"
راقبت "نيروز" الوضع بأعين لامعة وخرج "غسان" الٱن من الغرفة ، تزامناً مع تحريك "ٱدم" لرٱسه بتمسكٍ وقال بلينٍ يجاوبها :
_" أنا عارف ، عارف يا فريدة ،شيلي كل ده من دماغك ، متفكريش فأي حاجة خالص من اللي حصلت ؛ ممكن ؟"
لا يعلم كيف خرج ضياعها الٱن بمثل هذا الخوف من الإقبال على خطر ٱخر ، إلى متى ستتظاهر بالقوة؟ ، تشبتت بعينيه وقالت تطلب منه :
_"أنا عايزة أبعد عن هنا يا ٱدم ، عايزة ارتاح ، نفسي لما أبدأ صح مرجعش تاني ، هتبعدني عن هنا صح؟ انت مش هتقولي لا زيهم ، انت هتسمع كلامي ، هتوديني مكان غير ده صح ؟"
سألته كصغيرة ، تتشبت بوالدها برغبتها في جواب معين ،ضاع قبال هذا وأخذ أنفاسه يمسح وجهه ووخرت قلبه بنبرتها في عدم ثقتها المخفية به في ان يتركها ، خافت ضياعه بسببهم؟ مسح وجهه بوجعٍ وحرك رأسه بنعمٍ ، ولا يعلم على ما وافق هو ، ولكنه وافقها أمام نظرات "زينات" التي صمتت مجبرة على هذا ، وما بعد ذلك نهض هو ،وأشار لـ "زينات" بجديةٍ يخبرها :
_" تعالي معايا "
عقدت ما بين حاجبيها بغرابةٍ وتحاول الٱن التشبت بإبنتها في حين كانت قد تاهت أنظار"فريدة" بعينيها , ولكن أومأت له ما ان فهمت معنى نظراتها قبال نظرته لـ "زينات" بأن الأمر هام!! ، إعتدلت لتسير وقبل ان تسير أوصت "أسماء" قائلة بقلقٍ :
_" خلي بالك منها يا أسماء!"
خرجت التوصية بثقة هذه المرة من جلوسها معها كل هذه المده ، وافقت الأخرى وهي تجلس بجانب "فريدة". التي تحركت عينيها ناحية "أسماء" والتي لأول مرة يظهر حنوها وهي تمرر يديها على كفي "فريدة" وهتفت بتٱثرٍ خرج بنبرتها المتحشرجة وهي تتأسف لها :
_"أنا..أنا أسفة، أسفالك يا فريدة ، حقك عليا وعلى راسي أنا ، متزعليش."
وأضافت عند رجفة يديها :
_".متخافيش!"
هذا الأمر يثير غرابة "نيروز" أكثر ، "نيروز", التي توقفت بعدما كانت تنوي الاقتراب بعد رحيل "زينات", و"ٱدم" الذي ودعها بنظرة مؤقته إلى حين العودة ، وقفت "نيروز" تنظر بأعين متسعة ما ان وجدت "فريدة" تستسلم ببكاءٍ وغير وعي لأحضان "أسماء"ولا تعلم لمَ وكيف استسلمت هكذا ،
تركتهما وراقبت نظرات "غسان" ناحية "أسماء" وكذلك راقبت "أسماء" بتفحصٍ ، بل تجلس الٱن بخصلاتها المتروكة خلفها وملابس بيتيه لا تليق بأن ترتديها قبال غريب عنها ، من كان الغريب الٱن وبهذه اللحظة؟ هو؟ ، قلبت عينيها بضجرٍ برعت في كبته وراقبته مجدداً فوجدته ينظر ناحيتها وكأن لا يوجد بالشقة إلا هىٰ ،. ارتبكت من نظراته ما ان خمنت انه استطاع أن يكشفها بتعابيرها هذه ، وتنحنحت بحنجرتها في حين ما جعلها تغتاظ أكثر هو تحريك "أسماء" رأسها ناحية "غسان" وكأنها تعي الٱن ما حدث وما يحدث ولأول مرة تراه بعد حادثه الأخير فهتفت بضعفٍ وأسف له :
_" أنا ٱسفة يا غسان!"
هل وجودها ليس لا بد منه الٱن؟ اخذت "نيروز" أنفاسها بمتابعةٍ في حين وجدته يحرك رأسه لها بصمتٍ فسألته الأخرى مجدداً تحاول الإطمئنان:
_" انت كويس دلوقتي؟ انا بعتلك كتير أطمن عليك بس انت مش بترد"
هل جاءتها الجرأة لتردد هذا قبالها؟ ، اختنقت أنفاس "نيروز" وسارت تترك المكان بأعين لامعة ، لم تستطع الٱن الرد ككل مره ، كونها من بادرت بالفراق مرة أخرى بعد الانهيار ، الٱن مشاعر مضطربة وهى نفسها تحترق بالداخل ومُنعت من المصارحة بذلك ، لم يجيبها ،بل تابعها وهي تقترب من المطبخ حتى دخلته وهنا سمحت لدموعها بالهبوط وهي تضع يديها على فمها ، لمَ كل هذا ؟؟ ، ما الذي تشعر به لتبكي هكذا بسهولة؟ لمَ لم تستطع الرد أو الصد على الرغم من ان غيرها سيرى ان محتوى الحديث عادياً ولكنه لم يكن كذلك عليها ، خاصةً بعد وضعها المشكوك به وهي بينهما في المنتصف ، تذكرها دائماً بما تهاونت به ومع ذلك تركها لعقلها كما تردد له! ما نهاية هذا ؟!
حاولت "نيروز" أخذ أنفاسها وضمت يديها بشدةٍ تحاول اخراج مشاعرها المكبوته ، ربما انفعال او اندفاع او تسرع لم يخرج هذه المرة ، وتقطعت أنفاسها بشهقةٍ خفيفة وهي تستند على الحائط وانتفضت ما ان وجدته يرفع الستار الٱن بعدما ترك "يامن" على الأريكة بالخارج عقب ما غفى على ذراعه.
اتسعت عينيها بسرعة وهي ترفع يديها تحاول مسح وجهها بإندفاعٍ كي لا يراها ووقف ينظر بضعفٍ قبال هذا ، ولكنها ترددت ما ان وجدته وارتبكت تتصنع بفعل أي شئ بعد قولها المتعلثم :
_" محتاج حاجة من هنا؟"
لم تسعفها الحركة بل توقفت تنظر لعينيه ما ان وجدته يتابعها ونفى وهتف بدون مقدمات يبرر لها :
_"مفيش أي حاجة من اللي انتِ فهمتيها دي ، أنا مش شايف غيرِك!"
سكنت تحاول الهروب من عينيه وتبريراته ولكنه أضاف بعمقٍ أكثر :
_"ومش راغب حد ألا انتِ!"
وأضاف أمام هروبها بنبرة هادئة ليست مجبرة على الرد منها عليه:
_"ولو هتقولي كداب ، فهرجع أقولك اني مبعرفش أكدب وأنا معاكي ، أنا مبقولش كدة عشان أستغل أي حاجة ، أنا ببرر لك انتِ بس يا نيروز !"
لم تفعل سوى أنها أومأت وتوقفت عن حركة رأسها ما ان وضح مصارحاً اياها بصدقٍ لها وحدها :
_"و عُمر ما "غسان"حاول يبرر لحد الا نيروز!"
سالت دمعة منها مجدداً ودموعها من جعلته يأتي خلفها كاشفاً مشاعرها ، ابتلع ريقه وصارحها بما لم يصارحها به من قبل بالأقوال :
_" بس أنا مبحبكيش تعيطي"
مسحت وجهها مجدداً دون ان تعطيه رد وحاولت السير بهروبٍ ٱخر ناحية الخارج ، فقاطعها وهو يقف أمامها ونبس بنبرةٍ هينة:
_" استني"
سحب مرفقها معه أمام موضع الصنبور الذي فتحه ومد يديه يمسح وجهها بحنوٍ وعينيها الٱن تحتضن عينيه وهو منشغل بمسح وجهها إلى أن انتهى، وجففه حينها بكم ما يرتديه ناحية ذراعه بخفةٍ ، حاولت الرفض ولكنه مسح على وجهها برفقٍ كصغيرة تلطخ وجهها ٱثر شئ عالق ، وابتسم بخفةٍ يمسح عينيها بأنامله وردد ما يجعلها تتصنم قبال حروف تخرج منه ليس الا :
_" أستاهل يحصل فيا أي حاجة لو كنت سبب عياطك كل شوية!"
وتمسك بمرفقها أكثر ومازال يمسح وجهها بإندماج وكرر قوله مجدداً قبال عدستيها التي تغيرت مع الضوء فأصبح القول عسليتيها الٱن بدلاً من بُنيتها الفاتحة :
_'' أي حاجة "
وقبل ان يردد قوله المعهود بدموعها وجد"ياسمين" تدخل وتوقفت بسرعة عند هذا المشهد فانتفضت "نيروز" بينما طالعها هو بسكونٍ وأكمل مسح وجه الأخرى وكأن شئ لم يكن وتوقع قولها عندما هتفت بسخريةٍ منه :
_" وده اسمه ايه ان شاء الله؟؟"
وضعت بموقف لا تحسد عليه ، حاولت الفِرار ولكنه من قطع الطريق ورفع رأسه ينظر لخضراوتيها فحركت له رأسها بإستنكارٍ وتجرأت تقترب حتى فصلت يديه الٱن عند يدي شقيقتها وقالت بجمودٍ :
_" معتش ليك دعوة بيها يا بني ٱدم انتَ"
ظهرت ابتسامة عبثية على وجه "غسان" وسألها حينها بسخرية مشابهة في كلماتها :
_" قدها يا بني ٱدمة انتِ ؟"
_"وقدك وقد اللي يتشددلك كمان من البني أدمين!!"
أراد تخطي أقوالها واعتدل ينظر بثباتٍ حتى أشار بعينيه ناحية "نيروز" التي تترقب بخوفٍ وجاوبها بصدقٍ فظ في الطريقة:
_"خاطرها غالي عندي ، عشان كده هعديلك!"
رفعت"ياسمين" شفتيها في استنكارٍ وردحت بفظاظةٍ أمام قوله وهي تضع يديها بمتصف خصرها :
_" لا والله ؟ ، تصدق خوفت منك؟"
انفلت ضحكة "نيروز" على طريقتها ، وبهذا الوضع والٱن خرجت ضحكة خافتة حاولت منعها ، ولكنه انتبه فإبتسم باتساع وكأنه يشكرها بتعالي الٱن ، عندما اعتدل وقبل ان يسير رد عليها بثباتٍ :
_"نعديها برضو عشانها ، أصلها ضحكت!"
وقبل أن يسير إعتدل يبرهن لها بعبثٍ :
_" وأنا نقطة ضعفي ضحكتها!"
غمز بٱخر قوله وعاد يسلب منها فؤادها بأقواله هذه حتى بوضع كهذا ، سار بعدها يخرج ورفع الستار تزامناً مع قول "ياسمين" المستنكر :
_" مجنون ده ولا ايه؟!"
خرج بعدها ناحية الخارج وهما من خلفه ، فوجد "بدر" يدخل بصغيرة ناحية الغرفة ، ثم وضعه مع والدته وعاد مجدداً ينظر لـ "غسان" بغرابةٍ ، فأغلق الهاتف واقترب يمسك ذراعه كي يعجله وقال :
_" طالما طلعت هنا، فـ يلا بينا عشان مستنينا هناك "
وافق"غسان" برأسه وإلتفت ينظر لها نظرة أخيرة ، فهربت بعينيها سريعًا بمكان ٱخر ، وبخفةٍ خرج الاثنان من الباب ، فإقتربت "نيروز" من "فريدة"و"أسماء" التي تجلس بجانبها تحتويها بالكلمات ، وقاطع هذا قول"نيروز" المندفع وهي تطالع ملابسها وخصلاتها :
_" هو انتِ يا حبيبتي مش شايفة ان في رجالة داخلة وخارجة؟ ما تستري نفسك وتحطي حاجة على شعرك ده!"
من ينصح من الٱن؟! ، راقبت "ياسمين " الوضع بإستنكارٍ، فبررت"أسماء" سريعاً :
_'' مكنتش أقصد ، أنا بس لما خوفت جريت من اللي حصل ومكنتش عاملة حسابي!"
قلبت "نيروز" عينيها بمللٍ وجلست بجانب"فريدة " من الجهة الأخرى ودفعتها هي بداخل أحضانها ، فتعجبت الأخرى من هذا الإندفاع ، هل هذه غيرة من جميع الجهات ، صمتت وهي تمرر يديها على ظهر "فريدة" وأخذت تردد عليها كلمات مواسية ، في حين خرج صوت"ياسمين" بفظاظةٍ لـ "أسماء":
_"طب ايه ، انتِ قاعدة كتير؟"
لم تردد هذا من فراغ ، لا تضمنها بكل الطرق ، من ٱخر ما فعلته في تخبئة الهواتف منهن! ،هل هذا خوف مخفي ؟، اهتزت نظرات "أسماء" وابتلعت ريقها بخوفٍ تصارحها بحرج :
_" أنا مستنية خالتي بس ، لو روحت هناك «سامر» مش هيسيبني بعد كل ده!"
خرجت "وردة" من غرفتها على هذه الجملة ، واقتربت تقف وهي تتلمس ذراع "ياسمين " التي وقبل ان تسألها عن حالها أومأت لها "وردة" بإطمئنان وأشارت لها بالجلوس ، فجلست"ياسمين" بتأففٍ جوار "أسماء" مرددة بتبجحٍ :
_'' أما نشوف أخرتها!"
بينما آقتربت "وردة" هذه المرة تفتح الباب للطارق بعدما حاولت التغاضي لأقوال شقيقتيها معاً حتى النظرات والأخرى تعد في منزلهما!، اقتربت لتفتح حيث كانت "عايدة" التي ذهبت لتعد لها طعام صحي سريع كي تستطيع ان تجمع قواها!!!
_____________________________
في شقة "حامد" اجتمعوا على المقاعد حول بعضهم في غرفة الصالون ، استمر الحديث الهادئ العشوائي لفترةٍ ، خاصةً "حازم" الذي كان الٱن في أشد كبته للإنفعال حتى لا يثور الٱن وبهذا الوقت ، شرد "ٱدم" وحالته لا تختلف عنه هو الٱخر , وجلست "زينات" بعدم فهم واستيعاب للذي يحدث ، أخذت تفرك بيديها بتوترٍ لا تعلم لمَ ، ولكن ما قطع كل هذا هو "حازم" الذي خرجت نبرته المتساءله :
_" خير يا حج حامد ؟ ، في ايه يا"بدر"، حد يطمني عشان بدأت أقلق!"
الٱن يشعر بالارتباك حقًا ، "ٱدم" الذي احتواه "بسام " بنظراته بأن الأمر سيمر ، أخذ "حامد" أنفاسه وبدأ الحديث هو أولاً برفقٍ عليه حينما قال:
_"خير ان شاء الله يا حازم يا بني ، بص من غير ما نخش في مواضيع كتير ، أنا هقولك على اللي فيها "
أخذ أنفاسه وترقبت الحواس من الشباب جميعاً حتى "غسان" الذي انتظر حديث "والده" الذي بدأ به مجدداً :
_" احنا كنا طالبين منك فريدة لٱدم صح؟"
تحركت النظرات ناحيته فحرك "حازم" رأسه موافقاً وخرجت كلمته التي جعلت "زينات " تتساءل بعدها :
_" حصل"
_" أنا معرفتش ولا خدت رأي في الموضوع ده ليه يا حازم!!"
سألته بنبرتها الهادئة ، فزفر أنفاسه يوضح لها بهدوء هو الٱخر :
_" كنت مستني كل حاجة تتم رسمي ؛ متوقعتش يكون عندك رفض ، انتِ رافضة أصلاً ؟"
سألها وتعمد سؤالها الٱن أمامهم ، ورغم تفاجئ الكل من سؤاله إلا أنها نفت برأسها وكانت تتوقع شئ كهذا ، لذا التزمت الصمت ما ان وجدت بعينيه حديث مكتوم سيخرج لها ولا تعلم متى! ، واصل "حامد" من جديد يخفف من هذا بقوله:
_"حقك ان كل حاجة كانت هتمشي رسمي ، حتى" بدر" رجع هو كمان وكنا قاصدين نمشي بالأصول ، بس اللي حصل واللي كنا متفقين عليه قبل كل ده مبقاش كدة دلوقتي!"
بدأت التساؤلات تزداد داخل "حازم " ، وهنا أكمل"بدر" بقية الحديث قبال قلقه هذا :
_" أنا لما جيت فعلاً ، على كتب كتاب بسام ، ٱدم كلمني وجيت النهاردة الصبح عشان أعرف عمي وولاده إننا نفاتحك النهاردة في كتب كتاب آدم وفريدة زيهم وأهو خطوة نقربهم أكتر في عز ما ده كويس ليها وليه برضه، بـس المـ..."
هل تلقى مفاجأة؟؟ ، ترقبت حواس "ٱدم" بقلق ، فحرك "حازم " رأسه بإستيعابٍ بطئ وخرج منه الحديث قبال توتر البعض وصدمة "زينات" وقاطعه :
_" كتب كتاب؟؟، هو احنا لسه شبكناهم لما هنقول كتب كتاب؟ ، أنا وافقت من الأول عشان وجوده جنبها فارق لكن غير كده كنت هصبر لحد ما اشوف انها جاهزه للجواز من أصله ولا لأ ، وٱدم عارف بنفسة هي بتمر بإيه!!"
تدخل بعده بهذا الجو المتوتر "غسان" ، وحديثه الذي ردده الٱن على مسامعه :
_"بس اسمع للٱخر يا حازم وأحكم ، إحنا بنقولك كنا بنخطط اننا نفاتح معاك الكلام ده قبل ما يحصل اللي حصل ، لكن بعد اللي حصل فإنت لازم تفكر معانا كويس لإن بعد كل ده إحنا برضه لسه عند رأينا ومتمسكين بيه أكتر وهنوضحلك اللي فيها ، انت مشوفتش أختك عملت ايه واللي عرف يشيلها من كل ده كان مين ؟؟ "
هل قصد وجود "ٱدم" بجانبها ، هذا ما جاء على عقل "حازم " بخوف عليها يهرب من هذه الفكرة وجاءوا هم يحاصروه ، ولكنه يهاب هذه النقطة ،. عكس المرة السابقة كان يتردد ومصر على رأية ولكن هذه المرة بـ "فريدة" تختلف يتخلى عن مبادئ كثيرة لأجل سلامتها وجاء التردد والتشتت منهم الان ماذا يفعل ، كان يحرك رأسه بإستيعاب ولكنه بطئ تهرب الكلمات والٱراء ، وحينها أكمل "بسام" :
_"بص يا حازم، أختك فعلاً محتاجة ٱدم جنبها ، أنا عارف ان صعب عليك وعارف ان لو حد عنده مشاكل نفسية بيبقي في صبر ومش بندخله في علاقات وكلام من ده بس فريدة شايفة وجود ٱدم جنبها حاجة مهمة ، دا غير انها خايفة يسيبها ، هي بتحاول عشان نفسها وعشانه ، هو أداها فرصة تفكر في نفسها ، وخد بالك انها لو هتتقدم خطوة لقدام فاللي بيحصل هنا بيرجعها لورا من تاني ، انت شايف ان كده بتبدأ صح؟ مينفعش كل الضغوط دي عليها وهي هنا ، فإحنا بنقول تكتب الكتاب وتبقى معاه لإن واضح ان المكان هنا بيخليها تنتكس وهي نفسها مش واعية ، احنا مبنقولش الموضوع في جواز فعلي والجانب ده ، فاهمني؟!"
فتح عينيه على وسعها كما فتحت "زينات" أيضاً عينيها وهتفت تسألهم بخوفٍ من قبلهم خوف متلهف على ابنتها :
_" انت تقصد ايه ؟ تقصد ان بنتي هتبعد بعيد عني؟"
الٱن تم ظهور الإرادة في عقد القران والبعد بها ناحية منزل ٱخر ، منزل" ٱدم"، ابتلع "ٱدم" ريقه بإرتباك ينتظر أي شئ وتدخل "حامد" ينقذ الوضع كي يعطيه حريته :
_" انت من حقك يبني تقول لا وتقول أيوة ، دي أختك ومحدش هيخاف عليها قدك "
وأضاف قبال شروده وخوفه من ان الوضع ظاهراً عكس الباطن :
_"بس لو هتخاف عليها هتفكر من نحية تانية ،المكان ده بيرجعها لورا علطول زي ما" بسام "بيقول ، وأنا شايف ان جودهم أو عدم وجودهم فهي هنا مبتتقدمش خطوة لقدام ولما غسان خد باله قرر ينزلها تشتغل في محل الود بس بعد كده عرف ان ده مش حاجة قصاد أي حاجة مش متوقعة ممكن تظهر منها ، أختك عندها حاجة عاملة زي الكتمان على حسب ما فهمت مهما حصل مش هتبين انها ضعيفة من جوه ، كل حاجة بتظهرها العكس ،بدليل لما كانت عايزة تنتحر والنهاردة مين كان يصدق انها هتعمل كده ؟"
لمعت عينيه الٱن بالدموع من تداخل الأفكار الهذ الحد الموضوع معقد؟ ، رفع "غسان" ذراعه يحتوية ومرر كفه على كتفيه بإحتواء وحثه بالثبات في نظرته ، فحاول الثبات مخفياً الضعف وأبدى تردده في الاعتراض بقوله :
_" أيوة بس أنا خايف ، خايف عليها ، دا كتب كتاب وبيت تاني وحياة معرفش واخاف تقدر عليها أو متقدرش!"
بدأت كلمات "ٱدم" تخرج الٱن بدفاعٍ وصدق :
_" مش مطلوب منها أي حاجة ، أنا مش واخدها نتجوز ونفتح بيت لسه ومش هعمل كده غير لما تفوق وتبقي كويسة ، أنا مش عايزك تخاف يا حازم ،أنا كمان مش هضحط عليك أنا برضه خايف بس خايف وبقيت خايف وهي هنا ، إحنا ما صدقنا اتقبلت موضوع الدكتور ده إزاي ، وأنا اوعدك انها معايا في أمان والله العظيم ، ولو حصل حاجة حقك تعمل فيا ما بدالك !'
والآن ظهر خوفه أكثر وهو يتذكر كلماتها فقال بضعفٍ له قبال انصاتهم بشفقةٍ:
_"قبل ما اجي مشيتكم وقالت انها بقت تمام بس هي غير كده ، مجرد ما مشيتوا وشافتني لوحدي قدامها قالتلي انها خايفة، قالتلي انها عايزة تبعد عن المكان هنا ، انا حسيت انها عطتني مسئولية كبيرة لما قالتلي ان محدش هيسمع كلامها غيري وإني مش هقولها لا وأنا ببعدها عن هنا ، هي متعرفش هبعدها عن هنا فين ولا عرفت باللي بيحصل هنا دلوقتي بس أنا مقدرتش أوعدها وهي بتقولي انت مش هتعمل زيهم وتقولي لا ، بصيت لها وسكت عشان مش بإيدي أوافق أو ارفض ،بس أنا عايزها معايا يا حازم ، أنا خايف عليها زيك بالظبط عشان كدة فاهم انك مش هتقول لا "
هل ظهر الترجي في عينيه؟ ، وضع "حازم " يديه على رأسه بتعبٍ وتمت محاصرته من قبل الظروف الٱن ، أخذ أنفاسه بعمقٍ ، ونظر ناحية"زينات " التي بكت بصمت وحرقة الٱن وتعلقت عينيها بعيني "ٱدم"فوعدها بصراحة:
_" أوعدك اني مش هاجي عليها ، والله ما هأذيها ، بنتك معايا في ٱمان متخافيش !"
وأضاف يوزع نظراته بينهما :
_" وهعيدلك تاني إنها في أمان ، ومش هحكم حركتها ،. براحتها لو حبت ترجع ولما تحس انها تمام ترجع ، مش مجبرة تفضل معايا كدة من غير ما تمشي كل حاجة زي ما انت عايز ، ولو هي مش عايزة وحابة تفضل هخليها ، انا أهم حاجة عندي راحتها!"
يعدها الٱن ، ولم يتوقع منها الٱتي عندما شعرت بمدي الخطر القادم بدون توقع من ما تفعله ابنتها ، لذا رفعت رأسها تردد بنبرةٍ باكية ناحيته وناحية"حازم" :
_" أنا موافقة "
هل وافقت للتو قبله؟ ، نظر لها "حازم " بتشتتٍ ومسح وجهه للمرة الذي لا يعرف عددها وما جاء بعقله الٱن كثير وكثير ، الأمر ليس على عائلتها فقط! ، الٱمر أكبر بكثيرٍ ، لمعت عينيه وهبطت دمعته وهو يسأل "ٱدم" ظاهراً الضعف والخوف قبالهم دون خرج ، بل خرج رغمًا عنه الٱن :
_" ٱضمنك يا ٱدم ؟ أضمنك ومخافش عليها وهى معاك؟"
هذا السؤال بمثابة أسئلة كثيرة ، أخذ منها معاني محددة فقط وحرك رأسه بصدقٍ نابع من فؤادة وقال بصراحةٍ :
_" أمان ، أمان والله يا حازم"
رفع "غسان" يديه يمسح وجه "حازم" وضرب كتفيه يحثه على القوة. وقال بإبتسامة هادئة مرحة :
_" أمان يعم ، مالك ريشة كده ليه ، اجمد كدة !"
ابتلع ريقة وهو يبتسم ابتسامة باهتة ، وقال بتحشرجٍ جعل بسمة "ٱدم" تتسع كما البقية :
_" على الله"
ضحك "بدر" بخفةٍ وعانق عمه و"ٱدم" الذي ابتسم بإتساعٍ ، فنظر "حازم" ناحية "زينات" فوجدها تحرك رأسها بنعمٍ ، ولكنه الٱن قبل أن تستمر الجلسة معهم أكثر نهض كي يمهد هذا الموضوع لـ "فريدة" وقال بعدما نهض:
_" أنا هستأذن أنا ، قوم تعالى معانا يا ٱدم!"
نهض "ٱدم" يعدل سترته ورغم قلقه من رفض "فريدة" ولكنه يثق بها وكيف أتت هذه الثقة؟ لا يعلم جواب هذا السؤال! ، ولكنه نهض معه ومع "زينات" تحت نظرات البقية ، فزفر "حامد" بصوتٍ مسموع وظهرت نظراته المشفقة عليهم وعلى حالهم ، فإلتفت "بسام" بسعادة هذه المرة يخبرهم:
_" يلا كل واحد يشوف هيلبس ايه!"
أراد "غسان" التخفيف عنه وعن ما يجري في هذا اليوم بالنسبة له فغمز له بمشاكشةٍ وقال بنبرةٍ ضاحكة بخفةٍ :
_" ماشي يا عريس!"
بادله الضحكات ، ونهض "بدر" بعدما شاكسهم في الحديث كي ينصرف ليتجهز هو الٱخر!!
______________________________
منذ الصباح الباكر وهي تنظم الشقة معهن ، رتبت الكثير من الغرف وصالة المنزل ومدخله وحتى الطعام في المطبخ ساعدت به ، أُنهكت "جميلة" بما فيه الكفاية ، فردت مفرش الأريكة بتعديلٍ وإعتدلت تمسح عرق وجهها بتعبٍ قبال "حنان" التي تحمل الأطباق وهي تتجه بهم ناحية المطبخ ، وزوجة خال "عز" التي خرجت للتو من الغرفة تحمل صينية كبيرة ليس عليها شئ ، وابنتها التي كانت تطوي ملابس ما بطبق غسيل كبير ، خرج "عز" منذ قليل يبتاع بعض الحلويات والطعام الذي سيقدم لهم ، في حين خرجت "فرح" الان من المرحاض تضع منشفة ما على رأسها وشهقت ما أن وجدت "جميلة" تكنس الٱن ، اتجهت ناحيتها ونهرتها قائلة بلوم:
_" كدة برضو يا جميلة ؟ هو. ده اللي خلصتي وهتسبقيني على فوق عشان نجهز سوا؟"
_" معلش يا فرح ، أنا والله طلعت بس طنط ميرفت قالتلي أنزل عشان في شوية حاجات مخلصتش لسه!"
كان هذا رد "جميلة" الذي جعل "فرح". تطالع زوجة خالها بضجر من على بعدٍ ، فإعتدلت أكثر وسحبت منها ما بيديها وقالت تحثها من جديد :
_" طب يلا سيبي اللي في ايدك يلا عشان نطلع ، هنتأخر كدة"
أومأت لها "جميلة" فنادتها من على بُعد "حنان" فنظرت لها "جميلة" بأسفٍ وقالت تخبرها :
_" طب بصي المفتاح فوق في الشقة ، اطلعي على ما أكلم مامتك وهاجي وراكي على طول "
وجدت أن هذا الحل كي لا يضيع الوقت ، وبعدما انتهت "هاجر" دخلت غرفة "فرح " لتبدل ثيابها ، في حين وافقت "فرح" "جميلة" بقولها السريع :
_" حاضر ، بس متتأخريش!"
هزت "جميلة" رأسها توافقها ، وتزامناً مع سير "فرح" ناحية الخارج وهي ترتدي عباءتها المفتوحة فوق بيجامة بيتية ارتدتها ، سارت "جميلة" ناحية المطبخ بإنهاكٍ فوجدت "حنان" وزوجة شقيقها الراحل فدخلت أكثر تجيب على نداءها :
_" نعم يا طنط "
_" خلاص يا حبيتي ، تسلمي ، كنت بس عايزاكي تدوقي الأكل ناقص ملح ولا لأ بس أم هاجر فيها الخير جت وداقته "
هتفت بها "حنان" فإبتسمت لها "جميلة" وهي تضع ما بيديها تركنها على الحائط ، فتحدثت "حنان" للأخرى بعجالةٍ :
_" خليكي قبال الأكل كدة يا ميرفت على ما اجي !"
تركتها وكأنها تذكرت شئ فهرولت تستند ناحية الخارج ، وقبل أن تخرج "جميلة" خلفها لتصعد ، قاطعها نداء"ميرفت " وهي تناديها قائلة :
_" خدي يا جميلة راحة فين كدة ؟"
إلتفتت "جميلة" تبتسم لها نصف ابتسامة وجاوبتها حينها بصراحة:
_" هطلع عشان اجهز ، حضرتك عايزة حاجة مني؟"
_" ويصح برضه تطلعي ولسه الشغل هنا مخلصش ؟"
سألتها بنبرةٍ ضاحكة سمجة ، فإبتلعت "جميلة" ريقها وردت توضح لها وهي تنظر ناحية المطبخ في الداخل وناحية الشقة في الخارج :
_" أيوة بس ..أنا مش شايفة ان لسه فاضل حاجة تتعمل ، احنا شغالين من الصبح!"
سحبت "ميرفت " يد "جميلة" في جراءة وجعلتها تقف أمام الطعام الموضوع على النار ، وحثتها قائلة قبل أن تخرج ولم تعطيها الفرصة في الرد :
_" معلش وماله ، خدي بالك من الأكل ده على ما أروح ألبس واجي!"
هل تتهرب؟، تذكرت كل ما كانت تفعله معها منذ الصباح ، كلما تكلفها "حنان" بشئ تتظاهر بأنها تفعله وتكلف "جميلة" به فتعود "حنان" من على بعد فتنتبه لها "ميرفت". وتعود تتولى الأمر فتأتي الأخرى على وضع ما طلبته من زوجة أخيها وهي لم تفعل هذا من الأساس !
لمعت عيني"جميلة" من هذا ولم تعطها الأخرى الفرصة في الرد بل سارت بسرعة ناحية الخارج وتركتها ، فذوبت "جميلة" الملعقة في الاناء بشرودٍ حزين مُجبر على الصمت!! ، هل كان لها أن تتزوج في منزل عائلة هكذا بمنطقة أكثر شعبية عنهم ؟ لم يأتي إلى عقلها هذا بل سقطت دمعتها ما ان تذكرت قولها لـ "عز" في بداية علاقتهما بأنها تهاب الرد لأخذ حقها مقابل احراج أحدهم وجرحه ! ، هل لا تفرق الٱن بين الحق والواجب؟ ،صمتت كي لا تحدث عقبات ومشاكل والكل الٱن ذهب عداها هى!! تقف ومازالت تقف!! لتخدم!!
سقطت دمعتها بشفقةٍ على حالها ، ومسحتها سريعًا ما ان وجدت صوت "عز" الٱن وهو يغلق الهاتف حاملاً بيديه أكياس يدخل بها الان ناحية المطبخ، أغلق هاتفه وسند الأكياس بذهولٍ وهو يناديها :
_" جميلة!"
لم تلتفت بل ظلت كما هي تهمهم فقط كي لا يرى عينيها فيكشفها كما يكشفها كل مرة ، ولكنه أدار كتفيها هذه المرة بإستغرابٍ تزامناً مع سؤاله:
_"انتِ لسه مطلعتيش لحد دلوقتي تلبســ..."
توقف عن إكمال الحديث ما ان وجد عينيها حمراء بخفةٍ ليس هكذا بل وجنتيها البيضاء الذي يظهر عليها أقل تعابير توحي بالبكاء ، هربت بعينيها فسألها بقلقٍ :
_" انتِ معيطة ؟"
حركت رأسها نفياً وأرادت البعد عن محور الحديث وهي تطالعه وتطالع الأكياس:
_" لا مفيش حاجة ،انت اتٱخرت ليه؟"
رفع "عز" أنامله يدفع ذقنها للأعلى كي تقابل عينيه وقبل ان يسألها مجدداً هرولت زوجة خاله من الخارج وهي تعقد حجابها بسرعة ودخلت تردد بنبرة. تمثيلية تحاول تدفعها من مكان ما أمام الطعام:
_" كدة يا حبيبتي توققي وتعطلي نفسك ، ما قولتلك سيبيهالي واطلعي البسي!"
اتسعت عينيها من هذا ولم تترك لها الفرصة للرد بل ابتسمت لـ "عز" الواقف وهتفت بترحيبٍ :
_" حمدلله على السلامة يا حبيبي ، انت جيت امته؟!"
أمسكت منها الملعقة ، لتقف هي وهي تعدل حجابها بتوترٍ ، قبال نظرات "عز" المستنكرة لصدمة زوجته ،فتظاهرت "جميلة" بلاشئ وسألته برفقٍ :
_" مش يلا عشان تلبس؟"
نظر مطولاً ناحية الأخرى وحرك رأسه موافقاً ، فأمسكت ذراعه تخرج من هنا معه ناحية الخارج فقابل هو "والدته" التي ابتسمت ترحب بحديث عشوائي عن المشتريات حينها ودعها مؤقتاً ليصعد وانتظرته هى على عتبة باب الشقة ، فجاء لها مبتسماً حتى يصعدا معاً ، صعدا الإثنان ومد يديه يفتح الباب مع سؤاله لها :
_" هي فرح هنا ؟"
_" ٱه"
لمَ ردها مقتضب هكذا ، انتظرتها "فرح" على الأريكة احتراماً لخصوصية غرفتها ولم تدخل الا عندما تنتظرها لتصعد ، فنهضت بلهفةٍ تسألها :
_" ايه يا جميلة كل ده ؟ ، أنا مش ٱخر مرة سيباكي ومخلصة كل حاجة؟ ايه اللي جد ؟"
ٱتي بتفكيره الكثير وهي تبرر لها بأي شئ ، فابتسم هو ما أن تحدثت "فرح" لـ "عز" بمشاكسةٍ :
_"اللي واخده عقلك يا عز الرجال!"
_" واقفة جنبك اهي"
رددها بتلقائيةٍ فابتسمت"جميلة" وبدأت تمسك كف "فرح" تسحبها خلفها بسرعة مع قولها الذي ظهر به العجالة :
_" يلا بسرعة يا فرح ، اتأخرنا !"
أخذتها بسرعة ناحية الغرفة التي وضعت بها ملابسهما هما الاثنان ونقلت ملابسه هو في غرفة أخرى كان قد توجه لها الٱن وذهنه منشغل بسبب بكاءها والتي اقتنعت هى بأنها هربت منه وشتته!!
_______________________________
جلست بينهم الٱن تستمع إلى القرار بتيهةٍ ، إبتلعت ريقها من فكرة عقد القران ومن ثم الذهاب معه هو وشقيقته ولم تأتي إلى هنا مادامت لا تريد هى ذلك!
ترقب "ٱدم" الذي ظهر التوسل بعينيه كما ترقبت والدتها وكل الفتيات الٱن وحتى "سُمية" التي عادت من الخارج وقصت لها "وردة" كل ما حدث ، رفعت "فريدة" رأسها وابتلعت ريقها تجاوبهم بنبرةٍ بطيئة :
_" أنا موافقة!"
شهقت الفتيات بفرح ، خاصةً "فاطمة" التي خرجت منها زغرودة الٱن عالية جعلت "ٱدم" يبتسم بإتساعٍ ، فعانقتها "زينات" بتأثرٍ قبال النظرات وأمسك "حازم" كفيها بينما هى الٱن عينيها تتعلق مع عينيه هو وكأنها تعاهده وتشهده على ثقتها !! ، فأغمض عينيه يومأ بسعادةٍ وإطمئنانٍ وعاد "حازم" يحثها برفقٍ :
_"طب قومي يلا براحتك ، شوفي هتلبسي ايه عشان نمشي!"
وافقت برأسها ونهضت فأسندتها "زينات"و"أسماء" ناحية الخارج ، فحمل "ٱدم" "جنة" هذه المرة يديرها بسعادة بالغة من القبول ذاته ،. فعانقه "بدر" بتأثرٍ من هذا وتمسك به من الأسفل الصغار ومعهم "يامن"، لحظة عناق الإخوة شئ مؤثر الٱن قبال نظراتهم ، لمعت عيني "وردة". من هذا حتى بعدما عانقتهم"فاطمة" بحبٍ وهتفت في سعادة لهم :
_" ربنا يسعدكم ويسعد قلوبكم ومشوفش فيكم حاجة وحشة أبدًا!"
عانقها "بدر" بذراعه يضمها ناحيته ومعهم "ٱدم" الذي سمع المباركات من حوله بسعادةٍ ، فسارت "ياسمين" مع "حازم" إلى أن وقف يشير لهم بالخروج وخرج معها ليبدل ثيابه كما ذهبت هى الأخرى ، وتبقى هم ، فإعتدل " بدر" يحثهم :
_" طب خشي يا فاطمة عشان تغيري لعيالك ، وانت يا ٱدم روح يلا عشان تلحق تلبس وترجع!"
وافق برأسه وإعتدل يبتسم بإتساعٍ يودعهم ويودعها هي و أولادها ، وبدأ هو في الرحيل ناحية منزله ، في حين دخل"بدر" ليتجهز هو و"وردة" وصغيرهما ، وبقت "نيروز" مع "سمية" الٱن، فطالعتها "والدتها" بشففةٍ ورغم أنها تعلم الجواب الا انها سألتها:
_" مش هتيجي برضه ؟"
_" لأ ، أنا أصلاً مش قادرة فهدخل أنام "
تركتها قبل أن تضغط عليها ، وسارت"نيروز" ناحية غرفتها ومن ثم أغلقتها خلفها ، فزفرت "سمية " بقلة حيلة من هذا الوضع ، وسارت بخطى بطيئة متحسرة ناحية غرفتها كي تبدل ملابسها هى الأخرى !!
_________________________________
الٱن تم تفعيل وضع كلمات "الست " الذي قام بتشغيلها "غسان" وهو يرتدي مع شقيقه ، مشاعر مختلطة تهاجمه وهو؟ هو الٱن يقرر قرارات كثيرة يود بها الفرار من هنا حيث اقتنع انه المتسبب الأول في أذيتها كل سيرحل؟ هل سيبتعد عن مكان الوجع ليتركه كما كانت قد فعلت هى؟ وما شأن خطابة الثاني الذي ألقاه بشرفتها قبل ان يدخل شقيقه عليه الغرفة ليرتديا معاً ملابسهما؟.
«غصبت روحي على الهجران.. وانت هواك يجري ف دمي
وفضلت أفكر فى النسيان.. لما بقى النسيان همي
لو خطر حبك فى بالي.. والا زار طيفك خيالي
حاولت أهرب م الافكار..اللى تشعلل نار حبي
وفضلت وانا بالي محتار.. فى الحب بين عقلي وقلبي
وكان هجري عشان أنساك.. واودع قلبك القاسي
لقيت روحي فى عز جفاك.. بافكر فيك وانا ناسي
صعبان عليّ جفاك.. بعد اللى شفته فى حبك
مش قادر انسى رضاك.. أيام ودادك وقربك»
..وكأن الكلمات تتوافق معه، انصاته بشرود في هذا الشكل جعل شقيقه يصمت ويكف عن المشاكسة كي لا ينادي على وجعه بمواجهة كلمات حتماً سيكون لها تأثير الٱن عليه ..
«لكن اعمل ايه ..وانا قلبي لسه صعبان عليه
صعبان عليه إنه اتمنى ..جنة قربك
ونال مراده واتهنى .. بنعيم حبك
ورجعت تسقيه من صدك .. كاس الهجران
وتفوت عليه أيام بعدك .. سهد وحرمان
وقلت أراضيه وأنسى هواك .. واودع قلبك القاسي
وقلت أقدر فى يوم أسلاك.. وأفضي م الهوى كاسي
لقيت روحي في عز جفاك.. بافكر فيك وانا ناسي
ياما حاولت أنساك.. وأنسى ليالي هواك
وانسى الجمال اللى شفته.. في الوجود وياك,»..
إرتدى "بسام" ثياب لائقة أنيقة ،. والٱن يضع ٱخر اللمسات بالعطر في غرفة "غسان" الذي جاء من خلفه يرتدي السترة فوق القميص ، ومد يديه يلتقط المشط كي يمشط خصلاته بحذرٍ ، فانتشلها منه "بسام" بشقاوةٍ وهو يغمز له وهتف بمرحٍ يخفف عنه :
_" أنا الأول ، أنا العريس"
ابتسم "غسان" وتلمس رأسه بحسرةٍ مضحكة وهو يحرك رأسه بلامبالاة إلى أن مد "بسام" يديه بالمشط يمشط خصلات شقيقه برفقٍ ورتبها بيديه وهو يربت على جرح رأسه بترتيبٍ انتظر أمامه "غسان" بإبتسامة هادئة ، وعقب ما انتهى وضع على رأسه قبعة احتياطية إلى ان يصل هناك ، انتهى الإثنان الٱن وسمع "غسان" صوت الجرس الذي لا يتوقف أبداً بإزعاج فعلم أنه "شادي" لذا أشار له بغير اكتراث يخبره :
_" لا ده شادي ، عادي"
ضحك "بسام" بخفةٍ, فطالعه "غسان" بعمقٍ وهتف من تأثر اللحظة :
_" دلوقتي بس بعرف فرحة كل واحد فينا للتاني بتبقى عاملة ازاي ، أنا فرحانلك أوي يا بسام ، انت صبرت وعانيت كتير وربنا بيعوضك ، ألف مبروك يا دكتور!"
ضم رأسه حينها ناحيته بتأثرٍ وربت بكفه على رأسه المستندة على كتفيه ، فتنفس "بسام " بأريحيةٍ وهتف بمرحٍ يقطع تأثر اللحظة هي هذا الوقت:
_"سيبك انت، ده انت عليك حضن!"
دخل "شادي" على هذا القول بعدما فتح الباب بإندفاعٍ فنفضه "غسان" بعد هذا القول من عليه وأمسكه من تلابيبه بتشككٍ يسأله بأعين ضيقة :
_" ولا ؟؟ انت مظبوط ؟؟"
_"وربنا مظبوط ، ده أنا رايح اكتب كتابي اهو ،. أكتر حاجة تثبتلك اني تمام!"
قالها بضحكٍ على وضع "شادي" الٱن وهو يضع يديه على فمه بمفاجأةٍ من هذا المشهد والذي كان دوماً يوضع بموضع "بسام" به أما الان فضرب صدره بحسرةٍ وهو يقترب ولام "غسان" بحزنٍ :
_"بتخوني؟ ومع مين ؟ مع أخويا ؟ توأمك؟،و في حضنك؟"
أمسك موضع قلبه الٱن بتمثيلٍ ، فضحك "بسام" واقتربت "غسان" يبث شوقه له بعناقٍ أخوى سحبه به ناحيته برفقٍ ، فعناقهما "غسان" هما الاثنان بذراعيه وهو يضحك بخفةٍ على حديث "شادي"!!
بينما في الخارج جاءت "جنة" تُرى ثيابها الانيقة لـ "حامد" الذي حملها على ساقة مقبلاً إحدى وجنتيها بحنوٍ بالغ ومسح على وجهها مردداً بحبٍ :
_" عسل يا حبيبة جدو ، بقيتي فين بقا في القرٱن ؟ بتحفظي ولا لأ ، أنا عايزك شطورة مش زي البايظين التانين دول!"
ضحكت "جنة" ببراءة على كلماته وهتفت في حماس:
_" لا أنا رجعت احفظ من أول تاني عشان غيرت المكتب يا جدو"
بادلها"حامد" الحماس بنفس براءتها وقال يسألها بعد تشجيعه لها :
_" ده ايه الشطارة دي كلها ، طب بقيتي في سورة ايه دلوقتي!'
_" القدر"
ابتسم بإتساعٍ وسألها بترقبٍ ما ان كانت تفهم معنى الكلمات أم لا :
_" وعارفة معنى السورة ايه ؟ "
رفعت عينيها البريئة تنظر بصمت وسكون ونفت بضحكٍ خفيف ، فعدل جلستها على ساقه ومسح على خصلاتها وتعمد سؤالها برفقٍ :
_" طب سمعي يلا لجدو "
_« أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ،سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»صدق الله العظيم "
قبل جبينها برفقٍ وابتسم بسعادةٍ يردد :
_" برافوا عليكِ يا حبيبة جدو ، شطورة، أشطر واحدة"
سعدت من مجرد هذه الكلمات ولكنه أراد توعيتها أكثر وقال يقص عليها بحديث مناسب لأطفالٍ :
_" عارفة السورة دي معناها ايه ؟ احكيلك.؟"
نظرت "جنة" بحماسٍ وحركت رأسها تؤكد وبقبولٍ فإبتسم "حامد" أخذاً انفاسه ببطئ. وخرج حديثه الهادئ بعقلٍ :
_"السورة دي بتتكلم عن ليلة عظيمة في شهر رمضان اللي احنا بنصوم فيه "
ترقبت حواسها وسألت بطفوليةٍ :
_" طب وليه هي سورة عظيمة يا جدو ؟"
_'عشان هي أعظم الليالي في الشهر الكريم ، اللي هو شهر الصيام ، وسيدنا محمد قال .. صلي عليه الأول !"
ابتسمت "جنة" وهي تردد بنبرتها الهادئة :
_" عليه الصلاة والسلام "
_" أجمل جنة ، كده نكمل بقا ، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "
_'' كده يعني ربنا هيغفر لينا كل حاجة وحشة عملناها في ليلة القدر صح يا جدو."
_" اللي ربنا راضي عنهم وعن عبادتهم بيغفر ليهم طبعاً ، يارب نكون منهم ، قولي ٱمين"
_" ٱمين بس هي ليه اسمها ليلة القدر؟"
سألته بإهتمامٍ فأجاب بترحابٍ ليزيدها أكثر بالمعرفة :
_"لأنها تُقدر فيها الأرزاق والٱجال والأعمال بتاعتنا وعشان هي ليها قيمة وقدر ومنزلة عند الله سبحانة وتعالى، ووصانا الرسول اننا نترقبها ونستناها في الوتر من العشرة الأواخر في رمضان "
فسألته سؤال ٱخر ضحك منه على طريقتها في طرح الأسئلة :
_" يعني ايه الوتر يا جدو .؟"
قبل"حامد "وجنتيها بفخر واعتدل يرد عليها بتفهمٍ :
_" الوتر يا چنچونة يعني الليالي الفردية. يعني يوم ٢٠ الليلة بيكون بعدها ايه ؟ ٢١ صح؟"
عدت "جنة " على أصابعها بإنتباه وردت في اندماج :
_"أيوة يعني كدة ليلة ٢١ و٢٣ و٢٥ و٢٧ صح؟"
_"صح شطورة يا حبيبة جدو ، نكمل بقى .. ربنا بيقول انا أنزلناه في ليلة القدر، يعني بداية تنزيل القرٱن بتاع ربنا على سيدنا محمد نزل في ليلة القدر أول حاجة وبعد كدة فضل ينزل شوية بشوية، ولما قال ليلة القدر خير من ألف شهر يعني الليلة الواحدة عن ربنا أفضل من شهر كامل ، وقال كمان ان الملائكة بتنزل فيها بس بأمر من ربنا ، والليلة بتخلص حتى مطلع الفجر "
صمتت تنظر بفهمٍ وابتسمت له فقال مجدداً :
_" والرسول قالنا اننا ندعي في ليلة القدر ونقول ، اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا "
صفقت بحماسٍ وقالت وهي تهبط من على ساقه:
_" هكتبها في الكراسة عشان ابقى افتكر اقولها لما رمضان يجي وليلة القدر "
تأثر من هذا فضمها بعناقٍ مرراً يديه المجعدة على خصلاتها ، فجاءت"دلال" تبتسم له بحبٍ فطالعها هو بنفس الحب وهو يتمسك بيديها بعدما قبلت الصغيرة ، وهتف بمشاكسةٍ ضاحكة جعلت ضحكتها تظهر:
_"ده يخربيت حلاوتك يا أم غسان!"
_" يوه يا حامد ، ما تبطل يا راجل ، جايلك احفاد توأم في الطريق ، اختشي بقا"
ضحك على قولها وخرجت الصغيرة من باب الشقة لتتجه ناحية والدتها هناك في حين سحب "حامد" زوجته ناحية غرفة"غسان" الذي كان يحتضهم مجدداً بحبٍ بعد حديث مشاكس مرح شبابي بينهم ، والذي دخل "حامد" عليهم الٱن وهو يهتف بهذا الوضع :
_" وأنا مليش نصيب يولاد الكلب ولا ايه؟!"
أشار له "شادي" وهو بضحك بصوتٍ فدخل "حامد" بينهم ودخلت "دلال" حينها وهي تسحب "منة" معها ، فخرج "بسام" يتوجه أولاً ناحية "والدته" التي أدمعت عينيها الٱن بتأثرٍ وهتفت وهو يلتقط كفها ليقبله :
_"ربنا يفرحك يا بني ، ويتم الفرحة دي عليكم بخير يارب!"
إحتضنته حينها بعاطفة أمومة ، ووقف "حامد" ينتظر فأمسك "بسام" كفيه يقلبهما ومد ذراعه يضم والده ناحيته بعناق عميق هذه المرة ، ودخلت "وسام" مهرولة بعدما انتهت للتو ودارت حول نفسها بفستانها تسألهم :
_" ها ايه رأيكم؟"
_" أحلى واحدة هناك وهنا وفي كل مكان"
نظرت بحبٍ ناحية "غسان" الذي اقترب يمسح ما أسفل عينيها بحنوٍ ودارها مجدداً بسعادة أظهرها وكأنه يرى أن من حقهم رؤية هذا به ، بل ليس لديهم ذنب بما يشعر به من وجع ، وتزامناً مع مسكه ليديها كي يديريها هتف "شادي"و"بسام" بنفس الوقت :
_" عسـل"
ابتسمت تتصنع الخجل ، واقتربت تعانق "بسام" بتأثرٍ ومن ثم نظرت لها "منة" بإعجابٍ وخرجت من أحضانها تخبرها بصدقٍ :
_" زي القمر يا ويسو!"
تلقت منها قبلة طائرة قبال الحديث العشوائي الٱن والمتأثر بين ثلاثتهم و"حامد" ، فأمسكت "وسام" يد "والدتها"كي يخرجا معاً ناحية الخارج ، وهتف "حامد" حينها يخبرهم :
_" يلا بينا"
إلتقط "غسان" هاتفه يضعه بجيبه بعدما ارتدى ساعة معصمه التي قد ابتاعتها هى له ، وشرد ذهنه بها لا يعلم هو ستأتي أم لا ، ولم تعطي جواب لـ شقيقته نافع كي لا تأخذ منها موقف ، فُتح باب الشقة وخرج أخرهم "شادي", و"منه" التي تتأبط ذراعه فغمز لها مشاكساً رداءها الرقيق وخصلاتها القصيرة وحتى عينيها :
_" احلى أم عيون قناصة ممكن تشوفها عيني"
ابتسمت بخجلٍ وخرجت فمد "غسان" يديه وهو يبتسم على مشاكسته وأغلق الباب خلفهم ، وقابلوا على السُلم الٱن أمام الشُقق ، خرجت "فاطمة" مع الصغار ، وابتسم "حامد" بسعادة لهم ، في حين خرجت"فريدة" الٱن مع "حازم" و"ياسمين"و"زينات" التي لابد من حضورها الٱن وتركت "أسماء" في شقة "عايدة" بإذن منها كي لا تعود لخطر شقيقها ، وقف الكل والأصوات تتعالى حتى بعد تجهيز "وردة"و"سمية" بحث "غسان" عنها بعينيه ولم يجدها ولكنه اقنع نفسه الٱن بأنها ستأتي لا محال ربما تأخرت وستتجهز!! ، وقف "حازم" ينظر ناحية "فريدة" وتصلب جسدها بين الحين والأخر وحتي عجالتها في الرحيل للمناسبة ولكنها تندمج تدريجياً مع الفتيات الٱن ،
فصاح عالياً يخبرهم بتفسيرٍ :
_" أنا هاخد مراتي وأمي وأختي وأمها معايا "
وأكمل عليه قول "بدر" بتفسيرٍ أخر :
_" وأنا مأجر العربية ، ومعايا. وردة وأختي وعيالها وحماتي وشادي معاه الباقي في عربيته ومعاهم عربية "غسان " اللي هيسوقها "بسام " في حد كدة ناقص؟"
رفض الكل فبدأ البعض في الإنسحاب في المصعدين وأمسك "بدر" يد "سمية" ورافقت "وردة" "فاطمة" والصغار ناحية الأسفل مقررين انتظار قدوم "ٱدم", حتى يرحلوا ، في حين هبط "غسان" الٱن بشرودٍ على السُلم واعتقد بأن انتظارهم ليس لـ "ٱدم",, فقط ربما لها هي وهي تتجهز ، هكذا أقنع عقله بأنها ستأتي!! ، هبط لأسفل حيث السيارات ومعه شقيقته الٱن ترافقه ناهيك عن هبوط البقية الٱن، والبعض منهم يحاول فتح أي حديث لتندمج "فريدة" والتي اندمجت بالفعل تحاول ابعاد أي تفكير سلبي عن عقلها ، وحتى "حازم" الذي لا يقتنع الى الٱن بل لا يعي أن شقيقته سيصبح من حقها الرحيل مع "ٱدم" وفاطمة بعيداً. عن مكان الوجع ، هل ستنتهي إلى هنا وهكذا ؟ ، الغريب انها لم تهاب هذه الفكرة بثقةٍ منه ولكنها بالفعل نفذت طاقتها قبال هذا المكان وما يجري به وما جرى من قبل سنوات منذ ان وعت على هذه الحياة ، فمتى الراحة ؟ وهل الراحة ستكون معه هو ؟ أسئلة تسألها عقول غير عقلها المسكين الذي يسأل فقط السؤال الأول!
________________________________
وضعت اللمسات الأخيرة الٱن بعد أن انتهت "فرح"بفستانها الهادئ الأبيض ، وحجاب رأسها الذي كان من نفس اللون ، وإرتدت "جميلة" فستان من نفس لون حلة "عز", فستان بيج متداخل به لون أسود ببساطةٍ مع حجاب عقدته بتنسيقٍ ،. انتهت من وضع مساحيق تجميل خفيفة وطالعتها "فرح" ما ان انتهت ، فإلتفتت "جميلة" تنظر بإعجابٍ للمرة التي لا تعرف عددها واقتربت تعانقها مجدداً. بتأثرٍ ، وهتفت تصارحها بصدقٍ :
_" شكلك حلو أوي يا فرح ، والميكاب اللي عملتيه لنفسك تحفة!"
ابتسمت بسعادةٍ وهي تنهض بمساعدتها ونظرت لمظهرها أمام المرٱة بفرحةٍ ، فطالعت "جميلة" فرحتها بسعادةٍ ، وردت لها قولها المتأثر :
_" انتِ كمان جميلة أوي ، تعالي نخرج نشوف عز ، عشان يقول رأيه!"
وافقتها وانحنت ترتدي حذاءها ذو الكعب المتوسط مثل الأخرى ، واعتدل الإثنان وفتحت "جميلة" الغرفة لتجد "عز" الٱن يقف مستنداً على المقعد واضعاً الهاتف على أذنه وهو يُحدث "غسان وبسام" يعلم منهما تفاصيل جديدة صدمته ، على الرغم من أن "ٱدم" أخبره قبل قليل باعتباره أصبح صديقاً له هو الٱخر والعمل! انهى المكالمة بنبرةٍ مبتسمة هادئة غمرتها السعادة من أجلهم ، ووضع هاتفه بجيب بنطاله القماشي الخاص بالحلة ، ورفع رأسه حتى عاق نظراته وقوفهما الٱن بجمالٍ رٱه هو بهم ، ابتلع ريقه بابتسامة متسعة واقتربت "فرح" تسأله بلهفةٍ :
_" ايه رأيك بقى؟"
مشاعر كثيرة تواجهه لا يود فعل ما حدث المرة السابقة بقول حديث متأثر ، سيهرب منه بعناق فقط الٱن عندما ضمها مردداً بصراحةٍ :
_" حلوة أوي يا فرح ، ربنا يحميكِ!"
لم يجد قول يعبر له عن تأثره أكثر من الدعاء لها ، ضمته بحبٍ وأشارت بكفها ناحية "جميلة" التي تقدمت وحينها سألته بمشاكسةٍ تحاول ان تظهر له بأنها بخير :
_" شكلي حلو يا عز؟!"
دائماً ما تردد هذا السؤال ، حاولت "فرح" تركهما مع بعضهما بهذه اللحظة خاصةً بعدما شعرت بثقل "جميلة" ولا تعلم السبب ، فهتفت أولاً قبل ان يجيب :
_'' طب بصوا, هسبق أنا عشان زمان البنات اللي عزمتهم جم ، هستناكم ، متتأخروش"
قبل أن تعترض "جميلة" وجدتها تغلق الباب وهي تتمسك بطرف ثوبها ،. فإلتفت "عز" برأسه وسألها بما جعلها تضحك :
_" مش ملاحظة ان البت فرح تخنت شوية؟"
هل سألها بهذه الطريقة لتضحك؟ ، ضحكت بخفةٍ وأجابته بجديةٍ :
_" فعلاً ، النفسية الحلوة حاجة مهمة برضه ، وهي شكلها فرحانة أوي ،. ربنا يديم فرحتها دي ويخليك لينا يا عز !"
حرك رأسه موافقاً واقترب يمسك كفها بحنوٍ بين راحته وسألها بمراوغةٍ :
_" طب مش عايزة اجابتي على سؤالك ولا نسيتي؟"
بالفعل لم يجيب على سؤالها ، حركت رأسها برغبة في سماع الرد وابتسمت بإتساعٍ فأخذ نفساً عميقاً يكرر قول كان قد قاله لها من قبل :
_" حاز الجمال والحُسن كله"
تزامناً مع هذا رفع يديه الأخرى يشير عليها بالكامل ودارها برداءها فإقتربت تحتضنه براحةٍ ولمعت عينيها بتأثرٍ فمرر يديه على ظهرها برفقٍ حتى خرجت تبتسم بإتساعٍ وكأن التساؤلات أجمعها تأتى منه حينما سألها مجدداً :
_" طب مش عايزة خبر يفرحك ؟"
قرأ الإجابة في عينيها فجاوبها وهو يسحب كفها ناحية باب الشقة:
_"كتب كتاب ٱدم وفريدة النهاردة مع فرح وبسام!"
_" بــجد؟؟؟"
سألته بإندفاعٍ وبدون أن يُفسر لها حرك رأسه وهو يضحك بخفةٍ، فشعرت بالسعادة جاهلة عن سرعة هذا الحدث وما بعده ! ، أغلق الباب ، وجاب مسامعهما الٱن الأصوات المداخلة وصوت السيارت التي تفعل صوت يوحي بالفرحة والبهجة ووقوفهم خلف بعضهم الٱن بعدما جاء المأذون بواسطة "بسام " ، انتفضت "جميلة" بسعادة وتمسكت بكفة بتلقائيةٍ تخبره بفرحةٍ :
_" دول جم خلاص!"
تلهفت لتراهم وترك كفها كي تهبط وهبط وهو يضحك بخفةٍ على اندفاعها وفرحتها التي زادت بعد الخبر التي تلقته منه من أجل شقيقتها ، هبط بسرعة ليستقبلهم وفي الداخل حيث منزل "حنان" أتت المعازيم من الطرفين ولكن طرف العروس كان أكثر عن "بسام" وأصدقاءه وبعض من الأقارب ، تمسك "بسام" بباقة الورد وبجانبه عائلته والكل يهبط الٱن ، واقتربت "جميلة" بفرحة تدخل بين ذراعي "حازم" بسعادةٍ وحينها ضمت "فريدة",و",عايدة" وهتفت بتحشرجٍ لهم:
_", وحشتوني أوي"
ربما رد فعلها أتي من مشاعرها التي داهمتهما فرغم احتواء "عز" ولكن منذ الموقف الذي حدث شعرت بأنها غريبة هنا ما ان حدث ما فعلته زوجة خاله وهو ليس موجود ، ضمتها "عايدة" بحبٍ هي و"فريدة", ودخل "حازم" مع الشباب والرجال في حين توقفت "ياسمين" بين هذا التزاحم ووضعت يديها في خصرها تسألها:
_" نسيتيني يابت ؟ نسيتيني ياحرباية؟ "
شهقت "جميلة" وهي تطالعها هكذا ومعها "وردة" التي تركت صغيرها مع والده وضحكت على قول شقيقتها ، فإندفعت "جميلة", تعانقهم بحبٍ ومعهم "وسام" و"منة" وبالأخرى "فاطمة" كنوع من الذوق ، وهتفت بصدقٍ تخبرها :
_", والله أبداً ، كنت بدور عليكم ، وحشتوني أوي ،كان نفسي اجيلك امبارح يا ياسمين لما عرفت انك حامل في بنت بس مفضتش خالص متزعليش مني!"
أعطتها العذر وسحبتهم من يدهم ناحية الداخل ، ومع هذا التزاحم جلست النساء بركنٍ والرجال والشباب بركن ٱخر ناحية سفرة وطاولة أخرى جلس عليها المأذون بعد ترحيب "عز" لهم ، وفي جهة أخرى قررت الفتيات وخاصةً "ياسمين" قص مختصر ما حدث من عقد قران وما بعده لـ "جميلة" التي تساءلت من قبل هذا:
_" أومال فين نيروز ؟ فين نيروز يا طنط سمية !"
إلتقت برأسها تزيد من ارتفاع صوتها كي تسمع من الأصوات المتداخلة ، فنفت "سمية" برأسها ومالت تخبرها بأسفٍ :
_" مقدرتش تيجي يا حبيتي، قالتلي انها تعبانة وعايزة ترتاح!"
شعرت بالحزن لأجلها وجابت عينيها سبب عدم القدوم بتلقائية ، هو ؟ هو الذي يجلس وبان على عينيه الشرود وكأنه يبحث عنها في الوجوه الٱن على الرغم من أنه قارب على فهم انها لم ولن تأتي! ، هل تُركت هناك وحدها ؟ انتشله من هذا حث "حامد" له بأن يخرج بطاقته كشاهد هو والأخرين ، وعلى جهة أخرى تعالت الهمسات بسعادة بين "منة"و"فرح" وهي تبارك لها ثم عادت لتجلس بجانب الفتيات مع "جميلة"..
"فرح"؟! الآن يبحث عنها هو بعينيه وعم الصمت على فجأةٍ بعدما بدأت خطبة عقد القران ، والكل الٱن يستمع بفرحٍ وعيناه تتقابل مع عينيها من على بعدٍ أصوات خارجية وداخلية وعيناه لا تتزحزح من عليها ما ان هتف المأذون ببشاشةٍ وهو يشير له على "عز" :
_«إيدك في ايده يا عريس!»
مد "بسام" كفه بمشاعر مختلطة سعيدة وتمسك بكف "عز" الٱن وفوق يديهما المنديل القماشي ويد المأذون والشهود المراقبين للوضع ، لكثرتهم انسحب "ٱدم" بخفةٍ ما ان شعر بشرودها وتقابلت عينيه معها وهو يشير لها بأن تتبعه وبالفعل تجرأت "فريدة" ونهضت تتركهم حتى تقف معه في الخارج ،في حين بدأ المأذون يردد كلماته وما بين سعادة وتوتر كان هو وكانت هى ، والوضع يقوم بالتصوير منهم جميعاً بلحظةٍ بهجةٍ ، نهضت"فرح" لتقوم بالجلوس بجانب"عز" حتى تقوم بالإمضاء قبل هذا ومن بين هذا خفق قلبها بمشاعر غريبة ما ان ردد "بسام " من بين الحديث خلف المأذون :
_« ..واني استخرت الله تعالى وقبلت ورضيت الزواج بموكلتك الٱنسة البكر الرشيد "فرح صالح الشرقاوي" على كتاب الله وسنة رسولة وعلى الصداق المسمى بيننا زواجاً شرعياً صحيحاً ، وبشهادة الشهود والله خير الشاهدين!».
وما بعد هذه الكلمة ارتباك ، ارتباك منه ومنها ومن النظرات بالفرحة والسعادة والبهجة وقول المأذون وهو يسحب المنديل القماشي مردداً بعلوٍ :
_" بــاركَ الله لكــما وبـــاركَ عليكــما وجمــع بينكما في خــير!"
رددها المأذون ومعه أصوات كثيرة بصوت عالٍ ، جعلت "عز" ينهض بابتسامة واسعة، والزغاريد تعلو بقوةٍ كبرى في أرجاء المنزل المزدحم بالأقارب والأصدقاء والمعارف ، شعر بأن الفرحة تغمره الٱن وأصوات الزغاريد في علوٍ هو نفسه لا يسمع مباركة الشباب له وهو يعانقهم الٱن حتى توقف "عز" بتأثرٍ يعانق "فرح" التي لمعت عينيها من توتر اللحظة ، داخلها يتضارب بمشاعر هادئة وعكسها، تلاقت عينيها معه وهو يعانق "والده"و"شقيقه" الٱن والكل يعانق ويحتضن بعضه وهى تركت له اللحظة التي من المفترض من حقها واقتربت من "والدته"ووالدتها " تحتضنهم أولاً ومن ثم بقية النساء والفتيات والأصدقاء وخاصةً تأثر "جميلة" لها الٱن وسعادة "وسام ", البالغة بذلك!!
بينما على بعد خارج باب الشقة ، وقف هو ينتظرها حتى خرجت له "فريدة" بخوفٍ ، لم تكن تعلم ان الوضع هكذا ، حبست الدموع في عينيها ونادته بتقطعٍ :
_" ٱدم .."
لم تستطع إكمال البقية ، ابتلع غصة مريرة بحلقه وهو يراها تفرك كفيها وكأنه قارب على فهم على ما يجري داخلها فإقترب يطمئنها :
_" متخافيش يا فريدة، أنا معاكي ، عمري ما هسيبك ، انتِ موافقة صح ؟ لسه موافقة ؟ ، ردي متخافيش!"
حركت"فريدة "رأسها بنعمٍ وعجزت على أن تظهر مخاوفها فظهر لين نبرته حينما قال بأمانٍ :
_" وأنا وعد مني مش هأذيكي ، وهخليكي معايا على راحتك ، أنا عارف انك معندكيش القدرة ولا الطاقة تشوفي بيتكم من تاني بكل اللي فيه ، وعارف إنك نفسك تبدأي صح وفي نفس الوقت عايزة تواجهي كل ده ، بس أنا مش هغصبك على حاجة ، ليكي كل الحرية حابة تيجي معايا تعالي حابة تفضلي هناك افضلي ، بس أنا عايز أقولك انك معايا في أمان، أمان هحاول اظهرهولك بكل الطرق ومش هقرب ولا هعمل حاجة طول ما انتِ مش جاهزه ولا مستعدة لسه ، أنا فاهمك يا فريدة ، ونفسي في راحتك وسعادتك وبس"
نزلت دمعتها الٱن بتشتتٍ وهو وحده من تظهر له الضعف حينما قالت وكأن لا يوجد على عقلها سوى هذه الكلمات:
_" مش عايزة ارجع هناك يا ٱدم ، مش عايزة ، أنا تعبانة أوي ، متسبنيـش!"
ما هذه اللمعة التي ظهرت في عدستيه وما هذا التعلق الذي يظهر منها ، نفى برأسه بلهفةٍ وقال يطمئنها وكأنها طفلة لا تتخطي السبعة أعوام:
_" مش هسيبك والله أنا جنبك، انتِ خايفة من ايه!!"
ما تهاب منه الٱن صعب، صعب قوله ، ولكنه برر لها كل مخاوفها في أقواله السابقة ، ابتلعت ريقهاولأن نفسيتها هشه انتفضت ما ان استمعت للتصفيق ما ان انتهي عقد القران في الداخل تزامناً مع ذلك ، فمد يديه سريعاً أمامه تحسباً لوقوعها ولكنها استندت وعجزت وهي تشدد من ضم عينيها !!
وكأنه فهم الٱن ما جاء على ذاكرتها فاقتربت يخرجها من أفكارها وهتف بهمسٍ كي تستمع إليه مع هذه الأصوات:
_"متخافيش ، انتِ المفروض في عقد الجواز بِكر يا فريدة ، وطالما أنا عارف كل حاجة خلاص "
هل هابت قول شئ غير هذا في عقد القران المفاجئ؟ ، فتحت عينيها بمفاجأةٍ من قوله وكشفه لما جاء بعقلها ، فإبتلعت ريقها تود تصديق هذا وقد حرك رأسه يؤكد قوله بابتسامة بسيطة هادئة ، حينها قطع أي خوف بنبرته الحانية وهو يحثها بمشاكسةٍ:
_" مش يلا بقا ، دا احنا اللي علينا الدور يا .. شاطرة!"
انفلت منها ابتسامة هادئة صغيرة ولم تمنع عنادها في ان يظهر حينما قالت:
_" متقوليش يا شاطرة"
ضحك بخفةٍ ، ووافق برأسه دون أن يعاند هذه المرة ، فأشار لها بهدوء مع ضحكته ، واقتربت حينها تدخل وهو خلفها ، وقتها كان يبحث عنها "حازم" والبقية ، وما ان ظهرت سحبها شقيقها ناحية الطاولة حتى جلس وهو يحثها برفقٍ مواسياً اياها بكلمات لينة أشبة بكلمات الٱخر..
وأشار له "بدر" هو الأخر ليأتي ، واجتمع الجميع مرة أخرى حتى ساد الصمت ، وسيتم عقد القران المفاجئ بكل سرعة الٱن ، تمسك "ٱدم" بيد "حازم" بعدما أخرج بطاقته وبطاقة "فريدة" وبدأ في فعل ما فعله في البداية وهي الٱن يحتلها توتر ، توتر غريب يسكن ما ان يطمئنها هو بعينيه ، في حين وقف "بسام" بجانب"غسان"و"شادي"و"عز" ، وكلما يحاوطها بعينيه وهي مع الفتيات على بعد تهرب منه بخجلٍ ، الٱن هى أصبحت حلال له ، سيطالعها كما يريد ، وكزه "والده" فإنتفض يخرج من شروده بها يستفهم منه بضجرٍ ، فأخرج سريعاً بطاقته كشاهدٍ عند ترديد "حازم" الكلمات خلف المأذون :
_"بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، أما بعد إني إستخرت الله تعالى وزوجتك موكلتى الأنسه البكر الرشيد " فريدة سليم محمد أحمد الأكرمي"،لنفسك زواجاً شرعياً صحيحاً على كتاب الله وسنة رسول الله وعلى الصداق المسمي بيننا ، وبشهادة الشهود والله خير الشاهدين"
ارتبكت بخوفٍ من الكلمات ذاتها ولكن نظرات الفتيات المشجعة لها وحتى ابتسامة "زينات " المحفزة لها جعلتها تبتسم بإهتزازٍ وهي تسمعه يردد وعينيه لا تفارق عينيها الٱن :
_"واني استخرت الله تعالى وقبلت ورضيت الزواج بموكلتك الٱنسة البكر الرشيد "فريدة سليم محمد أحمد الأكرمي" على كتاب الله وسنة رسولة وعلى الصداق المسمى بيننا زواجاً شرعياً صحيحاً ، وبشهادة الشهود والله خير الشاهدين!».
خفق قلبها ما أن تبسم "ٱدم" لها بسعادة وغمز لها بخفةٍ وحدها من لاحظتها فضحكت عليه بتخفيفٍ وسمعت الأصوات تتعالي مما بث في داخلها فرحة غريبة، بل الأصوات أعلى من قبل ، أعلى من عقد القران السابق بتهليلٍ لأصدقاءه هو و"عز" في ورشة العمل :
_" بـــارك الله لــهما وبارك عليــهما وجمع بينهما في خــير!"
انفلت ضحكتها بسعادةٍ ما ان وجدته يلتفت بسرعة يعانق الشباب بفرحٍ شديد ، حتى شقيقه الذي يبارك له ،. أما هي فوجدت نفسها بين عناق "حازم"ومن ثم هرولة "زينات" و"عايدة" لها كي يحتضنوها ومن ثم الفتيات بفرحة شديدة ، شديدة جدا مع الزغاريد والأغاني التي صدحت بعلوٍ الٱن!!
اقتربت مع الأغاني "فرح" و"بسام" وهما يجلسان على المقعدين بجانب بعضهما واتجهت "وسام" تحمل الذهب الذي ابتاعه لكي ترتديه هي بواسطة اعطاءه له من شقيقته واحد تلو الاخر ، مد "بسام" يديه يضعه كي تضع "فرح كفها الأيسر بين راحته ، ارتجفت يديها بحرجٍ وهي تطالع عينيه الشغوفة بها فمال قبل ان يلتقط دبلتها من شقيقته وهمس بحبٍ يصارحها :
_" أنا فرحان أوي يا فرح ، فرحان أوي يا وصية رسول الله"
تأثرت من لقبه ، ولاحظت أنه يُسمي رقمها هكذا على الهاتف ، ابتلعت ريقها وهو يبتسم باتساع قبال تصوير "غسان"و"شادي" ونظرات الكل المترقبة ، وجعلها ترتدي الدبلة بواسطته فتعالت الزغاريد بفرحةٍ كبيرة، وعقب ذلك ارتدت الخاتمين والسوار الرقيق على معصمها ، فابتسمت بسعادةٍ ،. وانتشل القلادة يشير لها بأن تلتفت فالتفت حتى جعلها ترتدي بواسطة يديه من فوق الحجاب والرداء ، فضحكت بخفةٍ تهمس له بعفوية :
_" ايدك بتترعش يا دوكّ"
_"كأنها أول مرة معاكي يا فرح ،أصل انتِ أول مرة فكل حاجة حلوة حصلتلي!"
هذه المرة ارتجفت يديها من غزله العميق ، ابتلعت ريقها وهي تأخذ دبلته من يد "وسام" التي تعالت زغروده منها الٱن، ففرد "بسام" كفه الأيسر، التي أمسكته هى بيديها الباردة وكأنه يردها لها فسألها بهمسٍ عابث كي تسمعه:
_" ده انتِ ايدك متلجة يا دكتورة بقا !"
وأجابته بنفس عبثه وهي تضحك بخجلٍ مُحَبب ولكنه صادق ما ان قالت بمرح :
_" اصلها أول مرة ، أول مرة أتخطب لـ بسام !"
ضحك "بسام" بصوتٍ عالٍ وارتدى الدبلة بواسطتها حينها زفرت أنفاسها من هذا ، ولكنها خجلت ما ان وجدته يرفع كفه كي يقرب رأسها فقبل قمتها ببرٍ ورفقٍ أمام الأعين والذي صاح الشباب له بتهليلٍ وحماس ، فإحمرت وجنتيها وهي تنظر له بتعلقٍ في عينيه..
لحظات سعيدة يتمنى الكل استمرارها، الكل يتابع، الكل ينظر حتى بعد الأغاني التي تتعالى بعد أغنية ارتداء الذهب بتنسيقٍ من ما فعل هذا ، وقفت "فريدة" بجانبه ، وهو الٱن لا يصدق الذي حدث ،. لا يصدق بأنها أصبحت على اسمه هو ، التفتت بعدما صفقت لهما ،فوجدته يطالعها بتعمقٍ ، فابتسمت بخجلٍ ، كل مايريده الٱن هو عناق ولكنه توقف عن فعلها كي لا تهابه ، يقدر جيداً ما حدث لذا يتعمد الحنو والصبر ، مد "ٱدم" يديه يمسك كفها بين راحته ورفعه ناحية شفتيه يقبله وهمس على مقربةٍ منها :
_" نسيت أقولك إنك طالعة حلوة أوي ، أحلى واحدة في عيني!"
أجملهم كانت هى، وكأن الله يعوضه بكل شئ ، ابتلعت "فريدة" ريقها بخجلٍ وسحبت كفها منه بالتدريج تنظر حولها وعادت تسأله بإهتزازٍ :
_"مبسوط ؟"
ابتسم "ٱدم" بعذوبة وكل الأصوات حوله ولكنه لا يسمع سوى خفقات قلبه ولا يرى إلا عينيها الٱن ووجهها المرتبك بابتسامتها المهزوزة والضعف الذي يُرفَض ان يظهر لأحد عداه هو :
_"فوق مما تتخيلي ، لو حد كان قالي من فترة ان كل ده هيحصل مكنتش هصدق ، بس ساعتها كنت هتمنى ، هتمنى بس انك تكوني من نصيبي ، أنا..بحبك!"
اعترافه الأخير لها وكأنه يعترف لأول مرة ، لمعت عينيها وابتسمت بإتساعٍ ، وراقبهما "حازم" ما ان رأهم هكذا زفر أنفاسه براحةٍ ومد ذراعه ناحية "ياسمين" التي ابتسمت له بحبٍ تطمئنه بعينيها الخضراء الذي لم يجد الأمان والدفء الا بها ، انشغل الكل بالطعام الذي وُزِع عليهم بالتساوي ، ووقف "غسان" يراقب وحده من على بعد كل منهم!!
وحده؟، هل هذه النهاية ، وحده الآن يراقب هذه المشاعر بين كل طرف والأخر ، ما يحتله الٱن مشاعر تلح عليه بالذهاب من هنا ولكن لا يعلم إلى أين ، ابتلع ريقه من فكرة عدم وجودها ، فكرة انها ليست هنا تشكل له فتور في كل شئ ، بالتأكيد ان كانت هنا لشئ ما اختلف ، لامتلئ هذا الركن الفارغ بالداخل والخارج ..
اختنقت أنفاسه وحاول ان يشغل عقله وهو يطالع الصور الذي التقطها "لوالديه" معاً ، أقصى ما كان يتمناه هو قصة مشابهة لقصة والده ووالدته، حب يدوم,, انتماء يظهر ، احتواء يسود ، وأطفال تأتي على هذا بكل طريقة سوية يمكن فعلها ويمكن ظهورها ، كل خططه تتبخر وتذهب هباء أمام رغبته ، ومهما انشغل عقله فيعود في كل مرة يفكر بها هي وهي وحدها!، ترك العلبة التي بين يديه والأطباق و انسحب بخفةٍ دون ان ينتبه له أحد مع صدوح الأغاني من جديد بعد تناول الطعام والحلوى!
نهض "بسام" يمسك كفي "فرح" كي يتراقص معها بهدوءٍ دون اندفاع أمام الكلمات والتصفيق واندمجت هي قبال الانظار الفَرِحة ، وجلوس "عز", الٱن وهو يغلق هاتفه بعدما قام بالتصوير ، إلتفت برأسه فوجد" جميلة" مندمجة بالتمايل من كفتيها فقط وانسحب الشباب والرجال للجلوس على المقاعد في الخارج وقبل ان ينهض سمع قول "زوجة" خاله لـ "والدته" التي تجلس بجانبه:
_" يختي البت مرات ابنك دي مش عاقلة ليه كدة ، شوف شوفي بترقص ازاي وفي شباب!"
لم تتراقص بتمايل لكل هذا ، عقد ما بين حاجبيه من أقوالها ، والتفت برأسه ينظر ناحية الشباب فوجدهم ناحية الخارج ومن هنا كان هو فقط و"حازم" المنشغل بـ "ياسمين" وهو يحذرها من الحركة!! وعلى بعد كان "ٱدم" مع "فريدة " منشغلاً بها ، اعتدل "عز"يسألها بحدةٍ بالغة ظهرت في نبرته ونظراته :
_"بتقولي حاجة يا مرات خالي ؟ سامعك بتجيبي سيرة مراتي ، كانت زعلتك في حاجة ؟"
تشنج وجهه فإعتدلت تصمت بمفاجأة من سماعه لهذا ، فقلب عينيه بجمودٍ ناحية "والدته" التي تصمت لها دون دفاع ، ونهض يقف قبالها وانحني يهمس لها بهدوءٍ :
_" شيليها من دماغك ، ولو كنتي فاكرة انها غلبانة مش هتعرف ترد فأنا موجود يا أم هاجر وأدرى بمراتي ، أصل عيب ، عيب أوي اسمعك. تقولي كده عن مراتي ، قدري كنت غبي مفهمتش وحصلت مشكلة ؟. ..ولا انتِ عايزة كدة!"
هل لعب على المكشوف الٱن شهقت "ميرفت" بتمثيل وردت بصوتٍ عالٍ ليسمعها :
_" اخص عليك يا واد يا عز ، بقا كدة، تصدق عني كده ؟"
نظر لها بسكونٍ فعادت تبرر بدراما لم يستشفها حينها :
_" دا أنا خوفت عليها ,ما هي زي هاجر بنتي برضه ، طب تصدق اني قولتلها تخفف الروج شوية وتقعد مترقصش الا ما الرجالة تطلع عشان عيب ، مردتش عليا ولا عملتلي اعتبار واستعجلت برضه ، بس معذورة فرحانة باختها بردك!!'
تلقائياً نظر ناحية شفتيها ، وإعتدل يتركها دون رد كي لا ينفعل بعد كم هذا الصبر ، واقترب يراقب "جميلة" التي وقفت بركن تتابعهم وتصفق واقتربت بعفويةٍ ناحيته تسأله من وقوفه هكذا:
_"مالك يا عز ، واقف ليه كده؟"
نظر ناحيتها مطولاً ، فرفعت يديها على شفتيها تلقائياً ، وسألته بتلقائيةٍ :
_" في حاجة عليا ولا ايه؟"
_"هو البتاع اللي على بؤك ده مبيتخففش ؟"
سألها فعقدت ما بين حاجبيها وسرعان ما ابتسمت تشاكسة بضحكة خفيفة:
_" بتاع ايه يا عز ، انت بتهزر؟ دا لون شفايفي أصلاً !"
صمت يبتسم ورمش بأهدابة يعي انه انساق خلف كلمات للايقاع بينهما ابتسم ببساطةٍ يومأ لها متنفساً بعمقٍ في حين استشعرت هى صمته فسألته بقلقٍ وترقب:
_" لو مدايق ممكن امسحه عادي ، مكنتش شايفة انه مُلفت !"
حرك رأسه مبتسماً يراضيها وقال بتبريرٍ :
_''لا مش ملفت ولا حاجة ، أنا اللي مش مركز معلش!"
راضاها بنظرة وبحركة رأسه ونظر بضيقٍ ناحية الأخرى ، وعاد يشير لها بلاشئ حتى خرج مع الرجال والشباب وأشار لـ "ٱدم" حينها كي يخرج معه بجديةٍ ففهم الأخر ، وتساءل "حامد" في الخارج بإستغرابٍ يسألهم ويسأل "بدر" و"شادي" اللذان كانا مرافقان لـ "غسان" :
_" أومال غسان راح فين؟"
_"مش عارف ، تلاقيه في الحمام ولا حاجة ، هيظهر دلوقتي متقلقش ، هو بس الدنيا زحمة "
هكذا برر "شادي" وأيده "بدر" الذي حمل "يامن" يلاعبه ، ولا يعلم هو ان الٱخر قد رحل من هنا ، جلس معهما "عز" بحديث عشوائي بين الشباب والرجال وتركهم في الداخل يتراقصون على الأغاني بسعادةٍ وبهجة!!
___________________________________
«لا أستطيع الذهابَ إليك، ولا أستطيع الرجوع إليّ، تمرّدَ قلبي عليّ»-مُقتبس-
_« الخطاب الثاني»
_« هجرك شئ موجع جدًا ، ولكنها الأيام ، مهما كثرت الوجوه ومهما تلاقت عيني مع عينيّ غيرك فلم ولن ترى سواكِ ، سوى "نيروز" ، أتى على قلبي الوداع ، كنت أريد قولها وجه لوجه ولكنني علمت الٱن أنني أضعف ما يكون أمام عينيكِ البريئة ، فـ وداعاً رغم انني لا احب الوداع وأريدك ان تعلمي أن ما بقلبي لكِ شئ فوق الكلمات ،شئ هزم الأحرف ، حتى وان لم أكن ظالماً فلكِ ومعكِ كنت أنا الظالم ، من المستحيل ان تُلَقبي بالظالمة وانتِ تملكين عينين بريئتين ، أُجبر قلبي على الفراق ويلعنني سرًا وجهراً ، ومن اجل "نيروز" سيُفعَل المستحيل »
« من : ابن البدري
إلى: بنت الأكرميّ»
تقرأ الكلمات عندما وجدت الخطاب قبل ساعات هل ما تقرأه لمرات عديدة صحيح؟ الٱن تتسطح على الفراش بأرقٍ ، تقرأ خطابه سرًا للمرة التي لا تعرف عددها ، سؤالها يتٱكل بها ، بما عن الرحيل؟ ، هل شعر ما تشعر به الٱن عندما رحلت وتركته ؟. ولكنه كان يعلم إلى أين رحلت هىٰ ، وبالنهاية عادت! ،تمسكت "نيروز" بهاتفها ما أن وجدت الرسائل تُرسل ، فتحته وهي تعتدل وابتسمت بتأثر من بين دموعها ، عندما ارسلت لها "جميلة" و"ياسمين" و"وردة". على المجموعة التي تجمعهم صور "فرح", مع "بسام" وفيديو تصويري فتحته وهي تشاهد بسعادةٍ ورأت "فريدة" مع "ٱدم" فشعرت بالفرحة لأجلهم ، وعقب ما انتهت أغلقت الهاتف تضعه بمكانه ونهضت تنظر ناحية وجهها بالمرٱة ، ومعدتها البارزة قليلاً ، لحظة ؟ لا يعلم أنها تحمل برحمها اثنان؟ ، سالت دمعتها من عجزها ولم تسطع قول ذلك له ،. تقطعت أنفاسها ومسحت وجهها بالمنشفة، وأخذت أريحيتها لطالما لا يوجد أحد هنا ، تأثرت من مهاتفة والدتها لها أكثر من ثلاثة مرات لتطمئن عليها وهي وحدها ..
هل حقاً تهاب تركها وحدها ، هي نفسها أصبحت لا تهاب أي شئ بعدما تركها هو في البداية أو هى من بادرت وتركته! ،أخذت أنفاسها بعمقٍ ، ولو تعلم ما يُخطط لها لفرت هاربة وهي وحدها الٱن ، فالأخرى راقبت ذهابهما وقررت التوجه ناحيتها وهي وحدها لتأخذ حقها من ما فعلته معها في الصباح من تثبيتها بالسوار؟ ، جهلت عن ذلك ، وتداخلت الأمور مع بعضها بما حدث ، ولكن النسيان صعب بالنسبة لـ "مروة" ! ..
مشطت "نيروز" خصلاتها بترتيبٍ وتمسكت بصورة السونار التي طلبتها لتحتفظ بها وبكل ما تملك تريد بعد عقلها عن هذا الشئ التي قرأته وأثر بها، لا يعلم توأمها ؟ الٱن تنظر ناحية الصورةوالنقطين يظهران بوضوح ، كلما تظهر لها يخفق قلبها بسعادةٍ بالغة !
على جهة أخرى أو بالأسفل بمعنى أصح توقفت سيارته الذي قادها وهو على هذا الحال ،ورفع رأسه بقلقٍ ينظر ناحية الشرفة الخاصة بها فوجدها مغلقة ، ألقى "غسان" اللفافة أرضاً ، واقترب من الداخل بعدما اغلق السيارة ، ودخل المصعد الٱن كي يصعد وعقله منشغل بها ، هو نفسه لم يتوصل بعقله سوى للقلق وهي وحدها ، هاب وخاف فرحل، وبعدما عاهد على عدم الإقتراب الٱن وجد نفسه ينهزم وهو يقف أمام شقة "والدتها" يقف يصارع عقله وقلبه ، بأن يدق الباب ام لا ؟، أخذ أنفاسه وتوقف يستمع إلى أي حركة بخوفٍ عليها وعلى صحتها الغير مضمونة بالمرة ، وبعدما وضع القبعة قرر وضع يديه على جرس المنزل بترقبٍ !
وفي الداخل انتفضت ما أن استمعت لهذا ،فوضعت الحجاب بإهمال على مقدمة رأسها فقط و تركته على ذراعيها وهي تخرج من الغرفة ، توقعت عودة أي من شقيقتيها ؟ أو حتى والدتها لقلقها عليها ؟ ، مدت يديها تفتح الباب ببطئٍ وطلت برأسها تنظر واتسعت عينيها ما ان وجدته هو يقف ! ما ان وجدت "غسان"! ، الذي تفحصها سريعاً ، حتى فتحت الباب واعتدلت تنظر بغير وعي من وجوده الٱن وتركه لهم هناك ، هل هنا حقاً أم انها تتخيله من كثرة التفكير به وبخطابه وكلماته ، إعتدل بوقفته بعدما ابتلعت ريقها تسأله بعدم استيعاب:
_" انت ..انت ازاي هنا ؟"
وبخفةٍ في حركته دخل من "غسان" من مساحة الباب الذي أغلقه بكفه ببطئٍ مع عينيه التي لا تفارق عينيها حينها فقط جاوب بصراحة بعدما أكد برأسه يردد بصدقٍ و لين :
_" جيت عشانِك!"
نظرت "نيروز" ناحية الباب وناحية قوله بإرتباكٍ ، فسارت تبتعد عنه بقليلٍ يعدما وقع حجابها على كتفيها وهتفت وهى تهرب منه. بعينيها :
_" من فضلك امشي يا غسان"
تستسمحه بهدوء فوقف مكانه يطالعها بشغف وشوق ، وتعلقت عينيه بها ولم يظهر العبث بل ظهر الهدوء وهو يهتف في ثبات صريح :
_" المرادي مش عايز أبقى صاحب فضل!"
رفعت "نيروز" رأسها تنظر له بسكونٍ ولمعت عينيها وهي تخبره بتحشرجٍ :
_" لو سمحت امشي ، مينفعش اللي بيحصل ده ، وأنا..أنا معنديش طاقة لكلام ومواجهة تانية بيني وبينك ، أنا بقولهالك وبكل صراحة أنا خايفة على نفسي وعلى اللي في بطني ، فممكن تمشي؟"
لما تهرب بعينيها منه ، هل تردد بكلمات عكس ما تريد من داخلها ، اقترب أكثر منها بخطوات هادئة ساكنة ورفع يديه يدير وجهها ناحيته حينها ارتجفت أوصالها ما ان سمعته يردد بنبرةٍ غريبة يطالبها بالصراحة:
_" أمشي؟ انتِ عايزة كدة فعلاً يا نيروز؟ "
تلاقت الأعين بحديث غلبه الشوق ووجدته يضيف باختناق قبال نظراتها :
_" قوليلي انك مش عايزاني هنا. وأنا همشي ، انا جاي خايف عليكي وانتِ لوحدك وخالفت وعدي اني ابعد ، أنا ٱسف بس انتِ أهم وعلشانك يتخلف ألف وعد!"
نزلت دمعتها فمسحتها بكفها قبال عينيه الضعيفة بنظرتها وانهزمت قبال كلماته فسكنت تنفي برأسها بخفةٍ وكأنه علم رغبتها في ان لا ينتبه لذلك فسألها يغير مجرى هذا الحديث واستمعت الى سؤاله الثاني بإهتمام :
_" ليه مجتيش؟"
اهتزت عدستيها وهي تأخذ أنفاسها وأجابت بتهيةٍ منه وهو يقترب:
_" مش مهم وجودي ، عدم وجودي أفضل"
_"مع ان وجودك أهم حاجة عندي"
هل يتلاعب بالكلمات مجدداً ، حركت رأسها بمكانٍ ٱخر غيره ، وكلما حاولت نهره ليخرج عجزت ، بل الٱن أرادت أن يجلس معها ، لم تخاف وهي وحدها ولكن عندما أتي رغبت في أن يظل هنا ، احتضنت نظراتها عدستيه بعد هذا القول ، فجاب عينيه جرح كتفيها الذي تلمسه بأنامله بحنوٍ فإهتزت نظراتها بتوترٍ وتركته بسرعةٍ قبل ان تندم من ضعفها أمامه وجلست على المقعد بصمتٍ مريب ، فوقف أمامها يحاول خلق أي حديث فسألها باهتمام:
_" اتعشيتي؟"
رفعت "نيروز" رأسها ترفض بخفةٍ ، فإقترب يقف أمامها وسألها حينها بنبرةٍ حانية :
_" طب عاوزه تاكلي ايه؟"
نهضت , بالتدريج تقابل وجهه ومعالمه المتساءلة ، ورفضت بإبتسامة هادئة تجيبه بإختصارٍ :
_" شكراً ، أنا مش جعانة!"
تقطع له أي أمل ، حاولت السير أكثر بعيداً عنه وما جعلها لم تنتبه حافة الطاولة التي اصطدمت بها قدميها من العجالة في البعد ، فتأوهت بصوتٍ وهي تمسك قدميها بوجعٍ جعله ينحنى بقلقٍ ولهفة يتلمس ساقها ، هل يعاهد القدر معها على ان تقف بمكانها ، جلست تمسك ساقها بوجعٍ فمرر يديه عليها برفقٍ وسألها تزامناً مع ذلك :
_" بتهربي مني ليه يا نيروز؟"
مازالت تستمر في الهروب تحاول التملص تحاول ان لا تتقابل عدستيها معه ولكنه باغتها بقوله الٱخر :
_" من امته وانتِ بتهربي مني؟"
طالعت أنامله التي تدلك قدمها ، ورفعت رأسها في صدق ظهر للحظة وقالت تصارحه :
_" مش عايزة حبي ليك يخليني أتنازل"
كلماتها كانت قاسية عليه. لكنه قرر في ان يتخطى فاحتوى كفها بين يديه وتمسك به بتشبتٍ يسألها بلهفةٍ :
_' انتِ مصدقة اني ممكن أخونك؟ أنا هعمل كدة ؟"
_"مش مهم أنا أصدق ، أنا مصدقتش في الأول وبعد كده خليتني أشك مع اني مقدرتش أعملها ، المهم كل اللي حواليا ، المهم هم وهما بيبصوا على اللي حاصل على انك ماشي مع غيري وبتحب فيها وضيعت نفسك عشانها وكنت هتموت بسببها وتسيبني!"
اعترافات بين الأحرف على وشك الخروج ؟ ،ابتلع "غسان" ريقه بصعوبةٍ وإعتدل يتمسك بكفيها يبرر لها بصدقه :
_"أنا مش مهم عندي الا انتِ ، وانتِ مش مصدقة فيا كدة يا نيروز "
تجمعت الدموع بمقلتيها واستندت عليه لتقف فوقف ولم يترك يديها وهتف مجدداً بما لم يهتف به من قبل :
_" أنا عمر ما في واحدة غيرك شدتني ليها من ساعة ما انتِ ظهرتي في حياتي ،وأنا مموتش نفسي عشانها ، أنا عملت كل حاجة وبعملها عشانِك انتِ ، أنا بحاول أساعدها عشان واقعة في مشكلة خافت تقولها لحد ، ولما لقيتني قدامها قالتهالي عشان أحميكِ واحميها ، يمكن مفيش حاجة واضحة الوقتي بس اللي اعرفه ان كل حاجة بعدين هتبان وساعتها هتتأكدي من اللي انتِ حاسة بيه وهتثبتي كلامك للي يهمك انهم فاهمين غلط "
زادت لمساته على كفيها وهو يوضح لها مواصلاً كلماته بـ :
_"مع ان أنا ميهمنيش غيرك انتِ وبس!"
تطلب منه الكثير كي يبرهن لها دون توضيح بالتفصيل ، شعرت بحدوث الكثير ، كما شعرت بصدق كلماته ،فسالت دموعها الذي مسحها هو بقلقٍ وخوف من الانهيار فقال سريعاً ولأول مرة تهتز نبرته قبال وعيها :
_" متعيطيش ، خلاص ، أنا همشي أهو ، همشي زي ما قولتيلي وهسيبك قبل ما يحصل حاجة!'
ترك كفيها وبان صدقه وخوفه من الأتي ، وعندما شعرت بسيره بجديةٍ هتفت ببكاءٍ من خلف ظهره توقفه. ولأول مرة يظهر الرجاء :
_" متمشيش ،أنا مش عايزاك تمشي يا غسان!"
افتقد هذا الاحتياج والتمسك منذ فترة كبيرة ، وقف بخفقات قلب عالية ، وابتلع ريقه وهو يلتقت ينظر بعمقٍ لعدستيها ، فإقتربت توضح له اكثر بضعفٍ :
_" متسبنيش ، انت كتبتلي انك هتمشي زي ما أنا عايزة ، بس أنا كدابة لما قولتلك تسيبني وتبعد عني !"
خرجت منها بصدقٍ وما جعله يخرج تبريراته الأخيرة التي كانت تعلم بأن هناك ثمة شئ صعب عليها فهمه ولكنه بعيد كل البعد عن الخيانة ، اقترب يمسح وجهها برفقٍ ولمرة أخرى خاف اخذها بعناقٍ بعد ٱخر مرة انهارت بها بين ذراعيه طالع عسليتيها بصمتٍ دام إلى أن مسحت دموعها بلهفةٍ تصارحه وهي تتذكر كلمات الخطاب :
_" أنا خوفت تمشي وتسيبني ، خوفت تمشي من هنا تاني ، كلنا محتاجينك حتى ولو هتمشي بسببي بس في غيري من غيرك هيتعبوا أوي!"
شردت لشقيقته واختباراتها ووالديه وشقيقه ، لمعت عينيه قبال هذا وفسر أكثر لها :
_"أنا حسيت اني واجعك وأذيكي ، حتى بعد ما قولتيلي ده ، أنا مش عايز أخسرك ولا أخسر اللي في بطنك ، ففكرت اني أمشي شوية بعيد ارتاح وترتاحي يا نيروز"
_" مفيش راحة وانت مش موجود ، أنا بضحك علي نفسي بس لسه مش هقدر أرجع وأنا مش فاهمة الحكاية كلها ايه! ، بس متمشيش يا غسان"
شتته قولها وابتلع غصة مريرة بحلقه ، مسح وجهها وهو يتلمس حنايا وجهها وأخذ أنفاسه بعمقٍ وهو يطالع تقاسيمها التي تنطق بصدق كل حرف أدرفته للتو ، حتى هو نفسيته ضعيفة أصبح لا يتحمل أقل الأشياء ، اختنقت أنفاسه وطلب منه مصرحاً برجاء صادق هتف بصدقه كل انش طالباً منها ذلك بقوة والاحتياج يظهر راغباً في بعض من الراحة:
_" ممكن أحضنك؟"
لم تهاب ضعفها هذه المرة كون كلماتها كانت بوعيٍ ، فأكدت برأسها ورغم تردده في الخوف من الانهيار ، إلا أنها شجعته كثيراً بنظرتها الراضية ، فدخل بين ذراعيها وعانقته حينها برفقٍ وضمت ظهره ناحيتها فضم هو الأخر ظهرها وأغمض عينيه متنفساً بعمقٍ بين أحضانها ورائحتها ، عناق مريح بقبولها هذا ما افتقده لفترة كبيرة ، تنفس بأريحيةٍ وهمس بصدقٍ نابع من فؤادة :
_" وحشتيني أوي!"
ابتلعت ريقها بتوترٍ وتمسكت بسترته تغمض عينيها بتعبٍ ولم تردد له المثل ، بل تركته هكذا بكبرياء من ما فعله ، فلم يخرج واستمر حالهما هكذا ، إلى ان هتفت تناديه بتحشرجٍ :
_" غسان".
همهم وهو يعتدل ناظراً لها فرفعت يديها تمسح وجهها وطلبت منه بقلقٍ :
_" ممكن تمشي ؟ ، لو حد جه وشافك هنا هيفكروا فيا غلط ، كفاية أوي اللي حصل ، فممكن ؟"
وافق دون جدال ولم يبرهن لها بأن وجوده شئ طبيعي بعدما فعل ما فعله قبل فترة ، وما أخذه من عناقٍ جعله يستعيد ذاته من جهة أخرى ، وقبل ان يلتفت ييلبي غرضها سمع صوت اندفاع فتح باب الشقة في الخارج وصوت دقات الباب بهدوءٍ مريب جعلها تنظر ناحيته كما نظر هو وكأنه يتساءل ،. أشارت بكفها وسارت ولكنه قدم لها حجابها فإرتدته على خصلاتها ليخفيها كما أخفى كتفيها وأشارت له بقلقٍ بأنها هي من ستفتح الباب ، وقف في الخلف وقاطع تقدمه ناحيتها تقدمها هى أولاً بإصرارٍ ، فوقف بجانبها في الداخل دون ان يراه الطارق ، والتي فتحت له الباب الٱن وما ان فتحت وجدت أمامها "مروة" تبتسم بإصفرارٍ ناطقة بترحيبٍ ليس هين :
_" أهلاً ، والله بركة انك فتحتي لقبرك برجلك ، مادام مفيش حد هنا ، تعالي بقا نصفي حسابنا سوا ونشوف بطنك دي بتقول ايه!"
دخلت بلمح البصر ودفعتها بيديها من مقدمة صدرها فوقعت "نيروز" أرضاً على ظهرها حينها انطلقت صرخة عالية بوجعٍ منها ، وكل هذا بأقل وقت ممكن جعل"غسان" ينتبه ولم يلحقها ، فإقتربت بلهفةٍ ينحني أرضاً مردداً :
_" نيروز"
اتسعت عيني "مروة" من وجوده ، وقبل أن تسرع ناحية الخارج ، مد ساقه يغلق الباب بخفةٍ ونهض ناحيتها بإنفعالٍ يمسك خصلاتها واضعاً يديه على فمها قبل ان تصرخ بنجدةٍ وهتف وهو يحرك رأسها ممسكاً بخصلاتها بقوةٍ :
_" جابتك الجرأة لحد هــنا ، جابتك تجيلها وتمدي ايدك عليها ، انــت عقلك راح فين يا بــت ؟؟ قسماً بالله ما هسيبك سليمة يا بنت ال***"
ومالم تتوقعه "نيروز" التي استندت ببكاءٍ ووجعٍ هو ضربه لها على صحفة وجهها بقوةٍ بعدما خرجت منه سبه نابية لها جعلتها تحاول التملص منه وهي تردد بنبرة تغيرت من كتمه لأنفاسها :
_"ابعد عني ، سيبني بدل ما أصوت وألــم عليـ..."
توقفت كلماتها بخوفٍ ما أن شدد من مسكه لخصلاتها فتأوهت ،بوجعٍ ونزلت دموعها وهو يدفعها ناحية أسفل مردداً بصراخٍ ناحية "نيروز" الجالسة أرضاً بوجع ظهرها :
_" إضـــربيــــها ، خــُدي حــقــك!!!"
بين الوجع والألم تاهت حتى عن حديثه وتنفيذه فوجدته يصرخ بها مجدداً :
_" يــــلا !"
حاولت الأخرى ضربه أو ضرب "نيروز" كي تتملص بمثل هذا التصنم من"نيروز", ولكنه لوى ذراعها وكسره ، فأطلقت صرخة قوية جعلت"زهور " تحاول الدق على الباب ، بينما الأخرى سمعت صوت كسر عظمة ذراعها ومن حينها وهي تصرخ ببكاءٍ فدفعها على الأرض بتقززٍ ، وفتح الباب يصرخ بالأخرى بصوتٍ عالٍ :
_" خــُديها بــدل ما تحفــري مكانهــا هنا عشــان تدفــنيها!!!"
انحنت بخوفٍ تسحبها وهي تسندها لتنهض معها ومن يراقب من خلف باب"عايدة" كانت "أسماء" التي هابت الخروج ، صفع الباب بوجههم ، قبال بكاء "نيروز" بحسرةٍ من سرعة حدوث هذا ، فأخذ "غسان" أنفاسه وانحنى يفرد ذراعيه كي يحملها، لم تتفاجئ من فعلته ، بل ما تعيشه الٱن حسرة وضعف من تداخل كل شئ بقوة عليها ، فرد ذراعيه حتى استقام يحملها وهمس برفقٍ حتى لفحت أنفاسه وجهها التي تخفية بكفيها وهي تبكي:
_" متعيطيش ، انا معاكي أهو ، والله لهردلك حقك ، مش هسيبه كده "
دخل غرفتها يضعها برفقٍ على الفراش حتى جلس بجانبها ينتشل يديها من على وجهها ومسح وجهها بكفيه حتى ضم رأسها ناحية صدره بخوفٍ من الانهيار ، وهمس بتكرارٍ :
_" خلاص ، خلاص ، إهدي ، اهدي يا نيروز"
أمسك بكفه الأخر رأسه هو بوجعٍ من هذا الثقل, فوجدها تستند عليه بخوفٍ وما أنقذ الانهيار هذه المرة هو ، واحضانه حينها نبست برهبةٍ من الخوف ذاته :
_" متسبـ ـنيش ، متسبــنـيـ ـش يا غسان ، متمشيـ ـش!!"
ضمها أكثر ناحيته والتقط الغطاء يدثرها به جيداً ، و مسح على وجهها برفقٍ وهو يهمس لها :
_" مش هسيبك يا نيروز ، أنا جنبك ، متخافيش!"
أخذت أنفاسها ببطئٍ لفترةٍ إلى ان وعت جيداً فشددت من ضم عينيها بتعبٍ مع تمرير يديه على خصلاتها مردداً ٱيات من القرٱن كي تهدأ وتسكن ، تمسكت بكفه بتشبتٍ وتعالى صوت هاتفه فجأة فتركه يدق حينها اعتدلت تحثه قائلة بنبرةٍ مختنقة :
_" رد على.. التليفون"
_" مش مهم "
اعتدلت في جلستها وعاد يحتوي كفيها بين يديه ، فأخذت أنفاسها بالتدريجٍ حتى ان قمة صدرها تعلو وتهبط ، رجعت خصلاتها إلى الخلف بواسطة يديه ، فنوت إخباره الٱن وهي تسحب كفه تضعه على معدتها وهابت حدوث شئ من وقعتها ، فوجدته يطالع حركتها بإبتسامة تلقائية خرجت منه بشرودٍ من هذا الخوف الذي وضع بها بالفطرة ، وٱمس كانت طفلة لا تفقه هي شئ !
ابتلعت "نيروز" ريقها وشعر هو بأنها تريد قول شئ فصبر لنهاية هذا بشغفٍ مع عينيه التي تُمَرر عليها ، ولكنها من بادرت هذه المرة بمسك كفه وأخبرته حينها بنبرة هادئة بطيئة :
_" اللي هنا مش واحد بس منك !"
لم يستوعب القول ولكنها لم تترك له الفرصة للرد أو السؤال بل واصلت تخبره:
_" انا حامل في توأم!"
استمع إلى بداية القول بإبتسامة صغيرة ، اختفت سريعاً ما أن انصت للنهاية وابتلع ريقه بصعوبة وهو يضع يديه بسرعة على معدتها:
_" بجد ؟ ، بجد يا نيروز؟؟؟؟"
سعادتها الٱن بصدمته هذه ! لم تسعد بهذه الطريقة ما ان صدم البقية ،،أكدت برأسها وقبل ان تنتظره في ان يطلب تفسير ، مال يحتضنها بسعادة وتأثر ولمعت عينيه حينها ، فرفعت يديها بترددٍ تمررها ناحية ظهره ،. والتقطت بالأخرى ، الصورة الورقية بالسونار ، والذي ما ان خرج قدمتها له وهي تهتف بمشاعر متخلطة :
_"بُص ..شوف!"
أمسكها بأيدي ترتجف من سعادة الخبر ومفاجأته ، ونظر بعمقٍ للورقة الذي نظر بها لفترة لم يعلم عددها متعمقاً بها النظر ثم طواها ببطئٍ ووضعها في جيبه بتأثرٍ وعاد يردد بسعادةٍ :
_"أول مرة احس اني فرحان من زمان أوي ، قلبي فرحان أوي يا نيروز"
ابتسمت من رد فعله المتأثر ، فمسح على وجهها برفقٍ وحاول النهوض وتركها وقال يخبرها :
_" هعملك حاجة تشربيها "
حاولت النهوض بوجعٍ فأسندها إلى ان جلست على الفراش بإعتدال ، وسألته بجديةٍ وكأن من حقها ان يُفعل ذلك لها :
_" هتعمل ايه ؟"
_" لمون بالنعناع "
فسألته باستنكارٍ زائف وهي تطالع وجهه :
_" لسه بتشربه ؟"
أكد "غسان" برأسه وهتف بصراحةٍ خرجت في نبرته العميقة لها :
_" ٱه ، بس ملوش طعم من غيرك"
انخفضت رأسها بهروبٍ من كلماته كي لا تضعف أمامه ، فإعتدل ينسحب ناحية الخارج واضعاً يديه بجيبه الذي وضع به الورقة المتمسك بها الٱن بجيبه وكأنه يتمسك بكنز ثمين ، يخاف ويهاب الهروب منه وبنفس الوقت لا يصدقه ، لا يصدق وجوده بل وقدوم هذا الكنز المُفرح بعد أشهر ، بل كنزان اثنان وليس واحد. فقط!!
_______________________________
مبيردش..شكله مشى بالعربية ، خلاص هوصلكم أنا اركب يلا يا حج"
هتف "شادي", بهذه الكلمات والكل يقف الٱن بالخارج بعد رحيل المعازيم ، ركب "حامد"و"دلال" مع "شادي" و"منة"و"وسام" ،فركب "بدر" السيارة الذي قام بتأجيرها وركبت معه "فاطمة" و"وردة" والصغار كي يتوجه بهم ناحية الملاهي كما تم الوعد ، سابقاً كي يأتي خلفهم "ٱدم"و",فريدة", التي تقف مع الفتيات الٱن ،. ووقف "حازم" يوصي "ٱدم" بعد عدم قدرته على الذهاب معم :
_"خلي بالك منها يا ٱدم ، أنا عارف انها معاك في أمان ، بس حاولوا متتأخروش أوي ، أنا اتكلمت معاها وعرفت انها مش قابلة ترجع البيت هناك ، مش عارف هسيبها مترجعش ازاي بس معاك فريدة أمانة عندك ، حافظ عليها هي مسئولة منك فاوعدني انك قد الأمانة والمسئولية دي!"
_" قدها والله يا حازم ، انت فاهم الدنيا ماشية ازاي ، أنا واعدك احافظ عليها ، وانت عارف اني مش هاجي عليها ولا هجبرها تعمل حاجة غصب أو حاجة هي مش جاهزه ليها ، أنا معاها للٱخر حتى لو بقت كويسة وطلبت احسن فرح ، هيحصل ، أنا أتمنى أعمل كل حاجة تريحها بس!"
عانقه بتأثرٍ وكأنه يفهم ما يحتله من مشاعر ، ربت علي ظهره قبال نظرات"فرح "و"بسام " الذي نوى الخروج معها ولكنها اندفعت برأسها بعفويةٍ تطلب منه :
_" بسام ، أنا عايزة أروح معاهم الملاهي ، تيجي نروح ، موافق؟"
اندفع برأسه و حرك رأسه يوافقها بلهفةٍ وقال بترحاب للفكرة:
_"ده أنا اجي أوي "
ضحكت بخفةٍ فأمسك كفها يسحبها برفقٍ وتمسكت هي به بترحابٍ حتى ركب سيارة جلبها "عز " لفترة ، وأشارت "فرح ", ناحية"فريدة", فإقتربت مع اقتراب "بسام ", وهو يخبره :
_" يلا هنيجي معاكم ، تعالى يلا "
ابتسم "حازم" يشير لهم ، بعدما اقترب يعانق"فريدة"مع عناق"زينات" وهي توصيها بأعين لامعة :
_" خلي بالك من نفسك يا فريدة!"
وافقت برأسها ودخلت بعدما ودعت الكل حتى الفتيات ، فإقترب"حازم" يودع"جميلة" مع "عايدة" حتى عاد يركب سيارته مع "والدته" و"ياسمين"
وتجهزت السيارات حتى انطلق منها ما انطلق وتجهز البقية لينطلق خلف ما انطلق ، تحت نظرات "عز" المراقبة لهم وبالأخص السيارة التي تركب بها "فرح" بعدما أشار لها بالوداع مع والدته بعدما أوصى"بسام" عليها ، خلى المكان ، وظهرت تعابير الانهاك على وجه "جميلة" التي دخلت من قبله الان فقابلت "ميرفت" في طريقها والتي عجلتها بيديها تشير لها :
_" يلا قوام شيلي الاطباق والكوبايات دي ، والكراسي ، مفيش حد يسـاعد الا انتِ هنـ .."
_" اطلعي فوق يا جميلة!"
هتف بها "عز" الذي لاحظ تعابير "جميلة" وقول الأخرى الفظ ، والذي اقترب رغم وقوف "جميلة" وهتف لها :
_", لما نيجي نقول لحد يساعد مبنشاورلوش كأنه خدام هنا ، ثم ان مراتي زي ما انتِ شايفة كده ، تعبانة من الصبح ، ومحدش قالك يا مرات خالي تشيلي وتعملي حاجة، كل حاجة هنا أنا اللي هعملها بنفسي ، حتى اسإلي ام عز مش حاجة جديدة عليا ، متتعبيش نفسك انتِ ، لإن مراتي مش خدامة مراتي بنت أصول بتساعد مش أكتر ولا أقل !"
نظرت له بصمتٍ وحرج ، واحمر وجهها حرجاً قبال النظرات ، فجاءت"هاجر" من الخارج تخبرها:
_" علفكرة عز وقف التاكسي يا ماما زي ما قولتيله ، انتِ مستنية لسه ليه ، هو في حاجة ؟"
صدمة "جميلة " منها بل كانت ستجعلها تفعل كل شئ هذه المرة وتردها وترحل دون أن تعلم ، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ و هي تراقب النظرات ، فإعتدلت تترك ما بيديها بحرجٍ قبال النظرات التي حاصرتها وودعت"حنان" بفتور وهي تتمسك بالحقيبة مع ابنتها التي خرجت معها ناحية الخارج الٱن!!
طالعته "جميلة" بتأثرٍ ما إن وجدته يخلع سترته ينحني كي يبدأ في تنظيف المكان ، فآندفعت ناحيته تنوى المساعدة:
_" خليني أساعدك"
_"انتِ تعبتي أوي النهاردة يا جميلة ، خليكي ، أنا عارف ان ضهرك تاعبك من ساعة ٱخر مرة قولتيلي فيها ، أنا قايلك متجهديش نفسك معاهم بس الظاهر اني سيبتك ونسيبت اعمل حسابي انك للأسف مع ميرفت!"
ابتسمت بخفةٍ ، وإعتدلت بتعبٍ ،وقبل ان تنحني تلهفت "حنان" تخبرها بسرعة :
_" خليكي يا حبيبتي، معلش مكنتش أعرف النهاردة ان ضهرك بيوجعك ، حقك عليا أنا ، تعالي ادهنهولك عشان يروق ومتعمليش حاجة!"
رفضت بحرجٍ فرفع "عز" عنها هذا مردداً :
_" خليكي يا أم عز ، هي هتطلع تغير وترتاح وهبقى ادهنه أنا ليها عشان تغطيه وتنام علطول ،وبالشفا ان شاء الله!"
هل فعل هذا ليرفع عنها الحرج؟ ، بل زادها حرج بعدما ابتسمت لها واستأذنت لتنصرف بعينيها حتى صعدت على السُلم بتعبٍ ، قبال نظرة "عز" الذي لام بها"والدته" :
_" كده يا أم عز ؟ هو ده اللي هتاخدي بالك ؟ أنا مش قولتلك انها مبتبلعهاش وما بتصدق تعمل اي حاجة عشان توقعنا فبعض أو تتعبها ؟ انتِ كنتي فين مع كل اللي بيحصل ده ."
_" والله يا بني ما خدت بالي ، متزعلش حقك عليا أنا "
حرك رأسه بقلة حيلة ، وحمل الاكواب وهو يبرر لها بأريحية من عدم وجود أي أشخاص غيرهما :
_" مش أنا اللي زعلان ، بس مرات أخوكي شكلها مش عايزة تسيب مراتي في حالها ، هي مش ناوية تنسى بقا ؟ مش ناوية تقتنع انه نصيب "
نظرت بحزنٍ قبال كلماته وحاولت مساعدته هى الأخرى بعدما قال من على بعد وهو يعود لها مجدداً :
_"مش عايزك تزعلي مني بس لو حصل وجت وطلع منها اي حاجة أنا هتصرف بنفسي ، عشان جميلة بنت ناس مستحقش كل ده ، بنات الناس مش خدامين عندنا يا أم عز ،. فهميها كدة ، جميلة لو بتعمل فهي بتساعد احترام ليكي وحب ليا مش عشان ده اللي المفروض ، لو هنتكلم على المفروض فهو ان كل واحد ميحطش ايده في حاجة غير في شقته وحاجته وبس ، بس هي متربية وغلبانه ومش بتاعت عوق ، أنا بس بحط فرح مكانها كده ، من كل اللي حصل ده ، مكنتش هقبل بكل ده انه يحصل ، حاولي تفهميها بالحسنىٰ وبالهداوة!"
حركت رأسها له بطاعةٍ وربتت على كتفيه بإحتواء قائلة :
_" متزعلش يا ضنايا حقك عليا انا والله!"
_"مش زعلان بس انتِ فاهمة اللي فيها وعارفة ان جميلة غلبانة وعانت فحياتها إزاي , انا قايم معاها بدورين وأكترهم الأب ، ولو أنا أب مش هسمح ان بنتي يتقلل منها بأي شكل ، انا عاملك خاطر يا أمي بس غير كده لا "
ربتت على كتفيه بأسفٍ فابتسم يراضيها بيأسٍ من نقاء قلبها الذي يتخطى ما لا يفضل تخطيه ، ابتسم بتكلفةٍ وعاد يندمج في تنظيم المكان معها مقرراً منعها من المساعدة بعد دقائق كي يراضيها وكي لا تُنهك مجدداً ، ولمرات أخرى تشرح وضعه بكفاحة مُجبراً من جميع النواحي ، ولين قلبه كفاية لكل من حوله ، فصدق من لقبه بـ "عز الرجال"!
____________________________
انتظرته حتى تمددت على الفراش ، عقلها يراجع كل ما حدث ، لا تريد الندم بعدما أظهرت له تمسكها واحتياجها له كي لا يرحل ، واعطته الحق في أن يعلم خبر حملها بتوأم ، هذا التعلثم التي رٱته به بسبب سعادته بهذا واحتفاظه بالورقة كأن هذا الدليل سيختفي منه مثل كل فرحة ستختفي ، كل ذلك يؤثر بها قبل أن ان يؤثر به ، تلمست ظهرها بألمٍ أثر وقوعها ، وحمدت ربها بأنه كان موجود هنا ، ولولا وجوده لسقط حملها على يد تلك التي توجه لها البغض والكره دون أسباب ، ماذا فعلت "نيروز", لها من الأساس ، بل هم من بدأوا كل شئ أولاً !!
سمعت صوت دقات هاتفها على المقعد بجانب الباب وقبل ان تستند لتنهض بوجعها الجسدي ، جاء هو حاملاً صينية صغيرة عيها شطائر أعدها مع كوبين وانتشل الهاتف ينظر فوجده رقم "والدتها" بالمُسمى الذي رٱه فعلم أنها هى، أسند ما بيديه على الطاولة واقترب يجلس بجانبها موجهاً لها الهاتف وحثها حينها برفق:
_" ردي"
أخذته منه بأيدي ترتجف لترى وما ان رأت ضغطت على الشاشة ناحية الإجابة وبدأ في الرد على "والدتها", لتطمئنها ، بينما هو شرد لقليلٍ فيما يجري بينهما ، ليس غبياً ليفهم ان كل شئ أصبح على ما يرام الٱن ، بل لانت وجارته وأظهرت له تمسكها ولكنها وضعت شرطها بينهما بإصرار ، وما جعلها تفعل كل ذلك معه هو تبريره الصادق على عدم وجود شئ ظاهراً لها فقط بأن هناك مشكلة حتماً ستعلمها في القادم ! ، فسكنت بصبرٍ عليه مقابل عدم رحيلة ، تجاري عقلها لأجله ولأجل قلبها المسكين المتعلق به مهما حدث!
سمع ردها المختصر في الهاتف فتركها تتحدث وحمل الشطيرة يطعمها ما ان أخفضت الهاتف من على أذنيها ، توقفت تنظر لبُنيته للحظة قبل أن تتناول منه ، ولم ترفض أن تتناول منه بل بدأت في أن تأكل من يديه حتى حملتها منه هى بنفسها ، بحث بعينيه عن كيس الدواء ، بالتأكيد تأخذ دواء وسيكون هنا!! ، إلتقطه على مقعد ما وعاد ينظر لمحتوياته حتى قرأ ما بعد الطعام ، فأخرج من العُلبة ما يتطلب ووجه لها فأخذته تتجرع من كوب الليمون بالنعناع ، راقب تعابيرها وعينيه لا تفارق تقاسيمها ، حتى بعدما خلع القبعة عنه بتعبٍ وهو يتلمس رأسه والتي سألته حينها بمشاعر ظهرت :
_" بتوجعك؟"
كان ينفي أي شئ ولكن أمام عينيها لا يجيد الكذب ، فخرج صدقه وهو يحرك رأسه بصراحةٍ يؤكد وجعه ، وموعد أشعته وذهابه لتغيره على الجرح قد اقترب ، فنظرت بأعين لامعة على ما يحدث لهم ، منذ البداية ، منذ بداية ارتباطهما وعقد قرانها ، بل أول يوم كان به عقد القران بدأت المشاكل تظهر ومنذ وقتها وهي تتأذى وهو يتأذى أيضاً متى الراحة؟. ، إلتقطت كوبه توجهه له بحنوٍ تحثه كي يشرب منه ، وتعلقت عينيه مجدداً بعينيها يود مصارحتها ولكنه خائف! ، ولكن ما فعلته هىٰ الٱن جعله في صدمة عندما سألته بمنتهى الهدوء بدون سابق انذار لهذا بعدما نادته قائلة :
_" غسان"
نظر "غسان"في ترقب وانتظار فواصلت تسأله بإندفاعٍ:
_" انت ردتني؟"
تاهت الكلمات وحاصرته ، فماذا ان ردد بنعمٍ ؟ أو ماذا ان قال لها لا؟ ، انتظرت الجواب بترقبٍ فوجدته يأخذ أنفاسه بتنهيدةٍ حارة وسألها بترقبٍ وقتها يستشف رد فعلها :
_" دا لو حصل هتزعلي؟"
سمع صوتها وهي تبتلع ريقها ، وتركت ما بيديها وسندته وهي تمط ذراعها ناحية الطاولة ، وجاوبته بسؤال وليس بجواب:
_" انت عملتها ؟"
ابتلع"غسان" غصته وانهزم أمام عينيها بلمعة عين صادقة منه ، ما لم يستطع ان يفعل عكس ذلك بكل عواقبهما معاً ، فمنذ طلبها في الشرفة ، ومنذ أول أسف رفضه ، قام بفعلها بعدها ، حتى بعدما جاءت له بعدما جاء من المستشفي ورفض مثل المرة الأولى كان لكبرياءه ، كان لعدم مسامحته ولكن ليس لعدم ردها ، فرَّق قلبه لها حتى بأصعب أوقاته وفعلها دون أن يبدي لأحد انه فعلها ، فعلها وترك الظروف والأيام تظهر ذلك ، ونظر برضا لفؤاده وذاته بأنها معه ، بأنها في عصمته ، بأنها حقاً له من جديد ، وعاد بعد انهيارها يفكر بتركها مجدداً من كثرة الخوف:
_"مقدرتش أرفضك قدام نفسي أول مرة لما جيتي وواجهتك بكلامي ، مهانش عليا أنام وانا رافضك ، ساعتها كنت مستني بس أشوف في عنيكي انك عاوزاني من تاني، بس مقدرتش اعرفك ولا أظهر ليكي اني عايزك من وجعي منك أول مرة ، لو مكونتش شايف انك عايزاني مكنتش عملتها وغصبتك قدام نفسي ، بس لما شوفت تعبك قررت أسيبك لما قربت أصدق اني واجعك أوي وقربي بيإذيكي!"
برر لها بإختناقٍ ضعيف قبال دموعها التي سالت من نبرته وحديثه ، ورفعت عينيها تنظر بسكون ما ان وجدته يسألها بضعفٍ :
_" هو أنا قربي بيأذيكي يا نيروز ؟ ، أنا بوجعك ؟"
هي من جعلته يصل إلى أن يسأل هذا السؤال ، مسحت وجهها ورأت احتمالية البعد ما إن رددت بنعمٍ يأذي ، ولكن الجواب كان عكس ذلك ، كان عكس ذلك بكل تفصيلة بها تتطالب بثباته بجانبها، عندما مالت بإندفاعٍ ترتمي بين ذراعيه فرفع ذراعيه يضمها ناحيته وهو يسمع نبرتها الباكية الصادقة :
_" لأ ، أنا اللي كدابة ، وأنا كمان اللي بأذي نفسي ، لو مكناش بعدنا مكنش حصل كل ده ، ولو مكنتش ردتني ألا بعد ما تعبت امبارح مكنتش هسامحك ، عشان بعدها كان من حقي أرفض ، متسبنيش يا غسان ، متسبنيش عشان وانت مش موجود أنا اللي بأذي نفسي!"
ربت على ظهرها وأخرج أنفاسه بتقطعٍ ، فتحركت ترفع يديها تتلمس جرحه برفقٍ وبالكف الأخر تمسح وجهها بمساعدته وبهذا القرب ناحيته وهو يحاوط ظهرها بذراعه الأخر ، مال مقترباً منها فإتسعت عينيها ما ان وجدت أنفاسه تلفح بشرتها من الجانب ، لمَ لم تستطع البُعد الٱن ؟ وجدته يمرر يديه على خصلاتها يمشطها ببطئٍ حينها قام بتقبيل رقبتها ناحية كتفيها فرفعت رأسها تبتعد تقابل عينيه ، التي نظرت لها ولرفضها الخائف بتنازلها وهي الٱن مازالت عالقة بين أمور لا تفهمها بوضوح ، أخرج أنفاسه بثقلٍ ونفى برأسه يشرح لها بنظراته بأنه لم يكن سيقربها إلا بإرادتها بعدما يحدث ما تريد وضوحه بشرطها وحقها لثم وجهها بيديه واقترب يقبل قمة رأسها برفقٍ مردداّ بأسفٍ على كل ما بدر منه خاصةً أمس والذنب الذي حمله لنفسه:
_" أنا ٱسف"
ابتسمت بتعبٍ. تحرك عينيها وطلبت منه بعد لحظاتٍ :
_" ممكن تمشي ؟ ماما جاية في الطريق"
_" ما تيجي ، انتِ مراتي!"
في البداية عندما وضحت له بأن يرحل لم يرفض ولم يوضح ، ولكنها نظرت بجدية الٱن وخرجت نبرتها بصراحة ردًا عليه :
_" بس ممكن يحصل مشكلة لو ماما جت ولقيتك هنا ، هى كمان فاهمة غلط مع انها واثقة فيك ، بس خافت ، وخافت على كرامتي أكتر ، وأنا اديتها الحق في ده ، لو جيت تبررلها دلوقتي مش هتقتنع ، انت بتعرف تضحك عليا أنا بس عشان بحبك!"
تفاجئ من قولها الجاد الأخير ، فنظر بتشككٍ وابتسم ابتسامة عبثية وقال يفرض سيطرته :
_" طب ما أنا عرف اضحك عليها برضه ، ايه رأيك؟"
لا لن تجاري عبثه الٱن ، ما حدث لم يصل لهذه النقطة التي كانت بينهما ، هل عادت نصف عودة فقط؟ ، حركت رأسها تؤكد للجزء الذي يظهر بكبرياء أنثى ، وحركت رأسها تجيب على سؤاله بسخرية:
_" ليه ؟ ،هى نيروز !!"
نفى "غسان" برأسه وابتسم ببساطةٍ يردد مصارحاً اياها بصدقٍ :
_" لأ ، مفيش حد زي نيروز!"
_"بتعرف تكدب!"
قالتها بتهكمٍ منه وهي تقلب عينيها فطالعها بالكامل وقال محركاً رأسه بنفيٍ :
_" معاكي لا"
سألته بجديةٍ قائلة له بتلقائيةٍ :
_'' ليه ؟"
طالعها بتفحصٍ من البداية إلى النهاية حينها حاول الإقتراب لعناق ٱخر عبثي ولكنها رجعت خطوة إلى الخلف فابتسم بخبثٍ ووقف يحرك عينيه عليها بجراءةٍ ورد على سؤالها بـ :
_" هحتفظ بالإجابة لنفسي!"
الٱن تعلم أنه "غسان" بعبثه ووقاحته وجرأته ،. توردت وجنتيها فسار تدريجياً ينظر ناحية المرٱه لها ، فنهضت بعدما جمعت قواها قليلاً ، وسارت نحو الخارج معه بعدما التفت ، تلمس جيبه بمفتاحه وهاتفه وقبل أن يقترب من الباب يخرج قبل أن يأتي أحدهم بخوفها وهو هنا ، نظر لها بسكونٍ كما نظرت هىٰ ، وودعته بعينيها فطلب منها ببراءةٍ زائفة :
_" ممكن تيجي تحضنيني ؟"
هى من تأتي له ؟ رأت العبث في عينيه ، في البداية كان طلبه صادق بينما الٱن عبثي من الدرجة الأولى ، أخفت هى بسمتها وهتفت بتهكمٍ جاد لتصده بحزمٍ وعينيها بنظرتها كافية لنهره :
_" لأ مش ممكن "
حرك "غسان" رأسه بإقتناعٍ وإقترب تزامناً مع قوله الهادئ الذي امتزج به الثبات الذي فرضه عليها ما أن قال بجراءةٍ وهو يقترب:
_"عندك حق!، اللي عايز حاجة بيروح ياخدها بنفسه!".
بعدما قاومت ان تظهر الحزم ضاع هباء قبال عناقه الذي شدد به من ضمها الٱن ناحيته ، وبعد رفضها في أن لا تبادله العناق بتعالي من نفسها عليه لعدم التفسير ولكنها ربطت كلتا يديها معاً خلف ظهره وسألته بخوفٍ من كلمات رحيله التي تهابها إلى الٱن :
_" مش هتمشي وتسيبني؟"
همس قبال همسها له ببحة صوتها من الإنهاك ، وردد بكلمات تعكس مدى عدم تصديقه بأنه وصل إلى هذه اللحظة الٱن :
_"لا ، مش همشي واسيبكم انتوا التلاتة!"
هل قصد توأمه؟ وهى؟ ، اتسعت بسمتها بسعادةٍ من طريقة اجابته ومحتوى كلماتها الذي أثر بها ، وتلقائياً خرجت تضع كفها على معدتها ،فوضع هو يديه بجيب سترته يتمسك بالصورة ، وكل منهما يتمسك بما يمكنه التمسك به لحين مؤقت ، فأخرج أنفاسه وأشارت له هى بالوداع فسار بعدما ارتدى حذاءه وفتح الباب وخرج بعدما ابتسم ابتسامة اتسعت وهو يطالعها بالكامل تبادله الإبتسامة رغماً عنها !
أغلق الباب خلفه وتركها بمشاعر مختلفة كثيرة تداهمها ما بين هل فعلت الصواب أم الخطأ ، ما يجعلها راضية هو توقفها عن مجاراته ،. لم تتعامل بطبيعتها بقوة ، جعلته إلى الٱن يشعر بأن هناك شئ عالق بعدما تم محو الأشياء البقية ، وعلم ما الذي ظل عالق ، ولم يتعمد الطمع أو الضغط أو حتى العتاب بل أعطاها الحق في فعل ما تريد مقابل عناق ، عناق فقط وجد به الراحة والأمان بعدما افتقدها لفترة! وكذلك كانت هى ،. لكن العناق لم يكن عناق واحد فقط بل أكثر ، وكأن اليوم بهذه اللحظات ستسجل في الذكريات لتعود له تذكره بعودة الأمان والانتماء والاحتواء له بعدما افتقده وحينما افتقده ظهر الاحتياج على معالمه مردداً هو. وفؤادة بأنه لا يريد إلا هىٰ ، لا يريد سوى "نيروز", التي رُفع لها شعار بموضع فؤاده يعلن بأنها المالكة الوحيدة له كما كتب لها في خطابة التي عادت تحفظ كل حرف به مثل الطفولة ، كل حرف وبإمكانها العد بكم عدد نقاط الحروف في خطابه الأخير!!
هذه المرة ضاع العتاب ، في كل مرة كان الحديث يخرج بانهيار ووجع ، هذه المرة ظهر الوجع ولكن ضاعت الكلمات المؤلمة قبال انهاكه وتعبه مع تعبها وانهاكها ، كل منهما انهى ما لدية بأكثر من. مواجهة ، ولكن هنا تبقى شئ تركته هى ، تركت أسفها بوضوح من ما حدث وما فعلته في البداية إلي حين ما تتفهم ما الذي يجري من خلف ظهرها جيداً !! ، حينها ستسقط قناع البرود وسيذهب الثبات التي تتحلى به أمامه كي لا تُقلل من شأنها وكي لا تقنعه بأن الأمر مر مرور الكرام !
_______________________________
بعد مرور ساعتين منذ ٱخر رحيل لهم :
هل هذا صراخ ؟ صراخ شديد بمختلف الأشخاص والألعاب ، هناك على لعبة هادئة تمر إلى الأمام والخلف كان يجلس "بدر" مع "وردة". ومعهما صغيرهما بضحكٍ وسعادة وبهجة وكذلك من الجهة الأخرى كانت بجانبهم" فاطمة" مع الصغار ، والضحكات تعلو بصخبٍ الٱن..
وعلى بُعد قليل وقفت ",فريدة" بعد صراخ صرخته و بعدما هبطت من لعبة جريئة كانت تركبها معه ومعهما"فرح"و"بسام " ، انفلت ضحكات"فريدة", بسعادةٍ امتزجت بالخوف فضحك"ٱدم" عليها ما ان تمسكت بيديه كي لا يختل توازنها وقالت بنبرةٍ ضاحكة:
_"مكنتش أعرف انك خواف أوي كدة يا ٱدم !"
_" دا. بس عشان خايف عليكي ، لكن أنا مبخافش ، هو في راجل بيخاف؟"
قالها بضحكٍ خفيف ، فسحبت يديه أكثر بتحدي أمام أجرأ لعبة ، وقالت بنبرةٍ ليست هينة :
_" طب تعالى نركب المقص والشواية ..عشان تثبتلي يلا !"
اتسعت عيني "ٱدم" بفزعٍ ، وابتلع ريقه يتابع هروب "بسام" وهو يسحب "فرح" بعيداً عن جنونها مع الأصوات المتداخلة ، فوافق رغمًا عنه ، وما يجعله يوافق أي شئ هو رؤيتها وهي تندمج بقوة معهم ، والصراخ الشديد الذي خرج مع خروج طاقتها السلبية ، صراخ هنا وصراخ هنا وأصوات متداخلة منذ وقت وضحكات عالية ، في لعبة أطفال الٱن وضع بها "بدر" الصغار وهو يقوم بتصوريهم تحت سعادة "وردة" التي تمسكت بذراعه تطلب منه:
_" صورني يا بدري ، بس طلعها حلوة!"
_" هتطلع حلوة أكيد ، وردة فيها!"
ابتسمت بإتساعٍ وجلست على الإستراحة تنظر له وخلفها الشجرة الأنيقة ، فقام بتصوريها ، وأشار لشقيقته كي تجلس بجانبها ليقوم بتصوريهما معًا فجلست "فاطمة" وعينيها تراقب الأطفال ، ومن ثم نهضت تدير بالها عليهم ومعهم "يامن" ،. في حين نهضت "وردة" تنظر ناحية الصورة بسعادةٍ ولاحظت ظهور خضراوتيها بلمعان في الإضاءة والذي نظر إلى الصورة مطولاّ بشرود وابتسامة هادئة جعلتها تنتبه لها فابتسمت بتأثرٍ وشاكسته وهي تضرب ذراعه بخفةٍ :
_'' وكأنك منبهر يعني!"
_" دي حقيقة!"
رددها وهو يضع هاتفه بجيب بنطاله ، فأمسكت كفه تسأله بمشاعر متأثرة:
_" يعني انت بتشوفني حلوة؟"
_"مبشوفش حد حلو ألا انتِ يا أم يامِن"
ظهرت أسنانها في ابتسامتها السعيدة وقالت بأعين لامعة وإلى الٱن لا تصدق وجوده :
_" وحشتني أوي يا بدر ، أنا لسه مش مصدقة انك هنا معانا ، أوعى تمشي تاني"
حاوط "بدر" كتفيها محركاً رأسه يطالعها بعمقٍ ، ويخفي لها خبر بالتأكيد سيسعدها ولكنه انتظر الوقت المناسب ، ابتسم بسعادةٍ وسحبها لينظرا ناحية الصغار ،
وعلى بعدٍ قليل ، اندفعت "فرح" وهي تنهج وجلست بسعادةٍ بالغة على الإستراحة وصارحته بدون مقدمات:
_" أنا فرحانة أوي يا بسام بجد ، أحلى يوم في حياتي النهاردة"
اتسعت ابتسامته بسعادةٍ بالغة وأخرج أنفاسه يبادلها الحماس بقوله :
_" وأنا كمان ، بس ده عشان معاكي يا فرح ، ربنا يعيني وأقدر أفرحك علطول وانتِ معايا "
تعلقت عينيها بعينيه فإقترب يغازلها في جراءة وهي تتابعه بابتسامة عذبة :
_" حد قالك قبل كده ان عينيكي ورموشك قتالين؟"
رمشت "فرح " بأهدابها بسعادةٍ امتزجت بالخجل وأكدت برأسها تصارحه فسأل بمشاكسةٍ :
_ مين ده طيب اللي بص لحاجتي؟"
ضحكت على قوله واقتربت تتصنع الجرأة كي يستمع لها في هذه الأصوات وهتفت تجيبه بمصارحةٍ :
_" دكتور بسام حامد البدري"
برعت في ردها ، ففرد كفه إلى أن قتلت التردد ووضعت كفها بين راحته فإحتواه بحبٍ وقال يسألها :
_" حيث كدة ، فدكتور بسام حامد البدري عايز يقولك حاجة مهمة في قلب الملاهي دي ، حاجة أول مرة هتطلع هنا ، بس عايز أقولها هنا عشان لما نجيب عيالنا في المستقبل افتكر علطول!"
كان مرحاً في حديثه ولكنها استشعرت العمق به ، ارتجف كفها بين راحته وابتلعت ريقها في انتظار فخفق قلبه خفقات متتالية عند هذا الإعتراف الذي حان وقته ، ضاعت منه فرصته في ترديد كلمات ولكنه تركها لحين ٱخر واستمتع بهذه اللحظات بينهما إلى جاء الاعتراف طالباً منه الخروج في الحال ، أصبحت رأسه جوار أذنها وهمس حينها برفقٍ وصدق:
_" أنا بحبك يا فَرح"
ارتجفت يديها أكثر وظهرت حمرة وجنتيها بكثرةٍ ، هربت بعينيها منه واهتزت من التوتر ذاته من هذا الإعتراف ، فوجدته يتمسك بكفها وأضاف :
_" الكلمة دي خدت مني كتير أوي ،أول ما شوفتك وشوفت عينيكي وقعت في سحرها وأنا ومش واخد بالي ، وكنت بقول دي مجرد أوهام ، منعت نفسي كتير مفكرش فيكي أو متشدش ليكي بس معرفش ليه.. معرفش ليه انتِ بالذات ومعرفش ليه ربنا اختارك تكوني سبب في تغيري واني أخرج من كل اللي حابس نفسي فيه ، كنت في ضلمة وجيتي انتِ تنوريها من غير ما تعملي حاجة ،مكنتش فاهم كلمة ان القلوب مش عليها سلطان ، بس أنا قلبي فعلاً اتحرك ليكِ غصب وكأنه عارف هو رايح فين ولمين في عز ما كان موجوع ومش جاهز لأي حاجة ، انتِ طوق النجاة يا فرح ، انتِ وصية رسول الله ، ٱوعدك اني عمري ما هوجعك ولا هأذيكي وهعاملك بما يرضي الله , ربنا يباركلي فيكِ !"
تقطعت أنفاسها من هذا التخبط ولمعت عينيها من هروب الحديث ، فنزلت دمعتها بعجزٍ تجيبه :
_" مش عارفة أرد أقول إيه ، بس انت عوض ، عوض ربنا الحلو ، مش حاسة ان في زيك كتير يا بسام ، شكل ربنا بيحبني أوي ،. ربنا يخليك ليـا "
لم ولن تعترف إلا عندما تشعر بها صراحةً وأُعجب بهذا بقوةٍ ، فرفع يديه يقبل باطن كفها برفقٍ ، وسألها بمرحٍ بعدما مد المنديل الورقي يمسح ما أسفل عينيها بحنوٍ :
_" بقولك ايه ، هو أنا ليه مخدتش حضن كتب الكتاب ، هو مش من حقي برضه؟"
سحبت يدها بخجلٍ وهربت منه بعدستيها فضحكٍ يشاكسها بمرحٍ :
_"بحبك وانتِ بتتكسفي ، يعني كسوفك ده بيشجعني ٱكتر ٱكون قليل الأدب وأخد حضن زي ما أنا عاوز!"
علمت أنه من صنف الرجال ، مرح ، عبث ، وقاحة ! ، زحفت الحمرة لوجنتيها وحدجته بمفاجأةٍ لدرجة الشك بأنه التوأم الٱخر ، وكأنه فهم ما يجري ما بداخلها فنفى بحركة رأسه يخبرها بضحكٍ :
_", لا ده أنا بسام عادي وقليل الأدب أه ، بس في المداري ، مش بجح أنا الا مع اللي بحبهم وبس!"
انفلت ضحكات "فرح " وهي تضع يديها على فمها تكتم هذا وصرحت بضحكٍ :
_'' مكنش باين "
_"كل حاجة مسيرها تبان ، بس ايه ؟ مش هاخد حضن كتب الكتاب ولا ايه؟"
نفت برأسها بحرجٍ ودق هاتفها من التأخير برقم"عز" فتفهم على الفور وقال وهو ينهض هو الٱخر :
_', أنا عارف اننا اتأخرنا ،. بس خلاص هنمشي اهو ، مترديش أنا هكلمه انا"
أخرج هاتفه يطلب رقم "عز" ،. وجاءت "وردة"و"بدر" والصغار من على بعدٍ ، واقترب "بدر" بقوله وهو يضرب كتف "بسام " بترقبٍ :
_" ايه يا معلم ، مش هنمشي بقا ؟"
_" أيوة يلا ،يلا نادي ٱدم عشان اتأخرنا على المعلم عز وتحكماته !"
رددها "بسام " بمرحٍ وهو يضع الهاتف بإنتظار على أذنه ، فضحك الكل بخفةٍ عداها هي عندما ابتسمت بدفاعٍ عن شقيقها قائلة له:
_"عز لا يا بسام ،عز براحته "
تفاجئ "بدر", من دفاعها ، فضحك "بسام" يشير على عينيه وقال بمرح:
_" براحته هو واخته وعيلته كلها ، بس كده ، احنا أوامر ماشية على الأرض!"
ابتسمت بخجل وهي تؤكد برأسها وألقت العلبة التي كان بها الطعام من بداية ما جاءوا ، وضعتها في الصندوق بجوارها تحت ضحكات "فاطمة" و",وردة", وركض الصغار حولهم في انتظار "ٱدم"و",فريدة"!!
واللذان جاءا من على بعد الٱن وصوت ضحكاتهما كان عالياً تتخبط أجسادهما ببعضهما بدوار من كم اللعب ، ضحكت "فريدة" بقوةٍ وهي تستند عليه وأمسكت رأسها بتعبٍ تردد له بنبرة تغيرت من أثر الضحك :
_", هموت ، أنا مش شايفة ، مش شايقة قدامي!"
حاول "ٱدم" سندها وهو يضحك غير غافلاً بأن هذا الضحك كان من المفترض ان يخرج صراخ أو بكاء او ماشابه ، توقف عن الضحك تدريجياً بعدما هتف يطمئنها :
_" أنا شايف ، أنا ساندك أهو "
ضحكات هستيرية منها هي وحدها ولو رٱها غير من يفهم حالتها لأقسم انها لم ترى في حياتها سوى السعادة ، أدمعت عينيها من كثرة الضحك فمسح وجهها برفقٍ وتوقف ينظر بشفقةٍ عليها وقرر تركها تفعل ما تشاء فسألها بجديةٍ وهو يبتسم مع سيرهما ناحية البقية :
_" مبسوطة يا فريدة!"
_" أوي ، كان على قلبي تقل وبيروح "
هل قصدت الضغوط ؟ ، ابتسم "ٱدم" ما ان انتهت فدق هاتفها للمرة التي لا تعلم عددها فضحكت بخفةٍ تخرج هاتفها وهي تخبره بتفسيرٍ :
_"حازم كلمني أكتر من عشرين مرة يطمن عليا هو وماما !"
_"معلش بيطمنوا عليكي"
احتوى استنكارها بهذا فدارت عينيها بتعبٍ وهي تحرك رأسها له وفقدت القدرة على الرد ، واقتربت منهم معه ، فإبتسم يحثهم قبل ان يتحدث أحد :
_", يلا بينا "
وافقوا وأسند هو "فريدة" من جهة ومن جهة أخرى أسندتها "وردة" بغرابةٍ ، وسار البقية ناحية الخارج مقررين الرحيل ، كي يوصل "فرح" "بسام" و"ٱدم "و"فريدة" لمنزل الأول كما قرر "بدر", توصيل "فاطمة" والصغار للمنزل قبل عودته للمبنى مع "وردة" وصغيرهما !!
_______________________________
جاء والديه وأخبرهم حينها أنه شعر بالتعب فرحل ، ودخل لم يترك الفرصة للحديث بل دخل يأخذ دواءه وذهب في سبات عميق لم يذهب به من قبل حتى ان "والدته" طالعته من على بعدٍ أكثر من مرة فوجدته على هذا الحال!
بينما في شقة "سُمية" لم تعود "ياسمين"و"حازم"، بل عادت بعدما أوصلها الثاني بمفردها ، وعندما دخلت وجدت "نيروز" نائمة! ، لم يزورها النوم هى نفسها منذ ان جاءت من العمل وسمعت ما سمعته ، التزمت الصمت بعجزٍ وانتهت من صلاة قيام الليل وهى جالسة وجلست تستغفر حتى زارها البكاء ولم تعي أن "نيروز" خرجت الٱن من غرفتها ناحية المرحاض فوجدتها هكذا ، آقتربت وعندما شعرت بها "سُمية"مسحت وجهها سريعاً وأشارت لها بكفها تحثها على الإقتراب :
_" تعالي يا حبيبتي، انتي صحيتي!"
حركت "نيروز" رأسها تؤكد وارتدت هي الأخرى خمار عليها تحسباً لجلوس "بدر", ولكنه لم يأتي بعد ، وعند سؤال "والدتها" أجابتها :
_"أيوة ، قولت استناكي على ما تيجي بس النوم غلبني ، قوليلي انتِ.. بتعيطي ليه ؟"
رفعت"نيروز" أناملها برفقٍ تمسح وجه "والدتها" فابتسمت تخرج عن محور الحديث وصدمتها ما ان سألتها بمفاجأةٍ للأخرى :
_" انتِ اللي هتقوليلي ومش هتكدبي على أمك ، غسان كان بيعمل ايه هنا؟"
لا تعلم لمَ وجدت الحدة في نبرتها ، نظرت لها بعدم تصديق وحاولت الهروب بنفيٍ وقالت :
_" مـكنش هنا ، مـ مـين قال انه كان هنا ؟"
نظرت لعدستيها الذي بان بهما الكذب ، فإعتدلت "سُمية" تخبرها بمحاصرة:
_" طاقيته في أوضتك هى اللي قالت ، أنا عايزة أفهم ايه اللي بيحصل، فهميني ، فهمي أمك يا نيروز، عشان أنا دماغي مبقتش فيا من كل حاجة بتحصل هنا !"
لمعت عينيها ومازال الخوف مستمر فخرج خداعها لها مجدداً تخبرها :
_" دي ..دي مش بتاعته دي بتاعت يامن!"
هل يرتدي"يامن" هذا الحجم من القبعات ؟ بإمكانها اخفاء رأسه كلها! ،تحلت "سُمية" بالصبر وسألتها بجمودٍ عن شيئه الٱخر :
_"والساعة اللي لقيتها في المطبخ ، بتاعت يامن برضه؟"
هل خلعها عندما كان يفعل لها الطعام والشراب ؟ ،هناك كوبين في غرفتها كيف سهت عن هذا وهي تكذب ، لم تتوقف "سمية" إلى هنا بل ترجتها قائلة :
_" فهميني!"
ما الذي ستفهمها إياه؟ ليس لديها تبريرات ،وهى وحدها من تصدقه ، لمعت عينيها حتى هبطت منها الدموع وهي تردد بنبرةٍ متحشرجة :
_" أنا نفسي مش فاهمة ، مش فاهمة حاجة يا ماما ، الحاجة الوحيدة اللي فاهماها إنه مش خاين ، ولما جه قالي انه بيساعدها في حاجة مش عارف يقولها بس مسير كل حاجة تبان وهنفهم ، فصدقته عشان هو مش كداب ولا خاين ، أنا مبقتش قادرة يا ماما، أنا نفسي أرتاح بقا ،نفسي ارتاح من كل ده،أنا بحبه ومش عارفة أتأقلم من غيره ، صدقيه عشان خاطري ،صدقيه وصدقيني لإني مرضتش أرجع ألا ما أفهم واتشرطت عليه وأصريت على ده حتى بعد ما صدقته فمصدنيش وسابني على راحتي ، ومعرفش هو جه ازاي!"
لم تعطها الفرصة بل زاد بكاءها بحرقةٍ فضمتها "سمية" بقوةٍ وهي تسمتها تكمل بنفس النبرة الباكية :
_" مش عارفة ازاي جه وسابكم ، بس لما جه مترددش أخاف افتح وأشوف مين ، وفتحتله ودخل عشان ربنا كان باعته ليا ياماما ، مروة كانت ناوية تسقطني النهاردة ولما جت .. ولما جت.."
ازدادت شهقاتها ولم تستطع ان تكمل ، فربتت عليها"سمية" بأيدي ترتعش من صدمة ما قالته ، فوجدتها تكمل بعدما شهقت بوجع :
_" ولما جت ، مكنتش تعرف انه هنا وكإنها كانت بتراقبنا وعارفه اني لوحدي ، دخلت وزقتني علطول على ضهري ، فقفل هو الباب وضربها لحد ما قعدت تصرخ ومكانتش بتبطل فسابها لحد ما عمتي جت تاخدها ، من ساعتها وهو معايا ، وشالني وحطني على السرير من كتر الوجع ، أنا صعبت عليا نفسي اوي يا ماما ، خوفت أوي أضيع اللي في بطني بسبب اني مش عارفه ادافع عن نفسي وهو مش هنا ، أنا لحد دلوقتي مش مستوعبة ان ربنا نجاني منها وبعته ليا "
ضمتها بخوفٍ وسالت دموعها وهي تتلو عليها ٱيات الذكر من نبرتها الخائفة ، صدمة تعيشها الٱن بهذه الكلمات ، وشأن "غسان" وعودته التي كانت ليست هينة عليها ، الٱن تبدل كل شئ ، ولأنها تعلم ان ابنتها لا تتهاون بسهولةٍ عاد موضوعها يتعلق بذهنها بتشتتٍ..
_" اهدي ، اهدي خلاص يا ضنايا ، أنا السبب ..أنا اللي سيبتك لوحدك ، متزعليش مني ، ربنا يسامحني يبنتي!!"
نفت "نيروز", في أن تحملها الذنب وسكنت تدريجياً في هذه الأحضان التي تشكل لها الراحة ، مسحت وجهها بالخمار وأغمضت عينيها بإنهاكٍ ، فنهضت "سمية" تسندها بلهفةٍ:
_" تعالي ، تعالي يا نيروز أدخلك عشان تنامي ، تعالي ارتاحي يلا يا حبيبتي والصباح رباح!"
وافقت وهي تنسحب معها مستندة عليها بتعبٍ ما بعد البكاء ، هابت حدوث شئ لها فلم تتعمد ضغطها وهي من قصت لها بمفردها الٱن ، دخلت بها الغرفة ، ودثرتها جيداً بالغطاء حتى انتهت وعند الخروج ابتسمت بتأثر لبقية الشطائر والكوبين الفارغين. ، لم تغفل عن الإهمال الذي حدث في المطبخ من مجرد أشياء بسيطة قد فعلها هو ! ، حملت هذا بشفقةٍ على حالها وأغلفت باب الغرفة خلفها ، فوجدت "بدر" يفتح الباب بهدوء بمفتاح "وردة" و"يامن" يغفو على ذراعه الٱن ، ابتسمت "وردة" بمفاجأة وهتفت تسألها :
_" الله ، انتِ لسه صاحية يا ماما "
_"أيوة يا حبيبتي ، كنت بصلي وبعمل شوية حاجات كدة واطمنت على نيروز ، هدخل أنام بقا ، ما تجيبوا يامن معايا !"
عرضت عليهم كما عرضت من قبل ، يحبها الصغير جداً ، لم ترفض لها طلب ، بل واففت برأسها كي لا تحزنها فابتسم "بدر" يعطيه لها حتى دخلت "وردة" تضعه معها في غرفتها وهي تسألها عن "نيروز"، فدخل هو يبدل ثيابه لأخرى مريحة من هذا اليوم الشاق بكل الأحداث التي حدثت به ، متذكراً أخر ما قاله "لٱدم" في ان يحافظ على "فريدة" أكثر من أي شئ!، فحتى "حازم" لا يكف عن الاتصال عليه وعليهم!
________________________________
غسلت وجهها بتهيةٍ ولاحظت سكون المكان فدخلت الأطفال لتنام ومن تقف تساندها كانت "فاطمة" بعدما قدمت لها عباءة مريحة ترتديها ،فدخلت قبل وقت تبدلها وتركت خصلاتها الطولية خلفها عند النوم مثلما تفعل ، وعت قليلاً وابتسمت لـ "فاطمة" بإمتنانٍ ، فسارت معها ناحية الصالة إلى أن وقفا الإثنان فشكرتها "فريدة" قائلة بحرجٍ :
_"شكراً يا فاطمة ،بتعبك معايا !"
_"على ايه يا فوفّة ، انتِ اختي يا حبيبتي ، ومن النهاردة ده بيتك واحنا اللي مقاسمينك فيه ، حتى ولو هتحبي ترجعي تاني فأنا برضه هبقي عاوزاكي معانا هنا ، ده العيال بيحبوكي أوي بالذات دوما !"
رددت كلماتها بصدقٍ فعانقتها "فريدة" بتأثرٍ ولم تسألها سؤالها المحرج ، بل التزمت الصمت وسألتها سؤال ٱخر مهتم :
_"أومال ٱدم راح فين؟"
ابتسمت بشقاوةٍ على اهتمامها وبحثها عنه هكذا فجاوبتها :
_"ٱدم فوق على السطح، كل يوم بيبقى يحب يقعد شوية كده مع نفسه قبل النوم ، هتلاقيه نازل دلوقــ.."
وقبل أن تكمل سمعت صوت شجار ما بين "أدهم ويوسف" فضغطت على فكها كانت تعتقدهما نيام ، نظرت ناحيتها بأسفٍ وقالت بنبرةٍ سريعة تخبرها :
_" شكلهم بيتخانقوا على مكان النوم ، معلش يا فريدة هشوفهم وأرجعلك!"
حركت رأسها موافقة، وتركت المنشفة وهي تنظر بشرودٍ ، فتلمست خصلاتها بتلقائيةٍ وانتفضت بخفةٍ ما ان وجدت المفتاح يفتح الباب من الخارج ولم يكن سوى هو ، دخل ثم رفع رأسه وهو يغلق الباب بقدمه ، فتوقف يطالعها بتمعنٍ لبرهة ، أصبحت حلال له رؤيتها هكذا ، فلا مانع من نظرة؟. خاصةً خصلاتها الملفتة بقوة ، لم تخجل بطبعها ، لم تشعر بالحرج منه بل ابتسمت له فقط !!
فإقترب "ٱدم" يسألها برفقٍ :
_" مرتاحة؟"
حركت "فريدة" رأسها بنعمٍ وعادت تنظر بتيهةٍ ، فأمسك يديه يسحبها برفقٍ وفتح غرفته يدخل بها إلى ان دخلت تنظر بتخبطٍ وقطع هذا بقوله:
_" هسيبك تنامي هنا في أوضتي وهنام أنا بره في الأوضة التانية!"
سحبها لتجلس على المقعد ، وجلس هو بجانبها فبدأت الكلمات تخرج منها بتخبطٍ :
_" انا كان المفروض أخاف ، بس معاك أنا مش خايفة ، بس أنا ..أنا تايهة أوي!"
ابتعلت ريقها بتوترٍ بعد هذه الكلمات ، فإحتوى كفيها بين راحته ونبس بنبرةٍ هادئه امتلأت بالٱمان :
_", أنا مش عايزك تايهة ،أنا عايزك مطمنة يا فريدة ، وهعملك كل اللي انتِ عايزاه ، حابة تفضلي هخليكي ومش حابة هرجعك برضه ، أي حاجة تطلبيها تحصل قصاد انك تكوني مرتاحة ومطمنة ،أنا عايزك تبدأي صح عايزك تبقي كويسة وإحنا مع بعض وأنا مش هسيبك ، أنا زيك وهحاول معاكي أنا كمان "
تشبتت بكفه هذه المرة ، فأضاف من جديد بوضوحٍ من مخاوفها :
_" محتاجك تشيلي من دماغك حاجات كتير انتِ حطاها وهي ملهاش لازمة ، سيبك من الماضي واللي حصل فيه ، وركزي ، بس ركزي بس على اللي بيحبوكي ومحتاجينك كويسة ، أنا مقدر خوفك ومقدر انك اتاخدتي بسرعة كدة من غير ما تبقي ٱهدى أو أحسن ، بس لو محتاجة اني أقولك اني مش فارق معايا اللي حصل ، فأنا بقولك ان ٱنا ناسي أصلاً ، وأنك أحلى البنات في عيني وهتفضلي أجملهم ، يمكن انتِ شايفه العكس وخايفة اوي من دلوقتي ومن اللي جاي ، بس أوعدك اني مش هحسسك بالخوف ده أبداً ، وعايزك تعرفي ان كل واحد فينا غلط وبيصلح غلطته بأي تمن ، وأنا شاهد ان غلطتك كملت من غير ذنب ، وظُلمك انتِ نفسك بتدفعي فيه تمن كبير بنفسيتك وصحتك ، اللي بيتاخد منك بيتاخد مني بالظبط ، ولو شايفة ان اللي راح ده فارق معايا كٱدم تبقي لسه متعرفيش ٱدم الجديد ، ٱدم. بعد ما حب فريدة!"
هبطت دموعها خلف بعضها تحت تأثر من كلماته ، فمسح هو وجهها برفقٍ وردًا على تأثره خرجت منها نبرتها الباكية :
_"انا معرفش ليه ماسكة فيك أوي كدة ومعرش امته حبيتك ، ومش عارفة برضه ازاي بخاف تسيبني ،. متبسبنيش يا ٱدم !"
كان يتردد في اخذها بعناقٍ بسببها هي ، حاول الإقتراب فصدته بتشنجٍ لم يصدم بل وجدها تغمض عينيها وهي تضغط على كفه بين يديها وكأنه لم ينتبه للتو ، قُرب كهذا غير قرب وعناق شقيقها منها لم تستطع ، توقف عن الاقتراب ليحتضنها ولأول مرة يواسي دمعته في ان لا تهبط بشفقةً عليها
فتحت عينيها ومسحت وجهها وهي تبتلع ريقها ونظرت بمفاجأة لما فعلته أظافرها دخل كفه فهتفت بأسفٍ ولهفة :
_" أنا ٱسفة ..أنا ٱسفة والله مكنتش أقصد ،مـ.."
بتر جملتها عندما أشار لها بمعني لا شئ والتقط كفها الأخر يقبله برفقٍ وهتف بصدقٍ :
_" انتِ تعملي اللي انتِ عايزاه يا فريدة من غير ما تتأسفي ، تاخدي ايدي التانية كمان ؟"
شاكسها بٱخر حديثه فأنفلت ضحكاتها بعفويةٍ واستخدمت كلماته تشاكسه :
_" قلبك جاييك بقا ؟"
_"طبعاً ، دا جايبني من. زمان كمان ، تصدقي نفسي في شوية ماية يترشوا عليا ونرجع نتخانق تاني وتضربيني بالقلم فأمسك فيكي ، ما تيجي نعيده يا شاطرة ؟!"
انفلتت ضحكتها مره أخرى والتي سمعتها "فاطمة" فرجعت بإطمئنان ، بينما هو تعمق في ضحكتها فهربت تعاند بطبعها وقالت :
_" أنا مش نفسي"
شاكسها "ٱدم" بمرحٍ وهو يضرب وجنتيها بخفةٍ مردداً بنبرةٍ ضاحكة:
_''يا بت ؟ دا حتى اللي عينيهم حلوة مببعرفوش يكدبوا "
_" لا بيعرفوا"
قالتها مجدداً بإصرار في العناد كانت تود مقابلة الٱعين كي تخرج له مخاوفها بهذه الطريقة ولم تفشل في فعلها ، بل هتف قائلاً بما توقعته هىٰ :
_"طب عيني في عينك كدة!"
تعلقت الأعين بحديث مكشوف ومشاعر مختلفة ، فإزدادت لمعتها وهي تصارحه :
_", متسبنيش يا ٱدم ، خليك هنا ،. أنا بيجيلي كوابيس"
أخبره "حازم" ولكنه رسم قرار في ان يخبرها بأنه سيرحل من الغرفة بدلاً من أن يفرض الجلوس والآقامة معها! ، ومقابل هذا وافق ونهض يسندها ناحية الفراش وأشار لها بأن تتمد، فتسطحت بتعبٍ وسألته بتشبتٍ :
_" هتمشي؟"
_" أنا جنبك ، مش هسيبك!"
سحب الأريكة بعدما أهبط شفتيه يقبل جبينها بحنوٍ، ودثرها بالغطاء جيداً فنظرت بتوترٍ وهابت نومه بجوارها.ولكنه تسطح على الأريكة ما أن أغلق الضوء ، وفردها بتنسيقٍ حتى جعلها فراش والتقط الغطاء وهتف بهمسٍ:
_" تصبحي على خير يا شاطرة"
من كان يصدق هكذا ؟ من كان يصدق وجودها معه وقبول شقيقها بهذا ، علم أنها تتأذى كثيراً كي تصل إلى هذه. المرحلة! ، ابتسمت بتوترٍ وصارحته بمخاوفها الأخرى:
_" هو ممكن تفتح النور ؟ انا بقيت بخاف من الضلمة"
فتح الضوء الصغير بسرعة ، وهو يمد ذراعه وسألها بنبرةٍ لينة رغم انه لا يحبذ الضوء :
_" كدة كويس؟"
_" أيوة "
اتسعت ابتسامته براحةٍ وزفر بإرتياحٍ يصارحها هو الأخر من مخاوفه:
_" تعرفي ان أنا كمان كنت بخاف ، بس كنت بخاف أبقى لوحدي ؟ "
حركت رأسها وهي تتحرك على جانبها في هذا الضوء كي تنظر له عندما شعرت بأنه سيقص عليها أكثر ، وضع كفه خلف رأسه ونظر للسقف وعاد يكمل بشرودٍ بعدما همهمت بانتظار:
_" كان عندي رُعب من فكرة اني اموت لوحدي هنا ، من زمان ، من ساعة ما كنت بضيع نفسي بنفسي ، أختي مكنتش بتيجي ألا فين وفين وبدر كده كده كان مسافر وامي وابويا ميتين ، أصعب حاجة ممكن يحسها البني ٱدم انه بحس انه لوحده رغم وجود ناس كتير حواليه ، لما يحس ان في مكان فاضي هربان منه مش لاقيه ، ساعتها قولت دا عقلي ونقص ديني ففوقت وقعدت أنب نفسي وأقول ايه اللي أنا بعمله وبضيع فيه نفسي ده ، خوفي من الوحده كان مخلي أصحابي هنا علطول. ، حتى حسن ، مع انها أيام متمناش ترجع تاني بس أيامي هنا مع حسن مهما حصل منه فبرضه هقول انه مجاش زيه ، دا بس لو يفوق ، لو يسمع كلامي ويفوق من اللي هو فيه كل حاجة ساعتها هتتغير يا فريدة !"
التزمت الصمت وحبست دموعها في مقلتيها ، فبعد عن هذا المحور من الحديث الذي يشكل لها ذكريات سيئة وعاد يكمل في أصل الحوار :
_", لما قربت من ربنا ارتاحت وحسيت ان المكان الفاضي اللي جوايا بتملي ، وبيتملى نور وإيمان ، ففوقت عن حاجات كتيرة ، بس عمري ما هنسى الماضي ده حتى ولو اتعافيت منه ، أيام المصحة نفسها كانت عاملة زي الموت ، وقتها كنت الحال وعكسه لحد ما فكرت اني اتجننت وعقلي فوت ومبقتش عاقل خلاص ، لحد أجمل لحظة مبتكررش كتير. ,لما أمي جت في الحلم مرتين ليا ، كنت بقولها تاخدني معاها مكنتش بترضى ، ساعتها قالتلي انت لسه قدامك كتير ، لسه اختباراتك كتير وعوضك من ربنا كبير يا ٱدم ، بحب أصدق أي حلم هي فيه يا فريدة حتى ولو وحش!"
تمسكت بالقلادة وهي تبتسم وهبطت دمعتها مع دمعته وهو يكمل ما لم تعلمه :
_"واحنا صغيرين لما كنا بنلعب مع بعض وحسن كان يجي يضربك ويقولك لا متجيش ولا متعمليش كانت بتقوله سيبها يا حسن ، اختك دي بكرة تمشي وتتجوز وتقعد تعيط كدة عليها ، بس هي راحت بدري أوي ، راحت قبل ما تشوف الدنيا عملت ايه فكل واحد فينا ، بس كانت بتحبك أوي انتِ وملامحك ، هي أه مكانتش بترتاح لأمك بس كانت بتقول عليكي ست البنات عشان حلوة زي فاطمة ولما تشوفك بتفكريها بجمالها وملامحها الصغيرة !"
اتسعت ابتسامتها وذاكرتها لا تستطيع جمع الذكريات هذه لصغر سنها ، وضحكت بخفةٍ ما ان استمعت لجزء والدتها ووالدته ، فصرحّت هى بتمني له :
_" ياريت زمان يرجع يا ٱدم ، كنا غيرنا كلنا حاجات كتيرة أوي فيه!"
_"لو رجع هختار أعيش كل تجربة حلوة ووحشة عيشتها ، عشان أوصل للي وصلت ليه ، عشان أكون قاعد معاكي دلوقتي في نفس المكان!"
كانت كلماته صادقة ، شعر بسؤالها قبل ان يخرج ولولا تجربته في الماضى لما قبل كل ذلك بحدوثه..
_"كل حاجة حصلت خليتني ناضج كفاية ، وخلتني عاقل واعي لحد عند عنييكي ، هنا وكل حاجة بتروح وبحس ساعتها اننا لسه صغيرين بنلعب مع بعض زي ما كنا!"
فأضاف يسألها بترقبٍ يحاول سحب الكتمان منها ليخرج:
_", وانتِ ؟"
مسحت وجهها وأخذت أنفاسها تصارحه بصدقٍ :
_"انت عارف ان لو اختارت ارجع هرجع بس هغير حاجات كتير ، أنا حتى لو كان بإيدي امنع بابا وماما يتجوزوا كنت عملتها ، ساعتها هتنتهي الحكاية ، لكن لو محصلش ، فإنت هتعرف برضه أنا هحتاج أغير ايه حصل ، مكنتش هسمع كلام واحد كل شغلته انه كان جاي ينتقم ، مكنتش همشي ورا حاجة مش راضية ربنا من الأول ، مكنتش سيبت الكره بيني وبين اخواتي وبنات عمي يكبر ، يمكن لو كانوا جنبي مكتش خدت قرارات كتير غلط ،بس انا اتحرمت من كتير اوي ولقيت نفسي بدور على الصح وكل حاجة حواليا غلط ، فجيت أختار أصغر غلط ، بس طلع أكبر غلط ممكن تشوفه أي بنت ، بدأت بظلمي لنفسي وبعد كده اتجاب فيا ظلم كل واحد كان عمله في حياته ، بس برجع وبقول ان ربنا قدر كل ده وقادر يخليني كويسة من تاني ، مش هقول كويسة زي ما كنت عشان أنا وعيت لقيت نفسي مش كويسة فكل حاجة بتحصل حواليا بس ساعتها افتكرت ان ده العادي!!"
اندمجت في الكلمات قبال تأثره فلمعت عينيه في الخفاء وتركها تأتي بكل ما لديها ولكنها توقفت تزفر انفاسها بصوتٍ عالٍ وخيرته بمرحٍ اعتمدته كي لا تكون اللحظة لحظة تأثر وحزن:
_" عاوزاك تحكيلي حدوتة قبل ما أنام !"
اندفع يضحك بخفةٍ وحرك ساقة بإندماج وحرك رأسه ضاحكاً موافقاً طلبها:
_"وأحلى حدوتة ممكن تسمعيها"
سألته "فريدة" بضحكةٍ خفيفة تشك بقوله:
_", يعني هتحكي؟"
حرك "ٱدم" رأسه موافقاً ، فعادت تسأله بآندماجٍ :
_",طب هتحكي ايه؟"
وضع يديه خلفه رأسه من جديد، وتنهد بصوتٍ يستعد وبدأ يسرد بعمقٍ متذكراً خصلاتها الطويلة:
_"هحكي حدوته سارقها من ديزني!"
شهقت بصوتٍ زائف وانفلتت ضحكتها على قوله وترقبت الأتي بحماس وكأن روح الطفلة التي بداخلها والتي افتقدت هذه الأشياء في طفولتها تعود الٱن معه بدور ما يفعله، فسمعته يفسر أكثر بنبرةٍ توحي بقص قصة جدية حقيقة! بإستمتاع :
_"سرقتها من روبانزل ، في يوم وقعت في واحدة شعرها طويل وجميل زيها ، بس مكانش أصفر كان إسود ، بنت جميلة وحلوة بس كان مقفول عليها ومكانتش فاهمة حاجات كتير كانت مفتقداها ، ولما خرجت ، خرجت تقابل يوجين اللي وقع في طريقها ، كان برضه عنده ماضي وحش بس مع الوقت هي غيرته ، ولما شافها وشاف البهجة اللي في روحها وجمالها وقع فيها ، وحس لأول مرة انه مرغوب فيه ، لأنه كان تايه وكان برضه محدش بيحبه، المهم بقا ان البت روبانزل ام شعر اسود ناعم دي مكانتش عارفة انها أميرة وانها حاجة كبيرة أوي ، وانها اتخطفت وهي صغيرة واتظلمت من غير ما تفهم في ايه بيحصل ، فالبت الأميرة اللي شعرها هيجنني دي تعبت وعانت في حياتها زي ما ماضي الواد يوجين ده كان وحش بس اتغير والحياة بتتغير عشان هم مع بعض!"
ابتسمت بل وضحكت من سرده ، وهتفت تخبره بنبرةٍ ضاحكة:
_", انت مبتعرفش تحكي حواديت خالص!"
_ صح ، احكيلي انتِ يمكن تكوني بتعرفي!"
ضحكت "فريدة" بسخريةٍ واعتدلت تسحب الغطاء أكثر وأخبرته قائلة :
_" بلاش ، حواديتي كلها مأسوية ، مش وردية أبداً",
همهم بصوتٍ مندمج مع الكلمات وترقب ما ان عادت تراجع نفسها وقالت بتردد:
_" بس ممكن اقولك حدوته قصيرة أوي من كام كلمة بس ، موافق؟ ولا بلاش؟!"
ينتظر بكل لهفة أي حرف كي يخرج منها ، ترقب بلهفةٍ وصاح يحثها بحماسٍ :
_" لا موافق أوي ، احكي يلا "
أخذت"فريدة", أنفاسها بعمقٍ وراحة وقررت قول الأتي على انها قصة قصيرة مكونة من كلمات صغيرة فقط ربما جملة:
_" جمًع الله فيك الصاحب والحبيب والحياة والأمان وكل حاجة حلوة يا ٱدم!"
هل حقاً تفوهت بذلك؟ ، أجمل قصة قصيرة كان قد استمع لها ، ترددت أنفاسه وابتسم بسعادةٍ وضم الغطاء أكثر وشعر ان ثمة فراشات تحلق فوق رأسه تشاركه جمال اللحظة ، أما هى، فقد علمت جيداً ماذا فعلت به الٱن ، جعلته يحلق عالياً ، عالياً جداً ، فإبتسمت وخرجت أنفاسهما براحةٍ ، فكل منهما يعايش لحظات لم يعايشها من قبل ، أخذ الكثير في هذا اليوم من بدايته لنهايته ، شعر هو لأول مرة بأنه صاحب حظ جيد كي يحدث له كل هذا فينتهي المطاف بوجودها معه هنا ، فكما شبهها ترى هي نفسها ، ترى نفسها مفقودة من ذاتها وأكمل التشبية لها بأنها أميرة ، فاجتمع القولان ببعضهما عند نقطة معينة وأصبحت " الأميرة المفقودة"
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عودة الوصال ) اسم الرواية