رواية آخر نفس الفصل الثالث 3 - بقلم رشا روميه
•• الفصل الثالث ••
•• لعنه ... ••
لحظات من حبس الأنفاس وقد تساقط الجميع فوق بعضهم البعض أرضاً كالأوراق المتساقطه وسط صرخات فزعه وشعورهم بأنها النهايه قد أوشكت وإقتراب شبح الموت منهم ...
ليعم بعد مرور بعض الوقت الهدوء والإستقرار كأن شيئاً لم يكن ليبدأ الجميع بالإستناد والوقوف مرة أخرى محاولين فهم ما حدث للتو حين إستمعوا لصوت مشرف الرحلة قائلاً ...
_ متخافوش ... دى العجله فرقعت ... حصل خير ... أستأذنكم بس ننزل من الباص عشان نغير العجله ...
تحركوا تجاه باب الحافله للخروج منها بصورة متتاليه حين رمق "زيد" "ياسمين" بإستهزاء وهو يردف بصوت خفيض للغايه خصها هى فقط به لتستمع لكلماته المستهزئه ...
_ عجله هاه ... مش كوارث وبلاوى سلسله الست "ياسمين" ...!!!
عقصت أنفها وهى تضيق بين حاجبيها بقوة قائله بغيظ وهى تضربه بكتفها قبل أن تترجل من الحافله ..
_ حتشوف ....
حرك "زيد" رأسها رافضاً وهو يبتسم بخفه قبل مغادرة الحافله فقد شعر ببعض السعادة بهذا القرب منها حتى لو كان مجرد مشاكسه بينهم ....
ترجل الجميع إلى خارج الحافله بإنتظار أن يقوم السائق بتبديل هذا الإطار الذى إنفجر منذ قليل ...
تغيب عقلهم للحظات متوهمين أن هذا الإنفجار كان سوء حظ سببه ضياع سلسال "ياسمين" لكن سرعان ما إختفى هذا السبب الواهى عن أذهانهم منشغلين بالحديث سوياً منقسمين لعدة مجموعات ...
جلست "ياسمين" أرضاً فمازال هذا الإحساس بالخوف يغمرها ، وقد أخذ خيالها يتوقع السوء الذى ستتعرض له بعد ضياع السلسال ...
فهى إن لم تجد سلسالها الضائع ستكون قد وقعت بلعنه سوء الحظ ولا تدرك وقتها ما سوف يصيبها كما قال لها العراف من قبل ...
فمنذ بضعه سنوات تقابلت بالصدفه مع أحد الدجالين هى وبعض صديقاتها ، هذا الرجل ذو الملابس الغريبه فقد إرتدى جلباب مزركش بلون أخضر منقوش برسومات غير مفهومه باللون الذهبى والأزرق مرتدياً العديد من السلاسل والعقود الغريبه تحمل جميعها تمائم مختلفه جذبت إنتباه "ياسمين" بقوة ليهديها إحداهم قائلاً بصوت مربك للنفس ...
_ السلسله دى تعلقيها فى رقبتك وأوعى تقلعيها ... دى سلسله الحظ والسعادة ... لو قلعتيها أنا مش مسئول عن إللى حيحصل لك ... حتقعى فى كوارث ملهاش حد .. ممكن تنهى حياتك كلها ..
طريقته الغامضه أكسبت تلك الهديه رهبه شديدة بنفس "ياسمين" لتحرص عليها جيداً طوال تلك السنوات لما ربطته بذهنها من حظ سعيد حالفها منذ إرتدائها لتصدق تلك الخرافه التى وضعها هذا العراف حول تميمه حظها ....
دنت "زينه" من "ياسمين" المتجهمه تخفف عنها ضيقتها لضياع سلسالها المحبب ...
_ خلاص بقى يا "ياسمين" .. سلسله وراحت خلاص .. متحطيهاش فى بالك ...
زفرت "ياسمين" بضيق مردفه ...
_ دى سلسله حظى يا "زينه" من غيرها كل حاجه ممكن تقف وممكن يجرى لى حاجه كمان ...!!!
زمت "زينه" فمها بإلتواء خفيف متملله من تفكير "ياسمين" الغريب ..
_ إنتى بتصدقى يا بنتى الخرافات دى ...!!!! دى كلها أوهام ... مفيش كدة أصلاً ...
_ لأ فيه ... مش إنتوا مش مصدقينى ... حتشوفوا ... وأولها عجله الباص أهو ...
_ بلاش تخاريف .. ده قضاء وقدر ... عادى بتحصل ...
إلتزمت "ياسمين" الصمت قليلاً قبل إقتراب "هادى" و"عامر" و"زيد" نحوهم ...
أسرع "هادى" بخطواته تجاههم ليجلس إلى جوار "ياسمين" موجهاً حديثه لـ"زينه" ...
_ ماا ... تقومى كدة تتمشى لك شويه ... ولا تاخدى لك لفه مع "عامر" و"زيد" ...
شعر ثلاثتهم أنهم غير مرغوب بهم وسط "هادى" و"ياسمين" لتجيب "زينه" أولاً بتملل ...
_ اااه ... هى بقت كدة ... ماشى ... أنا قايمه ...
وقفت "زينه" تبحث بعيناها عن وجهه تذهب إليها بهذا المكان الخاو تماماً من أى شئ فقط تعطلت الحافله بالطريق الصحراوى يحيطهم الرمال فقط من الجانبين ...
ربما كانت تنتظر دعوة من أى من "عامر" أو "زيد" لمصاحبتها لكن إلتزم كلاهما الصمت وتراجعا معاً مبتعدين عن الثنائي المحب كما طلب "هادى" ...
لم تجد بُد من أن تتجه نحو "يارا" المنزويه بالقرب منهم بدلاً من بقائها بمفردها ...
رسمت "زينه" إبتسامه مختنقه فوق ثغرها سرعان ما تلاشت بعد وقوفها مع "يارا" لكن كان الصمت جلياً تماماً وفضلت "زينه" مراقبه "هادى" و "ياسمين" عوضاً عن التحدث مع "يارا" ، كذلك كانت مهتمه للغايه بإستراق السمع لما سيقوله لها "هادى" فربما يحدثها بما طلبه منها من قبل وتخشى من رفض "ياسمين" ...
بدأ "هادى" حديثه مع "ياسمين" بطريقته الحنونه الساحرة التى جذبتها إليه ، تلك الطريقه الناعمه التى تليق بمظهره المنمق للغايه وملامحه الوسيمه الملفته للنظر ...
فـ"هادى" كان أوسمهم جميعاً حسن المظهر منمق الملبس لأبعد حد يبدو عليه الثراء والتنعم ، لكن ذلك أكسبه بعضاً من الغرور فهو مدرك أنه محط الأنظار وغايه لبعض الفتيات ، لكن "ياسمين" أطاحت بتلك الهاله الواهيه ليصبح هو متتبعها منتظراً رضاها وقبولها به فى حياتها ....
مجرد إختيار "هادى" لـ"ياسمين" أشعرها ذلك بالإطراء لتجلس بزهو شديد وهى تعلم جيداً أن هناك عيون كثيرة حاقدة على إختياره لها خاصه بالقرب منه ، لكنها إستعاضت بأن تكون ثقيله رافضه بدلاً من أن تظهر بمظهر تلك الفتاه الخفيفه التى طار عقلها بقربها شاب مثل "هادى" منها كما أوصتها "زينه" ...
نظر "هادى" بهيام تجاه "ياسمين" قائلاً ...
_ تصدقى ... نور الشمس مخلى عينيكى لونهم حلو أوى ... يا ريت معايا الكاميرا عشان أصورهم ...
أمالت "ياسمين" شفتيها بإبتسامه خفيفه ثم أردفت بمشاكستها المعتادة ...
_ سلامة نظرك ... هو إنت أول مرة تشوفهم ولا إيه ...؟!!
_ لأ طبعاً ... كل مرة بشوف عنيكى وكأنى بشوفهم لأول مرة ...
يأخذها أسيرة بحديثه الناعم بكل مرة ، كم يطربها تغزله بها دوماً لتشعر كما لو كانت تحلق فوق السحاب ، لكنها سرعان ما تتراجع وتتشبث بموقفها المعارض حتى لا يمل منها ويظل يتابعها بكل مكان ...
_ ثبتنى أنا بقى بالكلمتين دول ...!!!!!
_شكلك لسه زعلانه على السلسله بتاعتك ... طب إيه رأيك حجيب لك سلسله محصلتش قبل كدة ....
تذكرت "ياسمين" سلسالها لتتجهم قليلاً قبل أن يتخذ الحديث مجرى آخر بسؤاله ...
_ فكرتى يا "ياسمين" فى العرض إللى عرضته عليكى ... ولا لسه باباكى معارض ...؟!!!
إبتلعت "ياسمين" ريقها لتتحول نظراتها نحو "زينه" أولاً قبل أن تعود بنظراتها نحو "هادى" محاوله رسم إبتسامه كاذبه فوق محياها قائله ببعض من التلعثم ...
_ اه .. أاااا ... بابى مش موافق خالص ... يعنى ... موضوع الشغل ده ... مش أاااا ....
لحقتها "زينه" على الفور حين لاحظت أن "هادى" سيسأل "ياسمين" عن رأيها النهائى بعرضه السخى ...
_ جرى إيه يا "ياسمين" .... لازم التقل ده يعنى ... ؟!!!
ثم نظرت تجاه "هادى" محدثه إياه بثقه تامه ...
_ أصل إنت يا "هادى" متعرفش عمو "مندور" ده صعب إزاى ... بس متقلقش ... أنا و"ياسمين" كلمناه وهو تقريباً معندوش مانع .. بس لازم نبدأ بقى أحسن عمو "مندور" و"ياسمين" مسافرين فرنسا كمان شهرين ...
رفع "هادى" حاجباه بإندهاش ...
_ شهرين ... !!! ده كدة لازم نبدأ بعد ما نرجع من الرحلة على طول ...
رفعت "زينه" حاجبيها وأخفضتهما بمعنى بالتأكيد ليتجه "هادى" بحديثه نحو "ياسمين" قائلاً ...
_ تمام ... يبقى معادنا أول ما نرجع على طول ... اوك ...
شعرت "ياسمين" بأنها قد تورطت للغايه لكنها لم ترفض أيضاً لتومئ بالموافقه مجبره على ذلك فقد ورطتها "زينه" بما قالته لـ"هادى" ...
تآكلت الغيره بقلب "زيد" وهو يتابع حديث "هادى" مع "ياسمين" لكنه بكل مرة يجبر قلبه على التراجع فهو صديقه ولن يخونه ، لكن قلبه خائن ولا يتوقف عن النطق بإسمها فقط ...
إنتهى السائق من تبديل الإطارات ليعلن مشرف الرحله على عودتهم للحافله لإستكمال طريقهم ...
ليعود كل منهم لمقعده لتلوم "ياسمين" بشدة صديقتها "زينه" على ما ورطتها به للتو لتردف بصوت خفيض للغايه ...
_ كدة برضه ... ورطينى معاه ... أنا مش مرتاحه يا "زينه" ...
إستدارت "زينه" قليلاً بمقعدها لتردف بإقناع تام لـ"ياسمين" بأن هذا هو القرار السليم ...
_ ورطه إيه يا بنتى ... دى فرصه جايه لنا من ذهب ... واحد زى "هادى" مصور محترف فى مجلات عالميه حيخلينا فى حته تانيه ... عايزنا نصور عرض ملابس حيشهرنا ونكسب فلوس منحلمش بيها ... نقوله لأ ليه ... !!!!
_ بس كان لازم تفهميه إننا أغنياء أوى كدة ...؟!!
أجابهتها "زينه" بتهكم بالغ ...
_ هاه .. أمال أقوله إننا فقراء وبنعدى اليوم بيومه ... الناس الغنيه إللى زى دول بيدوروا على الأغنياء إللى زيهم ... أمال أنا بخليكى تلبسى زيهم ليه ... وتحطى مكياج زيهم ليه ... عشان نبقى شبههم ... ساعتها نشتغل معاهم ونكسب فلوس كتير ... ده .. غير إن "هادى" وقع لشوشته ولا حد سمى عليه فى هواكى ....
زفرت "ياسمين" بضيق فهى بالفعل إنصاعت لكل آراء "زينه" بضرورة مواكبتها للموضه والأزياء وبدلت من ملابسها حتى أصبحت ترتدى كما تخبرها صديقتها كأولاد الأغنياء ، لكن الكذب يؤرقها تماماً ...
_ بس يا "زينه" ... مش حابه الكدب ده ... بيخنقنى أوى ....
_ بس بس ... متبقيش فقريه ... خلينا نعيش بقى بدل الفقر إللى إحنا عايشين فيه ... ولا عاجبك حالنا ...
إلتزمت "ياسمين" الصمت بعد حديثها مع "زينه" فهى تتحدث بمنطقيه للغايه لكن مازال بداخلها قلق وضيق لكذباتها المتتالية لرسم صورة لا تماثل حقيقتها أمام "هادى" وبقيه زملائهم ...
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية