رواية لعاشر جار الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم سلمى رأفت

    

 رواية لعاشر جار الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم سلمى رأفت


33-الـLM سبب كل شيء
          
                
أما "كارما" ، فحاولت انتشالها من ذلك المشهد الغارق في الفوضى، فأمسكت بيدها برفق تسحبها خلفها نحو غرفتها، وهمست لها بنبرة طفولية مفعمة بالحماس:



_تعالي جوة؛ ده كلام كبار، ملناش دعوة بيه..



امتثلت "مارينا" لحديثها، وانسحبتا بعيدًا عن ساحة المعركة التي كانت مشتعلة في الخارج.



أما "سوزان"، فقد وقفت وكأنها تحارب الوقت نفسه، وبدأت تتحدث بسرعة، كأن الكلمات تتسابق لتخرج من فمها قبل أن يلتهمها الغضب:



_أم "مارينا" كانت حامل فيها، وفي الوقت ده جوزها كان مات، البنت اتولدت عادي، وبعد سنة بالظبط عرفت "سيف" و.. واتجوزوا.



كان صوتها يتلاشى مع كل كلمة، وكأنها تنزع من قلبها قطعة بعد الأخرى.
لكن عندما رفعت "بوسي" عينيها الحادتين، اللتين تشبهان سهامًا نارية، أكملت بصوت مهتز تغلفه الحسرة:



_وبعد فترة من جوازهم اللي مكنتش أعرف عنه حاجة، أمها ماتت، و "سيف" جابها تعيش معايا.
بعدين خالها كان في مصر هنا وسافر لينا ياخدها، و "سيف" ما صدق..
دي كل الحكاية، والله ما كنت أعرف إنه متجوز.
وقبلت أربيها واعتبرتها زي بنتي وأكتر كمان.
 أنا اتحرمت من الخلفة بسببه، واتحرمت إني أكون أم برضو بسببه!.
أنا اللي كنت محتاجة ليها، مش هي اللي كانت محتاجة ليّا..




        
          
                
عندما انتهت، سقطت على الأريكة كأنما أُثقلت روحها بحمل لا طاقة لها به.
كانت دموعها تتساقط كالمطر، لكنها لم تُطفئ شيئًا؛ بل زادت من حريق الندم الذي يلتهم قلبها.
عاشت طوال تلك السنين كمن يسير على جمر، ومع كل خطوة، كان الجحيم يغرس مخالبه فيها أكثر وأكثر.
هي لا تستحق هذا... لكنها أيضًا لم تعرف كيف تهرب من هذا القدر الذي كُتب لها، الذي لا سبيل له في الرجعة سوا من أمر رب العالمين...



_____________________



كانوا يتبادلون النظرات بتحدٍّ مبالغ فيه، وكأنَّ أعينهم خاضت حربًا صامتة، بينما كانت وجوههم مُخبَّأة خلف أوراق اللعب التي تُسمى "كوتشينة"، في مشهدٍ أقرب إلى المسرحيات الدرامية المبالغ فيها.



استمروا على هذا الحال حتى قاطعهم "ياسين" بلهجةٍ تنضح بالملل:



_ ما تخلصوا يا جدعان؟ أنتم هتفضلوا باصين لبعض كده كتير؟



لكن كلماته مرَّت كنسمةٍ عابرة لم تحرك شيئًا. 
ظلَّ "عمار" يُحاصر غريمه بنظراته الضيقة، في حين كان "عبدالله" يقلده بضمِّ حاجبيه ومتابعة خصمه بترقبٍ حاد. 
وبينما هما غارقان في هذا المشهد المتكلف، ألقى "إياد" أوراق اللعب على الطاولة بحركةٍ تنمُّ عن سأمٍ واضح، بينما "سيف" كان غارقًا في مكالمة هاتفية منذ بداية الجلسة.




        
          
                
مرر "إياد" بصره بين الاثنين بضيقٍ واضح، قبل أن تلمح عيناه شخصًا من بعيد. 
انطلق صوته فجأة، موجِّهًا الحديث للجميع، ولـ"عبدالله" على وجه الخصوص:



_ أهي! هي دي البت اللي كنت بشوفها بتشرب سجاير اللي عندكم في العمارة!



في لحظةٍ واحدة، تبدلت ملامح المشهد. 
تخلى "عمار" و"عبدالله" عن مواقفهما المتصلبة، وتوجهت أنظارهما حيث أشار. 
ارتسمت على وجه "عبدالله" ملامح الاستغراب، وتفوه بتعجبٍ يليق بغرابة الموقف:



_ أنت بتتكلم بجد؟ ده أنا كنت فكرتك بتهزر يا "إياد"!



أما "ياسين"، فبعدما ألقى نظرةً عابرة، قال بلامبالاةٍ مشوبةٍ بازدراء:



_ وإحنا مال أهالينا؟ كل واحد حر! هي مش عيلة في تالتة إعدادي يعني، دي شكلها واحدة كبيرة وفاهمة هي بتعمل إيه!



ظل "عمار" صامتًا، متشبثًا بأوراق اللعب وكأنها كنزه الثمين، رغم أن اللعبة انتهت فعليًا بفعل لحظة الملل التي دفعت "إياد" فيها إلى كشف أوراقه.



كاد أحدهم أن يبدأ حديثًا جديدًا، لكن رنين هاتف "ياسين" قطعه قبل أن يُقال أي شيء. 
رفع الهاتف، وحين لمح اسم المتصل، ابتسم ابتسامةً خفيفة أشبه بوعدٍ غامض. 
نهض من مكانه واتجه بعيدًا عنهم دون أن يُلقي كلمة، وشرع في الرد بعد أن ابتعد خطواتٍ كافية.




        
          
                
راقبوه جميعًا بصمتٍ أثقل الأجواء، حتى انبرى "عمار" ليكسر السكون، ملتفِظًا بتهكمٍ يُشبه تهكم السيدات:



_ شايف ياخويا؟ أول ما بنت الملك فؤاد رنت عليه، قام جري يرد عليها ومن غير حتى ما يقولنا أي حاجة! 
رجالة آخر زمن!



ألقى "عبدالله" كلماته بنبرةٍ لاذعة، وكأنها وُجِّهت لتُثقل كاهل الهواء من حولهم:



_ شايف وسامع كل حاجة.
أمال إحنا الحركات دي مش شغالة معانا ليه؟ دي بتعاملني معاملة الأجازة الرسمية، بتكلمني وقت المناسبات بس!



انفجر "إياد" ضاحكًا، ضحكةً عالية دفعت "عبدالله" ليحدق فيه بنظرةٍ مشحونة بالغِلّ. 
كان غِلًا متقدًا لو خرج عن سيطرته لحرق "إياد" والمدينة بأكملها.



أما هي، فكانت تسير بخطى واثقة نحو مسكنها، بعدما ودعت ذلك الشخص _المجهول_ وقضت معه وقتًا لطيفًا بدا محببًا إليها. 
لحسن الحظ، لم يكن أحد من المارة يُلقي لها بالًا، ولا حتى والدتها نفسها كانت تلقي لها بالًا..
ولا هي أيضًا تكترث لأحدٍ..
هم من بدأوا بتلك اللعبة الساذجة، ولابد من تكملتها حتى النهاية...



______________________



ولجت "لميس" للداخل بواسطة مفاتيحها الخاصة ولكن آثار استغرابها هو سكون المنزل على غير المعتاد.
ظل هذا الأمر يشغلها ولكنها بالطبع لم ولن تسأل عن سبب اختفائهم، بل استكملت سيرها نحو غرفتها بلامبالاة متوقعة منها وتتفنن جيدًا في اصطناعها.




        
          
                
دلفت إلى غرفتها ببعضٍ من التعب وتفاجئت من وقوف "لارا" في الشرفة بشرودٍ غير معهود عليها، استنكرتها وبشدة وتعمدت إحداث جلبة حتى تثير انتباهها، وبالفعل انتبهت لها فخرجت بدورها من الشرفة وظلت واقفةً أمامها تتفحصها حتى تفوهت "لميس" باستهجانٍ يشوبه بعضٌ من الخبث الخفي :



_مالك؟؟ قالك خلينا أخوات ولا إيه؟



ضحكت "لارا" ضحكة خفيفة وسرعان ما أدركت مخزى مزحتها تلك وجلست على الأريكة التي بجانب الشرفة تتفوه بثقلٍ وشرود :



_مفيش، بس أخواتك ناموا، وفريدة بتغسل المواعين في المطبخ، وأمك لسه داخلة تنام، وأنا مش بحب بلكونة الصالة صراحة وبحب أقف هنا.



تفهمت هي وضعها وشرعت في فك أزرار بلوزتها ووقفت يداها عن الاستمرار عندما باغتتها الأخرى سائلةً بفضول :



_هو إنتِ ليه كده؟؟



رفعت هي وجهها تنظر إليها بنظرةٍ تحمل بعضًا من العتاب والحدة ولكنها أخفت تلك النظرة الغير مبررة سريعًا واسترسلت ما كانت تفعله معقبةً بتهكم على سؤالها السخيف :



_كده ازاي يعني؟؟



وقفت سريعًا وهي تتجه لها قائلةً بنبرةٍ تقريرة تنم عن إصرارها لمعرفة مكنونها فهي بالنسبةِ لهم شخصٌ مجهول فكانت دائمًا ما تجلس في غرفتها وحدها ولا تتعامل معهم إطلاقًا بالنسبةِ لهم كفتيات لكنها كانت دائمًا قريبة من أشقاءها الذكور أكثر من الفتيات ولا تعلم السر حتى الآن.




        
          
                
استكملت "لارا" حديثها بنبرةٍ ملتوية وهي تنظر لها نظرات مريبة لا تنم على الخير أبدًا :



_غريبة أوي، أنا نفسي أفهمك، أنا دايمًا بشوف في عينيكي نظرات كره لبابا وماما، مع إن معرفش هم عملوا ليكي إيه!



انكسرت حدة نظراتها وأغرورقت مقلتيها بالدموع ولكنها جاهدت لتبقى صامدة وجامدة وقبل أن ترد عليها وجدت الأخرى تضمها بداخل صدرها وهي تربت عليه بحنوٍ ورفق..



كان هذا العناق بمثابة نقطة البداية لانطلاق دموعها وشهقاتها المكتومة بداخل كنف شقيقتها، استشعرت الأخرى بكاءها فبدأت حدتها وجمودها في التلاشي تدريجيًا حتى جلست على الفراش والثانية ما زال في أحضانها تبكي بصمتٍ وشهقاتها مكتومة للغاية..



شدّت "لارا" على احتضانها ثم نبست برفقٍ وحنوٍّ:



_أنا بحبك والله يا "لميس" وكان نفسي نكون قريبين من بعض، بس بخاف منك، بحسك دايمًا صدّاني، مع إني والله بحبك أوي.



أصبح وجهها يكسر عليه الاحمرار من البكاء وذبلت عيناها من كثرة البكاء الذي استمر بعضًا من الوقت ليس بقليل، نظرت لها "لميس" بامتنانٍ وشكر وتفوهت بنبرةٍ مفتقدة لعدة أشياء هامة مما جعلها تخرج تلك الكلمات بطفولةٍ منها لم تعهدها من قبل:




        
          
                
_ممكن انام في حضنك؟؟



استجابت الأخرى لطلبها بسرعةٍ وللأمانة، كانت هي أيضًا تتطوق لهذا.



سرعان ما سقطت في بحرٍ من السبات العميق بينما ظلت "لارا" مستيقظةً لوقتٍ طويل تفكر في ذلك المشهد الذي المضى وفي رد فعلها الغريب، فكانت دائمًا صامتة، جامدة، ولا تهاب شيئًا.
ولكن، لابد أنها ستعرف كل شيء عند مطلع الفجر..



_________________



مر يومان ولم يحدث أي شيء يثير الاستغراب، وقد أتى موعد عزيمة "يحيى" لرئيسه ليؤكد له صحة ما يقوله..



استقلت سيارة "يحيى" بجانب العقار ثم التفت إلى "نظمي" يقول له بنبرةٍ يتخلل بها السخرية والثقة:



_قبل ما ننزل بس كده، أنا هثبت ليك إنهم عمارة بنت مجانين.



ضحك "نظمي" بتهكم، فهو لا يصدقه بتاتًا، لكنه على أية حال نزل بدوره وتبعه "يحيى" وقبل أن يتلفظ "نظمي" يسخر منه وإنه لا داعٍ للمبالغة فليس هنالك سكانٌ هكذا اصتدمت كرةٌ ناتجةً عن ركلة طائشة في وجهه بقوةٍ جعلته يترنح للوراء من قوتها..



وضع "حازم" يده على قلبه برعبٍ وكاد أن يقع مغشيًا عليه من فرط التوجس، بينما "حمزة" انتابته نوبة زعر وزاغت عيناه عندما رأى "يحيى" وسرعان ما انطلقا الاثنين إلى الأعلى قبل أن يمسك بهما ويسفك دماءهما ويجعل منهما قطعًا تُرمى إلى الكلاب..




        
          
                
اقترب "يحيى" من "نظمي" يطمئن عليه ونبس الثاني بمشقة ممتزجة بالعبث من فرط الألم الذي حلّ عليه:



_أوعى تقول إن دول من العمارة!



حاول هو كتم قهقهته فهذا في النهاية رئيسه في العمل ولابد أن يكن له بالاحترام والتقدير.
سار معه حتى وصل إلى مدخل البناية وكاد أن ينطق "يحيى" ليعتذر منه عما بدر من أولئك الأطفال الحمقى ويتوعد له بأنه سوف يخبر أهاليهم لينالوا منهم العقاب والتربية، لكن بُتر حديثه قبل حتى أن يبدأ، عندما التصق "نظمي" بـ"يحيى" برعبٍ من هول المفاجأة عندما وجد أربع نسخ متطابقة كل نسختين متشابهتين تماماً يركضون عليهما بقوةٍ كأنهم جنودٌ هاربين من العدالة.



أخرج "يحيى" من فمه سبّة نابية لكن لحسن الحظ لم يسمعه أحد وكاد أن ينهر فيهم تفوه "تيام" قائلًا بمرحٍ ممتزج بالكيد وهو يركض:



_لو راجل امسكني..



اشتعل فتيل غضب "تميم" وعقد حاجبيه بسخطٍ وانطلق يركض وراءه بسرعةٍ مضاعفة جعلت "يحيى" و "نظمي" يلتصقون ببعضهما خوفًا من اصطدام طائش من أولئك المراهقين، زادت وتيرة أنفاسهما عندما وجدو من الناحية الأخرى "غيث" الذي يركض وراء "ليث" الذي كان يضحك بقوةٍ وكأن ضحكاته تلك أسهم من الاستفزاز تثير حنق الأخر..




        
          
                
تلفظ "نظمي" بضجرٍ من تلك المفاجأت التي يقشعر لها الأبدان:



_أنا أينعم لوا وكله بيقف ليا على رجل، بس الواحد مبقاش مستحمل أنا صاحب مرض!!
مين ولاد المجانين دول؟؟



أمسك "تميم" بـ "تيام" وسارعا بالعودة والأول يضحك بانتصار بينما "غيث" و "ليث" عادا إلى حالتهما الطبيعية وسارا وكأن شيئًا لم يكن..



رمقهم "يحيى" وشياطين الأرض جميعًا تتراقص حوله من إثر الغضب المحموم منهم، وتوعد لهم بداخله وقد قرر التحرك ليلقنهم درسًا لن ينسوه أبدًا، لكن ولسوء حظه طوال هذا اليوم اكتملت بدلوٍ من الماء المثلج الذي سُكب عليهم جميعًا من الطابق الثامن بواسطة "علا" عدا "نظمي" نظرًا لوقفه في مكانه ولم يتزحزح..



رفع "تميم" نظرًا للأعلى قائلًا بحنقٍ من تلك السيدة الحمقاء:



_في إيه يا طنط "علا"؟؟ هو أي حد مضايقك ترمي عليه ماية تلج وحاطة فيها معطر؟؟ 
أنتِ معتبرانا أرضية حمام ولا إيه؟؟؟



رمقته من الأعلى بازدراء وتركت الدلو الفارغ يسقط عليهم وسرعان ما انتبتهم حالة صرع نظرًا من سقوطه من ارتفاع عالٍ فتحرك "تيام" يجذب "نظمي" بعيدًا بينما أمسك "غيث" بـ "يحيى" ليركض به لآخر الأرض بينما ظلا "تميم" و "ليث" يلتفون حول بعضهما البعض من فرط توجسهما وتوقف عقلهما بسبب تلك المياه التي انسكبت عليهم  والآن ذلك الدلو اللعين..




        
          
                
_أنت مين يالا؟؟



تفوه به "نظمي" باستحقار عندما ابتعدوا عن محيط البناية بالكامل حينها رمقه "تيام" بضجرٍ متفوهًا بضيقٍ:



_بقولك إيه يا عم الحج، أنا أنقذتك من الجردل اللي لو كان وقع عليك كان هيوديك بعدها لجنة الخُلد أو جهنم الحمرا، أيهما أقرب..
يعني المفروض تفضل تشكر فيا من هنا للصبح، ده جزاتي؟؟



أمسكه "نظمي" من تلابيبه وظل يحرك فيه بعنفٍ نابسًا بحقد وغل دفين:



_جرا إيه يا روح أمك؟؟ أنت هتصاحبني؟؟ أنت فاكرني بلعب معاك في الشارع؟؟ أنت متعرفش أنا مين؟؟



حاول "تيام" السيطرة على أفعال ذلك الأبله بالنسبةِ له وسخر من حديثه الذي بمثابة قنبلة استفزاز و غيظ بالنسبة للآخر:



_ومعاك مستندات توديني في ستين داهية صح؟؟



كاد أن يصفعه "نظمي" ليكف عن هذا الهراء لكنه وجده يتشبث فيه بقوةٍ وكأنه صديقٌ حميم التقى به منذ زمن..
استنكر فعلته تلك وكاد أن يبعده عنه بعنفٍ لكنه أصيب بشللٍ بسبب كلمات تلك الفتاة التي وجّهت له كلماتها المائعة:



_مش معقولة! "تيام الشريف" بنفسه؟؟ 
عاش من شاف والله..
أنت مالك متغرق كده ليه؟ ومين أنكل ده؟؟ 




        
          
                
تعجب "نظمي" بشدة من معرفة تلك الفتاة، فبحكم مهنته بالرغم من كبر سنه لكنه لمح وجه التقارب بين "تيام" و "تميم" ولو أن توأمه بجانبه الآن لم يكن لديه المقدرة على التفريق بينهما..



كاد أن يدفعه ليرى هذا العبث لكن اخذه "تيام" في أحضانه بقوةٍ متفوهًا بمراوغة ممتزجة بالمرح:



_لأ مفيش، ده لقيت الجو الحر فقولت لجدو حبيبي نور عيني امسك يا جدو يا نور عيني أشرب وارمي عليا ماية علشان خلاص هفطس..
وهو يقولي يابني بطّل جنان، وأنا أقوله أبدًا!!



ثم نظر إليه قائلًا بنظراتٍ تحذيرية مختلة:



_مش كده يا جدو؟؟



رمقه "نظمي" بنظرات توعدية وظل يفكر في طريقةٍ لتعذبيه، أما "تيام" حاول الاختصار مع تلك الفتاة حتى ابتعدت أخيرًا وكاد أن يتحدث مع "نظمي" لكنه تفاجئ عندما جذبه من شعره وهو ينبس بحقد وغلٍّ دفين منه:



_أنا اللوا "نظمي الأسيوطي" اللي أكبر شنب فيكي يا مخابرات ويا جمهورية بيعملي حساب، تيجي أنت يا ابن امبارح تعمل معايا أنا كده؟؟



كاد أن يسخر منه "تيام" لكنه بدأ في الاستيعاب أن ذلك الشخص كان برفقة "يحيى" وعندما توصل لاستذكار وظيفة "يحيى" بالتحديد تذكر كلمة "مخابرات" التي خرجت من فمه فسرعان ما انضبط في وقفته وأخذ يتحدث بأسفٍ واعتذار بنبرةٍ تدل على البكاء عاجلًا أم آجلًا:




        
          
                
_يا نهار أبيض!!
باشا مصر وباشا البلد أقسم بالله ما أعرف حاجة!!
وحيات أمك يا باشا ما تعملي حاجة أنا أقسم بالله عيل.
عيل يا باشا وغلط فحقك..
هتحاسب عيال يا باشا؟؟
ده أنا تالتة ثانوي والله والدروس دايسة على وشي وأبويا أصلًا لسه ماسك فيا..
وأمي بر..



قطعه "نظمي" بغتة عندما تشوش تفكيره من حديثه الأحمق وسرعان ما وضع يده على فمه يكتمه قائلًا بغيظ:



_بــس!! إيـــه؟؟ أنت مش بتفصل!!
تعالى معايا ده أقسم بالله ما هسيبك!!



لطم "تيام" على أوداجه برعبٍ بينما جذبه هو ليعودا إلى العقار مرةً أخرى وفي داخله يتوعد له بأشد انتقام عما اقترفه هذا المراهق في حقه..



بينما في مدخل البناية، وقف "يحيى" أمام الثلاثي المرح ينظر لهم بسخطٍ، لو كانت نظراته جماد لقطعتهم أجزاء من شدة حد نصلها..



بينما تفوه "غيث" بهمسٍ يسب "تيام" في سره متفوهًا بغيظ:



_أنت فين يا "تيام" الزفت؟؟ أنا رجلي اتكسرت من أم الوقفة دي!! هو كان لازم يعني يتنيل ياخد الراجل ده؟؟



وصل همسه إلى "يحيى" وكأنه رادار ينظر أية هفوة، وأخذ يرمقه بحدة_هو بالأخص_ حتى ولج "نظمي" لهم ساحبًا "تيام" خلفه كخروف عيد عيد الأضحى بينما كان "تيام" ملامحه تنم على الرعب، أكاد أقسم أنه قرأ القرآن كاملًا في تلك اللحظة من شده توجسه لكن في نفس تلك اللحظة فُتح باب المصعد وخرج منه "أمينة" برفقة "عزت" التي كانت ملامحه تدل على شده النعاس ممتزجة بالضجر من تلك السيدة التي لا تمل من التحدث في هذا الموضوع مرارًا وتكراراً..
توجهت "أمينة" مسرعةً إلى ذلك الجدول المعلق على الحائط تنظر فيه بنظرات صقر جارح يتفرس غريمته حتى ينقض عليها.




        
          
                
لكن حدث ما لا يحمد عقباه، حيث كادت "أمينة" لتتحدث تشهدهم على مشكلتها لكن دفع "نظمي" "تيام" بقوةٍ ونظراته ممتلئة بالاشمئزاز والازدراء، ولسوء حظه كان قريبًا من تلك الدرجات القليلة التي تؤدي إلى المصعد وردهة كبيرة فاصطدمت رأسه بالدرج في قوةٍ جعلت "أمينة" تشهق بفزعٍ وسرعان ما امتلأت البناية بأكملها بالصياح والصراخ....



_____________________



في صيدلية "عين جالوت":



كانت الأوضاع بين "مروان" و "فريدة" هادئة جدًا، وارتاح "مروان" لنظامها وانضباطها، كما أنها اطمأنّت أكثر بسبب كونه رجلًا خلوقًا في العمل وفي الحياة العامة.



كانت هي واقفة وأمامها عدة نساء لتعرف منهن طلباتهن،
بينما عند "مروان" كان يباشر عمله مثلها، ولكن أمامه الرجال..



خفّ الضغط عليهما وجلسا ليرتاحا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ تفاجآ بولوج سيدة في منتصف عقدها الثالث، وكان دخولها يشبه هبوب رياح أمشير علينا..



انفزعا من نبرتها المنهارة والعالية، فتوجهت إليها "فريدة" لتفهم ماذا تريد وما بها، متفوهةً بقلقٍ:



_مالك بس يا مدام؟ في إيه؟؟



تفوهت السيدة بنبرة هادئة حاولت السيطرة عليها، ولكن كان يبدوا عليها الغضب من شيء وليس القلق، وهذا ما أثار ريبتهما أكثر.
ولكنها قطعت الشك باليقين عندما قالت بنبرة محايدة :




        
          
                
_عايزة بس تراجعوا الكاميرات علشان في واحد سرق مني شنطتي إمبارح وكنت معدية من هنا، هو مكنش لابس حاجة على وشه بس أنا ملحقتش المحه.



امتثل "مروان" لطلبها، وبالفعل فتح سجل كاميرا المراقبة، وطلب منها إخباره بالوقت الذي تم فيه تلك الحادثة، وأخبرته بالفعل، وتوصل إلى نفس التوقيت الذي حدثت فيه الواقعة.
 لكنه وجد في المقطع المسجل رجلًا ممسكًا بيد امرأة، ومقتربين من بعضهما كثيرًا.



حينها صاحت السيدة قائلةً بشرٍ:



_استنى..



التفت لها "مروان" قائلًا باستغرابٍ ممتزج بالقلق :



_هو ده الحرامي؟؟



ابتسمت السيدة بسخرية وعادت تسترسل حديثها، ونظراتها لا تنم على الخير أبدًا:



_لأ حرامي إيه؟ ده البيه جوزي وماسك إيد الهانم!!



توسعت عينا "فريدة" عندما أدركت حيلتها، ودب الرعب في قلب "مروان" من ذكاء وخبث تلك السيدة.
وخرجت تلك المجنونة من الصيدلية بملامح شيطانية، ولم تشكرهما حتى..



ابتلع "مروان" لعابه بقلق، بينما التفتت له "فريدة" نابسةً بملامح شريرة بطريقةٍ درامية:



_لا تخافوا، ولكن احذروا..



وجه "مروان" نظره إليها، وسرعان ما وقعا في الضحك بقوة من ذلك الموقف، وقبل حتى أن يتوقفا لمح هو طفلًا من أطفال المنطقة يركض نحوه، ودلف الصيدلية يقول له بقلقٍ وصياح وكأنه بومة إرسال حساسة وقلقة:




        
          
                
_يا "مروان"!! "تيام" راجل كُبّارة كده زقه على السلم ودماغه اتفتحت!!
"تيام" دماغه اتفتحت!!



وخرج يصيح بتلك الجملة كالمجنون، فحين ارتعب هو وترك الصيدلية بما فيها، خرج يركض ليرى ما حدث، بينما هي ركضت وراءه دون حتى أن تغلق الصيدلية للحفاظ عليها من عمليات السرقة..



__________________



سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها فخرجت من الشرفة ولحسن الحظ لم تكن تدخن_على غير العادة_ واتجهت تفتح باب الغرفة نظرًا أن لا يوجد غيرها في الغرفة و "فريدة" منغمسة في عملها الجديد.



فتحت باب الغرفة فاصطدمت بـ"آدم" الذي نظر لها نظرة حانية، وسرعان ما سقط قناع جمودها وحدتها، وابتسمت بحبٍّ له، وارتمت بأحضانه تتفوه باشتياق:



_وحشتيني أوي يا "آدم".
حرام عليك، ده أنا مبقتش أشوفك خالص!!



احتواها هو الآخر بعدما أغلق الباب، وأخذ يربت على شعرها هامسًا بحنو خاص لا يظهر إلا لها:



_وإنتِ كمان وحشتيني يا حبيبة "آدم".
إنتِ اللي بتصحي الصبح تنزلي وبترجعي تنامي قبل ما أنا آجي.
أعمل إيه أنا بقى؟؟



اختتم حديثه وهو يرمقها بعتاب، فهي أصبحت في الآونة الأخيرة مبتعدة عنه.
ابتلعت ذلك العتاب بمرارة، تكون إثره طبقة شفافة من الدموع.
لمحها هو وشعر بالضيق من تسببه في دموعها تلك، ولكنه أردف بمرحٍ مبتعدًا عن ذلك الحوار :




        
          
                
_تعالي بقى كده علشان عايزك في حوار..



انتشلها هو من تفكيرها بحديثه، ثم تحركت معاه ليجلسا في الشرفة.
وتحدث وهو يتجه نحو الشرفة بحماس :



_أنا عايز أعمل surprise لـ"ندى"، حاسس إن الفترة الأخيرة دي ادتني وش وبقت كويـ..



استنكرت هي من توقف حديثه فجأةً وأكملت هي باستغرابٍ:



_أنت عطلت كده ليه؟ مالك؟؟



كان يعطيها ظهره، فالتفت لها وهو يمسك في يده علبة ممتلئة بلفافات التبغ.
الآن تلعن غباءها فقد نسيت أن تخبئها وتركتها على حافة الأريكة الموضوعة بجانب الشرفة.



أخذ يحدق بها في صمتٍ مريب، وتفوه بهدوءٍ يسبق العاصفة:



_هي السجاير دي بتعمل إيه هنا؟؟



توترت بشدة، فهي لم تكن مستعدة أبدًا للمواجهة، ولكن قطع تفكيرها اقتراب "آدم" منها، الذي تفوه بنبرةٍ ممتزجة بالخذلان وعدم التصديق:



_بالله عليكي لتقوليلي إن هي مش بتاعتك، هي أكيد مش بتاعتك يا "لميس" صح؟؟



قال كلمته الأخيرة ونظر إليها يتفحص ملامحها، ولكن خاب ظنه عندما وجدها انهارت في البكاء ووقعت على الأرض تبكي بحرقة ممتزجة بالمرارة..



دوى صراخ عالٍ من أثر ذلك الارتطام، الذي كان وللحق، صدمة بالنسبةِ لهم....



____________________
 
  • يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية
تعليقات