Ads by Google X

رواية عودة الوصال الفصل الثالث و الاربعون 43 - بقلم سارة ناصر

الصفحة الرئيسية

   

 رواية عودة الوصال الفصل الثالث و الاربعون 43 -  بقلم سارة ناصر

- تاني حاجة أنا مش موجودة علطول للكتابة ..أنا بتعب جداً في كتابة أي بارت ، فأنا مش شايفة اني اتأخرت كفاية لنظام رسائل الواتباد ده ، اللي وضحتلي بمحتواها قد ايه انا مش ملتزمة عشان ألاقي حد يتشرط عليا ان البارت ينزل ومش بس كدة دا ينزل وكمان من غير أحداث  وحشة وشديدة!! ، فمكانش قدامي حاجة غير اني أعدي وأضحك وأقول..:



_" طب ما تيجي حضرتِك تكتبي وتظبطي أحداثهم وتخليهم يموتوا من الفرحة عشان أنا واحدة نكدية😂🥰"



"عموماً بحبكم وبحب أكتر اللي بيقدر الظروف وشكراً❤️ "



-قراءة سعيدة متنسوش الڤوت والمتابعة ورأيكم بكومنت-.
________________________________



«أُريد يديكِ لأحمل قَلبي»- محمود درويش-



كان طلبه مع بداية هذا اليوم , وككل يوم يصبح ويمسي به يريد يديها ليحمل نفسه من الأساس ، مُستسلم بكل جوارحه وملبي أول لمشاعره عدا هذه المرة ..عدا هذه الأيام وما شعر بها ، هذا ما كان ومازال يريده منذ البُعد، حتى وان عنف نفسه فلا محال يريدها، ولكن كيف؟ كيف؟ وهي من أصرت ومازالت تصر ، ٱخر قول سمعه منها هو انها لا تريد رؤية وجهه ولا سماع حديثه ، وبين تخبط والٱخر إلا ان هذه الكلمات كسرت شئ مجدداً داخله حتى انهت المقابلة ٱخر مره بذلك وحاولت التراجع في ما أردفته بطريقة ليست  مباشرة مع وضع تبريرات بأنه كيف سيرحل كما قالت وهما بالأساس جيران ومن ثم أقارب؟؟ ، على أية حال حمل الحديث على قلبه وصمت..حتى حديث والدتها له وكأنه من يأذيها يضغطه ولكنه لا يريد الاستسلام لما أمرته وكأنه ملزم وهو من ناحية أخرى يتوجب عليه الاقتراب مع التزامه بالحدود كي يرافقها عند متابعة حملها بطفله! ..



يمتن ويتأثر لما فعله والده أمس ، عندما تلى بعض آيات الذكر عليه ممراً يديه على خصلاته حتى غفى بالفعل ، أما غفوته وراحته لم تكن دائمة متواصلة ، بل نهض بعدها من الأرق كالعادة!! ومرارة الفراق والفقد شئ موجع موجع جداً عليه!



كما كانت مرارتها هى الأخرىٰ ، فأحضان الصغير أمس بمثابة أحضان دافئة يغمرها الأمان عند لحظة التخيل ، تخيل لصغيرها القادم ! ، رغم انها لم تستطع هي الأخرى النوم وأصبحت متشتتة أكثر والشئ الوحيد الذي لا يفارقها هو الألم! ، ألم الفقد والفراق مثله تماماً ، والإثنان على هذا الحال وبينهما الكبرياء والإصرار الممزوجان بالوجع الشديد ! وجع لم يجربه أي منهما  من قبل !!..

_"  خلصتي يا حبيبتي ؟"



سألتها "دلال" وهي تدخل عليها غرفتها ،  بينما الأخرى على وشك الدخول للاختبار بعد وقت ليس قليل ، لذا يظهر سكونها بتوترها الشديد ، إلتفتت"وسام" بعدما عقدت حجابها بشكل سليم ونظرت تبتسم تجامل والدتها التي نظرت لها بشفقةٍ ومدت  كفها تمسح وجهها برفقٍ وسألتها تخفف عنها بنبرة قصدت بها غير الاهتمام كي لا تهول من الأمر أكثر مما هو لدى ابنتها :



_" مالك خايفة ليه كده ؟ ما طظ يا بت الحاجة اللي تخوف الواحدة كده..الله!!!"



ضحكت "وسام" بالفعل وكشفت ما تحاول فعله ، بينما بهذه اللحظة تجمعت الدموع بمقلتيها تنظر لجميع محاولاتهم في التخفيف عنها منذ صلاة الفجر مع بعضهم ،  تلهفت "دلال" من دمعة ابنتها بينما نطقت "وسام" بتحشرجٍ تخبرها بما تكنه وتهابه :



_" خايفة يا ماما ، خايفة أخذلكم ومحققش حلمي وحلمكم اللي  حلمتوه عشاني معايا!!!"



مسحت "دلال " على وجهها برفقٍ ودخل "حامد" مع "بسام " في هذه اللحظة ، والمرتديان ملابسهما  الظاهرة لخروجهم معها ، بينما هتفت"دلال" تجيبها بإطمئنان :



_"  متخافيش.. إنتِ بنتي وانا عارفة انك قدها وعارفة قد ايه انتِ تعبتي ، ويارب يحقق كل دعوة دعيتها ليكي فكل صلاة يا وسام يا بنتي يارب!"



ابتسمت على طريقتها وتفاجأت بالٱخران ، خاصةً عند قول "بسام " لها بطريقة  مَرِحَةٍ:



_"يا بت يا هبلة كل دي وساوس من الشيطان ، متسببيش نفسك لأفكاره وخوفك ده ، اذكري ربنا علطول!"



أرسلت له قبلة طائرة لا تتوافق مع الوضع فضحك وردها لها بينما ابتسم "حامد" يقترب منها فسألته هي بلهفةٍ مُلامة:



_"برضو يا بابا ؟؟ مصمم لسه تيجي توصلني ؟؟"



ورد "حامد" حينها بثقةٍ :



_" طبعاً مصمم ، لازم ٱجي اوصلك واقف معاكي لحد ما يدخلوكم من البوابة و .."



قاطعه "بسام" بضحكٍ من هذه العادة :



_" متقولش هتستنى يا حج !! قول انك بطلت تعمل حركة الشعب المصري الأصيل  في ثانوية. عامة مع ولاده دي!!"



ضحكت "دلال" وامتزجت ضحكاتها مع ضحكاتهم وبنفس نبرته رد "حامد" بنبرة ضاحكة أيضاً ينفي برفقٍ موضحاً :



_" لا ، هستنى نخش فالإمتحانات الجد وهستناها ،و بالفطار ساعتها؛"




        
          
                
اعتلت ضحكاتهم أكثر وهذه المرة كانت ضحكة "غسان" أعلى وهو يدخل عند قوله هذا ، بعدما رتب نفسه وارتدى ملابسه ، ترقب الكل لسماعه اما هو فقال من بين نبرته الضاحكة :.



_" عادية من أب مصري، مش ناسي أنا ساندوتشات الكبدة اللي كنت بتجييهالي انا وبسام  وشادي فثانوية عامة!!"



تذكر "بسام" وانفجر ضاحكاً يضرب كتف شقيقه بمرحٍ وأيده وهو يتذكر أكثر:



_" أيوة تصدق فاتتني ازاي دي! ، دا الدفعة كلها داقت من ساندوتشاته  والامتحان والعك اللي كنا بنعكه كان بيتنسى بسحر ساندوتشات أبوك!"



ضحكت "وسام " ومن بين الضحكات أردف "حامد "  بحنق حاول فعله ولكنه خرج بفشل عندما نهرهم بضحكٍ وهو يسبهم :



_" ايه مش عاجب الوقتي .؟ بتتريقوا عليا يا ولاد الكلب؟!!"



حينها رفض "بسام "  وكبت ضحكته وهو يحرك رأسه نفياً بينما وجدها "غسان", الطريقة التي سيعبر لها عن تأثره من ما فعله معه أمس عندما اقترب يقبل جبهته وقال بنبرة هادئة مبتسماً  بإتساع:



_" أي حاجة منك يا "حامد" حلوة ، ربنا يخليك لينا ويبارك في عمرك!"



شملتهم "دلال" بحبٍ شديد تدعى بأن يحفظ الله لها عائلتها خاصةً عندما عانق الكل "غسان" الذي كان مقترب بمزاج لائق دون صد فتشجع الكل لاحتضانه ، أدمعت عينيها ولاحظت اراتداء ملابس توأمها اليوم مثل بعضهم تماماً  ،  رفع "حامد" رأسه وأشار لها بحبٍ صادق:



_" ما تيجي يا أم العيال تشاركينا أكتر حضن بتحبيه!"



وكأنهم كعائلة يشعرون بالقادم له  دون وعي! ، الٱن هذا العناق مختلف! 



_" ايه يا حامد اللي بتقوله ده ، بعدين عيالك يزعلو ويقولوا بحب غسان أكتر  واحد الله!!!!"



ضحكت وهي تلومه بينما بالفعل هي تفضل احتوائة الدائم لهم وذراعيه الملبيين لهم ولطاقتهم التي تُستنزف أغلب الوقت ، أما هو فضحك بخفةٍ وأرد أن يمازحهم كي يطمأنهم  فهتف بمزاحٍ لمسه الثقة في القول وكأنه يتأكد من ذلك :



_" لأ هي بتحب بسام معروفة يعني!"



ضربت "دلال" كتفه فابتسم يأخذها أسفل ذراعه بمشاكسةٍ وكأنها أصغر منه للتو وليست والدته من الأساس ، إعتدلت بعدها وخفف هذا الجو الأسرى الممتلئ بالدفء والإنتماء ..خفف كل هذا منها ومن حدة توترها وخوفها من الاختبارات ، تحرك "بسام" مع "حامد" يستعدان للبحث عن حذائهما ومن ثم ارتداءه ، أما هي فوقفت تنظر حتى وجدت "غسان" يقترب متحدثاً بهدوء :




        
          
                
_" جاهزة ؟"



أومأت  واعتلى صوت هاتفها بظهور رسالة ، كان بين كفها حينها فنظرت ووجدت الرسالة التي لا تعلم عددها من "نيروز", التي اهتمت لأمر اختبارها ولم تغفل عنه ، فقد حدثتها رسائل وقت الفجر وحثتها على انها ستنتظرها لتراها قبل الامتحان  وقبل أن تهبط ، ليتلاقا أمام الشقق وستخبرها هي عندما تخرج ، في حين فكرت "وسام" بكل الطرق أن يسبق "غسان" كي لا يتقابلا مجدداً أمام عيني "سمية" و"ياسمين" وتحدث المشاكل من جديد ،اهتزت عينيها خاصةً ان شقيقها الٱخر ووالدها سبقا !! ، وهو الذي ظل ليرافقها لأسفل ! 



_" في حاجة معاكي ولا ايه؟"



سألها "غسان" بترقبٍ عندما رأى شرودها أما هى فنفت سريعاً ورددت بتبرير كاذب :



_" ..لا مفيش حاجة ، بس اسبق انتَ على ما أدخل الحمام وهنزل وراك علطول!"



نظر لعينيها التي تدور ، ولكنه حرك رأسه موافقاً وابتسم بهدوءٍ يوافقها حتى خرج خلف والدته التي خرجت ،  تحسس جيبيه كالعادة وذهب ناحية باب الشقة حتى فتحه ولكنه تناسى أمر هاتفه فلم يكن بجيبه ، أغلقه دون ان يخرج واقترب من غرفته يجلبه ، أما "وسام" على الناحية الأخرى توقعت بأنه رحل لذا أرسلت لها بأنها ستخرج للتو من الباب ، اقتربت بالفعل ترتدي حذاءها كي تخرج ولم تضع في الحسبان ما حدث من صدفة !!



إلتقط "غسان" الهاتف وقاطع شروده بها قراره في خلع دبلته ، فلم يستطع فعلها إلى الٱن ، ولم يستطع من ناحية أخرى خلعها بسبب ما سمعه من قرار "حسن" المتشتت ،  ان رٱه أحد بها من عائلتهم سينتهزون الفرص أكثر ، ومن جهة اخرى كيف سيرحل ويقرر الرحيل لأخذ قسط من الراحة لنفسيته وهي هنا وحدها بين هؤلاء!!!  ، الوضع معقد ويضغطه حتى وان فارقها!!, ضم كفه بقوةٍ ينهر مشاعره وزفر بصوتٍ عالٍ وخرج مرة أخرىٰ حتى سمع شهقة "دلال" العالية وهي تضرب صدرها ، التفت يحرك رأسه فوجدها تحدق بحذاءه الذي دخل به ، بهذه اللحظة تناست كل أوجاعه واقتربت تنهره حتى رفعت صوتها ونهرته قائلة :



_" انت داخل بالجزمة على السجاد  اللي انا لسة غسلاه قريب؟؟؟؟"



حاول التبرير بخفةٍ ، فتشنج وجهها وندب بحنقٍ تقطع أي فرصة  :



_" ما انتَ لو بتغسله وبتتعب فيه وضهرك يتقطم ويتكسر عمرك ما هتعمل العمله دي ، روح ربنا يسامحك يا  شيخ عالصبح!!"



شعر بأنها ستتحدث مجدداً لذا فقد الأمل في ان يبرر وسار بخطواتٍ ثابتة ناحية الباب حتى فتحه  ومن ثم خرج وأغلقه بتلقائية  ، وسرعان ما رفع عينيه ينظر وكالعادة عكس ما ظهر عليه ..تسارعت دقات قلبه عندما وجدها تعانق "وسام" على باب شقتها ، مبتسمة ابتسامة جميلة ولكن حزنها يظهر له وحده الٱن، اختفت سريعاً هذه الابتسامة ولاحظ ارتجافة يديها ، ابتلع ريقه والتفتت "وسام" تنظر بتوترٍ ، فحرك رأسه سريعاً ولم ينسىٰ ما قالته له من تركه لها وعدم رغبتها في رؤيه وجهه ، لم تتقابل عينيه معها بل تحرك وكي لا ينتظر المصعد هبط على السُلم بصمتٍ شديد هادئ دون حتي ان ينس أي حرف لشقيقته!!




        
          
                
ما وجعها هو تجاهله التي رأته والذي قصده هذه المرة لأجلها وليس لدافع ما بداخله ، استشعرت ذلك ولمعت عينيها بدموع محبوسة ، وشردت عن حديث "وسام" لشقيقتيها فالداخل  بعدما دخلت تتخطاها ، خرجت"وسام" بعجالة. مرة أخرى فابتسمت "نيروز" تراضيها وتترك المرارة التي شعرت بها ورددت بهدوء :



_" ربنا معاكي ، اهدي وركزي وبلاش توتري نفسك عشان تعرفي تحلي؛ وان شاء الله خير!"



عانقتها مجدداً وهذه المرة هبطتت عيني "وسام" ناحية معدتها التي بدأت  تبرز بشكل ضئيل ملحوظ للبعض فقط ، شعرت بحسرة شقيقها بهذا الوقت وأومأت توافقها وفُتح المصعد حتي دخلت به ..



أعين لامعة من جديد ، وما احتلها من مشاعر ترك بها الٱن وجع مضعف ولا تعلم لمَ ؟ ، أغلقت الباب ببطئٍ ، ولم تغفل عيني من بالداخل عن ما حدث خلاب ثوانٍ فقط ، لاحظن لمعة عينيها فهربت بنظراتها وحاولت التوجه مرة أخرى ناحية غرفتها ولكن هتفت "سُمية" تناديها :



_" نيروز!"



_" الفطار يا حبيبتي اقعدي يلا انتِ راحة فين!"



أخرجت نفساً عميقاً متألماً يشرح الكثير ، ومشاعرها تضطرب كلما تراه فقط حتىٰ ولو بلمح البصر كانت قد لمحته هي ، فرت دمعتها وهي واقفة ، وكانت نظرات "سمية" حينها عاجزة ولكن من قبلها اقتربت كل من "ياسمين و وردة" ، وسألتها "ياسمين" سريعاً بلهفةٍ كبرىٰ :



_" مالك يا نيروز ؟ في ايه ؟ انتِ تعبانة ؟؟"



اليوم له حساسية أخرىٰ غير عقبتها وخمنت "سمية" السبب الٱخر! ، غريب استيقاظ "ياسمين" مبكراً من الأساس ، ولكن اليوم مناسبة وذكرىٰ لهن لن ينساها أحد منهن ! ..



_" لا أنا كويسة ، أنا بس متأثرة ، ما انتِ عارفة النهاردة ايه!"



لمعت عيني "ياسمين " هي الأخرى وأومأت في حين عانقت "وردة" "نيروز" باحتوائها وقالت :



_" النهاردة ذكرى وفاة بابا ، بس ده ميخلكيش تتعبي نفسك كده ، بحس ان فكل ذكرى ليه بيكون بينا هنا ، يرضيكي يكون بينا ووسطنا وانتِ بتعملي فنفسك كده ؟!"



بررت وضع ربما مجازي ولكن الأخرى نفت بلهفةٍ فابتسمت"سمية" تراضيها ومررت كفها على خصلاتها البُنية الفاتحة وقالت بما جعلها تترقب:



_" وردة عندها حق ، يلا بقىٰ عشان نفطر ونقعد نجهز الصدقة اللي هنوزعها فالمقابر مع بعض النهاردة!"



هذه العادة  دوماً ما يواظبون عليها كل ذكرى وفاته ! ، أما الايام الأخرى فلا زيارات إلا قليل ، أما هي فكان الوضع مختلف كما الٱن تماماً عندما ابتسمت بحماسٍ ووافقت برأسها ، فشاكستها "ياسمين " قائلة :




        
          
                
_"اسكتي  أمك عاملة رز بلبن هيجنني بقولها نفسي فيه راحت قايلالي لأ دا مش بتاعنا ، يرضيكي؟؟ ده انا حامل وبتوحم حرام عليها ولية قادرة !"



شهقت "سمية" من كذبها وافتراءها، حتىٰ ضحكت "نيروز " فسحبتهما "وردة " ناحية سفرة الطعام تزامناً مع قول "نيروز" :



_" متزعليش. هجيبلك أنا !"



_" ايوة  ، انتِ واسطة وبنتها وبتحبك لكن أنا  جيباني من دار ايتام بس مش عايزة تعترف !"



ضحكت "سمية " بيأسٍ وامتزجت ضحكاتهن معاً وردت والدتها بقلة حيلة:



_"ربنا يهديكِي يا بنتي!"



استنكرت "نيروز" عدم وجود "حازم" معهم على مائدة الافطار ،فسألتها باستفهامٍ :



_" أومال حازم فين ؟ مش هيفطر؟"



_"حازم مقموص مني بقاله يجي اسبوع ‏ وبيتجاهلني ما انتوا عارفين ، هو عند أمه عايدة خليها تأكله وتنفعه بقا !"



اسلوبها الفظ الغير مبالي جعل "سمية" تنظر لها بتعنيفٍ وقبل ان توبخها تدخلت "وردة" تخبرها برفق :



_"حازم بيحبك واللهِ يا ياسمين ، انتِ اللي شديدة أوي مينفعش كدة خليكي لينة شوية وجاريِه هو بردو معذور ومعاه حق !"



طالعتها بإنصاتٍ ، وعقب ما انتهت هتفت هي بنبرة مغتاظة من هرمونات حملها:



_" وأنا مبحبوش يعني ؟ طب ما انا اعترفت بغلطي وقولتله ٱسفة المفروض أعمله ايه تاني عشان يحن ؟ دا حتى مبيردش عليا لما بتكلم ومش مقدر حملي وتعبي ، أنا في غنى عن الضغط ده فالوقت ده ، وسيباه يجي من نفسه!"



_"بت انتِ متعيشيش الدور ، جوزك معاه حق يزعل ومش كلمة ٱسفة دي يختي اللي هتمشي الدنيا , هو قايم نايم خايف عليكي وعلى صحتك وساعة ما يسألك اكلتي شربتي اخدتي العلاج ..وشك بتلويه ومش بتردي عليه ودا حصل قدام عيني!"



وبختها "سمية " بذلك ولكنها لم تتركها تكمل أكثر بل اندفعت تردد بعنادٍ :



_"يعني هفضل كل شوية أحاول اصالحه وهو ميردش ويهتم ويوم ما يهتم أرد عليه كويس؟ فين كرامتي بقا ان شاء الله؟."



هنا وتدخلت "وردة " مرة أخرى تسألها بجديةٍ :



_" وكرامته يا ياسمين يوم ما عملتي اللي عملتيه ؟ يا حبيتي في حب بينكم يخليكم تقعدوا تتعاتبوا بهدوء وطالما انتي غلطانة يبقي تعاتبي تاني مش معني ان أول مره اتواجهتوا وهو لسه زعلان يبقي خلاص انتهت ..مينفعش انتوا مش  بُعاد انتوا متجوزين وعاقلين وحياتكم كلها مع بعض بلاش تراكموا  الزعل وتتعاملوا كده من غير وضوح تاني غير اللي قبله، اكيد كان فعزم زعله ساعتها !"




        
          
                
جاء على عقل "نيروز" مشاكلها معه ، هل كان يراكم ؟ أم مراكمته كانت كي يتخطى ويستمر معها بهدوء ؟ ، هل كان هناك ضغط؟  تسال وتعلم بأنها ضغطته كثيراً بما فيه الكفاية ! ، تنفست بعمقٍ ، كما صمتت "ياسمين"  تتناول الطعام ، بينما حركت"سمية " رأسها بتعبٍ منها متفوهةٌ بـ:



_"هبلة وغلبانة..ما أنا برضو اللي جوزتك وانتِ مش عاقلة ، معرفش كان عقلي فين ساعتها ربنا يسامحني!"



_"مع المرحوم!"



شهقت "سمية" من وقاحتها في حين تعالت ضحكات "وردة" و"نيروز" بقوةٍ ، فوبختها "سمية" بضيقٍ منها :



_"كُلي وانتِ ساكتة ، لاحسن أنا بتقهر كده كل ما بتتكلمي واكتشف اني معرفتش أربي !"



_"ماشي!"



قالتها ببرودٍ شديد ، وخلال لحظات تعالت ضحكة "وردة" عليها ثم من بعدها ضحكة"نيروز", التي قالت من بين ضحكتها :



_" مطيعة "



ضحكت "ياسمين" وقتها  تراضي ضحكة "نيروز" وإشارة لها بحنوٍ شديد على الأطباق ملقية ما سبق خلف ظهرها وقالت تحثها :



_" افطري وكلي كويس يلا !"



ابتسمت تومأ علي قولها بهدوءٍ متتفسة براحة الٱن ولو شئ طفيف يغمرها بينهن كما اعتادن دائماً ، مع بعضهن بمُر الأيامِ قبل الجيد الذي بها ، بل والمُر الدائم على الأغلب مع ولدى عائلة كعائلتهم تلك!! ، شملتهن "سُمية" بنظراتها المُريحة لهن ، اندمجت "نيروز" وبرغم ما بها حاولت مراضاة شقيقتها كي تبتسم وتنسىٰ ، لا تعلم هىٰ بأن هذا الوقت من يفترض عليها بأن ينسىٰ كانت هىٰ ولكن كيف؟؟ هذا السؤال الذي يراودها بين الحين والٱخر!!.



____________________________________________



شعور الراحة الذي يغمرنا على فجأة ،  ألطف ما يكون من بين ضغط الأيام وعقبات الماضي ، شعرت بإنشراح صدرها تجاهه ولا تنكر هي بأنها مالت له من قبل كشخصية وليس إلا ، راحتها واطمئنانها الٱن يساوي الكثير والكثير ، حتى حماسها الدخلي الموجود بها  ، كي تخبر شقيقها بعد قليل ، غالباً تضحك على أقوال والدتها العفوية بأمور يتوجب عليها وبها الصبر ، بل والٱن لا  تُصدق "حنان" ما تسمعه من ابنتها التي ترافقها في المطبخ بعد الافطار !! ، وكما كانت فرحتها كانت أيضاً ظاهرة في  نبرتها عندما قالت بغير تصديق:



_" والله الواحد ما مصدق اللي بتقوليه ده ، اللي يشوف وشك امبارح لونه اتخطف ازاي وبين ضحكتك النهاردة يقول سبحان الله !"




        
          
                
مصمت شفتيها ثم دعت لها بعفويةٍ من هذا القبول :



_" ربنا يكملك بعقلك يا فرح !"



خرجت ضحكات "فرح" علي حديث والدتها واعتدلت تناولها ما بيديها مع ردها الذي خرج ممتزجاً بضحكها :



_" عادي يا ماما ، حسيت براحة زي  ما قولتلك ، وشوفت اني قادرة ، يمكن الأول مكنتش اقدر بس دلوقتي حاسة ان حياتي بتختلف ، أنا عايزة اتغير وبتغير فعلاً!"



شعرت بتغير ابنتها وسعدت ،  فأكملت لها الحديث قائلة بلهفةٍ وهي تقف أمام حوض غسل الأطباق :



_" أنا قولتها امبارح ، الواد الدكتور ده محترم وهيراعي ربنا فيكي ، اسمعي كلام امك يا بت !"



حركت رأسها بقلة  حيلة وضحكت وهي تتركها وقالت تزامناً مع خروجها :



_" طيب أنا طالعة أنا لـ "عز" لأنه كلمني من شوية وقولتله اني هطلعله!"



سمعت ثرثرة عادية تعتاد عليها ، ولكنها تجاهلت وخرجت من الباب تصعد على الدرج متجهة نحو شقة "عز" الذي كان يجلس بها في الصالة مع "جميلة" وهما يتناولان الطعام قبل خروجة للعمل ، ومن بين ذلك صوت التلفاز يمتزج بالجو وشعور الانتماء بينهما ، طالعته بسعادةٍ وسألته بشغفٍ على فجأة :



_" تفتكر فرح هتوافق ؟"



حرك "عز" رأسه ناحيتها وقال بغير علم :



_" مش عارف ، وزي ما قولتلك برضو مش حابب أضغطها أنا مش ناسي هي كانت في ايه يا جميلة ، ومهما كان "بسام " كويس فأنا برضو قلقان، خايف أوافق ويكون الاختيار غلط ، فاهمة ؟".



شعرت بتخبطه بدلاً من شقيقته فوضعت يدها  تتلمس ذراعه بتفهمٍ وقالت بعقلٍ تطمئنه :



_" أنا حاسة بيك ، بس برضو عايزة أقولك ان ده طبيعي لأنك  معاها علطول وكنت  ومازلت قايم بدور الأب والأخ والصاحب كمان ، فعشان كده غلاوتها كبيرة ومقدرة إنك متعلق ولسه كمان مش هتستوعب انها لو وافقت هتدخل علي حياة تانية ، بس أنا رأيي ان ده بيحصل وكمان رأيي في "بسام" من حكم القرابة والجيرة فهو محترم أوي وبيوزن الٱمور بعقله  ،  يعني شايفاه عاقل يمكن مش علطول بس أغلب الاوقات محترم وبيستحمل وعارف ربنا قليل لما يطلع منه رد فعل ، أنا مش بعرف أفرق بينه وبين غسان بس خلاص بقيت أفهم من طريقة الكلام والتعامل!"



رفع ذراعه بابتسامة واسعه من محاولاتها في التخفيف عن مشاعره المتشتتة ، لم تستهين بما يشعره كما يفعل معها تماماً ، لامس قلبه لين قلبها الدائم وتقدم يقبل قمة رأسها برفقٍ وقال يؤيدها يبادلها العقل ليظهر لها مدى تأثير كلماتها حتي وان لم يذهب ما يكنه بهذا الوضع بسهولةٍ :




        
          
                
_" وجهة نظر دكتورة برضو ، عالعموم اللي فيه الخير ربنا يقدمه وأنا مش  هعارض ، أنا واثق انها بتتغير واتغيرت فمش هتاخد قرار سريع ان شاء الله!"



حركت رأسها تأييداً ونظر هو نحو وصلاتها السوداء المفرودة برقةٍ خلف ظهرها وقال بإعجابٍ عهدته منه في حبه لخصلاتها :



_"عارفة؟."



أخذت "جميلة" دوره وقامت بتقليده وهي تميل  مقتربه منه بمشاكسةٍ :



_" لا مش عارفة بس هموت واعرف واللهِ !!"



ضحك بقوةٍ متعمقاً النظر بها فضحكت هي عليه إلى ان انتهى وصارحها بعمقٍ :



_"  أنا بحب شعرك أوي!"



شاكسته بضحكٍ وهي تبتلع ما بفمها ببطئٍ :



_"طب وأنا ؟"



_"انتِ حب  دلوقتي واللي جاي واللي لسة هيجي يا جَميلة !!"



قالها بهدوء وبطئ ، وعينيه فاض منها ما يكنه من حب لها ، ابتسمت بحبٍ وظهرت سعادتها  بسبب رفق كلماته وسمع حينها الجرس فنهض كما انتهى أيضاً من تناول الطعام ،  حاولت النهوض كي تدخل لتستر نفسها ولكنه أوقفها بإشارة يديه يخبرها بجديةٍ :



_" دي "فرح" مش حد غريب ، خليكي!"



اقترب يفتح الباب من بعدها وعندما فتحه وجد الابتسامة الواسعة على ملامحها تظهر ، دخلت عندما اقتربت تقبله على خده بمرحٍ  ، فضحك وهو يغلق الباب اما هي فدخلت تجلس بجانب "جميلة" والتقطت حبة زيتون ، تزامناً مع قول "جميلة" المتلهف :



_" ايه ؟ خير صح ؟"



جلس "عز" وترقب سماع الٱتي منها ، أما هى فتخلت عن الحرج واعتدلت أكثر تنظر نحو "عز" وأخذت نفساً عميقاً تخبره :



_" أنا..موافقة !"



ورغم جرأة ردها إلا أنه ابتسم بإتساعٍ ، فابتهجت ملامح "جميلة" تسألها بغير تصديق:



_" بجد يا فرح ؟؟؟"



صمتت تنظر نحو سكون "عز" الذي إعتدل ، فأومأت هي تفسر أكثر:



_" أنا مرتاحة وارتاحت أكتر ، وجاهزة ، بس ده ميجيش حاجة عند رأيك انت يا عز !"



اتسعت ابتسامته من ردها واقترب يرفع يديه يمررها علي خصلاتها وقال بحنانٍ :



_" رأيي هو راحتك ، وراحتك راحتي يا فرح!"



عانقته سريعاً ، تشعر بالحنان يحاوطها من جديد كلما اقترب يعانقها بحبٍ وبرٍ لها ،  ابتسمت "جميلة" عليهما ، فردد "عز" بهدوء وهو يحتضنها :




        
          
                
_" خلاص هبلغهم ان شاء الله باتصال كمان شوية ، عما انزل الشغل كدة !"



شدد بعناقه وكأنه يشعر بضياعها بالتدريج ، بينما وقفت "جميلة" تقطع تأثر اللحظة كي لا يتحدثا بدموعٍ أو لبكاء  عما مضىٰ :



_" هو انا قولتلكم قبل كدة اني بغير ؟"



_" لا أنا بغير أكتر منك ، مش كفاية اخدتي أخويا وسكت!"



ضحكت علي ردها وضحك "عز" هو الٱخر فبرعت "جميلة" بردها عندما قالت :



_" عالعموم كله سلف ودين ، بكرة تشوفي وسام هتعمل فيكي ايه , انتي موصلتيش لـ تُمن غيرتها علفكرة  ؛"



اندفعت برأسها تنظر ، فنظر "عز" بترقبٍ بينما قالت هي بذكاءٍ تطمئن نفسها:



_" لا علفكرة ، احنا صحاب مش هيحصل كده ، هي طيبة اوي معايا وميجيش منها ده !"



فضحكت "جميلة" بسخريةٍ وصارحتها من تجربة حقيقية حدثت :



_", لا متتعشميش أوي ، ما هي بتحب نيروز وأوي  ، وكانت بتغير  لحد قريب أوي كمان ونيروز كانت بتاخد بالها بس بتعديها وتحتوي الموقف أياً كان، فـ مش شرط يعني!!"



تدخل "عز" يردد بسخريةٍ مضحكة ناهيك  عن قلق الأخرى :



_"  الا الغيرة يا فروُح دي مفيهاش صحوبية وقُرب ، الغالي غلاوته بتبان!"



ابتسمت وصمتت ، فضحكت "جميلة" تسخر منها :



_" طب مش قد القول بتتكلمي ليه عشان تلاقي رد زي ده يقلقك كده!"



وقفت "فرح " تبتسم بحبٍ ورفعت ذراعيها تضمها تزامناً مع قولها الضاحك الذي ظهر به الحب :



_" يا بت أنا بحبك والله ،ده  انتِ صحبتي ومرات أخويا ، وام عياله ان شاء الله ، اسباب كافية للحب اهو !"



ضحكت "جميلة" تبادلها العناق ، فنهض "عز" ينظر بساعة معصمه ، ووضع هاتفه بجيب بنطاله وقال يخبرهما :



_"حيث كدة بقا أنزل بدري شوية عشان في شغل من امبارح ومش فاضي ، انا كدة اتطمنت عليكم!"



ابتسما له الاثنان بينما تحركت "جميلة" تطلب منه:



_" طب النهاردة سنوية عمو سالم ، فـ عايزة أكون مع نيروز ومعاهم هناك  زي ما قولتلك ، بس انت مدتنيش رد !"



ابتسم ببساطةٍ وحرك رأسه يوافقها بهدوء:



_" روحي براحتك لو كده خشي البسي نركب مع بعض وانزلك هناك واروح على شغلي "




        
          
                
ابتسمت بحماسٍ وأومأت وعندما شعر بردها الٱتي نفى بطريقته قائلاً :



_" وبلاش تروحي يا فرح المرادي ، خليكي مش لازم يعني!"



_" ليه يا عز انا كنت عايزة اطمن علي نيروز من امبارح ، ووسام عليها امتحان النهاردة "



قالتها بضجرٍ ،اما هو فقارن الوضع من جهةٍ اخرى ، لذا كشف ذلك بجرأةٍ :



_" روحي بس  متحتكيش بيه كتير ومش عايز كلام كتير دلوقتي غير لما يكون في حاجة رسمي!"



خجلت من كلماته ، وابتسمت بعدها توافقه وهي تحرك رأسها ، وفرت سريعاً كي ترتدي ملابسها في حين دخلت" جميلة" ترتدي ملابسها هي الأخرى ، اما "فرح" فتناست أمر "بسام"  في ردها عليه بالقبول أو بالموافقة ، ولكنها استشعرت بأن بفعلتها تلك لن تشعر براحة ان فعلتها لذا تركت الوضع مفتوح تركته هو مع توتره ، ومن ناحية أخرى قارنت كل أقواله السابقة وعلمت أنه مُعجب بها وأكثر لذا تركته يعيش لحظة السعادة بالقبول هذه المرحلة..
ولكن مهما أحبها وهي تعلم لم ولن تشعر بحبه اتجاهها إلا عندما تشعر بنفس ما يشعر به ، الا عندما تحبه وهذا لا تستطيع تحديده الٱن إذا كان بالفعل أو مجرد اعجاب!!



______________________________________________



تفكيرٍ ٱخر يرافقها بعد كل هذا الوقت وهذه الساعات التي تمر  وحسمت أمرها من جديد على أن تقابله مقابلةٍ أخرىٰ بنفس الطريقة السابقة عله المُنقذ لحالتها  وعقبتها لم تكن تعلم هى بأنها بذلك فتحت باب الخطر عليها وعلى من قررت الذهاب لمقابلته مرة أخرى!
_________________________________________



وبعد مرور وقت قليلٍ ، جاء "حامد" في الأسفل والارتباك يحاوطه من أجل ابنته ، على أية حال فتح المصحف ليقرأ به ، والجو يمتزج ما بين مشاعر عديدة وعلى بُعدٍ كانت هناك الشاردة بأمرها وحديث ذلك البغيض معها أمس بنفس المكان مما حرك بداخلها شكوكٍ تجاه "ٱدم" حتى وان اثبت لها عكس ذلك !! 



وفي شقة "سُمية" ، اجتمعت "عايدة" معهن ودخلت "ياسمين" لترتدي ملابسها ، علمت من والدته انه ذهب للعمل قبل ساعات ، ولكن الٱن الكل يتجهز للذهاب ناحية المقابر ، وقفت "نيروز" بتشنج في ملامحها تمسك معدتها بألم طفيف ، حاولت أخذ أنفاسها ولكن من لاحظت كانت "سمية" التي تركت العلب من بين يديها واقتربت تربت علي كتفيها برفقٍ قائلة :



_" أنا عارفة ان المغص لسه مبيسبكيش ،عشان كدة حجزت النهاردة وهنروح بعد ما نيجي من المقابر نطمن !"



حركت "نيروز" رأسها تنفي ذلك وقالت بابتسامة باهتة تطمئنها :



_" مكنش ليه لزوم يا ماما انا اتعودت على كده خلاص، انا كويسة متقلقيش!"




        
          
                
_" لا دي حاجة متتعوديش عليها مش يمكن في حاجة لقدر الله ، اسكتي بس واسمعي الكلام وطاوعيني مش كفاية أكلك اللي بقى معدوم ده!!"



نظرت بقلة حيلة ، ودارت رأسها ناحية الباب ، فإقتربت "سمية" تفتح باب الشقة ، في حين  تجهزت "وردة" واقتربت تبتسم لـ "نيروز" ، فسألتها "نيروز" وهى ترى "يامن" يسير بجانبها:



_" انتِ هتجيبي يامن معانا يا وردة ؟"



_" لا مش حابة يكون موجود في مكان زي ده، ،أنا هسيبه تحت مع فريدة وعمو حامد!"



أومأت وهبطت "نيروز" لمستوى الصغير تقبله بحنوٍ فضحك بملئ شدقية ، وتزامناً مع ذلك فتحت "سمية" الباب لتجدها "دلال" التي ابتسمت لها وكأن لا يوجد بينهما مشاكل وعقبات ، ابتسمت "سمية" تجاملها ورحبت بها مرددة :



_" تعالي..تعالي ادخلي يا دلال!"



ترقبت "نيروز" بوجعٍ ، فدخلت "دلال" تحمل بين يديها عُلبه واسعة وقالت بلهفةٍ:



_" انا منسيتش النهاردة ايه يا سُمية ،  تعيشي وتفتكري يا حبيبتي!"



ابتسمت بتأثرٍ وربتت على كفها فقدمت "دلال" لها ما تحمله وقالت بحبٍ :



_" خدي شوية القرص دول معاكم ، انا عملتهم كده على قدي يعني ونساعد معاكي بحاجة  وناخد الثواب!"



لمعت عيني "سمية" من تذكرها فرفعت ذراعها تحمل العلبة وقدمتها لـ "وردة" فعانقت "دلال" "سُمية" وهتفت الثانية بتأثرٍ :



_" متحرمش منك يا دلال ،. كتر خيرك يا حبيبتي!"



رأت "نيروز" ما فعلته فنهرتها "عايدة" بنظراتها لتتحدث مثلما تحدثت "وردة" وبالفعل اقتربت تشكرها بهدوءٍ :



_" شكراً يا طنط !"



ابتسمت "دلال" بحسرةٍ داخليه على حالها ، حتى الحزن ظهر في عينيها وملامحها ، اهبطت عينيها تنظر نحو معدتها وابتلعت ريقها بقهرٍ كلما تتذكر، أخذت أنفاسها ومررت يديها على ظهرها  والحسرة جلعت الكلمات تهرب منها فرددت بفعلتها هذه وفقط,. خرجت "ياسمين" بعد قليل  بعدما ارتدت ورحبت بـ "دلال" في حين اقتربت "نيروز" تفتح الباب  واتسعت ابتسامتها أكثر عندما وجدتها "جميلة"، وبجانبها "فرح" دخلت واحتضنت "نيروز" بتأثرٍ وقالت بتحشرجٍ :



_" فِكرك هنسى يعني ؟"



ضحكت "نيروز" بخفةٍ وعلمت "جميلة" انهم ذاهبون ، فأمسكت يدي "نيروز" تحاول سندها للخارج في حين كانت تسلم. "فرح" على "دلال" التي تلهفت لها ولرؤيتها ، حملت "وردة" ما بيديها وخرجت مع الصغير وأسندت "سمية" "ياسمين" معها للخارج ، وبقيت "عايدة" تأخذ حرصها لحماية الشقق او ما أن حدث شئ غير متوقع ، وكذلك بقت "دلال" ، التي عادت إلى شقتها وهبطن البقية لأسفل ينتظرن سيارة "حازم" الذي قال بأنه في طريقه للعودة!!




        
          
                
هبط المصعدين بهن ، وعلى مقربةٍ كان هناك "حامد" يجلس ببشاشةٍ بعدما أخبره "عز" أنه تمت الموافقة والقبول وسيتم الاتفاق على الزيارة عند رؤيته ! ، تلهفت ملامحه وود ان يخبر ولده ولكن هاتفه مغلق بسبب وجوده في العمل ، جاءت "فريدة" تقدم له كوب الشاي وقالت تخبره بهدوءٍ مع ابتسامتها الصغيرة :



_" اتفضل يا عمو !"



_" تسلمي يا حبيبة عمو! ''



توسعت بسمتها من رفقه ولاحظ الأصوات التي تدخل عليه كي ينتظرن قدوم "حازم" ، فنهض سريعاً يفسح مجال لهن وبالأخص لتجلس "نيروز" التي ابتسمت ترحب به :



_" اذيك يا عمو"



_" الحمدلله يا حبيبتي ، تعالي اقعدي ارتاحي "



جلست بتعبٍ وامتنت له بالنظرات وكأنها تبحث عنه الٱن أن كان موجود او غير ذلك ، تجمعت الدموع بمقلتيها وهي تسمع حديثهم بغير وضوح، بل الٱن تنخرط بالوجع عندما تذكرت مقابلتهما أمس هنا بل وتجاهله لها في الصباح بكل فتور ، فهي لم تغفل عن انها من تسببت في ذلك بقولها له في ان يتركها ويختفي من امام انظارها ! ، جاب سمعها قول "حامد" المبرر:



_" انا مش ناسي والله بس مش عارف مستعجلين ليه انا كنت مستني أروح العصر!"



وردت "سمية" بتفهمٍ :



_" معلش كله زي بعضه أنا عارفه انك مش ناسي بس يلا حبه يروحوا كده وتبقى تروح براحتك بعدين ، أصل وردة ناوية تسيب "يامن" معاك !"



_" بس كدة من عينيا وفي عينيا حبيب جدو!"



فرد ذراعيه للصغير فحمله بين ذراعيه يقبله ويدغده تحت نظرات "وردة" السعيدة بذلك ، وقفت "جميلة" تحاول سب أغوار "فريدة" لتتحدث كي تبرر ما سبب سكونها الشديد ولكنها أبت مدعية باللاشئ ء  أما هي فالشك يزداد ولا تستطيع التفكير بطريقة سوية ،مريحة لها وله ، بعد حديث ذلك البغيض  لها أمس على الرغم من أن حديث "ٱدم" جعلها تشعر براحة ولكن بنفس الوقت لا تستطيع ان تُشفى  فما الدواء ؟؟



جابت مسامع الكل قدوم ووقوف سيارة "حازم" في الخارج فخرجت واحدة تلو الأخرى وهبط هو ليحمل الأكياس والعلب ليضعها في حقيبة السيارة في الخلف ، شمل بنظراته "ياسمين", التي كانت صامتة، ناهيك أن اي حزن تحاول اخفاءه فيظهر له هو وحده ، فتح الأبواب  وابتسم يحثهن :



_" يلا اركبوا "



جلست "نيروز" في الخلف بجانب "ياسمين" و"جميلة"و "وردة "وركبت "سُمية" في الأمام وأشارت "فرح" من على بعد بأنها ستظل هنا مع "يامن"و",حامد"و"فريدة" ..فـ انطلقت السيارة  بعد ذلك  ابتسمت "فرح" بأثرهن وإلتفتت تنظر فوجدت السعادة على وجه "حامد" التي فهمت على الفور ما سببها ابتسمت بخجلٍ  فعاد يجلس مع "يامن" هو الٱخر ،ووقفت "فرح" تساعد "فريدة" في العمل! وكل منهما شاردة بأمور مصيرية تخصها!!




        
          
                
____________________________________________



ليس الهدوء هدوء الأيام والأحداث ، لم ترَ هدوء داخل عقلها بعد ،. تتوتر بأي وقت سيعود. ، عودته مُنتَظرة منها ومن أخرى تحاول ان تدبر الوضع مع ٱخر وان علم أحدهم من عائلتها ما تخفيه من أقوال وأخبار ومقابلة ما مع من أرادت مساعدته ستكون هذه نهايتها ، ابتلعت  "أسماء"ريقها والٱن تقف لتبدل ملابسها والشرود رفيقها هل بالفعل سيساعدها ؟، حاولت وأرسلت له رسائل تراسله علي برنامج الفيسبوك " الماسنجر" دون أن يكون صديق لتبجحه كما  ترى هي أرسلت له طلباً ولم يوافق حتى رأى رسائلها ولم بجيبها ولم يرد عليها فقررت الهبوط مثل المرة السابقة ، الٱن تنظر نحو ساعة معصمها التي ارتدها على اي حال ستهبط تنتظر حتى ولو كثير  كي تلحق به أن جاء مبكراً أو متأخراً ، انتهت من ارتداء ملابسها وحاولت أخذ أنفاسها قبل ان تخرج ، فتحت الغرفة ووجدت شقيقتها بالخارج تجلس بجانب والدتها ، عقدت "زهور" حاجبيها وسألتها بجديةٍ :



_"راحة فين ؟"



ارتبكت نظراتها وعلمت ان شقيقها نائم ، ووجدت ان هذا جيد الٱن ، اخذت أنفاسها وخرجت بكذبتها :



_" ما أنا قولتلك امبارح يا ماما اني بحاول اظبط مع واحدة صاحبتي هنا نتقابل ونخرج مع بعض شوية قبل ما نسافر!"



نظرت "مروة"  ناحية التلفاز بتجاهلٍ لها ، فهتفت "زهور" تردد لها بتبريرٍ :



_" بس أنا مدتكيش ردي ولا قولتلك موافقة ،   قولتي لاخوكي؟"



_" لأ.. انتِ عارفة انه هيقول لأ حتى قبل ما يسمع بقية كلامي!"



صمتت ترى توسلها الذي بان بعينيها وحركت رأسها بإهمال قائلة وهي تعيد النظر نحو شاشة التلفاز :



_" متتأخريش"



تلهفت وهي تحرك رأسها ونظرت "مروة" بأثرها بشكٍ وصمتت تأتي بٱخرها ربما تنوي فعل شئ سيجلب الخطر لشقيقتها !!  ، خرجت وأغلقت الباب خلفها تنوي الهبوط للجلوس على استراحة بعيدة قليلاً. لتراقب قدومه ومن ناحية أخرى ستأتي برقمه من على أحد المواقع كي تحاول الاتصال به!! ..



_"انتِ مش شايفة ان اسماء مش مظبوطة ؟؟"



سألتها "مروة"، فحركت "زهور" رأسها ناحيتها بغرابةٍ تسألها بجديةٍ :



_" قصدك ايه ؟"



_"قصدي ان صاحبة مين اللي تخرجلها واحنا بقالنا فترة بره ، البت بنتك دي مخبية حاجة وراها!"




        
          
                
اندفعت تتحرك أكثر , واعتدلت تسألها بجديةٍ :



_"قصدك ايه يعني يا بت، ، ما هي طول عمرها ساكته وهادية كده مع نفسها ومبتتكلمش ، اهدي يختي شوية  مش على اختك كمان..إعقلي!"



نهرتها بطريقة تحذيريه فصمتت تنهض مقررة فعل ما تنويه ، اما الأخرى فنظرت بتفكيرٍ بٱثرها وعادت تنظر بشرودٍ ٱخر ، والكل يفكر لغيره إما بمكرٍ أو بوجعٍ في جميع هذه الأحوال!!



____________________________________________



وجد اتصال بعدما ركب السيارة مستأذناً من العمل للخروج مبكراً أكثر كي يذهب حتى يأتي بشقيقته ! ، ركب "غسان" وزفر بمللٍ حتى أخرج هاتفه يرى من هذا المتصل وعندما وجده رقم غير مسجل وضعه علي وضع الطيران ، ولمح بعينيه إشعار يخبره بأنها قامت بنشر منشور على برنامج الفيسبوك ، يعلم بأنها قليلة التفاعل ، لذا ضغط سريعاً يرى ما قد نشرته وعندما ضغط عاد يُفعل  ازالة وضع الطيران مجدداً كي يري ، انتظر بأنفاسٍ هادئة متلهفةٍ حتى هو استنكر ذلك وكأنه مُراهق لها !!، وعندما قام بتحميل الصفحة وجد أمام عينيه الكلمات الأتية ..



_« اليوم ذِكرىٰ وفاة والدي ،  ، رحلت يا أبي وتركتني وحدي أحارب هذه الحياة ، لقد كانت ومازالت ثقيلة بدونك ، قل لي متى الرحيل حتى أقابلك من جديد؟؟..رحلت وتركتني في عمر صغير لا أعلم فيه كيف رحلت ورحلت وتركتني في عمر كبير أعي جيداً ألم فقدانك  به، كما أعلم في كل مره وينتهى بي المطاف بيأسٍ شديد عندما تخبرني جميع الحواس بأنك رحلت دون عودة!! ، اللهم ارحمه واغفر له واسكنه الجنة مع النبيين والصديقين والصالحين ادعوا لبابا حبيبي بالرحمة »



اغمض "غسان" جفنيه بإنهزامٍ ووجع ، حتى هي حرمته من مشاركة هذه اللحظة معها ، تقطعت أنفاسه ونسىٰ ذكرى هذا اليوم بالنسبةِ لها ، قاوم أي شعور ودار السيارة سريعاً كي يذهب لأخذ شقيقته ومن ثم ليستفسر بأي طريقة عنها وعن حالها الٱن ، قاطعه مجدداً الاتصال ولكن شروده بها بهذا الوقت  والأصوات التي تتعالى برأسه كانت أعلى من صوت هذه المكالمة!!



احتل صدره مشاعر عديدة تجاهها ماذا الٱن؟ كيف هو حالها ؟  ماذا ان ذهبت للمقابر مجدداً هل سيلحقها ذراعين غير ذراعيه لترتمي بهما؟؟ ، أخرج أنفاسه بثقلٍ وزفر بملل من الاتصالات المتكررة ، لذا فعل هاتفه على وضع الصامت كي لا يعيق افكاره شئ ، كل ومل من الفراق، الٱن كل شئ يضيق به وأصبح يعي انه من دونها لا شئ ولكن بالنهاية يعود السؤال الذي يسأله له عقله
ماذا ستفعل؟ وما فعلته هي بك لم ينتهي معك بعد !!، بداية يومه تشتت .. اكتشاف أخبار يجهل عنها ونهايته شئ يجهله أيضاً. ، وجهل عن جهل ٱخر يختلف!!!




        
          
                
_______________________________________



في محل الورد ، وبهذا الوقت أخذ "حامد" يُلاعب الصغير  إلى ان غفى، ولم يغفل عن سكون "فريدة" وملامحها الهادئة بشدةٍ مريبة ، وجدها تعمل بالفعل  وما ان لاحظت "فرح" ان الصغير قد غفى ، اقتربت تردد  بتلقائيةٍ :



_" عن حضرتك يا عمو ، أكيد تعب رجلك،هاته اشيله اطلعه فوق عند طنط على ما هم ييجوا "



وجدها فرصة جيدة ابتسم لها بموافقةٍ وقدمه لها برفقٍ فابتسمت وهي تحمله ، وأشارت له بالوداع المؤقت وبالفعل خرجت ولم تعلم هي بأن "دلال" ستصر على جلوسها بعد الٱن معها ،  اقترب "حامد" يقف بجانبها وهي تعمل باندماجٍ وسألها بهدوء دون مقدمات:



_"مش هتقوليلي مالك ،و ليه زعلانة وواخدة جنب كدة ؟"



اعتبرها مثل ابنته ومن جهة أخرى أصبح من ضمن مخاوفه هو صمتها بعدما كانت ستقترفه بحق نفسها من جرم خطير ! ، تأثرت من حديثه وسؤاله وحتى اهتمامه ، وتركت الأشياء من بين يديها وقالت تبتسم بغصب :



_" أنا كويسة يا عمو الحمدلله!"



_" بس أنا مش حاسس كدة ، في حد ضايقك؟ قوليلي والله لاجيبلك حقك علطول ، انتِ مستقلية بيا ولا ايه؟"



ضحكت  "فريدة " بخفةٍ ونفت برأسها ، فأمسك هو كفها برفقٍ وسحبها خلفه حتى جلس وأشار لها بالجلوس ، شعر باختناقها لذا قال بهدوء بعدما أخذ انفاسه :



_" لازم تتكلمي عارفة ليه؟!"



أدمعت عينيها من طريقته لم تقايل يوم هذا الأسلوب ابداً من والدها الراحل ، سقطت دمعتها من كثرة الحمل ، فتفهم على الفور بأنها تكن الكثير بداخلها حتى بعدما فعلته ، نفت برأسها وقالت باختناقٍ تنفي :



_" لأ "



تنهد وأخرج منشفة ورقيه يحثها على مسح عينيها ، وقال بلينٍ شديد يخفف عنها :



_" أول حاجة مينفعش عيون حلوة زي عيونك دي  تبكي، عارفة ده ولا لأ !؟"



شعرت بأن الحديث معه مريح ، غمرها أمان عاطفة الأب والانتماء ، ربما هيئته وشكله يُدلان على ذلك  بل ويحثها كل ذلك على الحديث بإجبار أمام سحر بساطته وقبوله، غالباً ما تقتنع بأن الله يحبه كي يضع به كل ذلك القبول!! ، ابتلعت غصة مريرة بحلقها ونفت بألمٍ واستطاع بأن يكشفه كي لا تكتم مجدداً ويحدث ما لم يستطع أحدهم السيطرة عليه :



_" أنا معتش فيا حاجة حلوة ، بقيت بحس ان أي كلام حلو بيتقالي مش حقيقي ، كإنهم بيصبروني أو بيخففوا عني ، مبقتش أقدر اتكلم عشان بتوجع أوي من نظرة الشفقة اللي في عين أي حد بيبصلي !!"




        
          
                
حرك "حامد" عينيه ناحيتها وهو وحده من ظهر الصدق الٱن في نبرته الواثقة مردداً لها بثقةٍ :



_" روحك حلوة ومقبولة قبل أي حاجة تانية مش حساها ، تعرفي؟ أنا بحسد الواد ٱدم عليكي ، وخايف برضو فنفس الوقت ، أنا ببقىٰ قاعد هنا وسامع العيال  اللي خارجين بيتكلموا عليكي انك بت حلوة بقا وخسارة تقف تشتغل هنا وكلام محدش عارف أصله أيه ، بقول لنفسي انا لو مكان ٱدم كنت هعمل ايه ؟ ، القصة مش فالشكل ولا حتى فاللي حصل ، ولا كمان فالكلام الحلو المتزوق القصة فيكي انتِ وفنظرتك  لنفسك، لوشوفتي نفسك تستاهلي عمر ما حد هيحاول يزعلك ولا عمرك هتشوفي ان اللي حواليكي بيجاملوكي!"



صمتت بتأثرٍ من كلماته ، وأخرجت أنفاسها الثقيلة وسألته بترددٍ ما لم تستطيع سؤاله لأخر باعتبارهم شباب حتى شقيقها :



_"مش عارفة ..أنا مبقتش فاهمة حاجات كتير مع اني كنت فاهمة الأول ..هو أنا فعلاً بيتبص ليا اني وحشة؟؟هو كلهم دلوقتي بيبصولي بشكل تاني!..أنا خايفة من ده يا عمو عشان  حتى ولو ده حقيقي انا مش هقدر اغير ده لكن "ٱدم "ملوش ذنب فكل ده مش عايزه اظلمه معايا !"



_"زي ما في الحلو يا بنتي في كمان الوحش والوحشين كتروا أوي ، بس برضو هرجع واقولك لو وثقتي فنفسك وغيرتي نظرتك مش هيفرق معاكي كلام الوحشين المؤذيين ، كل اللي يهمك هيبقي انتي واللي بتحبيهم ، خصوصاً لو واحد زي ٱدم ، الواد ده غلبان وطيب أوي عامل زي غسان ابني بالظبط عشان كده بحبه الضعف أكتر من اني بحبه عشان ابن اخويا ، بس هو بيحبك ومهما اتعصب وانفعل أو اندفع فبيرجع تاني يهدى ولا كأن حاجة حصلت ، عينيه بتقول انه شاريكي أوي ، شاريكي من ساعة ما كبيتي الماية عليه من البلكونه، شاريكي من قبل حتي ما يعرف انه هيشتريكي بكل ما عنده ، صحيح الإنسان بيتغير بس الطباع هي هي ، وطبعه لسه موجود ، طبع الطيبة واللين فيه عمره ما يروح أبداً ، ومهما حصله فهو عمره ما هيجي عليكي ولا هيقولك كلمة تزعلك ، اسمعي مني ولو حصل أي حاجة على ضامنتي يستي !"



وأضاف يوضح لها مره أخرى :



_" وانتِ مش وحشة ، العيون والعقول اللي بقت وحشة أوي..انتِ بيتبص ليكي من عين حلوه وعقل فاهم ، انك بنت جميلة ورقيقة بس الدنيا بس جت عليها شوية ورغم كل ده لسه برضو بنت قوية ، يعني فيكي كل المواصفات اللي أي واحد يتمناها علفكرة بقا ، بقولك ايه تيجي نفلسع ٱدم ونفكر فموضوعنا انا وانتي؟؟"



ضحك عند قولها ليخفف عنها وضحكت بخفةٍ على ٱخر حديثه وخجلت من ٱخر ولكنها ٱخرجت أنفاسها ببطئٍ ، وقالت بإمتنانٍ :




        
          
                
_" شُكراً يا عمو!"



_" مفيش شكراً وأنا مش عمو ، أنا ابوكي يا بنتي!"



تأثرت من حديثه فوجدته يربت على كفها برفقٍ فابتسمت ، ووجدت سريعاً "وسام" تهرول بخطواتها ناحية الداخل بعدما جاءت مع "غسان" التفت "حامد" وانتفض سريعاً من على المقعد يقترب منها كي يعناقها وسألها بلهفةٍ ومن خلفه تقف "فريدة" بتوتر لها :



_" طمنيني يا حبيبتي ، عملتي ايه؟ حليتي كويس؟"



أومأت بسعادةٍ وهي تبادله العناق ومن ثم عانقت من بعدها "فريدة" تزامناً مع ردها ودخول "غسان" من خلفها :



_" الحمد لله يا بابا حليت وعدت على خير !"



حمد ربه لأجل ملامحها هذه التي تشرح قولها ، فتنفس بعمقٍ وحرك عينيه ناحية "غسان" الذي مسح بعينيه المكان بحثاً عنها ، فسأله "والده" بضجرٍ :



_" انا مش قولتلك ابقي عدي خدني وانت رايح لها !"



_"ما مش ملاهي هي!"



قالها بخفةٍ فقلب "حامد" عينيه بسخاقةٍ منه ، ولكن ترقب "غسان" الوضع وأخذ أنفاسه ببطئٍ يخرج بالسؤال الذي انتبه له والده بشدةٍ :



_" نيروز كويسة ؟"



إلتفت "حامد" برأسه تزامناً مع صعود "وسام" للأعلى ، وأخبرة بهدوء :



_"  الحمدلله ، راحت المقابر معاهم عشان سنوية ابوها الله يرحمه!"



خفق قلبه بقلقٍ وابتلع ريقه بتشتتٍ وسمع قوله المتواصل الٱخر :



_" بس زمانهم جايين، قربوا يعني!"



صمت ولم يجيبه وخرج من المحل دون أن يعطي والده رد ، قرر الرحيل لها كي يراقب ما يحدث من على بعد ، ذهابها لهناك ليس شئ محبب له ، توترت أنفاسه ،وقبل ان يقترب من السيارة لاحظ اقتراب سيارة "حازم" من على بُعدٍ حتى جاءت ووقفت وهبط هو منها مسرعاً لفتح الباب ، راقب الوضع من على بُعد باهتمامٍ ينتظر ظهورها ولكن من هبطتت كانت "جميلة" مع "ياسمين" وقفط ،  سار بطريقه لهم بخطواتٍ ثابته غير عابئ بنظرات "ياسمين" الجامدة والتي أصرت "جميلة" على سحبها معها ناخية المحل كي لا تحدث مشاكل ، أما "حازم" فحث "نيروز" على الركوب في الأمام كي ترتاح أكثر وتبقى والدتها في الخلف لبت غرضه ، وهبطت ووقفت مستمرة عندما وجدته يقف   ناظراً نحو "حازم" حتى هتف بـ :



_" اذيك يا حازم؟!"



صمت ثم واصل قبل أن ينتظر الرد منه حتي:



_" انت لسه رايح في حته معاهم ولا ايه ؟"



وكان رد "حازم" عليه :




        
          
                
_" اه ، هتروح تكشف ومعاها مامتها ورا ، فهروح أوصلهم !"



تاه عند أول الجملة ، وحرك "غسان" رأسه سريعاً ناحيتها وقررت "سمية" الهبوط كي ترى ماذا يريد !! ، وكان سؤاله الهادئ الذي يخفي خلفه قلقه عليها :



_" انتِ تعبانة ؟"



توترت نظراتها وأملت عينيها من رؤيته ، فلم تجيب عليه ، بل ردت "سمية" هذه المرة بحزمٍ عليه :



_"  مفيش حاجة هي كويسة ،  احنا رايحين نطمن وبس ، واظن كلامي معاك امبارح مكنش كده أبداً !!"



تجاهل "غسان" حديثها ورفع يديه يربت على كتف "حازم" قائلاً له بهدوء:



_"طب روح انت يا حازم ، أنا هوصلهم !"



وقف "حازم" متشتتاً كيف سيتركهم ويكسر قرار "سمية" في حين هو يريد أيضاً تركهم مع بعضهم عل  يوجد هناك أمل مخفي ، فاقتربت "سمية" تردد بحدةٍ :



_" لا مش هتوصلنا ، شكراً مستغنين عن خدماتك لحد ما افهم منك في ايه بالظبط ، وانا قولتلك ملكش دعوة ببنتي لحد ما تولد!"



ضغط على فكه متحلياً بالصبر ونظر نحو سيارته التي توجد بجانب سيارة "حازم" وأشار لـ "نيروز" بحزمٍ :



_" اركبي !"



نفت "نيروز''برأسها تقطع ترددها وقالت بما جعله ينفعل أكثر :



_" ملكش دعوة بيا مش أنا  قولتلك ده وانت قولت هتوافقني؟!"



علم ان قولها من خلف فؤادها، فقط تكابر ، إقترب بجرأةٍ يمسك  كفها برفق. وأشار لـ "حازم" بأن يشغل "سمية" وقال رداً على قولها :



_" قولتي مليش دعوه بيكي لكن ليا دعوة بإبني !"



مجرد ملامسة كفه لكفها جعلها ترتبك ، حاولت الرفض وقالت وهي تقاوم. مشاعرها تحاول دفعه بعيداً عنها:



_" لا مش عايزاك تيجي معايا ، ملكش دعوة بيا ، حازم هيوصلني!"



وقف "غسان" ينظر تجاه "حازم" الذي يحاول تهدئة "سمية "  وقال يحذرها  بما في قدرته فعله الٱن :



_"طب اركبي بدل ما تندمي "



ترددت عينيها بظهور الخوف فواصل هو بعدما اقترب وقال بصوتٍ هادئ يهددها بقول يعلم أنها ستهابه :



_" خليني اجي معاكي وانا ابو اللي في بطنك بدل ما اخليكي تيجي معايا وأنا جوزك!"



شهقت من جملته وابتلعت ريقها تنظر حولها وبالفعل وجدت والدتها تبتعد مع الٱخر ، لمعت عينيها بالدموع وقالت بتحشرجٍ تعنفه عكس ما لبستها من حالة :




        
          
                
_"انت بتخيرني؟. هو أنا عبدَة عندك ؟؟ هو انت ايه؟ كل حاجة لازم تكون بمزاجك ؟."



وجد الدموع تتجمع في مقلتيها ، فأمسك كفها هذه المرة بلين وقال بنبرة مجهولة لم تستطع فهم معناها بالتحديد  :



_"لو كل حاجة  كانت بمزاجي مكنش دا بقا حالنا دلوقتي !"



وقفت بتيهة وأعصابها ليست قادرة علي خوض حرب كلمات أخرى معه أو حتى خوض حرب مشاعر سيئة مشحونة بينهما ، سحبها يسندها تحت مراقبة الأنظار ، وفتح الباب يحثها على الدخول ، دخلت وأسندها إلى النهاية غير غافلاً عن ملابسها الضيقة التي ترتديها ، لم تكن لها من الأساس!!، تنفس بهدوءٍ ورفع ثوبها بعدما انحني يدفعه إلى الداخل أكثر حتى أغلق الباب ، وسار تجاه الناحية الأخرى وأغلق الباب بعدما ركب ، دار محرك السيارة يتحرك أما هي فشردت بالشرفة بمشاعر مختلطة ما بين الغيظ والغضب والحزن والحسرة و ...الشوق المرافق لهما هما الإثنان!!!



جاب عينيه تقاسيمها الحزينة ، وحتى جميع تفاصيلها وجسدها بالكامل وهي جالسة كذلك بخواء ، فحرك "غسان" رأسه ينظر بتركيزٍ ناحية الطريق وقال دون ان ينظر لها :



_" راحة تكشفي قبل ميعادك ليه؟ في حاجة تعباكي؟."



وأجابت"نيروز" وهي تكمل النظر ناحية الشرفة و قاومت على أن تخرج نبرتها بثباتٍ دون اهتزاز :



_" بطني بتوجعني شوية!!"



واضافت بمنتهى الهدوء تقطع رده بقولها الذي اندهش منه:



_",واه عارفة انك مش خايف عليا وخايف على اللي في بطني ، فلو عندك غيرها قول !"



ورغم اندهاشه إلا أنه تعمد الصمت وتخطي هذا القول بتجاهل ، و نظر ناحية معدتها تلقائياً ، وابتلع ريقه ينعم بهذا القرب وهي بجانبه ، صمت لا يعي ماذا يردد رداً على قولها هذا بجهل منه ، لذا حرك رأسه ناحيتها وقال بتساؤل جاد:



_" لبس مين اللي انتِ لبساه ده ؟"



حركت "نيروز" رأسها بإندفاعٍ وجهل لسبب سؤاله هذا ، وسألته بسخرية مؤلمة :



_"  وانت مالك بتسأل ليه ؟"



_"ما أنا لو جاوبتك  أنا مالي ليه بصراحة هتزعلي ، بس أنا هكتفي واقولك انه مينفعش يلتبس تاني !"



اغتاظت من قوله الوقح واندفعت بشراسةٍ توبخه :



_" وانت مالك أصلاً بحاجة زي دي ، انت ملكش دعوة بيا فاهم؟؟؟"




        
          
                
ابتسم  "غسان". بعبثٍ وركز بطريقه وقال بعد صمت دام :



_" عدتك عندي وأقول اللي أنا عايزه ، والبتاع ده معتش يتلبس تاني عشان مبين تفاصيل مينفعش تبان ،تحبي افسرلك  أكتر؟ عادي أنا معنديش مانع ، دا أنا بنتهـز أوي الفُـ...."



بترت قوله الجرئ وقالت بانفعالٍ شديد تسبه :



_" انت بني ٱدم قليل الأدب ومشوفتش رباية فحياتك ، وهلبسه تاني وتالت ورابع ، أحسن ما اطلع اخد لبسي من مكان مش عايزه افتكر فيه أي حاجة!".



كان قولها بمثابة صفعه على قلبه  تلقاها هو  منها ، هل حقاً كل ما عاشته معه لا يُفضل تذكره منها ؟؟ ، ابتسم بإستهزاءٍ وقال ساخراً منها:



_" عايشة الدور أوي  ومكملة ولسه عندك جبروت تكملي أكتر ، ومصدقة نفسك كمان ، لو عند القول ده فأنا محبتش أقولك  مين فينا اللي المفروض يقول كده !!!"



واضاف بغير تصديق :



_" دا انتِ كإنك شايفة مني الويل ونسيتي في ثانية انك السبب فكل حاجة ، مش عايزه تفتكري معايا ايه ؟. قوليلي كده حاجة واحدة وحشة عملتهالك تخليكي تكرهي تفكري فأيامنا سوا ؟؟؟؟؟"



أذته بقولها وعلمت أنها  أذته عجزت عن الرد ، وهبطت دموعها بسكون وهي تنظر ناحيته ، أما هو فعاد ينظر ناحية الطريق  وقال بتهكمٍ يكمل حديثه:



_" فاضية بتحبي المنظرة  بكرامتك ، مع اني لو وقفت قصادك مش هتباني ، أنا لو كان عندي نص المنظرة بـ كرامتك اللي انتِ فرحانة بيها دي أنا كنت سيبتك من زمان ، بس معلش..أنا اللي حبيت ، ولما حبيت ضيعت ووقعت بسببك !!"



هبطتت دموعها أكثر وقالت بنبرة باكية وهي تنظر نحو ملامح وجه التي لم تتغير ر بعد:



_" انت هتبطل تإذيني بكلامك امته .؟؟ هتبعد امتى عني بقا وتسيبني في حالي ؟. انت حتى مش فاهم انا ليه بعدت وندمان على حبك ليا ندم قصدت تظهره علشان تكسرني ، أنا مستحقش حد يندم على حُبي ، انت اللي مفهمتنيش !!"



خبيرة في قلب الموازين علم هو ذلك ، عندما صف السيارة بأحد الجوانب تزامناً مع قوله المستهزء :



_"لو هصححلك كلامك فإنتِ اللي بتإذيني يا مدام ، بتإذي راجل حَبك ومش عارف يبطل يحبك !!"



ابتلعت ريقها بقهرٍ وخرج هو من السيارة حتى إلتفت يخرجها ،. مدت كفها بعفويةٍ تتمسك به كي تستطيع الخروج ، وعندما قدم لها كفه ، تشبتت به بقصدٍ ولمعت عينيها فاحتواه هو بحنوٍ ومشاعرهما تظهر ولكن الى الٱن سيد كل منهما الكبرياء ، أغلق الباب خلفها وضغط على زر ما في المفتاح ، وسار معها ومازال يمسك كفها بين كفه ، تابع بعينيه أما هي فحاولت سحب يديها منه فأصر هو ورفض وقال بصوتٍ منخفض حاد دو النظر لها :




        
          
                
_" امشي ساكتة ، على ما نشوف ٱخرة اللي انت لابساه دا ايه ، عاجبك المنظر ده ؟!!"



نظرت بذهولٍ حوله عند ذلك الطريق فنفضت يديه بعنفوانٍ فترقب بعض السائرين إلى أن فتح ذراعيه سريعاً يحتضنها كي لا يثير الشكوك وينهض الكل عليه بإلقاء التهم ، اتسعت عينيها حتى انه بعد ذلك دخل من البوابة وهو يساندها حركت رأسها ناحية يديه الذي لم يخلع بها دبلته إلى الٱن ، انتظر المصعد بوجه جامد حتى دخل ودخلت معه وأِغلق عليهم ، وعلى فجأة وجدت نبرته الحادة تظهر وهو بحدجها بإنفعال من النظرات :



_" انتِ عارفة لو مكتتيش حامل انا كنت عملت فيكي ايه!!!!"



ابتعلت ريقها بتردد ولمسها الخوف منه ، وضعته بوضع محرج لأكثر من مرة ، ربما ترد كرامتها المقابلة بقدومه معها ،  مرر عينيه ناحية ملابسها وأشار بتهكمٍ وقصد ظهور الإشمئزاز بدلاً من الغضب :



_" دا زفت لبس تخرجي بيه؟؟؟؟"



تقطع صوتها بارتباك وقالت تبرر وكأنها أعطته الحق في القول الٱن تحت سيطرته هذه التي أجبرها عليها :



_" أنا.. أنا مش شايفة انه فيه حاجة "



_"ومش شايفة انك ركبتيلي قرون معاه؟."



سألها بسخريةٍ ، واقترب يهمس لها  وضغط على نقطة تكرهها هى كي ينفرها من هذا الرداء :



_" علفكرة  مطخنك ومخليكي تخينة أوي كمان!"



برع في حبك الكذب والخداع وهو يعلم أنها ليست كذلك ، نظرت بالمرٱه تلقائياً بأعين لامعة ، وابتلعت ريقها ترفع عينيها له بإستسلام حزين ، هذا السهم الذي وُجه له الٱن منها  بهذه النظرة الضعيفة ،تقابلت عينيه معها بهذا القُرب واقترب برأسه ينظر نحو لمعة عينيها أما هي لم تتحرك وسقطت دمعتها على وجهها بصمتٍ شديد تهمس له بتقطعٍ  ولم  تستطع الدفاع حينها أثر سيطرته  وسيطرة مشاعرها تجاهه،  وبعفوية وغير وعي تناسىٰ كل أمورهما وعقباتهما معاً ، بل رفع يديه يمسح وجهها  ودمعتها ومرر يديه على حنايا وجهها بلين لم تعهده منذ فترة كبيرة ، وحالة اللا وعي تلبس الإثنان الٱن تحت تأثر المشاعر التي  أجبرت كل منهما على ذلك،  وبدأت هي تهتف بإسمه بتقطع مرتبِك خائف كي تكشف عن ما تكنه له وربما صدق ما تكنه يظهر بهذه اللحظات ولربما مرة أخرى ان كان صبر لجاء بكلمات الندم ولكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن :



_" غَـسـان ..."



بتر كلماتها عندما هتف وغلبه شوقه وفاز على كبرياءه و قال بهمسٍ مماثل لها وهو يقترب  أكثر لم يكن يعلم حينها بأنه سيندم عقب لحظات من قولها:




        
          
                
_" نيروز..!"



تقطع قوله في الٱتي بعد ترديده لإسمها بهذه الطريقة التائهة :



_" انتِ ..وحشتيني!!!"



خفق قلبها خفقات متتالية ، عند هذا القرب الذي ضيع عقل الاثنان معاً ، كان على وشك تقبيلها ولكنه تراجع سريعاً من تلقاء نفسه يحرك نفسه بعيداً عنها وكأنه وعى ما يحدث  أو ما كان سيقبل عليه هو وهو من بدٱ ذلك بنفسه وضيعها أمام أفعاله ، شعرت بندمه الشديد الٱن وسقطت دموعها خلف بعضها ،  والٱن من كان يُصدق بأنها هي التي وقفت ولم تعارض وهو الذي عارضها وعارض نفسه !! والوضع الٱن ليس شئ سوى أنه أصبح "حرب كرامة"!!



أيرد كرامته من ترديدها لكلمات الطلاق في كل المرات ؟؟ أيرد أثر كلماتها المؤذية؟. لا يعلم أنه وضعها تحت تأثير شديد حتى ولو لم تكن تعي الٱن ، فقد رددت بوعي أو دون وعي وقاطعت صوت التعنيف الذي بداخلها وقالت ترد له كلمته رغم  ابتعاده :



_" انت كمان وحشتني بس أنـ..."



كانت ستبرر ، بما ستبرر.؟؟ نهرها الٱن الكبرياء وارادت تبرير لسكونها بما كان مقبل عليه ، هل ترد كرامتها مجدداً. ؟؟ ،  ليس هو من قاطع جملتها بل فُتح المصعد وخرج هذه المرة دون ان يمسك كفها ، بل سار بجانبها بصمتٍ وصوت أنفاسهما يسمعه كل منهما الآخر ، وقف أمام غرفة الطبيبة وعلم أن موعدهما بعد دقائق ،. اقترب يسندها حتى تجلس ، وجهز أمور دفع الأموال وتركها جالسة بشرود حين يعود هو !!!



هذه المواجهة الحافلة بالمشاعر سرقت انتباهها منها وفكرت بخوفٍ تلقائي ماذا ان كان بنيته ردها ورجوعها له حتي اقترب هكذا ؟. نهرت نفسها وقالت بأنه يمكنه ردها بقوله مع نفسه دون حتى الاقتراب؟؟  ام انه فعلها ومن ثم حاول ان يقترب بعد ذلك ؟؟



وساوس في عقلها تشغلها بالقوة ، وما يريحها أنها تعلم مدى جرأته ووقاحته لذا لم تشك كثيراً باحتمالية وجود هذا الشرط، رغم انها أصبحت تريده ولو ذرة ولكن بتشتت ٱخر يرافقها، شردت كثيراً حتى وجدته يأتي وجلس بجانبها ينتظر بعدما فتح هاتفه ينظر نحو الرقم الذي يدق إلى الٱن زفر بصوتٍ عالٍ ولاحظت تأففه وانهزم ورد بعدما فتح الخط بنفاذ صبر :



_«نعم !»



هل هذا كان رده على رقم لم يعرفه؟. ،  استمعت " نيروز" بترقبٍ له وسمعته يردد مرة أخرى بصوتٍ أهدأ :



_«انا مش فاضيلك ، ومعنديش معاد محدد للرجوع !»



هل تحدث بصيغة المؤنث؟. اندفعت برأسها سريعاً عندما قال مجدداً :




        
          
                
_« انتِ حرة ..عايزة تخليكي مستنية خليكي ، سلام!»



أغلق الخط وشعرت بالغيرة الٱن تتٱكل بها ، ابتلعت ريقها وحرك رأسه ينظر لها الٱن فوجدها تنظر ناحية الهاتف بتمعنٍ ثم رفعت عينها تنظر له ، وقبل ان تنطق بحرف واحد  ,حان دورها ونهض ثم نهضت هي فحركت رأسها ترفضه بكبرياء مره أخرى:



_" انت رايح فين؟. انت مش هتدخل معايا!"



ابتسم "غسان" بإتساعٍ يستفزها وأشار ناحية عينيه وحاوط كتفيها هذه المره يجبرها على السير حتى فتح الباب ودخل الإثنان ، رحبت الطبيبة بهما ، وتسطحت هى على الفراش ،أما هو بقى على بعد هذه المرة يستمع فقط دون حديث، ترقب لكل كلمات الطبيبة وعلى ردها المختصر ، وحتى على شرحها لمكان الألم .. وقف ينظر رغماً عنه على السونار ، وتعالت دقات قلبه بمشاعر عديدة حتى ابتسم بتلقائيةٍ ، ربما هذه الابتسامة كانت ممزوجة بالوجع، الٱن يري غيره بأن ليس من حقه رؤية هذا ، تود حرمانه من هذه اللحظة هي ووالدتها؟؟؟، وقف ينظر نحو الشاشة الصغيرة ونحو وجهها وهي تتابع بلهفةٍ وهذه المرة وعت جيداً جمال اللحظة وهو هنا ، هو معها يشاركها فرحة وجود صغيرهما ! ، ابتلع "غسان" ريقه بتوترٍ لأول مره يظهر عندما اتضح أكثر الجنين في السونار وربما هناك جنين ٱخر على وشك الظهور وهو يجهل عن ذلك!! ، ابتعد بالتدريج إلى ان انتهت الطبيبة تمليها على ان تأخذ حذرها أكثر كي لا تنحني او أن لا تحمل شئ ثقيل عليها والاخرى حالتها النفسية ، ابتسمت تشكرها وشكرها هو بإقتضابٍ دون دخول بتفاصيل ، ووقف ينظر نحوها وهي تعدل ملابسها أكثر ،كل مره تقع عينيه على هذه الملابس يضغط على فكه متحلياً بالصبر ،  خرج الاثنان بعد لحظاتٍ وكان هو صامت حينها!!



تفكيرة بما حدث أو الذي كان على وشك الحدوث في المصعد لا يفارقه بين ندم وبين ندم ٱخر ماذا ان جارى عقله وقلبه حينها تحت مسمي غير الوعي فقط كان سينعم بهذا القرب الذي حاول فعله بما بدأه من ظهور مشاعر مخفيه واتضح بأنها تقابله نفس المشاعر !!



_" اتغديتي؟"



نفت "نيروز" برأسها فسألها برفقٍ وهو يدخل معها المصعد :



_" عايزة تروحي فين تتغدي؟"



أجابت حينها دون النظر لوجهه وقالت بصدقٍ يعبر عن رغبتها في العودة لتنفرد بوجعها بمفردها :



_" مش عايزة ، عايزة أرَوَّح !"



لاحظ تعابير الألم على وجهها ، ربما تأثرت من خروجها ، وجعها الجسدي من الحمل سريع !  ، وافق دون التعبير بذلك، واستمر الصمت بينهما إلى ان خرجا ووقفا الاثنان أمام السيارة ، طوال الطريق يحاول الوزن بين السير خلفها وأمامها كي لا يتمعن بجسدها أحد ، إلى أن وقف وأشار لها بالدخول فركبت ، وكذلك التفت يركب هو !!،  وسارت السيارة عقب لحظاتٍ ، وعقلها يضغط عليها بالتفكير من هذه التي هاتفته وتنتظره ، وقطعت هي الصمت بسؤالها الذي ظهر به غيرتها  المندفعة بعد كل هذا :




        
          
                
_"وهي مين دي اللي مستنياك على ما ترجع ؟!"



التزم "غسان" الصمت دون الرد عليها ، فرددت مرة أخرى بغيظٍ :



_"عرفت انك مؤذي وخاين!!"



التزم الصمت مرة أخرى وحديث الطبيبة قبل قليل عن تخبط مشاعرها وسرعة غضبها يعود لرأسه ، ورغم ان هذه طبيعتها الي انه اقنع نفسه بأنه من حملها ، اندفعت هذه المرة بشراسةٍ تشير له بيديها بإنفعالٍ :



_'' انت شايفني كلبة بهوهو عشان متردش عليا؟؟؟''



حرك رأسه بنعمٍ يخفي بسمته الصفراء ، وواصل بالقيادة ، فتأثرت من تجاهله الذي أصبح أمره في الفترة الأخيرة ،. إلتفتت برأسها  ناحية الشرقة ولمعت عينيها مجدداً وهي تشرد ، نظرت نحو ساقيها ثم رفعت رأسها تنظر بالمرٱه نحو كتفيها وذراعيها ومقدمة صدرها ، هل ازاداد وزنها أكثر وأكثر ؟؟، هل أصبح يراها ثمينة ؟؟ حركت عينيها نحو واندفعت تدافع عن نفسها بقوله الذي مر عليه وقت كثير :



_" وعلفكرة أنا مش تخينة ، انت اللي اتعميت فنظرك !"



حاول اللعب على مشاعرها وقال بما جعلها ترتبك فالحال ، قول موجز مختصر تعهده منه :



_"  خلاص يبقىٰ انتِ بطل !"



اتسعت عينيها من قوله لها الان وبمثل هذه الطريقة ، ابتلعت ريقها تنظر نحو ملامحه فلم تتبدل ،  فواصل هو يكمل :



_" أنا اختياراتي دايماً مفيهاش غلطة ..لو مكنتيش حلوة مكنتش اختارتك!"



رمقها بطرف عينيه ووجد عينيها تتردد  في النظر ، فابتسم بخبثٍ على هذا التشتت الذي لعبه وفعله ،  ورددت بما هو غير متوقع:



_" متتعبش نفسك ولا أي حاجة من دي دخلت عليا!"



_"مش مهم ، المهم تدخل علي غيرك ، وغيرك كتير !"



غلت الدماء بعروقها واعتدلت تهتف بأمرٍ :



_" نزلني "



حرك رأسه بغير إهتمام ونفى قائلاً بإيجازٍ :



_". لأ"



_"هو ايه اللي لأ ، بقولك نزلني حالاً ..انتَ عايز تخطفني ولا ايه؟؟؟"



رددتها بإستهزاءٍ ومن داخلها تحاول بشتى الطرق سحب الحديث منه بدلاً من هذا التجاهل والسكون الذي يثير ضيقها ، حرك رأسه ناحيتها وأشار غامزاً على. نهاية حديثها بقوله :



_" قولي انك نفسك في كده أسهل!"



_"متقدرش تعملها ،. دا غير ان انت ٱخر واحد نفسي أكون معاه !"




        
          
                
هذه المرة تقابلت عينهما معاً وسألها بنبرةٍ. جادة يزيد من توترها بهذه النظرات :



_" متأكدة ؟"



صمتت بعجزٍ وعندما وجدت عينيه تمر على ملابسها المحكمة من جديد هبوطاً بعد ان كان ينظر داخل عدستيها ، إعتدلت تدير وجهها بعيداً ونهرته بسكونٍ :



_" ياريت تلزم حدك ومتنساش انك غريب عني دلوقتي طالما معندكش النية ، فاحتـ..."



وكانت مقاطعته بمراوغة عندما قال بما جعلها تسكن بارتباك:



_" وماله ، نحط النية وابقى براحتي..أسهلي بردو ومن غير ذنوب!"



ضغطت على فكها من أسلوبه ونهرته على ما يفعله من بداية مقابلتهما :



_" أنا بعرفك انه حرام ، فمتتماداش لإني مش هسمحلك!"



_" ولبسك ده مش حرام ؟ ولا شعرك اللي انتِ فرحانة بيه وبتنسيله الحجاب ده   مش حرام برضو؟؟"



قصدت ظهور الفتور رقم ضيقها وقالت تخبره كي يكف عن قول ما يثير ضيقها :



_" ربنا اللي هيحاسبني!"



_"وربنا هيحاسبني برضو  لو  محاسبتكيش!!"



قطع قدرتها على قول المزيد من الحديث ، ولكنها أبت  ان ينتصر وقالت وهي تنظر ناحية الشرفة :



_" بص لنفسك الأول!"



تجاهل قولها واستمر في القيادةِ , أما هي فتراخت مجدداً ما أن رأته يصف السيارة على أحد الجوانب أمام محل الورد ، توقف وهبط حتى التفت يفتح لها الباب ، عاندت سندها منه ونهضت بنفسها حتى أغلق هو الباب خلفه ، لاحظت وقوف والدتها في الأعلى تنتظر بعجالة عودتها ، فنظرت لها تومأ برأسها لها ولشقيقتيها الواقفتين بجانبها ، سارت تحاول البعد عنه واقتربت من محل الورد ، حتى دخلت ودخل هو بجانبها ، تلهفت "جميلة" واقتربت منها في حين وقف "حامد " يستفسر بقلقٍ بان في عينيه فطمئنه سريعاً..



فشملها هو بعينيه واقترب يهمس لها بأمرٍ :



_" تطلعي حالاً تغيري اللي انتي لابساه ده !"



_" ملكش فيه!"



ضحك "غسان" بإستهزاءٍ ومال بجرأة يهمس لها بقوله مجدداً:



_" بيتك باللي فيه!"



صُدمت من قوله واعتدل يخرج تحت نظرات "فريدة"و"جميلة"و"حامد"
خرج أكثر وقاطع وقوفه "والده" وعلم بأنه على وشك الخروج فسأله :




        
          
                
_" رايح فين؟"



_"مشوار سريع كدة وجاي!"



قصد قولها بصوتٍ عالٍ كي تستمع له ، أومأ "حامد" بغرابةٍ بعدها خرج "غسان" فتحركت "نيروز" سريعاً تنفي قول "جميلة":



_" لا خليكي أنا هطلع أنا ، وانتِ شوفي مالها فريدة!"



سارت بعجالةٍ ترى إلى أين يذهب ، تريد التأكد من شكوكها بمن التي تنتظره ، هل هى نفسها ؟؟ ،. خرجت ورأته يقف ينتظر بتسليةٍ حتى سألها أمام ارتباكها هذا :



_"راحة فين؟!"



ارتبكت بنظراتها ولم تترك الفرصة بل بحثت بعينيها عنها سريعاً وقالت بغير اكتراث قصدت ظهوره وهي تبحث بعينيها بحرقة أعصاب داخلية:



_" طالعة!"



تعمد "غسان" محاصرتها ، فرفع  كفه يشير لها على المدخل وقال بهدوء يواجهها حتى مال مقترباً يردد لها بلعبٍ على وتر أعصابها وكشفه لما جاء بعقلها:



_" طب ..ما تطلعي!"



لفحت أنفاسه بشرتها فحاولت الإبتعاد وقد خمنت بما كشفه من مشاعرها وأحكمت نفسها مقررة الرحيل عندما همس مرة أخرى يعرض عليها بسخريةٍ ماكرة منه :



_"  ولا تحبي أوصلك؟"



سارت بإهتزازٍ ولعنت هذا القرار التي اخذته سريعاً في مراقبته ، طالعها باهتمامٍ وهي تدخل  ، حتى حرك عينيه ناحية سيارته واقترب بعدما علم انها تنتظره هناك ، وقف يفتح السيارة فوجدها تقف بخفةٍ تطالعه بقلقٍ وقالت بتوترٍ شديد :



_" بسرعة قبل ما حد يشوفني !"



ركب هو أولاً دون أن يرد عليها وبعده ركبت هي حتى انطلقت السيارة بعيداً خلال دقائق ، متجهة حيث المكان السابق الذي كان من قبل!! ، اثنان يراقبان الوضع ويا لانتظار هذه اللحظات الشرسة بين أربعة أطراف كل منهم يسير نحو مبتغاه أو لربما ثلاثة فقط والرابع سيتحلى بالسكون من على بُعد!
..



جاءت "فرح" مجدداً وهبطت تجلس مع الفتيات , فحاولت "جميلة" التحدث ولكنها لم تأتي بأي شئ مفيد معها بتاتاً ، ترقبت باهتمام عندما وجدتها تجيب على الهاتف بـ :



_« حاضر يا حازم ، طالعة أهو »



أغلقت "فريدة" الخط  ونظرت تجاه "جميلة" حتى حثتها قائلة بنبرة هادئة:



_" حازم عايزني فوق عند مامتك ، أنا طالعة خدي بالك على ما أرجع!"



وافقت "جميلة" وخرجت "فريدة" بشرودٍ بعدما أخبرت "حامد" ، وسارت بطريقها نحو الأعلى تزامناً مع قدوم "بسام" مسرعاً ناحية الأعلى كي يطمئن على شقيقته عقب الامتحان ، لو يعلم ما ينتظره داخل المحل لفر  سريعاً ثم لوقف مرة أخرى من صعوبة الاختيار الٱن بينها وبين شقيقته !! ، وقفت بجانبه وابتسمت بلطفٍ حتى سألها هو برفقٍ :




        
          
                
_" أخبارك ايه ؟"



_". الحمدلله كويسة!"



التزم الصمت بحرجٍ ، ودخل المصعد معها ، حتى عم السكون بينهما إلى أن خرجت من المصعد بعدما فُتح  وخرج هو الٱخر بعدها متجهاً ناحية شقتهم يفتح الباب ، كما دقت هي باب شقة "عايدة" .. فُتح لها الباب حتى دخلت فوجدته يجلس بالصالة على المقعد ينتظرها ، ابتسم "حازم" لها بحنوٍ وأشار لها قائلاً :



_" تعالي!"



سارت "عايدة" ناحية الداخل ، وإقتربت "فريدة" تبتسم برفقٍ حتى جلست فمسد هو على ظهرها بحنانٍ وقال يبدأ الحديث بـ :



_"أنا عارف اني قولتلك امبارح اني عايزك بس اتلهيت ومعرفتش اتكلم معاكي ،. أنا ٱسف اني نسيتك حقك عليا !"



حركت رأسها نفياً وقالت تطمئنه بهدوءٍ مُحب لطباعه معها :



_" بس أنا مزعلتش ، أنا عارفة  ان الحِمل كتير عليك وانت مش ملزم لكل ده !"



_"ملزم ليكي يا فريدة قبل أي حد ، انتِ بنتي ، وعشان بنتي جاي افتح معاكي موضوع مهم تلاقيكي انتي أصلاً على علم بيه بس انا كان عندي شروط !"



ابتلعت ريقها تنتظر ، فإبتسم "حازم " بهدوء وأخذ أنفاسه ببطئٍ ثم قال يخبرها:



_"ولو مش عارفة ، فأنا الحج حامد وبدر طلبوكي مني لٱدم من فترة ، وٱدم نفسه كلمني وصارحني بكل حاجة  حاسسها نحيتك!"



توترت نظراتها بإرتباك ماذا ان علم انها من اعترفت له بحبها  أولاً؟ اتسعت عينها من قوله الٱتي التي سمعته منه بمنتهى البساطة عكس ما يجري بداخله من مشاعر واقوال لا يريد بها ضغطها :



_" وأنا خلاص عرفت انك بتحبيه يا فريدة ، كنت مطمن الأول عشان بتصديه بس بعد كده ملقتش منك غير ضحكتك وابتسامتك واستسلامك اللي مش عادي ، هو جه وغير ليا نظرتي ، أنا كنت خايف متقبليش تاني تتكلمي حتي مجرد الكلام مع أي راجل بس هو كسر ده وخلاني أخد بالي من حاجة محدش خد باله منها حتى انتِ ، انتِ من ساعة ما هو ظهر بقا عندك شغف وطاقة تنزلي تشتغلي في المحل ، كنتي الأول عكس كده وكنت زعلان وواقف مش عارف أعملك ايه ، حسيت بالعجز كتير ٱخرهم لما حاولتي تعملي اللي كنتي هتعمليه وترمي نفسك وجه هو وهو الوحيد اللي سمحتيله يقرب منك عني حتىٰ !!"



صمتت تستمع بحرج شديد ،من كل هذه التفاصيل ، لمعت عينيها بشفقةٍ على حالها فجأة ، فواصل هو يكمل بهدوء وعقل :




        
          
                
_" أنا قولت اني موافق يافريدة ، وعارف كمان انك موافقة ،بس هو كان عايز جواز علطول وأنا مرضتش أوافق على ده !"



نظرت بمفاجأةٍ لهذا الخبر الذي أخبره به "ٱدم" وشقيقه، ابتلعت ريقها تهاب قرب اللحظة هذه ، وتذكر "حازم" الٱن حديث"بسام"و"ٱدم" له :



_"أنا مش موافق تدخلي التجربة دي غير لما تروحي لدكتور نفسي الأول ، يشيل خوفك بالتدريج، وأنا واثق انك قدها !"



خفق قلبها وابتلعت ريقها تنظر بتشتت ، هذا هو الحل بالفعل ،لما هي به ولم يزول إلى الٱن ، انتظر ردها بخوف. من رد فعلها الٱتي ولكنها قارنت كل وساوس أفكارها السامة وحديث الٱخرين المثبت داخلها المشكل لها خوف لم تتعافى منه ولم تتعافى من خوفها السابق ، المبهج له هو بأنه جاء بردها  واخر ما كان بتوقعه هو الٱتي بسبب طبيعتها الحازمة :



_" أنا ..أنا موافقة يا حازم"



التفت برأسه يبتسم بإتساعٍ واخفى غير التصديق وأمسك كتفيها بتأثرٍ حتى قال بما أثر بها:



_" أنا فخور بيكي يا فريدة واللهِ العظيم !"



نزلت دمعتها ، فشاكسها هو سريعاً وهو يمسح وجهها وقال بما جعلها تنظر باهتمامٍ :



_" متعيطيش بقىٰ ، ده أنا حتى ناوي نعمل خطوبة بس عشان ٱدم يكون معاكي زينا واحنا جنبك في الخطوة دي !"



تلهفت بطريقة غريبة ، ربما هذا هو الحب التي جهلت عنه وعرفته على يد"ٱدم" فقط ، أما "حازم " فكان متشتتاً إلى ان تدخل أكثر من شخص في العائلة يحدثونه بأن خطوة كهذه يفضل وجود "آدم " بجانبها كي يكون دافع قوي لاعطاء الفرصة لنفسها بعد وجود مسمى الحُب بينهما ، اتسعت ابتسامتها فواصل هو يفسر أكثر :



_" أنا مش عايزك تزعلي وتوطي راسك كده ، انتِ ترفعي راسك وتعرفي انك غالية على أي حد حتي ٱدم ، مين ٱدم ده أصلاً ؟؟"



مرح بٱخر حديثه ، وأكمل بجدية هذه المرة وراحة بعدما سمع صوت ضحكتها :



_"أنا مكنتش موافق تتخطبوا ولا يكون في حاجة بينكم غير لما  موضوع الدكتور ده ينتهي ، بس وجوده جنبك هيفرق ، وهو عارف ده كمان !"



الغريب والملفت أن "ٱدم" احترم خصوصيتها ولم يخبرها قبل شقيقها على الرغم من انه امسك زمام الأمور مع "بسام " الذ.  تواصل مع الطبيب "عاصم"،  جاب عقلها احترامه لهذه الحساسية الي ان تخبره هي بنفسها ، فوجدت "حازم" يقبل قمة رأسها تزامناً مع قوله :



_"أنا واثق انك قدها ، والنهاردة هكلم العيادة أحاول احجزلك ، هي قريبة من هنا ومش بعيد وأنا هبقى معاكي علطول زي ما قولتلك ، بس أهم حاجة تكوني انتِ جاهزه لكده ، وجاهزه كمان يكون في خطوبة بينك وبين ٱدم او حتى قراية فاتحة على الأقل !"




        
          
                
توسعت بسمتها وأمسكت كفه برفقٍ وقالت بثقةٍ في نفسها تتذكر كلمات "حامد" لها. :



_" أنا جاهزة وموافقة كمان ، ومتأكدة اني قدها عشان انت جنبي !!"



عاتقها بحبٍ وشددت هي  بعناقه تمتن له بالكثير ، تنفست بعمقٍ ونهضت بعدها ، تخبره بأنها ستهبط وهناك أمل يتجدد ، بل هناك أمل لديها يُخلق على يدي ٱشخاص كانت ٱخر توقعاتها في يومٍ ما وجودهم بجانبها!!!



__________________________________________



الٱن النظرات تتقابل بسكونٍ مُريب ، اللفافة الثالثة على التوالي بين شفتيه ينتظر منها الحديث وهي ترتبك ! ، لذا قطع هو الصمت وقال بنفاذ صبر :



_" هنصور بعض كده لحد امته ؟ "



ونظر "غسان" نحو ساعة معصمه وقال ساخراً من ضياع هذا الوقت :



_" مش فاضي ،  ومش ورايا حاجة فإخلصي يلا !"



قوله لا يتوافق مع بعضه تماماً ، أخذت "أسماء" أنفاسها  ببطئٍ وبدأ التوتر يظهر على معالم وجهها عندما قالت تخبره :



_" أنا بس مش عارفة أبدأ منين ، بس اللي عارفاه واللي عرفته إنك هتساعدني صح؟؟"



رفع "غسان" عينيه وحرك كتفيه يخبرها بعدم اهتمام قصد ظهوره :



_" على حسب!"



وأضاف يظهر لها جانبه المخفي :



_" بس قولت أفضل معاكي للٱخر ووافقت من تاني أقابلك..بس للمرة التانية لو كل ده وراه إن هزعلك مني !"



ابتلعت ريقها تقاوم هذا الإرتباك وإعتدلت تتنفس بعمقٍ ثم قالت تصارحه:



_" أنا قولتلك إني مش بحور عليك، وهتعرف ده ، وكمان المرة الأولى جيت ليك عشان أساعدك الأول وبعد كده تساعدني ، لكن المرة دي جت عشان تساعدني أول حاجة لإني ببساطة عرفت ان مهمكش موضوع حسن اللي قولتهولك !"



أتقن الدور في تصنع الغير اهتمام ، لا تعلم هي بأن اخبارها أثرت معه وبعدما كان يقرر الذهاب كي يريح نفسيته في بلدة أخرى بعيداً عنهم لينفرد بذاته ، عاد مجدداً يُجبر على الجلوس لترقب أي شئ سيحدث ! ، وسمعها تواصل مره اخرى:



_" المرة دي أنا واقعة فعرضك انت ، وواثقة إنك هتنقذني من كل ده !"



ٱخرج أنفاسه ببطئٍ وتجاهل كل ذلك بعدما اقترب على فهم هذا الخوف وصمت  قليلاً ثم سألها بجرأةٍ وشك لما تحاول هي قوله :




        
          
                
_"انتِ قولتيلي علاقتك بـ "حسن" وصلت لحد فين ؟؟"



علمت أنه يشك بحديثها وبهذه اللحظة تجمعت الدموع بمقلتيها وهي تخبره دون تمهيد :



_" أنا مكنتش أعرف أنك ناوي تاخد حقك منه بالعافية ، أنا لما جيت قولتلك ان هو  بيلعب في دماغه اخواتي وامي فكرتك هترد نيروز وتسيبه ، أنا ممكن أضيع لو حسن جراله حاجة ، اللي صبرني إنه كل مره كان بيروح ويحاول مع نيروز هي كانت بترفضه فكنت بعرف إنه هيرجع ،. لحد ٱخر أجازة نزلتها .."



هبطت دمعتها ، فاهتز ثباته في الخفاء شفقةً على ما قارب علي فهمه ، ولكنه تصنع الثبات وترقب باهتمام عندما واصلت هي بنبرة متحشرجةٍ :



_" أنا بحبه من زمان أوي وهو كان عامل مش واخد باله ، كل اللي كان هامه هي نيروز وبس ، والمره الوحيدة اللي اخد باله مني فيها  كان يوم رفضته فيه نيروز ورفض فيه عمي يطلبهاله تاني بعد كل الرفض ده ، خرج وأنا خرجت معاه ومرضيتش اسيبه ، وفـ لحظة ضعف حصل بينا حاجة مكنش لازم تحصل ، بس والله العظيم أنا كنت بحبه وكنت مستعده اعمله أي حاجة عشان ينسى وياخد باله مني أنا ,ساعتها قولت بعد الرفض ده هيشوفني حتى بعد ما سلمتله نفسي بس هو انكر كل ده وقالي انه حصل فلحظة ضعف بينا احنا الاتنين ، ساعتها انهارت ومعرفتش أبطل احبه ، وسافرت من تاني واللي صبرني اني كده كده كنت هرجع  وهلاقيه زي ما هو عشان نيروز مستحيل كانت هتقبله ، وصبرت نفسي واتطمنت ان مهما روحت وجيت هيفضل هو كده وعلى الحال ده لا منه طايل قبول ولا منها هتوافقه هو وأهله.."



واكملت ببكاءٍ دون أخذ راحة :



_" طول سفري كنت حابسة نفسي  بفكر ازاي لازم ألاقي الحل في الاجازه الجاية ، والإجازة جت  ، بس برضو مهتمش وكأنه نسىٰ ،. حاولت كذا مره أقابله اكلمه تاني وتالت معرفتش بسبب هروبه منك ، وكنت بموت في اليوم كام مره لما عرفت انه في غيبوبة ، خوفت يروح عشان معرفتش اكرهه وخوفت يروح ويسبني كده بعد اللي حصل ، أنا اللي مصبر امي واخويا عليا ان مروة مش بتوافق على عرسان وانا اللي أصغر منها بس لو جه دوري كنت هعمل ايه او هعمل ايه ساعتها ، عشان كده مرعوبة ولسه مرعوبة ايدك تطوله ويروح أو هو يروح بسبب اللي بقا فيه ، ولو حد من أهلى كان عرف كنت موت في وقتها ، وانهارت ساعتها أول ما عرفت انه ممكن يتجوز عادي وأنا قدامه بقاله كتير والأحق بعد اللي حصل ، حاولت بكل الطرق امنعهم يلعبوا في دماغه وقولتله انها حامل منك فاتصدم ومردش ومشي من غير رد بس هم بيقولوا انه هيرجع !! "




        
          
                
كل هذه حقائق وأسرار تكشف  لأول مره ، ورغم ذهوله إلا أنه بقىٰ ساكناً ، وتغير كل شئ أشفق عليها بعدما لقبها بالغبية المختلة وسمعها تكمل بما جعله يصمت للحظاتٍ :



_" وعلشان كده جيت وكلمتك ولما سألتني وشكيت خوفت تفضحني ، بس لما قلبتها في دماغي عرفت انك الوحيد اللي تقدر تساعدني وانت مستفيد من نحية تانية !"



ابتلع "غسان" ريقه بصمتٍ ورفع رأسه يزفر بصوتٍ عالٍ وقال يصارحها بقوله الٱتي :



_" دلوقتي فهمت ازاي "كما تدين تدان"، أنا هبعد عن كل ده وهسألك سؤال واحد بس ، مصعبش عليكي البت الغلبانة اللي حصلها نفس اللي حصلك بالظبط واخواتك واهلك قاعدين بيرازوا فيها بالكلام ؟؟، اللي عرفته انك حتى مرفضتيش دا انتِ ساعدتيهم كمان ياخدوها غصب وهي بحالها ده ؟ عايزه مساعدة وعايزه حد يحس بيكي وانتِ أصلاً معرفتيش تحسي بحد أو بواحدة زيك ؟؟"



انفعل لـ "فريدة" التي ذاقت المرار أضعاف وحملت ذنب كل من حولها وهي؟ هي المظلومة ؟ ، نزلت دمعتها وحاولت التبرير ولكنه واصل يكمل بتهكمٍ :



_" مينفعش كمان أقولك "واحدة زيك" هي تجربتها أصعب منك واتظلمت عنك ، انتِ اصلاً متظلمتيش ، انتِ غبية عشان محدش يثق ولا يحب واحد زي الـ *** ده !"



_" صدقني أنا بشفق على فريدة، وحاسة بيها بس أمي واخواتي غير ، والله العظيم انا مكنتش بواققهم ، بس أنا فعلاً استحق المساعدة أنا في أزمة كبيرة وعارفة انك دلوقتي مبقتش مستفيد أي حاجة بس أنا بطلب منك وبأمنك لو ناوي تساعدني بأقل حاجة انك متعملش حاجة لحسن وأنا هضطر أضحي بنفسي واقول لاخويا وامي عشان يجبروه يتجوزني ، أنا مبقتش ضامنة وقت تاني كفاية اللي صبرته عشان أوصل هنا وفي البيت ده بعد اللي حصل!!"



ربما قدومهم ليس بدون فائدة ! وهذا اتضح الٱن ، لوى "غسان". شفتيه بتهكمٍ وقال ينبهها بسخرية:



_" واحد زي أخوكي بعقله الفلتان ده ، هيموتك فيها قبل ما تكملي باقي كلامك !"



استشعرت محاولته في التدخل ، اما هو فكان لا ينقص ضغطه ضغط كي يحمل هذا أيضاً ، ومن ناحية أخرى استحسن بُعد "نيروز" عن هذا وسيبعدها أكثر عن أفكار الٱخر بما نوي فعله الٱن ، إعتدل "غسان" في جلسته وأخرج هاتفه يبحث عن رقمها وعندما وجد أرقام أخرى قد هاتفته دون تسجيلها وجه لها الهاتف مخبراً اياها :



_'' شوفي رقمك ايه فيهم وسجليه !"



إلتقطت  "أسماء "الهاتف بأيدي ترتجف ، وتجرع من كوب القهوة أمامه ، وفتح فاهه بذهولٍ ما ان وجدها هنا !! "نيروز"؟؟ كيف جاءت ،  وبلمح البصر وجدها تقف بتشنجحٍ وصاحت بصوتٍ مرتفع أمامه مما جعل الاخرى  تنتفض 
وهي ترى:




        
          
                
_" وكمان بتاخد رقمها ؟؟؟؟؟"



وقف "غسان" بإندفاعٍ وأمسك  معصمها بحدةٍ  يهمس لها بصوت منخفض كي تعود الوجوه كما كانت من حولهم :



_" وطي صوتك!!! "



حاولت نفض يديه وحركت رأسها بإندفاعٍ ناحية الٱخرى وهدرت بإنفعالٍ بها :



_" انتِ ايه اللي مخليكي  خارجة معاه ؟؟ ايه البجاحة دي!؟؟ ، مش خايفة حتى أقول لأمك وأخوكي؟.؟؟"



أغمض "غسان" جفنيه ولاحظ خوف الآخرى ، فدفعها على المقعد بانفعالٍ وقال باندفاعٍ جامد:



_" أقـعدي .. ومسمعش منك ولا كلمة!!!!"



إندفعت تجلس بذهولٍ من نبرته هذه ، اما هناك فكان طرف رابع أخذ مبتغاه ورحل ويا ليته ما رحل وما جاء من الأساس!! ، أخذ الدليل وهرب!!
رمقته "نيروز" بذهولٍ أما هو فترقب قدومها وكيف لم يشك بعدما وجدها تخرج بعده بارتباك ؟؟ بالطبع راقبته وجاءت من خلفهما  ومن خلفها شخص أخر لم يظهر بعد ، مدت "أسماء" يديها بارتباك لتعطيه هاتفه ، ونظرت له حينها بقلقٍ فتلقت منه هزة رأس وايماءة عين تخبرها بأن وجود "نيروز", أمان ولم تضرها بشئ فقط مجرد حديث ، أكمل حديثه وكشف المستور وقال متجاهلاً جلوس "نيروز" :



_" رقمي عندك وده رقمك ، أول ما هترني تتصلي إن حسن رجع هعرف علطول وسيبي الباقي عليا!"



اخبرها بطريقة ما بأن تسلم له "حسن"، الكثير ينتظر عدوته لتسليمه ،  فماذا سيحدث حينها ؟؟ ،، خفق قلب "نيروز" بخوفٍ عليه واندفعت بلهفةٍ ممزوجة بالشراسة :



_" مال حسن بيك ؟ انت ناوي علي ايه ؟؟ ، انتِ عايزه منه ايه يا بتاعة انتِ ، جاية تقوليله ايـــه  انطقـــي؟؟!!!"



أمسك يديها قبل ان تندفع فنفت "أسماء" بريبةٍ وتبخرت قواها على ارداف الحديث ، اما هو فنهرها وهو يمسك كفيها بحزمٍ :



_". بــس ، اسكـتي بقــا!!"



ابتلعت ريقها بقلقٍ عليه غير واعيه لنهره وانفعاله عليها الٱن ، بل سمع الاثنان قول "أسماء" الخائف :



_" بس أوعدني انك مش هتعمله حاجة!"



واين سيذهب حقه ؟؟ ،قرر أخذ الحق ولكن كيف بعد الٱن؟؟ بعد ما ينوي فعله ؟؟، حرك رأسه دون نطق حرف واحد يوضح لها بأنه يعدها ، وقال بما طمأنها :




        
          
                
_" حتى لو اخدت حقي فبرضو مش هيرضيني عشان هضطر اسيبه حي!!"



توسعت عيني "نيروز" بصدمة وابتلعت ريقها  بخوف من خطر الكلمات وسمعته يواصل مجدداً بـ 



_" مشكلتك غطت ، وحظك ان اهم حاجة عندي حرمة البيت!"



_" يا حنين!!!"



قالتها "نيروز". بسخريةٍ رغم خوفها ، فنظر لها "غسان" بحزمٍ ، أما هي فحاولت النهوض وقالت تودعهم بعدما فهمت انه سيساعدها :



_" أنا هستأذن وهمشي أنا ، عن اذنكم !"



كاد أن يعارض كي تعود معه مثلما جاءت ولكن "نيروز" من شتته سريعاً عندما ضغطت علي كفه تسأله وهي تتحرك تخفي قدرته علي رؤيتها وهي ذاهبة :



_" هو ايه اللي بيحصل هنا بالظبط ، انت بتعمل ايه وموافقها في ايه كده ؟؟ وحسن ايه اللي مش هتعمله حاجة انت مجنون؟؟ انت واثق في مين؟؟ مش خايف علي نفسك ؟؟"



كانت أقوالها مندفعة ظهر بها الخوف الشديد عليه ، راق له خوفها ورهبتها التي كانت من قبل مصدر ضيق بالنسبة له ،. اتضح ان هذا البعد وضح طباع كل منهم ناحية الٱخر بالجيد قبل السئ ،  قرر اللعب على وتر أعصابها وإحتوى كفها المتمسك بكفه وسيطر على مسكته حينها وقال وهو يميل بعبثٍ :



_" متخافيش!"



نفضت يديه ودفعته بعصبيةٍ بعيداً. عنها وقالت تنهره برفض:



_" أنا مش خايفة ,  مين قالك اني خايفة؟!"



إعتدل "غسان" يخرج أنفاسه وقال بحزمٍ يسألها:



_" انتِ ايه إللي جاييك ورايا ؟"



مرر عينيه ناحية ملابسها التي لم تبدلها إلى الٱن وضغط على فكه بصبرٍ ، وأمسك هاتفه يعبث به بتجاهلٍ لها ، اما هي فبدلاً من ان تهرب صارحته بأعين لامعة متخلية عن الكبرياء للمرة الثانية بهذا اليوم الملئ بالمفاجأت :



_" جيت عشان بحبك وبغير عليك يا غسان!"



لاحظ تحشرج نبرتها ونهر جانب اللين في قلبه الذي يقرر في كل مره ان يشفع لها ويغلبه بينما هذه المرة عارض وردد بحدةٍ لم تكن منفعلة بل حدة فاترة بنفس ذات الوقت مما وخر قلبها :



_"انتِ ٱخر واحدة تقولي انك بتحبيني أو حبتيني ، أما الغيرة  بتاعتك دي فـ ده أي كلام!"



_"حبي ليك بقا أي كلام ؟؟"



غيرتها تعني حبها ! ، رفع عينيه ينظر نحو عينيها الحزينة المستسلمة ، ووافق برأسه ووضح أكثر بنبرةٍ موجعة من الداخل :




        
          
                
_"أي كلام لإنك فاكرة انك كدة بتلعبي بيا ، ساعة بحبك وساعة مش عايزاك ووجودك بيإذيني ، فكراني شُوخشِيخة في ايدك ؟؟!"



وأضاف يبرر لها كذباً :



_'' وعشان تعرفي أنا نويت أبعد بعد كلامك ليا امبارح وبعدت فعلاً بس زي ما قولتلك هبعد عنك لكن مش هبعد عن اللي في بطنك واللي ملزوم مني!"



علمت أنها ان اظهرت له ضعفها ينتهزه هو ويضغط من جهة أخرى عليها وعليه ويلبي للكبرياء غرضه ، لمعت عينيها وكان الاندفاع الجامد بقولها عندما تجرأت وسألته بسخرية من خداعه لها في ترديد هذه الكلمات:



_"واللي كان هيحصل النهاردة ده ايه ؟؟؟ واللي انت قولته ليا ؟؟؟"



نهض بعدها بثباتٍ اما من داخله قرر الهروب من هذه البوادر التي تعني بمقابلة أخرى موجعة ليس مستعد لها كفى أمس ،. ووجع أمس وألم كلماتها أمس ، قال حينها رداً عليها مما جعلها تشعر بالتقليل من نفسها منه ومن ما كانت قد فعلته من استسلام وصمت و..موافقه رغماً عنها :



_"عادي ، راجل وضعفت ، بتحصل!"



لم تحدث إلا معها هىٰ ، صمتت بعجز وشعرت بوجع كرامتها الٱن وكلما تتخلى تخسر وكلما تتمسك بها يتأزم الوضع ، شملها بعينيه فوجدها ساكنة ،. سار بهدوء وسارت بجانبه بعدما أشار لها برأسه ووقف الإثنان معاً أمام السيارة ، فتحها بخواءٍ وركبت دون حتى أن تعارض ، وحتى ان كانت افعالها قبل قليل توحي برغبتها في ان تُرد الا انها ان سُألت منه سترفض! ولا تعلم هي ماذا تريد بعد الٱن ، انطلقت السيارة وصمتت وظلت صامتة لكثيرٍ!!!
بينما هو فقد القدرة على فتح او خلق أي حديث ، فاستدعى الهدوء وقال بعد صمت دام :



_" ابقي اطلعي خدي هدومك من فوق!"



قصد حينها الملابس التي ترتديها وهى ليست لها من الأساس ، لمح لها مجدداً وحينها أجابته بهدوء عكس طيبعة الاجابة نفسها :



_" ملكش دعوة بلبسي بعد النهاردة ، أنا حُرة ، اطلع مطلعش البس ملبسش ملكش فيه!"



فظهرت وقاحته وتبجحه  عندما قال دون النظر إليها:



_", لا ليا فيه ، ليا كتير أوي كمان!"



صمتت ولم تعيره اهتمام ، إلى ان قصدت ان تؤلمه كما ألمها قبل قليل :



_". مش عايزة ولا هطلع عشان مش عايزه افتكر اي حاجة بيني وبينك ،. خليهالك اشبع بيها وبذكرياتها !!"



ابتسم بألمٍ واتضحت مهاراتها عندما القت السهم المسموم وجاء به هو وظهر وجع قولها في نبرته عندما صارحها بنفس وجعها المخفي :




        
          
                
_" لو فاكرة اني قدرت اطلع فوق تبقي غلبانة !"



ترك القول مفتوح كعادته ، أصبحت لا تعلم ماذا يقصد ، لم يصعد كي لا يتذكر ؟؟ ام لم يصعد كي لا يستطيع الجلوس بمفرده من دونها ؟؟ وتذكر الذكريات بألم وليس بتقزز كما تدعي ، أما هي فكانت كاذبه تخدعه بعكس ما بداخلها وحتي ولو علم هو ذلك فيكفي وجع حديثها عليه !! سكنت إلى نهاية الطريق وهو كذلك وكالعادة يلبسهما العناد المؤدي لنهاية هذه العلاقة فقط هناك حل واحد بالنسبة له كان ينتظره منها ولم تفعل ، فقط ينتظر تغيرها وأسفها عن ما بدر منها وإلى الٱن تكابر رغم علمها بأنها من أخطأت !!!



___________________________________________



رحل "حامد" من "محل الورد" وبعد صلاة العصرِ قرر الذهاب للمقابر حيث زيارة صديق أيامه كما قال ، في حين بقت "جميلة" و",فريدة" مع بعضهما ومعهما "فرح" التي جلست على المقعد تنظر نحو شاشة هاتفها بإندماجٍ ، وعلى مقربةٍ تلهفت "جميلة" لسماع هذه الاخبار منها واضطرت لخروج ما بداخلها وقالت  تصارحها بما لا تعلمه هي:



_" أنا واثقة انك قدها يا فريدة ، وعايزة كمان أقولك حاجة ، أنا كنت عند الدكتور ده ، مؤخراً بقيت ابطل اروح بسبب ضغط الامتحانات وايام الفرح والتجهيز ، بس مرواحي ليه فادني جداً وغير مني يمكن ساعتها عز مكنش فحياتي بس لما ظهر بقيت مسنوده منه أكتر وبقت كل حاجة تفرق بوجوده!"



لم تتصنع الآخرى المفاجأة  كي لا تحزنها ، بل ابتسمت"فريدة" بحبٍ وتأثرت هي من تأثرهما بهذه التربية السلبية التي أدت إلى اذى كل منهم بشكل مختلف ، وسرعان ما تحول الوضع سريعاً للمراقبة ما ان دخل "بسام " وهو يحمل"يامن" الذي استيقظ عندما كان معهم  وعندهم ومازال من وقتها ، رفعت "فرح" رأسها له ووكز كل من "فريدة و"جميلة", بعضهما بمزاحٍ للمراقبة!!



اما"فرح" فخجلت بشدة ، وهو توتر هو الٱخر ، كان يهبط من الأساس بعدما اطمئن على شقيقته كي يرى والده ليخبره بعدما وجد انه قد هاتفه ولم يرد، خفق قلبه بإرتباك وترك الصغير حتى التقطه "فريدة" في الخلف وجلس غير غافلاً عن خجلها وقال بابتسامة هادئة يخفي خلفها توتر كبير :



_" اذيك يا فرح ؟!"



ابتسمت ولاحظ احمرار وجنتيها بطريقة ملحوظة من خجل هذا الموقف ، بينما اجابت بنبرة هادئة مبتسمة تحاول بها الثبات:



_" الحمد لله وانت عامل ايه ؟"



_"مش عارف ، يمكن أعرف بعد ردك!"



قصد قولها وقرر انهاء هذا التخبط بالوضوح ، تعلثمت نظراتها ، وسألها حينها وهو يقترب بجلسته أكثر :




        
          
                
_"عايز أعرف منك ، ممكن ؟"



سألها عن حقه في العلم من الأساس ، حركت رأسها إيجاباً فقط ،  فعاد يسأل  بارتباكٍ وأتي بالرفض أولاً كي لا يضع نفسه بموقف محرج :



_" رفضتي؟"



لحظات ما بعد السؤال بمثابة سنوات ، تنهد يخرج أنفاسه ورفع يديه يزيح خصلاته منتظراً ردها وقبل أن تجيب قطع عليهم لحظتهم كالعادة أحد ما ، ولم يكن سوى "غسان" الذي دخل وتركها تصعد ،  ترقبت الأنظار ناحيته وعندما قطع  هذه اللحظة زفر بصوتٍ عالٍ وقال يصبر نفسه بأسىٰ:



_" يارب أنا تعبت!"



فهمت قوله وهذه المرة خرج مرحه بوضوح ، فانفلتت ضحكتها بحرجٍ وتاه هو بها ، ولم يلقي بالاً لشقيقه الذي جلس بتعمدٍ يضرب ساقه بخفةٍ وقال يسأله :



_''جيت امته ؟!"



رفع "غسان" عينيه ناحية "فرح " الذي شعر بحرجها ،. وقبل ان تنهض نهض هو وهو يكبت ضحكاته وغمز له مشيراً بعينيه بأنه سينتظر الرد وصعوده في الاعلى ليشاركة ما هو مقبل عليه ، ولم يري "غسان" الا انها ستوافق !، سعد من جديد وابتهجت ملامحة عندما وجده يخرج ، فثبتت "فرح " وعاد هو يسألها بخفةٍ :



_", كنا بنقول ايه ؟"



كاد ان يتحدث مجدداً ولكنها من حاصرته الٱن واستدعت الشجاعة لتخبره رغم انه من المفترض ان يكون على علم ولكنها الظروف!!  ، ردت تحاول الثبات ورفعت عينيها تنظر لعينيه التي تشابهها في طريقة رسمها :



_"كنت هقولك..إن أنا..مـوافقة !"



هذا القبول ومنها هي تحديداً. شئ اخر اندفع يقف بلهفةٍ وسألها بغير تصديق:



_" بجد ؟؟؟؟؟"



ابتسمت أكثر واتسعت بسمتها وهي تومأ بموافقةٍ فجلس مجدداً  وقال يصارحها بصدقٍ :



_"أنا أسعد واحد النهاردة يا فرح ، وهبقىٰ أسعد واحد بعد النهاردة!!"..



نظر بساعة معصمه بعدها ، فنهضت هي بخجلٍ  ونهض هو الٱخر وقال يحترم  حرجها :



_" المفروض يبقي عندي كلام كتير أوي أقوله ، بس أنا هحترم الأصول ومش هتكلم معاكي براحتي الا لما أدخل بيتكم من بابه الأول..بس عايز أقولك اني مبسوط أوي بقبولك !"



سعدت من كلماته اللطيفة وأومأت وقالت بخجل قبل ان تبتعد :



_" وأنا هستناك !"




        
          
                
تركته مع تأثير قولها واقتربت من الفتيات أما هو فلم يلتفت ظل يردد كلماتها الٱخيرة وخرج بغير وعي ليصعد بكل هذه اللهفة كي يخبرهم !!



_" أقسم بالله واقع فيكي من الدور العشرين يا فرح!''



ضحكت "فرح " على قول "فريدة" وكذلك "جميلة" بينما سألتها"فريدة" مرة أخرى بفضولٍ :



_"قوليلي  بقا انتِ بتحبيه ؟"



_"لأ "



نفت بحرجٍ فنظرت لها "فريدة" بتشككٍ أما "جميلة" فضحكت ورددت تخبرها :



_" شكلك عينك منه يا فرح ومتقوليش لأ ، عيب يعني أقول أي كلام، دا أنا عارفاكي من زمان !"



هربت بعينيها  وكبتت ضحكاتها وهي تنهرها بتنعنيفٍ كي تصمت ، والثلاثة يشاكسن بعضهن بالنظرات إلى أن حاولت "فرح" أخذ حقها فرددت للٱخرى بكيدٍ :



_''طب وٱدم نظامه ايه بقىٰ؟!



هل اعتقدت أنها ستخجل مثلها ؟؟، ابتسمت "فريدة" باستفزاز. وراقصت حاجبيها بكيد أكثر وقالت تخبرها بجرأةٍ :



_"لا ٱدم ده الحب والتوب بتاعي يا حبيبتي ، احنا بنعترف بالصراحة مش بنهرب زيك ، متستنيش مني أجيب ورا ، أنا معترفة اني بحبه كدة كدة يا حلوة!"



كممت "جميلة" فمها تحت ضحكات الأخرى وقالت بريبةٍ زائفة وهي تنظر نحو مدخل المحل:



_" اسكتي الله يخربيتك هتفضحينا!!"



ضحكت "فرح" عليها وشردت في السؤال الفعلي، هل تكن له حبًا؟ هنا ورفضت بتأكيدٍ هي لم تحبه ، ربما مشاعر انتباه له ولما يفعله من كلمات ومؤخراً من عبثٍ التقطه على الفور من شقيقهِ!!!



________________________________________



_" يعني الدكتورة طمنتك بكدة بس !!"



تأففت من هذا السؤال المتكرر من والدتها وشقيقتيها ، كم من التساؤلات عليها وإليها بضغطٍ ، نهضت "نيروز" وقالت بضيقٍ واضح :



_" ايوة يا ماما  ، مش فاهمة ليه القلق ده كله!"



صمتت "سمية" بحيرةٍ منها واندفعت "ياسمين " تخبرها بحزمٍ واضح:



_" انتِ مالك يا بت مش على بعضك ليه كده ؟؟ هو عمل فيكي ايه ؟؟ زعلك ولا ايه؟؟"



سألتها بترقبٍ فزفرت "نيروز" بنفاذ صبر وإلتفتت برأسها تنفي قبل ان تسير ناحية غرفتها :




        
          
                
_"لأ معمليش حاجة ، أنا اللي عملت كل حاجة!"



كان قولها مبهم لحدٍ كبير ، وهذا هو اليوم التي تخبطت به وقاربت علي فهم انها من اقبلت علي الوجع لها وله من البداية ، حتى يتغير معها بهذه الطريقة ،الٱن وفعلياً أصبحت لا تستطيع الاقتراب أو الحصول على الحب في نظرة عينيه كالسابق وقول "أسماء " أمس يتردد في أذنها بأنها فقدت القدرة على التقرب منه أو الحصول عليه وكأنه فرصة ذهبية صعبة الحصول عليها بعد الٱن وبعد ما فعلته ، كل ما كان يهمه هو أسفها وتمسكها واعترافها بالندم وبالخطأ وهي أمام ذلك تلبس نفسها ثوب الكبرياء !! ، أغلقت الغرفة تحت غرابتهم وتجاهلت مناداة "وردة" عليها ، فقط اقتربت ناحية المرٱه بعدما أغلقت الباب ونظرت نحو ملابسها الضيقة التي أثارت حنقه اليوم ، تمعنت النظر بجسدها المحكم ، وابتسمت بسخريةٍ على قوله الذي غازلها به بين حالته هذه ، وجاب عقلها قربه وتسمرها أمامه ومعه كالبلهاء ، وعندما قاربت علي الندم تحركت أفكارها على الفور عند أول هذا الخلاف!، سقطت دموعها وتحسست معدتها بقهرٍ ونظرت بالمرٱه تتأسف لصغيرها وكلماته بأنها ظلمته وظلمت صغيرها تترد في أذنها الٱن  وبقوة :



_" أنا ..ٱسفة !"



هبطتت دموعها بغزارة ، فرفعت يديها تمسح وجهها ووضعت كحل بها الٱن يخفي كل ذلك ، ونظرت نحو دبلتها التي خلعتها ووضعتها أسفل المرٱه ، تخلت عن ما يربطه بها اسماً كي تهرب من أفكارها أما الٱن فلا مفر من الهروب. 



الٱن علم المخطئ انه مخطئ والشئ الذي يقف عائق بينها وبين أفكارها هو انها كيف ستطلب الرد ، تريد الرجوع ولا تريد بسبب كبريائه التي تراه يلازمه بأغلب الوقت ، لم ولن  تقلل من شأنها تحت مسمى بأنها إمرأه كيف ستطلب من رجل ان يُرجعها لعصمته ؟؟..



أكبر دليل لوصول نهاية هذه الأفكار هي انها استسلمت وظلت ساكنه أسفل يديه وتأثيره عليها ، كانت تود قدومه ولكنها تأبىٰ ظاهيراً ، ظنت أنه سينسى تحت مسمى الغُلب واللين ، نست وغفت بأن اسمه وحده يعني "حدة". الشباب!!!



جاب سمعها صوته في الشرفة بمزاحٍ بينه وبين شقيقه التقطه هي واقتربت تستمع ، اليوم أرادت ان لا تفارقه ووجع غيرتها يؤلمها وتركها مع عقلها دون توضيح بماذا يمكن ان يكون بينه وبين "أسماء" وفي المنتصف بينهما يخططون لـ "حسن" ؟؟!



إلتقط سمعها جملة "سمية" من على الباب وهي تحثها :



_"يلا يا نيروز عشان الغدا ،. كله اتغدى من زمان مع عدا انتِ ، يلا يا حبيبتي عشان دواكي ، هروح اجهزه وغيري انتِ ...أنا عارفة انك سامعاني!!!"




        
          
                
لم تجيب بأي شئ وتركتها الأخرى متوجهة ناحية المطبخ ، ووقفت أمام الشرفة تحاول الاستماع لصوته ، الان تريد ان تفتح كي تستنشق الهواء وتراه حتى وان أذاها بأقواله...



..
وعلى الجانب الٱخر وقف "غسان" بالفعل يضحك بخفةٍ على هيام الٱخر عندما أخبرهم جميعاً بموافقة "فرح" ، وعلى فجأة ترقبت أنظاره عندما سأله بتلقائية :



_" امبارح كنت عايز أعرف منك انها لو عملتلي ريأكت قلب أحمر تبقى كده بتحبني ولا بتحبني أوي بس لقيتك نمت!"



نظر إليه "غسان" ساخراً وقال وهو يعتدل بوقفته :



_"يا إما مش عارفة ترد أو بتقفل معاك كلام ، والحالتين بُعاد عن الحب يا نحنوح!!"



_"وأنا كنت اتسايرت معاها أصلاً عشان تقفل كلام ، اكيد مش عارفة ترد ، أصل انا كلامي يهبل مقولكش!"



ضحك "غسان" بخفةٍ على غروره وحرك رأسه له بغير مبالاة يخبره :



_" اللي بيتكلم مبيعملش يا دكتور!"



ضحك "بسام" بخفةٍ وسأله بتلقائيةٍ :



_" وانت بقا انهي واحد فيهم ، بتكلم ومبتعملش، ولا بتعمل ومبتكلمش يا شقي!"



أخرج أنفاسه بهذه اللحظة وشرد يجيبه بعمق من تخبطه وتشتته :



_"أنا لا بقيت بعمل ولا بتكلم .. معتش عندي قدرة أصلاً ، البركة فيك بقىٰ وريني شطارتك وتعليمي فيك !!"



لاحظ دخول والدتهم بفرحةٍ شديدة وبيديها صينية بها أكواب عصير أعدته لهما ، ابتسمت "دلال" باتساعٍ ووضعت أمامهم الاكواب بحبٍ وسعادة وقالت بلهفة أثر خبر قبول "فرح" :



_"بألف هنا يا حبايبي !"



امتن لها "غسان" بنظراته وشكرها "بسام " بمرحٍ فتعمدت هي تركهما مع بعضهما عل يلهي الثاني الأول !!  ..



_"بس أنا مبسوط عشانك يا بسام ، وعايزك تسامحني لو كنت عملت حاجة شايف فيها اني كنت صح وسابت أثر حساس لحد دلوقتي ، أنا كنت بفكر من نحية تانية مكنتش غلط !"



تأثر"بسام" من قوله الجاد فرد سريعاً بلهفةٍ :



_"متقولش كده يا غسان اللي راح راح ، خلينا الوقتي في فرحتنا ، ادعيلي اتجوزها عشان نناسبك زي ما قولتلك!"



مرح بٱخر حديثه فضحك "غسان" ينفي بصراحةٍ :



_" بس أنا مش موافق لسه ولا هوافق بعدين !"




        
          
                
_"يعم مش عما يجوا الأول ويعرفوا يفرقوا مين بابا ، الله !!! ، وبعدين انت تطول أصلاً يالا تناسب دكتور قد  الدنيا ؟؟" 



ضحك "غسان" واشعل اللفافة وقتها ثم تجرع من الكوب ، إلى أن وجد سؤال شقيقه المفاجئ له :



_" ناوي علي ايه يا غسان، أنا عرفت اللي حصل امبارح من وسام ،. بس قولت أجل كلامي معاك لوقت تاني !''



ونفى "غسان" حينها باختصارٍ وهو ينفث دخان سيجارته:



_"مش ناوي على حاجة!"



_"طب وليه كل ده من الأول، انت لو تفهمني اللي حصل واللي لحد الوقتي مش فاهمه صدقني هحاول ألاقي الحل!"



ابتسم بإستهزاءٍ ونهض من على المقعد يستند على السور تزامناً مع كلماته :



_"الحل كان موجود الأول قدامها بس هى  مختارتهوش، فـ خلاص!"



سقطت دموعها بالداخل وقررت انهاء هذا الحوار الذي يظهر من وجعه في نبرته التي تستمع اليها الٱن، فتحت الشُرفة تقتل التردد وأخرجت أنفاسها تمسح وجهها وهي تخرج اما هو  فلم يلتفت برأسه على الرغم من انه سمع الصوت ، إلا ان نهض "بسام" وقرر تركهما معاً بمحاولةٍ ..



جابت عينيها تقاسيم وجهه من الجانب ، وسقطت دمعتها وسألته بدون مقدمات مما جعله يدرك انها استمعت لهما:



_" كان ايه الحل اللي كان قدامي يا غسان ومختارتوش ؟ قولي!"



إبتلع هو ريقه بإهتزاز من هذه النبرة الذي يعلمها جيداً وقال بوجع ظاهر بوضوح مشيراً بغير اكتراث:



_"مبقاش مهم !"



_"مهم عندي!"



استنكر هذا الحديث وظنه تسرع يأتي ويذهب كالعادة ، وان لم يكن فإن عارضها وضغط على كبرياءها فسيحضر جزء شخصيتها الشرس في الحال وسينتهي هذا الوضع بلمح البصر ،  ابتسم باستهزاءٍ وحرك رأسه ينظر وردد  بتهكمٍ :



_" انتِ ايه اللي مطلعك دلوقتي؟؟ جيالي ليه ؟؟مش أنا بوجعك؟؟"



وأضاف يحثها وهو يحرك رأسه ينظر له ساخراً بقوله:



_" إبعدي يا مدام عشان أنا وجودي بيإذيكي زي كلامي ، وافتكري انك  انتِ اللي جيتي وبدأتي المرادي !"



حذرها بقوله فوقفت ساكنة وإقتربت تنظر بتمعن في عينيه الداكنة وقالت باستسلامٍ :



_"بس أنا جيت بمزاجي ، وعايزة أسمعك !"



_" وأنا بردو هبقي عايز أتكلم وأسمع بمزاجي!!"




        
          
                
فسألته بجهلٍ متأثر وهي تتعمق النظر به :



_" يعني ايه ؟"



_" يعني مش عايز أتكلم ومش هسمع !"



وجعها قوله الفاتر ، وعلى لسانها الٱن تريد كلمات الندم ولكنها تتراجع في كل مرة لطالما هذه النظرة موجودة إلى الٱن بعينيه ولم تزول!! ، ابتلعت ريقها وسألته وجارته بكلماته دون معارضة :



_" ليـه ؟"



حرك "غسان " رأسه بقلة حيلة ساخرة للغاية وصارحها بوقتها بـ حقيقتها:



_"اللي ميسمعنيش في الأول ميستاهلش يسمعني دلوقتي ، واللي ميديش فرصه لنفسه يقدر ويفهم هيدي فرصة لغيره ازاي؟؟"



تعلقت عينيه بها وهذه المرة تجرأت تمحي أي رفض بداخلها وأمسكت كفه بتشبتٍ حتى سقطت دمعتها على يديه وكلماتها  المختنقة تخرج عندما هتفت :



_" أنا معطتش فرصة لنفسي عشانك ، والله العظيم ما كنت قادرة اشوف عينك وهي بتتهمني كل التهم دي حتى ولو كنت مصدق اني مستحيل أعمل كدة ..أنا..أنا اللي وجعني ساعتها انك فهمت كل حاجة وسكت ولومتني وظهرت ان أنا اللي عليا كل الغلط ، معرفتش اتصرف بحاجة غير اني اقولك تطلقني وتبعد عني ، أنا عارفة انك اتوجعت مني أوي عشان كده مقدرتش أكمل وأذيك ، خوفت عليك ، خوفت علي مشاعرك وخوفت ليطولك أذى تاني مني أو من حسن بعد اللي حصل ، وبعدت عشان متصممش تاخد حقك منه  وتودي نفسك في داهية !!"



سقطت دموعها وهي تبرر وتركها تتمسك بكفه بصمتٍ كاسر موجع للإثنان معاً ،  تقطعت أنفاسه وحرك رأسه بعيداً عنها يجيبها بفتور مؤلم له هذه المرة :



_" تبريراتك دي مشوفتيش فيها غير نفسك وبس ، حتى بُعدك كنتي هتبعديه عشان متضغطيش نفسك وانتِ شايفاني كدة معاكي مش عشاني !"



وصارحها وهو يميل كي تستمع له بأكثر طريقة صريحة موجعة وواضحة لها :



_" انتِ واحدة أنانيـة !"



وأضاف يفسر أكثر بإستهزازٍ غمره الشقاء :



_"مبتحبيش غير نفسك وبس ، ومبتخافيش غير على نفسك، وجاية تبرري كلام فاضي ملوش أي تلاتين لازمة ، عشان وقتها كان بإيدك تعملي حاجات كتير وبأسهل طريقة كانت كلمة واحدة بس تنيم كل ده ، بس انتِ كابرتي واختارتي الأسهل واللي فنفس الوقت ميخسركيش حاجة ولا يأثر معاكي بحاجة ..وبمنتهى البساطة والجحود قولتيها ..قولتي طلقني أنا هبعد !!"




        
          
                
بكت هىٰ  تقسم له حينها بنبرة شديدة في البكاء:



_" والله العظيم ما كان سهل عليا ، واللهِ صعب..صعب أوي ساعتها وبعدها "



بهذا الوقت خرجت ضحكته بوجعٍ ان قارنه بكل الوجع الذي مر سيفوز ، ابتلع ريقه بعد هذه الضحكة الخفيفه المؤلمة وصارحها عقب ذلك :



_" ٱه ..فإنتِ جاية دلوقتي بعد ما اكتشفتي انه صعب وانك خلاص مش قادرة على كل ده صح؟؟؟"



وواصل بتعبٍ يشرح أكثر ما فهمه :



_" جاية عشانِك !! ، عشان نفسك ، جاية للعبة اللي انتِ ماسكاها فإيدك وفاكره انك لو جبتيها شمال هتروح ولو جبتيها يمين بردو هتوافقك وتروح! ، ونسيتي اني مش لعبة واني واحد حَبِك فعشان كده كان بعيديلك...مكنش مغفل.. مكنتش عبيط.، بس برضو مقدرتيش كل ده..انتِ أصلاً متستاهليش "



وكأن قدرته على قول كل الحديث جاءت الٱن ،  ، بينما الٱن هي من توجه لها الألم منه ، نفت بلهفةٍ ، وسالت دموعها حتى تشنجت ملامحها وسرعان ما وضعت كفها على معدتها عند قدوم هذا الألم المفاجئ الذي أصبح يرافقها بالفترة الٱخيرة ، ترقب سريعاً وتمسك بكفها ينظر حتى عادت أنفاسه بعدما سرقتها. حين وقفت هي باعتدال وتحمل ، فانتظر بصمتٍ وانفجر يسألها بوجعٍ شديد :



_" انتِ ايه يا نيروز ؟؟؟ أنا نفسي أفهمك وأعرف انتِ ايه بالظبط؟؟ مبتحسيش بيا؟؟؟ تقربي وتبعدي بمزاجك وعايزه كل حاجة تمشي على هواكي انتِ مش أنا زي ما بتقولي  ، فأنا مضطر اتحمل كل ده منك صح؟؟؟ وبعد كل ده بتقولي انا اتحملت واتظلمت منك وانت اللي سيبتني ومتمسكتش ، مينفعش أقول أنا كمان انتِ ليه مش مضطرة تستحمليني زي ما أنا استحملتك ؟؟"



المذهل ان هذا الضغط سقطت معه دمعته الوحيدة الخاوية وقال بما وخر قلبها:



_"انتِ عملتي كل حاجة وجيتي بكل برود ترميها عليا أنا وقولتي إني أذيتك مع اني معرفتش أعمل ده ، بقيت في نظر الكل حتى أهلك ان أنا اللي وحش وان أنا اللي بشد وبرخي  وبلعب بيكي ، بس اللي محدش يعرفه إن أنا اللي وقفت عاجز وأنا بشوفك بتشدي وترخي وعايزاني معاكي فأي حاجة بتعمليها بمزاجك ، ماشية  تلعبي بيا شوية كده وشوية كده وفكراني عبيط مش فاهم حاجة!!"



وأكمل  حينها يخبرها بنبرةٍ قاسية يظهر لها بأنها باتت شخص لا يُهمه :



_"وأنا مش لعبة  فإيد حد حتى انتِ!"



وأضاف أمام هذه المواجهة المؤلمة للمرة الثانية :



_" أنا خدت منك كل الوحش وحاولت أخده عشان أرميه فالبحر وتنسيه وتبطليه بس برضو مُصرة تتمسكي بيه !"



صمتت تبكي بشهقاتٍ مزقت منه هو شخصياً وعاد يضغط بهذا الوجع وقال بما جعلها تقترب تتمسك بكلا كفيه معاً بمتتهي اللهفة :




        
          
                
_"قوليلي ..مكانش فيا حاجة  واحدة حلوة عرفتي تاخديها مني لما أنا وحش معاكي واخدتي مني كل الوحش كده؟؟؟؟"



بعدما تمسكت بيديه بلهفةٍ نفت بانهيار في البكاء وقالت تصارحة :



_"أقسم بالله ما شوفت حاجة وحشة وأنا معاك ، بالعكس أنا اللي جيبتلك كل الوحش ، أنا معرفتش أخد منك الحلو عشان الوحش اللي جوايا كتير ، كتير أوي وغصب عني!"



اعترفت وهذه بوادر اعتراف ، ولكنه ليس كامل إلى الٱن سحب كفه بفتورٍ قصده  وعندما رفعت أناملها تمسح دمعته العالقة ، نفض يديها وعارض بهدوءٍ وسكون ونفى برأسه قائلاً بخواءٍ :



_'' لأ يا نيروز!"



رفضها هذه المرة. كمن لدغتها حية ، بهذا الرفض الواضح ، هنا واستطاع رد كرامته على أكمل وجه ، فتحت فمها بذهولٍ وأشارت على نفسها بغير وعى فأكد رغماً عنه وقلبه يعنفه من هذا الرفض الٱن يريد ردها ولكنه كابر ، وليس كل ما تريده سيفعله في الحال ؟ أين ما. كان يريده ؟ وإلى الٱن أين ما يريده ؟؟ لم تتحدث بوضوح بعد ولم يطلب منها هذا ولن!! ، ابتلعت ريقها تمسح وجهها بشدةٍ  وحاصرته بنظرة عينيها الجامدة بعد هذا الرفض فقال هو بجديةٍ هادئة عكس كل ما مر :



_" أنا راجل وعندي كرامة ، واللي عملتيه مش معدي معايا بالساهل كده !!"



وضغط على نفسه وعليها وقال بقسوةٍ قبل أن يرحل من الشرفه ويتركها :



_" ولا هيعدي يا بنت الناس !!" 



تركها بأنفاسٍ عالية يصارع نفسه على البقاء ،وضعفها من ضعفه ! ، اختفى من أمام أنظارها ودخل المرحاض غالقاً الباب خلفه ينزوي بوجع ٱخر فعلته حتى وإن لم تكن قاصدة هذه المرة ، اما هي فأجهشت في البكاء وهي تحاوط وجهها بكفيها تبكي بصمتٍ ووجع ، وهذه المرة صدق الكبرياء معها عندما وجعها مستدعياً الكرامة تحت مسمي الرفض فكان رفيقها هو التعنيف بعد الٱن!!!!



ما بهما هما الإثنان صعب فهمه ، ما الذي يمكن فعله الٱن رغم وجود الرغبة في الرجعة ؟؟ ، تقطعت الأنفاس ومهما شُرح فلم يفهم سواهما والعجيب بأن كل منهم كان لا يفهم الٱخر والٱن قارب كل منهم على فهم الطرف الٱخر ، ألم الحُب يأتي بلمح البصر مثلما يأتي الحب تماماً ، حتى يصلا إلى درجاته العالية ، ربما العشق وما بعده التخلي رغم صعوبة حدوثه ، من فرط هذه. المشاعر التي توجد تحت مسمى الحب يزداد شيطان الكبرياء بعد مدة التغاضي ، وان تغاضى أحدهم وظل  يتغاضىٰ فعند لحظة معينة وستنتهي هذه الطاقة التي كانت لديه والذي كان يتخطى لها بها ،وهكذا كان حاله حتى أنه الٱن ليس بقدرته ان يُرجع هذه الطاقة كما كانت من قبل والحل يجهل هو عنه ! كمان جهلت هي بعد الٱن بعدما رأت بأنها أظهرت له كل شئ والى الآن هو من رفض ، للمرة الثانية يرفضها اليوم ، وبطبيعة مثل طبيعة شخصيتها كانت سوف ترفض قدومها الثاني إليه كي لا تتلقى رفض ٱخر وتلقته بالنهاية!! ، في حين ان القدوم الثاني كان بمثابة شئ كبير عليها وعليه !!




        
          
                
__________________________________________



بعد هذا الوقت بقليلٍ عادت بعد أن كانت ذاهبة تحت خدعة قامت بتأليفها لأهلها ،  بعدما تركته أرادت السير بمفردها والشرود رفيقها ورجع إلى ذاكرتها كل شئ ، حتى اليوم الذي غير من كل هذا سرًا ، هى الٱخرى يعتبرها البعض مختلة ومن ناحية أخرى جاء السؤال ..أي حب هذا الذي يجعل المرء يقلل من نفسه سواء كانت هي أو غيرها من رجل وانثىٰ؟؟، أي حب استطاع ان يُفرط بأغلى ما لديها وعلى عقلها وُضعت الغشاوة وقد عُميت العينين وقتها وإلى الٱن!!!!! ، كيف لم تستطع كرهه بعدما حدث معها ما حدث وانكر ذلك؟؟ الأسرار تعود وهناك أسرار أخرى قد كُشفت للبعض والبعض الٱخر يجهل عنها!!



وقفت "أسماء" تطرق باب شقة "زينات" بإنتظارٍ كي يُفتح لها الباب ، وما ان انتظرت لحظات فتح لها الباب بواسطة "مروة" التي نظرت لها "أسماء" بغرابةٍ من ملابسها وسألتها قائلة وهي تدخل :



_" انتِ خارجة ولا ايه؟"



_" لا جاية يختي..جاية!"



طريقتها في قولها ليست مريحة تماماً ، ولكنها تجاهلت ، فهذه شقيقتها وهذا طبعها ولم ولن يتغير ، رفعت عينيها ناحية الأريكة قبل أن تدخل فوجدت "سامر" مُمسك بهاتف "مروة" يرى مقطع فيديو خمنت أنه كثير وبه أصوات عديدة تُعاد في كل مرة مما جعلها تترقب ان المقطع قصير ، وهذه "والدتها "، التي تنظر بتمعن وملامح متشنجة ، ووقفت "مروة" بشرٍ حتى على شقيقتها ..تتابع الوضع بفضولٍ وانتظار ،أما "أسماء" فابتعلت ريقها وهي واقفة بمكانها وسألتهم بخوفٍ :



_" هو ..في ايـه؟!"



لم يجيبها "سامر" الذي ما ان رفع رأسه تصنع ابتسامة هادئة وأعطى الهاتف لوالدته ونهض بهدوء مريب يقترب منها شئ فشئ وسألها بإبتسامة يخفي خلفها الكثير:



_" كتتي فين ؟"



ترددت عينيها في النظر وابتعلت ريقها بصعوبةٍ تحت مراقبة البقية وتقطعت نبرتها وهي تجيبه تحاول تخطي الخوف الذي دب بها :



_" كـ ..كـنت مع واحدة صحبتي فـِـ..."



لم يتركها تكمل كلماتها الكاذبة هذه بل تحولت ملامح وجهه عما كانت قبل قليل وقطع بقية الجملة بصفعة شديدة على صفحة وجهها مما جعلها تشهق بصوتٍ عالٍ خائف ، سالت دموعها في الحال ولم يتوقف هو إلى هنا بل قبض على خصلاتها وهدر بإنفعال يوبخها بصوتٍ عال وهو يقبض بشدة مما جعلها تئن بوجع مرتفع :



_"يعنــــي بتستغليـــنــي وكمان بتكدبـــي يا روح أمــــك!!"



حاولت التبرير ببكاء  ونبرتها تهتز بألمٍ وقالت بخوفٍ متلهف مع  نبرتها الباكية :



_" اسـتنــىٰ بس ..استنــى ونبي ..هفهمك والله العظيم بس سيبنــي..سيبــني عشـان خاطري..ٱااه!!"




        
          
                
توجعت بٱخر كلماتها الباكية المتوسلة له عندما شدد من مسكته لها وخلفه الاثنتان صامتتين بترقبٍ لما يفعله كالعادة ، فهتف من بين ضغطه على فكه وعندها صرخ بغضبٍ يقطع هذا التوسل بـ :



_" تفهمــيــني إيــه ؟؟ تفهمــيني ايــه يا بت ، ايــه اللي موديكي للواد ده ؟؟؟ انطقي ايه اللي مخرجك معاه وانتِ هنا منيمانا على ودانا ؟؟؟ حصل بينكم ايـــه؟؟؟؟ ردي!!!!"



نفت برأسها فصفعها مجدداً صفعات متتالية ولم ينتظر منها الرد بل وقعت منه على الأرض واستمر في ضربها رغم الصراخ الذي أخرج "زينات " من الداخل وهي تهرول تحاول فصله عنها ، في حين فُتحت الشقق في الخارج دون التدخل ، فصرخت"زينات " به في الداخل :



_"ابعد ..ابعد عنها يا مفتري حرام عليك ، انت ايـه!؟؟؟ مش مكفيك اللي عملته في بنتي يا ظالم ، روح ربنا ينتقم منك!!!"



حاولت بلهفةٍ بعد هذه الكلمات اسنادها وبُعده عنها حينها وقف يتنفس بصوتٍ عالٍ ورد بوقاحة بعد سبهم جميعاً وخاض بشقيقته مثلما خاض بٱخربن وهنا قد تم محو أي صلة قرابة بهذا الدم حتى شقيقته الذي ظن بها السوء من مجرد صور ومقاطع فيديو :



_"هي وبنتك وصنف واحد ميتخيروش عن بعض ، ابعدي ..ابعدي بقولك ، قوميلي يا بت ، قوميلي قوليلي كنتي بتعيطيله ليـه ؟؟ عمل فيكي ايه انطقي؟؟؟"



حاول النيل منها بغضبٍ أكثر فدفعته "زينات " بقوةٍ وصرخت بشقيقتها وابنتها :



_" انتوا ايـــه؟؟ ساكتين ليـــه؟؟ سايبينه يموتها ؟؟؟"



حركت"زهور" رأسها بقسوةٍ ووجع ما رأته بالنسبة لها وأفكارها شئ ٱخر ، اما "مروة" فصمتت وكان بها ذرة من الخوف فقط ! على الرغم من انها السبب ، ابتعد "سامر" ٱثر دفع "زينات" له وأمسك مطفأة السجائر الدائرية الزجاجية المتوسطة الحجم، وفتح باب الشقة بعنفوانٍ فوجدهم مجتمعين ، نظر ناحية شقة "حامد" فوجده وقد جاء هو بعدما جاء من المقابر ، وحينها لم يجد "غسان" الذي كان بمرحاض غرفته ، صاح بانفعال أشبه بالصراخ وقال لـ والده يسأله عن "غسان" وقبلها قد وقعت عينيه على "بسام" الذي سحبه من تلابيبه بسرعة  أمام شهقات الٱخرين وصرخ يعنفه :



_" انت مالك بأختي ؟؟؟ مالك بيها وعملتلها ايه؟؟؟ انطق بدل ما وديني أموتك فيها !!!"



حاول "بسام" دفعه بانفعالٍ مماثل ووقف "حازم" بغير فهم بحاول التدخل للفصل بينهما مع "حامد" وكان رد "بسام" المنفعل :



_"انت مجنون يعم انتَ ؟؟ وأنا مال أهلى بأختك!!!!"



وقبل أن يرفع يديه بغضبٍ جاء "غسان" مسرعاً من الداخل تزامناً مع هرولة "نيروز" بعدما كانت تبدل ملابسها بعد تناولها الطعام التي اعدته لها والدتها ، خرجت بركضٍ. مع "ياسمين" وكانت "وردة" تتابع مع البقية ، وحينها تم صعود "فرح و"جميلة"و"فريدة" قبل وقت ، هرول "غسان" بسرعةٍ يدفعه  كي يفصله ويفصل شقيقه ودفعه حينها بعنفوانٍ بعدما تلقى سبة نابية من بين شفتيه :




        
          
                
_" هو في ايه يا ناقص انت؟؟. ماسك اخويا كدة ليــه يالا؟ انت عقلك فوت؟؟؟"



هاب الكل   ما بعد الان ، وخفق قلب "نيروز" وهي تعدل من وضع الخمار كي تخرج أكثر مقتربة منهم ، في حين أمسك"سامر" تلابيب "غسان" بعنفٍ واستطاع معرفة ما يدور :



_" اه .. يبقى انتَ اللي كنت مع أختي بقا، مالك بيها ؟؟؟ ها ؟؟ مالك بيها انطق!!!"



سأله بعنفٍ فدفعه "غسان" بعيداً عنه بقوةٍ ببنما الٱخر يصر على مسكة هكذا ، ومن بين ذلك أسندت"زينات " "أسماء" التي وقفت بخوفٍ ما ان سمعت قول "غسان" له :



_"ايدك يا روح ٱمك من عليا بدل ما أزعلك ،هو معتش الا اختك ولا ايــه!!"



نزلت دموع "دلال" من هذا الوضع ووقف الكل بغير فهمٍ عندما اندفع"سامر" ناحية الداخل يلتقط الهاتف ومن ثم عاد مجدداً يفتح المقطع أمام عينيه صارخاً بـه بشدةٍ :



_" ودا مـين ده ؟؟ خيالكم انتوا الاتنين ؟؟ ولا أنا معمي في نظري ؟؟؟؟"



ثم أضاف يخيرة وزاد من ضغطه بقبضته علي المطفأة بين كفه تحت ذهول الكل من  رؤية المقطع عند الاقتراب :



_" ما هو واحد منكم انتوا الاتنين، والدكر يقول أنا !!"



إلتفت "غسان" برأسه ينظر لنظرة الشك في عينين "حامد وشقيقه" بغير تصديقٍ منهم ، فرد ذراعه يدفه جسد شقيقه إلى الخلف ، ووقف أمامه هو بوضوح مما يعني بأنه هو ، شهق البعض ، في حين أشار له بفظاظةٍ يهدده :



_" واللي عندك اعمله يا هفأ يلا!!"



ارتبكت "نيروز", وابتلعت ريقها بخوفٍ مع جسدها الذي يرتعش ومهما حاولت كل من شقيقتيها ووالدتها سحبها إلى الداخل ترفض! ، اغتاظ "سامر". حتى رفع يديه يلكمه بوجهه بشررٍ وقال بإنفعال وغير وعي :



_" كانت بتعيطلك ليه ؟؟ كانت جيالك ليه .. عملت فأختي ايه يالاا!!!"



توجع ووضع يديه على وجهه ثم احتدت عينيه فرفع "غسان"  يديه وبادله الضربة وحينها حاولت "أسماء" الحديث كي تبرر لهم ولنظراتهم، شعرت بأنها أوقعته بمشكلة ليس لديه ذنب بها وكانت على مشارف القول عندما قالت ببكاءٍ متألم :



_" لا يا سامر ، استني عشان خاطري .أنا هقولـ..."



اعتدل "غسان" يعنفها بعينيه كي لا تردد شئ الٱن وأشار بكفه كي تصمت فصمتت بعجزٍ فإلتفت "سامر" يمسكها من خصلاتها أمام الكل وقال بغضبٍ يستجوبها :



_"  هتقولي ايه؟؟؟ عمل فيكي ايه يا بت؟؟؟ انطقي!!!"



نفت وهي تصرخ بوجعٍ ، فإقترب "غسان" ومنعه ذراع "حامد" من التدخل فنفى وتدخل يدفعه عنها ، فنظر له "سامر" بذهولٍ كما نظر البقية وقال بغير تصديقٍ :




        
          
                
_" ده  الموضوع شكله كبير وبجد بقى؟؟؟"



سأل بسخرية وقبل أن ينفعل "غسان" بمسكه لضربه اقتربت "نيروز" دفاعاً عنه بسرعة تقف وصرخت بالٱخر بإنفعالٍ تبرر له موضحة :



_" اختك هي اللي رامية نفسها عليه ورخيصة وعمالة تتلزق فيه من ساعة ما طلقني، فروح لمها الأول بدل ما تيجي تظلم ناس ملهاش دعوه  جاتكم القرف!!!"



اغتاظت "مروة" و"زهور", في حين دفعها "غسان" ناحية الداخل مقرراً عدم الوقوف له والٱن ليس أمامه مبررات للقول ، ومن جهة أخرى لا يريد فضحها بل يريد مساعدتها ، عنف "غسان" "نيروز" بعينيه بتحذيرٍ ، فوجد نفسه يُمسك بطريقة عنيفة من "سامر " الذي هتف به بصوت مرتفع :



_" انت رايح فين يا حيلتها ، رايح فين..انت مش هتتحرك من الحته دي من غير ما أفهم  ايه اللي فيها ومالك بأختي !!"



أمسكه مجدداً بتسلطٍ فإنفلتت أعصاب "غسان" حينها ونفذ الصبر الذي كان يتحلى به ، فرفع يديه يمسك ياقة قميصه ثم دفعه بقوةٍ ناحية الحائط ، ملقياً عليه سبات نابية من بينها قوله المنفعل :



_" أنا ساكتلك بقالي كتير يا ناقص انتَ ، تعالالي بقى ناخد حق الكل منك !!!"



وأضاف وهو يحاول أن يوقعه أرضاً تحت محاولة الكل بالفصل وتعالى الصراخ من النساء والتدخل من  "حازم وبسام وحامد" :



_" اعمى أنا عشان أقرب من واحدة شايلة نفس الدم النجـ ـس اللي بيجري في عروق روح أمك يالاا،بتهددني يا بن الـ *** ، اقسم بالله ما هسيبك ولا هسيب كلامك ليا ولمراتي اللي مكملتش حقي منك فيه يا ناقص!!"



حاول"سامر" دفعه من عليه اما هو فكل الضغط الذي به أخرجه الٱن بالضرب على الٱخر ورد فعله بهذه المرة كان مبالغ به من كبته ، كانت"مروة" تحاول سحب شقيقها بخوفٍ من ناحية أخرى ، فمد "غسان" كفه يطبق على خصلاتها مما أثار ذهول "فرح " الواقفه هي و"وسام" والفتيات ، وصرخ بها  بعنف يخرج بما يدخره لها :



_" وانتِ يا بنت الـناقصة بتزقي مراتي وهي حامل عشان توقعيها وتسقط يوم ما قولتي اللي  قولتيـه ، فكراني هسكتلك ومش هعرف يا بنت الـ *** "



الآن كل السبات النابية تخرج منه ، تحت ذهول البعض ، سر وقعة "نيروز", كشف وهي بالفعل من دفعتها يومها ، صرخت"مروة" بألم من  خصلاتها التي تشتد بمسكة الٱخرى وسبته هى الٱخرى كي يبتعد بينما لم يتركها وبتلقائية ازداد البعد سنتيمترات عن "سامر" التي غلت الدماء بعروقه ومن بين دفع "حازم" له وهو يحثه على الدخول استخدم المطفأه ودفعه بسرعةٍ  بذراعه كما دفع "حامد " الذي يحاول فصل "مروة" من بين يدي "غسان" و"بسام " الذي كان يدفع شقيقه ، وركض هذه الخطوات بسرعةٍ حتى ضرب رأس "غسان"بها بعزم ما به و الذي تأوى بألم سريعاً تحت خوف الكل وصراخ "دلال" بخوفٍ شديد :




        
          
                
_" ابــــني!!!!"



ومن بعدها دفعت "نيروز", ذراع كل من "وردة"و"ياسمين"و",جميلة" ودفعت جسد "والدتها" وهي تصرخ بنبرة باكية منصدمة مهرولة ناحيته بهلعٍ:



_" غــــســــان!!!"



ركضت ناحيته بخوفٍ وبهذه اللحظة شعرت بالضياع ، اختفى الكل عداه بنظرتها هي ، وكأنها هي من أخذت هذه الصدمة برأسها ،  بينما هو ، شعر بالدماء تهبط على جبهته وزاغت عينيه حتى بدأ توازنه يختل ، جلست "نيروز" تصرخ على الأرض فخارت قواه وجلس رغماً عنه وارتطم جسده بالأرض بركبتيه حتى أخذته ببكاءٍ بين ذراعيها ، صرخ الكل بأصواتٍ عالية ووقف "سامر" بغير وعي ينظر نحوهم بغير تصديق لما فعله ، والأصوات تمتزج بين البكاء والصراخ ، في حين اندفع "بسام" يركض تجاه "سامر" حتى أوقعه أرضاً وجثى فوقه شاعراً بهلع ضياع شقيقه ، وكأن الشخصيات تبدلت وهو من تطلب يأخذ الحق في هذه اللحظة ، عندما اعتلى الصراخ وكان صراخة هو الأعلى حتى ارتجفت الأجساد بخوفٍ من هذا التحول الصادم:



_" عمـــلت ايــــه!؟؟ عمــــلــت ايه لاخويـــا يا بن الكلـــب؟؟؟ اقسم بعزة جلال الله ما هسيبك من ايدي !!!!"



هابت الأنظار ، وصرخت"نيروز"  وعائلتها تحاول بعدها من هذا المكان ، في حين دفعتهم بعنفوانٍ وصرخت تحرك جسده بين ذراعيها :



_" غســان!!!! بصلي عشان خاطري، انا هنا !!! انا اهوو ، متروحش مني والنبي!!!! بالله عليك بصلي .. بصلي!!!"



سقطت دموع "جميلة " التي وقفت بتشنج تشعر بالضياع ، في حين وقع "حامد" بارادته يشيح بوجهه بعيداً عنه وعن  مظهر الدماء التي أغرقت ملابس الٱخر ، والكل ملتف حول "غسان" الذي قاوم شعوره بأي طريقة ، يحاول التشبت بجسد أحدهم كي ينهض ولكن ، صدمة هذا الدماغ أثرت على حركته وجعلت الرؤية تتشوش أمام عينيه وكل الوجوه تتمثل بوجهها هى الٱن أمام عينيه ، استدعى القوة ولم يجدعها واستدعى النهوض ولم يجد سوى العجز  ، فأطبق بأنامله على كفها الدافئ وهمس بتقطع قبل أن يغشي عليه ببطئٍ شديد:



_" متخافيـ ـش!"



كيف لا تهاب؟ كيف بعد ان ثقلت رأسه على قمة صدرها الذي غرق بالدماء.  دماءه ما ان وجدت هذا الثقل انتفضت تصرخ وحاولت كل منهن بعدها عنه كي يحمله"حازم" مع "بسام " الذي وعى الٱن أنه ترك شقيقه ، نهض بعدما أملى الآخر ضرباً لم يستطع النهوض منه ، حاول حمله مع "حازم" بالهلع أما هي فصرخت تحاول دفعهم :



_" ســيبونــي ، ابعــدوا عني!!! "



وأضافت بألمٍ وبُحت نبرتها من كثرة هذا الصراخ الموجع :



_" عايزه أبقى معاه ، عايزه أشوفه حرام عليكم ..سيبوني!!!!!"



حاولت بعدهم أما هي فلبستها حالة انهيار وعادت تصرخ من سيوقف هذا الصراخ؟ ، ضمتها "سمية " إلى صدرها ، في حين حمله "بسام "  بسرعةٍ وبقوة لا يعلم من أين أتت وبكثرة هذه الدماء ، ركضا به الاثنان ناحية الاسفل حيث المستشفي ،  سقطت "دلال" وأُغشي عليها على عتبة باب شقتها ، فاقتربت "فرح " تراها بخوفٍ مع "عايدة" ،  بينما "حامد" حاول استجماع نفسه من قبل هذا وهبط على السلم ببطئٍ شديد من  تجمد هذه الأعصاب التي تركته !!  




        
          
                
ركضت "جميلة" وأذنيها تلتقط صراخ "نيروز" ،  اقتربت من مرحاض شقتها ، الموجود به حقنة مهدئة ما أن  تعرضت لنفس العقبه التي مضت وهي من جلبته حينها ، اقتربت تفتح الدرج بأيدي ترتجف ..



أحكمت "سمية" مسكها بدموعها التي تهبط  والوضع موجع للكل، أحكمت شقيقتيها من ناحية الآخرى ، حتى انحنت "فريدة" تمسك ساقيها كي تتوقف عن الحركة بعنفٍ مع هذا الصراخ ، إلى ان اعدت "جميلة" الابرة ودستها سريعاً بعروقها بأنفاس لاهثة ووجنتيها  تسيل عليها الدموع !! ..



دقيقتين وتراخت هذه الأعصاب التي لا تستحق كل ذلك ، وسقطت كجسد خاوي لا  يستطيع إعانة نفسه ، وكأنها وقعت نفس وقعته والفرق بأن نزيفها كان من الداخل قهراً ، لم تتوقف عن ذكر اسمه ببطئٍ وعينيها تدور بقوة تقاوم كل هذا لتقترب كي تراه ، ولكنه ليس هنا !! ليس موجود ككل مره ! ليس بأفضل حال كي يجعلها تطمئن ، من دونه كل شئ قاسي عليها ، وحدها تقاوم وتقاوم وتعلم بالنهاية أنها لم تستطيع من غيره ! ، لم تكف عن  إرداف اسمه ببكاءٍ وعينيها تهبط الدموع حتى غفت بعمقٍ ولم تعي بشئٍ من حولها!!



أسندوها على الفراش ووضعت "جميلة"و"ياسمين" الغطاء عليها اما "وردة" فكانت تبكي بأحضان "سمية" وبينهما الصغير يبكي على بكاء والدته وعلى مشهد "نيروز"!!! ، اعتدلت "جميلة" ووقع كل شئ من يديها حتى وضعت كفيها على وجهها وهي تخرج تمزقت شهقاتها حتى جلست بصالة المنزل وقدرتها انعدمت ولم تجد الٱن سوى ذراعي "فريدة" التي قابلتها على الفور هامسة لها كي تغمرها بالٱمان !!!



..
_"فوقي يا ماما عشان خاطري "



قول متأثر شعرت به بالخوف والغربة بهذه  اللحظة حتى واصلت تكمل  بتوسلٍ امتزجه القهر:



_"فوقي عشان نشوف غسان..أنا خايفة أوي يا ماما متسوبنيش!!"



رددت "وسام" كلماتها بتقطع وهي تتمسك بكفي "دلال" بخوفٍ وقدرتها على الاستيعاب بالخطر تكاد تنعدم فقط تهاب وتخاف دون أدنى قدره على المحاولة للتحرك ،  فعلت "فرح" ما يلزم فعله ولكن الآخرى غفت بعمقٍ هي الأخرى بعدما فتحت عينيها تهتف باسم ولدها بخوفٍ ، عدلت "فرح"و"عايدة" من وضعها ، واقتربت "فرح" تحتضن "وسام" ومسحت وجهها كي تستطيع اخراج الكلمات المواسية بثباتٍ ولكن ضاع كل شئ منها وخرج التحشرج والبكاء وهي تحثها :



_" متخافيش... متخافيش يا وسام هيبقوا كويسين والله العظيم!!!"



ان كان هناك عنوان للوجع فحتماً ستكون أسماء هاتين العائلتين ، وبلحظةٍ ضاع كل ما هو مُبهج وانقلب الوضع بخطر شديد ،  وما بين اتهام وضحية كان الحديث وكانت الكلمات.. 



شخص اقدم على مساعدتها فـ ضاع بالمنتصف كما يُضيعه كل مرة ويتعمد الصمود ، وهي ؟ هي التي تضطر على التحمل والصبر لكل هذا ، هذا ما تعايشة الٱن ..قد عايشت هذا من قبل ذلك. ، يوم ان افدى  بنفسه لأجل ابنة عمها كي ينقذها من يد شقيقها ، هذه كانت مره أخرى باختلاف نقاط معينة




        
          
                
حاول أخذ الحق مع المحاولة في الحماية ، وياليته ما وافق على مقابلتها في هذا اليوم ، كل ما كان يهمه كان هىٰ ، والخطر الذي كانت مقبله عليه بتدبير زواج وهي بعدته بل وهي من حقه هو !!, ظل الضغط إلى ان فارقت وما ان فارقت ازداد، حتى محاولته في الهروب ليريح نفسيته قطعها حدث قدوم "حسن" وتدبيرة ، فأصبح عالق بين أمرها وبين الرحيل ، وبالنهاية تم اختيارها واختيار المساعدة ، ويا ليته ما سـاعد!!



____________________________________



انطلقت السيارة بسرعة قياسية والخوف رفيق الكل ، الٱن نزلت دموع "بسام" بخوفٍ بعدما ابتل  بنطاله بدماء شقيقه المستند برأسه وجسده بالكامل عليه لا حول له ولا قوة ، أخذ يدفعه بيديه والٱخر لا حياة لم تناديه أبداً ،  جلس "حامد" في الأمام وعينيه يغمضها بقوة في كل مرة يعجز بها عن النظر فقط يغمض عينيه يذكر أيات قرأنية بعيد عن هذا الواقع الذي شعر به  بالعجز الذي جعل دمعته تسقط ويديه ترتجف كما جسده بالكامل وجزء منه يعنفه بأن ينظر والآخر يعجز بالكامل وليس أصعب من ذلك شعور!!!



ورغم إقترابهم من المستشفي إلى ان من بين كلمات المتوسلة من "بسام" لـ "غسان" الذي كان بعالم ٱخر إلى ان اندفع "بسام" برأسه يصرخ بـ "حازم" بعجالةٍ وشعور الرهبة يتٱكل به :



_" بـــســرعة !!! بــــســرعة يا حـــازم أبوس ايــدك ، هيروح مننا بالدم ده كله !!!!!"



صمت "حازم" يحاول التماسك وزاد من حدة السرعة أكثر ، بينما كفي الآخر رفعهما لمسح وجهه من الدموع والشهقات التي تخرج منه ولم يعي هو بأن دماء شقيقه جعلت وجهه يتلطخ بها بقوةٍ حتى أهبط يديه يمررها على خصلات الٱخر بلهفةٍ ومال يسند جبهته على جبهة "غسان" مردداً ببكاءٍ وخر قلب "حازم"و"حامد" الذي كان يتصارع مع خوفه من الدماء كي لا يلتفت ويضيع بها هو هذه المره :



_" وحياة أغلى حاجة عندك  ما تعمل كده يا غسان ، فوقلي عشان خاطري ، والله العظيم ما هقدر من غيرك !!"



هذه الكلمات تزيد من خوف "حامد" الذي بكى بصوت هذه المرة ، ومشاعره تنهره ، أما الٱخر فهو طبيب ويعلم جيداً مدى خطر هذه الصدمة الكبيرة والشديدة برأس الٱخر بكم هذه الدماء !! متخوفاً من فكرة نزف دماء ٱخرى بخطر ولكن ليست من الخارج بل من الداخل!!!!



خفق قلبه بلوعةٍ وسالت دموعه كصغيرٍ على مشارف فقد شقيقه وتوأم روحه ، مد يديه يحتوى كف "غسان" بين كفيه وأخذ يدلكهما وبين كفيهما الدماء الكافية لشرح مدى صعوبة هذه اللحظات ، شدد "غسان" من ضغطه على كفي شقيقه ببطئٍ وبالتدريج حتى دفعه "بسام " برفقٍ وخوفٍ ، وأهبط رأسه يسمع خفقات قلبه وانتظام أنفاسه !!!



هل ما سمعه صحيح.؟ الأنفاس تتقطع؟؟،  أم أنه يُهيأ له؟؟ ، صرخ مجدداً ولم يعي حينها بأن السيارة قد توقفت من الأساس :




        
          
                
_" بسرعة!!!! بسرعة يا حازم بالله عليك مفيهوش نفس !!!"



هبط "حازم" من السيارة سريعاً وصراخ "بسام " حينها جعل العربة المتنقلة تأتي من على بعدٍ كي تنقل جسد "غسان" الذي حمله "بسام " للخارج مع "حازم" والٱخرين المتخصصين. ، تفحصوة بمهارة وهم يركضون بجانب العربة ناحية الداخل ، في حين اندفع "بسام" يركض خلفهم بسرعة ، ركض وكأنه الٱن يركض بساحة خالية من أي شئ بل وليست لها نهاية ، نهايتها شقيقه وشقيقه حاله غير معروف ، ترك كل شئ خلفه حتى "والده" الذي بكى بصوتٍ وحينها لحقه "حازم" بذراعه يواسيه بعدما لمعت عينيه هو الٱخر واسنده يحاول بكل سرعة اللحاق بالٱخر رغم دقات هاتفه التي لا تتوقف بجيب بنطاله !!!



كيف لمطفأة دائرية متوسطة الحجم أن تفعل كل ذلك بكل هذه الدماء ، كانت ثقيلة تماماً كالثقل الذي بداخله ، وكأن عقله وجسده أعلنوا الاستسلام لهذه الصدمة الذي تلقاها ، ضعف نفسيته بالفترة الأخيرة جعله هش يتظاهر بالعكس بينما بالواقع لايقوى على اي شئ ، ناهيك عن تأثر هذا الدماغ من قبل من بداية وقوع الرف الخشبي بثقله على رأسه يوم شجاره مع شقيقه ثم دفعه من "عارف" بنفس الرأس والمكان ، تلقى دفعات كثيرة بها جعل كل ذلك يؤثر على نزف دماء أنفه بالفترة الأخيرة والتي لا تتوقف عن النزيف كلما يشعر بالضغط!!! ، دفع "سامر" له وهو يركض له من على بعد بٱخر وأشد ما بداخله من قوة جعل الصدمة برأسه بهذة الدفعة قوية وعجز بها عن تحمل أي شئ !!!



وقف ينظر على اللافتة وشقيقه بالداخل ، لا يعلم أكانت حالته خطرة أو سيُنقذ على الفور!!! ،ضياع لم يشعر به من قبل ، أسند رأسه وهبطت دموعه بغزارة للمرة الذي لا يعرف عددها ، يديه  تلتصق أثر الدماء كما ان ملابسه كذلك ، وعقله يُراجع رغماً عنه كل شئ ، كل شئ بينهما ، وكل شجار!! لا لن يصلا إلى هذه الخطورة وكل هذه الدماء بأي شجار قد سبق!!! ، دفع رأسه برفقٍ وأغمض عينيه مشدداً وأذنيه الٱن قد حضرت بصراخها ، صراخها العالي عليه والذي جعله يخرج من حالة الغير وعي عندما كان يبرك فوق الٱخر ليبرحه ضرباً كي يرد الحق!! 



جاء "حازم" و"حامد" الذي أشار له "حازم" بالجلوس وهو يسنده برفقٍ وعلى أذنية يجيب على اتصال "عز" الذي كان يرافقه "ٱدم" واللذان علما المختصر ٱثر مهاتفة "جميلة" لزوجها بخوفٍ !!، كانا بالطريق فقط ينقصهم معرفة أي مستشفي يوجد !، أخبرهم بصوتِ مختنق حتى أغلق الخط ، ووجد "حامد"  يضم رأسه بين كفيه بوجعٍ وعينيه تسيل منها الدموع التي تسقط على الأرض من أمامه وهو يقف أعلى منه يراه جالس بعجزٍ فقط ، شفتيه تتحرك بلهفةٍ وريبة بذكرٍ وتوسل للخالق بأن لا يمس ولده ضرر!!!



_"يــــارب!!!"



هذا القول الذي خرج متمزق بشدة خرج منه هو وهو يرفع رأسه ورغم أنه متمزق إلا أن صوته كان مرتفع بما به الكفاية يعلن حسرته وخوفه لربه كي يشعر به يسمع توسله ، اغمض "بسام" عينيه بعد هذا القول المتوسل ، والدقائق تمر بمثابة سنواتٍ ،  حرك رأسه بتشتتٍ وعينيه الحمراء من كثرة البكاء لمحت جلوس " والده" بكل هذا الإنكسار الذي يظهر  في جلسته العاجزة عن فعل أي شئ سوى الدعاء ،  قاوم "حامد" مشاعره كأبٍ ونهض فأسنده "حازم" بلهفةٍ كي لا يقع ، ولكن أشار له "حامد" بأن يتوقف عن فعل ذلك في حين اندفع "بسام" يقترب وهو ينظر بسكونٍ فتلهف سريعاً عندما وجد "حامد" يستعد للسير بعيد عنهم ! وربما عن هذا المكان ، اتسعت عيني "حازم" في حين اقترب "بسام" على فهم ما هو مقبل عليه لذا سأله رغم شكه الموجع :




        
          
                
_" رايح فين يا بابا!"



تحشرجت نبرته وصوت الهواتف يعتلى ولم يبالي أحد بعد الٱن ، ابتلع "حامد" ريقه وخرجت كلماته بأعجوبةٍ يجيبه قبل ان يسير أكثر:



_" رايح ادور على جامع  أصلي وأقعد فيه ، ولو اخوك فاق وبقى كويس هتعرف تلاقيني يا بسام!"



لم تعد لديه القدرة على الجلوس دون فعل أي شئ ، الٱن بيديه فعل شئ واحد فقط ،  الصلاة والدعاء ، تركه"بسام " بعجزٍ ولم يقدر هو الٱخر على ممانعته في حين صُدم "حازم" من هذا  ولم يفسر أي شئ سوى أنها قوة ، وليس ضعف ، قوة وحب من الله له بهذا الوقت!!!! , ينهره كل شئ من الرحيل وترك ولده هكذا ولكنه يشعر باليقين بأن ما بيديه فعله وما بيدي الأطباء في الداخل ليس شئ أمام قدرة ربه !!! 



هذه الدرجة من الإيمان في هذه الأوقات العصيبة يتمنى أن يصل إليها الكثير دون ان يصلوا لوجع اللحظة بالنسبة له هو وقلبه ينقسم نصفين ، نصف يريد الرحيل ونصف بالفطرة يأبى الرحيل بسبب خوفه على ولده..



ولكن حب الله يتسع له القلب ، وبعد الانقسام لنصفين يصبح قلب واحد لا يتسع إلا لله وحده لا يشاركه في حبه شئ ولا شخص، ربما حينها تتحقق الأماني وتختفي المخاوف ، ليس رُبما ..مؤكد حدوث ذلك حتى وإن كان ليس في الامر نفسه!



رفض الجلوس ووقف بأعصاب مفقدوة وبجانبة "حازم" يشعر بالقلق الشديد ، يرفض هو الٱخر ان لا تسقط دموعه ، بين خوف وقلق ورهبة.. بمرور الوقت جاء بٱخر الطرقة "عز وٱدم" راكضين من النهاية وصولاً لهما ، رمش "بسام" بأهدابهِ عدة مرات إلا ان وجد الاثنان ينهجان بأنفاس مسموعة أمامه سأل "عز" "حازم" عن الوضع في حين لم يتحمل "ٱدم" رؤية ابن عمه هكذا ، بل وصديقة المقرب منه بالفترة الأخيرة، دفعه بين ذراعيه ، وضمه له وسقطت أرقام العمر بينهما واحتواه "ٱدم" الذي تماسك فلمعت عينيه فقط تحملاً وهو يواسيه ، إلى ان تابع "عز" بشفقةٍ مع "حازم", أما الٱخران فـ وكأن الدماء قد شعرت بوجع اللحظة فتوحدت على الألم ولحنه المتمثل بغصتهما المريرة مع قبضة قلوبهما على ثالثهم  المفقود بالنسبة لهما الٱن ، هذا الاحتواء ينقصه لا محال ، ذراعى "ٱدم" بالنسبة لـ "بسام" لا توفي بالغرض ، لم ولن يأخذ مكان شقيقه ومواساته شخص مهما حدث ، ولكن أين هو الٱن وأين ذراعيه الملبيين له بوقت حزنه ..خوفه .. كسرته..حسرته..و قهره!!



وعلى فجأةٍ فتح هذا الباب الحديث وخرج ممرض متلهف يخلع ما عليه مردداً بلهفةٍ سريعة لهم دون إعطاءهم فرصة للسؤال :



_" عايزيـن متبـرع بالدم فصـ..."



اندفع "بسام" بسرعة يرد بلهفةٍ ونفذ صبره بالخوف فقاطعه:



_" أنا ..أنا توأمه ومتماثل ..يعني نفس فصيلة الدم تعالىٰ .. انا جاهز!!!!"



كاد أن يخبره الممرض مرة أخرى فأمسك"بسام"ذراعه بلهفةٍ أشد من السابق وقال يصارحه بخبرة طبيب متفهم لذلك :




        
          
                
_" مبطعاطاش أي حاجة ، أنا سليم ، يلا بس مفيش وقت!"



من يُعجل من ؟؟ ، سار الإثنان معاً ناحية ٱخر الطرقة بينما وقف "عز" والخوف رفيقه على رفيقه أو من اصبح كذلك ، وعقله لا يعي مدى خطورة الوضع كما يرى ، ابتلع ريقه وسأل "حازم" بخوفٍ ظهر في نظرة عينيه:



_" هي الخبطة كانت جامدة أوي كده ؟؟"



_" ياريته كان حدف اللي فإيده يا عز ، ده جه بسرعة من على بعد وجاب ٱخر ما عنده وضربه بغشومية!"



قالها بخوفٍ متذكراً الدماء والمشهد الذي حدث في أقل من ثانية عجز بها الكل عن منعه بسبب ضيق الوقت بفعل هذه الفعله ! ، زفر "عز" بثقلٍ وابتلع ريقه يخرج من جيب بنطاله هاتفه كي يجيب على "جميلة" الواقف على رأسها الٱن الفتيات وبالأخص "وسام" الباكية وبجانبها "ياسمين و وردة وفريدة وفرح" !!!



___________________________________



_" يعني ايه ؟ فاق ولا مفاقش يا عز؟!"



قالتها بخوفٍ أمام الأنظار فأخبرهم على الطرف الأخر أنه إلى آلان بغرفة العمليات او ما شابه بالمسمى! ، لا يوجد قول بعد هذا القول ، أغلق الخط معها ، ونظرت ناحية "وسام" التي انهارت في البكاء ،  بقت "عايدة" في الشقة الأخرى تضطر للجلوس بجانب "دلال" الغافية ، بينما "سمية" ظلت جالسه بداخل غرفة "نيروز" بمقعد أمام فراشها بعدما حاولت ان تبدل ملابسها الغارقة بالدماء من الجز العلوي!!!،  وخرها قلبها علي كل ما توصلت له بحياتها الصعبة ، منذ متى ذاقت الفرحة ؟؟ سألت نفسها وعلمت أن بدون الٱخر لا حياة لابنتها ، ولكن شك ما حدث يعلو بداخلها وقلبها الٱن يهاب مس أي ضرر بـ "غسان" الذي ومهما حدث تعتبره ولدها !!!



وعندما توصلت لاحتمالية ضياعه خفق قلبها وطردت هذا الوسواس بقلب مقهور على ابنتها وعلى "دلال" ، والأشد على ابنتها وما بداخلها منه ، سيذهب ويتركها كذلك ؟ ، سالت دموعها وأذنيها تسمع حديثهم في الخارج عن وضعه بالمستشفىٰ ،بينما الأخرى إلى الٱن حتى وان كانت بعالم ٱخر فلم تكف بين حين وٱخر ان تنادي عليه بلوعة وخوف وكأنه بطلها في هذا الظلام التي تراه الٱن ، من بين كل هذا الظلام لا ترى سوى وجهه والدماء التي تغرق وجهه ورأسه وخصلاته التي دكن لونها أكثر وأكثر ٱثر هذه الدماء ،  همست "نيروز" بإسمه الٱن فازداد بكاء "سمية" عندما أخبرته بهذا الهمس أنها تحمل جنينه فكيف يتركها ؟كيف ينزف الدماء هكذا ؟ وكأنها تلومه على شئ  له يد به !! 



عجزت عن فهم معنى الحديث ولم تعلم حينها ان كانت تقصد الفراق بالانفصال أو الفراق الٱخر وهي لا تعي!! ، ما يؤلم قلبها على ابنتها هي فرحتها أيضاً بحملها وعند حديث الطبيبه عن احتمالية وجود توأم وان الكيس الٱخر لا يظهر بوضوح! او لا يوجد منه بالأساس ،بينما الثاني يتأكد من وجوده،وبالتفاصيل المتطورة كان سيظهر كل ذلك ، وابنتها لم تشاركه هذه الفرحة والسعادة!!



شهقات متتالية منها هى وكأنها تقاوم هذا الخيال كي تهبط على أرض الواقع ، ابتلعت "سمية" ريقها حتى أخذت أنفاسها والتفتت برأسها تنظر فوجدت "ياسمين" تدخل مع الفتيات  ، نظرن عليها بسكونٍ وشفقةٍ وحتى وهي تنتفض الٱن بخفةٍ وخوف وكأنها تشعر به ، وكأن هذا الخيال بمثابة واقع !!

هل كان  على وشك الضياع ؟ الفقد ؟ الساعات تمر  والأنفاس تُسرق ،  وبين ساعة والآخرى لا يوجد سوى قلق وخوف ، خرج الأطباء أكثر من مرة  ليخبروه عن حالته وهم بالداخل يحاولون انقاذ الوضع ، وعلى ناحية ٱخرى يقفون بالخارج ينتظرون ،  كلمات الأطباء لم تطمئنهم أبداً ولم يجد بها أي منهم شئ يهم أو يشرح هذا الحال المعقد!!!..



أخرج "بسام" أنفاسه وشعر بالهبوط هو الٱخر ،سُحبت منه الدماء ولم يضع شئ بفمه منذ وقتها ، جاء "عز" من الخارج حاملاً كيس به طعام وعصائر له ، واقترب يحثه برفقٍ كي يجلس:



_" اقعد يا بسام ارتاح  , كُلك لُقمة واشرب العصير ده عشان متقعش من طولك..انت مسحوب منك دم مهما كان برضو ..متستهونش بـ ده !"



رفض ودار وجهه  ناحية باب الغرفة وقال بأعين لامعه وصوت مُنهك :



_" مش عايز حاجة ،  مش هاخد حاجة غير لما اخويا يفوق ويبقي كويس!"



نظر  "عز"نحو هذا الإصرار بيأسٍ ، فحثه "ٱدم" بعد إشارة"عز" له :



_" كُل واشرب بس أي حاجة يا "بسام" عشان متقعش من طولك ، محدش هيستحمل تكونوا انتوا الاتنين ، اسمع الكلام !"



رفض رغم شعورة بالانهاك ،وسقطت دمعته كطفل تاه من عائلته رغم معرفة الطريق ولكن الٱن هناك شئ هناك نصف ٱخر يفتقده :



_" أنا عايز أخويا وبس يا ٱدم ومش عايز  حاجة تاني!"



تألم لأجله بلحظة صمت ، حيث ابتلع ريقه بقلة حيلة عن ما يمكنه فعله ، وقف "حازم " يجيب على اتصال"سمية وياسمين" في حين انتظروا بنفس الحال إلى أن تلهف الكل بسرعةٍ ما ان خرج أحد الأطباء يخلع قفازه متنفساً بصوتٍ متوسط في العلو  وحينها تلهف "بسام " يسأله سريعاً :

_" طمني يا دكتور ، ايه الجديد ، بقا كويس صح؟؟؟؟"



يتمني الجواب بنعمٍ ، أخذ الطبيب أنفاسه وربت على كتف "بسام " موزعاً نظراته بينهم جميعاً ثم قال بتفسيرٍ :



_" الخبطة كانت شديدة للأسف، احنا عملنا اللي علينا وانا عرفت ان حضرتك دكتور فأكيد هتبقى عارف ان الخبطة الشديدة في الدماغ  ممكن تسبب التلف  أو حدوث سكتة دماغية أو جلطات دموية  وممكن ربنا ينجده ويطلع منها بصداع شديد بس هيستمر لفتره عوضاً عن كل ده فاللي هيوضح كل ده الاشعة اللي اتعملت ولازم يفوق عشان في واحدة تانية لازم تتعمل  ، لكن هو لسه مفاقش دلوقتي لأنه واخد مخدر عشان الجرح اتخيط وفي محاليل بسبب الدم !"



ابتلع ريقه بصعوبةٍ وهو يستمع إليه ، وخفق قلبه خوفاً عليه والانتظار أقسى ما يكون الٱن ، حادث شقيقته يتكرر أمام عينيه ، والٱن تلقى ما تلقته هي على يد أشخاص تجمعهم صلة قرابة ببعضهما وبينهما الدناءة التي لا تنتهي أبدًا ، دعى ربه أن تكون هذه النهاية مثل نهاية شقيقته بعدم حدوث شئ !!



وجلس بخواءٍ على المقعد وسانده "عز"و"حازم" بينما وقف "ٱدم" بحسرةٍ على كل هذا ، أذان المغرب قد سمعه الٱن ولم يقوى حتى على النهوض للرحيل ناحية مسجد ما !! ، بل نهض بمساعدتهم يبحث كل منهم عن مرحاض عام للوضوء ثم للصلاة بأي ركن في هذا المكان على القبلة الصحيحة وربما هناك من سيقف أمام بهذا الوقت كي يتولى أمر الدعاء الذي لا حيلة لهم إلا به!!!



____________________________________________



تحركت بتلقائية في نومتها هذه والكل يترقب لموعد نهوضها ووعيها مرة أخرى بخوفٍ شديد منهم ، كانت "سمية" جالسة على طرف الفراش تمرر يديها على جسد "نيروز" برفقٍ وخلفها "جميلة" و"ياسمين" ، وبقت "وردة" في الخارج مع "فريدة" وصغيرها ، وبالشقة الأخرى ذهبت "فرح" كي تظل مع "وسام" ووالدتها التي تبكي قهراً الآن بعجزٍ وهي مسطحه على الفراش بعدما هربت منها أعصابها ، فقط تحاول مهاتفة "بسام" بايدي ترتجف  ورقم "حامد" المغلق هو الٱخر ، وبين الشقتين بين الحين والٱخر تطمئن "عايدة", هنا وهناك !!!



بينما "نيروز" ضمت عينيها أمام  متابعتهم هذه بترقبٍ ، وهمست تنادي بإسمه مجدداً إلى ان فتحت عينيها ٱخيراً تحاول استيعاب ما حدث ، حركت عينيها بتشوشٍ ونظرت لهن حتى لـ "والدتها" التي تتابع بقلقٍ وحسرة وعلى فجأة كأنه وعت الآن فإنتفضت بسرعةٍ تردد باسمه بإرتفاع :



_" غسان!!!!"



اقتربت منها الفتيات حتى من دخل من الخارج لهن ، في حين بكت بإنهيارٍ تحاول النهوض وهي تسأل عنه بلهفةٍ :




        
          
                
_" غسان ..غسان فين يا ماما ، حصله ايه؟؟؟ ردي عليا!!!!!"



صمتت "سُمية" بعجز ولمعت عينيها بالدموع أما "نيروز" فإستفهمت بعينيها لهن ولم تجيبها أي منهن ، فنهضت مسرعة تسألهم بتقطعٍ مرة أخرى امتزج بالتوسل في الرد :



_"جراله ايه؟؟؟ ردي عليا يا ماما ، انتِ مش بتردي ليه ، هي مش بترد ليه يا وردة ؟!"



وواصلت تسأل بترقبٍ عكس دموعها التي تسقط منها بخوفٍ :



_"مبتردوش عليا ليه يا ياسمين ؟؟!"



وزعت نظراتها ببكاءٍ واقتربت من "جميلة" بوجعٍ تسألها بخوفٍ ورهبةٍ :



_" هو كويس صح؟؟؟ صح يا جميلة ؟؟؟ كويس وهناك عند عمو حامد صح؟؟ جاوبيني عشان خاطري!!"



الٱن هي من حاصرتهم ان اماءوا بنعمٍ سيتدهور وضعها وان لم يكن هناك رد سترحل بنفسها ، تعلم بأن وضعه خطر وتحاول محو وانكار ذلك بكل خوف ولهفة ،  تركتهم مسرعة في الركض ناحية الخارج غير عابئة بمناداتهم ، وقد علمن الٱن بأنها ستعلم لا محال  ، تعصرت قدمها فسقطت وحمت نفسها سريعاً قبل أن تسقط بقوة وتحاملت تفتح باب الشقة  وما ان خرجت كي تلتفت لترفع يديها على الباب تدقه نظرت نحو  دماءه على الأرض ، انصعقت وكأنها أول مره  ترى هذا  ، ..هذا المنظر يهئ لها الكثير!! وضعت يديها على أذنها بنفيٍ ونفت بإنهيارٍ صارخ بقوة :



_" لأا ، لأ !!!!!"



تجمعت الفتيات حولها ومعهم "سمية" التي حاولت ضمها في أحضانها وهي تحرك رأسها بلهفةٍ فـ فتح باب شقة "حامد" التي خرجت منه "فرح" بفزع مع "وسام" التي انتفضت "نيروز" تمسك كتفيها بريبةٍ وسألتها بهلعٍ منهار :



_" غسان كويس ، مش كده ؟؟ مش كده يا وسام؟؟؟"



نفت "وسام " برأسها والتي علمت ٱخر الاخبار ولم تخبر "دلال" المسطحه على الفراش بالداخل ، نفت وأخبرتها بما جعلها  تنصعق أكثر :



_" غسان فالمستشفى يا نيروز !"



نظرت عقب ذلك على الدماء ، نفت بلهفة ودفعت "وسام " بفزعٍ ، حتى التفتت تنظر لهن :



_" انا  لازم أروحله ، لازم!!!"



واضافت وهي تركض ناحية السُلم بهذه الهيئة :



_" مش هسيبه ، مش هقدر !!!"



أحكمت "ياسمين" و"فريدة" مسك ذراعيها برفضٍ ، أقوى ردات فعل منهما بينما البقية عجزا من وجع هذا المشهد ، فُتح المصعد أمام هذا البكاء وظهر "شادي" الذي جاء بسرعة منذ ان اخبرته "وسام" بالهاتف ولم يفهم شئ ، خرج بفزعٍ عندما سمع صوت صراخ "نيروز" وكانت بجانبه "منة" التي ركضت ترى "نيروز" بينما هرول "شادي" يفهم من "وسام" المختصر بخوفٍ حينها أخبرته ، تزامناً مع سحبهن لـ "نيروز" التي صرخت كي يتركوها وتطلب منهم دقائق كثيرة كي تدخل وأبت عن ذلك ، أمام "شادي" الذي انتفض بقفزةٍ تلقائية برهبةٍ لرؤية الدماء أسفل حذاءه، سارت القشعريرة بجسده وهو يسمع حديث "وسام" الباكي ،  الٱن لا وقت للصدمات ، سألها عن اسم المستشفي وأخبرته بنبرةٍ باكية ، إلى ان ركض ناحية المصعد حينها انتبه لعقبة صراخها هكذا وهي تحمل برحمها صغير صديقه!!!  اتسعت عينيه وهو يحاول دفع الفتيات عنها برفقٍ مردداً بخوفٍ :




        
          
                
_" اهدي ..اهدي.."



نظرت وهذه المرة كان صراخها بوعىٍ منها كي يتركوها. ، جاب عقلها هرولته فرددت له بنبرةٍ باكية وهي تتوسله متعمقة النظر بعدستيه :



_"  عايزة اشوفه لو بتحبه خدني معاك والنبي!!!"



لمعت عينيه قهراً على حال صديقه الذي لم يرى راحة بكل ذلك ، ولايعلم كيف وافق بحركة رأسه فرفضن الكل إلا هو عندما وقف ينظر ناحية "سمية " ونبس بنبرةٍ هادئة :



_" متخافيش عليها ، يمكن لما تكون هناك جنبه تبقى أهدى!"



وجدها فكرة أفضل من بقاءها وسقوط جنينها من هذا الانهيار ، وقفت "سمية" بضياعٍ في حين هرولت "جميلة " مع"ياسمين" يلتقطان العباءة الخاصة بها وحجاب رأسها ، حتى جعلوها ترتديهما برفقٍ أما هي فلم ترى أي شئ سوى مشهده وهو بين ذراعيها ،   التفت يضغط على المصعد لأجلها حتى فتح وود لو يركص بعجالةٍ ولكنها من فرضت عليه هذا البطئ حتى سقطت دمعته دون أن يشعر ،  تلهفت "منة" تمسح وجهه حتى هو لم يعي لها وهي تحثه على القوة ، بل أسندت "نيروز" هي هذه المرة ودخلت لترحل معهم حتى لا تتركه هكذا ولا تترك الآخرى أيضاً بهذة الحالة!!..



فوقفت "وسام" بجسد متصلب جعلها تعجز عن الهرولة لارتداء ملابسها كي ترحل معه ، بل اسندتها "فرح"  إلى الدخل وعادت كل منهن إلى مكانها مجدداً والقلق يتٱكل وينهش بقلب "سمية" ومن الجهة الأخرى "دلال"!!!



____________________________________________



انتهوا وجلسوا وقسوة الإنتظار ترافقهم!! ، كل ومل من ان تهبط دموعه بغزارةٍ وللمرة الذي لا يعرف عددها شعر بأنه صغير لا يتخطى الأربعة أعوام، صغير ليس بيديه فعل شئ سوى البكاء ، وكأنه يدرك بهذا الحجم من العقل أن البكاء قادر على حل كل شئ ، قادر على إرجاع ما فُقد ، أو قادر على جلب السكينة وزوال الشقاء ، ياليته يغعل كل هذا ، ولكنه بهذة اللحظة صغير لا يفقه أي شئ ، لا يعلم من أين يفترض ان يحدث عكس ذلك ..والافتراض معروف جوابه ، حين دعى "عز" في الصلاة!



جسدة ينتفض بين الحين والٱخر وكأن مدركات الإحساس تشعر ببعضها معه ومع نصفه الٱخر بالداخل ، في الصباح أراد أن يعانق شقيقه بسبب هذه الغصة المريرة الذي لا يعلم سببها ، خمنها اليوم بأنه خوف من رفض "فرح" ولكنه عاد يفكر بأنه الٱن التوأم الأكثر شعوراً بالٱخر وعن الٱخر 



الٱخر؟ وهل يشعر الٱخر الٱن بشئ؟؟ أنفاسه تُسلب وهذا العقل يتعارك معه الٱن في الأحلام ، أحلام بمثابة حقيقة والأحداث تتداخل منذ أن جاء ورافقها  في العمل إلى اعترافه لها عند منزل صديق عمره وأيامه  ، إلى عقد القران ثم ليلة الزفاف ويومه بالكامل ، إلى كلماتها المعهودة التي تخفق قلبه في الخفاء معلناً عكس ذلك في العلن، إلى يوم حادث شقيقته ، ثم رغبتها في الطلاق  قبل ان يتزوجها حينها ، تأتي الأحداث بعدم ترتيبها حتى أنه جاء الٱن معه ذهابها إلى المقابر وشجارهما الموجع ثم الطلاق بالفعل..




        
          
                
وبعد كل هذا تداخلت معه الأحداث وأخبرته أنها تحمل برحمها صغير منه هو ، تسارعت دقات قلبه وضاعت أنفاسه ثم عادت ، ربما من السعادة بما يراه الٱن ، ضم عينيه بشدةٍ موجعة وخرج صوته المبحوح يناديها ، يناديها وسط أحلامه الواقعية ! ، ومن حوله يترقبون ، وهلل الممرض يهتف بسرعةٍ في الداخل بقلقٍ وتخمين:



_" هو دا مؤشر كويس إنه هيفوق ، كده مش هيدخل في غيبوبة؟!!"



حرك الٱخر كتفية بجهلٍ فلربما يحدث ذلك أو العكس وسيظل هكذا ، كان يحرك أنامله فقط وعينيه  تشدد من ضمها فنظر الطبيب في الأشعة بين يديه وقارب على فهم ما يحدث ،  ترقب الأطباء عندما فتح "غسان" عينيه  ورمش بأهدابه عدة مرات ينظر نحو سقف هذه الغرفة المجهولة بالنسبة له ،  حرك عينيه يميناً ويساراً ، فأشار أحدهم يلوح أمام عينيه كي يتأكد من أنه يرى وبالفعل تحركت عيني "غسان" له وحرك جسده بتعبٍ وعينيه تدور مرة أخرى ،حرك ذراعه بغرابةٍ هادئة ، وكل جسدة بخير عدا رأسه لذا حاول التحرك فأسندوه ليتسطح وإزالوا ما على وجهه من قبل بسبب انتظام أنفاسه ودقات قلبه ، فقط يشعر الٱن بأن رأسه ملتفه بشئٍ وبمنتصفها كان الجرح الذي خُيط ، نادى بإسم شقيقه بوعيٍ الٱن وأسند رأسه على الوسادة بوجعٍ وتاهت منه الأحداث لثوانٍ فقط بهذا التعب الشديد!!



في حين بأن في الخارج جاء "شادي" راكضاً بأقصى سرعة لهم وفي الخلف أسندت "منة" ، "نيروز" التي  كانت تبكي إلى ان وصلت وهي ترى "شادي" يعانق "بسام" ، تركت هى "منة" وتوقفت تسأل "حازم" عنه بلهفةٍ :



_" هو بقا كويس يا حازم؟! بقا كويس صح؟؟"



وكأن لا يوجد على لسانها سوى هذا السؤال التي لم ولن تقبل بإجابة الرفض أبداً ، جاراها "حازم " وهو يؤكد لها كي تهدأ وأسندها كي تجلس على المقعد جلست بخواءٍ وهي تبحث عنه بعينيها بلهفةٍ إلى ان وجدت وجه "بسام" ، حينها بكت وهي تنظر ،على الرغم من انها تعلم بأنه ليس هو إلا أنها ظلت تنظر تحاول ان تجبر هذا العقل الذي لا يطاوعها بأنه هو !



حركت رأسها نفياً لهذا الصوت وهذه الافكار وجلست تنتظر لا حول لها ولا قوة وبجانبها "منة" ، وضعت "نيروز" يديها على معدتها تلقائياً وشهقت بصوتٍ عالٍ والضياع رفيقها وبجانبها الأخرى تواسيها ، وكأن الٱخر يدرك الٱن مدى قسوة النتائج ، عندما وجد زوجة شقيقه أو التي كانت !! ، تضع يديها على حملها بتشبتٍ وهي تنفي برأسها ، ابتلع "بسام" ريقه بخوفٍ من التخيلات التي تأتي بعقله ، وانتفض سريعاً ما ان وجد أحدهم يخرج ، اقتربت الشباب منه ثم هي عندما انتفضت بسرعة تسمع قول الطبيب :




        
          
                
_" الحمد لله هو يعتبر فاق ولكن لسه محتاج يتابع أكتر لأنه معرض يدخل في غيبوبة ، فهيتنقل دلوقتي لأوضه تانية ، لحد ما يفوق خالص ..ولحد ما نتيجة الاشعة تطلع ! عن إذنكم !"



لا يعلم أيسعد أم يحزن ، ولكن عند أول القول تلهف وحرك رأسه فوجد نفسه بين ذراعي الشباب يطمئنوه ، اما هي تركزت عينيها بلهفةٍ علي الباب ، عندما  فُتح الٱن  وخرج منه على فراش متحرك بسرعة ومعه  بعض الممرضات ،  تلهفت تقترب بسرعة معهم ولكنه كان بعالم ٱخر ، تمسكت بكفه وهي تنحنى تتوسل له ببكاءٍ ، ثم تمسكت به بكف والٱخر وضعته على معدتها وصرحت له  ببكاءٍ لا تريد حتى تركه:



_" متسيبناش يا غسان ، متسيبناش عشان خاطري، فوق وبصلي ..أنا مش هقدر من غيرك !"



أحكمت مسكها "منة" ومن جهة أخرى "حازم" الذي لمعت عينيه من هذا الإصرار الذي بها  رافضة ترك كفه الذي تمسك هو به وكأنه كلما يصبح على حافة الاندماج بالعالم الٱخر تأتي هي وتنقذه ، وبين واقع وخيال يتأرجح هو!



غيبوبة؟! الأمر معقد ولكن طريقة القول لا تعني بأنه سيقبل عليها ؟ هكذا أقنع نفسه وداخله  يتٱكل بالألم ، إنهارت قواها وجلست وهي تنفي برأسها بحسرةٍ تتمتم بينها وبين نفسها أو هي من اعتقدت أنها وحدها من تسمع كلماتها  المتألمة هذه:



_"ميفعش تمشي وتسيبني ، مينفعش تبعد..احنا لسه مشوفناش ولادنا !!!"



وكأنه أمامها الٱن يستمع ، ولكنها وحدها يرافقها الوجع ومشهد الدماء!، خرج طبيب ٱخر يعرف "بسام" على مستوى شخصي ، خرج من الغرفة واقترب من "بسام" يخبره بهدوءٍ :



_" عايز حضرتك تجمد كدة ، إن شاء الله هيكون كويس بس الساعات دي تعدي على خير ..وكنت عايزك لو تعرف مين فيروز اللي بينادي عليها يستحسن تيجي تتكلم جنبه ..واضح قد ايه هي شخص مهم ومن جهة تانية قبل ما العقل يرفض الواقع وبين التردد ده لو تقعد تتكلم جنبه دا هيساعد أكتر انه يركز ويفوق  لو مفاقش هو بعد شوية !!"



حركوا عينهم تجاه "نيروز" الجالسة ببكاءٍ ، حرك "بسام" رأسه وقد رأي ان حديثه عملي أكثر! ، لذا ابتلع ريقه وقرر هو الإقتراب هذه المرة فنظرت ناحيته بسكون وهتفت بنبرة متقطعة :



_" مش هيسيبني ..مش هيسيبني صح ؟؟"



هاجس الخوف من الفراق يداهمها الٱن ، على مشارف الدخول بحالة لم تلبسها منذ سنوات ، ابتلع ريقه بلهفةٍ وانحنى يستند على ساقية أمامها وقال يحثها مثل الصغيرة :



_"مش هيسيبك يا نيروز ..متخافيش مش هيحصل..انتِ سامعاني صح؟؟ انتِ عارفة انا بقول ايه ؟؟ عارفة أنا مين؟"




        
          
                
تجمعت الدموع بعينيها مجدداً وتاهت وهي تومأ له ، فاعتدل أكثر يحثها برفقٍ بعدما تأكد من وعيها:



_"طب بصي ..بعد شوية هندخلك ليه تشوفيه بس بلاش تعيطي ماشي؟؟.. إحنا عايزينك بس تتكلمي معاه كأنه سامعك عشان يفوق أسرع قبل ما يحصل حاجة ، موافقة ؟؟؟"



تحركت رأسها بالموافقة بسرعة وابتلعت ريقها تردد بنعمٍ ، فقصد حينها أن يظهر ابتسامته وطمئنها بقوله أمام النظرات:



_" مش هيسبيبك ولا هيسيب ابنكم كمان ، هيفوق..بس امسحي دموعك يلا وخليكي قوية هو مببحبش يشوفك كدة ، .بلاش تعيطي ..ماشي؟؟"



هون عليها ووافقت بخواءٍ من الداخل ولهفة في الظاهر ، لهفة أخبرته أنها هشة ضعيفة ليس لديها قدرة لتحمل أي أذىٰ ، حتى وإن كانت تعلم بأنه يعاملها كمن تختل عقلياً ولكنها تنتظر ، تنتظر وفقط !! وتتمسك بأي أمل، تتمسك بأي ملامح مشابهه بأي شئ يخبرها بأنه هنا وبخير !!



أغمض"بسام" عينيه بإنهاكٍ بعدما وقف ونظر بٱخر هذه الطرقة فوجد "وسام" تركض وبجانبها "فرح" وخلفهما "جميلة و فريدة" وأحداهما تحمل بيدها كيس به ملابس ، نظر حوله فوجد أن "عز" قد اختفى قبل دقائق . واتضح بأنه هبط ينتظرهم بعدما أصروا على القدوم ! .. ركض يقابل شقيقته التي ركضت هي الأخرى له وعانق الاثنان بعضهما ببكاءٍ في وسط الطُرقة، وخر قلوب من يقف الٱن ويتابعهم ، حتى "فرح" التي تلهفت لتراه كي تسانده ولو بمجرد كلمات وحروف!! ، بالتأكيد لها معني لديه هو ،  احتوى "عز جميلة" برفقٍ وإقتربت "فريدة" تقف بجانب "ٱدم" الذي شملها بعينيه اللامعة ووقف بجانب آخر بعيد عنهم .. بل وأخذ نفسه يسير إلى نهاية لا يعلمها وهي من سارت خلفه الٱن ، هو من يرى ان لا يصح ان تهبط دموعه أمامها ، ولكنه عندما رٱها ضعف أكثر وكأن حضورها يكشف ما بداخله من اختناق يريد البوح به ، ابتلع ريقه ووقف يلتفت برأسه وسألها بتعلثمٍ :



_" جاية ورايا ليه ؟"



إستمر في السير إلى ان هبط على السُلم يجلس على إحدي درجاته ، رأته يجلس عكس وقوفها وظهره موجه لها الٱن فهبطت بعض درجات معينة ووقفت أمامه  تنظر بسكون ، وكل قدرتها على الاحتواء تبخرت من قبل بسبب ما حدث لها وكل موقف يتطلب منها به احتواء تصارع نفسها إلى أن يظهر كما ظهر الٱن ..



_" ممكن ترفع راسك وتبصلي؟"



تجاهل "ٱدم" قولها وضم رأسه بين كفيه بإنهاكٍ ولمعت عينيه فتجرأت تفعل ما فعلته الٱن عند دفعت رأسه برفقٍ أمام عينيها فنظر لها بأعين فاضت من كتم الدموع فسالت دمعته تزامناً مع قولها المتحشرج :




        
          
                
_" اللي عينيهم حلوة مينفعش يكتموا عياطهم برضو !"



تأثر من هذا القول فتحركت "فريدة", تجلس بجانبه وحثته بحزنٍ :



_"عيط يا ٱدم ، أنا كمان عايزه أعيط.. تعالى نعيط يمكن نرتاح !"



ابتلع الغصة المريرة بحلقه وصارحها وهو ينظر  داخل عدستيها:



_" مش عارف أخلي بالي يرتاح ، ومش مقتنع إني متأثر كل ده عليه ..انتِ متعرفيش احنا مكناش بنطيق بعض ازاي ..بس بسرعة قلب هو ده زي ما بيقلب كل حاجة وساعدني أشوفه زي بدر من غير ما أحس!!"



تقطعت أنفاسه وأنصتت له بوجعٍ وعلمت أن دمعته فرت بسبب تراكمات كثيرة والٱن هذه العقبة من أوقعت هذا الجبل ! ، قررت الانصات أكثر وهذه اللحظة بمثابة شئ كبير معه وله والٱن وهي تلبي الاحتواء بأسهل طريقة عليه وله هو وحده !!



وعلى بُعد قرر "عز" الابتعاد بـ "جميلة" كي لا يتأفف أحدهم من الازدحام ، وجلس على استراحة بعيده معها ..وجلست"وسام" تضم "نيروز" ناحيتها وهي تربت عليها بين الحين والٱخر ، في حين وقفت "فرح" بترددٍ واقتربت في خطواتها أكثر حتى حرك عينيه لها بصمتٍ والنظرة التي كانت تعهدها منه تبخرت وعلمت حينها أن شقيقه بمثابة شئ كبير كي يصبح هكذا ..



_" ممكن يكون كلامي بايخ أو مش مسموع ومش مهم ، بس انا عايزة أقولك إنه هيبقى كويس ..انت بس تفائل بـ ده، تفائل بالخير عشان ربنا بيحب كدة يا بسام!"



نظر لخاصتها وقربها بمساندته يمثل له الكثير ، الٱن يغمره القليل من الراحة نصف ٱخر بجانبه ولكنه يفتقد النصف الحقيقي! ، ابتلع ريقه وخرجت الكلمات بصعوبةٍ عندما قال :



_" ونعم بالله !"



هذا القول المختصر شكل لها دافع للاقتراب أكثر كي تحثه :



_" طب ..ممكن تقعد ترتاح ؟ علشان شكلك مرهق!"



تدقق في التفاصيل ؟ ، وبخفةٍ أشارت له على المقعد فجلس ببطئٍ ورفع يديه يمررها على خصلاته بتعبٍ ، وجدها تجلس بجانبه وإلتقطت الكيس من يد "حازم" الذي أشار لها ففهمت ، أخرجت عُلبة العصير وفتحتها برفقٍ ومدت يديها تحثه مجدداً :



_" ممكن تشرب عشان مينفعش متشربش ولا تاكل بعد ما اتسحب منك دم ؟"



نفى ورفض وهو يحرك رأسه بمكان ٱخر :



_" مش عايز يا فرح"



توزعت عينيها بحرجٍ عليهم ولأنها تفهم مدى خطورة ما يفعله إلا أنها حركت رأسها. تخبره:




        
          
                
_" انت دكتور وفاهم كويس ان اللي بتعمله ده غلط ، اشرب ولو حاجة بسيطة بس ،  صدقني مش هيبقي كويس ابداً لو وقعت فجأة ، ممكن تاخد من ايدي بقا ؟"



مدت يديها أكثر  تقاوم هذا الحرج ، صمت ولم يستجيب ، فخرجت عفويتها بجديةٍ غير قاصدة قولها :



_"طب بصلي هشربك  أنا يلا !''



اتسعت عينيها ما ان وعت لما قالته بتلقائية من هذا الإصرار احمرت وجنتيها اما هو فإكتفى ببسمة صغيرة عليها متفهماً ما حدث كادت أن تتعلثم في الحديث لتبرر وتحثه بنفس الوقت ولكنه حرك عينيه بتفهمٍ ونظر ناحية يديها المرتجفة فأراد إنقاذ الوضع والتقطه من بين يديها ، وتلقائياً وقعت عينيه على محتوى العلبة فوجده المشروب المفضل لشقيقه ، لمعت عينيه مجدداً وكأن كل شئ يراه هو به ،. أخرج أنفاسه بصوتٍ وابتسم بوجعٍ حتى رفع رأسه متمسكاً به بشدةٍ وقال يصارحها بما جعلها تشفق:



_" غسان بيحب الطعم ده أوي.. انا هسيبه معايا عشان لما يفوق يشربه من ايدي!"



دارت "فرح"وجهها سريعاً من تأثرها بهذه الكلمات البسيطة .. لم تكن بسيطة لديه أبداً ، وعى أنه ينتظر بالمكان الخطأ ولكن الزياره هناك ممنوعة ، إلا لظروف خاصة مثلما ستفعل الأخرى ،  أمسكت أحد الأكياس ونهضت تحثه بخجل :



_" جبنالك لبس عشان تغير من الدم ، روح أي حمام غيرهم واغسل وشك عشان تفوق أكتر .. اتفضل!"



رفع عينيه ناحيتها فوجدها تنظر له بابتسامة هادئة ووجنتيها حمراء منذ ان قالت قولها العفوي قبل قليل ، التقطها بإمتنان منها ونهض ينظر نحو شقيقته و"نيروز" وتنفس بعمقٍ يوافق قولها ،و سار بعدما توقف يشكرها :



_" شكراً يا فرح "



نظرت له ببساطةٍ هادئة تعني بها بأنها لم تفعل شئ ، واقتربت من" نيروز " تمرر يديها على رأسها برفقٍ مواسية اياها بالنظرات وبعض الهمسات مع "وسام" التي توجب عليها الصمود ، وعلى الرغم من انها تهاب المستشفيات إلا أنها تقاوم وتصارع الٱن لأجله! ، جاءت ممرضة من على بُعدٍ تقف فإقترب "حازم" ينظر بتساؤل إلى ان أخبرته هي قائلة :



_"حالته يعتبر مستقرة إلى حدٍ ما بس عشان  نساعد على ده أكتر،  عايزين اللي مطلوبة لزيارته لتنشيط تركيزه ، بس هي لوحدها بس لو سمحتم!"



أشار"حازم" لـ "نيروز" فنهضت بلهفةٍ تسير بجانبها ، وجلست "فرح"  بجانب "وسام", ووقف "حازم " ينتظر بخوفٍ برع في إخفاءه كونه يخفي ويتحمل دائماً -مُجبراً-!!!.




        
          
                
_________________________________



‏«أسميتك من جهلي 
وطناً،
ونسيتُ أن الأوطان 
تُسلب.»-محمود درويش-



شعرت الٱن بأنه يُسلب منها بالتدريج والٱن هي العاجزة !! ، وقفت أمام  الغرفة بأنفاس مسموعة وفتحتها الممرضة ، فدخلت "نيروز" وأُغلق الباب تحت ترقب طبيب وبعض الممرضات في الخارج ،  سارت بُخطى غريبة ، وجلست تحاول حبس الدموع ،  ابتلعت ريقها بخوفٍ وخفق قلبها بقوه !! رؤيته كذلك أصعب شئ لها ،.  الٱن هو يعي بالفعل وعينيه مغمضة لا يقوى على فعلها وفتحها من كثرة هذا التشوش وألم الرأس ، انتظمت أنفاسه ونادت هى عليه قائلة برهبةٍ وكأنها تستنجد به من ريبة وحدتها من دونه :



_" غسان !!"



ثم من بعدها مدت يديها تمسك كفه بتشبتٍ ، ومجرد ما ان سمع الصوت عامةً ترقب قبل أن  يحدد من هو ، بالفعل يسمع ، يسمع ولكن من عزم الوجع لم يكررها ويفتح عينيه مجدداً ، تنفس وشدد من مسكة يديها ، فتلهفت بإبتسامة وعلمت بأنه يعي لذا عقب هذه الابتسامة تمسكت بكفه أكثر وترجته قائلة بنبرة باكية :



_" فتح عينك عشان خاطري ..بصلي..أنا هنا ..أنا جنبك ، مش همشي من غيرك !!!'"



ابتلعت "نيروز" ريقها وسمعته يئن بألمٍ فواصلت بإندماج متعب :



_"مش هعرف أمشي ألا بيك ، ومش هقدر أعيش من غيرك.. انت معاك حق ..أنا كدابة ..كدابة أوي  واللهِ!!!''



أسندت رأسها وهي تنحني على طرف الفراش وبكت وهي تسرد ولم تترك كفه الذي بين يديها:



_"كدبت لما عرفت اني  اقدر ابعد عنك ، والله العظيم ما عرفت ، انت عملت فيا ايه؟؟ خلتني اتعلق بيك ازاي ؟؟ وأنا كنت خايفة اوي لـ اقع في نفس الوجع من تاني، بس انت وعدتني.. وعدتني انك مش هتمشي زيه وتسيبني..!!"



وواصلت تكمل دون إعطاء الفرصة لنفسها بل الٱن تجهش في البكاء وهي تكمل له ما تكنه بصدق :



_"انا عارفة انك قد الوعد ، حتى بعد ما طلقتني برضو فضلت ضامناك زي ما بتقول بس غصب عني والله العظيم ، ضمنتك عشان  بحبك ومش قادرة اصدق ان ممكن  نبعد..حتى بعد ما رفضتني..المرة دي كنت ناوية ابعد وأقطع أي أمل بعد الرفض ده ، المرادي اتوجعت أوي منك بس عرفت اني واجعاك.. "



يصارع من جهة ليطمئنها وهي تصارع لفعل أي شئ بيديها فعله ، حركت رأسها واقتربت تضع كفه على معدتها  وقالت ببكاءٍ ٱخر ليفعل ما بوسعه كي ينهض:



_"مينفعش تمشي وتسيب ده.. مش من حقك يا غسان، أرجوك ماتسيبناش ، متسيبش  ابني من غير أب ، انا مش هقدر على ده ولا اللي في بطني هيقدر "




        
          
                
وأضافت بمرارة وجع الفقد التي جربته من قبل وإلى الٱن تعاني منه :



_"الحياة من غير أب وحشة أوي ، وانت كنت ابويا اللي محدش عرف ياخد مكانة أرجوك متوجعنيش من تاني ولا تكرر الوجع على  حد مني متمناش يحس اللي حسيته .. ولا انا عايزة احسه تاني يا غسان!"



فتح عينيه ببطئٍ وحرك ذراعه الٱخر فتلهفت بقوة  تقترب ، حاول لمس وجهها الباكي ولكنه عجز فاقتربت تمسك يديه الأخرى بلهفة وهي تنظر ناحية وجهه الذي تراخى وهو يحاول أن يهتف بقول ما وخرجت منه بوعي لها  رغم التقطع :



_" مش هسيبكم .. متخافيش يا نيروز!!.."



ابتسمت بلهفة وهي تمرر أناملها على وجهه فنظر بإهتزاز من هذا الألم وقاوم  مجدداً يحثها بتعبٍ :



_" متعيطيش..!"



ثم طمئنها عليه كي تسكن من هذه اللهفة التي تتفحصه بها:



_" أنا كويس"



كلماته بمثابة دواء لداء لهذا الجرح الملتهب فآلتئم ٱثر كلماته على الفور ، ابتسم لها نصف ابتسامة ، فإقتربت أكثر تنظر نحو ملامحه مررت يديها على تقاسيم وجهه بحنوٍ وهي توافقه بلهفةٍ ثم رفعت كفه تقبل باطنه برفقٍ ، هذه المرة هو من وضع كفه على معدتها يطمئنها أكثر بنظرة عينيه التي تحاوطها، فمالت تهمس له بإختناقٍ  وهي تضع يديها على كفه الموضوع على معدتها :



_'' أنا وهو هنستناك واللهِ بس انت قوم ..قوم بقىٰ!"



فأكملت مصارحة بريبة من هول اللحظة والوضع:



_" أنا خايفة!"



حرك. رأسه يومأ وحالته تستقر نسبياً ، دخلت الممرضة بابتسامة تحثها وأشارت لها بالخروج ، تركت كفه وأسندته على معدته برفقٍ حتى نهضت تزامناً. مع عينيه التي دارت مجدداً فهتفت بإسمه حتى نظر لها بتشوشٍ واخذ أنفاسه يحثها بينما لا يكف عن اعطاء الٱمان لها حتى وان كانت حالته كهذه :



_" متخافيش "



تركته بألم وخرجت بعدما أومأت وأشارت له   وذهبت بنفسها لمكانهم حتى وصلت فوجدتهم مجتمعين وأخبر الطبيب "بسام" :



_"للأسف مينفعش يروح النهاردة ، لازم يقعد معانا تحت المتابعة ولو بقى كويس أكتر بكره يقدر يروح تحت مسئوليتكم،لكن اطمنوا هو نوعاً ما بقا كويس !"



عادت أنفاسه من جديد ونظر بلهفةٍ ناحية "نيروز" التي اجاباتهم على تساؤلاتهم جميعاً :




        
          
                
_"أه ، رد عليا و..كلمني!"



احتوتها "جميلة" فنظر "بسام" ناحية "عز" وأخبره :



_"خدهم يا" عز " روحهم وروح "نيروز" معاهم عشان مينفعش تقعد أكتر من كدة بالحال ده !"



وقف بعجزٍ فلا يوجد هناك حل ٱخر غير هذا وهو المتماسك عنهم جميعاً ، حرك رأسه ، واقترب من "حازم" كي يأخذ المفتاح منه ، في حين إقترب "بسام " من "نيروز" وطمأنها بـ :



_" انتِ شوفتي بنفسك هو فاق واتكلم معاكي ازاي ، لازم بقا دلوقتي تروحي عشان مينفعش تقعدي أكتر من كده ، وعشان أكيد ليكي علاج ، علفكرة غسان مش هيبقي مبسوط لو انتِ عاندتي وقعدتي وأهملتي فنفسك وفي ابنكم ، ولا ايـه ؟"



لمرة أخرى يحدثها كصغيرة برفقٍ متفهماّ حالتها ،. هبطتت دموعها مره أخرى ونبست برجاءٍ :



_" بس أنا عايزة أبقى معاه ، مش عايزه أسيبه !"



تدخل"شادي " هو الٱخر ينقذ هذا الموقف بحديثه الهادئ رغم يديه وجسده الهارب منه أعصابه بالخوف الذي لم يستطيع أحد رؤيته سواها هي سوى "منة": 



_" هو مش هيسيبك هو معاكي علطول ، بصي كده !"



ذكرها بذكاءٍ عندما أشار بعينيه ناحية معدتها البارزة كي تنتبه بأنها تحمل صغيره ، صغير يجب مراعاته مثله تماماً ، تلهفت وهي تتمسك بمعدتها وامتن "حازم" له بالنظرات فأومأ وأشار لـ "منة" كي تسندها ، فأسندتها "فرح" أولاً وبقيت "منة" تنظر له بتمعنٍ وشفقة ، حتى تمسكت بكفه وإقتربت منه حتى وقف الإثنان على بعد خطواتٍ وسألته حينها بنبرةٍ مهزوزة:



_"انت كويس يا شادي؟..أنا مش حابة أسيبك وانت كدة !"



_" كويـس متقلقـيش.."



وقبل أن يكمل كلماته وجدها تندفع بأحضانه ، تعلم بأن هذا العناق سيحتويه بما به الكفاية ، ابتلع ريقه ولمعت عينيه وهو يخرج أنفاسه الثقيلة من على صدره حتى رفع كفه يمرر يديه على خصلاتها برفقٍ فهمست هي له بعدما خرجت من أحضانه :



_" أنا عارفة  إنك قوي وبتستحمل وياما إستحملت !"



حرك رأسه سريعاً قبل أن تهبط دموعه وقال بنبرةٍ متحشرجةٍ يصارحها وكأن هذا العناق كشفه الٱن وكشف ما يحاول كبته :



_" بس غسان غير ، غسان خِلي الوفي يا منة ، أقرب ليا من أخواتي اللي من دمي وسابوني ومشيوا ،  غسان ضهري..وضهري الوقتي اتقطم ومش عارف أصلب طولي من غيره ، أنا حاسس اني جوه معاه وعقلي رايح مني عليه!"




        
          
                
مسحت دمعته برفقٍ فإعتدل يخرج أنفاسه ببطئٍ وقبل أن تتحدث سحب كفها حتى أوقفها بجانب "نيروز" و"جميلة"و"فرح"و "فريدة" التي تركت "ٱدم" الواقف الٱن فقط أرسل لها ابتسامة صغيرة هادئة يطمئنها بها ، واقتربن من "نيروز" يحثونها على الرحيل حتى سارت بجسدٍ خاوي والخطوات تترد وكلما ترفع رأسها تحركها بإهتزاز يشجعها "بسام" بعينيه ، فسارت باكية رغمًا عنها وجزء منها يأبى السير وتركه ولكنها مُجبره ..مُجبرة على فعل هذا !! 



جلس "بسام" بتعبٍ وابتلع ريقه يأخذ أنفاسه بهدوءٍ ووجد "شادي" يمد كفه له وقال بنبرةٍ هادئة يحثه :



_" قوم بينا يا بسام نروح لأبوك نشوفه فين دلوقتي!"



وكأن عقله لم يسع سوى شقيقه وحاله ، نهض بلهفةٍ ينظر بخوفٍ فوقف "شادي" بجوار "حازم"و"ٱدم" وردد مجدداً يخبرهم:



_" احنا هنمشي وراجعين تاني ، بس على ما نرجع حاولوا تشوفو أوضة نقعد فيها من هنا لبكرة كده على ما نشوف الدنيا فيها ايـه!"



_"ماشي هشوف الحوار ده متشغلش بالك، وطمنونا لو لقتوه في الجامع اللي تحت!"



وافقه "حازم" بذلك وحرك "ٱدم" رأسه بصمتٍ هادئ ، إلا أن وقف "شادي" يتصنع الثبات رغم العكس وفرد ذراعه كي يستند عليه "بسام " وهتف بنبرة يحثه بها مجددًا :



_" يلا بينا يا "بسام".



سارا معاً برفقٍ لنهاية هذه الطرقة حيث السُلَم وقلب كل منهما يتعلق بأحدهم وهو هُنا بحالة يُرثىٰ لها ، أحدهم بالنسبة لهما شئ لا يُعَوض وفكرة ضياعه منهما فكرة صعبة ..صعبة لمجرد التخيل!



__________________________________



‏-" الله قدّر هذا، والله كفيلٌ به"



-" الله قدّر هذا، والله كفيلٌ به"



-" الله قدّر هذا، والله كفيلٌ به"



أخذ يرددها ببكاءٍ بعد صلاته ، ودعاءه ،فر لمن بيديه كل الحلول ، لمن بيديه قلب الموازين من أشدها إلى ألطفها وأسهلها على المرء ، شعور العجز الذي لبسه حينها كان أصعب ما يكون ، لا يستطيع لمس ولده أو حتى الآقتراب منه ، إبتلع ريقه بعد ضياع هذا الوقت ولكنه مر عليه كسنواتٍ كبيرة ، ورفيقه حينها كان الوجع والخوف..الخوف من الخسارة!!، أخذ "حامد" أنفاسه بتقطعٍ ومسح عينيه ورفع رأسه للمرة الذي لا يعرف عددها وهذه المرة باح بما بداخله دون تعديل منه وقال بخوفٍ يترجىٰ ربه :




        
          
                
_"يارب متخسرنيش في ولادي أبدًا ، يارب لو كان ابتلاء أنا راضي بس متوجعنيش فإبني ، الاختبار ده صعب عليا أوي يارب ،  أنا راضي بس قلبي غاصب عليا الوجع والخوف، يارب انت اللي عالم بحالي!، متوجعنيش واحفظهولي يارب!!!"



بكىٰ حينها كما لم يبكي من قبل ،. ووضع كفيه على وجهه كغريب وجاهل إلا عن شئ واحد يتٱكل به الٱن " عاطفة الإبوة" التي توجعه وجع ليس له مثيل!!، كم صلاة صلاها وكم دعاء دعاه وكم ساعة لبثها هُنا وترك خلف ظهره الأمور تسير كما هي مُدونه عند ربه ، وما بيديه فعله من ترجي بالدعاء لم يتٱخر عنه أبدًا ،  وضع كفه على صدره يحاول أخذ أنفاسه ودعى مجددًا من هذا التعب الذي لا يقوى على تحمله ولكنه ملزم كي لا يعترض ، ففكرة الاعتراض وحدها مرعبه لديه !! :



_"‏إن ثقلت الأيام  والساعات على قلبي فهونها بلطفك يالله..
‏اللهم أرح قلبي بما أنت به أعلم وانزل في صدري بردًا وسلامًا وطمأنينة أبعدني عن كل مخاوفي وقوني بك حين يقل صبري.. كُن عوني وأعني فلك الحمد في الحزن قبل الفرح وفي الضعف قبل القوه وفي الشدة قبل الرخاء!!"



هاب الإعتراض فدعىٰ ودعىٰ مجدداً بهذه الساعة المتٱخرة من الليل بالنسبة للمسجدّ ، الذي يجلس به الٱن منفرداً بذاته ، ابتلع ريقه ومسح وجهه مجدداً يرفع عينيه فوجد ابن  المسئول عن المسجد يقف  ومال بلباقةٍ يسأله عن حاله :



_" إذيك يا حج ؟ انت كويس؟ قولي مالك يمكن أقدر أساعدك أصلك بقالك كتير على الحال ده وكنت عايز أقفل المسجد بس اتحرجت أجيلك اقولك امشي من بيت ربنا ، لو معاك مشكلة قولي وان شاء الله اقدر أساعدك!"



كان شاب عشريني بشوش الوجه  ، وفي الحال جلس بجانبه ما ان وجده يحاول أخذ أنفاسه ، مال يأتي بكوب مياه من ما وضع بجانبه وأعطاه له برفقٍ وهو يربت على كفه المجعد بقوله اللبق :



_" إتفضل اشرب .. اشرب على مهلك !"



أمسكها "حامد" منه بأعصاب متروكة ، فنفى الشاب ببساطةٍ وابتسم يُقربها من فمه كي يساعده في التجرع منها فتجرع ببطئٍ حتى أخذ أنفاسه فسأله الٱخر مجدداً :



_" أحسن ؟"



حرك "حامد" رأسه بهدوءٍ ، فجلس الٱخر بإعتدالٍ ينتظر إجابته على أسئلته ، بينما نظر "حامد" لوجهه المريح وطلب منه بنبرةٍ مختنقة :



_" أنا مش عايز منك حاجة يبني..أنا عايزك بس تدعي لابني يقوم بالسلامة. لعلك قريب من ربنا عني!"




        
          
                
_" احنا عباد الله كلنا يا حج ، ربنا يشفية ويعافيه ويقومه بألف سلامة سالم معافي يارب!"



ابتسم"حامد " له وزفر بصوت عالٍ بإنهاكٍ. فعاد الٱخر يسأله برفقٍ :



_" قولي ..حضرتك أكلت؟ ولا تحب اجيبلك تاكل حاجة ؟"



_"الحمدلله يبني كتر خيرك !"



رددها بصعوبةٍ فعاد الٱخر وكأنه يصر على فعل أي خير :



_" طب قولي حضرتك عنوان بيتك ايه؟ قوم معايا أوصلك!''



كاد "حامد" أن يعارض كي يستجمع ذاته وينهض ولكنه إلتفت برأسه ينظر نحو هذه الخطوات السريعة ،فوجدهما هما ، اقترب "شادي" بسرعةٍ يسأله بلهفةٍ :



_" انت ..انت كويس ؟"



حرك "حامد" رأسه إيجاباً فوجد "بسام" يقف بجانبه بصمتٍ وعيناه من تتحدث بالكثير ، حينها إنحني يعانق والده بوجعٍ وهمس له بتحشرجٍ تزامناً مع ضم "حامد" له :



_"أنا جاي لك زي ما قولتلي لو فاق هعرف مكانك ، عايز أقولك انه فاق بس لسه مش قادر أعرف هو بقىٰ كويس ولا لأ ..أنا ..أنا ٱسف يا بابا !"



ربما هذا الأسف لأمور عديدة منها عدم إخباره بما يريده بالكامل ، ومنها تركه يذهب ! ، ضمه "حامد" كصغير متشتت لا يعلم ما هو الأمر أو جهل عن طريق ما وعلمه في النهاية ، أغمض "حامد", جفنيه ببطئٍ وشكر ربه علي هذا الخبر حتى وإن كان ليس كما يريده بالكامل. وأخذ أنفاسه ببطئٍ فآعتدل "بسام" بلهفةٍ يخبره :



_" قوم بينا يلا. يلا نمشي ..تعالى عشان تروح وتاخد علاجك مينفعش تقعد كل ده من غيره !"



بالفعل شعر بالهبوط يحاوطه وغالبًا. تٱثير الضغط الذي ٱثر عليه بقوة من قبل ، نهض وحرك "بسام" رأسه ناحية الٱخر فوجده يبتسم ببشاشةٍ ، أسند "شادي" "حامد" وابتسم هو الٱخر بإمتنانٍ ما أن وجد الٱمر يشرح ذاته من مرافقة الشاب له ، فاقترب "بسام" يردد بإمتنانٍ :



_" شُكرًا!"



_" الشُكر لله أنا معملتش حاجة  !"



حرك رأسه له بتفهمٍ ، فإبتسم "حامد" قبل أن يرحل وسأله برفقٍ :



_" متنساش تدعي تاني زي ما قولتلك  يا اسمك ايه!؟"



_" إسمي "محمد" يا حج ،. وان شاء الله هيقوملكم بألف سلامة!!"



حرك رأسه بالإيجابِ وربت على كتفيه يمتن حتى للمواساة بالكلمات ، وأسنده من الناحيتين "بسام" و"شادي" إلى أن خرجوا خارج المسجد ، فوقف "بسام " يحث "والده" بإصرار:




        
          
                
_" اركب مع شادي يوصلك البيت يا بابا ، لازم تاخد علاجك ولازم تكون معاهم هناك ، وصدقني غسان هيكون بخير ان شاء ، وابقى تعالى بكرة بس لو عايزه يبقي كويس بجد روح ومتهملش في صحتك!"



ورغم رغبته في الرفض إلا انه وافق بتعبٍ مقرراً المجئ مرة أخرى عقب ما ينتهي من ما عليه من واجبات! ، ركب مع "شادي" الذي تولى أمر توصيله وسارت السيارة بعدما أسنده الإثنان ليجلس بأريحيةٍ وهمس "حامد " بتعبٍ له :



_" خلي بالك من نفسك، خلي بالك من أخوك!"



يعتاد دائماً على هذه الكلمات لذا لم يركز دائماً ، بينما الٱن لمعت عيني "بسام " وهو يوافقه وانطلقت السيارة ، تزامناً مع عودة "بسام" إلى المستشفي حيث كان!!



________________________________________



وصلت وأوصلهن "عز"  إلى المبنى وصعد معهن إلى أن وقف ينظر ناحية "جميلة" التي خرجت بعدما دخلت مع "نيروز" غرفتها ، والتي ظلت معها شقيقتيها ووالدتها ، في حين جلست "فريدة" بالصالة تحمل "يامن" بتشبتٍ وهرولت "منة"مع "فرح" لرؤية "دلال"و"وسام" ، زفر بصوتٍ عالٍ وأغلق الإتصال مع "والدته" ونظر ناحية "جميلة" التي اقتربت تستعلم عن حاله فابتسم يطمئنها وقبل أن تتحدث قال هو أولاً :



_"خليكي يا جميلة وخلى فرح معاكي ، أنا همشي أنا هشوفهم محتاجين ايه تاني وهروح عشان أمي متقعدش لوحدها في البيت!"



اقتربت تغلق سحاب سترته أكثر وقالت بنبرة هادئة مختنقة من كثرة البكاء :



_". خلي بالك من نفسك يا عز، وابقىٰ طمني!"



ابتسم يوافق بحركة رأسه وبحث عن شقيقته بعينيه فعلم أنها هناك لذا حثها مجدداً بقلقٍ :



_" وخلي بالك من فرح!"



خرجت الجملة منه وعلم جيداً من يأخذ انتباهه على من بالتحديد بينهما ،  وافقت ، وفرد ذراعه يحتويها حتى عانقها برفقٍ فبادلته العناق تحت عيني "فريدة" التي تحاول محوه من ذاكرتها ، فهذا يفعل ما كان يفعله بحركاته وكأن أصحاب الدماء المتشابهه يعرفون طريق واحد للحركات والتفاصيل ، وحتى الشبه الذي بينه دارت رأسها ودفنت رأسها في أحضان الصغير تهرب من رؤية هذا ، الذي يعانق شقيقتها حتى همس لها بإطمئنان :



_" ان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام ، متخافيش!"



قبل وجنتيها بلينٍ فابتسمت وودعته بهدوءٍ حتى أغلقت الباب خلفها ووجدت "عايدة " تخرج من المطبخ بعدما أعدت طعام لـ "نيروز" كي تأخذ دواءها ، ابتسمت "جميلة" ولكنها جلست بجانب شقيقتها وبينهما الصغير في حين دخلت "عايدة" الغرفة عليهن فوجدتهن يبدلون ملابسها برفقٍ إلى ان جلست "نيروز" بتعبٍ وجلست خلفها "سمية" تمشط خصلاتها بحنوٍ فإقتربت "عايدة" تزامناً مع دخول ابنتها وشقيقتها و"يامن" :




        
          
                
_" يلا بقا علشان تاكلي وتاخدي علاجك ، ولا ايه يا سُمية ما تقولي حاجة!"



نهضت "سمية " ببطئٍ تؤكد بحركة رأسها ،  فحملت "ياسمين", الصحن وجلست تحثها برفقٍ كي تأكل فرفضت بهزة رأسها ان تأكل ، فنظرت والدتها بحسرةٍ إلى ان اقترب "يامن" بعدما حثته "وردة" و"جميلة" ، ونهض يجلس على ساقها فحملته بسكون رغم انهاكها ، رفع حينها رأسه ببراءةٍ يملي عليها ما أملته والدته عليه:



_" روز..كُلي!"



ضحكن عليه بخفةٍ فابتسمت "نيروز",, له تجامله وقبلته حينها بحنوٍ وهي تحرك رأسها بطاعةٍ له ، كلما تتعمق النظر به ترى به تخيلاتها المستقبلية ، وأحياناً يحمل ملامح تشبه ملامح والده التي تشبه "غسان " هكذا رأت فلمعت عينيها وهي توافق ، فأطعمتها "ياسمين". بحنوٍ هي مرة وهو مرة ، فنظر بسعادةٍ من هذا وضحك بصوتٍ عالٍ فضحكن عليه مرة أخرى ، أردات "عايدة " تركهن فخرجت وخرجت بعدها "جميلة" و"فريدة" من الشقة بأكملها بعدما ودعوهن كي يتركوهن بأريحية وليغفى ما يريد ذلك بهذا الوقت ..



_" نامي بقا يا حبيبتي وارتاحي يلا!"



حثتها "والدتها" فأومأت بخواءٍ ، ونهضت "ياسمين"و"وردة" لغرفهما ،. في حين نظرت "سمية" عليها بشفقةٍ بعدما تناولت القليل واخذت الدواء ، ومازالت كذلك ، ابتسمت لـ "يامن" الذي ركض إلى الخارج بعفويةٍ ، والتقطت الغطاء والتفتت تغلق الباب قليلاً ثم اقتربت لتتسطح بجانب "نيروز" التي بكت بصمتٍ ورغم انها تفاجأت من بقاء والدتها معها إلا انها حاولت اخفاء وجهها ولكن "سمية" ضمتها بهذه اللحظة ناحية صدرها ومررت كفها على ظهرها كصغيرة تهاب كابوس ٱخر ليأتي لها ، فإحتمت بذراعي "والدتها" التي همست لها رغم القهر :



_" اهدي يا حبيبتي ، متخافيش يا ضنايا!"



همست "نيروز" بضعفٍ حينها وهي تستند على قمة صدر والدتها:



_"أنا خايفة أوي يا ماما ، خايفة وكل مره كنت بخاف فيها بلاقيه وبقوله اني خايفة فيحضني  ويطمني ، هو فين المرادي؟؟ فين يا ماما وأنا ليه سيبته؟!"



قالتها ببكاءٍ فشددت والدتها من ضمها فشهقت شهقات متتالية ، إلى ان همست "سمية" بلهفةٍ:



_"ان شاء الله هيقوم ويفوق ويبقي بخير  ، نامي ..نامي يا حبيبتي وارتاحي!!"




        
          
                
_"مش عارفة ..مش قادرة!"



انهارت باكية مجدداً وحاولت النهوض فنهضت "سمية" بلهفةٍ تسألها بخوفٍ :



_" قومتي ليه بس ؟؟ راحة فين دلوقتي يبنتي؟؟؟"



نهضت  "نيروز" بوجعٍ تتمسك بمعدتها ولبستها حالة صعبة ولكنها اكتفت تصارحها مما جعلها تفتح عينيها على وسعها :



_"هروحله تاني .. انا مكنتش عايزة أسيبه ، هم اللي ضغطوا عليا ، أنا مش هسيبه تاني يا ماما ، خليني أروحله عشان خاطري!!!"



تلهفت "سمية" حتى صدمت ونهضت تقطع خروجها وقالت بخوفٍ تهدأها :



_" تروحي فين دلوقتي يبنتي ، انتِ اتهبلتي؟؟ الوقت إتأخر ، نامي الله يهديكي ، نامي وبكرة هنروحله سوا !"



كانت تحدثها كصغيرة ، وكأن الكل يراها مختلة ، نفت برأسها وعندما شعرت بأن هناك خطر منها سيأتي بصراخٍ متواصل مثل هذه الحالة ، هتفت تنادي بصوتٍ عالٍ شقيقتيها :



_" يا وردة يـــا يـــاسمـــيــن!!"



نادت "سمية" بصوتٍ عالٍ بإستغاثةٍ وليس معهن الأن رجل ، بينما نفت "نيروز" برأسها وبكت قبل ان تفعل ما تود فعله رغماً عنها وقالت ببكاءٍ تلومها :



_". بتناديهم ليه يا ماما ، حرام عليكي أنا عايزة امشي من هنا ، مشيني عشان خاطري!!!! "



الٱن شعرت بأن عقل ابنتها قد رحل وتركها ، هابت فعل أي شئ وابتلعت ريقها بهذه اللحظات الضيقة فدخلت "وردة" بسرعة وخلفها "ياسمين" ولكن أبت "نيروز" اقترابهما منها وقالت بنفي وهي تحرك رأسها :



_" متقربوش مني ، سيبوني..سيبـــوني بــقا!!"



وقفن بغير وعي لما تفعله وتردده ، ولكنها شعرت بضيق اللحظة ، ووضعت يديها تنفي صوت حاد أتي بأذنيها ربما بوادر إنهيار ومن لحقه كان جرس المنزل الذي قطع أفكارها الحادة ، ركضت "وردة" تفتح الباب بسرعة فوجدته "حامد" الذي نظر بخوفٍ. من ملامح "وردة" التي قررت اخبارة الٱن عن ما يحدث ، في حين أمسكت "ياسمين" "نيروز" ولكنها دفعتها بضعفٍ وجلست غير قادرة على النهوض وكل ما كانت ستفعله ذهب هباء امام القوة التي خارت وذهبت وتركتها وحيدة مثله تماماً. بل هو من كان مصدر قوتها ، جلست بإنهيار على الأرض ودفنت رأسها على ركبتيها وجلست القرفصاء وحملت نفسها كل الذنب من البداية وأخذت تهتف بتكرارٍ :



_" أنا السبب ..أنا السبب!!"



نظر الاثنتان لبعضهما بخوفٍ وقبل ان تنحني "نيروز" دخل "حامد" بسرعةٍ ووقف بخوفٍ إلى ان صارع وحاول الجلوس رغم ألمه وضم رأسها  دون أن تراه ،يملك ذراعين حانيتين تحتوي الكل مثله تماماً لكنه ليس هو ، علمت من هو وبكت وهي تتوسله :




        
          
                
_" أنا عايزة  أروحله يا عمو ، وديني ليه عشان خاطري!"



تلهف ونهض بإعتدال يسند كفها فنهضت بتعبٍ معه وسقطت خصلاتها على عينيها فدفعها ناحية الخلف  وقال كذباً يخدعها :



_" أنا ..أنا كنت عنده وقالي أروح عشان اخد بالي منك ومسبكيش ،. وقالي كمان لو حاولت تيجي قولها متجيش وتستنىٰ على ما اجيلها أنا!"



نظرت بلهفة كطفلة تصدق أي تراهات تقال ، ابتلعت ربقها فحرك رأسه يؤكد مرة ومرة أخرى إلى أن تمسكت بكفه وقالت مره أخرى بتوسلٍ :



_"طيب ..طيب خدني معاك متسبنيش هنا !"



كانت تقتنع بأنه سيرحل له مجدداً. ،. لذا لم يرفض وفهم ما تفعله ، وسحبها معه فكادت ان تمنعه "سمية" بذهولٍ إلا أنه رفع كفه يمنعها من الحديث وأشار لـ "وردة" تطمئنها ، وسارت معه "نيروز" ناحية الخارج حتى فتح الباب وأغلقه خلفه ، سارت معه ناحية باب شقته الذي فتحه بالمفتاح وهو يسندها معه بيده الأخرى فوققت تنظر بريبةٍ حتى سحبها معه ناحية الداخل فوقفت تنظر بإستفهامٍ فصارحها بإسلوبه الخاص :



_" مش هقدر اروح تاني ،. مينفعش اسيبك زي ما قالي ..بصي أنا هقولك على حل أحسن ، تيجي تنامي في أوضته وعلى سريره ؟؟"



حاولت التشبت بأي شئ منه ، حركت رأسها بتردد ولكنه سحبها مجدداً ، وقاطع هذا هرولة "وسام" له التي ارتمت بأحضانه ببكاءٍ فطمأنها بلهفةٍ ووجد "منة"و"فرح" يسندان "دلال" التي وقفت تسأله بنبرة باكية وكأنها تلومه عن عدم فعل شئ ليس لديه يد به :



_" فين ابني يا حامد ، مجيبتوش معاك ليه ؟؟ ابني ماله ؟؟ حصله إيه؟؟"



خرجت "وسام" واقترب هو منها كي يطمئنها باحتواءه وحث الاثنان على الذهاب بـ "نيروز", ناحية غرفته ، فاقتربن منها يسنداها إلى الداخل ، فدخلت وجلست على الفراش بحسرةٍ وضمت كفيها ناحية وجهها بتعبٍ ، فرددت "منة" وهي تحاول أن تجعلها تتسطح :



_"ارتاحي يا نيروز ، ريحي جسمك متعلميش في نفسك كدة انتِ حامل!"



تمددت على الفراش بمساعدتهن  وأغمضت جفنيها بوجعٍ ، فنظرت"وسام " بتعبٍ من كل ذلك وخرجت وتركتهن ، فوقفت "فرح" تحث "منة" على النوم بجانبها ، وأطفأت النور ثم أغلقت الباب ، واقتربت مسرعة من غرفة "وسام " التي ذهبت إلى فراشها  ترتجف والشهقات تكتمها ،. ولكن "فرح" أصرت حينها على عدم تركها وتسطحت بجانبها حتى اخذتها في أحضانها تطمئنها بقولها :




        
          
                
_"متعيطيش والله هيبقىٰ كويس صدقيني!"



عانقتها لتطمئن في حنوٍ ورفق ، وهذه اللحظة لديها تعني الكثير ، وجدت من تحتويها كأخت والأخرى كذلك والاثنان يتشبتان ببعضهما في حين أنها بالغرفة الأخرى عارضت أي شئ وظلت شاردة ببكاءٍ ضائع كيف حاله ؟ وماذا حدث له الٱن ؟ ولما كل ذلك من البداية ؟؟. أسئلة كثيرة ليس لها جواب ، ورفيقها الوجع الٱن وجدت هاتفه يُضاء ، هل ترك كل شئ ؟ تحركت بلهفةٍ تلتقطه بينما الأخرى ظلت تتابع من على بعد فقط ، ألا أن "نيروز" نهضت تتمسك به وعادت مجدداً تفتحه بلهفةٍ ، لم يغير أي شئ حتى صورتها معه بالخلفية الداخلية ، نزلت دمعتها وتفحصته سريعاً ووجدت أنه لم يغير أي شئ حتى اسمها ، تشبتت به ونظرت نحو تقاسيمه وملامحه في الصورة التي كانت بها معه ، أول صورة أُخذت لهما بواسطته!! ، شردت كثيراً بكل ما مر عليها معه إلى أن دارت عينيها بتعبٍ وغفت رغماً عنها وبين يديها الهاتف واليد الأخرى وضعت علي معدتها ، اعتدلت "منة" تضع عليها الغطاء وتسطحت مرة أخرى بعدما مررت يديها تزيح خصلاتها برفقٍ !! أخرجت هاتفها من  كي تقوم بالاتصال على "شادي" لتطمئن منه ونهضت بعيداً كي لا تزعج "نيروز" في نومها ، وبعد دقائق قليلة خرج صوتها:



_« ايه يا شادي ؟ عامل ايه دلوقتي؟ وغسان اخباره ايه؟»



على الجانب الاخر استند هو بجانب "بسام" على الفراش وعلى الٱخر كان هناك "حازم مع ٱدم" فرد يجيبها بهدوء:



_« الحمد لله ، هو تحت المتابعة وربنا يسهل على بكرة الصبح ، خليكي انتِ معاهم وخلي بالك من أمي وأبويا وأختي يا منة!»



تأثرت من قوله فقالت بإطمئنانٍ :



_«من غير ما تقول ، خلي بالك انت من نفسك ، تصبح على خير»



أجابها بإقتضابٍ وأغلق الخط بمشاعر متخبطة لبسته أهمها الخوف ، إعتدل في جلسته ونظر نحو "بسام" الذي نظر بشرود نحو سقف الغرفة و"حازم" الذي يتحدث في الهاتف مع "ياسمين" وكذلك "ٱدم" الذي انهي المكالمة بعدما قال :



_"  هيبقى بخير يا فاطمة متخافيش ، اقفلي بس علي نفسك كويس انتِ والعيال ، ومتفتحيش لحد خالص !»



زفر بصوتٍ مكتوم وأسند ظهره على الفراش بجانب "بسام" الذي خرج من شرودة ينظر له فوجده يبتسم متصنعاً عدم التأثر وقال بخفةٍ :



_" الجامد بيقوم من أصعبها حالة.. يبقىٰ ايه؟"



ابتسم "بسام" على حديثه ورد بصوتٍ هادئ يجيبه :




        
          
                
_" يبقي هيقوم!"



ٱكد برأسه له  وأُغلقت الإضاءة ، واعتدل كل منهم ليتسطح على الفراش فخرج صوت "ٱدم" ينبههم :



_"الفجر مبقاش عليه كتير ، خليكم مركزين كدة عشان نروح نصلي!"



_____________________________________



الأوقات التي تمر ، تمر عليهم بصعوبةٍ ، ببن وجع وألم وهجر وفراق وخطر وكلمات  وهمسات هنا وهناك،  مرارة الففد والخوف من الفراق الأبدي يشكل لها هاجس صعب تخطيه ، الٱن هي عالقة ، مثلما عالق هو !!



هذا الأب الذي اضطر على التحمل ، اضطر على الذهاب والرحيل لترك ولده بين يدي ربه الذي لا يضيع عنده شئ! ، وهذه. أخرى بين وعي ولا وعي وقلب الأم يطرق عليها بالألم الشديد دون فهم أي شئ ، قطعة من روحها تضيع وهي عالقة مثل السابقين تماماً ، شقيق بل وتوأم روح شعر بأن روحه تسلب منه بالبطئ ، بل هو من حدث معه كل هذا وليس النصف الٱخر منه ! ، وأخرى تتشتت لا يجب أن تتشت بمثل هذه الطريقة خاصة بأيام اختباراتها ولكنها قاومت وتقاوم!!



عائلتين مختلفتين إجتمعا على عقبات كلما تمر وتذهب يأتي غيرها وسببها ثابت أغلب الوقت، الصباح يأتي ونور الله يظهر بقوة ، والحال أمس يختلف عن اليوم بكل جديد مخفي لهم .. 



في هذه الساعة المُبكرة ، نهض بتعبٍ وارتدى ثياب تخص الخروج وحاول أخذ أنفاسه ببطئٍ غير غافل عن بكاء "دلال" الذي لم يتوقف تارة تسكن وتارة تبكي ، ابتلع "حامد" ريقه وأخذ أنفاسه وهو يقترب حتى مال يجلس وواجهها للمرة الذي لا يعلم عددها :



_" كفاية عياط بقا يا دلال ، ارحمي نفسك انتِ من امبارح على الحال ده ، مش أنا طمنتك؟؟ مش أنا طمنتك يا أم غسان وقولتلك كويس وهيطلع؟"



رددها بإهتزاز. هو الٱخر لا يثق بذلك ، تحركت عينيها الحمراء ناحيته وواجهته بوضوح مختنق :



_" قلبي بيوجعني أوي يا حامد غصب عني مش قادرة ،. مش مصدقاك ولا مصدقة كلامهم في التليفون ، بالله عليك تاخدني معاك وانت رايح!"



رفع ذراعه يحتويها وربت على ظهرها بحنوٍ ورفض بحركة رأسه ثم قال بلينٍ :



_"ملهاش لازمة يا أم غسان ، خليني أروح وهجببه معايا وأنا جاي!"



وكأنها صغيرة هي الأخرى ستصدق ذلك ! ، تلهفت بوجعٍ واعتدلت تحاصره بقولها :



_" طب أوعدني . قولي انك هتعمل كدة ، أنا قلبي مش مصدقك يا حامد!'



زفر بتعبٍ من هذا التعب الذي يوجه له منها ، وهو الأخر طاقته تنفذ!! ، لمعت عينيه بعجزٍ وعجز عن اعطاء أي حل لها أو قول ، ووجد الطرق على باب الغرفة هو المنقذ ، حيث سمح للطارق بسرعة كي يهرب من هذه المواجهة واذ بها كانت "وسام", التي دخلت تنظر ومعها صينية طعام أعدتها "فرح" مع "منة" وهي من ساعدتهم في القليل ، وضعتها بخواءٍ ووقفت تنظر داخل عيني والدها بمواجهة موجعة وقالت دون مقدمات:




        
          
                
_'', خدني معاك يا بابا !"



أخرج أنفاسه بيأسٍ منهم وفقد قدرته على الحديث بل مرر كفه علي ذراعها ورفض برأسه دون نبس أي حرف فنزلت دمعتها وإلتفتت تنظر نحوه وهو يخرج من الغرفة بعجالةٍ يتقدم نحو غرفة "غسان" التي ظلت بها "نيروز"  وقف يراقب وخلفه "منة" و"فرح" يترقبان فسمع صوت شهقاتها الموجعة بينها وبين نفسها ، إلتفت برأسه ناحية"منة" ، وكأنها تفهمت معني نظراته فصارحته بحزنٍ :



_" على الحال ده من امبارح بليل منامتش ربع ساعة على بعضها "



كل ذلك ضغط ..ضغط يوجه إليه من جميع النواحي ، تدخلت "فرح" بلهفةٍ تحثه تخرجه من هذه الحالة :



_". أنا شايفة ان حضرتك تمشي يا عمو بسرعة قبل ما تحاول تستوعب وتطلع وتصر انها تيجي معاك ، وهي بحالها ده !!"



أومأ ووجدها فرصة جيدة سار يخرج حذاءه وارتداه سريعاً ومد يديه يفتح الباب فوجد "سمية" تقف بجانب "ياسمين" وعلى الناحية الأخرى "وردة" وهي  تمسك كف "يامن" الذي انحنى له "حامد" يطبع عليه قبلة صغيرة وحثهم على الدخول بلباقه حتى مد ذراعه يغلق الباب خلفهن وخلف دخولهن !!



وترك هذه التي بداخل غرفته تبكي منذ أمس لم تغفل لها عين براحةٍ ، الٱن بغرفته تقتنع بأن الجميع نيام وهي وحدها من تستيقظ لتترقب! ، خفق قلبها خفقة المهجور والمتروك لعقله وبقلبه غير هذا القلب التي اعتادت على ان يرافق قلبها دائماً. حتى في الخلافِ ،  حركت عينيها من على هاتفه ورفعت رأسها سريعاً بلهفةٍ ما ان وجدت "سمية" تقترب بسرعة كي تضمها بين ذراعيها بإحتواءٍ من بين نظراتهم حتى "دلال" التي اقتربت وجلست على الفراش وحاولت هي الأخرى احتواءها بسبب صغير ولدها الذي لم يأتي بعد!!



_« افتحي الباب يا وسام لطنط عايدة وجميلة وفربدة»



رددتها "ياسمين" بتعبٍ وهي تجلس على المقعد ، في حين حملت "منة" الصينية وهي تدخل ثم هتفت بصوتٍ مرتفع كي تنتبه لها :



_" يلا يا نيروز لازم تاكلي حاجة عشان صحتك "



صمتت بخواءٍ ومسحت عينيها بتعبٍ وحاولت على أن تقاوم وتستدعي قوتها ونهضت تقترب ببطئٍ شديد وهي تتمسك بمعدتها بوجعٍ حتى طلب منها :



_" ممكن تكلمي شادي يا منة ؟؟ خليه يطمني تاني عشان خاطري!"



ابتسمت ووافقت وأخرجت الهاتف تحت مراقبتهم ودخول "جميلة" التي عانقت "نيروز" بتساؤل عن حالها هي وشقيقتها فنظرت لهما بصمتٍ وتحول السير من الغرفة ناحية الخارج ، فسحبت "دلال" ذراع "نيروز" برفقٍ وطلبت منها :




        
          
                
_" اقعدي با بنتي انتِ حامل ..الواحد خايف ليجرالك حاجة بالمنظر ده..خافي على نفسك  عشان خاطري احنا مش حمل خساير أبداً"



قالتها بتعبٍ ونبرتها المُجهدة المرهقة تظهر ، فحثتها شقيقتها على أن تجلس لتستريح ولكنها أبت وترقبت بلهفةٍ ما أن فُتخ الخط بين يدي "منة" التي أردف قائلة للطرف الٱخر :



_«أيوة يا شادي ، طمنا وطمن نيروز .. غسان عامل ايه دلوقتي؟»



_________________________________



_« قرب يفوق يا منة ، هانت ، ادعوا بس يقدر يخرج معانا »



هكذا رد "شادي". عليها والانتظار رفيق الكل الٱن ، حتى "بسام ", الذي وقف بلهفةٍ ينتظر  على الاستراحة حاله أفضل من أمس ، فقد توقف عن البكاء  والٱن يتمنى ويترجىٰ ، إقترب "حازم" يجلس بجانب"ٱدم" ، ومعهم الٱن "عز" الذي جاء بوقت مبكر جداً ودفع مصروفات المستشفي وصعد ليرافقهم ، واعتبرها رد ، رد لما قد دفعه منذ حادث شقيقته في محاولتها هي الأخرى في الانتحار ، جلس الشباب بجانب بعضهم ووضع ",ٱدم" يديه على كف "بسام" وابتسم يطمئنه وهو ينظر نحو ساعة معصم الٱخر :



_" هانت ويفوق وندخل نشوفه ،. وبإذن الله هيرجع معانا متخافش!"



لم يجيب بل امتن بالنظرات فتدخل "عز", هو الٱخر وكأنهم الٱن قد وعى عقلهم جميعاً واستجمع كل منهم نفسه وشتاته عن أمس ووجع وصدمة أمس:



_" أنا واثق إنه هيبقي مصحصح ، غسان ده معلم يعم ومنه نتعلم ، ميقعش كدة لأ ..انت بس قول يارب وهيحصل اسمع من المعلم عز!"



ضحك "بسام " وأراد "حازم", التخفيف عنه فهتف هو الٱخر بمزاحٍ خفيف:



_" هو بس يقوم بالسلامة ويعمل اللي هو عاوزه ، خلاص معتش هعارضه ، براحته..أصله طلع غالي أوي!"



اتسعت ابتسامتهم  وأراد "ٱدم" مشاكسته فمال يردد بخبثٍ :



_"فَوَق بقا يا عريس ، مينفعش تكشر  وتحزن كده !''



عنفه "حازم" بضحكٍ خفيف بينما تدخل "عز" وكأنه تذكر وانتهز الفرص:



_" أيوه صحيح ، فُك بقا عشان لو فضلت كدة مفيهاش جواز من أختي خد بالك!"



ابتسم "بسام" ورفع رأسه يتحدث بدفاعٍ :



_"خلاص يا معلم عز  ، انت ما صدقت ولا ايه ، أنا تعبت أوي مع نفسي عشان أوصل للحظة دي ، بس انت شايف الظروف ، حقك عليا!"



من يتأسف لتأزم الوضع لمن الٱن؟ ، عنفه "عز", بنظراته على أسفه وقبل ان يتحدث أي منهم ، جاءت ممرضة وهتفت بلباقةٍ :




        
          
                
_" صباح الخير ،الأستاذ فاق وبقا كويس تقدروا تدخلوا تشوفوه!"



انتفض "بسام" وحمل العلبة بين يديه وابتسم بسعادةٍ على هذا الخبر ، مما شجعوه بضربٍ خفيف كي يتقدم هو أولاً ومن ثم هم خلفه ،  سار بعجالةٍ خلفها إلى أن وقف أمام الغرفة ، ففتحها بلهفةٍ ودخل فوجده يستند بظهره على الفراش يمسك رأسه بتعبٍ فهرول ناحيته بسرعةٍ حتى رفع "غسان", رأسه ينظر وابتسم حينها يطمئنه ، فجلس "بسام" ونزلت دموعه رغماً عنه وسبه على غير العادة عندما هتف بتحشرجٍ وتقطع :



_" وقعت قلبي وسحبت دمي يا بن المجانين!"



ضحك"غسان" وانكمشت ملامحه بتعبٍ سريعاً من حركة رأسه فتلهف "بسام" واقترب يقبل قمة رأسه الموضوع عليه شاشٍ ، فتأثر "غسان" ورفع أنامله برجفةٍ من أثر التعب ومسح وجه شقيقه حتى طمئنه برفقٍ :



_" أنا كويس يا بسام ، متخافش!"



_"خوفت يا غسان ، انت مينفعش تروح مني ، مينفعش أعيش من غيرك ، أنا روحي اتسحبت مني ودماغي تاهت ، حسيت ان في حاجة نقصاني ، نفسي مش عارف يخرج ويدخل لحد ما دخلت الباب ده وشوفتك وروحي ردت فيا من تاني ،. يارب يومي يبقي قبل يومك يا خويا"



لمعت عيني "غسان", من هذا وفرد ذراعه الٱخر الغير معلق به المحلول واحتواه كالعادة حتى عانقه "بسام " الذي شهق بضعفٍ وصارحه :



_" أنا ضعيف..ضعيف من غير نصي التاني ..ضعيف من غيرك أوي يا غسان!"



_" هتوقع دموع أخوك يا بسام ..ومحدش  قدر يعملها في العلن غيرها !"



نبرته المنهكة تظهر مع التعب ؟ ابتلع "غسان". ريقه بتعبٍ بعدما ردد بذلك ، فنظر الٱخر له بشفقةٍ من هذه النبرة التي من المفترض بأن تكون مزحة بينما هي وجع ، وجد بعينيه أسئلة كثيرة عنها وتذكر قدومها ولكن ليس بالكامل بسبب تشتيت عقله و أنفاسه ، ولكنه تصنع غير هذا وبدأ السؤال عن والدية وشقيقته :



_" امك وابوك  عاملين ايه يا بسام ؟ ووسام ؟؟؟"



سأل بقلقٍ ، فرد الٱخر بهدوءٍ :



_"  كويسين ، المهم انت واحنا هنبقي بخير من بعدك!"



أخرج أنفاسه ببطئٍ وأمسك رأسه بإنهاكٍ يتذكر هذه الحادثة من بدايتها وقرر وضع كل هذا على جانب مخفي وسأل عنها بخفقات قلب عالية ونظرة ألم ظهرت في بُنيتيه الداكنتين :



_"ونـيروز ؟ ، نيروز كويسة ؟ روحتها؟"



حرك  "بسام "رأسه بنعمٍ ، فدخل من الباب الشباب ، وهرول "شادي" بلهفةٍ يجلس وخلفه "حازم"و"ٱدم"و",عز"، وهتف "شادي", أولاً :




        
          
                
_" قعدت أقولك ميفرقناش غير الموت ، وقعدت أستهون بالكلمة أوي ونسيت اني موتي بـ وجعك يا صاحبي ، حمد لله على السلامة!"



امتن بعينيه وهمهم بتعبٍ دون نبس أي حرف لما هو به ، واقترب "ٱدم", يشاكسه بقوله :



_"مش متعود عليك كدة يا بن عمي ، عايزك تقوم وموافق بعدها نقطع وش بعض زي الأول !"



ضحك "غسان" ونفي بشفتيه وهتف بثباتٍ يرفض:



_" تؤ ، مبقتش في حموتها خلاص ، عندي غيرك!"



هاب "حازم وبسام" هذا القول ، فردد الأول بهدوء يتخلى عن كل ذلك :



_" حمد لله على السلامة يا أبو الغساسيين ، حسك في الدنيا يا عم !"



فإقترب "عز" من بعدها وانحني يسحب المقعد بخفةٍ وأشار بكفه وشاكسه هو الٱخر بغمزة شقية :



_" تصدق بالله ؟ أنا وحشتني كلمة "عِزوة" منك في الكام ساعة التُقال دول يا عم !"



رفع "غسان", كفه تحت ضحك الٱخرين وربت علي ساقه وقال يلمح له بما سيأتي في القادم بوضوحٍ ولم يغفل:



_" أجدع عِزوة وأحسن من  نناسبه!!"



غمز له عقب قولها ،. ودخل الطبيب حينها وهو بتمسك  بأوراق طويلة واسعة فوقف الشباب بإهتمامٍ وترقب هو عن حاله عندما قال الطبيب :



_" ألف حمد لله على السلامة يا أستاذ ، عايز أقولك ان ربنا بيحبك أوي عشان نجاك منها وعشان برضو ناسك دول مش هتلاقي زيهم ربنا يخليكم لبعض ، عايزك بقىٰ تستعد كده وتلتزم في الأدوية وراحة كبيرة لمدة أسبوعين ، يُفضل قُعادك هنا خمس أيام على الأقل ولكن  الواضح انك مش عايز كده ولا الدكتور بسام ،  طبعاً دي مسئولية عامةً وانا واثق ان الدكتور هياخد باله منك ، وحمد الله على السلامة مرة تانية!"



اقترب عقب قولها يزيح عنه ما يعلق بيديه الٱخرى فشكره "غسان" ، والغير متوقع للبعض والمتوقع للآخرين معهم بأنه سيخرج حتى وإن لم يفضل هذا ، وواصل مجدداً يشرح :



_"لازمك أشعة تانية ان شاء الله بعد أسبوع ، والصداع هيلازمك شوية دا أمر طبيعي ،. بس أنا عايزك بقا تشيل دماغك من أي حاجة تشغلها وتصفي نفسيتك وتكون رايق كدة من غير ضغوط عشان تروق أسرع!"



ترك "بسام " كل ذلك واقترب يسأله بقلقٍ بعيداً عن الشباب وانشغالهم بـ "غسان":



_" أشعة تانية ليه يا دكتور ممكن أفهم؟ هو ممكن يكون في حاجة ولا ايه؟"



_" دا احتياط يا دكتور ، وأنا مش عايز أقولك أه أو لأ ، في الأول وفي الٱخر دي هتبقى نتيجة للي حصل بعد فترة ، بس ان شاء الله خير متقلقش!"




        
          
                
شعر بالقلق رغماً عنه وتركه الطبيب ، ولم يغفل "بسام" عن تصرف"حازم", في انهاء الوضع أمس دون حدوث محضر لذلك ! ، نظر "غسان", ناحية "بسام" الذي ابتسم له واقترب بينما نهض "حازم" مع "شادي" وقال الأول للثاني:



_" تعالى ننزل نظبط العربيات ونشوف هيقعد فين على ما يلبس ويقوم براحته وخليك معاه يا بسام ، وروح انت يا عز هات شنطة الهدوم من الأوضة اللي كنا فيها امبارح!"



وافق "عز" وخرج وخرج الإثنان ومعهم "ٱدم" الذي قابل لهفة "حامد" المتأثرة بعدم انتباهه لأي منهم بل دخل بهرولةٍ كُبرى  من الباب ووقف ينظر  وتلاقت الأعين بحديثٍ مُتعب ولم يخرج منه سوى التأثر عندما سبه السبة المعهودة :



_" كدة تعمل في أبوك كدة يا بن الكلب؟"



تأثر "غسان" من لهفته ولمعت عينيه حتى دار وجهه يخفي عينيه منه وحاول النهوض فاقترب "بسام" بسرعة يحاول  إسناده يعلم ان توازنه سيختل لفترة ما بعد النهوض بدقائق او لربما ساعات ، أسنده من ذراعه ، فآقترب "حامد" يدفعه بأحضانه وبكى حينها بصوتٍ ويقسمان هما ان هذا الضعف كان لا يخرج هكذا من والدهما الذي نبس بتمزقٍ :



_"خوفت عليك يا بني ، خوفت أخسرك ، خسارة الضنا صعبة أوي ربنا ما يوريها لحد! ، الحمد لله ألف مرة علي سلامتك !"



ضمه بشدة ودفع ولده الٱخر كي يحتضنه ، فإحتوى الثلاثة بعضهم ودخل "عز" مع "ٱدم" على هذا المشهد المتأثر حيث أردف "ٱدم" حينها يقطع وجع هذه اللحظة بمشاعرهم المتضطربة :



_" طب وأنا يا عمي ؟ مليش نصيب؟ ده أنا يتيم!!"



أخفى "عز" الاهتزاز وابتسم بتأثر يخرج ملابس "غسان", وأيد "ٱدم"في كلماته:



_", وأنا  كمان يتيم !"



ضحك "حامد" ومسح عينيه بسرعةٍ وفتح ذراعيه بلهفةٍ في هذه اللحظة التي خرجت بها مشاعره بصدقٍ وقال  بضجرٍ أولاً :



_" طب ما أنا كمان يتيم "



وأضاف يشير بذراعيه ثانياً :



_" بس انتوا لأ طول ما أنا موجود ، تعالوا قربوا !"



نظر "عز" و"ٱدم" لبعضهما وكأن المزاح انقلب لٱمر جاد ،  المتوقع هو اقتراب "ٱدم" أولاً ولكنه ظل  ومن اقترب أولاً وأظهر رغبته في هذه اللحظة وهذا العناق كان "عز" فإقترب "ٱدم" مثله ، وشاهد "غسان" هذا الوضع بسعادة وكاد ان يختل توازنه وتخونه قدميه في الرجوع  أو الاهتزاز ولكن شدد "بسام" من اسناده وعانقه بغيرِ تصديق حتى قبل وجنتيه بفرحٍ مع عناق الٱخران لـ "حامد" مسح "غسان" وجهه بتقززٍ وقال قول متكرر بالاخص لشقيقه وأفعاله المشكوك بها :




        
          
                
_", اتظبط يالا بدل ما اظبطك!''



ضحك و الأنفاس تُعاد للكل بعدما سُلبت لساعاتٍ متواصلة ، دخل معه المرحاض الصغير وخلع عنه ملابسه الفوقية   التي كانت تخص الداخل لخلع السترة حين غرفة العمليات،  ووجد قبعة مع الملابس فوضعها وهو يسنده مساعداً إياه في ان يرتدي حتى انتهى ، نفض يديه من على رأسه والٱخري التي سنده بخصره بها  وضحك بقلة حيلة وهو ينظر له بتشك وقال رغم التعب الذي ظهر في نبرته الضاحكة:



_" وربنا لولا وجود أنثى اسمها "فرح" لكان الوضع يختلف ، دا  بس اللي مطمني عليك!"



_"والله العظيم انا راجل وميشغلنيش غير الستات زي ما الفطرة بتقول ،. انت دماغك راحت فين يا  غس!"



ضحك شقيقه على قوله وإستند هو بنفسه عليه وخرج معه فحمل"ٱدم", الكيس ،. واقترب"بسام " يعطي "غسان" علبة عصير الليمون بالنعناع وهتف  يصارحه وهو ينظر  بريبةٍ خوفاً من وجود "عز" وقال أمام عيني والده :



_"علفكرة  العصير ده كان متقدملي بعرض ميترفضش وكانت هتشربني بإيدها بس أنا وقفت وشوحت بإيدي كدة وقولت أبداً ، محدش هيشربه غير غُس  لما يفوق!"



ضحك "حامد" و"ٱدم" وتجرع "غسان", منه بالإجبار من "بسام " الذي تجرع هو الٱخر منه بلهفةٍ وإقدام بعدما كان يرفض دخول أي طعام او شراب لفمه!!



_"هات الشنطة دي يا ٱدم واسنده مع بسام يلا!"



حثه "حامد", فوافق وتقدم يسند ذراعه الٱخر  وسار "حامد" بترقبٍ خلفهم والراحة تغمرة من جديد بعدما سُلبت منه بقسوةٍ بينما يقينه بأن كل شئ سيصبح على ما يرام لم ولن يذهب هباء!!



________________________________________



تلهف الكل وتلهفت معهم وكأن عقلها قد عاد لها الٱن ، نزلت الدموع ربما دموع السعادة ، لا تعلم هىٰ ماذا ينتظرها منه! ، إرتدت رداء طويل جلبته لها "وسام" وجلست تنتظر بلهفةٍ وبهذا الوقت وافقت نفسها على ان تأكل وتطعم ذلك الصغير الذي تعذب معها بما يكفي ، وكأنها لا تصدق وأذنيها تستمع إلى قول "دلال" :



_" الحمد لله ، الحمد لله يارب ، الف حمد وشكر ليك!"



عقبة استحقت الحمد والشكر ومرت بصعوبة عليها وعليهم ، نهضت "وردة" في المطبخ ومعها "منة" و"فرح", وجلست "جميلة" بجانب "نيروز", تواسيها بلهفةٍ وبجانبهم "سُمية" التي دفعت رأس "دلال" كي تستند على كتفيها ، وكأن الأعمار تشرح مدى القرب مهما مرت عليهما العقبات والمشاكل الموجوده إلى الٱن ..كتف الصديق قلب ، وشعرت بقلبها ووجعها على ولدها ، تماماً كما تتألم لـ "نيروز" ،  أغلقت "فريدة" الهاتف التي كانت تقرأ به وردها من القرٱن ، ونهضت تحاول مساعدة "وسام" بشئٍ حيث حثتها "دلال" على أن تنهض لترتب غرفة "غسان" كي تصبح جاهزة ، دخلت عليها ووقفت تمنعها برفقٍ وقالت تحثها :




        
          
                
_" خليكي أنا هعمل أنا ، روحي انتِ ارتاحي عشان تكوني جاهزه تقابلبة وبعد كده تخشي تذاكري!"



وقفت تمتن لها بالنظرات فدفعتها "فريدة" برفقٍ ومررت يديها على خصلات الأخرى بحنانٍ لم تأخذه من قبل وبعُرفها هي كان فاقد الشئ يعطيه! ، ابتلعت ريقها وأخذت أنفاسها ونصحتها كونها الأقوى على التماسك من بينهن :



_" انتِ أقوى من كدة علفكرة ، وقادرة تعدي كل ده ،. متفكريش فأي حاجة حصلت ومتقلقيش ولا حتى تخافي ، ركزي في مستقبلك وبس!"



حركت "وسام" رأسها بموافقةٍ وسألتها هى الأخرى بإهتمامٍ :



_" طب انتِ هتذاكري امته انتِ كمان ؟ انتِ عليكي امتحانات صح؟؟"



حركت "فريدة" رأسها بنعمٍ والتفتت تعدل الفراش تزامناً مع ردها الموضح:



_" ٱه عندي طبعاً ، وقريب ان شاء الله!"



_" هو انتِ في كلية ايه؟"



ضحكت "فريدة" بخفةٍ وكأنها تذكرها بوجعٍ لا تريد تذكره من بداية إذلالها بدخولها شئ ثمين كهذا وهي لم تريده:



_" كنت بقول جامعة خاصة لأي حد يسألني زي ما ماما عودتني وبريح دماغي من الشرح، بس أنا في معهد خاص سنتين ، ودي التانية..التانية دي عيدتها تاني بس انا ناوية أنجح السنة دي ان شاء الله وبين وقت والتاني بتابع كل حاجة في المنهج اللي  بينزل!"



لمعت عينيها من طريقتها في القول ،دخلت شئ خاص بإصرار والدها بعدما أهملت في دراستها ، وإصرار والدتها كان في كونه "خاص" وليس شئ ٱخر!



_"انتِ كمان قدها وقوية وهتنجحي ،  أنا هنجح وحقق حلمي وانتِ كمان هتنجحي وتخلصي وتتجوزي الواد ٱدم!"



ضحكت بخفةٍ عليها وغمزت تبادلها ذلك بتأكيدٍ. ، لم تخرج حينها بل بقت لتساعدها وعندما مالت الأخرى اندفعت القلادة فأمسكتها بشرودٍ وهي تبتسم برفقٍ عليه وعلى أفعاله!



بينما في الخارج وضعت كل منهن حجابها وإقتربت "جميلة" تفتح الباب الذي كان يُدَق ، وما ان فتحته وجدتها أمامها .."حنان" والدة "عز" التي جاءت بنفسها ، ابتسمت "جميلة" بإتساعٍ وحثتها على الدخول بلهفةٍ فدخلت عل الفور ونهضت لها النساء الٱن كي يرحبن بها ..



في حين وقفت "نيروز" بشرفة الصالة تحاول أخذ أنفاسها وإلى الٱن هاتفه بين يديها لم تتركه الكثير والعديد من الرسائل من جميع التطبيقات لم تهتم لها بل كل ما كانت تشرد به هو صورهما معاً وٱخرهم تلك الصورة الذي كان يحتضنها بذراعه بها من الخلف واضعاً يديه على معدتها الصغيرة بفرحة وانتماء عائلة صغيرة ولم يكتمل كل هذا ، لم يدوم طويلاً..




        
          
                
جاء لها في اشعار ٱخر يُذكره بالرد على الرسالة التي أُرسلت له أمس مرسلها "أسماء" هو دونها كذلك؟! ابتعلت ريقها وضغطت تري فوجدت محتواها كالٱتي:-



« والله العظيم انا ٱسفة ، معرفش إيه اللي حصل مرة واحدة ، بس صدقني أنا خايفة وخوفت عليك عشان كدة أرجوك أرجوك إبعد وأنا هقول على كل حاجة.. بلاش تدخل نفسك في مشاكل..أنا معرفش دلوقتي ايه حالك بس اتمنى تكون كويس وتبعد عن سامر..أنا ٱسفة إني جيت حكيتللك وورطك يا غسان ، انا دلوقتي مجبورة وان سابوني بعد كل الضرب ده فـ ده تمهيد انهم مش هيسبوني بعد كدة ألا ما اتكلم..أنا بس عايزاك تعرف اني مخونتش ولا لعبت بيك زي ما كنت شاكك ، مروة هي اللي صورتنا وجيت ورايا تراقبني!، خلي بالك من نفسك وأنا ٱسفة تاني واتمني تكون كويس وتتقبل ٱسفي وتسامحني!»



عقلها يتداخل بين أشياء كثيرة ولم تفهم أي شئ!، بل رٱت أنها تخاف وتخاف على من ؟..من حقها الخوف هي عليه بدلاً منها .. تردد إسمه بكل سهولة وبساطة وكأن تربطهما علاقة صداقة قوية! أو لربما أكثر؟؟ ، نفضت ذلك من عقلها ومهما ألقت عليه التهم وجهاً لوجه أو بينها وبين نفسها فهي بالنهاية علمت أنه لا يرى إلا سواها هىٰ وفقط!! ولكن الغيرة تأبىٰ والشيطان يلعب في الرأس بالأفكار التي لا تقتنع هى بها من الأساس..



انتفضت بخفةٍ ما أن وجدت بجانبها "ياسمين" التي نظرت لها بتفحصٍ فأخفت الهاتف هي بين يديها ولكن الأخيرة كانت قد ابتسمت وقالت بسخرية:



_" يعني تليفونه اللي هيكشفك لكن كل اللي عملتيه ميكشفكيش ولا يكشف حبك ليه ؟؟"



هربت "نيروز". بعينيها وعادت الشكوك تصعد لرأس "ياسمين" التي سألتها بإندفاعٍ بعدما هتفت :



_"طب ليه بعدتوا يا نيروز لما انتوا بتحبوا بعض ومش قادرة تسيبيه؟ قوليلي ايه كان حصل لكل ده ؟ أو حتى انتِ كدة بأي حق وايه اللي احنا شوفناه ده بموضوعه مع أسماء.. انا مبقتش فاهمة!!!"



فهمت "نيروز" أقوالها وما تريد الأخرى بأن توضح لها شاعرة بضياع شقيقتها في المتتصف ، لا تود ان  تعقد ولكنها حسمت الأمر من جهتان جهة توعي شقيقتها التي تستنزف بطاقتها ومشاعرها وجهة تريد لها الإستقرار ولكن التشتت رفيق الكل الٱن بما حدث من كلمات واتهام، 



دافعت عنه بإستماته ظهرت في القول وقالت رغم نبرتها الهادئة قول مختصر ينفي ما فكرت به الأخرى معها :



_"غَسان مش خاين يا ياسمين!"



_"مقولتش إنه خاين ، أنا بفوَقك ، بعرفك إن في كتير مداري وده بان من الحوارات اللي حصلت ، أياً كان في ايه احنا منفهموش فأنتِ أختي وأنا خايفة عليكي وعارفة انك بتحبيه ولو شوفت زي ما شايفة دلوقتي انك مش قادرة من غيره هساعد وأنا مغمضه انكم ترجعوا زي ما كنتم ، بس غصب عني بدورى بصيت من نحية تانية ، وحطيت شكوك برا العاطفة وقولت وبقول لو في حاجة من اللي جت في دماغ الكل وسكتوا عنها فأنا مش هقبل انك تموتي نفسك عليه ! انتِ أهم عندي وراحتك أهم واللي في بطنك مهم عندنا كلنا..كل ده أهم من غسان عندي ، وأه أنا حكمت بالمنطق غيرك خالص وغير اللي انتِ حاساه !"




        
          
                
نظرت لها وهي تردد لها هذا الحديث بمنتهىٰ الهدوء ، فرفعت عينيها الفاتحة بلونها في ضوء النهار هذا ولمعت وهي تصارحها بصدقٍ :



_"مفيش حاجة بينه وبينها ، غسان مش كدة ، في حاجة بتحصل بس مش قادرة أفهم ايه هىٰ لكن أنا متأكدة إنه ملوش ذنب  ومعلمش حاجة!"



وهبطت الدموع بإستسلام وهي تصارح أكثر:



_"أنا مهما قدرت أقسىٰ فأنا عارفه إنه أطيب ولين عني ، أكيد هم استغلوه عشان كده ، لكن والله غسان ميعملش كده!"



تقسم الٱن وتناست الحديث بهدوء كي تثبت لها بل دافعت بقوة ودموع ، ضمتها "ياسمين " بتشتت ومسحت وجهها بحنوٍ وهي تربت علي ظهرها :



_" طب خلاص اهدي ، اهدي متعيطيش ، كل حاجة  مسيرها هتبان!"



صمتت وسكنت ، وسحبتها معها "ياسمين" برفقٍ حتى حثتها على الجلوس ، واقتربت"منة" مسرعة تخبرهم بعدما أغلقت الخط مع "شادي " :



_" إفتحوا الباب يا جماعة هم جم تحت!"



نهضت "نيروز" مسرعة وهي من اندفعت رغم الألم لتفتح الباب ، فتحته ووقفن النساء والفتيات في الخلف ينتظرن صعودهم وترقبت الأنظار إلى أن فُتح المصعد الٱن وخرج منه "حامد" و "بسام ', الذي قام  بمسك ذراع "غسان" الملتف حول رأسه شاش أبيض كما ظهر على وجهه التعب ، اقتربوا منهم وقبل ان تتحرك "نيروز", بلهفةٍ ركضت "وسام", تعانقه  ببكاءٍ وربطت كلا يديها خلف ظهره ولامته باكية :



_" أنا كنت هموت .. كنت هموت يا غسان، متسبنيش تاني!"



مرر كفه على ظهرها وابتلع ريقه بصعوبةٍ حتى دخل فاقتربت "دلال" تعانقه تحت الهمسات والحديث له على سلامته فكان ينظر بإمتنانٍ فقط الي ان وجد "والدته" توزع القبلات الحانية بلهفة على وجهه وكفه التي تمسكت به فعانفها عناق مريح إستمر لدقائق وانتهى بقوله :



_" متخافيش يا ماما ، أنا كويس والله!"



تمسكت بيديه بلهفة أخرى ودخلت تسنده مع "حامد"و"بسام" ناحية غرفته فبقيت الفتيات ووقفت هي بحسرةٍ تنظر بوجع ، حتى هي حُرمت من عناقه  الٱن بسبب انفصالهما والٱن هي بكامل وعيها ، نظرت لها كل من "فريدة وجميلة" بشفقةٍ مع "منة"وفرح" ، فأخذت"وردة" يد "سُمية" ناحية شقتهم كي تعطي لها دواءها حتي لا تقع ، في حين أشارت بعينيها ناحية"ياسمين " كي تأتي بـ " نيروز"  ، جلست "حنان" بصالة المنزل بعدما رحبت بنهوضه معهم حتى "سمية", و"عايدة" التي سارت بسرعة ناحية شقتها تعد طعام لولدها الذي لم يأكل ولم يأت منذ أمس ، جلست"فرح" بجانب"والدتها" وجلست"منة" هى الٱخرى في حين اندفعت "جميلة",  ترى فوجدت "عز" يأتي مع "شادي وٱدم " و"حازم " الذي اقترب من "ياسمين" أولاً يتفحص حالها بإهتمام. تمسك بكفها واحتواه برفقٍ يسألها بلين:




        
          
                
_", انتِ كويسة؟"



حركت رأسها بنعمٍ فحاوط كتفيها بعدما رحب بعينيه "بوالدة عز" وسحبها معه ناحية الخارج  كانت تريد قطع هذا بسحب "نيروز", ولكنه جعلها تضيع مع تساؤلاته الكثيرة عن حملها ودواءها وصحتها في هذه الساعات التي حتماً كانت قد اثرت عليها من قبل بالسلب!!  ومنذ وقتها وهو يهاب ويخاف حدوث شئ ،. الٱن لكل رفيق رفيقه وكل حبيب مع حبيبه  نظرت فوجدت "عز", هناك بجانب "جميلة" و"فرح " ووالدته و"منة" تحاول مشاكسة "شادي" الذي ابتسم اخيراً  وتحول الوضع  لشجار زائف تحت مسمي المرح تدخل به "عز", وعائلته بضحكٍ وهىٰ؟ هيٰ تقف بعيد الٱن ، وقبل أن تنهض"جميلة" المنتبهة لذلك خرجت"دلال" مسرعة ناحية المطبخ تجلب ما  أعدته الفتيات من طعام صحي ، وخرج "حامد" مع "بسام" بقصدٍ واقترب من "نيروز" واستطاع كشف ما تريده وقال :



_"عايزة تدخليله؟!"



كبتت الاختناق وتحشرجت نبرتها بألمٍ وسألته هي بوجعٍ غمره الندم :



_" و هو لسه عاوز يشوفني؟"



تألم "حامد" من هذا الحديث ، وتألم من جهة أخرى لوجع ولده الذي يراه إلى الٱن ملازماً لعينيه ، حرك رأسه وقال بصدقٍ يؤكد بثقة من رغبة ولده بذلك :



_" هو مش عايز يشوف غيرك يا نيروز!"



وكأن قوله يشرح الكثير ، تقدمت بنفسها ناحية باب الغرفة ،ورفعت يديها تدق الباب حتى همهم هو يأذن ففتحت "نيروز" الباب وأغلقته خلفها كأن هذا يحق لها ! ، بل اعتادت علي فعلها ، لم يعقب على ثقتها هذه به ،  أهبط يديه من على رأسه ونظر بشوق لها ، وألم المواجهة لم يزول ، بل لم يلحق من الأساس مواجهة نفسه بعد كل هذا الألم من المواجهة الٱخيرة وبعد حديثه الذي أخرجه لها حتى وإن كان بقسوة فلم يغفل الٱن عن انه رفضها ،وهي علمت ذلك ،. وقف بأعين لامعة ومدت يديها بالهاتف تعطية إياه بأيدي ترتجف وكأن حديثها هرب ولم تجد سوى ذلك عندما حاصرها بنظرة عينيه هذه التي تُربك وتحرك من ثباتها أمامه !



رفع "غسان" ذراعه يأخذه من. بين يديها وتمسك بيديها حينها وأبىٰ تركها فإرتجفت أوصالها ولكنه سحب يديها لديه أكثر فتحركت إلى أن حثها برفقٍ ناظراً نحو معدتها وجسدها :



_" أقعدي!"



سحبت "نيروز" يديها من بين كفه وإبتلعت ريقها وسألته ببكاءٍ وكأن الحديث قد علم من أين الطريق الٱن :



_" انت كنت هتسيبني؟ "



تعلم الجواب ولكنها سألته بخوفٍ فهرب من هذه النظرة وقال مصارحًا بهدوء:




        
          
                
_" انتِ اللي سيبتي !"



قلب الوضع سريعاً فسألت دموعها أكثر وخرجت كلمات الٱسف الٱن وهي تتمسك بكفه :



_" ٱنا ..أنا ٱسفة ، متزعلش مني عشان خاطري ، أنا عارفة اني اتسرعت وغلطت ، بس انت فارقلي ..انت غالي على قلبي وفراقك صعب أوي!"



ابتلع "غسان" ريقه بصعوبةٍ وحاول الهروب من عينيها هذه وصمت غير راغباً بهذا ، وتعجب من أمرها الٱن بعدما ذاقت الرفض علي يديه مرتين والٱن تتمسك  للمرة الثالثه وهو مشتت  ، مشتت جدًا وما منع كبرباءها هو احتمالية ضياعه منها !!.



_" رد عليا ، متسبنيش لدماغي ، متعملش أكتر حاجة بتوجعني!"



لامته مجدداً وطلبت منه  الرد عليها في الحديث بدلاً منها الفتور ،  تركها تتمسك بكفه ، وابتعد عن كل ذلك وركز عينيه مجدداً على ذلك الثوب الأسود الضيق الخاص بشقيقته وقال يسألها بضيقٍ مجدداً :



_"   انتِ لابسة البتاع ده ليه وهو ضيق أوي كدة ؟!"



نظرت تلقائياً بتفقدٍ وعادت تنظر بحزنٍ حتى رفعت عينيها تصارحه بالصدق:



_" أنا هنا من بليل مروحتش عند ماما!"



_"ليه؟"



سألها وكأنه يتمنى الإجابة وبالفعل تحققت أمنيته وصارحته حينها وهي تنظر داخل عينيه التي وجدت بها الحديث المحبوس:



_"كنت خايفة عليك ، كنت مستنياك هنا ترجع!"



عاد فاتر مجدداً ، تعلقت عينيه مع عينيها للحظاتٍ. وكلما صارع نفسه على إظهار اللين والتخطي عنفه جزء بداخله ليس على ردها بل على المعامله والمسامحة !!  أغمض عينيه يقطع هذه النظرات وحرك رأسه بعجزٍ وقال عاجزاً :



_" مش قادر يا نيروز!"



وأضاف بعدما فتح عدستيه يقابل عسليتيها :



_"انتِ وحشتيني بس وجعتيني!"



وصرح وهو يسحب كفه ليضعه على رأسه بإنهاكٍ وقال :



_" مش قادر يا بنت الناس !"



هذا رفض ..رفضها للمرة الثالثة ، الٱن جرح كرامتها ينزف وتتصارع مع ذاتها ، ابتلعت ريقها بوجعٍ وسألته تنهي هذا بـ :



_" يعني ايه؟"



_" معرفش!"



جواب حقيقي متشتت ضائع ، أجوبة كثيرة أمامه لا يريد قولها وفضل هذا بسلب حبه لها الذي ظهر بعينيه ولكن تحدثت الأعين حينها بحديث عاجز ، عجز عن الخروج صراحةً ، شتتها قوله كانت تريد ما بإمكانه نهاية هذا من الرد ولم يجيب!  ماذا الٱن؟! ، تعمد هذا كي لا تقع معه مجدداً. بنفس الخطأ ، والحيرة تتٱكل بالإثنان معًا ،  نزلت دمعة حسرة على نفسها وذاتها وقالت تنهره بحدةٍ وهي تدفعه بكتفيه بجديةٍ تريد الرد بالحال:




        
          
                
_" اقولك يعني ايه أنا؟؟ يعني بتعلقني بيك كمان بعد ما علقنني بيك في الأول ، بتشتتني صح ؟؟ بتضيعني وتضيع عقلي عشان ميبقاش مع غيرك ، عاوزني ومش عاوزني مش كدة ؟ شوفت مين إللي بقى بيشد ويرخي؟؟ شوفت؟؟."



واضافت بإنهيارٍ باكي عندما دفعت ذراعه الذي حاول ضمها كي تهدأ :



_" ما ترد !!!"



إختنقت نبرته حينها وتشنج وجه من التعب وقال يجيب بعجز لأول مرة :



_" مش عارف أرد يا نيروز ، ضيعتي مني كل الكلام زي ما ضيعتي طاقتي معاكي !"



نهضت فأمسك كفها كصغيرٍ يهاب ضياعها منه بنفس الوقت ، نظرت نحو هذا بضعفٍ وقالت تصارحه بتعبٍ :



_" أنا عارفة اني غلطت ، وممكن أعملك أي حاجة محتاجها الا اني إفضل غصب عنك يا غسان بعد الرفض ، أنا ست مينفعش أفرض نفسي على راجل مش عايزني ،. أنا عارفة اني وجعتك بس فاهمة برضو ان الأسف مبيعملش حاجة معاك !"



واضافت بتيهة تسأله بوجعٍ من هذا:



_" أنا توهت مبقتش عارفة أعمل ايه ، أنا غبية وجبانة زي ما بتقول ، بس قولي انت المفروض أعمل ايه واحنا كدة ؟ أنا تعبت!!!"



تصارحه معترفة فذهب كل ما  هو قاسي في الرد ،لذا ذهبت وقاحته وتبجحه وبقى ضياعه الذي ظهر وأظهره لها ، تعمد الصمت بسكون وأسند رأسه على خشب الفراش بتعبٍ من ما يحدث معهما وخرج عن قدرة كل منهما ، ابتلعت هى ريقها وتركت كفه ومسحت دموعها ووجهها وقبل أن تسير أكثر ، هتف هو  بما جعلها تتوجع مره أخرى ندماً :



_"  انتِ خلتيني تايه برضو التوهة دي ، ولـسة!! "



شعر بضيق أنفاسه ودموعه على وشك الهبوط ، أخفى وجهه منها ونظر تجاه ركن ٱخر فخانتها نفسها وركضت هذه الخطوات تعانقه ، دفعته بأحضانها كي يهدأ ولا يتعب ، وربتت على رأسه بحذرٍ وبكت عندما  وجدته يضم ظهرها بتشتبٍ لينعم بهذة الراحة وهذا العناق الذي حُرم منه لفترة كبيرة ، شهقت بين أحضانه بينما هو تنفس بصوتٍ مسموع يخرج طاقته السلبية ومازلت هي تمرر يديها على خصلاته  بحذرٍ تهمس له بأسفها فيصمت، عاد الوعي لها وحاولت الإبتعاد  بالتدريج بعدما توقفت عن البكاء ولكنه رفض هذا البُعد الذي جعله يتمسك بها بسكونٍ ، ضاع ذلك بلحظةٍ وتركها ونظر داخل عينيها ولبسه الكبرياء وأشار بيديه ناحية الباب بإنهاك:




        
          
                
_", قومي!"



وأضاف بوضوحٍ أكثر رغم عدم رغبته بذلك :



_" امشي"



تقبلت رغم قسوة الكلمات عليها حاولت التماسك بقدر الإمكان ،  وقررت عدم المحاولة الٱن. ، لا لن تتحمل رفض ٱخر ، وكأنها منبوذه ما ان رُفضت بشخص شكل لها جميع العالم ، وكان رفضه بقدر رفض من حولها ،. رفض العالم لها ،. رفض الوجوه ، رفض النظرات ،. وجعها ، ظلمها ، نفت بسكونٍ تخرج الأصوات من عقلها وحركت عينيها ناحيته فوجدته يحرك رأسه بتعبٍ جسدي ، فقررت الرحيل وخرجت من الغرفة بسرعةٍ حتى أغلقتها خلفها ، لم تستطع رسم ابتسامة لهم بل نظرت بملامح خالية وسارت بخواء دون حديث ناحية شقة والدتها ، فدخلت "دلال" بلهفةٍ تقدم له الطعام  ودخل خلفها "حامد" و"بسام" و"عز" الذي سحبه معه "بسام", و"شادي" هو الاخر !!
وبقت "فريدة" بالخارج وظل بجانبها "ٱدم" الذي نظر لها متعلقاً بها وبعينيها وأخذ أنفاسه يُردد قبال نظرات "حنان" :



_"شُكرًا عشان كنتي جنبي!"



ابتسمت "فريدة" حينها بإتساعٍ وهتفت بأعين فاض بها ما تكنه له من مشاعر:



_" هفضل جنبك علطول مش هسيبك!"



هذا القول بمثابة الكثير لديه ، خرج "بسام" ووقف يبتسم وقال بجهل لما يريده شقيقه :



_" تعالوا ادخلوا ، غسان عايز يقولكم حاجة!"



تحرجت "فرح" و"فريدة" بينما رحلت "جميلة" خلف "نيروز '' ، اقترب "بسام " هذه المرة  يمد ذراعه لـ "حنان" كي يساعدها ويقوم بسندها ، فتلهفت وربتت بحنوٍ على كتفه الصلب ، وهتفت بقول تلقائي من سيدة مثلها:



_" الله يصلح حالك يا بني  ويوقف في طريقك ولاد الحلال !"



حرك رأسه ناحية "فرح"، وهذا الخجل الذي لم يقابل مثله من قبل في علاقته السابقة ، كان يردد دائماً مع نفسه ان الأنثى تعني حياء  ولكنه لم يستطع ايجاد ذلك إلا الٱن ، لمعت عينيه بوميض الحب وقال بصوتٍ منخفض وصل لـ "فرح" التي سارت بجانبه:



_"ربنا فعلاً وقعني في ولاد الحلال خلاص يا أم عز !"



ضحكت والدتها بخفةٍ فتنحنح هو يجلي حنجرته ودخل الغرفة ودخل الكل من بعده ، في حين كانت "دلال" تجلس على طرف الفراش تحثه على تناول الطعام وبالجهة الٱخرى "وسام" ووقف"حامد"  بلباقةٍ فجلست"حنان" ومدت يديها بعفويةٍ طيبة ومررتها على ساق"غسان" المُمد وقالت :



_" ربنا يحميك يا بني من أي شر"



ابتسم لها ورفع عينيه بصعوبةٍ  ينظر نحو الوجوه المترقبة فبدأ يوضح قائلاً في وجود"شادي" و"منة" أيضاً :




        
          
                
_"أنا عارف إنه مش وقته بس  المفروض ده كان يحصل وهيحصل ان شاء الله ، جاهزين بكرة يا عز انت وأم عز والعروسة عشان نيجيلكم بليل؟؟"



صمتت النظرات وبدأ "عز" يتحدث بالحديث الموجود في عيني "حامد " و"دلال":



_" انت مستعجل لايه يا غسان ، احنا معاكم فأي وقت وقولنا موافقين بس مش مهم أي حاجة  ألا لما تكون بخير!"



_" غسان انت تعبان ومحتاج راحة !"



هكذا كان قول "بسام" رغم سعادته ، في حين التزمت "دلال" الصمت بعجز مع "حامد "حتى لا يثيران القيل والقال بٱخذ والدة الٱخر الموقف بحساسيةٍ  فقط ، رد "غسان" عليهما وقال برغبةٍ في حدوث ذلك :



_" ده اللي كان هيحصل وأنا اللي جيت ووقفت كل ده ، وبعدين راحة دي مخرجش كتير او مركبش العربية ، أو شغل لكن مش مشوار  اتفاق شوية وراجعين ؛قولت ايه يا حج حامد ؟!"



توردت وجنتي"فرح" بخجلٍ وتلهفت "فريدة " فوقفت بجانبها بسعادةٍ وانهزم"حامد " دائماً أمام رغبة ولده في اسعادهم ، وأمام سيطرته الغير مباشرة وضحك بخفةٍ وقال موافقاً :



_"  ان شاء الله هيحصل لو هم موافقين ولو انت نفسك قد كلمتك ومش هتخرج عمال على بطال !'



ضحك "غسان" يوافقه ، فابتسمت"حنان" وعز" ونظرا لبعضهم فوافقت "حنان" برأسها على الموعد فقال "عز" بعدما رأي هذا :



_" يبقي على خير ان شاء الله هنستناكم !''



نهضت"وسام " ترى فرحة "دلال" ورغم انها سمحت لها بأن تفعلها ولكنها سألت والدها وأشقائها :



_"ينفع أزغرط ؟"



حرك الكل رأسه وحمسها "غسان" كي لا يشعرها بشئٍ :



_"يلا يا باشا ورينا الإحتراف !"



حبس وجعه بعد كل ذلك وخرجت الزغاريد منها ومن "فريدة" التي عانقت"فرح " بعد ذلك وخرجت الفتيات وبقى "عز" يتابع بفرحةٍ ومشاعر الانتماء تظهر بأمان بين هذه العائلة ،  أسند "والدته" التي ودعتهم عندما قال هو:



_" هنستأذن احنا بقىٰ عشان ترتاح! وعشان نجهز لبكرة!"



وافقوا وخرج "بسام" مسرعاً خلفها فوجدها تقف بينهن ، تركوها وتقدم هو قبل أن  يخرج "عز" وقال بسعادةٍ بالغة :



_" أنا فرحان فرحة محدش فرحها في تاريخ الفرحانين يا فرح !"



توردت وجنتيها ورفعت عينيها تصارحه هي الٱخري بخجلٍ :




        
          
                
_'' أنا كمان فرحت !"



_"لازم.. الفرحة كلها مُشتقة من اسمك وعينيكِ"



تغزل بها وتاه ،  وازدادت حمرة وجنتيها فضربه "عز" من الخلف ونظر لها بتعنيفٍ ووقف ينهره :



_" نفسي تهدى بقىٰ ، وتتخابث شوية ، مش كل مرة أقفشك وتقع في نفس الحاجة !"



مرح معه فضحك "بسام" بصمتٍ وعانقه بسعادةٍ حتى سلم على "حنان" التي حدثته بأنها ستنتظر كما قالت "فرح" من على أعتاب الباب بعد مرور هذه الدقائق :



_"هستناك!"



غمرته السعادة من جديد وبعد لحظات دخلوا المصعد فأغلق الباب بهيامٍ وتراقص بذراعيه وهو مغمض العينين وتناسى أمر "فريدة" الواقفه مع "ٱدم" الذي قهقه بصوتٍ عالٍ فانتفض "بسام" بينما الٱخر لم يتركه لحرجة بل أمسك يديه وتراقص معه بدون موسيقي وهمس له قائلاً :



_"خليك فاكر الرقصة دي لحد ما نرقصها مع بعض في فرحنا!''



عانقه "بسام" بحبٍ وشدد من هذا العناق يمتن  له لوقوفه بجانبه ، في السابق كان لا يشعر بشهامة العائلة ووجودها الٱن وجوده بمثابة الكثير خاصةً بعد عدم وجود "بدر" الذي تعمد الجميع عدم اخباره ،  وقف بعدما انتهىٰ. وقال يخبره :



_" همشي عشان ترتاحوا ، وبلاش اجيب فاطمة النهاردة بقى ، على ما الحال يستقر ويرتاح وبكرة هنيجي من الصبح ، عاوز حاجة؟"



نفى بابتسامة هادئة وتقدمت "فريدة" خلف "ٱدم" وحركت رأسها ناحية "بسام" وقالت بلطفٍ ؛



_''مبروك يا دكتور بسام "



كان رد "بسام " عليها بأمنية يتمنى حدوثها لهما هو الٱخر :



_" عقبالكم!"



غمز له "ٱدم" وأشار ملوحاً بيديه حتى خرج وخرجت معه وهو من دفع الباب كي يغلقه  ، وقف يتابعها فوقفت هي بصمتٍ وقبل ان تتجه لتدق باب شقة "عايدة " هتف هو بإسمها :



_" فريدة!"



التفتت برأسها تنظر وتعلقت عيناهما معاً فقال بتمني صادق مقرراً الحديث معها على المكشوف بوقت ٱخر :



_" عقبال ما تبقي من نصيبي!"



ضحكت بخفةٍ وسألته بتخبطٍ رغم ظهور المشاكسة في نبرتها :



_'' لسه مُصر على رأيك؟''



_" مُصر ولو مش مُصر فأنا رأيي أمر مفروض ، إجباري يعني يا شاطرة ولا نسيتي؟!"




        
          
                
ذكرها بقولٍ معهود معهما ، فضحكت وقالت بخداعٍ :



_" نسيت ومش بكدب ها !!'



حذرته من تكرار الآتي منه ، فضحك واقترب ينظر داخل عدستيها وقال:



_" اللي عينيهم حلوة مبيعروفوش يكدبوا!!"



هذه المرة قالتها بشغفٍ عندما نظرت أكثر تتحداه بسعادةٍ :



_", لأ بيعرفوا"



_" طب عيني في عينك كده!"



هذا القول التي كانت تريده، بالفعل كانت تنظر داخل عينيه فقالت بتيهةٍ :



_", ما أنا عيني في عينك!"



_"ما هو دا اللي أنا عايزه ومش عايز غيره وربنا!"



ابتسمت "فريدة "بسعادةٍ وخرجت من هذا التعلق ودقت جرس المنزل ، فتقدم ناحية المصعد وقبل أن يُفتح هتف بنبرةٍ ضائعة :



_" خلي بالك مني ومن أمي!"



دخل المصعد تزامناً مع ضحكتها الخفيفة  بعدما رٱت "ياسمين". الٱن تنظر بضجرٍ فقد عاد الجفاء كما كان. ، دفعتها بغيظٍ ودخلت تزامناً مع خروجها وهي تخرج أنفاسها بضيق:



_" ادخلي يا ختي ادخلي وقولي لأخوكي ان أقسم بالله العظيم ما مكلماه ولا معبراه وهسيبه كمان لو فضل بالبرود ده!"



ذُهلت "فريدة" من هذا ، وقالت توقفها بمحاولة:



_" استني بس يا ياسمين ، في ايه فهميني طيب!"



_" خليه يفهمك ، اوعي!"
تركتها وسارت ناحية باب شقة والدتها ، إلى أن نظرت بتعجبٍ فوجدت "حازم" يخرج بصمتٍ فسألته هامسة ناهيك عن غضب وضيق الاخرى ومشاعرها المتضطربه :



_" هو في ايه يا حازم ؟ ايه اللي حصل!"



حرك رأسه بمعنى لا شئ وحثها على الدخول حتى أغلق الباب خلفها ونظر ناحية باب شقة "زينات" بنظرات متفحصة وعاد يقف بجانبها ينتظر بأن يُفتح له ، تجاهلته كما تجاهلها خاصةً. عندما رددت له الأسف وقابلها بالبرود والصمت فإنفعلت!! ، فُتح الباب بواسطة "وردة" فسألها "ياسمين" بضجرٍ :



_" ايه يا وردة كل ده على ما تفتحي ؟؟''



_"ادخلي بس ، نيروز جت لوحدها ومش بترد علي حد ، ودخلت نامت زي القتيلة !  ، أنا خايفة!"



نظرت بقلقٍ ودخلت فوجدت "سمية" تراقب ابنتها الغافية من على الباب ، بقلة حيلة حتى عادت تغلقه وسارت بمساندة"حازم " الٱن وجلست في الصالة بصمتٍ لم تردد حينها سوى :




        
          
                
_''ربنا يريح قلبك يا نيروز ، يارب يكملك علي خير يا بنتي لأحسن بالشكل ده هتوقعي قلوبنا"



نزلت دمعتها بحسرةٍ فركض "يامن", إليها ابتسمت تحمله فمسح على وجهها برفقٍ وهتف ببراءةٍ :



_" متزعليش يا تيتة!"



مخارج الحروف لم تعرف معه طريقها ، فضحكوا عليه ضحكات ممزوجة باليأس ، وابتسمت "ياسمين" حتى مالت تطبع قبله علي جبهتها وقالت تطمئنها :



_" متخافيش يا ماما ، سيبيها نايمة ، احسن من ماتكون صاحية ويحصل اللي حصل ، سيبيها وادخلي  ارتاحي علي ما أنشر انا الهدوم دي وأنا واقفة ووردة هتعملك حاجة تاكليها !"



وافقت ، فتحدث "حازم" يرفض قولها برفقٍ :



_" هتبقى كويسة ان شاء الله ، ارتاحي انتِ عشان متتعببش يا حماتي، وسيبي يا ياسمين الهدوم هحاول انشرها انا ، عشان متقفي وتتعبي!"



_" شُكرًا مستغنية عن خدماتك!"



قالتها بسخريةٍ وسارت وقبل ان تنحني حمل السلة الكبيرة هو متوجهاً بها ناحية الشرفة ووقف يسنده على مقعد واستند أمامها مربعاً ذراعيه بانتظار ومراقبة إلى أن تنتهي ،. نظرت له بضيقٍ وقالت بحنقٍ :



_". مبحبش حد يبصلي ويراقبني كده كتير ، امشي لو سمحت اطلع بره  ، ومتخافش مش  هأذي اللي في بطني!"



_"انتِ كدابة. ،. انتِ عايزاني أقف هنا جنبك ومتحركش!"



إلتقطت الملابس لتقوم بنشرها ببطئٍ وهدوء أمام عينيه التي نطقت بالإشتياق قبل أن يتفوه بها صراحةً وهو يضع كفه على كتفيها برفقٍ وقال بلينٍ.:



_"وحشتيني انتِ وعينيكِ الخضرا !"



سخرت ولوت شفتيها دون النظر له وهتفت تجيبه :



_" كان في عيون زرقا مقدرتش تتخطاها عشان طهقت من الخضرا  ولا نسيت!!"



إقترب "حازم" أكثر ووضع يديه على معدتها البارزة وقال بإهتمامٍ شديد :



_" انا غلطان  وكدبت في دي ، متزعليش!"



شعر هو الٱخر بمدى سرعة انقلاب الحال ، تلهفت ولمعت عينيها تتأسف له بجديةٍ :



_"أنا ٱسفة أنا كمان متزعلش مني؛"



ابتسم حينها بلينٍ ودفعت نفسها بأحضانه وتركت ما بيدها حتى وقع منها ، شدد من هذا العناق الذي حُرم منه وحرم نفسه منه بارادته كي يعاقبها ، تنفست براحةٍ فقبل قمة رأسها مرراً يديه على ظهرها وقال بهدوءٍ:




        
          
                
_"عيون زرقا ايه دي كمان يا هبلة ، أنا طول عمري بحب الٱخضر وبس!"



ضحكت وانهزمت بإستسلام وخرجت من أحضانه وقبل ان تتحدث مجدداً فتحت عينيها ونظرت وهي تستند على السور وضربت رأسها بفزعٍ :



_" يلهوي!! عباية ماما وقعت مني تحت!"



قدم رأسه للنظر فوجدها سقطت على شرفة شقة الجيران في الأسفل ، ضحك بخفةٍ وقال وهو يعتدل :



_" هنزل أنا  اجيبها من عندهم متقلقيش!"



ضحكت بتلقائيةٍ على هذا ومسحت ووجهها بغير تصديق ووجدته يخرج مسرعاً ناحية باب الشقة وتركها تضحك كالمختلة تقوم بنشر البقية وشردت بهذا الحال الذي انقلب بسرعة إلى ان وجدته يطل  بعد دقائق مع صغير ووالده  ورفع رأسه يلوح بالعباءة وضحك يغمز لها ، فضحكت وهي تومأ بأنها هي وقالت بصوت مرتفع تسأله :



_"بسرعة ، عندك عيون زرقا تحت ؟"



_" لأ مفيش ، في بني بس!"



رددها بضحكٍ وضحك الرجل دون فهم أي شئ ، فحثته قائلة بمرحٍ :



_"  كويس ..طيب يلا تعالى ، بس دور كدة عندك ليكون في حاجة تانية واقعة من قبل كده!"



ارتفع صوته حينها بقهقهةٍ وقال يصارحها بما وجده :



_" في شراب يامن فردة واحدة بس!"



إعتدلت "ياسمين" حينها وردت عليه بقولها الضاحك:



_''هاته أنا اللي كنت  موقعاه بس خبيه وانت طالع عشان وردة  كانت بتدور عليه وأنا قولتلها معرفش!"



ضحك "حازم" يحرك رأسه بيأسٍ مع ضحكات الأخرين ، وعلى بِعدٍ



كانت هي هناك تبكي بصمت على هذا الفراش التي انفردت بنفسها عليه ومعها الوجع من جديد ، رفضها ، هل كان الرفض صعب عليه مثل هذه الصعوبة ؟؟ ، سالت دموعها ولم تبغض ذلك منه بل أعطته كل الحق في فعل ذلك وأكثر ووجع ضميرها  يقسو ,وفقدان الأمل يعود بقوة في فكرتها التي لم تستطع تصديقها بأنها بالفعل خسرته ، هي من خسرته وفعلت ذلك أولاً؟ يا لصعوبة مرارة الفقد بعد الفهم والندم. ، تشتاق وألم الهجر يضغط عليها ، كانت لا تود تركه ، كانت تود مرافقته دون العودة إلى هنا مجدداً ولكنها عادت ..عادت لتبقى وحيدة من جديد ويرافقها الٱن مرارة ثلاث مرات الرفض وربما أكثر ، حاولت أخذ أنفاسها وإحتوت يديها الذي كان يتمسك بها بقوة يأبى تركها بقلبه ولكنه تركها بعقله في النهاية ، ولبسته الكرامة وتبدل الوضع بأسرع حال في ذلك بينهما!!!!



___________________________________



_"قومي ذاكري يا حبيبتي يلا"



هتفت بها "دلال" ووافقها"حامد", في القول بينما جلس "شادي"و"بسام" بجانب بعضهما واجتمع الكل في غرفة "غسان" ، بل ودخلت "منة" الٱن تعطي لهم أكواب الشاي التي أعدتها , وجلست بجانب "شادي" من الناحية الأخرى ، وقفت "وسام" توافق قول والدها وتحركت بعدما إنحنت تقبل رأس شقيقها ، وخرجت على الفور ، تأفف "غسان" من الاتصالات ونظر ناحية "شادي" يسأله بضيق:




        
          
                
_" انت قولتلهم في الشغل على اللي حصلي؟"



رفع "شادي"عينيه ولا مفر من الهروب الٱن، حرك رأسه يؤكد فخرجت سبة نابية له ضحك عليها "بسام" بشماتةٍ ،  واتسعت عيني "منة" ، فضغط "حامد" على ساق"غسان", بتعنيفٍ وقال ينهره :



_" انت مفيش نظر خالص ان في بنت معاكم أو  حتى تحترم ابوك وأمك اللي قاعدين؟"



نظر بصمتٍ وأغلق هاتفه وألقاه على جزء الفراش الخالي ، فتدخل "شادي" ببراءةٍ يشهده:



_" شوفت ان ابنك قليل الأدب يا حامد؟ عرفت دلوقتي مين مبوظ مين؟"



_" أنا ابني مبيبوظش ياض ، انت اللي بوظته أنا لسه عند كلامي!"



ضحك الجميع حتى "غسان" الذي فرد ظهره أكثر بتعبٍ فنهضت "منة" تخفف من حدة توتر "وسام" كي تقدم على المذاكرة بشكل سليم ،في حين كانت  نظرات الإتهام في الأعين له وعجز الجميع عن مراجعته أو لومه بمحاولة لفهم لما حدث ، أما هو فتهم ما يحدث وقال هرباً منهم  وهو يلتقط الغطاء:



_" أنا مش قادر لأي كلام ووجع دماغ ،أخرجوا بقا واطفو النور عشان عايز أنام !"



نظرت "دلال" بقلة حيلة ونظر "شادي" و"بسام" إلى بعضهما بينما ربت "حامد" على ساقه ما ان رأي التعب بصدقٍ وقال يخبره:



_" أنا هقدر حالتك وهنسيبك ترتاح ونتكلم وقت تاني!"



أراد الإنفراد بذاته لينهرها بعد رفضه لها ، شعر بالعجز ووقف بالمتتصف ما بين يريد وما بين لا يريد بسبب وجع كرامته منها ، ابتلع غصة مريرة بحلقه ، ونهض "شادي" حينها بعدما خرج والدي "غسان" واقترب يقف وأردف يخبره:



_" أنا هوصل "منة" عند أبوها وهرجع عشان ابات معاك!"



_"لا متتعبش نفسك خليـك معاها أنا كويس!"



هتف بذلك فمال يهمس له بنفس سبته وردها له ، فضحك وهو يحرك رأسه واقترب "بسام" ضاحكاً ، وأشار "شادي" بالوداع المؤقت ، وأغلق الباب خلفه !



ود لو يخرج شقيقه هو الٱخر ليبقي مع عقله وحده ، يفكر بضياعٍ، بل والجهة الأخرى كانت "سامر" وما فعله به ، أغمض عينيه يضع كل هذا على جانب ، واعتدل "بسام" يجلس بجانبه وسأله حينها بإختناقٍ:



_"لو حاولت تخبي على خلق الله يا غسان هتخبي بس هتيجي عندي ومش هتعرف ، أنا عارف أفرق كويس بين تعبك ووجعك، قولي مالك ؟ فيك ايه تاني زود عليك وجعك؟ "



صمت "غسان" بقصدٍ وغير رغبة في الحديث بل وبدون قدرة بينما سأل الٱخر مجدداً بسبب حالته التي لا تسمح بكتم او كبت تعب نفسي  ان ضُغط سيؤثر عليه :



_"  وجودها معاك  من شويه هو اللي عمل فيك كده صح؟ حصل حاجة زعلتك؟؟"



لمعت عينيه من هذا الوجع على نفسه وحرك رأسه بإستسلامٍ وقال يصارحه بعجز :



_" أنا خلاص ..مبقتش قادر يا"بسام"، مبقش زي الأول ، بس أنا بحبها ومش عارف..مش عارف أبطل أحبها!"



ضمه بين ذراعيه الجامدتين ، وتنفس شقيقه بعمقٍ ولم يستطع قول شئ يواسي هذا التخبط والتشتت، كي لا يجعله يتأثر بهذة الحالة ،  علم ان هذه العلاقه استنزفت منه الكثير ، وجعلته هش كي يظهر ما بداخله هكذا بعد كبت دام لكثير !! ، ابتلع "غسان" ريقه وفضل ذراعي شقيقه الآن  ، من عاش يحتوي يطلب الآن الاحتواء ، وكأن من حقه رد ذلك له حينما قال يطلب منه بنبرة مختنقة :



_" احضني يا "بسام" ، أحضن أخوك .."



وسقطت دموعه بإنهزامٍ وهو يكمل بقية جملته له :



_"أخوك تعبان أوي!"



هذه الكلمات بمثابة معجزة ما ان تخرج من شقيقه بكل هذا الاستسلام ، شئ يثير الشفقة بعد الاندهاش كي تخرج من حدة الشباب! اين ذهبت الحدة ؟ وأين الشباب وفيما  أفناه كي يبقي ويصبح عاجزاً بمثل هذه الطريقة لا يقدر حتى على احتواء نفسه كما كان ! ، تأثر "بسام" من هذا وشدد بعناقه له يرسل له الأمان يرسل له الطاقة ، ويغمره بالطمأنينة ، يعطيه من روحه كونه نصفه الٱخر ،  وان طلب قلبه سيهديه له ، بينما القلبان على وشك التدهور ، أو أحدهما على الأقل بينما الٱخر قارب على ايجاد الدواء! ، الٱن دماءه تجري بداخل الٱخر كما كانت تجري من قبل! لا شئ عجيب ولا شئ جديد عليهما ، هما دائماً هكذا كجسدٍ واحد بروحٍ واحدة مهما حدث بينهما من شجار أدى لعقوبات وعقبات في يومٍ ما !!



_"بسم الله على أضْلُعك و عليك أجمعك.. بسم الله عليك من كلّ ما يُحيط بك !"



أخذ يرددها وإستودع قلب شقيقه في حماية ربه ورحمته ، فغفى الٱخر بين ذراعيه بإستسلام ، استسلام محارب خاض معارك كثيرة ، والمعركة الذي توجب عليه الإنتصار بها كي يصل لها مجدداً  انهزم بها ، وانهزم منها بعدما كان يُجاهد لأجلها ، لأجل نيروز ، خسر هذه المعركة مع ذاته وأعلن الخسارة أمامها وهو مخذول فقط كلما يقع تنقده عيناها فضاع بين هذا وذلك وأُطلق عليه أمام عينيها التي أطلقت عليه  بنفسها ونظرتها لقب .. المنتصر المهزوم"!!

google-playkhamsatmostaqltradent