Ads by Google X

رواية لعاشر جار الفصل التاسع و الثلاثون 39 - بقلم سلمى رأفت

الصفحة الرئيسية

   

 رواية لعاشر جار الفصل التاسع و الثلاثون 39 - بقلم سلمى رأفت

39-الحقيقة لا تختبئ طويلًا
                                        
                                              
اللهم صلَّ وسلم على نبينا محمد وعلىٰ آل صحبه أجمعين.
_______________________________



_ها يا حبيبتي، خير في إيه؟؟



ابتسمت "كنزي" ثم قالت بهدوء شديد:



_أنا مش فاقدة الذاكرة و..



_وأنا عارفة إنك مش فاقدة الذاكرة..



رمت "أمينة" قنبلتها وهي ترفع حاجبًا بمكر، بينما اندهشت الأخرى من كونها تعلم هذا السر..



السر الذي لو كان يعلمه أحد لكانت الآن تُحاسب حساب الملكين.
ذلك السر هو سبب بقائها على قيد الحياة حتى الآن..



_أنا بس مستغربة إنتِ إزاي قدرتي تمثلي طول الوقت ده، واستفدتي إيه؟



قالتها "أمينة" بسخرية لاذعة، فهي لم تكن تحبها حقًا، بل تحملتها فقط لأن ابنها فلذة كبدها يحبها.
عفوًا، أعتذر وبشدة، فمن أهم مبادئ ومعتقدات "أمينة" أنها تحب أن تكون الشخص الذي يعكر صفو أبنائها؛ فهي تنتهز أي فرصة لتوبخهم كالأطفال.
لكن إن نظر إليهم أي شخصٍ آخر عن طريق الخطأ، تبغضه بشدة، بل وتذهب أيضًا للشجار معه، فبالنسبة لها مهما فعل أبناؤها مع الغرباء من أفعال شيطانية، فهم ملائكةٌ منزلون من السماء.
عندما كان يأتي أحدٌ ليشكو من أحدهم تجدها دائمًا تقول بشرّ: "أنا أطلع ميتين ولادي عادي، لكن حد تاني يجي عليهم!! ليه إن شاء الله؟؟"
ثم تنهي النقاش بذكاء ويخرجون منه دائمًا كأنهم مخلوقاتٍ من نور، لا تشوبهم شائبة البشر، بينما الطرف الآخر يخرج من النقاش بخسارة فادحة مع مرتبة الشرف، بل لديها أيضًا قدرة هائلة على قلب موازين الحق، ليخرج منه هذا الطرف المسكين وكأنه شيطانٌ رجيم.



ابتلعت "كنزي" غصة مريرة في حلقها، وتجمعت دموعها في مقلتيها، لو انهمرت دموعها الآن لتتهمها تلك التي تُدعى "أمينة" بأنها دموع التماسيح، ولكنها ردت بثبات مزيف اتقنته وبشدة:



_أظن إن حضرتك عارفة إن "يحيى" أخويا ظابط في المخابرات، وطبعًا "نوح" ديلر قد الدنيا، سلاح ومخدرات وكل اللي قلبك يحبه، ياريته كان لوحده لأ ده تبع ماڤيا دولية وكل شغله يعتبر تبع ناس برة مصر. 




                                      
   
                
وقفت تتنهد بقوة، ثم استكملت بعدما تغيرت نبرتها من الجمود إلى الحزن:



_مكنتش متوقعة إنه كده، أنا اليوم اللي عرفت فيه أنا انهارت! وزاد عليا لما عرفت إن هو هو نفسه اللي الجهاز بيدور عليه.
أنا خونت مهنتي بأني سكت عليه؛ علشان بحبه وخوفت عليه، روحت رميت نفسي في النار وعيشت ميتة تلت سنين علشانه!



كانت قد نزلت عبراتها بقوة بينما ظلت "أمينة" تحدق بها بخواء وجمود فاستكملت الأخرى بتهكم:



_آه، نسيت أقولك، أصل أنا شغالة في الجهاز أنا كمان، واسطة بقى وكده.



جحظت عينا "أمينة" بقوة، فهي لم تتوقع أبدًا أن تكون عملية سرية تابعة للمخابرات العامة، من تلك الفتاة؟؟ أهي شيطانة خُلقت من حديد؟؟ أم ماذا؟؟



ظلت تفكر بكل قواها العقلية فقطعت "كنزي" سبل أفكارها بغتة قائلةً وهي تنهي ذلك النقاش:



_أنا قولت أقولك علشان لازم تبقي معايا، التمن في ده ولادك التلاتة، أنا قدامه لسه زي ما أنا، لا أعرفك ولا أعرفه.



بينما في المطبخ كانت "كارن" تنظر إلى الفراغ بشرود، ظلت محبوسة في المطبخ قرابة النصف الساعة حتى سأمت بشدة، قررت الخروج بعدما أعدت كوبين من الشاي لهما وما إن خرجت وجدت "كنزي" تقف وملامحها شاردة ومشتتة نوعًا ما، بينما كان الحزم يكتسح وجه "أمينة" وبقوة، تحركت نحوهما وهي تحمحم بإحراج:



_الشاي..



ردت "كنزي" بلطفٍ مصطنع قائلةً وهي تتحرك ناحية الباب:



_لأ مالوش لزوم، مرة تانية.



وقفت "أمينة" تبع تحركها وهي تقول بوداعة لا تليق بها إطلاقًا:



_استني يا حبيبتي نوصلك للباب.




        
          
                
تحركت "كارن" كالغنمة التي تسير وراء القطيع خلفهم حتى فتحت "أمينة" الباب واصطدمت بـ"نوح" الذي كان واقفًا أمام الشقة المقابلة لهم مرتدي نظارة حمراء بعدسات على هيئة قلب، وكان يبتسم ببلاهة وبجانبه مكبرات صوت ضخمة ينبعث منها أضواء ملونة وصوت المطرب الذي تشتهر أغانيه في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، ألا وهو "مصطفى قمر" الذي كان يردد بحيرة وكان يردد "نوح" وراءه بمكر:



"ليه ولا مرة حضنك بيضمني"
"يا فايتني كل مرة وقال إيه بتحبني"



ظل يردد وراءه وهو يتحرك مع إيقاعات الموسيقى ويقلد حركات "بهيج" الشخصية الشهيرة في المسلسل التلفزيوني "عايزة اتجوز" عندما كان يرقص، مما أعطاه مظهرًا مضحكًا حقًا..



ظهر "يوسف" من خلفه وكاد ينهره لكنه وجد "كارن" تقف خلفهم، فأرسل لها غمزة مشاكسة جعلتها تخجل وتنظر بعيدًا وهي تضحك بخفوت حتى لا تكتشفها تلك الحرباء الملقبة بـ"أمينة" بالنسبةِ لها.



بينما "كنزي" عادت للتمثيل مرةً أخرى وظلت تنظر له باستغراب ممتزج بالإعجاب الخفي، حتى صاحت "أمينة" تقول وهي هرول ناحيتهم بسخط:



_ده أنا اللي هضمك دلوقتي يا حيوان!!



ارتعب "نوح" وسرعان ما هرول للداخل ولكنه وجد من يمسكه كأنه لص الغسيل ويقول بفخر:



_مسكته ليكِ يا ماما قليل الأدب والحيا ده!!



اقتربت "أمينة" منه وملامحها تزداد خبثًا تبعها ابتسامة شريرة تكتسح وجهها بقوة، بينما في الخارج ظلت "كنزي" واقفة تحاول النظر داخل الشقة لعلها ترى أي شيء، ولكن كالمتوقع لم تجد شيئًا فقد اختفوا في الداخل كمن ابتلعتهم الأرض، وجّهت أنظارها نحو "كارن" التي كانت شاردة في الفراغ ويعلو محيّاها ابتسامة بلهاء تُناقض تمامًا ابتسامة الشر الخبيثة التي لا تفارق وجه "أمينة" منذ أن عرفتها.
استأذنت من "كارن" بأدب وتحركت نحو المصعد لتذهب إلى طابقها بسلام، تريد وبشدة أن تنام الكثير من الوقت لتعويض ما فقدته من طاقة في تلك المناقشة اللعينة.



__________________________________



_قولي بقى كده أنت مين وعايز مننا إيه؟؟ وانطق بالذوق بدل ما أنطقك بالعافية..



نظر له ذلك المقنع بهدوء مريب ولكنه الآن ليس مقنعًا فقد كشف أولئك المراهقون هويته، ولكن لم يفدهم بشيء فهم لا يعرفونه من الأساس.
كانت نظراته لا تدل إلا على الجمود والثبات، ففضل هو عدم التفوه بأي شيء ولا حتى المقاومة، لكن أثار ذلك حنق "عمر" الذي زنجر بشراسة:




        
          
                
_ما تنطق يا روح أمك! إنت هتنقطنا بسكاتك؟!



ظل الآخر ثابتًا على وضعه حتى ابتسم ابتسامة ماكرة ممتزجة بالتشفي، استنكر جميعهم من ابتسامته تلك وظنوه أبله، فعلى ماذا يبتسم ذلك الأحمق؟؟
دقيقة واحدة وقد عرفوا لماذا كان يبتسم هكذا، فقد انقطع التيار الكهربائي وانتشرت العتمة في الغرفة، ارتفع صياحهم نظرًا لبحثهم على أحد الهواتف لكي يشغلوا أحد الكشافات التي توجد في الهواتف الذكية، ولكن من سوء حظهما انتهز ذلك الرهين انشغالهم وأخذ يحاول فك عقدة ذلك الرباط بهدوء وبالفعل نجح، كان ذكيًا كفاية لكي يعرف أين المخرج وسط ذلك الظلام فهرول بأقصى سرعته للخارج، ولكن في طريقه اصطدم بأحدهم فصاح يسب الفاعل بضيق من أثر الاصطدام، ولكن على أية حال نجح في الهروب، تزامن ذلك مع عودة التيار الكهربائي وإدراكهم هربه بعيدًا، من غبائهم الشديد لم يفكروا لوهلة أن ينظروا من الشرفة ليروا اتجاهه ولا أية شيء، بل ظلوا ينظرون للكرسي الفارغ ولتلك التي تفترش الأرض بجسدها قائلةً بألم:



_يا اللي منكم لله حد يقومني، ده تريلة اللي خبطت فيا مش بني آدم!!



اقتربوا منها جميعًا بقلق فأسرعت هي بالتمسك بـ"عمر" ووقفت تقول بضجر:



_الحيوان فلت مننا!! أنا حاسة اللي قطعوا النور حد تبعه.



تفوه "تميم" بنبرة ساخرة أعربت عن ضيقه من غبائها:



_حاسة؟؟ مش متأكدة يعني؟؟ على العموم مش مهم احنا مش المخابرات يعني وهروبه هيفرق معانا، ما في داهية!



تبين لهم أن كلام "تميم" صحيح، فهو لا يعنيهم في شيء.
سرعان ما انصرف كلٌ منهم إلى مصالحه الشخصية، ولكن مازالت الريبة تسكن قلوبهم.
فهو ليس لص كل طموحه في تلك الحياة سرقة الأموال والمجوهرات الثمينة فحسب، بل قاتلٌ مأجور، وظيفته في الحياة إرسال البشر إلى جنة الخُلد أو إلى جهنم الحمراء... لا تهمه تلك الأشياء، وكأنه خالدٌ في الأرض.
 ولكن الذي يشغل تفكيرهم حقًا لماذا قد يأتي قاتلٌ كهذا ليقتل أحدًا منهم؟؟ فجميع من يسكن في تلك البناية لا يقل اختلالًا عن الآخر، بل إنهم جميعًا مختلون ولكن بنسب متفاوتة، لا أحد منهم وبلا استثناء يشكل أهمية تذكر في تلك الدولة على الإطلاق.
فلا بينهم مديرٌ للمخابرات، ولا عالمٌ حاصلٌ على جائزة نوبل، ولا حتى شخص اشتهر بمحض الصدفة ليُغتال!! 
لا أخفي عنكم سرًّا.. فهم لا يستحقون حتى ثمن الرصاصة الطائشة.




        
          
                
_________________________



كان "مروان" جالسًا في صيدليته الحبيبة بمفرده شريدًا؛ نظرًا لأن "فريدة" لديها بعض الاختبارات في جامعتها وإخوته الأغبياء لا يوجد لهم أثر منذ الصباح.



رأى من يدلف إلى الصيدلية، وملامحه تنذر بالشر، لكنه لم يهتم. حتى قال القادم بصوتٍ أجش وكانت كلماته تُسحب من فمه بثقل؛ فلاحظ على الفور بطئه في الحديث، وسرعان ما أدرك أنه يتعاطى المواد المخدرة. فالخمس سنوات التي قضاهن في تلك الكلية التي استنزفت روحه لم تضعن هباءً..



_السلام عليكم، بقولك يا غالي هو فيه كونفنتين 400؟؟



رد عليه "مروان" والابتسامة الهادئة تعلو وجهه:



_لأ مش موجود..



ظهر الضجر على وجهه ثم أشار على أحد الأرفف الموجودة في الصيدلية قائلًا بسخرية:



_مش موجود ليه بس يا دكتور؟؟ ماهو موجود على الرف أهو!



استند مروان بكلا كفيه على المنضدة العرض "الكونتر" وهو يقول باستفزاز:



_مش بيطلع غير بروشتة، وحتى لو معاك روشتة مش هتاخده برضو..



صك الآخر على فكيه بضيق ثم قال بعصبية وبدأ بالفعل يتلاشى تأثير كل ما تجرعه من تلك المواد المسممة فظهر ذلك في غضبه المفاجيء والشديد:



_طب عايز بقى شريط جابيماش علشان أمي تعبانة.



قلب "مروان" عينيه باستياء ورفض كالمرّة السابقة ولكن وجده يقترب بشراسة ويضرب بكلا كفيه على المنضدة قائلًا بسخط:



_ده أنا هكسر الصيدلية دي على دماغك!!



خرج "مروان" من خلف "الكونتر" وأخذ يدفعه خارج صيدليته الغالية قائلًا بضجر:



_طب يلا يا حبيبي ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين..



نجح بالفعل في إخراجه نظرًا لفرق البنية الجسدية وغادر الآخر وهو يتوعد له بالمجيء مرةً أخرى، لم يكترث له وعاد مكانه ولكن قبل أن يجلس وجد من تدلف إلى الصيدلية وبجانبها فتاة أخرى أعتقد أنها صديقتها، وصدق حدسه حين وجد واحدةً منهن تقول برسمية:




        
          
                
_مساء الخير، في مرطب إيڤا؟؟



أومأ "مروان" ولكن قبل أن ينطق وجد التي بجانبها تقول بفحيح أفعى:



_يابنتي إيڤا إيه بس!! شوفي بتاع شان، حلو أوي والله اسمعي مني.



جاوبتها الأخرى بنفس ذلك الفحيح وكأنه غير مرئي بل وأيضًا غير مسموع:



_يابت اسكتي، شان إيه ده اللي أجيبه بـ300 جنيه؟؟ لأ يا حبيبتي أنا جلدي بيقشر كل شهر مش مستاهلة يعني، وبعدين سألت بتاع المنظفات قالي بـ150 جنيه بس قولت لأ وأبطل نتانة وبخل، بس شكلي هرجع تاني للنتانة، أنا أصلًا منوفية.



رمقتها صديقتها بضيق وانقلبت ملامح وجهها بطفولة، بينما الأخرى سألت عن سعر ذلك المرطب بهدوء ووجدت أنه يناسبها فذهب "مروان" إلى الداخل ليجلبه لكنه استمع إلى ضجيج في الخارج، فهرول مسرعًا فوجد ذلك الأحمق يصيح ويزمجر وهو يقول بتوعد:



_معلش بقى يا أخ بس لازم أنفذ قرار التكسير ده دلوقتي.



ترك "مروان" من يده ذلك المرطب واتجه له يدفعه نحو الخارج وسرعان من قفل باب الصيدلية وهو يقول بسخرية: 



_لأ معلش استنى كمان ساعة علشان مش فاضي.



كاد أن يكسر زجاج الصيدلية الخارجي لكن كان "مروان" ذكيًا كفاية لجعل الواجهة الخارجيّة مغطاة بمادة تسمى "البولي كربونيت" التي من الصعب للغاية كسرها، وفعل ذلك تحسبًا لتلك التهديدات.



ما إن عاد لهن وجدهن ينتشرن في الصيدلية وكل واحدة تبحث عن شيء ما واستغل هذا في مهاتفة شقيقه ليلحق به، فما فعله هو آخر ما لديه ووجده أيضًا ينتظره بالخارج وهو يسبه بسخط، يحاول الاتصال بـ"عمر" مرارًا وتكرارًا ولكنه لا يجب، اتصل بـ"عبدالله" ووجده غير متاح، توتر عندما اتصل بـ"نوح" ووجده لا يجب أيضًا وتعرقت جبينه برعب حتى وجد واحدةً منهن تقول باستفسار:



_هو إيه الفرق بين زبدة كاكاو أماندا وبين زبدة كاكاو لونا؟؟




        
          
                
نظر لها "مروان" بشر وكاد أن يرد ولكن وجد الأخرى تنهرها بضيق:



_يابت سيبك من الهبل ده بس، ركز معايا أنا يا دكتور..



وضعت أمامه علبتين مختلفتين من صبغات الشعر وهي تستفسر منه بجدية:



_إيه الفرق بين صبغة جارنييه وبين صبغة شوارزكوف في اللون الأحمر البرغندي؟؟
وأني فيهم اللون يظهر أكتر في الشعر الأسود؟؟



لو كان الذي أمامه رجلًا؛ لقتله وشرب من دمه.
ما منعه من صفعها سوى كونها مجرد فتاة، وبالطبع هو يتمتع بقدر عالٍ من المبادئ والرجولة التي تجعله لا يرفع يده على أي أنثى على وجه الأرض. ومع ذلك، كلتاهما تستحقان السلخ؛ فلا تقدير لديهما لحجم المأزق الذي وقعوا فيه جميعًا..



ظل يتصل بثلاثتهم بالتناوب، ولكن لم يستجب أحد له، اتصل بـ"تميم" فهو دائمًا ما يرد على أي مكالمة هاتفية أو رسالة نصية في نفس اللحظة، وكأنه ينتظر تلك الحروف والأصوات الفاتنة، على عكس شقيقه الأحمق "تيام"، لا يرد على أحد، وتلك الميزة الغبية التي تسمى البريد الصوتي أو ما يُعرف باسم الـ "Voice Mail" تزعجهم جميعًا، فلا يستطيع أحد الوصول إليه، ودائمًا ما يتركون له رسائل سباب في ذلك البريد الصوتي؛ حتى يكف عن الهراء الذي يفعله ويتصل بهم.



وبالفعل لم يخيب "تميم" ظنه ورد على الفور وقبل أن يقول شيئًا، سبقه "مروان" متلفظًا برعبٍ:



_"تميم" ركز معايا الله لا يسيئك، هات أي حد من البيت وتعالوا على الصيدلية بسرعة، علشان في شمام واقف قدام الصيدلية عمال يرزع ويخبط فيها، وشكله هيلم صحابه الشمامين ويكسروها عليا، في السخّان يا "تميم" أبوس إيدك!



استجاب "تميم" على الفور واتصل بأبناء "آل ونيس" الذين ومن حسن حظ "مروان" كانوا يتواجدون جميعًا، فأصبحوا تسعة أشخاص في دفعةٍ واحدة وهموا ليذهبوا إلى الصيدلية بأقصى سرعة حتى ينقذوا "مروان".
ذلك الصيدلي المسكين الذي يعشق الأدوية وصيدليته حد الموت، يقع الآن في مأزقٍ بسبب صيدليته البلهاء..



أما في البناية في شقة "أحمد الشريف" كان الوضع متوترًا للغاية، كانت "أميرة" تسير ذهابًا وإيابًا في الصالة وهي تأكل أظافرها بخوف بينما "أمل" التي أخبرتها بما حدث كانت تحاول مهاتفة أي أحد منهم ولكن لا استجابة.




        
          
                
_يا "مروان" يا حبيبي، ربنا يسترها عليك يا حبيبي ويبعد عنه ولاد الحرام، ده طول عمره في حاله!



خرجت تلك الجملة من "أميرة" بنبرة أوشكت على البكاء وبالفعل جلست بجانب شقيقتها تبكي برعب وحرقة عليه، فهو ابنها الذي لم تنجبه، تحبه وبشدة، حاولت "أمل" تهدئتها بكلماتها المتعقلة التي كانت ممتزجة بالخوف أيضًا ولكن حاولت بشتى الطرق أن تخفي توترها عنها:



_يا "أميرة" هو مش عيل، وبعدين الواد "تميم" راحله ومعاه عيال "محسن"، متقلقيش بسيطة بإذن الله ومفيش حاجة، والواد "تيام" ابن الجزمة نايم تحت وده لو جيت أصحيه عقبال ما يصحى هيكونوا خلصوا الموضوع ورجعوا وشربوا الشاي كمان، وبعدين محسساني إنه ابنك بس ليه؟؟ ماهو حتة مني أنا كمان، بس أعقليها واهدي شوية علشان متتعبيش.



ظلت "أميرة" تدعو ربها بتوسل أن يحفظهم جميعًا ولا ترى بأي منهم شرًّا، بينما على الجانب الآخر في شقة "محسن ونيس"، كانت "فريدة" قد عادت للتو من اختباراتها وتعجبت من عدم وجود أشقائها وكادت أن تسأل عنهم وجدت "چوري" و "يارا" في وجهها وتردف الأولى قائلةً بعتابٍ خبيث يحمل في طياتيه الكثير:



_كده يا "فريدة" متسأليش على إخواتك؟؟ 



خلعت حجابها وهي تقول بسخرية لاذعة متحركةً للداخل:



_مسألش على إخواتي؟؟ ليه؟؟ هم راحوا الخليج في الساعتين دول ولا إيه؟؟ ما أنا لسه شايفة خلقتهم الصبح!!



تفوهت "يارا" ببراءة مصطنعة تجديها بشدة وهي تقول:



_ماهو حقك، بس خلاص مش مهم تعرفي، بس المهم بس نتطمن عليهم ونطمن على "مروان"، ده الله يسترها عليه والله!




        
          
                
رغمًا عنها، جذب اسمها انتباهها والتفتت تسأل باستفسار جدي ولكن بالطبع يشوبه القلق الخفي:



_ماله "مروان"؟؟



حركت "چوري" كتفيها بعدم فهم مصطنع وهي تقول بمكر أتقنته وبشدة:



_معرفش والله يا "فريدة" بس لقيت أخواتك كلهم نازلين وبيقولوا في  مدمن عايز يكسر الصيدلية ويضرب مروان علشان مرضاش يديله الحاجات اللي بيشربها دي.. مش فاكرة اسمها إيه، اللي هي الـdrugs دي، بس مش عارفة ليه بتبيعوا الحاجات دي أصلًا.



ارتعبت "فريدة" وهوى قلبها أرضًا من القلق، لم تفكر حتى لوهلة بل جذبت حجابها لتضعه على رأسها بسرعة وتحركت مهرولة نحو الخارج، مما جعل اللتين خلفها تصطدمان بها وبشدة من رد فعلها، فلماذا تركض تلك المجنونة؟؟ ولمن؟؟ فهو لا يعنيها في شيء!
لابد أن يُمْسكن منصبها قليلًا ألا وهو الرادار المتحرك وقناة الجزيرة الي تُذاع تلك الأخبار _التي تجمعها فريدة عنهم وأسرارهم الخاصة_بها، سوف تُسقى من نفس ذاك الكأس الذي كانت تسقيهم منه من قبل، فكل ساقٍ سيسقى بما سقى..



__________________



كانت "لميس" قد انتهت من تجهيز كل شيء لحفلة عيد ميلادها التي_وبالمناسبة_ لم تخبر والديها ولا أحدًا من إخوتها عنها.
فهي لا تريد أن تحل عليها التعاسة بسببهم وستكتفي بحفلة بسيطة في أحد المقاهي تجمع أحبتها فقط وبعضًا من الأصدقاء، بعيدًا عن أسرتها المزعجة.
فهم حتى لم يذكروها بتهنئة يتيمة من باب صلة الرحم، أو حتى تهنئة إلكترونية خالية من المشاعر..
لم تجد في مثل مروءة وشهامة مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وجوجل؛ فهما كل عام يتذكرانها بالعديد من التهاني والاحتفالات، وأسرتها الحبيبة.. لا.
اللعنة عليهم جميعًا، فأصبحت تبغضهم وبشدة أكثر من ذي قبل.



كانت تقود سيارتها البسيطة بشرود، فمازال هناك ذرة حب لعائلتها بالرغم كل ما فعلوه بها، كانت تود أن تخبر "آدم" ليحضر ولكن بفعلتها تلك سوف يتبعها العديد من الشجارات هي في غنى عنها، استفاقت من شرودها المميت عندما استمعت لبوق سيارة تسير خلفها تحثها على الإسراع فانتبهت على الفور وبدأت بالتحرك بسرعة متوسطة، لكن سرعان ما أدركت لما يحثها ذلك السائق الغبي على الإسراع وهي تمشي في شارع من أوسع شوارع مصر! "شارع صلاح سالم" فذلك الشارع يمتاز بالاتساع الشديد والطول المبالغ فيه، فلما لم يسير بجوارها؟؟




        
          
                
التفتت لترى من ذلك الواد الذي قطع سبل أفكارها فوجدت سيارته تسير بجانبها وهو يقول ممازحًا:



_أبقي خدي بالك من الطريق يا دكتورة.



جحظت عيناها عندما وجدته هو، سيادة المقدم المبجل، ألا وهو "يحيى" صاحب الملامح الكئيبة والتعيسة، أول مرة تراه يبتسم هكذا، لكنها تحدثت بدورها قائلةً بابتسامة مصطنعة:



_متشكرة لذوقك يا حضرت المقدم..



كان قد توقف كلٌ منه بسيارته الخاصة فداهمها بسؤاله قائلًا قبل أن تتحرك مرة أخرى:



_إنتِ مروحة؟؟



استغربت هي سؤاله ولكنها ردت على أي حال قائلةً:



_أيوة، هو في حاجة؟؟



_لأ مفيش حاجة، كنت بس عايز اتكلم معاكِ شوية، إيه رأيك نقعد في كافيه؟؟ في واحد قريب من هنا وحلو جدًا وكمان نعرف نتكلم براحتنا.



رفعت أحد حاجبيها باستنكار ولكنها وافقت؛ فلا مشكلة لديها وبالفعل توجه كل منهما بسيارته إلى ذلك المقهى وجلسا في طاولة بالقرب من باب المقهي وتفوه هو قائلًا بابتسامة:



_تحبي تشربي إيه؟؟



عدلت من وضع خصلات شعرها القصير الذي بالكاد يتجاوز شحمة أذنها، فقد قصته من يومين ليكون أقصر من ذي قبل، وأصبح لديها غرة لطيفة على جبهتها غيرت من ملامح وجهها فأصبحت بشوشة لطيفة وكان هذا ما يظهر فقط فلا أحد يعلم ببواطن الأمور.
حمحمت متفوهةً بجرأتها المعهودة:



_قهوة مظبوط..



أومأ برأسه موافقًا وأخبر النادل طلبها وطلبه أيضًا الذي كان يماثل طلب التي أمامه، قد توقع أن تطلب مشروب نوعًا ما غير مألوف ولكنها صدمته بطلبها، أتظن نفسها جالسة في عزاء خالها؟؟



رحل النادل بعدما دون طلباتهما فقالت هي متسائلةً باستغراب:



_خير يا حضرت المقدم؟؟ كنت عايزني في إيه؟؟



_مبدأيًا قوليلي "يحيى" عادي بلاش يكون في بينا ألقاب..




        
          
                
_وثانيًا؟؟



حمحم بإحراج ثم تلفظ قائلًا بهدوء:



_أنا عارف إننا يعتبر شبه مش عارفين عن بعض غير أسامينا وشوية حاجات طفيفة، فكنت حابب نتعرف أكتر وكمان بحكم إننا جيران، وتاني حاجة أنا كنت محتاج مساعدتك بما إنك معيدة ممتازة وكمان مترجمة شاطرة في شركة والدك..



انتهى من كلامه وأخذ يرتشف من قهوته بترقب بعدما وضعها النادل، بالطبع هو لا يحتاج مساعدتها في أي شيء لكن تلك هي حجته للتعرف عليها، في الواقع هو لا يحبذ النساء الجريئة، وليس من خصاله التعرف على الفتيات ولا محاولة فتح أحاديث تافهة معهن، بينما هي أخذت كوبها أيضًا وهناك ابتسامة بسيطة ارتسمت على محياها بود، فدائمًا ما تُظْهر الجمود والثقل، كانت تتمنى أن تكون صداقات مع جيرانها ولكنها لا تفعل ذلك منعًا لأي شيء يحدث، ولكن بالطبع هي لا تنتظر هذا فكل تلك أماني بالنسبةِ لها تأمل أن تتحقق.
ارتشفت من كوبها ثم قالت بهدوء مماثل للذي أمامها:



_تمام، أعرفك بنفسي، "لميس محسن ونيس"، سبعة وعشرين سنة، معيدة في كلية الألسن جامعة القاهرة، وساكنة في الدور الرابع، ومدخنة..



قهقه بخفوت على كلمتها الأخيرة، فلابد أنها تتمتع بقدرٍ من الذكاء العالي وقصف الجبهات أيضًا..



حمحم هو بدوره وتفوه قائلًا:



_"يحيى أمام" اتنين وتلاتين سنة، مقدم في المخابرات، وساكن في الدور التامن، ومش مدخن ولا حاجة.



ابتسمت له عندما انتهى وسرعان ما قالت بعملية سريعة:



_اتشرفت بيك يا سيادة المقدم، طيب فين الشغل اللي كنت عايزني فيه؟؟



كانت معه حقيبة مخصصة لحفظ وحمل الحاسوب المتنقل، فأخرج حاسوبه المتنقل ووضعه أمامها وأخذ يعرض عليها بعض الأشياء المشتركة في مجالهما معًا، فالواقع هو لا يحتاج لمساعدتها، فهو يفوقها وبشدة في اللغة الإنجليزية، ولكن نجحت خطته في التعرف عليها وأصبحت صديقته من الآن..




        
          
                
___________



عادت المياه لمجراها في المساء وكل واحدٌ منهم عاد إلى منزله ليستعد إلى عقد قرآن "عبدالله" و "حنين" فكل البناية مدعوة معادا أصحاب الطابق التاسع لعدم تواجدهما لفترة طويلة، عرض "عبدالله" على "مدحت" على أن يعقد قرآنه في الشقة المغلقة بالطابق الثاني ووافق الآخر على الفور، والآن تبقى فقط نصف ساعة حتى يتواجدون جميعًا بالأسفل حتى يحضر جميعهم ذلك المثياق الغليظ، الذي يجمع كل الأحبة بلا خوف أو خجل من أي شيء..



_يا "حنين" بالله عليكِ ما تعيطي، حرام عليكِ الميكب هيبوظ!



كانت "حنين" شاردة وعلى وشك البكاء بلا سبب وكانت بجانبها صديقتها "چُمانة" وبعض فتيات البناية المقربات، اقتربت منها "رقية" تقول بنفاذ صبر:



_ورحمة عمي شاكر الميكب مظبوط، وشكل الفستان حلو ومناسب، وهو بيحبك مش بيتسلى بيكِ، قومي الله يكرمك ده احنا من الصبح بنظبط فيكِ!!



فعليًا، كانوا جميعًا بجوارها من السادسة صباحًا حتى يتم تجهيزها على أكمل وجه، فكان العمل على قدم وساق، حيث هناك من تولت مهمة وضع مساحيق التجميل، ومنهن من تولت مهمة إعداد فستانها، والبعض من تولى مهمة صحتها والإشراف على جميع التجهيزات، حتى لا يضعن مجال لأي خطأ، فلو أفسدت كل ما فعلوه حتمًا ستشاع جنازتها الليلة بدلًا من إعلان زواجها..



بينما في الشقة المجاورة كانت الأغاني الصاخبة مدوية في البناية بأكملها، حيث كان "عمار" و "إياد" يرقصون بعشوائية مضحكة على أغنية "سمكة على بلطية"، بينما "عبدالله" و "ياسين" يأكلون بشراهة كأنهم لم يأكلوا من حرب العراق، بينما كان "سيف" يضع ذلك القناع التجميلي مجهول المصدر والهوية على وجه "عبدالله"، فهذا كل ما فعلوه، يرقصون ويأكلون ويمرحون.



تفوه "ياسين" يحث الذي بجانبه على التحرك قائلًا:



_يا ابن الباردة قوم احلق!! فاضل نص ساعة يخربيتك!



نظر هو إلى ساعة الحائط المعلقة أمامه ووجده أنه محق، ولكنه قال باستفزاز تعود الجميع عليه:



_لسه بدري ياخويا، هو أنا هعمل إيه يعني؟؟ هو يدوبك هيدرج وياخدني استشوار، وفوطة ساقعة وفوطة سخنة، مش موضوع يعني!




        
          
                
حدق فيه "ياسين" باشمئزاز تلاشى عندما وجد هاتفه يرن باسم محبوبته فتوجه نحو أبعد نقطة عن موقع تلك الأغاني الحقيرة، وأبعد نقطة عن أصدائه المتطفلين الذين يودون دائمًا أن يستمعا إلى مكالماته معها..



نظر "عمار" في أثره بحقد لاحظه جميعهم فقهقه "إياد" عاليًا وهو يقول:



_هي لسه منفضالك؟؟ معلش ياخويا، تعيش وتاخد غيرها.



جلس "عمار" بضيق يفكر في تلك التي لا تلقي له بالًا، لما الهجر كل هذا؟؟ لأنه فقط كان يخونها؟؟ يالها من فتاة تتلذ بالتعاسة!



ابتسم بشر عندما وجد "ياسين" يدخل الشرفة، فانسحاب كانسحاب الأفاعي من بينهم وذهب وراءه والخبث يعلو ملامحه.



_وحشتيني يا حبيبي، إنتِ فين كده؟؟.. كان نفسي تيجي والله.. هترجعوا بليل صح؟؟.. خدي بالك من نفسك ولو في حاجة كلميني.. معلش والله صوت الأغاني عالي ومش عارف أكلمك عدل.. 



تغيرت ملامحه إلى الغضب وقال بحنق:



_أبقي قولي لأبوكي يهدى على نفسه شوية علشان أنا مش شاقطك!.. هو إيه اللي بتكلميه ليه؟؟ أمال هتواصل معاكِ بالحمام الزاجل؟؟.. وأنا كمان بحبك والله يا عمري..



كان من سوء حظه كانت "چودي" واقفة تستمع إلى تلك المكالمة بتركيز شديد، فلابد أن هناك مشكلة مع خطيبته تلك، يا لها من مكالمة شيقة!!



ظلت تنظر إليه بتركيز حتى انتهى من مكالمته وانتبه لتلك التي تحدق فيه بتمعن، فقال بجمود واستنكار:



_خير يا "چودي"؟؟ خدتيني صورة 4x6 ولا لسه؟؟



نظرت له باستحقار من أعلاه لأسفله وتلفظت وهي ترفع أحد حاجبيها بضجر:



_فكك مني يالا!! روح شوف البت اللي كنت بتكلمها دي، خليها تنفعك!!




        
          
                
جحظت عيناه بصدمة، فالماذا تتكلم تلك الحمقاء وكأنها زوجته؟؟ ضرب كفًا بكفٍ وقال بسخرية:



_الله يمسيكِ بالخير يا "ملك" خدتي التربية كلها لوحدك لدرجة مسيبتيش حاجة للبعدك! 



كانت على وشك أن تسبه فذهب إلى الداخل على الفور ولكنه اصطدم بالذي واقف أمامه يراقبه عن كثب كالنمر الذي يتربص إلى فريسته لينقض عليها.
رفع "ياسين" أحد حاجبيها بينما انشغل "عمار" وهو ينظر إلى السقف بتركيز شديد جعلت الأخر يردف باستهجان:



_وحيات أمك؟؟ بالنسبة لشغل أم خميس اللي كنت عامله من شوية ده؟؟ 
تصدق بالله، أنا أبويا كان عايز يشتري كاميرا يحطها على باب العمارة بتسجل صوت وصورة بسعر حنين، هبقى أقوله عليك.



_بتقول حاجة؟؟ مش سامعك من الدي چي!



بصق عليه "ياسين" باشمئزاز وتوجه إليهم فاصطدم بـ"عبدالله" يضع لمساته الأخيرة على بذلته وكان بالفعل قد صفف شعره وأصبح على أكمل وجه، فكان "سيف" هو الحلاق الخاص لتلك الصداقة البائسة، وقد انتهى سريعًا من مهمته تلك في وقت وجيز، التفت "عبدالله" لهم وهو يقول بزهو:



_مبحبش اتكلم عن نفسي، مش يلا ولا إيه؟ أبويا تحت ولو اتأخرت هيولع فينا!



كان جميعهم على أبهة استعداد وتحركوا للخارج بحماس وأخذ "عبدالله" يطرق بابها ليأخذها معه إلى الأسفل، ثوانٍ وفتحت له "مريم" وهي تقول بهدوء:



_خمس دقايق بس وهتدخل.



كاد أن ينطق لكنه وجد باب الشقة يُغلق في وجهه بعنف دون أي تردد، حمحم بحرجٍ ونظر خلفه وجدهم قد انفجروا في الضحك.



تكلم هو بعصبية بالغة مستاءة منها:



_أهو على الحال ده كل ما بخبط على أي باب وهي تفتح، عمرها ما قالتلي في حياتها أتفضل أدخل!




        
          
                
بينما في الأسفل في شقة "سعيد الشريف":



كان "تيام" يتجهز وكأنه هو صاحب تلك الليلة وليس جاره، كان يهندم ثيابه أمام المرآة ويتجمل وكأن لديه استعراض في مهرجان الجونة السينمائي وسيُلتقط له العديد من الصور الفوتوغرافية فوق السجادة الحمراء.
أثناء ذلك العبث، ظهرت رسالة نصية بغتة على شاشة هاتفه الموضوع على منضدة الزينة، كان صاحب تلك الرسالة شقيقه الذي أخذ يسبّه بعنف كي يكفّ عن البرود الذي يسري في دمائه ويُسرع إلى الأسفل، ولكنه لم يُكلف نفسه حتى عناء الرد.
جاءت بعدها رسالة أخرى جعتله يتذمر ويتمتم بكلمات حانقة لكن انقلبت ملامحه فورًا عندما قرأ اسم المُرسل.



التقط هاتفه بحماس وأخذ يرد عليها، بينما على الجهة الأخرى كانت هي تضبط حجابها أمام المرآة وبجانبها "يارا" تضع بعض مساحيق التجميل.
وجدت "چويرية" تتجه نحوها قائلةً بلطف ظهر مؤخرًا معها ولكنها لم تستنكر كثيرًا فلا أحد غيرها يعلم سر ذلك التغير المفاجئ:



_البلاشر ده هيبقى حلو أوي على undertone بشرتك، جرّبته عليَّا مظبطش أوي، امسكي حطي منه وبجد هيبقى تحفة عليكِ.



من بين الاثني عشر ابنًا وابنة كانت "لارا" الأفتح في لون البشرة بينهم جميعًا. وتلك الحمرة وردية بشكل مبالغ به، فلا تليق سوى على بشرة بيضاء فاتحة جدًا، وضعت منه القليل واستحسنته كثيرًا، بالرغم من كونها لا تضع مساحيق التجميل ولا تحبذها ولكنها لم تكن تريد رفض طلبها.



في تمام الساعة الثامنة مساءً اجتمعت البناية بأكملها في الطابق الثاني في الشقة المخصصة للمناسبات لحضور عقد قرآن "نجاة الصغيرة" و "بيكاسو" كما يلقبونهما..



كان المأذون يجلس وبجانبه "عبدالله" وعلى الجهة الأخرى "مصطفى" وبدأت مراسم عقد القرآن حتى ختم بقوله المستحسن قائلًا:



_بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير..



فور أن انتهى تعالت الزغاريد والتهليل في المكان وهرول هو ناحية محبوبته يعانقها بقوة كأنه قد فقدها لسنوات عدة، وأخيرًا التقاها بعد غياب واشتياق مرير..



لا يستطيع وصف شعوره؛ فهو أبلغ من أي تعبير. كان يتردد على أذنه دائمًا "الحلال أجمل" وما شابه، الآن صدق ما قيل..



شعور أنك تأخذ نصف روحك الآخر داخل أحضانك ولأول مرة دون خجل من أحد ولا خوف من رب العالمين، شعور لا يُوصف.. ولا يمكن وصفه، لا يشعر به فقط إلا من قد جربه، فاللهم أجمع بين كل قلبين متحابين في حلالك واغنيهم عن حرامك..




        
          
                
_أخيرًا!! أول حضن بالحلال ده مفيش أحلى منه..



قالها ودموعه تنزل ببطء وكانت حالتها هي لا تقل عنه؛ فكانت تبكي من فرط سعادتها، ولكن باغتهما سؤال "تيام" المتشكك قائلًا:



_أول حضن بالحلال؟؟ يعني هو كان في أحضان بالحرام يعني ولا إيه؟؟



كتم "نوح" فمه بسرعة فما يقوله يمكن أن يهوي به إلى جهنم وبئس المصير؛ فالأخرق لا يعي ما يقول..



تركه وهو يحدق فيه بتحذير وكاد أن ينهره لكنه وجدها تقف بجوار شقيقها تتحدث معه.
ظل ينظر لها بهيام ويتأمل ملامحها الذي اشتاق إليها بشدة. ارتفعت دقات قلبه عشقًا، ولم يشعر بما يفعله إلا عندما همس "مروان" في أذنه مشاكسًا:



_لم نفسك علشان أخوها واقف جنبها، إحنا ما صدقنا بقى يتعامل معانا عدل، مش ناقصة بقى!



حمحم بحرج فضحك الآخر من توتره ودار بينهم نقاش بسيط هادئ معتاد.
بينما في الجهة الأخرى كان "إياد" يقف بجوار "عمار" الذي كان يفحص الجميع بعينيه وكأنه رادار خُلق فقط لمراقبة الناس. تلبسته روح "أم خميس" التي كانت تجلس على ناصية الشارع تراقب المارة بتركيز وخصوصًا من يمسكون في إيديهم أكياس بلاستيكية سوداء، ولكن حمدًا لله، تابت إلى الله توبة نصوحة وأصبحت تجلس في شرفتها المطلة على الشارع تراقب في تخفٍّ وحذر، حتى تتمكن من رؤية كل شيء بوضوح..



كان "ياسين" وبجانبه "سيف" يتقربان منهما بالتناوب مع خروج "لميس" من الشرفة، أخد يصيح "إياد" وكأنه صفارة إسعاف لا تتوقف:



_هي دي! هي دي اللي كانت بتشرب سجاير والله!!



كتم "ياسين" صوته على الفور ومن حسن حظه لم يسمعه أحد من الأغاني الصاخبة.
شده "ياسين" ووراءه البقية إلى أحد الزوايا وقال بسخط:



_هو أنت مش بتفهم ولا بتستهبل؟؟ وإنت مال أهلك أصلًا تشرب ولا متشربش!! هو إنت شايفها بضفاير ولا عيلة في ثانوي؟؟ ماهي حرة تهبب اللي هي عايزاه! واحمد ربنا إن محدش سمعك!!




        
          
                
حرره "ياسين" بضجر وخرج وهو يسبهم بغضب فهو يكره من يتكلم بسوء عن أحد، فليس من شأن أحد أن يحكم على آخر، خصوصًا لو كانت أنثى.
فهو يخشى بشدة أن يُرد له هذا في والدته أو شقيقته أو حتى خطيبته..



أكمل "سيف" على كلام "ياسين" مضيفًا الهدوء:



_حتى لو هي إيه، مالناش دعوة، ربنا يهديها لحالها، محدش فينا مش بيغلط وكل واحد ماشي بستر ربنا، الفرق بس إن ربنا بيشيل ستره عن ناس وناس لأ، أنت مش كويس ولا احنا كويسين، احنا ربنا ساترنا! وبطل هبل علشان إنت عارف إن هو بيتضايق من السيرة دي!



تأفف "إياد" بضيق، فهو لم يقصد ما وصل إليهم، نظر إلى "عمار" فوجده ينظر باشتهاء إلى قطع الكاكاو المغلفة، وكأنها محبوبته الأولى والأخيرة..



كانت "ندى" والبقية مدعون أيضًا فاقترب "آدم" منها يقول بمشاكسة:



_القمر واقف لوحده ليه؟



رمقته بحنو ولكنها نبست بهمس قائلةً بخبث:



_أسأل نفسك هو واقف لوحده ليه..



رفع أحد حاجبيه بمكر ومال يتفوه بما يجعلها تحلق عاليًا:



_على فكرة أنا كلمت أبوكِ وهاجي اتقدم، علشان تسيبك من جو استنى شوية ده..



ارتفعت دقات قلبها على الفور وجحظت عيناها بما سمعته، لم تستطع حتى التفوه بأي شيء فرحلت بعيدًا عنه تحاول استيعاب ما قاله..



في الأسفل تحديدًا أمام البناية مباشرةً:



كان "سيف" يقف بجوار "حسام" يراقبون الأوضاع حتى تأكدوا أن جميعهم في طابق واحد ولا أحد سوف ينزل للشارع حاليًا فهّم "سيف" يقول بتشفي وانتصار:



_مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة وشكلها جت يا واد يا "حسام"




        
          
                
عقب "حسام" وهو ينفث هواء سجارته الرخيصة قائلًا بغوغائية كعادته:



_هي مش كانت مسيرك يا فار تيجي في المصيدة؟ أنت بتغير الأمثال على كيفك؟؟



حدجه بسخط فأسرع الآخر يهاتف الزعيم وهو يقول بزهو وتعالي:



_أيوة يا Boss، متقلقش كلهم دلوقتي فوق وحبايبك كلهم فوق كمان مش ناقصين نفر، حتى أمهم معاهم يا باشا يعني لو عايزها في استفسار، بس في السريع يا باشا علشان أكتر من كده محدش مسؤول.



بالطبع سبّه الآخر بسبب تعاليه الذي لا يوجد له مبرر ولكنه أخبره بالانتظار دقيقتان فقط.



مرت الدقيقتان بسرعة، وبالفعل ظهرت أعداد كبيرة من السيارات الفاخرة السوداء كالتي في أفلام هوليوود. خرج منها عشرات الأشخاص جميعهم يرتدون زيًّا موحدًا ويضعون أقنعة يخفي ملامح وجوههم.
 كانت بنيتهم ضخمة للغاية ويبدو أن عددهم تجاوز الخمسين، بالطبع نزلوا من السيارات بهدوءٍ تام حتى لا يلفتوا الأنظار ويثيرون الشوشرة، ثم انطلقوا إلى داخل البناية. في هذه الأثناء، اختبأ "سيف" و "حسام" في مكانٍ قريب يراقبون ما يحدث بحذر وتوتر.



أغلق أولئك الملثمين باب العمارة الرئيسي بإحكام وانتشروا كالنمل على السلالم وفي المدخل، بينما قام بعضهم بتعطيل المصعد وإغلاق الباب الخلفي للبناية لمنع أي محاولة للهروب.



بالطبع لم يشعر أيًا من السكان بشيء؛ إذ كانت أغاني "حكيم" و "محمود الليثي" تدوي في المكان بأكمله، ولكن لم تدم فرحتهم طويلًا؛ فصوت الأعيرة النارية بالطابق الأرضي دوّى فجأة، ليقلب الأجواء رأسًا على عقب.



وفي لحظة خاطفة،  اقتحم الرجال الشقة واحدًا تلو الآخر، وبسبب كثرتهم وضخامتهم لم يتمكن أحد من الفرار.
 تعالت الصرخات والعويل، وحاول الرجال الدفاع عن أنفسهم لكن دون جدوى.
تم تقييدهم بإحكام وقوة، وسُحبوا جميعًا كخِراف العيد في صباح الأضحى إلى مدخل البناية تحت سيطرة تامة من أولئك الملثمين المتغطرسين..



كل ذلك حدث بسرعة تفوق سر البرق، فلم يستوعب أحد ما جرى، حتى "يحيى" نفسه المُدرب على أعلى مستوى لم يقاوم أو يُبدِ أي ردة فعل، فقد كان سكونه غريبًا، بل مثيرًا للريبة، حتى إن من كبله لم يهتم، وظنه استسلامًا..



كانت النساء ينتحبن بقوة، بينما الرجال يسبّون ويحاولون تهدئة نساءهم وتخليص أنفسهم من القيود، لكن دون فائدة.
ما أثار حنقهم جميعًا هو سكون هؤلاء المهاجمين وثباتهم الأنفعالي كأنهم تماثيل شمعية لا يدرون ولا يشعرون بشيء.



جمع أحدهم الهواتف من الجميع قسرًا وأغلقها جميعًا بهدوء تام، ثم سلمها لشخصٍ آخر كما لو كان إنسان آلي ينفذ الأوامر فقط..



لفت انتباه الجميع اللغة الذي كان يتحدث بها أحدهم؛ مما جعلهم ينظرون إلى بعضهم باستنكار، فلماذا ينطق باللغة الفرنسية من الأساس؟؟ 
لقد ظنوهم عربًا، فهم لا يملكون من الأهمية ما يكفي لتأتي عصابة دولية من بلدٍ آخر لاختطافهم واحتجازهم كرهائن بهذا الشكل!



نظر "نوح" وإخوته إلى بعضهم البعض بصدمة وذهول، فابتلع "نوح" لعابه بقلق، فقد أدرك لسبب كل تلك الفوضى.
وتمنى في تلك اللحظة أن ينجو بأي طريقة، لأنه إن وجدوا ما جاءوا من أجله.. فستكون نهايته حتمًا..



______________


 

  • يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent