رواية لعاشر جار الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم سلمى رأفت
37-عبثيات مريمية وعمرية
_إيه ياختي الحنان المفاجئ ده! ده كل ما تقوم كلمة تقوم مرمية في حضنه! ده لو أمه نزلت ولقيته عامل ياخدها في حضنه وشوية وهيطلع بيها فوق هتعمل مجزرة هنا!
صحيح، بنات آخر زمن! لا بقى فيه حيا ولا كسوف!
ضيق "عبدالله" عينيها بحقدٍ فهو يسعى وراءها منذ زمن وأقصى ما حصل عليها نظرة منها، حتى في مرةٍ من المرات حاول أن يمسك يدها وجد عائلتها والبعض من سكان البناية الذي ليس لهم أي دخل في الحوار فوق رأسه، وكان ينقصهم العم "صدقي" صاحب البقالة على مقدمة الشارع أن يكون معهم وهم ينظروا له بشكٍّ ممتزج بنظرات متوعدة.
حدث نفسه قائلًا بضيق من ذلك الوضع:
_صحيح، ناس تتهنى وناس تتمنى، ده يوم ما جيت أمسك إيدها لقيت أبوها فوق دماغي وكان مصمم يفشكل الخطوبة!
احضن ياخويا أحضن، ماهي حظوظ..
بينما كان "يونس" كل ذلك يحاول استعياب ما حدث، فما الذي أتى بها إلى هنا؟؟ وما علاقتها بذلك الوغد الذي يُدعى "حسام"؟؟
العديد والعديد حقًا من الأسئلة التي عصفت برأسه بينما كان شقيقه يسبح في بحرٍ من السكر أو كالنائم في سوق الضجيج، وللحق كان عقله الآن يشبه البطيخة الفاسدة؛ لا يعي ولا يفكر في شيء سواها، لم يكترث لوضعهما غير الملائم ولا لأولئك المتفرجين في الخليفة، هي فقط التي اتحلت تفكيره..
_يا نهار أبوك أسود!! واخدلي واحدة في حضنك وسط الرايح واللي جاي يا روح أمك؟؟ وعلى إيه الإحراج ده؟
ما تاخد مفتاح الشقة وأطلعوا أقعدوا براحتكم!! ده ليلة أهلك سودة انهاردة يا "يوسف"!!
كان هذا صياح "أمينة" التي نزلت للتو لتشاهد ذلك المشهد السينمائي وبطله ابنها العاشق الحالم، بالطبع أتت بسبب رسالة "يونس" الذي ما إن أدرك ما الذي يجري هرول يرسل لوالدته ما الذي حدث والذي يجري الآن، فهو لا يريد الطرد و النوم تحت الجسور الليلة، فيكفي شقيقه الذي ستشاع جنازته في الصباح.
لا أحد لا يعلم سخط والدته وبالأخص في تلك الأمور، فكان دائمًا منطقها أن لا أحد يكبر على المحرمات وحتى لو تعدوا العقد السادس من أعمارهم وأصبحوا كهول لا يقوول على السير فهم دائمًا معرضون للسخط والعقاب منها.
بالطبع أثر صياحها الذي دب الرعب في أوصالهما ابتعدا عن بعضهما البعض وكأن شيئًا لم يحدث، كانت هى تعلم والدته أشد العلم فدائمًا ما تشعر بنفورها منها الدائم لأنها لا تشبه طبيعتهم ولا بيئتهم الشرقية الغبية بالنسبةِ لها.
هرول "يوسف" للخارج عندما وجدها تركض خلفه بسخطٍ أعماها جعل الأخرى تركض وراءه برعبٍ منها، حتى وقعا في أيديها وهى تسترسل بشرٍّ قائلةً:
_أنا عندي العط والزنا واحد...الاتنين عقوبتهم الجلد.
____________________________________
_تسمعي كريم أسامة؟؟
استعر انتباهها بذلك الاسم الغريب بالنسبةِ لها فتفوهت باستغراب عاقدةً حاجبيها:
_مين ده؟ أقول مرة أسمع عنه.
أمتدت يده إلى هاتفه وسرعان ما أوصله بالمكبر الصوتي، لم يكترث لكونه في عمله وسط تلك العقاقير والأدوية ألا وهو صيدليته الحبيبة، بينما هى كانت تراقبه باهتمام حتى صدح صوت فتى اسرتها كلماته، كانت ولأول مرة تستمع له ولهذا النوع من الموسيقى ما ذوقها المفضل في الموسيقى هي تلك التي تسمعها في في الأزقة الضيقة فبالنسبةِ لها المغني العالمي الأفضل والأوحد في المجرة هو "حمو بيكا" الذي تطربها كلماته المبعثرة ويليه "حسن شاكوش"، ولكنها لم تصرح له بذلك الشيء خشيةً على صورتها الاجتماعية..
"تيجي تغنيلي وأغنيلك غنوة ونتريق على الأيام
نتريق على الأيام، نتريق على الأيام
وأفضل تحكيلي وهحكيلك عن أيام صعبة منحسبهاش
معاكي مبحسبهاش، مع بعض محسنهاش"
أعجبتها تلك الكلمات بينما هو اصطنع عدم الاكتراث لكلمات الأغنية حتى هتفت هى قائلةً باستحسان لها:
_أول مرة أسمعه، بس حلوة أوي الأغنية دي، اسمها إيه بقى؟؟
ابتسم هو ابتسامة صفراء ثم تلفظ قائلًا باستفزاز:
_كدابة..
ارتفع أحد حاجبيها تبع ذلك تلفظها الحاد بنزق:
_نعم؟؟ هى مين دي اللي كدابة؟؟
رفع يديه باستسلام قائلًا ببراءة شديدة حاول اصطناعها:
_والله الأغنية اللي اسمها كده، إنتِ مش بتسمعي عربي ولا إيه؟؟
تفوهت بتعالٍ والكذب يقطر من فمها قائلةً باشمئزاز:
_ماليش في العربي يا دكتور "مروان"، بحب اسمع إمينيم وبيلي أيلش وتايلور سويفت..
ابتسم لها وكاد أن يسترسل قطعه قبل حتى أن يبدأ ذلك الشاب الواقف أمامهما منذ قرابة النصف ساعة ولم ينتبه أحدًا له قائلًا بضجر:
_هو في إيه يا دكتور؟؟ أنا بقالي نص ساعة واقف ومحدش راضي يعبرني!
هو أنا دخلت استضافة مع أسامة منير ولا إيه؟؟
مكنش حرقان ده يا أخي!
حمحمت "فريدة" بإحراجٍ وعادت إلى عملها بينما أعطاه "مروان" طلبه ولكن وجد من يميل على أذنه قائلًا بمكر:
_لأ بس طلعت سوسة يا دكتور، بس نصيحة أخوية، اسألها كده على أي أغنية من أسامي المطربين اللي أساميهم شبه أسامي أزايز الخمرا دي، أسمعني، أنا خبرة وبعرف من اللي ليه في الأجنبي فعلًا ومن اللي ليه في أغاني إسلام كابونجا، أصل بعيد عنك خطيبتي الله ياخد أمها علشان مطلعة عيني، كانت بتقولي في الأول مش بتسمع غير أغاني الست والسيندريلا طلعت بتسمع ويجز وبفتنا تعاشر المظابيط..
انتبهت "فريدة" لهما فتهامسهما طال وبشدة، بينما دفعه "مروان" قائلًا بتعب ممتزج بالسأم نظرًا لأن الآخر كان يثرثر بلا فائدة:
_خلاص علشان خاطري، دماغي وجعتني، أنت تشوف يوم وأنزل معاك تحكيلي على حماتك وخطيبتك وخالك اللي واكل ورث أمك.
عقد هو حاجبيه ثم عقب قائلًا باستياء على حديثه الضَجِر منه:
_إيه يا دكتور في إيه؟ بفضفض معاك يا أخي! خلاص ياعم مش عايز حاجة منك هات الفوار!
جذب هو المحلول الفوار بسخط وذهب بعيدًا بينما هي كانت جالسة تدون بعض الأشياء الخاصة بالعقاقير الناقصة وفجأة طرأ في بالها سؤال فأسرعت تلقيه عليه قائلةً بحيرة:
_هو أنا بقالي شهر شهر ونص شغالة مع حضرتك، خدت بالي إن في أدوية مهمة أوي بس في نفس الوقت غالية جدًا، وغالية بشكل لا يحتمل وخصوصًا إن فيه منها أدوية جدول، أنا يصعب عليا لو حد جيه وطلب وهو معهوش أو مجمعه بالعافية، فقولت أسألك أنت بتعمل إيه في المواقف اللي زي دي؟؟
تنهد "مروان" بحزنٍ ثم تلفظ وعلى محاياه ابتسامة مريرة:
_تعرفي إن والدتي ماتت بسبب كده؟ كنت قد "حازم" كده وهو كان لسه في اللفة، كانت تعبانة جدًا بعد الولادة، خفت وبعد سنة بالظبط كان عندها الالتهاب القلبي الروماتزمي، للأسف اتعرضت لعدوى بعد الولادة ومحدش فينا كان فاهم في إيه، وبابا كان دايمًا مسافر كالعادة يعني، فين وفين عقبال ما كشفت كانت حالتها متأخرة جدًا، حاولت والله أخليها تنتظم على الأدوية، لحد ما في مرة الأدوية بتاعتها خلصت وكنت في فترة امتحانات بتاعت تالتة اعدادي..
زفر بأسى بينما هي حثته بنظراتها على الاسترسال ولم يرفض طلبها وأضاف قائلًا:
_كان غصب عني والله مكنتش مركز معاها أوي في الفترة دي من التوتر، بس كنت معاها وكانت بتقعد تقولي إن هي منتظمة في الدوا ومقلقش عليها، معرفش إن هي مخبية عليا إن الدوا خلصان بقاله أكتر من أسبوعين، مرضتش تشيلني همها ومتعرفش إن همها عندي بكنوز الدنيا ومافيها، ولما خدت بالي اتضايقت جدًا وجيت أنزل أجيب الدوا بس الفلوس اللي معايا مكانتش مكفية، قعدت أعيط جامد قدام العمارة وأنا شايف حالتها بتسوء كل دقيق عن التانية..
-
كان يبكي بشدة على الدرج المؤدي إلى مدخل البناية، بكاء صغير فقد أمه للتو، كان هذا الذي يشعر بها، يرتعد بخوف عندما يأتي بمخيلته أن من الممكن أن ترحل وتتركهما في براثين والدهما المستهتر، الذي يركض خلّف ملاذاته وشهواته ركض الفهد تجاه فريسته، وجد من يربت على كتفه قائلًا بحزنٍ:
_يا "مروان" مالك في إيه؟؟ بتعيط كده ليه؟؟ هي طنط تعبت طيب ولا في إيه؟؟
جلس "عمر" بجواره وأخذ يربت عليه فارتمى الآخر داخل أحضان صديقه الذي كان بمثابة الأخ والشقيق بل مكانته تعدت كل تلك المسميات، ازداد نحيبه أكثر فأكثر وتلفظ يقول بين شهقاته المتقطعة بلوعة:
_ماما بقالها أكتر من أسبوعين يا "عمر" مش بتاخد الدوا، الدوا اللي الدكتور محذرني إن مينفعش تفوت يوم فيه، حتى نزلت أجيبه الفلوس مكفتش، أنا تعبت أوي يا "عمر" والله، أنا ماليش غيرها والله..
تفوه "عمر" سريعًا يحاول تقديم الحلول التي فكر بها، فكانت هي والدته أيضًا، فالجدير بالذكر أنهما أخوة بالرضاعة، كانت تحنو عليه دائمًا، وكان يحبها كثيرًا، ولكن عقله الطفولي لم يسعفه كثيرًا فحاول تهدئة صديقه مخففًا عنه همه:
_يا "مروان" مينفعش كده، أحنا بكرة ورانا امتحان لسه، وبعدين قوم معايا، أنا محوش فلوس وهنكمل مع بعض ونجيب الدوا ليها، قوم معايا يلا..
وقف "مروان" بجانبه وهو يحاول مسح دموعه وأردف ببعض من الجمود قائلًا بنبرة لا تحتمل النقاش:
_خلي فلوسك معاك، أنت كان نفسك تجيب بيهم خاتم دهب لخالتو، أنا هتصرف..
كاد أن يذهب لكن أمسكه هو من مرفقه بقوةٍ متلفظًا بغضب:
_أنت أهبل يالا؟؟ أنت أمك هي أمي يا عبيط، وأنا كنت ناوي أجيب ليهم هما الاتنين، قوم وتعالى معايا وبلاش هبل أنت أخويا ومفيش بينا الكلام ده..
بالرغم من صغر سنهما نسبيًا لكن كانا بالوعي الكافي لإدراك كل شيء، جذبه "عمر" للأعلى وهرولا ناحية غرفته بسرعة بينما لاحظت "أميرة" عجلتهما المريبة وقررت مباغتهما بسؤالها عن الذي يجري، لم تكن تعلم ما حدث لصديقتها فالظاهر لهم أنها على ما يرام لكنها كانت تزداد سوءً في الخفاء..
_في إيه يا "مروان" أنت و "عمر"؟؟ مالكم في إيه؟؟ وبراحة علشان "حمزة" و "حازم" ما صدقت نيمتهم.
ابتلعا ريقهما بتوتر وصمتا، حاولت هي اكتشاف ما الذي يجري ولمحت بيد صغيرها البعض من المال فتفوهت باستنكار:
_إيه الفلوس دي؟ هتعملوا بيها إيه؟؟
حاول "عمر" اختلاق أكذوبة حرصًا على مشاعر رفيقه ولكنه لم يفلح، استعاد رباطة جأشه وقرر مصارحتها فهما بحاجة إلى ذلك الوقت المنهدر:
_خالتو تعبانة أوي والدوا بتاعها خلصان بقاله فترة، و"مروان" لسه واخد باله دلوقتي، بس أنا وهو قولنا هنجيب الدوا مع بعض لخالتو..
استعرت عينا "أميرة" بفزعٍ وهرولت ناحية "مروان" تحتضنه بلهفةٍ قائلةً له وهي علي مشارف البكاء:
_أمك مالها يا "مروان"؟؟ وإزاي تخبي عليا حاجة زي كده؟؟ أوعى يكون أخرت الدوا كل ده علشان الفلوس!!
انتكست رأسه للأسف بخزيٍ فهي محقة، لا يوجد سبب يجعل والدته تهجر دواءها كل تلك المدة إلا لذلك السبب اللعين، ألا وهو السبب المادي، الأموال التي من المفترض أنها من الأساسيات لاستكمال الحياة، لكنها الآن أصبحت متحكمة في أرواح البشر أجمعين، وكأنها ملك الموت الذي يقبض الأرواح بساعةٍ وبمعادٍ معلوم..
أخرجت "أميرة" من محفظتها التي كانت على الطاولة الصغيرة التي كانت تتوسط الغرفة وأخرجت العديد من الأوراق النقدية تعطيها لهما بصرامة لم يعهداها من قبل:
_أمسكوا، تاني مرة لو حصل الكلام ده محدش فيكم يكلمني تاني، أنزلوا هاتوا الدوا بسرعة وأنا هطلع أشوفها.
هرولا على الدرج بسرعة ليأتوا بذلك الدواء بينما هي توجهت نحو شقة رفيقتها تدللها بنسخة مفتاحها الخاصة وما إن وقعت عيناها عليها ركضت تنظر لها بعتاب ولوم قائلةً وهي تمسك يدها:
_كده برضو يا "حبيبة"؟؟ كده برضو تخبي عليا إنك بتاخدي الدوا وهو خلصان؟؟ هو أنا مش أختك ولا أنتِ إيه دنيتك؟؟
غاصت في بكاء مرير بينما أعتدلت "حبيبة" بإنهاك على الأريكة وهي تربت عليها بحزنٍ مردفةً برقتها المعهودة التي طالما كانت معها، لم تذهب كما ذهب جمالها وذبُلت ملامحها بسبب مرض فؤادها:
_هو أنا ليا غيرك يا "أميرة"؟؟ أنا بس كنت مستنياه يبعتلي فلوس وهشتريه عادي، محصلش حاجة، متعيطتيش بقى.
اقتربت "أميرة" تحتضنها بينما الأخرى بادلتها العناق بحنان وضعف، قطعا ذلك هرولة الصغيران عليها يعطيانها الدواء وتفوه "عمر" وهو يعطيها كوبٍ من الماء قائلًا بحزن:
_أنا زعلان منك يا خالتو والله، كده مترضيش تقولي لينا؟؟ أمسكي خدي الدوا يلا.
أمسكت هي كوب الماء وابتسمت له بلطف بينما وقف "مروان" ينظر له وروحه مشتتة، أنتهت من تناول دواءها وجذبته بوهن وهي تقول له بهمس:
_يا حبيبي حقك علي قلبي، قلبي اللي تعبان ده ميتحملش والله زعلك منه يا "مروان"، متزعلش مني، ربنا يحميك يا روحي ليا وأشوفك قد الدنيا.
عانقها بشدة وكأنه الوادع، ولكن..
لم يدرِ أنه كان آخر عناقٍ وكان عناق الوداع بحق..
أستفاق "مروان" من شروده بعدما أكمل لها قصته بينما هي تفوهت قائلةً بوجع:
_ربنا يرحمها يارب ويحسن إليها، أنا مش عارفة أقولك إيه بجد..
قطع حديثها وهو يحاول علي سؤالها في الأساس ببعضٍ من الجمود:
_علشان كده حلفت أي حد هيجي ليا ومش معاه حتى جنيه من حق دواه حتى لو كان يطلع على حسابي ولو الدوا دوري يبقى على حسابي برضو، والحمدالله ميت فل وعشرة، ومتقلقيش، أي حد يجيلك وتحسي إنه فعلًا جايب فلوس الدوا بالضالين قوليلي وأنا هعرف اتعامل.
ابتسمت له بسعادة بينما بادلها هو الآخر ابتسامة أسرتها جعلته يتفوه ببعضٍ من الحنين:
_تعرفي "عمر" كان عايز يطلع دكتور ويفتح عيادة وأنا أفتح صيدلية جنبه علشان اللي يخرج تعبان من عنده يجي يشتري الدوا من عندي، وكده ضربنا عصفورين بحجر واحد.
ضحكت هي بقوة من أحلامهما البسيطة وسرعان ما إن انشغلا ثانيةً عندما بدأ بعضٌ من المارة الدلوف لشراء بعض الأشياء منهما..
___________________
_سيبك منها، ولو عملت حاجة تاني هنشتكيها، علشان مش ناوية تجيبها البر!
كادت أن ترد عليه، لكنهم سمعوا صوت شجارٍ عالٍ وحاد، فهرعوا بسرعة إلى الخارج ليروا ما الأمر..
وجدوا شجارًا حادًا بين فتاتين، لكنهم لم يستطيعوا تمييز هويتهما. حاولت "لارا" أن تتدخل، لكنها صُدمت عندما رأت أن شقيقتها هى إحدى الفتاتين، وكانت تتشاجر مع تلك التي تدعى "چايدا"
_أنتم أصلًا كلكم عيلة بيئة ومقرفين، وبطلوا شغل التلزيق ده!!
كانت تلك كلمات "چايدا"، وكادت أن تسترسل، لكن صفعة قوية هوت على وجهها، أبرحتها أرضًا من شدتها وبالطبع وما فاعلها سوى "لارا"..
جذبتها من خصلاتها عنوةً كادت أن تقتلعها من جذورها وهي تهتف بشراسة وغضب تمكن منها:
_بقولك إيه يا بت إنتِ، اللي بتلفي وراه السبع لفات قدامك أهو، يكش تولعي إنتِ وهو، بس أنا معاكِ للآخر، روحتي ليه وصدك، وبرضو رايحة جاية وراه وشغال يصدك، وإنتِ مفيش كرامة خالص؟؟ أقولك على حاجة؟
روحي اتعالجي، يمكن تبطلي تعلقي أفعال ناس على شماعة ناس تانية..
دفعتها فور إنتهاء كلماتها وكان وقعها عليها كمن سُكب فوقه دلوٌ من الماء البارد، ظلت تبكي بحرقة، فكل ما قالته صحيح ولم تستطع حتى الرد عليها، بينما جذبت "لارا" شقيقتها ليرحلا التي فوجئت بها تحتضنها بقوة..
لم يتفقا أبدًا، حتى زال الود والمحبة بينهما وأصبحا أعداءً بدلًا من كونهما أختين متحابتين، ولكن بسبب فعلتها تلك سقطت كل حصون الأخرى وبادلتها العناق باشتياق، فهي لا تتذكر حتى متى عانقتها؛ ربما في السابعة من عمرهما في أول مرحلة دراسية لهمها، وكانتا مرغمتين على ذلك العناق بالطبع لأجل تلك الصورة اللعينة التي كانت تُلتقط لهما في كل مرحلة دراسية..
كان "تميم" في الخليفة يضرب كفًا بكفٍ بجانب شقيقه الذي داهمه الدوار فجأة ولكنه تمالك نفسه وظل واقفً حتى يرى ما سيحدث، حاول الزملاء فض ذلك النزاع دون أن يذهب إحداهما إلى مدير المركز التعليمي لتلقي عقابه، وبالفعل، ذهب "چايدا" بعيدًا برفقة صديقتها بينما اقترب "تميم" منهما يقول لهم بأسف:
_يلا يا "لارا" شكلها مفيهاش درس انهاردة، المستر اعتذر يعني دبينا المشوار على الفاضي، يلا بس الله يكرمكم علشان الواد شكله هيقع من طوله ومش ناقص حوادث.
وجّهت نظرها إليه وجدته بالفعل يمسك رأسه بألم ومحاياه ممتعضة من شدة الألم الذي فتك به، أدرك الآن أنه ليس بمستعدٍ لمواكبة حياته ثانيةً فسوف يخضع للإقامة الجبرية مرةً أخرى لعدم تحسنه بالكامل.
وصلوا إلى بنايتهم وكل منهم توجه إلى شقته بينما قبل أن تدلف "لارا" برفقتها وجدت "چويرية" تبكي بصمت، تهرب بنظراتها عنها وكأن ما فعلته جرم يجب أن تستعر منه، تنهدت هي بقوة ثم نظرت لها قائلةً بحزن:
_أنا عارفة إنك مش بتحبيني، وعارفة إن بينا مشاكل الدنيا والأخرة ودايمًا بنمسك في بعض، بس أنا بحبك، حرام عليكِ ده أحنا توأم، ممكن متعيطتيش؟ أينعم إنتِ قليلة الأصل وبياعة ومعندكيش دم وتنكة على مخاليق ربنا بس أختي بقى هعمل إيه..
ازداد انهيارها وبدأت شهقاتها تعلو فجذبتها الأخرى إليها تحاول تهدئتها في نفس تلك اللحظة خرجت "بوسي" من شقتها المقابلة لهما وما إن رأتهما هكذا هرولت ناحيتهم تستفسر بقلق قائلةً بتساؤل:
_مالك يا حبيبتي في إيه؟؟ هي مالها يا "لارا"؟؟
أرسلت لها نظرة تنم عن عدم معرفتها بالسبب، تمسكت بهما "بوسي" قائلةً بتصميم وهي تجذبهما نحو شقتها:
_طب تعالوا طيب، مينفعش تدخلوا عليهم كده تقلقوهم جوة، متقفيش كده تعالي ده أنا بفرقكم بالعافية.
كانت "چويرية" في عالم آخر، تذكرت كل ما حدث معها، هي الابنة الوحيدة التي تلقت كل أنواع الترفيه، ولكن تشعر بأن لا أحد يحبها ولا أحد يقبلها، كانت طريقتها الفظة دائمًا مع إخوتها بسبب ما تعانيه من نقص في شخصيتها، لم تشعر بأحد منهم يحبها بحق..
بالفعل توجهن للداخل وجلست "بوسي" بجانبهما قائلةً بحنان وهي تربت على ظهر تلك الناحبة:
_طب اهدي بس وتعالي كلميني أنا، أنا أصلًا مستغربة إن أنتم الاتنين في حضن بعض، إيش لم الشامي على المغربي؟؟
جذبتها "بوسي" برفق إليها حتى سكنت هي في أحضانها بدلًا من شقيقتها فأخذت الأخري تربت عليها وهي تسترسل حديثها الذي كان بمثابة دواءً لجرحها الغائر:
_تعرفي إني بعرفك عن "چوري" من شعرك؟؟ وبعرفك من غير حاجة، طب بصي سيبك من أختك، مالك بتعيطي كده ليه؟ لو في حاجة أنا في ضهرك من غير ما حد من البيت يعرف حاجة، بس متعيطيش كده متقطعيش قلبي عليكِ، وكوكي نايمة هي وسوزي وما صدقت اتخمدوا لو صحيوا مقعدك جنبهم تونسيهم والله!
ضحكت بخفوت من وسط بكاءها وبالفعل بدأت تهدأ تدريجيًا حتى تمكنت من التحدث قائلةً وهي تمسح عبراتها بتعب:
_أنا تعبانة أوي، دايمًا بحس محدش بيحبني، مفيش حد بيسمعني ودايمًا أنا الناشز فيهم، محدش بيحبني لا من إخواني ولا حتى صحابي، هم شايفين بس إني متكبرة عليهم وطريقتي غيرهم، أنا بجد كل يوم أقعد أعيط بسبب كده، دخلت في relationship وفشلت وكان نتايجها سيئة بجد، وفي الدراسة مش بعرف اذاكر وتقديراتي دايمًا في النازل، أنا فاشلة في كل حاجة، حتى فشلت إن اخلي حد يحبني..
ما إن انتهت ارتمت عليها تبكي بحرقة لم تعهدها من قبل، تشبثت بها وهي تبكي على كل ما فُقد منها، على كل ما فشلت حتى في إنجازه، تبكي على الحليب المسكوب، والحليب الذي في الكوب، بل وأيضًا الحليب الذي يتواجد في الجاموسة..
رق قلب "لارا" لها ونظرت لها بحزن دفين، كانت تتمنى دائمًا أن يكونتا متحابتين ولكنه لم يحدث، ظلت تبكي هكذا حتى هتفت "بوسي" مرةً أخرى وابتسامة بسيطة ارتسمت على محاياها تتذكر شيئًا ما:
_عارفة يا "چويرية" فشلك في العلاقات مش معناه إن إنتِ وحشة، والفكرة بس إننا ساعات مش بنبقى مناسبين لبعض، مش معنى إن احنا الاتنين كويسين يبقى لازم نكون منسجمين مع بعض، طب بصي هقولك على حاجة بس متستغربيش.
انصتت لها "لارا" بفضول بينما الأخرى خرجت من أحضانها تكفكف دموعها وهي تصغي لها في حين استرسلت "بوسي" وهي تشرد في الفراغ بفرحة:
_وأنا قدكم كده، كنت عنيفة أوي، اللي كان بيضايقني كنت افتحله دماغه، ومرة واحد اتعرضلي في درس حدفت الكرسي عليه ومشيت، طبعًا كنت غلط وكتير أوي بيغلطني بس كنت مقتنعة إن كده صح، كنت أشوف اللي حواليا اللي مرتبطة واللي فلان بيحاول يكلمها ومش عارف وأنا كنت أقول طب واشمعنى أنا وأكيد ده مش مبرر، لحد ما واحدة الله يمسيها بالخير أو يحرقها قالتلي إن عمر ماحد هيبصلي طول ما أنا كده.
ساعتها زعلت أوي وقعدت أعيط لأن مهما كنت مش بيهمني حد فأنا في الأول وفي الآخر بنت وهبقى مبسوطة حتى لو هرفض ده إن حد معجب بيا، لحد ما دخلت أولى جامعة..
تنهدت بهدوء وهي تتذكر بينما كانت "چويرية" تحثها على الاسترسال ولكن الأخرى كانت مشتتة، فهي أيضًا كذلك، حاولت عدم التظاهر بأنها مهتمة ولكنها فشلت فقدت تعلقت عيناها بها عندما أكملت حديثها وهي تبتسم بعذوبة:
_كان في واحد في سنة رابعة كان أشهر ولد في الجامعة، بيني وبينكم أنا أُعجبت بيه، بس حاولت أصرف نظر لما لقيت دايرة البنات اللي حواليه عكسي خالص، زعلت جدًا وفضلت كده لحد ما اتخانقت مع البت اللي ماشية معاه علشان كانت بترمي كلام بضايقني ما هي كانت معايا في الدفعة وبصراحة كده كانت بتشيل وحالتها بالبلا، لقيته داخل علينا وقولت بس طار الولا لقيته بيشدها هي وعمالة تبرطم إني زي الرجالة في طريقتي وكلام من ده، سيبتها ومشيت وكنت هعيط والله لقيته جاي ورايا بيعتذرلي عن اللي حصل وطبعًا قولت هديله ريق حلو وكده لقتني برد عليه بتناحة كده وروحت..
سندت برأسها للوراء وهي تضيف متذكرةً أهم حدث في حياتها ثم عادت تحكي لهم والحب يشع من عيناها:
_لما روحت لقيته باعتلي أدد على الفيس وبيعتذرلي تاني، الصراحة اتحرجت واعتذرت ليه عن طريقتي، طبعًا القمور حاول يجر معايا كلام بس صديته، أنا كنت مقتنعة ولسه مقتنعة إن اللي بيحب واحدة مش بيحبها في الدِرا، ولا هيجر معاها كلام لمجرد صحوبية يومين لحد ما يزهق منها ويشوف واحدة جديدة، أمي الله يرحمها كانت بتقولي اختاري اللي يجيلك ويخبط على باب بيتك مش اللي يلف ويدور ويجي من الشباك بسبب حجة، اللي حتى لو مش جاهز وبينه وبينها السما والأرض وبيحبها هيعافر علشان يوصل ليها في النور.
طبعًا كل شوية كان يطلع ليا في البخت وأنا لسه مصممة على رأيي مع إني كنت بروح بيتنا أقعد اتشقلب على السرير من الفرحة، لحد ما لقيته موقفني قدام الجامعة كلها..
-
_يا "بسملة"!! يا بنتي استني!!
كانت تسير بغضب وهو وراءها يصيح بضجر حتى وقفت تقول له بسخط:
_أنت عايز إيه يا "شريف"؟؟ ياسيدي أنا ماليش في الجو ده، الكلية مليانة بنات وعلى قفا مين يشيل، شوفلك واحدة منهم، وأظن أنك عارف أنا قصدي إيه، لكن شغل العيال ده والله ما هسمي عليك!
تركته وغادرت بينما هو هرول ناحيتها يمسكها من ذراعها قائلًا بسرعة قبل أن تصب غضبها عليه:
_طب والله العظيم بحبك، وبقالي سنة بلف وراكِ علشان عايزاك، بس مش اللي في دماغك، أنا عايز آجي اتقدم، واخلصي بقى علشان والله هرتكب فيكي جناية!
وقفت تستمع له وعيناها متعلقة به بحب حاولت إخفاؤه، وجدها تنظر له هكذا فابتسم بفرحة ولكن قطعتها عندما تفوهت بشرود:
_ليه؟
_ليه إيه؟؟
قالها والاستنكار ظهر جليًا على ملامحه بينما هي أعادت سؤالها بطريقة أكثر وضوحًا في محاولةً منها كبح دموعها:
_ليه أنا؟ اشمعنى أنا وأنت عارف إن عمري ما اشبهلك ولا اشبه اللي كانوا في حياتك قبل كده؟؟
استشعر هو تشتتها فأردف قائلًا والهدوء اكتسى نبرته المحبة:
_بحبك علشان ولا حاجة، أنا فكرت في كل الكلام ده، بس ملقتش غير إني عايزك في حياتي ودايمًا، بالنسبة بقى إنك مش شبه حد من اللي كنت أعرفهم فعندك حق، ويمكن ده اللي خلاني اتشد ليكي، حبيتك بشراستك وكل حاجة فيكي، وشايفهم مميزات مش عيوب كمان، كنت بدور عليكي في كل واحدة أعرفها ومكنتش بلاقيكي، واحدة جدعة وبميت راجل، ووقت لما تحب تبقى بنت بجد، بتبقى ست البنات كلهم، أنا بحبك يا "بسملة".
ما إن أنتهى وجدت تصفيقًا حارًا من جميع الطلبة الذين كانوا يشاهدونهم بفضول، صوت الصفير انطلق وبدأت تستمع لبعض العبارات الحماسيّة التي تحثها على الموافقة، ابتسمت بحب وسرعان ما أعطته ورقة بيضاء بها عدة أرقام وقالت له:
_ده رقم ماما، كلامك معاها مش معايا، هستناك.
قالتها ثم رحلت وكان فؤادها يرقص فرحًا من تصريحه.
-
_يعني نفس الولد ده هو أنكل "شريف" جوز حضرتك؟؟ ازاي ده هادي جدًا!
ضحكت "بوسي" بقوة ثم تلفظت بعدما حاولت أن تخفي ضحكاتها قائلةً بمرح:
_يعني هو اللي يعاشرني يبقى على حاله برضو؟؟
وبس يا ستي جيه كلم ماما وهوبا اتخطبنا بعدين اتجوزنا ومعانا "كوكي" زي ما إنتِ شايفة كده، طبعًا أنا كنت عيلة عبيطة إنه اسأله سؤال زي ده، كان عندي جفاف عاطفي بعيد عنك، اللي عايزة أوصله ليكي اللي بيحب واحدة بيحبها على حالها وبيحب فيها كل حاجة، ويحب إنه يوصل ليها، هو كان طايش وأخره واحدة كل يومين والدنيا بيس خالص، كان ممكن لما حاول معايا ولقاني رافضة يزهق بس محصلش، فضل سنة ونص يحاول يوصلي ومش عارف، لحد ما قالي إنه هيتقدم ساعتها فعلًا استجابت، الرجالة دول بيبقوا عبط لما يحبوا، ربنا خلقهم بيحبوا المعافرة، ما بالك بقى لو واحدة عايزها؟ بس نصيحة من أخت، أي علاقة طالما مفيهاش حاجة رسمي تبقى منتهية من قبل ما تبدأ، مفيش راجل أبدًا إنك تعملي حاجة من ورا أهلك علشانه، حتى لو حجته إنه مش جاهز دلوقتي والذي منه، صدقيني، اللي بيحب بيعمل اللي مبتعملش علشان حبيبه..
وصل لها مخزى قصتها، نظرت إلى شقيقتها التي كانت شاردة في عالم آخر، وجّهت أنظارها نحو "بوسي" وجدتها تنظر إلى "لارا" ونظرات الخبث تملأ عيناها، مما جعلها تتفوه قائلةً بنبرةٍ ذات مخزى:
_وبعيد يا "چوي" كلنا بنتغير بعد الجواز، أنا هديت هديت كتير جدًا عن زمان، وبقيت واحدة متألقة بحب الدلع والهشتكة، لو قابلت نفسي زمان وقولتلها إني فيوم من الأيام هبقى كده كنت أديتها بالرجل.
وصلت كلماتها لها وأحست أنها المقصودة، رفعت أنظارها لها فوجدتها تغمز بمشاكسة جعلتها تنظر بعيدًا بتوتر، وقفت وهي تقول بجمود حاولت تصنعه:
_طب يلا يا "چويرية" علشان تعبانة وعايزة أغير.
وقفت "چويرية" بجانبه تبعتها "بوسي" التي وقفت أيضًا فوجدت تلك التي تحتضنها قائلةً بامتنان وشكر:
_ميرسي أوي ليكي يا طنط، بجد مش عارفة أقولك إيه.
ربتت عليها وهي تقول بهدوء تردعها عن شكرها:
_مفيش الكلام ده يا هبلة، أي وقت عايزة تحكي أنا موجودة، والباب جنب الباب.
ثم أمالت على أذنها تهمس بخفوت قائلةً بمشاكسة:
_وجري ناعم مع أختك، هي بتحبك وجدًا على فكرة، أخواتك كلهم بيحبوكي يا هبلة، إنتي لو كلمتيهم عدل هتلاقيهم زي الفل معاكي.
هزت رأسها بالموافقة بينما كانت "لارا" تحاول أن تعرف ما الذي يُقال لكنها فشلت، توجهوا ناحية باب الشقة وخرجت "چويرية" أولًا وهي تلوح لها، كادت أن تخرج "لارا" ولكن وقفت عندها وجدتها تهمس لها وهي تغمز بخبث:
_لو عايزة تحكي حاجة أنا موجودة، بس أنا واخدة بالي، على فكرة أهبل واحنا عارفين، وبيحبك من بدري، بس لو نشغل دماغنا.
صُدمت عندما وجدتها تتفوه بهذا، نظرت لها بهلع فاكتشفت سرها ألا وهو مشاعره ناحيته، ضحكت الأخري وهي تقول ببعض من المرح الممتزج بالمكر:
_ادخلي شقتكم يلا علشان أختك، ومتقلقيش مش هقولها حاجة.
غمزت لها بمشاكسة ثم أغلقت بابها، ظلت هي واقفة هكذا حتى انتبهت لصوت شقيقتها فولجت للداخل وهي تفكر بكل جهدها تحاول تفسير كلامها..
____________
_تيجي نخرج؟؟
كانت تلك رسالته النصية التي وصلتها للتو، تمعنت بها ووجدت داخل قرارة نفسها موافقة، في تلك الفترة اقتربا من بعضهما البعض، تخشى كثيرًا أن تخوض في تلك العلاقة وتفشل كسابقها، شعرت تجاهه بالعديد من المشاعر، لم تكن موجودة من قبل، لكن كل ما تعلمه، أنها لا تبغض ذلك الشعور، بل يروق لها كثيرًا، تساءلت إن كانت تشعر بنفس ذلك الشعور من قبل مع خطيبها السابق، وكانت الإجابة محسومة وهي "لا"..
قررت قبول عرضه ببعضٍ من الراحة ممزوجة بالحماس فلديها الكثير تود أن تقوله له بشأن علاقتهما، مرت شهور طويلة على فراق ذلك الوغد، عانت خلالها كثيرًا حتى غلبها الاكتئاب، لجأت لطبيبٍ نفسي وكانت تأخذ بعض الأدوية التي تساعدها، كما أن سلوكها قد تغير كثيرًا بعد تلك الأزمة، لا تريد الحكم عليه فبدون حتى أن تعرف عنه أي شيء ستقسم أنه لم ولن يشبه ذلك الحقير، بينهما شِتان بالمعنى، كانا مثل الثري والثريا كما يقولون..
أرسلت له موافقتها، وحددا المكان والزمان الذي كان بعد ساعتين من لحظتها، تملك منها الحماس وشرعت تختار ملابس مناسبة بينما هي غائصة في تفكيرها ولجت "نورا" إلى غرفتها قائلةً بابتسامتها المعهودة التي ازدادت توسعًا بعدما رأتها تختار ثيابها بتأني، فمنذ تلك الوقعة لم تكن تهتم بملابسها ولا حتى بمظهرها الخارجي بوجهٍ عام:
_صباح الفل عليكِ يا حبيبتي، نازلة في حتة؟
التفتت "مريم" لها وزينت محاياها ابتسامة عذبة فرحت والدتها كثيرًا بها، اقتربت منها تقبلها من وجنتها قائلةً ببعضٍ من الحماس:
_صباح العسل يا أحلى مامي في الدنيا، أيوة خارجة كده شوية وجاية.
أبدت "نورا" موافقتها ثم تحركت للخارج وهي تقول آمرةً لها:
_بما إن مزاجك حلو فمفيش نزول من غير فطار، أنا ما صدقت، وأبقي سلميلي على البنات، وقولي لـ "ندى" إني زعلانة منها علشان مش بتسأل.
تسمرت مكانها عندما وجدت رد ابنتها الحماسي الذي لم تتوقعه:
_لأ أنا مش نازلة معاهم، ده خارجة أنا و "عمر".
التفتت لها "نورًا" متفوهةً باستنكار ظهر جليًا على وجهها:
_"عمر" مين؟؟ "عمر" بتاعنا ولا "عمر" مين؟
أدركت "مريم" أنها لم تحكِ أي شيء لوالدتها عن علاقتها التي توطدت مؤخرًا به، فأسرعت تقول لها بعدما أختارت ملابسها:
_أيوة يا ماما، "عمر الشريف" ابن أنكل "أحمد"، هحكيلك لما آجي، متقلقيش إنتِ بس، ده "عمر" يعني، يعني أخويا بالظبط.
رفعت أحد حاجبيها بخبث، سكتت لحظة تحاول استيعاب الموضوع، ثم تلفظت باستغراب حاولت إخفاؤه بكل قوتها متحدثةً بعدم اكتراث مصطنع:
_آه إذا كان كده ماشي، أبقي سلميلي عليه، ده حتى زي ابني وأكتر، ده متربي معاكِ من وأنتم في اللفة.
وصل لها مخزى والدتها فضحكت بخفة، ظلت تفكر في حديثها فدائمًا والديها متسامحين معها، واضعين ثقتها الكاملة بها، ازدادت ضحكاتها عندما تخيلت لو أن إحدى صديقاتها وُضعت في الموقف نفسه، لكانت جنازتها أُعلنت قبل شروق الشمس، وتجد هذا الأمر خاطئ وماهو إلا تعقيد لا داعي له، فهو مجرد لقاء في مكانٍ عام وليس في شقته الخاصة، كما أنه ليس غريبًا، فهو "عمر" الفتى الذي يكبرها بعدة أعوام ويلعب معها الغُميضة، فلا أدنى مشكلة في ذلك، لو كان شخصًا غريبًا، لكانت ستأخذ حذرها، لكن لمَ يخفق قلبها قليلًا متشوقةً للقاءه، رغم يقينها بأنه "عمر"، "عمر" فحسب، أليس كذلك؟؟
_____________________
كانت جالسةً في شرفتها بهدوءٍ، تقلب في هاتفها بملل، فهي ليست في المزاج الذي يسمح لها بالتدخين على غير العادة، فتلك هي عادتها السيئة عندما تقف في شرفتها الخاصة.
وجدت منشورًا يتحدث عن سلبيات وأضرار التدخين، بكل أشكاله الممكنة، هي تعلم أنها تضر بنفسها وبصحتها، ولكنها المنفث الوحيد لكل ما تشعر به، لعنة الله على النيكوتين، تلك المادة التي تنتشر في الجسم كالسم القاتل، تشعر بسببه بالاستمتاع والاسترخاء، ولكنها تخفي في داخلها الكثير والكثير.
كان أعظم إنجازٍ حققته في حياتها هو محاولتها التخلص من إدمان المخدرات، وفعلت كل ذلك بنفسها دون علم أحدٍ من أسرتها الغالية.
تتذكر تلك الفترة جيدًا، كانت على مشارف الهاوية، تسقط في بئرٍ عميقٍ بلا ماء، لا شيء فيه سوى الظلام والعتمة، حتى مع شروق الشمس،بئرٌ بلا نهاية، ولكن ما إن تصل إلى قاعه، ستكون تلك نهايتك أنت أيضًا..
ارتعشت من مجرد الذكرى، كانت تمتلك إرادة لا تعلم من أين اكتسبتها، لكنها ساعدتها على تجاوز تلك الأزمة، بدأت المخدرات تتغلغل في جسدها، وكل مرة كانت تتوق للمزيد، حتى تدهورت صحتها، ارتعبت من أن يلاحظ أحد إخوتها أعراض تلك المواد اللعينة عليها، أدركت أنها لن تخسر سوى نفسها إن استمرت، حاولت التوقف، لكنها فشلت بسبب تعطشها المرضي بها، تواصلت مع طبيب من مصر، فقد كانت قد انتقلت مع عائلتها للعيش في الخارج في تلك الفترة، ساعدها هو ببعضٍ من التعليمات، تحملت كل شيء، أعراض انسحاب المخدر من جسدها، وانهيارها التام دون أن يشعر بها أحد، حتى تجاوزت وتعافت بسلام، حتى الآن، لا تدري كيف كانت قوية إلى هذا الحد الذي جعلها تترك تلك العادة السيئة وحدها، تحاملت على نفسها بسبب فكرة نشأت في رأسها، أنها آمنت بأنها تستحق الأفضل، بالرغم من كل ما عانته، لم ترد أن تكون نهايتها بسبب جرعة زائدة من ذلك السم، حتى إن لم تفعل شيئًا في حياتها، ستظل تفتخر بهذا حتى لو كانت وحدها من يعرف ذلك.
كانت مجرد فتاة على مشارف التاسعة عشرة، لم تعش طفولتها، فانعكست تلك المعاناة على مراهقتها وتدمر شبابها.
شردت طويلًا، حتى انتشلها من ذكرياتها صوت رسالة وصلت للتو، ابتسمت فور أن رأتها، بل في الحقيقة، ابتسمت فور أن رأت اسم المرسل..
"كل سنة وإنتِ طيبة يا حبيبتي، كل سنة وإنتِ طيبة وبخير، وأحلى بنت شوفتها.
حبيت أكون زي كل سنة أول واحد ببعتلك في عيد ميلادك"
اتسعت ابتسامتها ما إن انتهت، كيف نست واليوم هو السادس من ديسمبر، لابد أنها انشغلت في التفكير لدرجة أنها نست أن اليوم هو يوم مولدها.
طرأ في بالها فكرة، أن تجهز لعيد ميلادها الثامن والعشرون، حفلة بسيطة في المنزل، تستمتع بها وبالمدعوين، كانت تلك أول مرة قررت أن تحتفل به، قررت الآن أن تفعل أي شيء يحاول إسعادها.
____________________
كان "يونس" يسير متجهةً ناحية بنايته بإنهاك، فما حدث مازال غريبًا بالنسبةِ له، فوالدته دائمًا ترسل نظرات مشمئزة لتلك التي تدعى "كارن" وكأنها حيوانٌ أجرب، يعلم هو وشقيقه أن والدتهما لا يعجبها نوعية تلك الفتيات، تحب الالتزام والجدية دائمًا، و "كارن" بعيدة كل البعد عن تلك الصفات، تعشق الملابس المكشوفة الضيقة، تعتبر هي الملابس الواسعة ما هي إلا قلة وعي بل وقبيحة، لماذا ترتدي ما يجعلها أقبح وهي بمقدورها أن تصبح الأجمل؟؟
فكانتا دائمًا متصادمتين، ضغط على زر المصعد ينتظره في تلك الأثناء دلفت "عائشة" إلى البناية أيضًا تقف بجانبه تنتظر وصول المصعد.
_أزيك؟؟
ألقاها "يونس" وهو يبتسم لها بينما هي ردت عليه ببعضٍ من الخجل:
_كويسة الحمدالله، حضرتك أخبارك إيه؟؟
كاد أن يضحك من احترامها المبالغ فيه ولكنه تذكر أنها محقة، فهي مازالت فتاة في السابعة عشرة من عمرها حتى لم تتم سن الرشد بل مازالت طفلة على الدولة، بينما هو رجلٌ بالغ تخطى الثانية والثلاثين من عمره، استوعب الفرق بينهما مما جعله يقول محاولًا إخفاء أفكاره تلك:
_أنا الحمدلله تمام، معلش بس ممكن بلاش حضرتك والذي منه؟؟ أنا فاهم إني أكبر منك بكتير بس مالوش لزوم.
هزت رأسها بالموافقة وحاولت تحاشي النظر له، بينما هو كاد يجن، كيف وقع قلبه الأحمق في حبها؟
لو كان قد تزوج في بداية رشده لكان أنجب طفلًا في مثل عمرها، بالتأكيد هذا هراء.
وصل المصعد ودلف هو ولكنه اصطدم باللتي واقفة أمامه لا تتحرك، نطق بضجر يحثها على التحرك قبل غلق باب المصعد:
_إنتِ واقفة ليه؟ تعالي الباب هيقفل!!
عقبت على حديثه بابتسامة اغتصبتها قائلةً بتكلف:
_معلش اطلع أنت، ميصحش برضو.
هز رأسه بتفهم و غُلق باب المصعد وتحرك للأعلى حيث وجهته، نظرت في أثره وانقلبت ملامحه وشرعت تحدث نفسها باستهجان:
_قال واقفة عندك ليه، هو مفكرني من العيال السيكي ميكي ولا إيه؟ ده لو بابا لمحني راكبة مع راجل لوحدنا مش بعيد يدفني أنا وهو، هي ناقصة قلة أدب وقلة قيمة على المسا؟؟
هذا ما دار في عقلها، حتى وجدت من يقف بجانبها ويردف بابتسامة صفراء قائلًا:
_أزيك يا آنسة "عائشة" عاملة إيه؟؟ حضرتك طالعة؟؟
نظرت له "عائشة" باستنكار ولكنها أخفته سريعًا وهي تقول بابتسامة:
_أيوة طالعة.
نظر "نوح" للمصعد ينتظر وصوله وتبين أنه وقف في الطابق الثامن، تمنى من داخله أن تكون هي، وبالفعل صدق حدثه، فهي التي خرجت من المصعد وهي تلقي كلماتها عليهما:
_مساء الخير..
كادت أن ترد "عائشة" ولكنها وجدت الذي يرد وعيناه تشعان من الهيام:
_مساء العسل، رايحة في حتة؟؟ تحبي أوصلك؟؟
رفعت "عائشة" أحد حاجبيها باستهجان وهي ترمقهما منتظرة حديث الأخرى التي نطقت بإحراج:
_لأ شكرًا ليك، عن إذنكم.
نطق ونظراته تعبر عن كل شيء ما إن خرجت، غافلًًا عن التي تستمع له:
_أحلى إذن والله.
تخصرت "عائشة" ببعضٍ من التحكم وهي تقول بضيق:
_طب يعني أنت هتركب ولا هتفضل تتأمل جمال خطوتها؟؟ أخلص عايزة أطفح!
نظر لها والذهول هو الذي يسيطر على ملامحه، ولج للداخل منتظرها بينما هي وقفت والضجر بدأ يتملك منها، رمقها بضيق وضغط على طابقه دون أن يتفوه بأي شيء، غُلق الباب ثانيةً بينما هي نطقت والسخط بدأ يتملك منها:
_هو واحد يعاملني على إني بنت أخته والتاني بيعاملني على إني طليقته؟؟ هو في إيه!!؟
وصل المصعد بسلام ولكن قبل أن تدلف وجدت من يهرول مسرعًا ناحيته نتج عن فعلته تلك تراجعها للخلف بخوف، وقف في الداخل يلهث أنفاسه بتعب، تلفظ قائلًا بأسف لها معبرًا عن سبب حالته:
_معلش والله يا مدام على الربكة دي، اتفضلي.
لم تعرف ما الذي تفعله لكنه وجدتها تخلع حقيبتها تلقيها عليه متفوهةً وقد وصلت لأوج غضبها:
_مدام مين يالا؟؟ مدام مين يا بابا؟؟ أنت كمان بجح وعديم النظر؟؟ هو أنتم هتشتغلولي في الأزرق أنتم التلاتة!! ما تيجوا ما بعض وخلصوني!! أقولك حاجة؟
أطلع يالا برّة، أطلع بقولك!!
صاحت بكلمتها الأخيرة جعلته يتراجع عن فعلته وخرج من المصعد برعبٍ منها ومن حالتها تلك، وقفت في المصعد بهدوء وبدأت تستعيد حالتها من الجديد تحاول الابتسام، ولكن كيف من هؤلاء المختلين؟؟
_________________________
_ليك واحشة يا "سيف" كل دي غيبة يا راجل؟؟
نطقها الجالس في مقعده بسخرية منها بينما تكلم "سيف" والضجر بادي على ملامحه قائلًا بضجر:
_اتريق اتريق، خليكم كده لحد ما يعملوا اللي في كيفهم ويدخلوا الشحنة دي البلد بالسعر اللي على مزاجهم.
ضحك ذلك الرجل بقوة لدرجة أن صوت ضحكاته دوت في المكان، جعت الواقف أمامه ينطق بضيق من تصرفاته:
_هو أنا برقصلك على واحدة ونص؟ بتضحك على إيه؟ هي ناقصة *****!!
حاول هو التوقف عن ضحكاته ثم تلفظ والابتسامة الساخرة ظهرت على وجهه:
_ودي تفوتنا برضو؟؟ مشكلتك إنك غبي، أنت والتاني اللي اسمه "حسام"، بس علشان نصفي حسابتنا، هجيبلك حبيبة القلب بكرة، تعمل فيها ما بدالك، وبالمرة نربي الكلاب دول، شوف الرجالة علشان هاخدكم حتة رحلة بكرة تجنن!
توسعت ابتسامة "سيف" بشر وهو ينطق وكأنه أفعى تسعى للحصول على فريستها الغالية، كان بالفعل يشبه الأفعى، شكلًا وموضوعًا، ينقصه فقط اللسان المشقوق:
_متقولش! هتودينا مصر الجديدة؟؟
تحرك هو يربت عليه مكملًا لحديثه الماكر:
_وابسط ياعم، وهوديكم قصر البارون، ده أنا حتى من مشجعي الأماكن التاريخية!
انتهى من جملته وشرعا الاثنان بالضحك والشر يتراقص في أعينهما..
______________________________
_أزيك يا "عمر".
قالتها وهي تجلس أمامه والابتسامة تزين وجهها الصبوح، رد عليها والراحة تغمره بشدة من لقائها:
_أنا تمام، المهم بس كده عايزك في موضوع مهم أوي، تشربي إيه الأول؟؟
_ممكن أيس موكا.
ابتسم بهدوء من طلبها فهو نفس مشروبه المفضل، نادى على النادل وطلب منه اثنان من مشروبهما وما إن رحل تحدث هي والحماس يشتعل في عينيها:
_ها يا سيدي، موضوع إيه ده؟؟
تنهد بقوة قبل أن يشرع في التحدث ونظرات اللؤم تتراقص في عينه قائلًا ببراءة مصطنعة:
_فاكرة البنت اللي كنت قايلك إني معجب بيها؟؟
عبس وجهها على الفور، هل أتى بها إلى هنا حتى يتحدث عن حبيبته الحمقاء تلك؟؟ تماسكت هي وردت والهدوء يغلف ملامحها:
_أيوة فاكراها، مالها؟؟
تقدم من الطاولة واستند بيديه وهو يقول والفرحة لا تفارق نبرته:
_نويت اتقدم ليها!
ازدادت وتيرة أنفاسها بغضب، فما شأنها بالذي يقوله، ولكنه تداركت موقفها، فليس لها الحق في الاعتراض أو التحدث، فهي ليست زوجته المصونة، تحدثت بسعادةٍ مصطنعة تبارك له:
_ألف مبروك! ربنا يتمم ليكم بخير يارب، أخيرًا هنشوف عروستك؟؟
ابتسم بسعادة ممثالة لسعادتها، ابتسامة جعلت قلبها يخفق بقوة، كيف لم تهتم من قبل بأنه وسيم؟؟ ألقت تلك الأفكار الحمقاء حين رد عليها والاسترخاء بادي على ملامحه:
_الله يبارك فيكِ، وبعدين اتقلوا تاخدوا حاجة نضيفة، هو أنا هتجوز أي واحدة برضو؟؟ ده حتى زي القمر وعليها غمازات إيه، مقولكيش.
هي أيضًا تمتلك انبعاجات في وجهها، ليست أفضل منها، أغتصبت ابتسامة حاولت جعلها أكثر مرونة وهي تقول:
_ياسيدي ياسيدي، بس منين دي يا "عمر"؟ أقصد يعني عرفتها منين وكده؟؟
أراح ظهره على ذلك الكرسي الذي يجلس عليه قائلًا بشرود:
_لأ دي معرفة قديمة أوي، أوي كمان، كنت بشيلها ألف بيها وأنا صغير، حب الطفولة ده يا "مريم" مقولكيش، سره باتع.
اشعل بداخلها نيران لو خرجت في وجهه لكان سيصبح متفحمًا الآن، ازداد فضولها نحو غريمتها وعادت تتحدث من جديد ولكنها غيرت سياق الحديث:
_هو أنت جايبني تتغزل فيها معايا؟؟ يا أخي راعيني شوية، ده أنا بقيت سنجل بائسة!!
اصطنع هو التفاجؤ وخبط على رأسه ونطق وكأنه غفل عن تلك النقطة:
_معلش يا "مريم" حقك عليا، بصراحة هو ده الموضوع، قولت أقولك إنتِ أول واحدة، وبصراحة يعني هي تستاهل، بقولك كنت بشيلها وهي في اللفة!!
شعرت بالحزن داخلها، كانت تكن له بعضًا من المشاعر اللطيفة، ازدادت بلا وعيٍ منها في الآونة الأخيرة، دمعة خرجت من عينيها اليُسرى أخفتها بيداها على الفور قبل أن يلاحظ، استرسل في حديثه وهو شاردًا بها يقول بحب:
_عينيها حلوة، وكل حاجة فيها حلوة، أينعم باللي كانت بتدرسه هتوديني في داهية بس على قلبي زي العسل كده، كانت معايا في كل حاجة، لحد ما هي شافت طريقها، والمفروض إني أشوف طريقي، متعرفش إن طريقي كان هي..
انتبهت لكلماته، تحسرت على حالها، فتلك الفتاة تشبه قصتها كثيرًا، غفلت عن نظراته المحبة ونطقت وهي تقف تلملم أغراضها محاولةً كبح دموعها:
_معلش يا "عمر" أنا آسفة، افتكرت إن ورايا مشوار مهم ونسيته.
أمسك بيدها اليمنى وهو يقول شاردًا بها:
_طب مش هتعرفي اسمها؟؟
جذبت يدها بعنف وسارت نحو الخارج وقد تمردت عبراتها عليها وانطلقت، قالت بألم وهي تسير نحو الخارج:
_مش عايزة أعرف..
_بحبك..
أقالها حقًا؟؟ كيف؟؟ تجمدت في مكانها وتوسعت عيناها، ازدادت أنفاسها ودقات فؤادها بفرحة، ولكنها مازلت غارقة في كلمته، التفت له وجدته يقترب منه وهو يقول بحنان:
_بحبك، بحبك من ساعة ما شوفتك أول مرة، بحبك من وإنتِ لسه عيلة وأنا شايلك وبقول لأمك إني هتجوزك لما تكبري، هي أينعم كانت مفكراه هزار عيال بس أنا مكنتش بهزر، أينعم تاني كنت عيل بس مش موضوعنا، كل اللي أعرفه إني بحبك وعايزك..
وعلشان مبقاش رخم يعني هي اسمها يعني شبه اسمك، شوفي سبحان الله.
ضحكت على كلماته الأخيرة ومسحت دموعها بفرحة، كانت قبل ساعتين تشعر بأن قلبها يرقص من الفرح لمقابلته، الآن لا يكف عن النبض السريع بسبب حالتها تلك، نطقت معاتبةً له عن انتظاره كل تلك المدة:
_طب ليه مقولتليش؟ ليه استنيت كل ده؟؟
انقلبت ملامحه في ثانية، ارتفع صوته ناطقًا وضجر العالم أجمع اجتمع به وتذكر كل ما كان يعانيه منها:
_مـ إيه؟؟ مقولتلكيش ليه؟؟ وبالنسبة لسي "حسام" اللي داخلة في خمس سنين خطوبة ده إيه؟؟ يا شيخة ده أنا اتكسف أقول إنه الإكس بتاعك، ده أنا اسميه الماضي المستمر أكرملي بالمدة دي كلها!!
ده إنتِ يا شيخة لما اتخطبتي بقيتي تعاملينا كلنا بقرف! ليه يا ماما؟؟ هو حد قالك إننا جرابيع؟؟ وكل اللي طالع عليك صباح الخير يا دكتور مساء الخير يا دكتور، يا شيخة ده أنا كرهت المهنة! افتكري كده طول الخمس سنين دول مرة كنتِ بتقوليلي فيها يا "عمر"، مفيش صح؟؟
هو أنا كان اسمي خطيئة يعني؟؟ لأ فهميني بس!!
صاحت فيه هي الأخر بغضب من أحاديثه تلك قائلةً بسخط:
_إيـــه!! في إيه؟؟ هو أنت شايل ومعبي مني للدرجادي؟؟ وبعدين يعني كنت عايزني أعملك إيه؟؟ طب أقولك بقى اللي فيها، أنا بحبك ومن بدري كمان، بس لقيتك قاعد شبه البطريق مفيش أي حاجة منك، قولت أشوف حالي ورزقي، مستحملة خمس سنين وأقول لو كان حاسس بناحيتي بحاجة كان هيقول، كان هيبان، بس لأ، كنت آخد أنا الـfirst step ولا إيه؟؟ ده لو هو ماضي مستمر فأنت مضارع تام!!
_هو أنتم مدرسين إنجليزي ولا إيه يا جدعان؟؟ أنتم بتدسوا بعض بالأزمنة؟؟
كانت هذه جملة أحد الجالسين الذي يتابع الحوار باهتمام ولكن لم يكترث إحداهما له وعقب عليها هو قائلًا باستهجان:
_والله يا حبيبتي كنت كلمت أبوكِ وقالي معلش يا "عمر" يا حبيبي، بس "مريم" مبتفكرش في الكلام ده دلوقتي، "مريم" مش بتفكر في الموضوع ده حاليًا، قولت ماشي اتقل على الرز، ألاقي بعدها بأسبوع Engaged؟؟ أمال لو بتفكري بقى! كنت أصبح ألاقي معاكي "زين" و "زينة"؟؟
تدخل أحد الجالسين حائلًا بينهما مهدئًا للأوضاع قائلًا بصرامة:
_يا جدعان صلوا على النبي الموضوع دي مش بتتحل كده؟؟ ده أنا حتى دكتور يعني المفروض تبقي هادي عن كده! وإنتِ يا آنسة، ليه خطوبة خمس سنين؟؟ هو بيبني من تحت الصفر؟؟
انكمشت على نفسها بإحراج وشعرت بالخجل من كلماته الصارمة الحادة، بينما "عمر" نطق وقد تملك الغضب منه تمامًا:
_قولها يا أستاذ!! يمكن تفهم!!
عدل الآخر على كلمته تلك قائلًا بغطرسة:
_اسمي البشمهندس "كريم"!
أمهندس إذًا؟؟ أكثر ما تبغضه "مريم" على الكرة الأرضية كلها فئة المهندسين، أنذرت عيناها بالشر حين نطقت وهي تشير بيدها بهتكم عليه:
_إيه يعني مهندس؟؟ ديانة دي يعني ولا إيه؟؟ ماهو دكتور ومتكلمناش! متخلوناش بقى نقول اللي فيها!!
كاد أن ينشب شجارًا حادًا بينهما لكن تدخل الجالسين يحاولون الفصل بينهما حتى هدأ الوضع، نطقت واحدة من الجمهور الذي كان يشاهد ذلك المشهد العبثي:
_أنا بقول تهدوا كده، وأنت يا كابتن خدها روحها واتكلموا على رواقة، ده شيطان ودخل بينكم والله، أنا متابعة الحوار من الأول وشكلكم بتحبوا بعض.
بالفعل قد هدأ كلاهما واصطحبها وخرجا بهدوء كأن شيئًا لم يكن، ركبت بجواره في سيارته، التزم كلاهما الصمت حتى وصلا، تكلم أخيرًا بعد تلك المعركة العنيفة التي نشأت بينهما قبل دقائق:
_اطلعي إنتِ، هروح العيادة وجاي، وآه، أنا كلمت عمو "مدحت" الأول قبل أي حاجة.
نظرت له والتشتت ظهر جليًّا في نظراتها، تنهد بقوة يفرغ كل الشحنات السالبة التي احتلته ثم أردف بهدوء ممتزج بحنو:
_متخافيش من حاجة، كل حاجة هتبقى تمام.
ابتسمت له وخرجت من سيارته، ظل يراقبها حتى شارفت على الدخول لكنها استدارت تلوح له والسعادة بادية على وجهها، أشار لها هو الآخر ودخلت بعدها، استندت على كرسي السيارة ينعم ببعض الراحة قبل أن يتوجه إلى عيادته الخاصة، أغمض عينيه لحظات فاستمع لصوت صراخ عالٍ آتٍ من الداخل..
كانت تصيح باسمه تستنجد به، خرج من سيارته بسرعة يركض ناحية الداخل لكن صدمه ذلك الدم الذي يخرج من عنقها..
_____________
مش مظبوط أوي السرد وحقكم عليا في التأخير وكل حاجة والله، بحب الكومنتس بتاعتكم بجد وبحب اللي بيشجعني، عمومًا الرواية خلاص فاضلها بالكتير أوي ٣ بارتات وخاتمة، وأنا إن شاء الله مش هتأخر في اللي جاي.
علشان ابقى عملت اللي عليا أي شخصية ظهرت معتقداتها في السرد ده لا يمسني أنا ككاتبة ولا لشخصيتي، ومش شرط معتقداتهم تبقى صح.
كذا خط اظن إنه وضح في العلاقات وجو الرواية عمومًا باستثناء بعض الناس.
مريم على فكرك بتكره المهندسين جدًا ومن زمان كمان أي حاجة ليها علاقة بالرياضة بتكرها خصوصًا إن حسام كان تجارة يعني حسابات وكان فيه مشهد ليها كانت بتعامل نوح بقرف وبطريقة مريبة اعتقد يمكن دلوقتي فهمتوا السبب وهتفهموا ليه بتكرهم كده بعدين😂😂
عمو مدحت مش مهندس بس هو عميد في كلية الهندسة كان دكتور هناك واترقى والذي منه بس بتحب أبوها عادي😂😂😂
البارت طويل أهو معدي السبع الاف كلمة😭
#يُتبع
- يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية