رواية لعاشر جار الفصل الثامن و الثلاثون 38 - بقلم سلمى رأفت
38-وسقط من بين يديها الستر
اللهم صلَّ وسلم على نبينا محمد وعلىٰ آل صحبه أجمعين.
_______________________________
ابتسمت له وخرجت من سيارته، ظل يراقبها حتى شارفت على الدخول لكنها استدارت تلوح له والسعادة بادية على وجهها، أشار لها هو الآخر ودخلت بعدها، استند على كرسي السيارة ينعم ببعض الراحة قبل أن يتوجه إلى عيادته الخاصة، أغمض عينيه لحظات فاستمع لصوت صراخٍ عالٍ آتٍ من الداخل..
كانت تصيح باسمه تستنجد به، خرج من سيارته بسرعة يركض ناحية الداخل لكن صدمه ذلك الدم الذي يخرج من عنقها بانسيابية شديدة..
كان النصل الحاد ملتصقًا بعنقها مما أدى إلى جرحها بهذا الشكل، نظر للفاعل الذي كان يقبع وراءها وجده شخص مقنع لا يظهر منه شيء سوى عيناه، هرول ناحيته ولكن قبل أن يصل إيه تفوه المقنع بتهديد وهو يشدد من إمساكه لها قائلًا بوعيد:
_لو قربت خطوة كمان أعتبرها في جنات النعيم، خليك عندك.
تصنم في مكانه وأضحى كتمثال شمعي لا روح ولا حياة له، أخذ ينظر لها والدموع تترقرق في عيناه، وجه أنظاره لذلك الرجل بشر وتفوه قائلًا بسخط:
_أنت مين وعايز إيه؟؟ هي ملهاش دعوة بحاجة سيبها وكلمني راجل لراجل..
دوت ضحكاته بقوة انتهز فيها "عمر" الفرصة وانقض عليه ونجح بالفعل في تحريرها وفي إبعاد تلك المدية عن يده.
اشتبك معه "عمر" اشتباكًا عنيفًا نظرًا لقواتهما المتقاربة بينما جلست "مريم" على الدرج بضعف فقد خارت قواها بعد ذلك المشهد الصعيب، استطاعت إخراج هاتفها من حقيبتها بصعوبة وانطلقت تبحث عن رقم والدها ومنقذها دائمًا في أي موقف تتعرض له وبالفعل لم يتأخر في الإيجاب على مكالمتها، بمجرد أن استمع لصوتها الواهن انطلقت أسئلته نحوها أخرسته تمامًا عندما قالت له أنها بالأسفل وعليه الإسراع لأمرٍ هام..
ان يمر سوى بعض الثواني ووجدت والدها يهرول على الدرج بقلق فور وصوله اصطدم بذلك المشهد العنيف فأسرع في التدخل وانقلب ميزان الاشتباك بسهولة وكان المكسب حليفهما حيث استطاعا السيطرة عليه وتكبيله بقوة، أخذ يسدد له "عمر" اللكمات العديدة والعنيفة حتى وقع طريح الأرض لا يعي بأي شيء، أُغلقت جفونه بآلية شديدة أدرك "عمر" أنه فقد الوعي لبعضٍ من الوقت، في حين ذلك وجد "مدحت" من تهرول على الدرج حتى وصلت إلى ابنته تقول بفزع:
_يلهوي يا "مريم" إيه الدم اللي في رقبتك ده!! قومي معايا بسرعة نروح المستشفى يا حبيبتي!!
لم تقوى مريم على الحراك فأسرع "عمر" ناحيتها يقول ونبرته يشوبها الأمر والإسراع في التحرك:
_مش هنروح في حتة، حد يجيبلي الإسعافات الأولية وأنا هتصرف، الجرح الحمدالله سطحي..
أسرع "مدحت" للأعلى يجلب ما طلبه بينما هو ظل ينظر لها وقلبه يعتصر ألمًا عليها وعلى حالتها المزرية تلك..
___________________________
ظلت تبكي بحرقة منذ إن أتت من الخارج، استكملت وصلة بكاءها العنيف تتذكر كل ما كان يطبق على أنفاسها، وقعت في محيط ذكرياتها الأليم الذي لم ينقذها من الغرق فيه سوى شقيقتها التي ولجت للتو إلى غرفتها تطمئن عليها، ما إن وجدتها هكذا هرولت عليها تحتضنها بقوة جعلت الأخرى تزداد في البكاء أكثر فأكثر، تحدثت من وسط بكائها بقهرة لا يعلمها أحد سواها:
_أنا بحبك أوي يا "لارا" والله بحبك أوي، كان نفسي نكون صحاب وأخوات بجد، على الأقل إنتِ مش هتخذليني زي ما ناس كتير عملت، متخيلة إن مفيش حد وقف جنبي في أي حاجة؟؟
كنت جدعة معاهم والله وعمري ما بتأخر عليهم في حاجة، أخرتها كل شوية حد يقلب عليا ويسيبني، وأنا والله معملتش حاجة، والله ما كنت وحشة معاهم يا "لارا"، أذوني ليه طيب؟؟ فهميني أذوني ليه؟؟
كررت سؤالها بحرقة أكبر من ذي قبل جعلت الأخري تبكي على بكائها، حاولت تهدئة نفسها والتحلي بالقوة والتحدث بتصميم وثقة:
_علشان هم مش شبهك، مش شرط علشان طول عمرك مبتأذيش حد ولا بتتعرضي لحد يبقى كده الناس كلها مش هتكلمك، مش بالعشرة والله ولا بالسنين، في ناس كتير أوي كانوا في حياتنا لو حسبنا عمرهم جنبنا هتلاقي إنه أكتر من عمرك لوحدك من غيرهم، دخلوا بيتك وكلوا معاكي من نفس الطبق، ومع ذلك تلاقيهم هم أول ناس رامينك، متفهميش هم كانوا بيمثلوا من الأول ولا إيه اللي بيخلي النفوس تتغير، بس مفيش حد يستاهل حاجة، مفيش بجد..
بكت بكثرة في أحضانها كأنها لم تبكي من قبل، شلالات من عبراتها تفيض وبقوة، لكن كان صراخ قلبها الصامت أقوى من بكائها بعشرين ضعفًا.
___________________________
كان "مروان" جالسًا يحتسي قهوته بينما كانت "فريدة" تعمل على شيءٍ ما في الحسابات في صمت، قطع ذلك الهدوء الصوت الأنثوي الذي شق الصيدلية:
_ Bonjour, je peux vous déranger une minute??
استنكر "مروان" اللهجة فرفع رأسه لتلك التي تظن نفسها من مواليد حواري باريس، بينما "فريدة" قالت والإحراج يكسو نبرتها:
_لأ ولا يهمك، اتفضلي؟
كأنه استمع لذلك الصوت من قبل، ولكن أين؟؟ تذكر بالفعل عندما طرحت سؤالها الذي جعله يستشيط من الغضب:
_كنت عايزة درجة المانيكير Rose dragée مش الـ Vieux rose ولا الـ Rose pâle بعد إذنك..
أتلك السيدة هي نفسها التي طلبت طلاء أظافر بلون أغمق من لون القهوة بالحليب؟؟ عرف على الفور من طلاقتها للغة الفرنسية، بينما كانت "فريدة" تحاول استجماع شتات نفسها التي تمزقت للتو من تلك الجميلة ذات الشعر الأشقر، لم تفهم ما قالته فحمحمت تقول بثبات وثقة مزيفة:
_ممكن بس حضرتك اساميهم بالعربي؟
عقب "مروان" على ردها ذلك قائلًا والسخرية تحتل نبرته:
_ياريت بس يا مدام علشان محدش فينا كان فرنساوي والله.
لم تستشف تلك الفتاة سخريته بل ترجمت ما قالته بصعوبة قليلًا قائلةً:
_عايزة درجة وردي سكر نبات مش وردي معتق ولا وردي باهت..
حاول "مروان" إخفاء ضحكاته بينما جذبتها "فريدة" نحو ذلك الرف الذي يقبع عليه كل ألوان طلاء الأظافر تقول لها بعملية:
_دي كل الألوان المتاحة، اختاري اللي يناسبك، أظن حضرتك هتبقي دقيقة أكتر مني.
كانت تتوقع استياءها لكن صدمتها برد فعلها الحماسية قائلةً:
_Je vous remercie هختار وأجي أحاسب على طول
أومأت "فريدة" رأسها بالموافقة والابتسامة الصفراء تعلو وجهها، عادت إلى مكانها تقول لـ"مروان" بهمس يغلفه الضيق والضجر:
_أنا مش فاهمة أنا إيه ده، أنا كنت بهرب من حصص الفرنساوي أصلًا، ده غير إني أول مرة أسمع عن الألوان دي!! هي مفكرة نفسها في صيدلية أناديلا ولا إيه؟؟
وضع "مروان" يده على وجهه يحاول بكل شتى الطرق إخفاء ضحكاته بينما هي ظلت تنظر لتلك الفتاة بضيق وكأنها غريمتها، سكن الهدوء مرة أخرى حتى فزعا وانتفضا من صوت صراخها العالي وهي تمسك بأحد ألوان ذلك الطلاء اللعين تقول بفرحة:
_لأ بجد مش مصدقة!! الـ Améthyste موجود عندكم ومتقولوليش؟؟؟
أمال "مروان" على التي تقف بجانبه تشاهدها بذهول قائلًا باستغراب:
_هو مش ده بنفسجي ولا بيتهيألي؟؟
اتجهت "فريدة" نحوها تقول بنبرة حاولت تصنعها وبالفعل نجحت حين قالت:
_مكناش نعرف خالص يا آنسة..؟؟
_"سعاد".
جحظت عينيا "مروان" بصدمة بينما "فريدة" مازالت تنظر لها تنتظر الجواب ولكن فزعت من صوت "مروان" الساخط الذي سمععته يقول بضجر:
_وعملالي فيها من حواري أوروبا وبتصحي تاكلي كرواسون الصبح وبتروحي الشانزليزيه بعد الضهر! وأنا أقول لما كلمتي الصيدلية دي مين دي اللي أبوها من عينة بونابرت اللي طلعت علينا فجأة دي، يا شيخة ده إنتِ ربتيلي الرعب، ده أنا كنت مفكر الكلام ده في بوستات الفيس بس! ده إنتِ كلمتيني من هنا لقيت واحد منزل بوست بنفس اللي قولتيه من هنا! إنتِ بتشتغلينا طيب ولا إيه؟؟
امتعض وجه "سعاد" وقالت باستياء رافضةً لطريقته تلك:
_Excusez-moi, mais ce n'est pas du tout ce que je voulais dire!
ثم أضافت قائلةً ببعض التوتر:
_وبعدين فعلًا أنا كنت شوفت البوست ده وفقررت أسأل على الدرجة دي علشان لونها عجبني، فيها إيه يعني؟ ما كل بوستات الفيس بوك بتتكرر في حياتنا! إيه الجديد يعني؟؟
ظل يرسل لها نظرات حادة بينما هي أعادت النظر بتوتر لذلك الرف الذي يحمل كل الألوان من طلاء الأظافر الذي أصبح الآن من قائمة أعداء "مروان" بل ويحتل المرتبة الثانية بعد يوم وقفة عيد الفطر الذي يبغضه وبشدة..
__________________________
كان "آدم" جالسًا في غرفته وعلى فخذيه حاسوبه الخاص، مركزًا كامل تركيزه وجهده في عمله حتى انتشلته من تركيزه رسالة واردة من أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي جاء فيها:
"مستنياك يا "آدم" في الكافيه اللي متعودين نتقابل فيه، ياريت تيجي لأن الموضوع مهم"
انقلبت ملامح وجهه فور قراءته اسم المرسِل، وجلس يتذكر كل ما حدث في تلك الفترة السابقة منذ أن رأى شقيقتها واتفقا معًا على خطة محكمة؛ لتقع والداتها وشقيقتها الأفعيان في شرّ أعمالهن
والدتها التي لا تستحق حتى لقب "أم" بسبب ما فعلته بها، تلك التي تخلت عنها وخدعتها بأن هذا هو القدر ولا مجال للاعتراض، هي من فرّقتهما سابقًا بدافع أنانية وحقد نابع من قلبٍ من حجٍ مطليّ بالسواد، كرهت ولم تحتمل فكرة أن تعيش ابنتها في سلامٍ مع من يحبّها بحق، مازالت عالقة في تجربتها الفاشلة مع والد "ندى" وتندم في كل بل في كل لحظة على سنوات عمرها التي أُفنت في سبيل ابنتها، قبل أن تمضي لتتزوج من رجلٍ غنيٍّ أرمل طمعًا في ماله وشبابه فقط، أنجبت منه فتاة وربتها وعاملتها أفضل من ابنتها التي تعيش كل يوم تذوق الذل والهوان على يد والدها بسببها، وبسبب إصرارها على مقابلتها.
نسيت ابنتها الشريدة التي تلهث فقط لسماع صوتها، ولم تكتفِ بذلك، بل ظلت طوال السنوات التي تخلت فيها عنها تردد بأنها كانت مجبرة وأن لا حيلة لها بل وتلقي اللوم عليها على أنها السبب؛ لأن والدها يرفض اللقاء أو حتى أن السماح بمكالمات هاتفية.
زرعت في قلبها المقت لوالدها وزرعت في الأخرى الضغينة والنقمة تجاه شقيقتها..
شرد يتذكر خطتهما التي وضعاها عندما استقلت سيارته بعد احتسائهما كوبين من القهوة، أعتقد أنه ينظر للقهوة نفس نظرته لتميمة الحظ، لا أحد يعلم فهو لا يؤمن بتلك الخرافات كمثل الذين يؤمنون بالخرزة الزرقاء أو حتى بالسيد البدوي..
_بما إن هي أصلًا أصلًا كان هدفها من الأول تفرقنا عن بعض وأنت ماشاء الله مكدبتش خبر وبعدنا فعلًا، أنا عايزة بقى يوصل ليها إننا سمن على عسل وكأنك أنت اعتذرت ليا وأنا خلاص وافقت أرجع ليك، بس أهم حاجة متعرفش إنك حكيت ليا حاجة، وأنا من ناحيتي يا "آدم" أنا فعلًا لسه بحبك، قلبي كان مكدبني بس مكنتش قادرة أكدب عيني، بس أنا شكلي اللي كنت عامية عن حاجات كتير أوي.
انهت سرد خطتها واعترافها الذي كان كاللهب المشتعل يحرق فقط كل من يأتي أمامه حتى لو كان فؤاده، ربتت على يده قائلةً بنبرة محبَّة افتقدها كثيرًا:
_أينعم مصفتش أوي ناحيتك علشان سلبيتك بس تمام، إلا بقى لو أنت مش عايز..
_لأ لأ مش عايز إيه، ده أنا مصدقت تحني عليا! أنا والله العظيم لو فضلت من هنا لحد ما رمضان الجاي أعتذر مش هوفيكي حقك، وأنا عارف إني غلطان، بس غصب عني كنت خايف ومرعوب عليكِ، خصوصًا إن الفترة دي كنتِ حساسة جدًا ومفتقداها، حتى لو كنت صارحتك علشان نشوف حل أعتقد وقتها كانت هتبقى نهاية علاقتنا ولو كنا اتشقلبنا مكنش عمرنا هنرجع تاني.
هو محق بالفعل، كانت في سن التاسعة عشرة حين ذلك، تتذكر حالتها وقتها كانت متأثرة وبشدة بسبب فراقها عن والدتها، كانت هتثور وتعنفه وتتهمه أيضًا بأنه الكاذب في تلك القصة، حمدت ربها أن هذا ما حدث، فهو لم يكن يسامحها أبدًا على إهانتها له، فمن طبعه دائمًا الحنو واللطف، لكنه لا يغفر أبدًا الإهانة بكل أشكالها.
_أهم حاجة بس صورنا تبقى مغرقة الفيسبوك، هي كده هتتأكد إننا رجعنا، وأكيد هتبعت ليك علشان تشوف الدنيا فيها إيه.
عاد من شروده، وبالفعل صدقت كلماتها؛ فأبلغ دليل عليه تلك الرسالة التي وصلته للتو.
لابد أنخطتهما أوشكت على الانتهاء..
____________________
انتهى من تضميد جرحها بعد أن حملها "مدحت" للأعلى بسرعة، نظر لها بألم لكن هي لم تقوى حتى على النظر له بل كانت مغيبة تمامًا من هول الموقف، ذهبت مع والدتها إلى غرفتها بينما تبقى "عمر" و "مدحت" في الخارج، وما إن تأكد "مدحت" من دلوفهما تفوه قائلًا بقلق:
_هو مين ده يا "عمر"؟؟ ولا عايز إيه مننا؟؟
نكس رأسه لأسفل بخزي متفوهًا والحيرة تسكن صوته:
_مش عارف يا عمو والله، حتى معرفتش أشوف شكله، أنا حاسس يا عمو إن الموضوع أكبر من كده بكتير، خصوصًا إني لما دخلت حسيت في عينه إنه اتصدم، كأنه كان مستني حد تاني، مش عارف والله، بس أنا كتفته وسيبته مع العيال يقعدوا جنبه عقبال ما أطلع ليهم وأشوف حكايته إيه..
وضع رأسه على راحتيه بتعب جعل "مدحت" يربت عليه متلفظًا بعدما اكتسب هدوءه ورزانته مرةً أخرى:
_قوم يابني أطلع ارتاح، ولا أقولك، أنا هتقعد تتغدى معانا مفيش طلوع.
أنهى جملته بابتسامة، وقد تخلل المرح نبرته بعدما كانت هادئة، بينما هو ضحك بخفوت ولكن سرعان ما قال دون وعي:
_أنا عايز اتجوز "مريم"..
_وأنا موافق، يا "عمر" أنت لما قولتلي زمان إنك عايز تتجوزها ده كان برغبتها هي، أنا عمري ما هغصبها على حاجة ده حاجة مش بإيدي، القرار كله في إيديها، سيبها ترتاح وأنا هقولك على اللي فيها، وربنا يقدم اللي فيه الخير.
اعتبر "عمر" كلماته تلك مؤشر لقليلٍ من الموافقة وظهر إمامه الآن بصيصٍ من الأمل، اتسعت ابتسامته وبدون إدراك احتضنه بقوة وهو يقول بسعادة:
_إن شاء الله هتوافق، أنا متفائل..
بادله "مدحت" العناق وهو يضحك قائلًا بمكر:
_والله أنا عارف اللي فيها من بدري وعامل مش واخد بالي، بس متقلقش، مش هرخم عليك، مهما كنت برضو فأنت ابني..
اتسعت ابتسامته أكثر فأكثر واضطرب فؤاده بلهفة من مجرد التخيل أنها ستكون زوجته..
بينما في الأعلى تحديدًا بالطابق السابع، استفاق بصعوبة من غيبوبته المؤقتة، يشعر بألم يجتاح رأسه بقوة نتج عنه تشوش رؤيته، حاول تحريك نفسه لكنه اصطُدِم من كونه مكبل بأكمله في ذلك الكرسي الخشبي، ظل يحاول التحرك والنظر حوله بأعجوبة حتى استطاع بالفعل الرؤية بشكلٍ صحيح، انتبه لأولئك الذين يتحدثون أمامه ولم ينتبهوا له من الأساس.
كانت "عائشة" تأكل بعض التسالي وهي ترتدي خمارها المنزلي الذي يوجد بكل منزل تقريبًا الذي يوجد به نقوش باللون الأبيض والأسود، بجانبها "تميم" ممسكًا بيده كوبًا من الشاي ويضع قلمه وراء أذنه، بينما من جهتها الأخرى كان "تيام" الذي يأكل طبقًا من المكرونة بنهم وكأنه لم يأكل من الحرب العراق، بينما كان "حمزة" و "حازم" يلعبون لعبة بنك الحظ بتركيزٍ مبالغ به، وكأنها أموالهما الحقيقة وليست مجرد أوراق ليس لها قيمة.
كانت تتحدث "عائشة" وهي تنظر للجهة المعاكسة لذلك المقنع قائلةً باستياء:
_أنا جيت تُمن سوبر وتُمن سوري وأديهم خلصوا وأنا قاعدة، هو البتاع ده مش هيصحى في يومه الأسود ده ولا إيه؟؟
جاءها رد "تميم" وهو يرتشف من كوبه باستمتاع قائلًا والسعادة تغمره:
_سيبك إنتِ، الشاي بتاع أمك ده يابت حوار.!!
_والمكرونة بتاعتها دي حكاية، بص سيبك من كوباية الشاي دي، قوم خدلك طبق هتقعد تحب فيه ساعتين، ده الطبق السادس ده ولسه مشبعتش، ومش عارف في إيه!
نظرت له "عائشة" بنظراتٍ خاوية بسبب ما استمعته منه، أيقول حقًا أنه الطبق السادس؟؟
ماذا يوجد في معدته ليأكل كل تلك الكمية دون أن يشبع أو حتى يزداد وزنه؟؟
أي دودة تلك تستطيع استيعاب كل تلك الكمية من الطعام؟؟
جذب انتباههم جميعًا ذلك الصوت الذي أُصدِرَ من حركة الكرسي الخشبي القابع بجانبهم جعلتهم جميعًا يهرولون ناحيته يجلسون أمامه وأول من تحدث كان "حازم" الذي أخذ يعتذر له قائلًا:
_معلش والله معرفناش نربطك في الصالون، البيوت ليها حرمتها وأنت عارف، في حريم كل شوية بتعدي ومش هنلزمهم يلبسوا طرح في بيوتهم يعني!
فربطناك في الأوضة اللي جنب الحمام، دي أوضة الضيوف بقى، وحقك عليا معرفناش برضو نربطك في الكنب، زي ما أنت شايف "أميرة" مروقة الأوضة وحالفة محدش يقعد على الكنب..
لم يرد على هذا الهراء ولكن جذب انتباه بأن أقدامه لا تحتوي إلا على جورب فقط!! أين ذهب حذاءه؟؟؟
ظل ينظر بتساؤل إلى قدمه حتى جاءه صوت "حمزة" قائلًا بحنق:
_ماهو قالك "أميرة" لسه مروقة الأوضة، وبعدين كنت مين أنت علشان تدخل الشقة بالجزمة؟؟ ده كانت أمي ترمينا للكلاب كلنا!!
ألمته رأسه بقوة فأغمض عيناه بشدة، فتح عيناه مرةً أخرى بصدمة عندما أدرك أنهم أزاله قناعه، تفوه بغلظة قائلًا وهو يحاول التحكم في ثباته الإنفعالي دون أن يسبهم إلى سابع جد:
_فكوني أحسن ليكم، وبعدين إنتم رابطيني كده ليه؟؟
ارتفع أحد حاجبيهم جميعًا في نفس ذات اللحظة وكأن تم برمجتهم على إصدار ذلك الفعل في نفس الوقت، ألقت عليه "عائشة" قشر التسالي التي تأكلها وهي تقول بانزعاج:
_ما تحترم نفسك يا جدع أنت!! يعني احنا كارمينك ومدلعينك آخر الدلع وسايبين اللي ورانا واللي قدامنا وقاعدين ناخد بالنا من حضرتك وخالتي برة بتعمل محشي علشانك وأنت برضو عديم الدم؟؟
على ذكر خالتها وجدوا "أمل" تدلف وهي تمسك بطبقٍ من "المحشي المشكل" وهي تقول باعتذار وكأنه ضيفٌ حميم وليس قاتل متسلسل كان على وشك أن يقتل من المفترض أن تكون زوجة ابنها:
_تلاقي العيال دول صدعوك، معلش بقى منعرفش أنت بتاكل إيه، فعملنا ليك محشي مشكل، والفراخ في الفرن، اتفضل كل متتكسفش، ده حتى وشك مخطوف، أنت مش بتاكل ولا إيه؟؟
شعر بالحرج من كرمهم ولكن تذكر أنه أتى لإداء مهمته وهي تهديد الأخوة الثلاث ولكن من سوء حظه وقع في تلك العائلة التي ستصيبه بالجنون خلال الدقائق القادمة..
_متشكر يا حجة والله، بس ينفع تفكيني يعني لو مفيهاش إساء أدب؟
تلفظ "تميم" متجاهلًا طلبه يوجّه حديثه لوالدته قائلًا:
_قولي لخالتي عايز كوباية شاي تاني، ده الشاي بتاعها أحلى من شاي بطوط بتاع القهوة.
ترك "تيام" طبقه على الطاولة بقوة فأصدر صوتًا من أثر الاصطدام الذي حدث وأردف بضيق قائلًا:
_هو في إيه يالا أنت؟؟ هو كل شوية شاي شاي شاي بالقلم اللي حاطه ورا ودنك ده؟؟ هو احنا جايبين صنايعي نقاش؟؟
قال ذلك وضع يده على الشاش الملتف على رأسه بألم بسبب حديثه المنفعل المفاجيء تبعه إغلاق عينيه بوهن؛ رد فعل تلقائي صدر منه في محاولةٍ منه لتخفيف ألمه، كاد أن يتحدث المقنع ثانيةً لكن دلف "عمر" إليهم ومن حسن حظه وجده مستفيق فجلس أمامه يتلفظ بجمود وهو يدرس ملامحه بتمعن:
_قولي بقى كده أنت مين وعايز مننا إيه؟؟ وانطق بالذوق بدل ما أنطقك بالعافية..
_____________________
_يعني إيه اتمسك ؟؟ أنت بتستهبل يا ماركوس؟؟
ابتلع "ماركوس" لعابه برعب وهم ليتحدث يبرر الموقف لكن استرسل رئيسه والغضب يتصاعد بداخله كالحمم البركانية متحدثًا بتهكم وهو يكاد أن يجن جنونه:
_يعني باعتين المفروض إنه أحسن حد من رجالتنا وعمل عمليات أكبر وأخطر من كده وكان موقف المخابرات عندهم على رجل، يجي في الآخر يتمسك من شوية عيال في ثانوي لسه بياخدوا مصروف من أبوهم وأمهم؟؟
***!! امال أنا بقبض وأدرب في مين كل ده!!
لفظ اعتراضي خرج منه بعصبيةٍ مفرطة ولكن ذلك كان المعتاد.
أما الواقف أمامه، فقد تصبب وجهه عرقًا، وتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعه، فذلك أهون عليه من أن يتلقى التوبيخ منه، واقفًا كطفل صغير نكس رأسه، كما لو أن أمه نهرته بغيظ.
_خلاص يا Boss، أنا هتصرف في الموضوع ده.
انتفض عندما زمجر هو بشراسة يسبه هو ووالدته المسكينة حتى وصل إلى سابع جدٍ له ثم تفوه وهو يلهث بتعب من إثر إنفعاله الشديد:
_تجيبلي الواد ده، و"كارن" سيبها مرمية في حضن ال*** ده لحد ما أنا أنزلها.
هز رأسه بطاعة ثم هرب بسرعة للخارج كالسهم المنطلق من قوسه، فهو يخشى بطشه وبشدة، توعد لأولئك الحمقى وهو يقول بداخله:
_شكلها كده فيها نزولة لمصر، آه يا ولاد الكلب بقى أنا اتاخد غسيل ومكوة علشان شوية عيال في ثانوي؟؟
إن محسرتهمش مبقاش أنا..
انتفض بفزع عندما استمع لسباب رئيسه له يحثه على التحرك فولّى هاربًا لا يلتفت وراءه وكأن الأشباح تلاحقه، فوالله مطاردة الأشباح له أفضل من ذلك التنين البشري القابع بالداخل..
_________________________
فتح باب شقته وهو يحاول استعياب ما الذي يجري، فقد استيقظ بفزع على صوت طرق بابه المستمر وهم ليرى من ذلك الطارق الغبي، الناس أجمعين يستيقظون على رسائل غرامية أو فطورٌ رومانسي جاهز لكنه كان يستقيظ على صوت الباعة المتجولين بالعربات المحملة بالخضار والفاكهة التي يجرها الدواب، وأولئك منغصي الحياة وأنصار جبهة إجهاض الأحلام قبل أن تبدأ الذين يهتفون كل صباح بـ"بواقي زيت السمك، بواقي زيت الطعام، بنشتري الكيلو بعشرين جنيه"
لكنه منذ إن انتقل بعيدًا عن أهله في منطقةٍ راقية نعم بالهدوء أخيرًا، لكن ماذا؟؟
أهي حقًا؟؟
لابد أنه استقيظ على وجه فتاة أفضل من بلاغات العشق الطارئة، اتجهت تعانقه وهي تهتف بحماس:
_وحشتني أوي يا "بيجاد".
يحاول بكل شتى الطرق الاستفاقة من أحلام اليقظة الذي كان بها منذ قليل ولكن على أية حال بادلها العناق باشتياق، حتى دلفت هي وأغلقت الباب وهي تقول بحنق:
_على فكرة أنا هعمل عيد ميلادي، وزي ما أنت أول واحد بتفتكرني كل سنة فأنت أول واحد هتيجي.
_يعني إنتِ مصحياني من أحلاها نومة علشان تعزميني؟؟ ما تبعتيلي على الواتساب يا "لميس"!
ألقت حقيبتها عليه بضجر فتأوه بألمٍ وقهقه بعدها بقوة، بينما هي هتفت بسخط ممتزج بالعتاب:
_ما أنا بتنيل بكلمك مش بترد!، قولت أما أجيلك بقى ونشوف الكلام على إيه.!
شعر بالسعادة من تغيرها المفاجيء الملحوظ، فتلك ليست عادتها فهي لم تكن متهورة ومنجرفة وراء مشاعرها من قبل، لكنه يحب هذا التغير كثيرًا بدلًا من نسختها الكئيبة التي كان يهيم بها أيضًا فليس هناك أي اعتراض بالنسبةِ له، فهو يحبها، وبالتالي يحب كل ما يصدر منها.
جلست على الأريكة بأريحية، ثم أخرجت علبة سجائرها تأخذ واحدة منها والتقطت قداحة من فوق الطاولة المقابلة للأريكة وأشعلتها وأخذت تدخن بانتشاء.
نظر لها والعتاب يكسو نظراته فقابلت نظراته هذه بكلماتها التي تحاول طمئنته بها قائلة:
_متخافش عليا، أنا والله قللت كتير أوي عن الأول، ده أنا حتى كنت مدمنة قد الدنيا مش سجارة اللي هتموتني يعني
قالت جملتها الأخيرة بسخرية مريرة جعلته يجلس بجانبها ويأخذها تحت ذراعه قائلًا لها بنبرته الدافئة المعتادة المغمورة بالود:
_يا حبيبي أنا خايف عليكِ، ده علشانك إنتِ وعلشان صحتك، وإنك تبطلي مخدرات وده بإرادة منك وتنجحي فعلًا فأنا فخورة بيكِ، كل حاجة هتبقى تمام، متشليش هم.
استندت برأسها على كتفه وهي شاردة في الفراغ، تحدق في اللا شيء، تستعيد كل ما ينغص قلبها ويرهق تفكيرها، لكن هو لم يترك لها الفرصة حيث ضغط على مكبر الصوت الموجود بصالته واندلعت أغنية لفرقة موسيقية قديمة نسبيًا تُدعى "شارموفرز".
ابتسمت عندما علمت ماهي الأغنية وظلت تستمع لها حتى جاء ذلك المقطع والذي بدأ هو بترديده وراء المغني.
"بس أنا عايز احتويكِ، واتدفى باحتوائي ليكِ"
"مش فارقة معايا المشكلة فيا ولا فيكِ"
"أعمل إيه للغرام"
"أعمل إيه للغرام"
"ليلى آها"
"المشكلة فيا ولا فيكِ"
تنهدت بقوة، في حين دوى صوت الموسيقى في الأرجاء مجددًا، وبقيا على حالهما لحظات حتى عاد صوت "أحمد بهاء" مرةً أخرى يتساءل بحيرة:
"طب المشكلة فيا ولا فيكِ؟؟"
ردت وهي تزفر دخان لفافة تبغها بغرور وثقة:
_فيك طبعًا.
_________________________________
بالفعل، قام "آدم" بمقابلتها في المقهى المعتاد وتفوه ساخرًا من كونها قادمة لوحدها:
_أمال فين طنط "هناء" يا "هدى"؟؟
استشفت هي سخريته سريعًا وردت بوعيد قائلةً بشر حاولت إخفاءه وراء قناع البراءة:
_ما هي زمانها جاية، كده يهون برضو ترمي كل اللي كان بينا؟؟
رجع بظهره للوراء مستندًا على الكرسي الذي يجلس عليه بأريحية شديدة وهو يجاوبها بخبث يماثل خبث الأفعى الذي يسري في دمها كسريان الكرات الحمراء والبيضاء:
_لأ طبعًا، هو أنا أقدر؟؟ الفكرة بس إن هي اللي رجعت تتلزق فيا تاني، وبصراحة الواحد وحشته اللعبة، بقى تيجي على طبق من دهب أقوم سايب الفرصة وأمشي؟ ده حتى النعمة تزعل من اللي يرفصها، وبعدين إنتِ عاملة إيه؟
تأثرت الغبية بكلامه المعسول، بالرغم من شدة خبثها لكن شخصيتها يمكن أن تكسبها بسهولة ببعضِ من التملق والمدح المبالغ فيه، ظلا يتحدثان حتى وجدا "هناء" تجلس على الكرسي بجانب ابنتها وهي تقول بترحيب أول مرة يصدر منها لـ"آدم":
_أزيك يا دومة؟ عامل إيه؟ وحشتني أوي والله..
كاد أن يقهقه عاليًا من تمثيلهما الهابط لكنه تمالك نفسه ورد بهدوء ممتزج بالود المزيف:
_أنا تمام الحمدالله، أنا قولت كل اللي عندي لـ"هدى" أظن عداني العيب.
انقلبت ملامح "هناء" على الفور وردت عليه بشراسة وقوة تنافي ودها من قبل قليل:
_وحيات أمك؟؟ هو احنا مش متفقين تبعد عنها خالص وميبقاش في أي حاجة أصلًا؟؟ بتلعب بديلك أنت ليه بقى؟؟
قلب عينيه باستياء ورد بجمود مثير للاستفزاز:
_والله أنا حر، واعملوا اللي تعملوه، أنا مضربتهاش على إيديها، هي اللي راجعة بمزاجها.
ضحكت "هناء" عاليًا وتناست أنها متواجدة في مكانٍ عام ولكن هي لا تكترث لذلك الهراء، فليحترق الجميع، الأهم بالنسبةِ لها هي، هي ومن بعدها الطوفان، ردت بخبث وتهديد صريح:
_طب تمام، متنساش إني أنا أمها وسهل جدًا بكلمتين أخليها ترميك زي ما عملت قبل كده، متديش لنفسك مكانة أنت أقل من منها، "ندى" في إيدي ولو عملت إيه مش هتصدقك.
كانت ملامحها تنذر بالشر، لكنها تحولت إلى الرعب عندما وجدت "ندى" تجلس جوار "آدم" وهي تتحدث بحماس وكيد استشفته هي:
_اتأخرت عليكم ولا إيه؟؟ أزيك يا ماما، مش تقوليلي إنك بتيجي هنا كنت أجي أقابلك؟
ده حتى كنت هموت وأشوفك.
ابتلعت لعابها بتوتر بينما "هدى" كمن سكب عليها دلوًا من الماء البارد في منتصف شهر يناير، ظلت تحدق بها بصدمة بينما ردت "هناء" وهي تحاول جعل نبرتها طبيعية ومرحبة قائلةً:
_معلش بقى يا حبيبتي، وأديكي شوفتيني أهو.
نستأذن احنا بقى علشان نسيبكم براحتكم.
أمسكت "ندى" يدها قبل أن تقف، سرعت قشعريرة في جسدها من تلك اللمسة، تذكرت أنها لم تعانقها منذ أعوام، لم تراها حتى، تحسرت بألم أنها لم تذق حنان الأم ولا حتى حنان الأب، لكنها أدركت الآن أن تلك التي تجلس أمامها ليست إلا شيطانة، لا تريد لها سوى الشر والهلاك، تبسمت بهدوء ثم ألقت مفاجئتها:
_لأ خليكِ، احنا كده كده ماشيين، بس متنسيش تنورينا في خطوبتنا، هستناكم.
وقفت ووقف "آدم" جوارها ثم تحركا للخارج وعلى وجههما ابتسامة النصر، بينما في الخلف كان يخرج من آذانهما دخانٌ وهمي وكأنهما أبريق الشاي، كانت هي تشتعل من الغضب بينما تحترق الأخرى من نيران الغيرة والحقد، فلقد ذلك مخططهما طوال تلك السنوات هباءً منثورا.
قالت "هناء" وهي تحاول التفكير في أي شيء لعلها تهدأ ولكنها لم تنجح:
_آه يا بنت ال.. إن مبوظلتكيش الدنيا مبقاش أنا.
_______________________
كانت "كارن" ترتدي جلابية "أمينة" الفضفاضة؛ فملابسها بالنسبة لـ"أمينة" تُعد ملابس فاضحة لا تُرتدى إلا في غرفة النوم، جلست في الصالة أمام التلفاز بملل، فمنذ أن جاءت إلى هنا وهي لا تراه، نظرًا لأن "أمينة" قد طردهم جميعًا ليبيتوا في الشقة المقابلة إنما هي تبيت معها وحدها.
جلست "أمينة" بجوارها في صمت وأخذت تنتقل بين القنوات الفضائية على التلفاز حتى استوقفها سؤال "كارن" الفضولي:
_هو ليه حضرتك Savage و aggressive كده؟؟
إني معملتش ليكِ أي حاجة I swear
رمقتها "أمينة" بضجر ثم قالت باستياء ساخر:
_أبقي اتكلمي عربي يا حبيبتي، محدش قالك إنك بتتعاملي مع خريجة المعهد العالي للفنون والترجمة قسم زخرفة.
استشفت "كارن" سخريتها وحمدت الرب أنها لم تفهم تعبيراتها باللغة الإنجليزية، كادت أن تتحدث مرة أخرى لكن التفتت "أمينة" إلى صوت الجري الكهربائي للباب، قامت هي لتفتحه فوجدت "كنزي" أمامها بابتسامتها الهادئة وهي تقول باعتذار:
_معلش يا طنط لو هعطلك، عايزة حضرتك في كلمتين.
دعتها "أمينة" للدخول واستنكرت الأخرى عندما وجدت تلك الجميلة تجلس بضجر ولكنها لم تعلق فهو ليس من شأنها، جلست على الأريكة وجلست بجوارها "أمينة" التي التفتت إلى "كارن" وقالت وكأنها تخاطب الخادمة الفلبينية التي اشتراها ابنها لها:
_معلش يا كوكي اعملي لينا كوبايتين شاي.
قامت "كارن" على الفور، وقد فهمت أنها ترغب في الحديث على انفراد، و كل الشكر لـ"يوسف" الذي كان يشرح لها دائمًا تعبيرات والدته وكيفية التصرف معها.
_ها يا حبيبتي، خير في إيه؟؟
ابتسمت "كنزي" ثم قالت بهدوء شديد:
_أنا مش فاقدة الذاكرة و..
_وأنا عارفة إنك مش فاقدة الذاكرة..
رمت "أمينة" قنبلتها وهي ترفع حاجبًا بمكر، بينما اندهشت الأخرى من كونها تعلم هذا السر..
السر الذي لو علمه أحد لكانت الآن تُحاسب حساب الملكين.
______________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية