Ads by Google X

رواية لعاشر جار الفصل الخامس و الثلاثون 35 - بقلم سلمى رأفت

الصفحة الرئيسية

    

 رواية لعاشر جار الفصل الخامس و الثلاثون 35 - بقلم سلمى رأفت

35-تم استغفالنا
          
                
بعد وقتٍ ليس بقليل وليس بكثير، وصلا إلى وجهتهما وها قد بدأت الجلسة المفعمة بالاعترافات....



نظر هو لها بخذلانٍ وألم مضاعف بعدما خرجا من السيارة ما إن وصلا.
أمسك يدها بحنوٍ كعادته وتفوه بجمودٍ يتناقض مع لمساته الحانية:



_بتشربيها من أمتى؟



_من تانية ثانوي..



حاول التحكم في أعصابه فهو أدرى أن التعصب والضجر لن يجدي نفعًا معها مهما حاول؛ فلابد التعامل بهدوء وعقلانية..



_ليه يا "لميس"؟؟ ليه تضيعي صحتك بالشكل ده؟؟



شردت للحظة وهي تنظر إليه بعينين زائغتين يملؤهما خليط من الندم والتوتر. فجأة، التقطت أنفاسها بعمق، ثم أطلقت كلماتها دفعة واحدة. كانت تلك الكلمات أشبه بحمم بركانية، لا تترك أمامها سوى الخراب، تحرق كل ما يعترض طريقها..



_أنا كنت لوحدي، ومن خنقتي عملت كده، كنت بطلع غلبي فيها..
أقولك على حاجة كمان؟؟ أنا كنت مدمنة، آه والله زي ما بقولك كده..
وكنت بشرب مخدرات من غلبي، أي حاجة توديني لعالم تاني، أبوك مكتفاش إنه يكسرني ساعتها، لأ..
أبوك بيكسرني في اليوم ألف مرة..!



ما إن انتهت من كلماتها جلست على السور المقابل للنيل تبكي بحرقةٍ مريرة، كل شيء يجول بخاطرها.
طفولتها البائسة، مراهقتها المفعمة بالفساد، وأخيرًا شبابها الذي مضى..




        
          
                
اقترب هو منها يضمها له وأخذ يربت عليها بحنانٍ بالغ.
ظلت تبكي هكذا حتى هدأت نوعًا ما، ثم رفعت وجهها تنظر له وهي تسترسل حديثها القاسي الذي كالنصل الحاد الذي يخترق القلوب:



_أنا آخر مرة حضني فيها كنت ست سنين، أنا والله عمري ما زعلته في حاجة، طب قولي أنا عملت ليه إيه خلاه يتغير عليا بالشكل ده؟؟
بالله عليك لتقولي أنا عملت إيه؟؟
طب أنا استاهل كل ده؟؟ ماترد عليا!!



هربت الكلمات من لسانه وأصابه خرس مؤقت، لم يستطع البوح بأي كلمة، فلا أجوبة على أسئلتها..
بالرغم من بساطتها، فلا يوجد عليها أجوبة.
ظلت سبعة عشر عامًا تبحث عن أجوبة، ولم تجد شيئًا..
وكان ذلك بالتحديد القشة التي قسمت ضهر البعير...



_قومي معايا، يلا هنروح..



انصاعت له وسارت معه حتى وصلا إلى السيارة، لم يقوَ على تكلمة تلك الجلسة، واستشعر قساوة حديثه معها، ظل ينظر لها وهي تحاول تكفيف دموعها بقهرة.



ابتلع لعابه بقوةٍ واستشعر غصة مريرة في حلقه، استذكر كل شيء حدث، أدرك حينها إن ألم الذكريات أشد من أي شيء في الحياة..



_ممكن تمشي؟؟



استجاب لها وأدار محرك سيارته وانطلقا عائدين إلى منزلهما، فيكفي ما حدث اليوم...




        
          
                
______________________



_عامل إيه دلوقتي؟؟



خرجت تلك الجملة من "لارا" ببعضٍ من الاضطراب والقلق وهي تنظر له بلهفة، بينما هو حاول الاعتدال في جلسته قليلًا ثم رد عليها بمزاح غالبه الهدوء نسبيًا بسبب حالته المرضية:



_أنا زي الفل الحمدالله، إنتِ عاملة إيه؟؟



ابتسمت له ثم مدت يدها تخرج من حقيبتها بعضًا من الأوراق والكتب تضعها بجانبه، انتابه الفضول لما في يديها ولكنها قطعت ذلك الفضول بقولها الهادئ:



_أنا الحمدالله تمام، جبت ليك ورق ملخص عملته للخدناه وأنت غايب؛ علشان ميفوتكش حاجة، أنا قولت "تميم" معاك وكده بس طلع هو علمي علوم، واحنا أدبي زي بعض فالجار للجار برضو..



أرسل لها ابتسامة مفعمة بالامتنان ولكن في ظل ذلك الحوار العبثي كان في الخارج من يراقبهما فهم ليسوا في حواري شيكاغو لينعموا بذلك الحوار السلس وحدهما.



كادت أن تستأذن "لارا" للرحيل ولكن قطعه دخول "أمل" متفوهةً بنبرةٍ ممتنة مغلفة بالخبث بالطبع:



_كتر خيرك يا بنتي والله، أصل الاستاذ معاه شلة فشلة فمفيش حد يجيب ليه حاجة، إن شاء الله نفرح بنجاحكم يارب..
ألا ما تقعدي تتغدي معانا؟؟ ومتقلقيش هكلم ماما وهقولها.




        
          
                
تبسمت "لارا" بحرجٍ بينما كان "تيام" ينظر لوالدته بنظرة متشككة مضيقًا عينيه من موقف والدته المريب، ولكن قطع كل ذلك حديث "لارا" المعتذر عن ذلك العرض قائلةً بنبرةٍ يشوبها بعضٌ من الحرج والتوتر:



_كتر خيرك والله يا طنط، احنا أخوات برضو، بس أنا لازم أنزل.
مع السلامة.



_طب استني يابنتي أوصلك..



لم تنتظر حتى ترد عليها، إذ توجهت معها بالفعل نحو الباب لتودعها وداعًا حارًا مع السلامات المعتادة.
أغلقت الباب بخبثٍ، ثم انطلقت نحو غرفة ابنها الذي كان يحاول النوم.
ففي تلك الآونة الأخيرة، كان ينام أكثر مما يستحم؛ هروبًا من الألم والتعب، وأيضًا بسبب النعاس الشديد الذي يداهمه غالبًا بسبب تأثير تلك العقاقير التي بدأ يتناولها مؤخرًا..



ولجت إلى غرفته وهي تتحدث بتهكم ممزوج بالسخرية والخبث:



_بس ماشاء الله عليها "لارا" قمورة وزي العسل.



أرسل لها "تيام" نظرة مريبة، مضيقًا عينيه بشكل مبالغ أكثر من ذي قبل، ثم تفوه ببلاهةٍ مصطنعة، وهو يضع رأسه على الوسادة استعدادًا للنوم:



_مش بركز ولله يا ماما، إنتِ أدرى برضو، عمرك شوفتيني مركز مع واحدة؟؟




        
          
                
أدركت هي لعبته الخبيثة وقررت التخلي عن الملاوعة_مؤقتًا_ واتجهت نحوه تجلس بجانبه قائلةً بنبرةٍ هادئة مفعمة بالحنو والحب:



_طب بتكلم معاك جد، أنا ملاحظة من فترة إن في حاجة كده، قولي يا "تيام" ده أنا أمك، يعني بير أسرارك.!!



_وفي البير ده خالتي صح؟؟



تفوه بتلك الجملة باستفزازٍ رهيب جعلها تنظر إليه بسخط.
كادت أن تصفعه، إلا أنها أدركت حالته، فانسحبت بغيظ، وهي تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة من شدة ضجرها..



_______________



كانت تقف أمام غرفته مضطربة، هي بالطبع تعلم أن أمرًا كهذا لم ولن يسمح به أي رجل بالأخص لو رجل شرقي.
ولكن على أية حال طرقت على بابه طرقات بسيطة، ولحسن حظها جاءها الرد سريعًا بالدخول..



_كنت عايزة أتكلم معاك في موضوع يا "يحيى"..



وجه نظره نحوها واستقام من جلسته ثم اتجه نحوها ناطقًا باستغرابٍ ممتزج ببعضٍ من الفضول:



_براحتك، تعالي أقعدي.



سارت معه نحو أريكة متوسطة الحجم تقع بجانب فراشه، جلست بهدوءٍ معاكس بداخلها من تردد وتوتر ظهر عليها عندها بدأت حديثها ناطقةً باستفسار وتساؤل:




        
          
                
_هو أنا مكنتش في علاقة مع حد؟؟ أقصد يعني مخطوبة، مرتبطة، كده يعني..



_لأ، ولا عمرك اتخطبتي ولا ليكي في أي حاجة، بس السؤال ده جيه في بالك فجأة ولا في حاجة؟؟



ظهر التوتر على محاياها كوضوح القمر بين ستائر الليل مما أدى إلى أثارة فضوله واستنكاره نحوها.
فهي دائمًا ما تخبره بكل أسرارها، ولم يسبق أبدًا إن أخبرته عن أي شاب ولا أي علاقات عاطفية.
قطع شروده حديثها المضطرب وكأنها موضوعة تحت جهاز كشف الكذب أو للأدق كانت تشعر وكأنها طفلة صغيرة تقف مقابل والدها بعدما ارتكبت خطأ ما وتخشى الاعتراف له بالحقيقة...



_أنا كنت بقلب في الموبايل يمكن افتكر حاجة، لقيت ألبوم صور ليا مع واحد، أنا مكنتش عارفة مين ده، بس من كام يوم كنت طلعت لطنط "أمينة" اللي في الدور العاشر أقولها على الغسيل وكده، فلقيت ابنها اللي اسمه "نوح" تقريبًا مش متأكدة، هو هو اللي موجود في الصور معايا، أنا قولت يمكن مجرد شبه بس اتأكدت إنه هو لما لقيته وقف قدامي واتصدم وقعد يقولي إنتِ ازاي عايشة وكلام من ده، وحقيقي أنا محتارة ومش عارفة إيه ده، أنا آسفة، أنا عارفة إن موضوع زي ده مش سهل عليك تتقبله، بس لازم فعلًا أعرف ده مين وإيه علاقته بيا بالظبط..!




        
          
                
صمت احتل المكان..
يحاول هو الاستعاب قدر الإمكان، بينما هي غائصة في بئرٍ من التوتر والاضطراب.
ظلا هكذا قرابة خمس عشرة دقيقة في سكونٍ تام حتى أدرك هو ما نطقت به، الشيء الواحد الذي جعله يتراجع عن أي رد فعل صارم أنها بالفعل تفقد ذاكرتها ولا تقوى على استذكار أي شيء.
حاول التهدئة من روعه وتأكد أن  لكل شيء إذا ما تم نقصان، فتفوه قائلًا بنبرة جامدة يشوبها بعضٌ من الخذلان:



_أنا مقدرش أحاسبك على أي حاجة كنتي عاملاها، بس هشوف الموضوع ده، متقلقيش..



رفعت رأسها له بصدمةٍ تحاول تصديق ماقاله للتو، اندفعت ترتمي بأحضانه متفوهةً بمشاعر قليلة إن ظهرت، وكان ذلك أول عناق بينهما بعد ثلاثة سنوات متتالية من الفقدان..



_أنا بحبك أوي، أنا أينعم مش فاكرة حاجة بس الحاجة الوحيدة اللي متأكدة منها إني كنت بحبك وأوي كمان..



شدد على عناقه لها بحبٍّ هو الآخر، أكتفى ببسمة زينت ثغره، فوالله لو علم أحد بقدر حبهما لبعضهما لظن أنهما عاشقان تجمعهما وصال لا تكسره المسافات أبدًا.
كانت شقيقته وصديقته وأي شيء مرتبط بسعادته كان في الأصل هى..



_________________



"فكر يروح ويوريها، إن رسمه كله كان ليها"
"وإنه أسيرها محبش غيرها بيعشق الجمال"
"وياترى هيكون إيه ردها على على الحاجات دي كلها"
"ممكن تفضل، ممكن تمشي، وممكن تستناه"
"تستناه على بابه وتجيب أخوها وأصحابه"
"وممكن ترضى وتخرج وتروح السيما معاه"




        
          
                
كانت تلك الكلمات الممتزجة باللحن العذب تدوي في شرفته بنعومة وهو ينظر نحو شرفتها المجاورة منتظر خروجها، كانت بجانبه لوحاته جميعها التي كان يرسمها وكان في إلهامه في كل لوحاته هى..
هي فقط ولتفنى العوالم...



بالفعل بعد دقيقة وجدها تخط قدمها بالشرفة تبحث عنه حتى وجدته جالسًا بأريحية واضعًا قدمه على سور الشرفة باستمتاعٍ، ناظرًا لها وعيناه تقطر بالهيام..



_وده إيه ده بقى؟



قالتها ضاحكة وهي تستند على سور الشرفة مقتربةً من الحائط الفاصل بينهما، بينما هو قام بدوره واتجه نحو ذلك الحائط ينظر لها وقرر أخيرًا البوح بما أرهق قلبه:



_أنا ظبطت الحمدالله الشقة، وقبل ما تقولي منين ومش منين فأنا ليا فلوس في البنك وشقتي كده كده موجودة، وهي جاهزة من كل حاجة، وإنتِ شوفتيها بنفسك وقولتي إن كل حاجة عجبتك، واقفة على الفرش بس..
فعلى الدغري كده، هكلم أبوكي بليل يحدد معاد كتب كتابنا.. 



توسعت عيناها بقوة بسبب قوله، لم يأتي فمخليتها أنه سيقول لها هذا..
أحقًا يريد تحديد مع والدها موعد عقد زواجهما؟!
لا لا، بالطبع يمزح، ولكنها ظلت تنظر له باحثةً عن أي ثغرة تدل على مزاحه، ولكنها_ولحسن الحظ_ لم تجد سوى القبول والراحة في محاياه...
تعالت أسارير سعادتها وركضت للداخل بفرحةٍ عارمة...
بينما هو أمسك بهاتفه ليجري تلك المكالمة الهاتفية التي ستحدد أهم مصير في حياته ألا وهو عقد قرآنه على حبيبة طفولته، ومراهقته، وشبابه، وشيخوخته_مستقبلًا_ويتمنى من كل قلبه أن يجري كل شيء على ما يرام...




        
          
                
___________________



ظلت هي جالسة في غرفتها، سباحة في أحلامها الوردية والعبثية_الطائشة والمراهقة_ تريد وبشدة إتمام ذلك الأمر قريبًا ولبد أن أمنيتها استجابت سريعًا.
حيث بعد قرابة النصف ساعة وجدت "رقية" شقيقتها تقتحم غرفتها بلا استئذان تقول لها غامزةً بمشاكسة:



_قومي كلمي بابا، عايزك في موضوع مهم، ابسطي يا عروسة..



عرفت بالفعل ماهو محتوى الموضوع فحاولت تمالك أعصابها والتظاهر بعدم معرفة أي شيء ثم توجهت إلى أبيها الذي كان جالسًا وملامحه جامدة بعض الشيء، وهذا يدل أنه لا يستحسن الفكرة ولكن تتمنى الخير رغم كل شيء..



_نعم يا بابا، خير في حاجة؟؟



نظر لها بطرف عينه ثم قال بنبرةٍ مريبك تخلو من أي مشاعر:



_"عبدالله" كلمني من شوية عايز يجي على بليل يحدد معايا معاد كتب الكتاب، وبصراحة أنا مش موافق..



وقفت "حنين" بصدمةٍ كمن لدغتها حية سامة، تقول له باستنكار وصوتها عالٍ بعض الشيء:



_ليه يا بابا مش موافق؟؟ ماشاء الله كل حاجة جاهزة، ولو على الفرح ممكن لما نخلص كلية، وهي ماشاء الله بيستغل، فليه الاعتراض؟؟
وكمان مش هنكون مقيدين بالشكل ده وتكون كل حاجة رسمية بشكل أكبر!




        
          
                
رمقها بحدة وصاح عاليًا يأمرها بنبرةٍ لا تحتمل النقاش:



_ما تيجي تديني قلمين بالمرة!!
أقعدي يا هانم ووطي صوتك كده بدل ما أفض الجوازة دي خالص!!



جلست بتوتر بعدما زجرها بهذا العنف أدى إلى مجيء "ميادة" تقول له بهدوءٍ تلطف الأجواء كعادتها قائلةً:



_يا "مصطفى" استهدى بالله مش كده، "حنين" متقصدش وأنت عارف، وبصراحة الواد متربي قدام عينينا ومش ناقصه أي حاجة، وهيشيلها من على الأرض شيل، فليه؟؟



تمتم ببعض عبارات الاستغفار لتهدأ من روعه وبالفعل نجح في هذا واستعاد هدوءه الجامد، ثم تفوه معللًا وجهة نظره قائلًا بحنقٍ:



_عدوا السنتين دول على خير وبعدين ابقوا اكتبوا براحتكم ولو عايزين تتجوزوا بعدها براحتكم، بس على الأقل لو لقدر الله حصل أي حاجة متتحسبش مطلقة على الفاضي، استنوا السنتين دول تكونوا عرفتوا بعض أكتر ولو حصل أي حاجة يا دار ما دخلك شر وكل واحد يشوف حاله، لكن ليه تربطوا نفسكم بالشكل ده دلوقتي؟؟؟



لم تقوَ على الرد عليه، فكلامه منطقي بالفعل، ولكن "عبدالله" كبر ونشأ أمام نصب عينيها وحتى في مراهقته لم يكن حتى شابًا طائشًا، فكان هادئًا دائمًا، ولا شيء آخر ستكتشفه عنه، فهي بالفعل تعرف كل شيء.
فلماذا كل تلك القيود التي تُبعد عنهما؟؟




        
          
                
انقذتها "ميادة" بقولها الرزين قائلةً بتعقل:



_يا "مصطفى" كل ده يُحترم وكل حاجة، بس الولاد شاريين بعض، وزي ما قولتلك، "عبدالله" ابننا ومتربي معانا برضو وعارفين أوله من أخره، هما يكتبوا دلوقتي وبعدين الفرح بعدين بعد ما يخلصوا، حتى يروحوا ويجوا مع بعض من غير قيود الخطوبة، ده مش بيخرجوا خالص يا "مصطفى"، حدد معاه معاد وشوف الدنيا بلاش تكسر فرحة بنتك..



شرد "مصطفى" في الفراغ يعيد التفكير مرةً الأخرى في ذلك الأمر، نظر إلى ابنته فوجدها تنظر له ومقلتيها تفيضان بالدموع بصمتٍ، زفر بقوةٍ ثم تلفظ قائلًا بحنانٍ لها:



_إنتِ موافقة أوي يعني؟؟



هزت رأسها بقوةٍ دليل على موافقتها بحماسٍ، اتجه هو نحوها يحضرنها متلفظًا بحنو وهو يربت عليها:



_ألف مبروك يا حبيبتي، عيشت وشوفتك عروسة يا "حنين"، والله أنا مكنتش موافق في الأول علشان مصلحتك، بس أمك عندها حق، ادخلي جهزي نفسك علشان أقوله يجي بليل ونظبط المعاد.



أعطته قبلة على وجنته ثم تحركت نحو غرفتها تجهز نفسها، بينما ظلت "ميادة" تنظر إلى زوجها باستنكار، ثم تحدث قائلةً بتهكم:



_أنت كنت بتعمل اختبار ولا إيه؟؟ أصل دي مش عادتك ترجع في قرارك كده؟؟




        
          
                
ضحك بخفة ثم تنهد بقوةٍ متحدثًا براحة:



_بصراحة كده أيوة، بس ده ميمنعش إني مكنتش موافق برضو، بس صعبت عليا..



حدجته بنظرة مميتة بينما هو نظر في الفراغ مصطنع اللامبالاه وكأنه لم يفعل شيئًا..



_____________



غربت الشمس، ليحل محلها القمر المتلألئ في ستائر الليل الكثيفة..
وقف هو أمام باب الشقة الدعوة، يطرق بابها بخفوت، لحسن حظه، فتح "نوح" الباب وليس والدته، صُدم الآخر بالطارق، لم يأتي في مخيلته أبدًا أن يكون هو، ولكنه حاول تمالك نفسه سريعًا، ثم أردف قائلًا بنبرةٍ محايدة، تحمل في طياتها ظلًا خافتًا من الترحيب:



_سيادة المقدم بنفسه؟؟
 منورنا والله، أتفضل أدخل..



دلف إلى الداخل بعدما أشار له على تلك الأريكة التي تتوسط صالة الشقة ليجلس بها..
جلسا في مقابل بعضهما في استقرار وهدوء وأردف "نوح" والابتسامة تعلو شفتيه قائلًا بمودة:



_تشرب إيه بقى؟؟



_لأ لأ، مالوش لزوم، أنا جايلك في موضوع كده على السريع، أجل الشرب ده لحاجة تانية.



كاد أن يصر عليه لكن رفض الآخر رفض قاطع؛ أدى إلى استسلام الآخر متلفظًا باستفسار:




        
          
                
_طب خير يا "يحيى"، في إيه قلقتني؟؟



تنهد "يحيى" بقوةٍ، ثم بدأ سرد ما يكمن في قلبه دون هوادة:



_بص يا "نوح"، أنا هجيلك دغري من غير لف ولا دوران، أنا عايز أعرف حوارك أنت و "كنزي"، وبعد إذنك من غير أي تقطيع أو أي حاجة، هي فاقدة الذاكرة دلوقتي، ولسه عارف منها إن في كانت على علاقة بيك ومش فاكرة هي إيه..



توقع هو ذلك، ولكن لم يتوقع حدوثه بالفعل، لكن على أية حال استرسل "نوح" الحديث بعدما حاول الجلوس بأريحية ليبدأ بسرد قصة حبه المريبة وعلاقتهما الغرامية..



_بما إننا في 2024 فأنا عرفتها في أواخر 2019، كانت لسه بتدرس وكانت نفس جامعتي، بس أنا كنت هندسة وهي كانت حقوق فالمبنى مكنش مشترك، فمرة كنت رايح عند واحد صاحبي في حقوق وقابلتها هناك، وربك سهلها واتعرفنا على بعض، وصدقني كل حاجة جت كده، وأنا والله العظيم وربنا شاهد عليا كلمتها كتير في إني عايز آجي اتقدم، بس مكانتش بتوافق وكانت بتقولي لما أنت تتجوز الأول علشان باباكم، مكانتش بتقولي إيه المشكلة بالظبط بس ده كان ردها..



وأنا كنت قررت آجي فعلًا اتقدم من غير ما حتى أقولها، قولت هروح اتقدم في يوم عيد ميلادها علشان تكون ذكرى حلوة، لقيت الناس كلها لابسة أسود في أسود، وصوت القرآن مالي البيت، سألت في إيه وقالي إن هي اتوفت، أنا بحكي ليك باختصار، بس أختك جدعة وبميت راجل علشان بس متفكرش في حاجة.
وعلى فكرة، كانت بتحبك أوي..




        
          
                
انتهى من كلماته التي قد تظهر جامدة بعض الشيء، ولكنه كان يروي باختصار شديد بسبب خفقان قلبه فور تذكرها ودموعه التي تفيض كلما تذكرها، هو حتى الآن لم يستطع التصديق أنها على قيد الحياة، لم تغب عن باله لبرهة، يحاول نسيانها بشتى الطرق ولم يستطع، وكأن اسمها وشمٌ نقش على جدران قلبه..



_




إسكندرية | 2019



كان يسير على عجلة وخطواته تكتسب بعضًا من الضجر، وقف أمام كلية الحقوق ثم أخرج هاتفه يبحث عن اسم صديقه الأحمق الذي طلب مقابلته ليعطي له شيئًا في غاية الأهمية، وكأنه سيعطيه سر تحرير القدس أو كيف تصبح مليونيرًا في سبعة دقائق..



ظل واقفًا وهو يتأفف بسخطٍ من انتظاره في تلك الشمس الحارقة، وكان كل دقيقة يلتفت حوله عله يجد صديقه.
فجأة، وجد نفسه يرجع بضع خطوات للخلف أثر اصطدام فتاة به وكانت محاياها تنم على الشر والدموع تلطخ وجهها ولكن لا يبدو عليها البراءة مطلقًا..



كاد أن ينصرف فهو لا يريد أن يدخل في مشكلة مع فتاة ولكن فاجئته هي عندما صاحت بأعلى صوتها قائلةً بحنقٍ:



_مش تفتح يا أعمى!!



عاد مرة أخرى إلى موضع وقوفه ونطق بنبرةٍ أقل هدوء منها ولكن يغالبها الجمود والسخرية:




        
          
                
_والله أنا كنت واقف في أمان ربنا لقيت اللي داخل فيا، مين فينا الأعمى بقى؟



حاولت تهدئة نفسها بعدما وجدت كل من حولهما يتتبع حوارهما بفضولٍ منتظر مشاجرة عنيفة تدب بينهما، وكان هو الآخر يتوقع أن تدب مشاجرة كبرى بينهما ولكن وجدها تقترب منه تقول بهدوء واعتذار وعينيها تفيضان بالبراءة وكأنها واحدةً أخرى غير التي كانت تصيح قبل دقائق:



_معلش يا أستاذ، حقك عليا والله، أنا آسفة، شوف طريقك بقى يلا.



وجدت الأنظار ترمقهما أكثر وكادت أن تصيح بملء صوتها بهم ولكن وجدته هو يقوم بذلك الموضوع نيابةً عنها قائلًا بضجرٍ:



_يلا يا جماعة فضيناها، كل واحد يشوف حاله!!



تحرك الناس فور صياحها وفي تلك اللحظة وجد "نوح" صديقه الذي كان يأتي نحوه مهرولًا وكان يلهث من شدة التعب، وما إن وقف وقع بصره نحوها صاح برعبٍ وكأنه رأى جني يشبه تمامًا جني المصباح:



_يالهوي!! "كنزي"!! هو أنا هربان منك جوة علشان ألاقيكي هنا؟؟
أنت تعرفها منين؟ أنطق!!



نطق آخر جملته وهو يمسكه من ملابسه يهزه بعنفٍ جعلت الآخر يدفعه بعيدًا بغضبٍ، وما إن دفعه وجدها هي تمسكه من تلابيبه كمن مسك سارق الأحذية الذي ينتهز كل يوم جمعة لإداء الناس لصلاة الجمعة جماعة في المسجد، ويسرق أحذيتهم التي يتركوها في الخارج..




        
          
                
أخذت تهزه بعنفٍ وهي تزمجر بشراسة لا تليق بملامحها ولا شخصيتها أبدًا، ولكن على أية حال، فاق صوتها صوته بمراحل عندما صاحت قائلةً باستنكار غاضب:



_أنت إيه يالا؟؟ هو أنت جوة وبرة؟؟ عايز يعني تتاكل علقة تاني؟؟ وبعدين أنت ليك عين تيجي قدامي بعد اللي هببته!!



هرول "نوح" يحاول إبعادها عنه، بينما اكتسب صديقه بعض الثقة وقال بزهوٍ يتنافى مع تلك الكدمة في وجهه:



_أهو جيه اللي هيلمك، إديها يا "نوح" مترحمهاش..



نجح بالفعل في الفصل بينهما ووقف يردف بتعبٍ واستفسار من ذلك الاشتباك الطفولي:



_يا آنسة في إيه بس؟؟ الحيوان ده عملك إيه وأنا أربيهولك؟؟



كانت الابتسامة تعلو شفتيه، ولكن ما إن نطق جملته الأخيرة سقطت ابتسامته الواثقة بقوة، وبدت الصدمة جليّة على وجهه، بينما هي نطقت بضجرٍ تشكو له من هذا المغفل:



_البيه عامل فيها عبدو النزيه وجاي يقول للكلية كلها إن أنا بجري وراه وهموت وأكلمه، كل ده بقى على إيه؟؟ علشان بصتله بالغلط في المحاضرة، مع إني كنت ببص بقرف والله وبتريق عليه..



حاول "نوح" كتم ضحكاته بصعوبة بالغة، بينما اعتدل صديقه في وقفته وظل يرمقها من أعلى رأسها حتى أخمص قدمها، كان يشبه نساء السوق في وقفته ونظراته ربما كان ينقصه علكة ويشبه النساء بحق.
كان على وشك الرد عليها لكن وجده يقترب منه يصيح فيه هو الآخر باشمئزازٍ قائلًا وهو يرمقه باستحقار:




        
          
                
_إيه يالا ده؟؟ تصدق بقى أنا كمان هكمل عليك وهرنك علقة دلوقتي؟!



جذبه من تلابيبه نحوه وكاد أن يلكمه لكن اقتربت منهما هي تقول بلطفٍ بعدما لاحظت تطور الأمر:



_لأ لأ، مالوش لزوم، أنا عملت معاه الصح، خلاص بقى يا أستاذ...



_نوح، نوح الزهراوي..



قالها بابتسامة ساحرة بينما هي تفوهت بدورها قائلةً بعذوبة:



_كنزي، كنزي إمام..



كان يمرر بصره عليهما بالتناوب وهما ينظران لبعضهما البعض ويتبادلان الابتسامات، ولكن ليفعلا كل ذلك بعيدًا عنه فمازال "نوح" يمسكه من ملابسه بقوة جعلته يصيح بضجرٍ:



_أنا آسف لو هقطع اللحظة، ممكن لو مش هعطلكم يعني..
تتعرفوا بعيد عن أهلي!!



أدركا وضعهما المحرج وبالفعل دفعه بقوة جعلت الآخر يعود عدة خطوات للوراء، بينما هي ضحكت له قائلةً بشكرٍ وامتنان:



_أنا متشكرة يا أستاذ "نوح"، مش عارفة أقولك إيه والله، وأنا آسفة على سوء التفاهم اللي حصل في الأول ده..



وضع يديه في جيبه وشرع في التحدث قائلًا والابتسامة تعلو شفتيه براحة:



_لأ لأ، مفيش شكر ولا حاجة، إيه ده صحيح، إنتِ في حقوق؟؟
شكلك مع "يوسف" أخويا!




        
          
                
امتعضت ملامحها باستنكار، وبوهلة شعرت بأنه يحاول جذبها له، ولكنها اردفت بابتسامة مصطنعة:



_أنا في حقوق آه، لكن في الحقيقة ماليش تعامل مع الصنف الآخر، أصل ولاد الكلية كلهم يخنقوا..



قالتها وهي ترمق الذي يحاول ضبط ملابسه وراءه بتقزز، وحاول "نوح" كتم ضحكاته عندما فهم ما ترمي إليه، نظر إليها بإعجاب لوهلة ولكن تبدلت نظراته عندما وجدها ترفع أحد حاجبيها قالها بشرٍّ، حمحم بإحراجٍ وحاول استعادة رباطة جأشه، ثم تلفظ بنبرة لطيفة يغلفها المكر:



_مفيش مشكلة، بس شكلك من النوع الصريح أوي، هو أينعم يستحق التريقة بس برضو، بس نصيحة أخوية، بلاش تبقي مندفعة كده، قدر وقعتي في واحد مش تمام؟؟



عقدت ذراعيها براحة، وعينيها تلمع بالمكر والخبث، ثم استرسلت مجارةً لحديثه_العبثي بالنسبةِ لها_ قائلةً وهي تضغط على كلماتها:



_لأ من الناحية دي متقلقش، أنا مأمنة نفسي كويس أوي..



فكر لبضع ثوانٍ أنها قد تكون محترفة في ألعاب القتال، خصوصًا أن جسدها يبدو رياضيًا، ولكن مهما كان، فالرجل قوام على المرآة حتى في البنية الجسدية..
انتهز تلك الفرصة وأخرج ورقة سوداء "كارت شخصي" وأعطاها لها وهو يقول بزهوٍ:




        
          
                
_ده الكارت بتاعي، أظن إنك هتحتاجيه، وأنا جنبك برضو أي خناقة هتلاقيني معاكي..



صدق حدسها فيما توقعته نحوه، ألتقطت الكارت تنشر فيه بتمعن، ثم أعطته له مرةً أخرى وهي تقول بنبرة مصطنعة حاولت ضبطها قدر الأمكان حتى لا تسفك دماءه الآن:



_مظنش إني هحتاجه، وفر كروتك لنفسك..



ما إن اعطته لها تحرك نحو وجهتها بينما استمع هو لصوت ضحكات صديقه الساخرة عليه، حاول ضبط نفسه وتفوه قائلًا بلامبالاة:



_ولا يشغلني على فكرة، هي اللي خسرانة..



ازدادت ضحكاته بقوة جعلت الآخر يهرول وراءه بغضبٍ ليصفعه بقوةٍ من سخريته تلك..



-



ابتسم فور تذكره لأول مقابلة لهما، كانت دائمًا جريئة ومختلة ومندفعة، ولكنها كانت كتلة من اللطافة وكان هذا مزيجًا رائعًا بالنسبةِ له..
دار حوار مع "يحيى" يحاول شرح فيه كل شيء دون أن يذكر تفاصيل بعينها؛ فهو مدرك تمامًا أنه مهما حاول التمثيل أنه على ما يرام لكنه يشتغل بداخله غيرةً عليها، وبالفعل كان هذا كل شيء حدث بينهما..
وكان أفضل شيء حدث له...



___________________



كانت تبكي بشدة لعدة أيام، كانت تحاول الفرار من سجن أبيها، ولكن لابد أنها وقعت في أسر من هو أشر منه..




        
          
                
رفضت تمامًا الطعام أو الشراب، فأصبحت حالتها مزرية بحق، وفي وسط كل هذا وجدت من يدخل عليها تلك الغرفة المظلمة وهو يقول بنبرةٍ غير مريحة ونظراته تملؤها الشهوة والخبث:



_لأ بس حقه "يوسف" برضو، واقع على حتة فرنساوي إيه..



قالها وهو يرمقها من أعلاها إلى أسفلها ونظرات تزيغ من الشهوة ولكنها صاحت بملء صوتها تنهره وهي تحاول الانكماش على نفسها:



_ابعد عني يا حيوان أنت!!



_وماله، مش ده اللي جاي فيه، أنا سايبك على راحتك يا قمر..



انتهى من جملته وهو يغمز لها بوقاحة بينما هي أعرضت وجهها بعيدًا عنه وتحاول مدارة جسدها بملابسها المكشوفة نسبيًا، أو ليس نسبيًا بل كثيرًا، حيث كانت ترتدي تنورة قصيرة تكشف ساقيها بأكملهما وتعلوها كنزة ضيقة وبشدة ولكنها كانت طويلة الأكمام، فذلك أقصى درجات الستر بالنسبةِ لها..



اقترب منها ونزل لمستواها وهو يقول ونظراته تبدلت مئة وثمانين درجة حيث تحولت إلى الشر والكره، ثم استرسل حديثه المكروه لها قائلًا بغتة:



_قومي يلا علشان هننزل مصر، مش معقولة هننزل أم الدنيا ومش هنعدي نشوف چو..



قالها وشرع في الضحك بجنون حتى قطع ضحكاته المختلة تلك دلوف من يصيح بنبرةٍ تعرفها جيدًا قائلًا بضجرٍ:




        
          
                
_ما تخلص يا عم الچيمس بوند!
أنت هتعمل فيها زعيم عصابة بجد والنسوان هتموت عليك ولا إيه يا عم "سيف"؟؟



رمقه بشرٍّ بينما هي تجاهلت حديثهما الأحمق حيث تلفظ "سيف" بحقدٍ ونفور ممتزج بالسخرية:



_اسم الله عليك يا "حسام"، أنت اللي النسوان بتترمى تحت رجلك وتصبح كل يوم تبدل فيهم زي الشربات..



ظلا هكذا يدسون بعضهما كنساء السوق حتى وصلت رسالة نصية إلى "حسام" انتبه ثلاثتهم إلى تلك الرسالة الذي قرأها هو:



_الطيارة هتطلع الساعة تسعة..
طب يلا بقى يا جدعان علشان نتحرك، علشان لسه ورانا مواصلات والمطار بعيد، وأنتم سيد العارفين بمواصلات إسطنبول، زحمة أكتر من زحمة الدائري..



انتهى من كلامه وشرعا الاثنان في الضحك، بينما هي حدجتهما بتقزز وحاولت تجاهل حديثهما الأخرق...



____________



كانت "مريم" طوال تلك الأسابيع حبيسة غرفتها، لا تخرج منها إلا لمقابلة أصدقائها وإلقاء التحية على والديها..
صحتها النفسية مازالت سيئة، بل أسوأ من السيئة، كل يوم تجلس تفكر لما فعل كل هذا بها، هل الخطأ كان منها أو منه..
العديد والعديد من الأسئلة التي تطرحها أرضًا وتخسف قلبها الأحمق الذي يندم كل يوم على حب ذلك الوغد اللعين، فصدق من قال مرآة الحب عمياء، وهي كانت عمياء وصماء وبكماء أيضًا!!




        
          
                
مسكت هاتفها الخلوي لتتفقد هذا موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بصمتٍ تام، تراقب الناس في سكونٍ تام دون أي تفاعل..



وقع أمامها منشور له كانت محتواه "شكلنا كده مش مكتوب لينا نقرأ الفاتحة غير في الصلاة"



ضحكت بخفوت من محتواه فدخلت لترى التعليقات عليه.
مؤخرًا أصبحت تتابع منشورات "عمر" بكثرة، أول مرة تلحظ أنه شخص فكاهي ذو ظل خفيف، بل ووسيم أيضًا..



وجدت تعليق والدته "أميرة" تقول داعيةً له قائلةً:



"ربنا يفرحنا بيك يا عمر يا ابني، ونفرح بعروستك يارب"



وجدت رده عليها يأمن على دعائها لكن استوقفها تعليق "تميم" الذي يرد عليه ويبدو عليه تعليق ساخر محتواه:



"ادعي ياخويا ادعي، يكش نتلحلح"



أدركت هي مؤخرًا_نظرًا لانعدام مستوى بديهتها_ أنها هي المقصودة، فانغمست لتجد رده هو قائلًا:



"بس يالا، روح شوف أخوك اللي متكسر بدل ما أنت قاعد تنظر على خلق الله"



"وليه الغلط بقى؟؟؟"



كان ذلك رد "تيام" على تعليق عمر، وكأنه يأتي على ذكر اسمه نظرًا لإشارة "تميم" له على تلك التعليقات التافهة.
تقريبًا نسوا أن تلك التعليقات عامة وانغمسوا في النميمة والسخرية على بعضهما وهي تشاهد بصمتٍ وكأنها غير موجودة، يكفي أنها تضحك من قلبها على عبثه حتى لو سرًا..




        
          
                
بينما في شقة "سعيد"، كان ثلاثتهم يجلسون بجانب بعضهم يردون على تلك التعليقات وكأنهم في آخر بقاع الأرض..



نظر "تميم" بخبثٍ إلى "عمر" وتحدث بمكرٍ قائلًا باستفزاز نُقل له بواسطة شقيقه:



_أهم حاجة الكاريزما يا دكتور، احنا قاعدين بنرد على بعض قدام أمة لا إله إلا الله علشان خاطر السنيورة..



لم يلتفت له "عمر" لأنه قد انغمس في حسابها الشخصي يراقبها هو الأخر، ضغط على محادثتهما التي كانت تحتوي على السلامات والمباركات وكانت المحادثة رسمية للغاية.
ضغط بجانب المحادثة وكاد أن يضغط على مشاهدة ملفها الشخصي ضغط على زر مكالمة الڤيديو بالخطأ حيث جحظت عيناه برعبٍ وازدادت ضربات قلبت ولكنه انتبه نفسه وأنهى المكالمة بسرعة..



استنكرت هي من مكالمته ووجدت منه رسالة نصها "بالغلط معلش حقك عليا"



فتحت المحادثة سريعًا مما أدى إلى ظهور له صورتها بجانب رسالته مما يعني أنها رأت رسالته.
أثار هذا استغرابه ولكن على لم يكترث كثيرًا هي وجد رسالتها "ولا يهمك عادي.. أنت عامل إيه و"تيام" عامل إيه دلوقتي؟؟"



انغمس في المحادثة معها متغافلًا عن اللذان يراقبانه من خلفه، وكاد أن يدخل "تيام" في شاشة الهاتف من فرط فضوله بينما "تميم" كان على وشك الجلوس في أحضانه للمشاهدة باستمتاع...




        
          
                
نظر وراءه فأعرض كل منهما وجهه إلى الناحية الأخرى فانسحب من بينهما وخرج والابتسامة تعلو بشفتيه..



انقلبت ملامح "تميم" و "تيام" بتهكم، ونظرا إلى بعضهما بغيظٍ منه، حيث طوال تلك الفترة كان يستغلهما جميعًا في خطته البلهاء في لفت انتباهها..



نظر "تيام" لشقيقه الذي كان ينظر له مضيقًا عينيه وتحدث بحزنٍ قائلًا:



_تصدق يا "تميم" ياخويا ليك واحشة؟؟
هو علشان البتاع اللي على دماغي ده اللي شبه العمة لولاه والله كنت هخرب الدنيا، بس النصيب..



نظر له نظرة متشككة قابل نظراته هو بنظرات بريئة وكأنه أفعى ذليلة، مسكينة، لا تفعل لأحد شيئًا..



تنهد "تميم" بضجرٍ من شقيقه، وتفوه تلقائيًا دون أي مراوغات بنبرة مستاءة:



_"تيام" أنا مش هقولك تاني، اتلم، أنت عندك أختك، لو ترضاها عليها تمام ومش هكلمك تاني، بس دي لا سكتنا ولا هتبقى وأنت عارفني دغري ماليش في اللف والدوران زيك كده يا سوسة يا تعبان أنت.
لو فيه حاجة من ناحيتك ليها استعوض ربنا، ده لا سن حب ولا أي حاجة، حتى لو الحوار مابينكم في حدود وكل حاجة، بس فعلًا مالوش داعي..



تكلم "تيام" بنبرة جدية يغلفها بعض الندم قائلًا:




        
          
                
_والله العظيم يا "تميم"، كل اللي ما بينا كلام عادي ومفيش أي حاجة..



قطعه "تميم" قائلًا ونبرته لا تحتمل النقاش:



_ياحبيبي فاهم، بس مفيش داعي للكلام، الكلام نفسه مفيش فيه أي حاجة، بس إيه لازمة الكلام ده؟؟ 
أنا وأنت عارفين إن مفيش ليه أي داعي، ومع الوقت أنتم الاتنين الموضوع هيزيد، ومش كلام وخلاص، بس الباب اللي تسيبه موارب مسيره هيتفتح، ويوم ما هيتفتح غصب عنك هتلاقي نفسك بتدخله، وساعتها هتقول ياريت اللي ما جرى كان. 
أنا عارف إن الموضوع صعب، بس لازم تلحق الدنيا، ولازم حد فيكم يحد الدنيا، "لارا" محترمة وبنت ناس وبنت أصول وكل حاجة، وأنت كذلك، بس غصب عنكم الشيطان حاطط في دماغكم إن ما الكلام عادي أهو، مفيش حاجة مثيرة للشك أو الريبة يبقى خلاص، لحد ما هيبقى فيه فعلًا..
ده مش بيدل إن هي وحشة ولا أنت وحش ولا أي حاجة، وممكن تكون هي كمان ده مضايقها إن هي مش عارفة تبطل كلام معاك، فلازم تراعي ده..



بالفعل كان محادثته معها سواء وجهًا لوجه أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي تخلو من أي شيء غير لائق ولا يشوبه شائبة، كان يشبه موقع ويكيبيديا الشهير، حيث كانا يتبادلان المعلومات والخبرات، وطوال تلك الفترة تطورت علاقتهما سواء إن كان سؤالًا بسيطًا ينتهي إلى مناقشة في أسباب اضطراب الشخصية الهيسترية، وأسباب تفكك الاتحاد السوفيتي..




        
          
                
بالرغم من أن الفرق بين "تميم" و "تيام" خمس دقائق فقط، ألا أن "تميم" كان بمثابة القشة التي يستند عليها "تيام" دائمًا...



_________________



وقف "يحيى" أمام ذلك المصعد اللعين ينتظره وهو يفكر في شقيقته وفي ذلك الوغد الذي يقبع في الداخل، لا يستطيع محاسبتها الآن، ولكنه لم يستوعب مطلقًا أن تكون شقيقته في علاقة غرامية دون أن تخبره!
وكأنه عندما تخبره سوف يستمع لها وسيكون رد فعله هادئ ومسالم تمامًا، ولكن تلك هي غريزة الغيرة والرجولة التي زرعها الله في كل بني آدم وغير ذلك هتكون لديهم صفة "الدياثة" وهي التي لعن الله صاحبها وأنه لن ينظر إليه يوم القيامة..



دلف إلى المصعد فور وصوله وكان ينوي الذهاب إلى رئيسه ليشاور معه في العديد من الأمور أهمها زيارة الصبي الأفعى الناعمة "تيام" وكان قد أطلق ذلك الاسم عليه نظرًا لخبثه الشديد وكان ملامحه يبدو عليها الغباء والبراءة..



نوقف المصعد في الطابق الرابع، فانقلبت ملامحه باستنكار.
فُتح الباب، وجد من تلج بداخله وهي تبحث في حقيبتها عن شيءٍ ما، لكنه لم يكترث لها من الأساس.
تعرف عليها فورًا، فهي تلك الفتاة المريبة المختلة كما يسميها..




        
          
                
وأثناء بحثها، وقعت منها علبة سجائر من ماركة مشهورة، ولكنها لم تكن سجائر نسائية، بل كانت سجائر عادية.
في الواقع، لا فرق بينهما إلا في النكهات وبعض التفاصيل الصغيرة، في كلتا الحالتين، كلاهما يؤدي إلى سرطان الرئة...أو إلى جنة الخلد أو جنهم الحمراء، أيهما أقرب..



التقطها هو واعطاها لها قائلًا بهدوء غير مبالي:



_اتفضلي..



التقطها هي منه بتوتر، لا تدري لما تتوتر بهذا الشكل عندما تراه فمن طبعها التبجح دائمًا، لا تدري حقًا..
ادركت هي أنها وجب عليها الشكر فأردفت قائلةً بابتسامة مصطنعة:



_متشكرة جدًا ميرسي..



_العفو... ابقي خدي بالك بعد كده..



عادت لما كانت تبحث عنه، بحق الآلهة، لو كانت تبحث عما تريده في مغارة علي بابا، لكانت وجدته!!



وصل المصعد إلى الطابق الأرضي بسلام وخرجت هي بسرعة تتجه نحو سيارتها، بينما هو اتجه إلى سيارته هو الآخر وكأن شيء لم يحدث..
قطع كل هذا "علا" التي كانت تنزل على تلك السلالم المؤدية للشارع تبحث بعينيها عن "يحيى" وكان يبدو من هيئتها أنها استخدمت السلالم..



ارتعبا من صياحها وهي تقول بلوعة:



_يا سيادة المقدم، الحقنا، احنا اتسرقنا!!
واللي سرقنا عملها يوم ما "تيام" راح المستشفى!!
ومش أنا لوحدي ده كذا حد معايا برضو!!



_______________________

 

  • يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent