رواية عودة الوصال الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم سارة ناصر
•البدايه•
•بسم الله الرحمن الرحيم •
..
«أنتَ المُغيثُ لمن سُدّت مذاهبُهُ.. أنتَ الدليلُ لمن ضلّت بهِ السُبُل»
_"الخيرة فيما يختاره الله، وما يختاره الله لنا هو خيرٌ لنا حتى لو كان عكس رغبتنا، وكل اختيارات الله صالحة حتى وإن كنا لا نفهم كل أسبابه.
فالمريض المرض خير له، والمعافى الصحة خير له، والفقير الفقر خير له، والغني الغِنى خير له؛ وكل مَن حُرِمَ من شيء فذلك لأنه خير له، فوالله؛ والله لن تجد أجمل من اختيارات الله لحياتك، كلها تنصبّ في صالحك وأنت لا تعلم، وكل الخير في تدابير الله. فقل بقلبٍ راضٍ "رضيت يا رب".. ولا تكره شيئًا اختاره الله لك، فعلى البلاء تؤجر، وعلى المرض تؤجر، وعلى الفقد تؤجر، وعلى الصبر تؤجر، فرب الخير لا يأتي إلا بالخير.!!!
إنتهت الكلمات عندما خرجت من الخطيب على المنبر في المسجد ، خطبة يوم الجمعة الذي اتي عليهم منذ ٱخر مره حدث فيها ما حدث ، أيام مرت إذن !! ، سمعت "فريده" هذه الكلمات بتعقلٍ ، والإبتسامه الصغيره المريحه تزين وجهها ، فـ يرسل الله لها أحد الرسائل مشفره!! ومن المحتمل بأن الرساله يمكن أن تكون لغيرها وليس لها فقط بهذه اللحظه !! ، كانت جالسه على سجادة الصلاه ، تحاول التقرب إليه أكثر وأكثر ، جلست هي بشقة "عايده" مع "جميله" في غرفتها ، بسبب رفضها ورفض زوجة والدها الذهاب مع "حازم" في منزله ، فتعمد هو الجلوس معهم بشقة والدته كي لا يتركهم هذه الأيام بمفردهم ..
التوبه !! أربعة أحرف بمعاني كثيره ، تحاول جاهدة بأن تعمل بها ، منذ يومين بالتحديد بدأت في سماع الڤيديوهات الدينيه التي استفادت فيها من نصائحها. ، خاصةً عندما ابتاع لها "حازم" هاتف جديد لمحاولة إرضاءها والتخفيف عنها ومساعدتها في البدء من جديد ، تسمع القرآن كل يوم قبل النوم منذ ٱخر مره ، بل وتقرأ به بين الحين والآخر، وحتي أنها حاولت إلى أن إنتظمت إلى حد ما في أداء الصلاه في وقتها !! ، محاولتها في أن تكون أفضل لم تكن منها وحدها ولولا رؤيتها لهم بجانبها لتأخرت حالتها هذه !! ، أُنثى وليست كل أُنثى ضعيفه .. تنهدت "فريده" تخرج أنفاسها بصوتٍ متقطع عميق عندما سمعت صوت الخطيب يعلو مره ثانيه بقوله الذي تخلل مسامعها بقوه :
_" شوف..مهما كان حظك قليل في أي أمر من أمور الدنيا
خليك راضي .. سيدنا عمر قال: ستمضي أقداركَ على كل حال، فاجعلها تمضي وأنتَ راضٍ عنها، فَلَرُبما ثوابُ رضاكَ يُرضيك يا بن ٱدم .."
تنهدت براحه كُبرىٰ ، رغم جهلها لأمور كثيره لكنها تقتنع إقتناع تام بأن الله يرسل لها رسائل تطمئنها وأن هذه الكلمات ليست كذلك ، بل خصصت لها لتهدأ قلبها ، نهضت تقف ببطئ ، ثم وضعت القرآن على مكتب "جميله" ، حتى إعتدلت.. لم تكن "جميله" موجوده بالغرفه في كل ذلك ، وتعلم هي بأن "حازم" ذهب للصلاه ومن المفترض بأن معه بالتأكيد"غسان"و"بسام "و"حامد "و"بدر "..، إنتفضت بحركه بطيئه عندما تخلل إلى مسامعها صوت شهقات خافته سمعتها هي رغم قرب الشرفه من الغرفه التي تجلس بها ، توجهت لتخرج من الغرفه بخطواتٍ هادئه حتى خرجت ووجدتها تقف بظهرها في الشرفه ، ومن سواها صاحبة الشهقات الممزقه التي تسمعها هي في الليل ،كما تسمع بكاءها الضعيف المعلن بقلة حيلتها وعجزها عن نسيانه !! نسيان "عز الرجال !!" وكيف يُنسى وهو عز بل وعز الرجال كما يُقال !!
إنتفضت بفزعٍ عندما وجدت من تضع يديها علي كتفها من الخلف ، وسرعان ما إعتدلت ترفع أناملها تمسح دموعها المنهمره ، ثم التفتت "جميله" برأسها تنظر لمن جاءت تقف بجانبها ، ولم تجد منها سوى سؤال واحد تلقائي خرج على فجأه بكل ترقبٍ منها :
_" مكنتيش عارفه إنه غالي على قلبك أوي كده صح ، بتحبيه؟؟"
سؤال معلوم له إجابه معروفه حتمياً !! ، وجدت أن لا مفر من نظراتها العميقه ، فهزت رأسها إيجاباً. دون أن تتحدث ، حركت "فريده" رأسها بأسى ثم بدأت في الإسترسال بالحديث مجدداً تعلن لها قلة حيلتها هى الٱخرى :
_"أنا مش عايزه أقول حاسه بيكي ، عارفه ليه ؟..عشان أنا مش عاوزه أشبهني بيكي ، رغم إني حبيت وحبيته بجد مع إن مدانيش أي إحتواء ،بس كنت بدور علي مكان وحضن تاني ملقتوش هنا ! ، معرفش عز ده بس لو هو ال يتعيط عليه كل يوم بليل بالوجع ده فـ هو يستاهلك ، عشان إنتِ جميله بجد مش مجرد إسم وخلاص ، أنا بحاول علشانك .. وحاولت مع حازم كام مره أفاتحه فموضوعك مع عز بس كل مره كان بيصدني ، صدقيني مش فارق معايا إنه أخو شريف رغم إني مرعوبه ومعتش عندي ثقه فحد من طرفه بس حاسه إن إنتِ تستاهلي ..تستاهلي حد كويس الواحد يتوجع على فراقه زيك كده ، وطالما موجوعه يبقي هو يستاهلك !! ، أوعدك إني هحاول تاني مع حازم علشانك وهحاول أفهمه إني مش عندي مشاكل كونه أخو شريف أنا بحاول أنسى كل اللي فات وأبدأ من جديد وكده كده اللي حصل حصل مش هيتغير فيه حاجه !!!"
أعلنت لها قلة حيلتها مع إصرارها بأن تقف معها بنفس ذات الوقت، تأثرت"جميله " من حديثها بقوه حتى أنها تنهدت تأخذ أنفاسها ببطئ ثم إبتلعت ريقها تبوح لها بما تشعره :
_" بحاول أنساه يا فريده ومش عارفه ، بدور زي المجنونه على حاجه وحشه عملها معايا عشان أكرهه وأبطل أفكر فيه ، لكن بردو مشوفتش منه غير كل خير ،. عز علاقتي بيه مكنتش طويله بس فالفتره القصيره دي غيرني ، غيرني للأحسن، حسيت إني عايشه عشان حاجه وإن في حد نظرته ليا مختلفه ، حبني عشان أنا كده ، حبني وفخور بيا من غير ما يستنى مني حاجه ، إتظلمنا أوي مع إننا ملناش ذنب فحاجه ، نظرة عينه الاخيره ليا قهرتني وكأنه بيقولي متمشيش أنا مليش ذنب ، بس بكل قسوه عملتها غصب عن عين قلبي ، هو بجد الحب مؤذي أوي كده ؟!!"
تسأل؟ ولمن ؟ لمن أُصيبت بفؤادها وطُعنت بالخيانه ،. والٱخرى خُذلت من أقرب الناس إليها ؟ إثنان لم يرا عدلاً قط !! ، حركت "فريده" رأسها بألمٍ ثم حاولت الثبات وهى تجيب عليها بما يقهر قلبها وكأن الٱخرى ضغطت على جرحها :
_" مؤذي لدرجة إنه أعمى ، وغبي ، غبي وبيخلي الواحد يحس إنه طاير وهو أصلاً. واقع فـ سابع أرضّ ، مؤذي لدرجة إنه خلاني أروح لأكتر بني ٱدم حتى معندوش ذرة فهم يعني إيه حُب ، خلاني مخدش بالي إنه أصلاً معقد ومش حابب حتى نفسه ، خلاني عاوزه أهرب حتى لو لطريق ضياعي ، الطريق اللي الحب رسمهولي مليان ورد وهو كله شوك وبس !!"
صمتت تبتلع الغصه المريره التي توجد بحلقها ثم واصلت بنفس خيبة الأمل:
_" مؤذي عشان متبت ومبيتنساش بسرعه لو كان حُب بجد يا جميله ، مؤذي أوي عشان فجأه بعد الحياه ما بتبقي رايقه كله بيقلب لوجع وتعب فالٱخر ، و القلب بيتحسر منه وبيتظلم من أذاه أوي !!"
وما أن انتهت وجدت دمعتها تفر منها دون أن تشعر ، فضمتها "جميله " إليها بوجعٍ وهي تربت على ظهرها بكلمات مواساه هادئه تربت بها على قلبها الهش وحتى قلب الٱخرى !! ، أخذا راحتهما فالحديث بالطبع بسبب خلو المكان من الٱشخاص ، فاليوم سيكون اجتماعهن بشقة "سميه" على الغداء بسبب أنه اليوم الذي سيكون قبل موعد زفاف "نيروز"و"غسان" , ! بل ولم تذهب "فريده" منذ الصباح وإنسحبت "جميله" من تجمع الفتيات قبل وقت لتختلى بنفسها قليلاً ، تعلم أنها تقصر بحق فرحتها مع ولـ "نيروز" ولكن الٱخرى تعلم وتقدر وتقف بجانبها اينما حدث!! ، إعتدلت كل واحده منهما مره أخرى وكل منهما تحث الٱخرى على الثبات والتماسك ، رفعت"جميله" أناملها تمسح وجه "فريده" ثم ابتسمت لها بتحفيزٍ مع قولها الهادئ :
_"رغم كل ده بس أنا عندي أمل قوي إن ربنا هيعدينا من اللي إحنا فيه ده ، واثقه إنه هيرضينا ويطبطب على قلوبنا ، وأدينا صابرين وربنا معانا !!"
قالت حديثها بيقينٍ. ، ثم رفعت عينيها بترددٍ تتحدث مره ٱخرى :
_" بس في حاجه لازم تفكري فيها يا فريده ، فكري تدي لمامتك فرصه تانيه ، الندم باين عليها بكل ذره ، إنتِ مش عارفه كانت بتيجي كام مره اليومين اللي فاتو دول عشان تشوفك. ، الإصرار عندها إنها تقابلك وتواجهك تاني مش بيروح حتى لو هي هتتكسر ، مشوفتيش دموعها فكل مره كنتي بتقوليلنا نقول إنك نايمه أو مش عايزه تشوفيها ، أنا مشوفتش منها حلو بس هي معاكي أُم ، أم من ساعة ما رجعتي ونفسها تاخدك فحضنها !!"
سكنت "فريده" وهى تنصت إليها بصمتٍ يكسرها ، ترقبت "جميله" رد فعلها ولكنها صمتت للحظاتٍ إلى أن أجابتها بعدها بتعبٍ :
_"حاسه إني مش قادره أتخطي اللي عملته ، رغم إني مش متذكره أي حاجه وحشه عملتها بالتحديد وعارفه إن لولاها مع بابا مكنتش هعرف أعيش من أساسه ، مش عارفه أشرح اللي جوايا من نحيتها بس أنا ..أنا حاسه إن هي وجعاني بس ظلماها بردو فنفس الوقت ..!!"
تنهيدتها المتألمه كافيه لشرح الكثير ، تحشرج نبرتها ، نظرة عينيها الضعيفه ، إشارتها المعلنه عن قلة حيلتها في الأمر ! ،كل ذلك حاولت الٱخرى بأن تفهمه وتشعر به كمثل شقيقتها ، إبتلعت "جميله " ريقها ببطئ ومن ثم خرجت بحديثها المتردد لها كي تحثها :
_" حاولي تديها فرصه ،وقبل كل ده تعطي لنفسك فرصه ، ولو عاوزه تبدأي صح من كل حاجه تبقي ترضي مامتك طالما هي ندمانه يا فريده !! ، توعديني إنك هتفكري فإنك تعملي كده فعلاً ..؟ "
خرج الحديث منها بتحفيز ، ولا تعلم الٱخرى لما هزت رأسها إيجاباً ، فابتسمت"جميله " بأملٍ ثم أمسكت ذراعها محاوله التخفيف عن نفسها قبل شقيقتها هي الٱخرى حتى دفعتها برفقٍ تزامناً مع قولها الذي خرج بحماسٍ مجهول أثار غرابة "فريده " :
_" طيب يلا نروح لنيروز بقا "
توقفت "فريده " ترفع الحجاب التب أزاحته قبل قليل ، أحكمته على ملابسها الطويله ذات لون سماوي مُريح للأعين ، ملابس مخصصه للصلاه بها ، وما أن أحكمته وعقدته جيداً إعتدلت تشير لها ولكنها توقفت تنظر لها باستغرابٍ مخجل عندما رأتها تدقق النظر بها بقوه والإبتسامه الواسعه زينت محياها ٱخيراً وهذا ما كان مريب بالنسبه للأولى !! ، إبتلعت "جميله " ريقها ثم طالعتها مجددًا بفخرٍ وهي تقول بنبره ظهر بها الزهو والسعاده بما وصلت له :
_" مش قادره أوصفلك إنتِ حلوه قد إيه فالإسدال ده ، وحتي شكلك عامل زي الملاك وإنتِ لافه الطرحه حلو ومش مبينه ولا شعره .. أنا مبسوطه عشانك وفخوره بيكِ أوي أوي !!!!"
تأثرت "فريده" تأثراً شديداً ، في حين توقفت "جميله" تعى ما قالته من لفظ كان ليس لها من الأساس "ملاك في الملابس؟! !!" وذات الرداء الأبيض !! وأجمل من ترتديه كانت هي !! كل هذه الجمل تخصه وحده ، تخص "عز الرجال !!" ، خرجت من شرودها ومداهمة الذكريات القريبه لها عندما وجدت "فريده" تندفع بأحضانها بفرحٍ ثم خرجت وإن أقسمت لها بأن كلماتها صنعت لها يومها هذا لم تصدق :
_" بجد أنا فرحانه أوي إنه حلو عليا ، عشان عارفه إنك بتقولي الصراحه!!"
_" هي صراحه فعلاً ، جميل عليكِ عشان إنتِ جميله زي أختك وكده !!"
قالتها "جميله " بكبرياءٍ كي تجعلها تضحك ، فضحكت "فريده" بخفه ثم أيدتها قائله بسرعه :
_"دي حقيقه بقا علشان إحنا شبه بعض ، والوقتي هنبقي شبه بعض أكتر ..علشان أنا لما خرجت مع حازم وحب يفرحني ويشتريلي لبس ، اختارته كله زي إستايل لبسك بالظبط!!"
قالتها ، ففهمت الٱخرى على الفور ، فظلت "جميله " في هذا اليوم جوار والدتها حيث كانت"عايده" ليست بصحه نفسيه جيده بعد الطلاق!! ولكن تأقلمت ولو ذره مع الوضع فطلاقها منه يعد إفراج من ظلم !!، توسعت بسمتها وهي تحرك رأسها بتفهمٍ ثم أشارت لها بمرحٍ مشيره لها بأصابعها :
_"كده إتنين فـ واحد رسمي !!"
تعالت ضحكاتهما بخفه على ذلك العبث حتى أن كل واحده تحركت لتخرج بالفعل من الشرفه ومن ثم من الشقه بأكملها ، سعادتهما الممزوجه بالألم دائمه إلى حدٍ معين ، لحظة رضاهم بما يحدث تجعل الآمر هين !! ، وماذا بعد الرضا؟!..الراحه.. ''.
____________________________________________
قبل وقت قليلٍ في شقة "سُميه" كان التجمع من الجميع ، حتى عائلة "حامد" وزوجته وحتى "بسام" و"وسام"، ولكن إلى الٱن مازالت الرجال بالخارج حيث الصلاه ، كما كانت "عايده" موجوده بالطبع ، كانت "نيروز" تقف بغرفة الضيوف تنظر على شكلها بعدما انتهت من تنظيمها بعيداً عن الصاله وما سيحدث بها من تجمع على الغداء ، وقفت تنظر بإعجابٍ حتى أنها رأت "ورده" تعدل شئ بسيط ، كما كانت "ياسمين", تقف بحماسٍ ، إلى أن إلتفتت تنظر بسعاده لهن وهي تقول :
_"تفتكروا هتفرح ؟"
قالتها بشئ من الحماس ، في حين أعجبت "وسام" بفرحتها هذه رغم كل ما يحدث ، هزت "نيروز" رأسها بنعمٍ ثم قالت هي الٱخرى :
_" طبعاً ، حاسه هيفرق معاها جداً ، حتى حازم كمان مش شايفه هو فرحان باللي عملناه دا قد إيه ؟؟"
_" بصراحه إنتوا حلوين أوي ، وقلوبكم نضيفه كده !!"
لم يكن القول سوى من "وسام" التي قالتها بتأثرٍ ، فربتت على كتفها "ورده" التي قالت بمرحٍ:
_" والله ما في عمتو حلوه زيك كده ، ولا ايه يا مرات أخوها !!"
قالتها وهي تنظر إلى "نيروز" التي رفعت ذراعيها تحتضن "وسام" بحبٍ تزامناً مع قولها المرح :
_" أخت الغالي وأخت جوزي ، أكيد يعني حلوه اوي !!"
دخل من خلفها "غسان" سريعاً الذي تنحنح بنحنجرته ، وبالأساس قد دق جرس المنزل قبل دقيقتان هو والشباب ووالده !! ، تعالت ضحكته وهو يدخل من خلفها حتى رفع ذراعيه عليهما الإثنان أمام الأنظار دون حرج تزامناً مع قوله المشاكس لها :
_" ده إنا حلو وبيتقال عليا كلام فالحب أهو ، أومال منشفاها عليا ليه يا مفتريه !!"
تعالت ضحكات "ياسمين" التي تحركت بجانبها "ورده" لتقف ، ومن ثم دخل "حازم" مع "بسام" و"حامد" ، تحركت "نيروز" لتقف بجانب "غسان" الذي أسند ذراعه على كتفيها كالعاده في حين نظر بإعجابٍ على ما يراه ثم عزز من نفسه قائلاً :
_" والله غسان حلو وبيعمل كل الحلو ، ولا أيه يا جوز خالة العيال ؟!!"
قالها وهو يرفع ذراعه يشير لـ "حازم" الذي ضحك بخفه وهو يحرك رأسه بنعمٍ ومن ثم سعاده بالغه في نبرته خرجت عندما قال :
_" الصراحه يا جماعه مكنتش متوقع إنكم هترحبوا أوي بالفكره لإني كنت عاوز أعملها فـ شقتنا ، بس لاقيت ياسمين ونيروز. مصممين نتجمع ونعملهولها هنا ونفرحها وانا مبسوط اوي بكده ومش عارف أقولكم إيه !!"
نظر له الجميع بحبٍ في حين تحدث "بسام " أولاً وهو يقول:
_" متقولش كده يا عم حازم إنت أخونا وأختك أختنا وبعدين إحنا كلنا عيله مع بعض مفيش بينا الكلام ده !!"
_" عال يا حبيب أخوك !"
قالها "غسان", كتأيد لحديثه هو الٱخر ، فتحدث "حامد " وهو يرفع يديه يربت على كتفه بحنوٍ :
_" عيب يا حازم الكلام ده ، أنا أبوكم هنا ونفسي أشوفكم فأحسن حال دايماً !!"
احتضنه "بدر" بعاطفة إخوه دون أن يردف حديث ، فتحركت أنظار الجميع نحو "يامن " الذي حمله "غسان" بمرحٍ وهو يرفعه لأعلى بذراعيه فتعالت ضحكاته الطفوليه العاليه التي جعلت كل منهم يضحك عليه بسعاده ، إلى أن دق جرس الشقه ، فأشارت"ياسمين", سريعاً لهم بأن يخرجوا كي لا تحرق المفاجأه ، فرت "ورده" للخارج ومعها زوجها وحتى "ياسمين " و"حازم " و"حامد " و"بسام " ومن ثم "وسام " الذي أشار لها "غسان" بأنه سيلاحقهم على الفور ، كادت أن تتحرك "نيروز" لتخرج فقاطعها "غسان" بعبثه وهو يحمل الصغير ، ثم غمز لها بجرأه محركاً أنظاره من أعلاها لأسفلها تزامناً مع قوله الجرئ لها:
_" بردو لابسه الإسود وأنا لسه حي !! "
خرجت ضحكتها الخافته بخجلٍ منه ومن إقترابه منها ، فإنحنى هو يهمس بهدوءٍ عكس طبيعة كلماته :
_" ما تيجي !!"
حركت "نيروز" رأسها بقلة حيله وهي تبتسم ثم قالت بيأسٍ منه :
_" إنت فاضي والله ، عدينا خلينا نطلعلهم !!"
نفى "غسان" برأسه ثم إعتدل بتحدى قائلاً بوقاحة:
_" أنا عايز بوسه !!"
قال طلبه بجديه شديده ، وحتى أنه أول مره يطلبها منها بهذه الطريقه ، تفاجأت من قوله ولكن لم تتفاجئ من وقاحته المعهوده ، حاولت أن تتخطاه ولكنه قاطع سيرها مره أخرى مردداً بتحدى ضاحك :
_" بترجعيني مراهق تاني ، بس ماشي ..!!"
إقترب منها عقب قوله حتى أنه إنحنى ليقبلها ولكن كانت قبلة "يامن" من قبله هي المطبوعه علي خدها ، تفاجأ "غسان" من فعلته حتى أنه حرك رأسه ينظر له بفخرٍ ثم قال بضيقٍ زائف :
_"هو عال وكل حاجه بس أنا الأول ، أنا الأول يحبيب عمك والله!!"
قهقهت "نيروز" من طريقته في قول الحديث حتى أنها رأته يهبط "يامن" من على ذراعيه أرضاً فسار ليخرج من الغرفه ، ووقف هو يعتدل ثم غمز لها مجدداً يسألها :
_" ها كنا بنقول إيه ؟"
حدجته "نيروز" بغيظٍ ثم وكزته بكتفه قائله بمراوغه تبعده عن الحديث:
_" كنا بنقول تطلع نقعد معاهم ، وتبطل قلة ادب!!"
ضحك فنظرت هي علي ملامحه الرجوليه وحتى ضحكته التي تفضلها، حرك عينيه الشغوفة بحبها ثم اقترب ببطئ عندما وضعها تحت تأثير نظراته العاشقه، قبلها بجانب فمها برقه على اللاصق الصغير الفضي الموجود من أثر تعليقها لزينة ما في المكان ، توترت من فعلته حتى تحركت بخفوتٍ ، فدار هو ذراعه حول خصرها وهو يبتسم بهدوءٍ ثم خرج منه حديثه بصدقٍ حينما قال بشغفٍ :
_" مش مصدق إننا بكره هنبقى فـ بيت واحد..يا بنت الأكرمي!!"
ترتبك من الفكره نفسها لطالما تهاب القادم ، هي التي تتعمد نسيان ذلك رغم فرحتها ولكنه حاصرها ، توسعت بسمتها الرقيقه له ثم رفعت عينيها تطالع عينيه الشغوفة بها ثم قالت هي الأخرى بنبره صادقه :
_", ولا أنا يا غسان..ربنا يعديها علي خير !! "
إعتدل وهو يقف ولم يحرك نظراته من عليها ، رفع يده يرجع خصلاته إلى الخلف بغير إهتمامٍ ثم خرج الإهتمام في نبرته وهو ببتسم لها قائلاً :
_"إن شاء الله هيعديها على خير ، وهتبقى عال وهنجيب عيال ، ده أنا مش مصدق نفسي إن الشقه خلصت فالكام يوم اللي فاتو دول ، لسه هطلع هدومي وتبقي كده خلصت ..ونبدأ الطريق الأصلي من الأول يا رزّه !"
نظرت له "نيروز" ضاحكه ثم رفعت يديها بمرحٍ تتحدث رغم تأثرها بعمق حديثه :
_" إبقا شوف بقا هتحطها فين أنا جبت لبس تاني إمبارح وطلعت حطيته فالدولاب ومعتش مكان ، ..سكة السلامة يا بن البدري !!"
قالت حديثها له بإستفزازٍ ثم تخطته سريعاً قبل أن يقاطع سيرها ، نظر على أثرها بضحكٍ ثم مد يديه يغلق الضوء قبل أن يخرج هو الٱخر بعد شروده في النقطة المعروفه في أمر أي عروسين ، تأخذ هي الركن الأكثر مساحه ؟؟ وهو ؟؟ ..، خرج باتجاه الصاله لهم جميعاً فوجد البعض يجلس على سفرة الطعام الطويله والبعض الٱخر يجلب الأطباق من المطبخ ، توجه هو ليساعد البعض الٱخر في حين جلس "حامد" بجانب "بدر" الشارد منذ ٱخر مره حدث بها ما حدث لـ "ٱدم" ، رفع يديه يربت على ساقه بحنوٍ ثم قال على مره واحده له دون مقدمات وبصوته الهادئ الذي وصل له هو و"بسام" الذي جلس بجانبه فقط :
_" لما بنسيبها لله بتفرج با بدر ، بتفرج والله!!"
تنهد "بدر" يخرج أنفاسه بثقة من حديثه ثم هز رأسه له إيجاباً يؤكد ما يقوله الٱخر ، ثم حرك رأسه هو والجميع ناحية ٱخر من جاءوا من المطبخ ، جلست النساء ، حتى توجهت "ورده" تجلس بجانب "بدر" و"ياسمين" بجانب "حازم" الذي جلس بجانبه "جميله" و"فريده" ، جلست "نيروز" بجانب "سميه" ومن جانبها جلس "غسان" الذي جلس بجانبه شقيقته "وسام".. ومن ثم "دلال" التي إبتسمت بفرحه وهي تنظر لهم جميعاً قائله بنبرتها السعيده:
_"متجمعين دايماً فالفرح كده يارب وعقبالكم يا حبايبي !!"
توجهت بنظراتها في ٱخر حديثها ناحية "بسام"و"وسام"و"جميله"و"فريده"
إبتسم لها الجميع على حديثها ، في حين بدأ كل منهم الطعام بحديثه الجانبي ، خاصةً "نيروز" التي نظرت نحوه فوجدته يغمز لها بعبثٍ ، لاحظ "حامد" فعلته هذه حتى حاصره بقوله المرتفع أمام الجميع :
_'' ما تهدى يا خويا ، هتبقي فـ بيتك ومعاك من بكره إن شاء الله!!"
ضحك الجميع عليه بخفه في حين أكملت "سميه" له بهدوءٍ من بين ابتسامتها:
_"أنا بعطيك حد غالي عليا يا غسان ، بعطيك نيروز اللي أنا بقولك إنها أمانه فـ رقبتك ..خلي بالك منها وأوعى تزعلها !!"
تأثرت"نيروزّ " من حديثها ، بينما هز "غسان " رأسه بحركه خافته وقبل أن يتحدث ، تحدثت "دلال" سريعاً بسعاده :
_"متقلقيش يا سُميه ..غسان ابني وقد الأمانه وهيخلي باله منها ، معندناش أغلى من نيروز اللي زيها زي وسام بالظبط !!"
ابتسمت لها "نيروز" بإمتنانٍ فخرج صوت "حامد " هو الٱخر يحدثهم بمرحٍ :
_" وعلى ايه ده كله ..لو جه جنبها وزعلها سيبهولي أنا .هعرفه !!"
قهقهت النساء وضحك الشباب على تهديده ، فوجد هو "غسان" يتحدث بإستنكارٍ من بين ضحكاته :
_" هتعمل إيه يعني يحج ؟"
_" هاخدها منك وهعقد أحضنها وأبوس فيها !!"
قالها "حامد " ببساطه ، فضحك الكل مره أخرى ،. حتى"نيروز" التي خجلت ومن ثم ضحكت بخفوتٍ هى الٱخرى تركهم يجيبون على حديث والده بمرحٍ أما هو فنظر إليها ثم همس بقوله الثابت الذي جعل ضحكاتها تتعالى :
_" عاوز يبوس ، ويامن عاوز يبوس وكله سايق فيها!!"
ضحكت "نيروز" عليه وعلى حديثه رغم إحمرار خديها ورغم ذلك لم يفوت هو الفرصه بل نظر إلى خجلها ثم همس مره أخرى وهو يقترب من أذنها بحركه خافته قائلاً بمراوغه :
_" يحلاوة القلب لما يدق يدق والله !!"
ضحكت بخفوتْ وللحق كانت دقات قلبها تتسارع بسبب حديثه وحتى قربه وحتى توتراً لكل خطوه جديده ستبدأها وتبدأها بالفعل ، ضغطت على فكها بحذرٍ ثم همست هى الٱخرى من بين إنشغال الجميع ، حتى قالت بتحذير وهي تحرك الملعقه بتهديد :
_" لِم نفسك يا بن البدري !!"
______________________________________________
يعلم أن اليوم وما قبله وما قبل قبله من أيامٍ لم تكن هينه عليه ، وحتى لم تكن سهله ، يداهمه التفكير بها ، لا يستطيع بأن ينساها ، غُلب وهُزم من قلبه وعقله !! الاثنان معاً ماذا بقى له ؟! ، يدعو الله مع بكائه في صلاته بأن يهون عليه ويهدأ قلبه الذي تخلله التعب من أمور الحياه الصعبه عليه ، لا يعلم كيف قاطع شقيقته بالحديث في كل هذا الوقت وحتى والدته تقلل من الحديث معها أيضاً .."فرح" حبيسة غرفتها منذ أخر الأحداث يتعمد هو في كل مره بأن لا يراها ولا يتحدث معها ، إعتدل "عز" في جلسته ببطئ عندما وجد أحداهما تدق الغرفه ، كان يتوقعها والدته ولكن عندما أذن لها بالدخول وجدها "فرح" الذي يتعمد هو في كل مره الصد لها والصمت وحتى الهروب من مقابلتها !! ، تصنع أنه لم يرَ شئ ، أما هى فوقفت للحظاتٍ ثم دخلت بتردد تقف من أمامه بمظهرها الذي يتغير نسبياً بسبب حالتها النفسيه السيئه ، وجدت نفسها ووجدت صوتها الضعيف يخرج له بتساؤل مترقبٍ موجع:
_" عامل ايه يا عز؟!"
صمت ولم يجيب صمت يكسره قبل أن يقهرها هى !! هي التي وصفت بأضعف ضعيفه !! ، إبتلعت ريقها بصعوبه ثم خرجت نبرتها المتحشرجه تتوسله من جديد :
_" رد عليا يا عز علشان خاطري ، سامحني لو بتحبني ، إنت بقالك كتير مبتكلمنيش ولا حتى بترد عليا ، سمعني صوتك ولومني من تاني ، إضربني وموتني بس متبعدش عني كده !!!"
تتوسله مع البكاء الذي يعلن ضعفها بعد الخطأ التي إرتكبته بحقه ، رفع "عز" أنظاره إليها ، تقسم هي بهذه اللحظه بأن نظراته تكفي لكسرته التي وجدت بداخله وكانت هي أحد أسبابها ، حرك رأسه بخيبةٍ كبرى ثم قرر بأن يخرج بصوته لأول مره بعد ٱخر مواجهه بينهما :
_" وخاطري ؟! ..خاطري يا فرح اللي دوستي عليه و معملتلهوش إعتبار ؟؟ "
يلومها مره أخرى ، متخلياً عن كبريائه في كل ما يحدث له ، هبطتت دموعها بكثره ثم نفت برأسها تعيد على مسامعه ما قالته له مجدداً :
_" سامحني يا عز وحياة أغلى حاجه عندك ، والله العظيم خوفت ومكنش أعرف أن كل ده هيحصل صدقني!!"
وقف ببطئ حتى تقابلت نظراته الخائبه مع نظراتها الضعيفه ، إعتدل بوقفته ثم أردف من جديده بنبره شديدة الهدوء مهزوه أتت من عزم ما يحدث بداخله :
_" المصيبه إني مش عارف ، مش عارف أسامحك وأعديلك القرف اللي عملتيه ده ! ، المصيبه إن نفسي أخد حقي منك ومش عارف بردو ، نفسي أعمل حاجات كتيره لو مكنتيش أختي مكنتش أترددت لحظه أعملها ، إنتِ غبيه ، غبيه يا فرح وضيعتي مني حاجات كتير بكل قسوه ، اولهم شغفي وطاقتي اللي كنت كل يوم بنزل بيهم عشان أشتغلك وأتعب عشان تعيشي كويسه ومش محتاجه حاجه .. طلعتي محتاجه أهم حاجه .. محتاجه عقل وقلب !!"
قد يكون حديثاً عادياً على غيرها ولكن أتى عليها بكل قسوه ، هي التي عاشت تدعمه وترفع من شأنه ثم فعلت عكس كل ذلك، سيثور ؟؟ سيفعلها ؟؟ ووالدته الواقفه من خلفهما. أتت؟؟ ، رفع يديه يصرخ بها بصوتٍ مرتفع أتى من طاقته التي نفذت :
_" إطلـــعــي بـــرا "
انتفضت على أثر صوته المفاجئ المرتفع ، لم يرفع صوته من قبل ذلك عليها ، تفهمت والدته حالته ، ولكنها فزعت من صراخه هي الأخرى ، سمعته يهتف مره أخرى بقهرٍ وهو يشير لها مجدداً :
_" بــرا ..وسيبي خدامك فـ حاله بقا !!!"
قلل من شأنه في هذه اللحظه رغم عزة نفسه طوال حياته !! ، الظاهر عكس الباطن إذن وشعوره بأنه قليل يلح عليه وبقوه حتى أنه لم يكشفه لاحدٍ سواها من قبل !! ، لم تتحرك من مكانها رغم أمره بنبرته ولهجته وحتى صراخه ، لا يعلم بأن فعلته ستجعلها تفعل شئ جنوني تصبر عليه هي وحالها المريب بشخصيتها الضعيفه !! الغير متزنه لبعض الأوقات !! ، وقفت ساكنه ودموعها فقط تتحدث ، إنتظر أن تتحرك هي ولكنها لم تفعل ، رفع يديه يدفع الكوب الزجاجي الموضوع على الطاوله حتى تهشم أرضاً من أثر دفعه ، وصل لأوج إنفعاله بوجعه ليس بأعصابه من الأساس. شهقت "حنان" بقوه ، وهي تتوجه للداخل تمسكه من كتفيه لتهدأه في حين إنفزعت "فرح" بغير تصديق من حالته وهي تسمعه يصرخ مره أخرى عقب فعلته :
_"قولتلــك إطلعي برا وسيببني !!"
تحركت أخيراً بهلعٍ من نبرته ومن حركاته ومن انفعاله الغير معهود بالنسبه إليها !! ركضت بسرعه بخوفٍ حتى صفعت باب غرفتها خلفها من عزم خوفها هذا !! ، أما هو فنفض أيدي "حنان" عنه مع قوله المعارض المرتفع هو الٱخر :
_"سـيبـوني فـ حالي .سيبوني بقا وخلو الدنيا تسيبني ..أنا تعبت ..تعبت واللهِ..!!"
حديث ممزق مره أخرى موجع ، وصل وجعه لها وهي تبتعد عنه كي لا يدفعها وهو في حالته هذه ، وقفت بذهولٍ تنظر إليه وهو يتنفس بصوته العالي ثم سكن تدريجياً ودموعه من تحدثت . وخرجت منه الشهقه التي مزقت قلبها وهي واقفه توجهت له ولم تخافه ولم تهابه لطالما ولدها أكثر من تحبه في هذه الحياه ، ضمته إلى صدرها بتعبٍ وهي تحرك شفتيها بألمٍ مردده بلهفه كبري :
_" بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله عليك يا بني ، بسم الله علي قلبك يا ضنايا !!"
بكت بعجزٍ ومن قلة حيلتها ، شعور العجز وقلة الحيله أصعب ما يمكن شعوره ..واقفه لا يوجد بيديها فعل شئ سوى أن تضمه إلى صدره ، خرجت شهقته الخافته مره أخرى بحنجره خشنه لا تتوافق حتى ما بكائه المنكسر !! ، حتى خرج منه حديثه بكسره قبل أن يخرج من بين ذراعيها :
_" سيبيني ، أخرجي وسيبني مع نفسي !!"
طلبه منها كان بكل أمل وترجي بأن تتركه ، هزت رأسها إيجاباً وهي تمسح وجهها ثم إلتفتت دون إرداف حديث كي تخرج وتتركه ، ارتمي على الأريكه المريحه بضعفٍ وهو يغمض عينيه ، يتأكد بهذه اللحظه أن كل ما يحدث له وما يشعره لم يأتِ من علاقته المفصوله بـ "جميله", فقط بل أتى ذلك من كل ما حدث له منذ نعومة أظافره وكأن فراقهما هو الشئ الوحيد والٱخير الذي أتى بنهاية طاقة تحمله !!
«وبعيش بالغصب حياة واحد..
مكنش فـ نفسي أكون هو ..»
وكأن الكلمات كُتبت له هو وحده ولقصته ..بل ولقصصه وليست قصه واحده موجعه !! ..كان الوجع معه في كل قصه وبكل مرحله !!
__________________________________________
إنتهت بعد مرور الوقت بنهوض كل منهم من على مائدة الطعام ، أخد البعض يساعد من حمل الصحون توجيهاً إلى المطبخ إلى أن انتهوا بالفعل من حملها وتنظيف المكان من بعدهم ، ولكن تركت النساء الصحون دون غسلها بسبب ما سيُفعل من كشف مُفاجأه ، جلس "حامد" بجانب "بدر" و"بسام" الذين كانو يتحدثون مع بعضهم بينما وقفت "سميه" بجانب بقية النساء ، نظرت "فريده" بغرابه على حديث الفتيات الجانبي ، في حين نهض "حازم" يبتسم بإتساعٍ وهو يقف أمامها ثم رفع أنظاره من أعلاها لأسفلها قائلاً لها بصوته الهادئ :
_" شكلك حلو أوي كده إزاي يا فريده !!"
قالها وهو يقف بجانبها ، نظرت له بتأثرٍ ، بينما تحركت"نيروز" من جانب "غسان" حتى أشارت لـ "ياسمين" لتبدأ بقولها البادئ للخطه :
_" بقولك إيه يا فريده ، ممكن تدخلي تجيبلي شنطة علاج كده بيضا فـ اوضة الصالون ؟"
ورغم غرابة الطلب منها بسبب وجود الجميع ، ولكن هزت "فريده" رأسها بالإيجاب ثم بدأت بالتحرك ، إلى أن توجهت لتفتح باب الغرفه ثم مدت يديها لتفتح الضوء ، إنسحب خلفها الجميع ، من الفتيات والنساء والشباب ، وما أن دخلت بقدميها تفتح النور ، رفعت أنظارها في المكان بذهولٍ من ما رأته ، المكان مزبن بطريقه جذابه بل ووقفت للحظاتٍ تستوعب .. ما تراه أمامها !!
مُعلق بحروف كبيره فضية اللون "Happy birthday Fareda" وبعض من الصور لها معلقه وهي صغيره صور بحثت عنها "عايده" مع "حازم" و"جميله" لديها بأعجوبه ، لم تحتفظ بالأساس بها لكنها بحثت إلى أن وجدت منها على الأقل ثلاث صور ، طبعهم "حازم" مع "غسان" بحجم أكبر حتى علقوها ، لاحظت كتابة بعض الجُمل التي لاحظتها مكتوبه بالخط عند تحرك الصور المعلقه بحبال من الأعلىٰ ، توجهت لتقف حتى أمسكت الصوره الأولى تنظر إلى ظهرها وما مدون بها بخط كل من كتب لها وأول الكلمات والرسائل كانت :
[ كُل سنه وإنتِ طيبه يا فريده .. لو قولتلك إنتِ غاليه عليا قد إيه عمرك ما هتعرفي ، بتمنالك سنه جديده غير كل اللي راح منك ، سنه بدايتها تكون صح وصالحه ليكي ، عايزك تعرفي إني دايماً جنبك وعمري فـ حياتي ما هتخلى عنك..عشان إنتِ بالحرف كده.."بنت أخوكـي" ، وأقولك على سر بقا ؟ إنتِ بنتي الأولى قبل اللي فبطن ياسمين الهبله ..كلام فـ سرك ده ..
-"أخوكي وسندك طول العمر "حازم " " ]
أدمعت عينيها بتأثرٍ شديد حتى هبطت دمعتها بسعاده ومشاعر مختلطه عديده وهي تقرأ الرساله الثانيه المدونه أسفل رسالته :
[هُم قالولي أكتبلك..بس الكلام مش هيوصف حبي ليكِي، مش عارفه أقولك حاجه غير إنك بنتي ، بنتي ومش مجرد كلمه وبس ..لا إنتِ فعلاً بالنسبالي توأم جميله بنتي في الحب والمعزه ..ربنا يسعدك يا حبيبتي ويفرحك ويجعلك دايماً مجبورة الخاطر !! ، كل سنه وإنتِ فحضننا وعمرك ما تخرجي منه بعد الوقتي
-أُمك بالرقم اللي تحبيه ، عارفه إني الأم رقم ٢ بس شايفاكي بنتي رقم واحد مع جميله..
" عايده" ]
كيف توفيهم حقهم فالحب؟ عجزت عن التعبير بل أكملت بكل حماس رغم بكاءها المتأثر وهي تقرأ الرساله الثالثه :
[ بتمنالك سنه سعيده ، سنه تلاقي فيها العوض ، صحيح جوزت أهو ٣ بنات بس كنت فاكره إني كده هخلص إفتكرت إني لسه عندي بنتين إنتِ وجميله ، كنت عارفه إنك فالٱخر كل اللي كنتي فيه ده مكنش منك رغم خوفي على بناتي منك بس يعلم ربنا إن احساسي إتجاهك كان الحب والتعاطف والأمنيه اللي كنت بقولها ربنا يفوقك من اللي إنتِ فيه ويهديكِ ، وإتحققت وبتتحقق ، بحبك يا "بنتي" ، عايده قالت إنها أمك بس متعرفش هي رقم كام بس أنا بقولك إني بردو أمك وأم اخواتك والحقيقة ميفرقش معايا أرقام طالما إنتِ بنتي خلاص يا فريده
-أُم الخمسة فتيات "سُميه" ]
تشعر بأن مكانتها الٱن عاليه بل وتحلق من كثرة سعادتها بكل هذا الإهتمام ، تحركت عينيها. نحو الصوره الآخري المعلقه حتى أنها إبتلعت ريقها بتشتت مرتبك من التأثر وهي تديرها لتقرأ كما قرأت في السابقه ..
[ الرساله رقم أربعة ، أُجيد اللغه العاميه ولكنى لا أفضل التحدث بها عندما أكتب كلمات متأثره ..لذا سأكتب لكِ باللغه الٱم.. وسأكون أنا الٱخت !!
يشهد الله على أن قلبى لم يظل به كره أو بغض اتجاهك ، ويشهد أنني أصبحت أحبك وأن مكانتكِ تغيرت بوقت قصير ، أتمنى لكِ حياة سعيده ، مليئه بالراحه ، أتمنى لكِ بأن يهدأ قلبك وأن تصبحي بخير دائم وعلى مايرام إلى الأبد ، رغم ضعف إحتمال دوام الخير إلى الأبد ولكنها أمنيه وتخرج لأعزهم أقصد لمن أصبحت أعزهم على قلبي بعد الٱن.
المُتمنيه بأن تصبح رفيقة أيامك في القادم والحاضر "نيروزّ الٱكرميّ" ]
كما تعشق التحدث باللغه العربيه الفصحي ومن سواها "نيروز" !! ، تنهدت بفرحه وهي تحرك انظارها للأسفل حتى وجدت الرساله رقم خمسة لها :
[ كل سنه وإنتِ جميله يا فريده ، الجمال اللي يخلي الواحد يحب يبص لوشك وياسلام لو مبسوطه ومبتسمه ، مسامحاكِ على كل اللي حصل فيا زمان ، ونفسي تكوني دايماّ قويه وكويسه ، وإعرفي إن جبر ربنا جاي وإن عمره ما بيظلم حد أبداً
- أختك "ورده" اللي بتهديلك كل الورود اللي في المكان..أنا اللي منظماها دي على فكره .أنا وبدر اللي بردو قالي صراحةً إنه مش شايل من نحيتك بسبب اللي حصل واللي كان بيتقال زمان ، إحنا دلوقتي فدلوقتي وبس يا فريده . بحبك.]
أكثر من ظلمتها وقبل "نيروز", كانت "ورده" التي كانت تعايرها بخصوص موضوع حملها ورحمها ، تعجبت من قدرتها على المسامحه وتيقنت بأنها حظت بعائله نقيه قويه مهما مر ، إبتلعت ريقها بتأثرٍ ثم أخفضت عينيها نحو الرساله السادسه :
[ كل سنه وإنتِ طيبه يا بت يا فريده يا بت ، رغم إني كنت بتدايق منك وبحب أكيدك إنتِ وأمك وكنت بقعد أقول عليكوا صُفر ، بس متجوش فكيدي حاجه كده كده ، إحم ..أنا كده بلبخ صح؟ .. المهم إني حبيتك مش هقولك بحبك لا حبيتك وشوفت إنك تستاهلي فعلاً أسامحمك وأتقبلك ونديكي فرصه ، كل سنه وإنتِ مزه طول عمرك، خليفتي فالملاعب بقا وكده هنقول إيه! ، وأخيراً عايزه أقولك إن اصلاً أي حاجه من طرف وريحة الواد حازم المحامي جوزي حلوه و عسل ومسكره ، وأقسم بالله لو بقيتي عمتو حربايه لهزعلك مني ..يلا سلام
- مرات اخوكي الحربايه "ياسمين" ]
كانت طريقتها في قول كلماتها مضحكه بقوه خرجت ضحكتها الخافتة وهي تنظر وتقرأ الكلمات بحبٍ ، إلى أن جاءت عينيها على رسالة أخرى رقم سبعة :
[لو ينفع اجمع ليكِ كل الأسف من كل العالم عشان تكوني بخير هعملها ، مستعده أكون جنبك طول العمر ، ولٱخر نفس ، فخوره بيكِ ، فخوره بكونك إنسانه جديده بتحاول تكون صح ، بحبك أوي يا فريده ، وإحساس حلو أوي إن بقا ليا أخت ده العادي بس بقا ليا أخت قريبه مني بجد وشايله نفس إسمي ..كل سنه وإنتِ فريده دايماً بمعني إسمك مش مجرد اسم وخلاص
-حبيبة أيامك وحتى أحزانك الحاضره ، صاحبة الاحتواء منكِ ولكِ، توأم روحك الحاليه وحتى من قبل رغم فرق سنى الكبير قليلاً عنكِ شقيقتك "جميله"]
لم تعد تستطيع التحمل ، بل خرجت شهقاتها من بكاءها المتأثر وكل ذلك ولم تلتفت إليهم وهم واقفين من خلفها ، بل أكملت الرساله الثامنه الصغيره بقدر معرفة من كتبها لها :
[الحقيقه مجربتش أقرب منك ولا حتى أعرف شخصيتك ، بس لفتيني بجمالك وجمال روحك رغم إن اللي كان بيحصل كان عكس كده ، بس حسيت إن عندك قبول بملامحك دي ، أتمني نكون أصدقاء بجد حتى يعني قرب سننا من بعض بيقول كده ، عايزه حد نفس دماغي يا ناس ..المهم..كل سنه وإنتِ طيبه وبخير دايماً ويلا نبقى صحاب عشان إنت الوحيده اللي حاسه إنها هتحب تتابع معايا الماتشات وتشاركني فالحاجات اللي بحبها حاسه إنك دايسه فـ أي حاجه فـ خدي بوسه ..
- صديقتك القادمه من المحتمل ورغم أمنيتي بذلك .."وِسام" ]
أيعقل شخص لم تعرفه تخرج منه هذه الكلمات بل ومن ظلمت شقيقها قبل ذلك ؟! ، إنتهت الرسائل ؟! ، رفعت كفها تمسح وجهها ثم التفتت تنظر إليهم جميعاً. ، ولا تعلم هي ماذا تفعل ، إلي أن أردفت بتلقائيه متأثره لهم جميعاً :
_"أنا..أنا بحبكم أوي !!"
تعلثمت من كثرة التأثر ، فإبتسم لها الجميع ببهجة ، حتى احتضنها "حازم" بحبٍ وبدأ من لم يكتب بقول الحديث لها بكل إحترام دون تعدية للحدود ، هتف "بسام" أولاً وهو يحاول تحريك نظراته كي لا تتقابل معها مباشرةً بطبيعته الخجوله :
_" كل سنه وإنتِ طيبه!!"
هزت رأسها بإمتنانٍ وقد عملت هويته بسبب حلقه لذقنه ، وجدت "بدر" من بعدها يقول هو الٱخر بابتسامه صغيره :
_" كل سنه وانتِ طيبه يا وسام !!"
ردت عليه بشكرٍ وهي تبتسم بتأثرٍ إلى تحرك "غسان" ليقف أمامها وهو يحرك عينيه ويوزعها بينها وبين "حازم" الذي يعلم هو ما يفكر به الٱخر تنهد يخرج أنفاسه ثم أردف بثباتٍ لها :
_" كل سنه وإنتِ طيبه بعد ما طلع عين أمي وأمك بسببك!!"
قصد أتهامها له بخطفها ، قالها بطريقه مضحكه حتى ضحك بٱخر حديثه كما ضحك الٱخرين ، أما هي فابتسمت بإمتنانٍ وأسف وهي تقول:
_"وانت طيب دايماً إنت وروز ، وبتمنى تسامحنى !!"
حرك رأسه بمعني نسيانه لما فات ومر ثم إبتسم باتساعٍ فوكزته "نيروز" حتى تحرك ليقف بجانبها ، وجدت "حامد" من بعدها يقف أمامها هو وزوجته حتى قال هو الٱخر بلينٍ :
_" عايز أقولك كل سنه وإنتِ طيبه ، ونفسي تعتبريني أبوكي وسيبي الباقي عليا يا ستي!!"
ضحكت "فريده" بخفه ثم نظرت على الٱخرى وهي تتحدث:
_" كل سنه وانتِ طيبه يا فريده ربنا يجعلها سنة الجير والعوض عليكي يارب"
إحتضنتها عقب قولها كما احتضنت شقيقتها والفتيات والنساء ، وقفت "ياسمين" تصفق عالياً لتنبهم ثم قالت بحماسٍ :
_" يلا ، يلا هجوم علي التورته!!"
قالتها وهي تشير على التورته الكبيره الذي حجزها "حازم" وأوصى عليها ، تحرك الجميع نحوها وقد أمسك "حازم" يديها ليقطع معها القطع ، بمساعدة "عايده" هي الٱخري حتى إنتهت بأخذ الجميع قطع بأطباقٍ ورقيه ووقف بكل جانب يتناولونها مع الحديث العشوائي ، نظرت له "نيروز" بسعاده بها بعد الشراسه ، فعقد "غسان" ما بين حاجبيه باستغرابٍ وهو يتساءل :
_" مالك يا رزّه !!"
قلبت "نيروز" عينيها بمللٍ ورغم معرفتها بـ رده ولكنها تحدثت له ببرودٍ :
_" لا مفيش أبداً ، ببص عليك وإنت واخد راحتك أوي وقاعد بتوزع ابتسامات كده لأي واحده ، ليكون في حد أحلى مني فعينك يا بن البدري!!!"
قالتها رغماً عنها وعن شعورها بالضيق من طريقته قبل قليل ، ورغم حبها لـ "فريده" ولكنها شعرت بأنه أخذ راحته بالحديث والإبتسامات والضحكات بل وهو الوحيد الذي فعل ذلك ، كان الحديث عادياً ولكن الطريقه لم تكن عاديه بالنسبه لها حاولت تجاهل الشعور ولكنها لم تحتمل بل أردات أن تحرك عبثه معها، كبرياء أي أنثى إذن بطبيعتهن !! ، نظر لها "غسان" بغير تصديق وقد فهم ما ترمي إليه بحديثها ، حرك رأسه بقلة حيله وهو يبتسم ثم إبتلع ما بفمه حتى إنتهى بقوله اللين لها وهو ينحني حتى همس جوار اذنها بحديث يأسرها هي وقلبها:
_"عايزك تعرفي إن فـ حضور غيرك عيني مبتبقاش شايفه غيرك !!"
أتت جملته يمنتصف قلبها ، توسعت بسمتها بفرحه وهي ترفع عينيها تطالع عينيه الذي تحرك بها يعتدل بوقفته وهو يغمز لها بعبثٍ ، ثم سمعها تتحدث بغمزتها هي الٱخرى له وبحديثها المعتاد :
_" ثبتني يا بن البدري !!"
_"ابن البدري يا ستي بنت الأكرمي كفته على وشه فـ حبها حتى وهي مجنونه وغيرانه غيره عبيطه كده..، بس..ما تيجي!!!"
ضحكت"نيروز" بسخريه منه ثم هزت رأسها تجيبه بموافقه ساخره:
_" ما أنا فعلاً جايه يخويا ، هاجي معاك كمان شويه توصلني سنتر التجميل أعمل شوية حاجات كانت ناقصه كده وتبقي ترجع تاخدني بعدها بساعه !!"
غمز لها "غسان " بوقاحه ثم سألها بجرأه:
_" هتعملي إيه ؟! "
فتحت "نيروز" عينيها بذهولٍ من وقاحته حتى أن وجهها قد تصبغ بحمرة الخجل ، إبتلعت ما يوجد بفمها وهي تتجاهله سريعاً ، فردد هو مجدداّ بضحكٍ :
_" يخرب عقلك وعقل قلبك اللي بيدق ده ومخليكي حمرا فبعضك كده !!"
كتمت ضحكتها بصعوبه ثم رفعت يديها توكزه بكتفه وهي تنبس بكلماتٍ معتاده منها :
_"احترم نفسك لو سمحت بقا ، بطل قلة أدب شويه !!"
خرجت ضحكته بعبثٍ وهو يتعمد محاصرتها لتخجل ثم مرر عينيه من أعلاها لأسفلها مردداً مره أخرى بغمزة عين معهوده منه:
_" تحت العبايه حكايه والله ، العبايه السودا عليكي حوار كبير أوي ، يبخت اللي إنتِ من بخته يا رزّه !!"
_" يا بختك يا بن البدري ، ولم نفسك بقولك بدل ما أقول لعمو حامد "
تعمدت أن تهدده ، نظر لها بتحدي ثم حرك رأسه بثباتٍ وهو يشير لـ "حامد ", توسعت بُنيتها بصدمه من فعتله فقد حاصرها بخجلها عندما هددته ، جاء " حامد " سريعاً يقف ثم قال بضيقٍ زائف له :
_" عاوز ايه يا بن الكلب ، بتقطع كلامي مع حُب عمري ليه !!"
_"نيروز كانت عايزه تشتكيلك مني يا حامد"
قالها "غسان" ببراءه زائفه وترت من موقف "نيروز". حدجه "حامد" بحنقٍ وهو يرفع ذراعه يضعه على كتف "نيروز", وهو يسألها بإهتمامٍ مشاكس :
_" قولي يا حبيبتي ، عملك إيه ابن الجامد ده !!!
كان الوضع مخجل إلي أن عزز بنفسه فضحكت كما ضحك"غسان" ، وعاد الوضع محاصر بالنسبه لها ، حركت رأسها بعشوائيه ثم إجابته وهي تلعن من وقف أمامها :
_" كان بيقولي .. بيقولي أنه .. العبايه يعني حلوه عليا وكده !'
عقد "حامد", ما بين حاجبيه من حديثها الغير منطقي ، كبت "غسان" ضحكته ، فتحدث "حامد" بثقه وعفويه :
_" طب ما عنده حق يا بنتي !!"
تعالت ضحكات "غسان" بقوه حتى إنتبه له الجميع ، فرفع يديه يزيح ذراع "حامد" بكيدٍ ، وهو يردد عالياً لـ "حازم" :
_"شغل أغنيه رومانسيه عشان نرقص سلو ونتدرب كده لبكره ، مفيش حنه فخلينا نهيص يعم ونفرح بقا !!"
سحب"نيروز " من يديها فحرك رأسه "حازم " بموافقة وتسجيل الصوت موجود بالمكان بالفعل ، فتح هاتفه وبجانبه "ياسمين " تساعده في اختيار أغنيه مناسبه ، أخذ الجميع الوضع بالرقص ، فكان "بدر" مع"ورده" و"حامد" مع "دلال" و"بسام " مع وسام" و"نيروز " مع "غسان" بالمنتصف، والمضحك بأن ستتراقص "جميله", مع "فريده" ..، صدح صوت الأغاني في المكان عندما بدأت الكلمات في الظهور بصوتها عالياً بحماسٍ هادئ :
«إنتي السلام وقت الحروب
إنتي الشمس ساعة غروب
لما بشوفك قلبي يدوب
ما إنتي ساحرة القلوب
إنتي السلام وقت الحروب
إنتي الشمس ساعة غروب
لما بشوفك قلبي يدوب
ما إنتي ساحرة القلوب
إنتي الأحباب
إنتي الأهل والصحاب
إنتي الحقيقة في السراب
إنتي الطريق وقت الضباب
إنتي الأحباب
إنتي الأهل والصحاب
إنتي الحقيقة في السراب
إنتي الطريق وقت الضباب
ما إنتي الحب في دنيا مليانة ضيقة
أحلى حاجة في كل دقيقة
والثانية معاكي بتسوى عمر
ما إنتي الأجمل بين البيض وبين السمر
ما إنتي الحب في دنيا مليانة ضيقة
أحلى حاجة في كل دقيقة
والثانية معاكي بتسوى عمر
ما إنتي الأجمل بين البيض وبين السمر
إنتي الأحباب
إنتي الأهل والصحاب
إنتي الحقيقة في السراب
إنتي الطريق وقت الضباب
إنتي الأحباب
إنتي الأهل والصحاب
إنتي الحقيقة في السراب
إنتي الطريق وقت الضباب»
تراقص الجميع علي هذه الكلمات التي شرحت جيداً مدي علاقه كل منهم للٱخر وحتى "حازم" الذي رقص مع"ياسمين" بحذر رغم إعتراضه في البدايه ، و"نيروز" التي أدمعت عينيها بتأثرٍ وهي تنظر نحو عيني "غسان" وفمه المتحرك بالكلمات لها تحديداً ، لوهله تخيلهما غداً بنفس الوضع ، أدمعت عينيها بتأثرٍ بل ومنظرهما كأنهما أمير وهو ممسك بيد أميرته ويتراقصان بالمنتصف ومن حولهم البقيه ، ساحة رقص عميق يشرح الكثير حتى رقص "جميله" مع "فريده" والتي توافقت الكلمات معهما بشده ، انتهت الكلمات باحتضان كل طرف الآخر.. حتى "بسام" الذي قبل قمة رأس شقيقته كما فعل "حازم" مع زوجته وحامد وبدر ..ولكن ضم "غسان" نيروز " بين ذراعيه بحبٍ وصدقٍ بهذه اللحظه حتى همس لها يعترف بالمرات القليله الذي يهتف لها ذلك عادةً ما يعترف لها بعبثه ومرحه ولكن هذه المره قالها بكل صدقٍ نبع من قلبه قبل عقله :
_" بحبـك يا نيروز...بحبك يا بنت الأكرمي!!"
_"وبنت الأكرمي بتحبك يا بن البدري واللهِ "
لحظة صمت سمع الجميع بها جملتهما معاً وإنتهت بتهليل من حولهم بل وتصفيقهم وخاصةً عندما تعجب البعض من حركة "بسام" العفويه عندما خرجت صفاره من فمه بتهليلٍ، ضحك الجميع عليه بخفه، فإعتدل "غسان" بعد دقائق ، يشير لـ "بسام " قائلاً له :
_" مش يلا؟"
حرك رأسه إيجاباً له وهو يسبقه للخارج ، عقد "حامد" ما بين حاجبيه بتساؤل له :
_"رايحين فين ؟"
_" هوصل نيروز الكوافير وهروح أنا وبسام مشوار كده عالسريع هنخلصه ونجيب نيروز ونرجع ، عاوزين حاجه ؟"
رفض الجميع بلطفٍ ، فخرج من الغرفه ، وتبعته "نيروز" التي ذهبت لتأتِ بحقيبتها من الداخل بسرعه ، فوقف "غسان" يسأل شقيقه بسرعه :
_" كلمته ؟ موجود فالبيت ولا هيجي عن الورشه برا ؟"
_"لا رد عليا وقالي إنه فالبيت وحتي عنوان البيت يعني عرفته !!"
هز رأسه له بتفهمٍ ، حتى جاءت "نيروز" من الداخل ، تزامناً مع خروج"بسام " من الشقه يسبقهم ، أخرج هو المال الذي وضعه بظرفٍ لها ثم ابتسم لها بلطفٍ وهو يقدمه لها قائلاً بنبره هادئه قبل أن يخرج :
_" خدي دول عشان لو إحتاجني حاجه النهارده وبكره ، خليهم معاكي!!"
هزت "نيروز" رأسها بحرجٍ رغم أنها لا تعد أول مره ولكن استشعرت هذه المره بكثرة قيمة الأموال ، حركت رأسها نفياً وهي تقول :
_" لا أنا معايا مش محتاجه خليهم معاك يمكن تحتاجهم ، وبعدين المصاريف اليومين دول صعبه وإنت مش ملزم تدفعلي حاجات زي دي الوقتي!!"
قال كلمة معارضه معروفه عند الرجال إختصاراً لـ "انا حقاً اعترض " مع أخذ أول حرف من أول كل كلمه " ، حتى نظرت له بصدمه وهي تسمعه يكمل :
_" .. اومال مين اللي ملزم يا روح سُميه؟؟؟؟ "
مد "غسان" يديه بتحذيرٍ وهو يأمرها بقوله مره أخرى بجديه :
_"خدي عينيهم فشنطتك وبلاش عبط ع المسا !!"
أخذتها "نيروز" منه عندما رأت ضيقه ، حتى خرجت ضحكتها ، فنظر لها بسخريه وهو يردد بنفس طريقتها :
_"قال مش ملزم قال .!!"
رمى لها نظره ساخره قبل أن يخرج فضحكت هي عليه بخفوتٍ وهي تخرج بعده ، ولم تتعجب من وقاحته التي أصبحت معهوده بالنسبه لها ، بل وتيقنت بأن من دون وقاحته لم يكن هو "غسان" ..لم يكن هو:"حدة الشباب" !!!!
___________________________________________
في شقة "زيناتّ"، كانت تجلس على المقهد بغرفتها بيأسٍ كبير ، يأس من كل محاولاتها للتقرب من ابنتها ، يؤلمها فؤادها ، تقهر لما حدث لها ، تترد في أخذ خطوه أخرىٰ ، ولكن اليوم ، اليوم عيد مولدها..كيف لأم أن تنسى عيد مولد من حملته بأحشاءها ، ابتلعت ريقها بخببة أمل كُبرى وهي تنهض ، ستذهب بإصرار ولكنه إصرار مُحبط لعلمها بالنتيجه الحتميه ! ،
إبتاعت لها هديه ؟! ، ستأخذها معها وتمسكها بيديها،؟! جلبتها من على الطاوله الصغيره وهي تلف حجاب رأسها لتخفي خصلاتها بغير اهتمام ، ثم خرجت من الغرفه وهي تأخذ المفتاح معها. ، وحدة الشقه قاسيه ،. حتى أن قلبها يؤلمها رغماً عنها عن فراق إبنها "حسن" التي تود أن تعرف وتعلم بكل لهفه أين هو ، ستفعل ذلك ستحاول! لم يعد لديها سوى المحاوله ، رفعت المنشفه تمسح دموعها بأسى.. فكل من حولها يتركها وحيده حتى زوجها التي تعلم بأن سجنه قد كان حان من القرب بالحكم عليه هو الٱخر !! ، بسمة سخريه لاذعه . فوجوده مثل عدم وجوده حقاً .. أغلقت باب شقتها خلفها ببطئ ، ثم توجهت تقف أمام شقة "سميه" ، تعلم ما سيُفعل وما فُعل لأجل إبنتها ..
بسبب حديث "حازم" لها والتي بدأته هى عندما ترجته بأن يجعل شقيقته تسامحها ..لقاء ولكن رده كان فقط بحديث يعلن رفضه بقلة حيلته عندما ردد على مسامعها وقتها بـ .. :
«قبل عدة أيام»
_" أنا مقدرش أخلى حد يسامح حد ، دي حاجه مليش يد فيها ، مش عارف أقولك حاجه غير إنك فعلاً ظلمتيها وظلمتي كل شخص هنا ..بس حتى لما قررتي تفوقي مفوقتيش بس غير من نحية بنتك عشان بس اللي حصل فيها ، ورغم كل ده ..مش عاوز غير الراحه لأختي اللي صدقيني لو طلبت مني متشوفش وشك ده تاني هنفذ لها طلبها لحد ما تطلب هي بنفسها إنها تشوفك عشان محتاجه تسامحك ..!!"
كان حديث "حازم" ليس هين عليها في ذلك الوقت حتى أنها رددت سريعاً بلهفه تجيبه بحديث تصنع الإنصات الطبيعي له رغم دهشته :
_" بس انا ندمانه فعلاً ونفسي ترجع لحضني مش عشان بس حصل ليها اللي حصل .. انا فوقت والله العظيم يا حازم يا بني من ال حصل فيها وفكرت فكل اللي عملته واللي قولته بس مكسوفه من نفسي أوي ومن وحاشتي دي ، علشان كده كل شويه برجع لورا لما اجي أقول لحد فيكم يسامحني ..إذ كان بنتي اللي من دمي ولحمي رافضاني بكل الطرق أومال إنتو هتعملوا إيه..نفسي أرتاح يا بني والله نفسي ، الوحش بردو مكنش بيرتاح أكتر من المظلوم والله.."
_"حازم وابنك !!! بصي يا مرات أبويا إنتِ مش فارقالي أنا مش فارقلي غير أمي ومراتي وأخواتي ، وزي ما قولتلك مش هقدر أضغط على حد يسامح حد غصب عنه ، لازم الخطوه تيجي منها ، ومتقلقيش يعني هي طالعه زينا بتقلب بس بتسامح بعد كده وبتعدي ، لا هي زي حسن ولا زيك ولا حتى زي جوزك اللي هو للأسف أبويا..فـ الله يسهلك .."
قالها "حازم " بكل هدوء وكاد أن يتحرك من أمامها في ذلك الوقت ولكنها قاطعت سيره بمسكها لذراعه وهي تزرف الدموع متساءله بترجي مخذل :
_"طيب بلاش كل ده ..قولي حسن إبني فين .عرفني فين مكانه أو حتى قولي هو كويس ولا لأ ..لو مش علشاني علشان خاطر قلب الأم اللي بيتوجع ويتحرق غصب عن عيني حتي لو أنا وحشه ومستاهلش !!"
في هذه اللحظه تعمد القسوه..بل وهو الٱخر ذو طبع ليس هين بقليلٍ في وقت حزنه وغضبه ! ، تشبيهه من"عايده" بأن شخصيته وشخصية "نيروز" متقاربتان إلى حدٍ ما ، إبتلع ريقه رغماً عنه ثم نظر على يديها الموضوعه على ذراعه وهو يوزع النظر بينهما ثم أجاب أخيراً بنبره هادئه قائلاً لها قبل أن يرحل ويتركها :
_" إبنك مش عارفين ليه وقت معين هيفوق فيه ويقدر يقوم لأن بيفوق فتره صغيره ويرجع تاني، بس أكيد لما يفوق ساعتها هنعرف وهعرف وهاجي أعرفك ."
قصد عدم إعطاءها حل مفيد ، رحل بعد هذه المقابله وتركها واقفه بعجزٍ مُتعب
«عودة للوقت الحالي»
خرجت من شرودها عندما فُتح لها الباب بواسطة "بدر" ، طالعها بصمتٍ للحظاتٍ إلى أن أشار لها بالدخول فقط دون أن يتحدث، دخلت بخطواتٍ بطيئه إلى أن أغلق "بدر" من خلفها الباب ، توجهت لتقف وهي ترى "حازم" يقف بالصالة مع "بدر" و"حامد" فقط ، وبقية النساء والفتيات بالداخل ، طالعوها بصمتٍ إلى أن أشار لها "حازم" عندما علم سبب مجيئها :
_" موجوده جوه ، أدخليلها بس لو رد الفعل صعب عليكِ بعد ما قالتلك متجبش تاني..أنا مش مسئول عن اللي هتحسيه !!"
إبتلعت "زينات " ريقها بصعوبه وهي ترى "حامد" يحدج "حازم" بأن يكون لين أكثر !! ، هزت رأسها له بموافقةٍ وهي تتجه نحو الداخل ، حتى وقفت تنظر من على أعتاب باب الغرفه ، ابتسمت بحنين لبسمتها الواسعه التي تراها أمامها الٱن عندما وجدتها تضحك مع "ياسمين "و"وسام "و"ورده" وحتى شقيقتها "جميله" ..!! ، لاحظن النساء وقوفها ، فأشارت لها "سميه" بالدخول وهي تهتف باسمها عالياً بنبره عاديه هادئه ..حتى إلتفتن لها الفتيات ، وتلاشت بسمة"فريده" تدريجياً ، أشارت "سميه" لـهن بأن يخرجن حتى خرجن واحده تلو الٱخرى وكما خرجن النساء هن الٱخريات ، طالعت "زينات " المكان بتأثرٍ من تزيينه وتنظيمه بهذه الطريقه، من البالونات وجمله عيد ميلادها وحتى صورها والزينه الكثيره والورود ، عادت بنظراتها نحو وجهها بإشتياقٍ وخانتها نبرتها الضعيفه عندما هتفت بتحشرجٍ لها :
_" كُل سنه وإنتِ طيبه يا ..فريده !!"
قلبت "فريده" عينيها بضيقٍ موجع ثم رمت لها جُملها القاسيه مره واحده لها :
_" إنتِ جايه ليه ؟؟. مش قولتلك معتيش تيجي تاني..قولتلك مفيش فرص ..مش هعرف أسامحك ..إيه؟؟ مفهمتيش كلامي ؟؟؟"
حركت رأسها بخيبه ورغم إنعدام الأمل ولكن تحتفظ بالإصرار كونها إبنتها التي ستتحملها أينما حل ! ولكن أين كان ذلك ؟.، نزلت دمعتها دون تشنج وجهها وهي تبدأ بحديثها لها :
_" ومش همل ..مش همل منك يا فريده ولا همل من محاولة إني ارجعك لحضني من تاني..إنتي بنتي .وصدقيني أنا تعبانه علشانك اوي ، نفسي تسامحيني من غير حتى ما تكلميني علطول بس تسامحيني ، يمكن أموت حتى من غير ما تسامحيني ، بترجاكي وحقك ..حقك يبنتي تعملي فيا اكتر من كده ..أنا اللي علمتك تكوني بالجحود والقسوه دي بس والله ندمانه على كل حاجه عملتها ..علشان خاطر أمك تحسي بيا وتسا محيني !!"
تتأثر من حديثها ودموعها ولكنها تحاول الإخفاء متحليه بالثبات ، وأي ثبات ودمعتها هي الٱخرى قد هبطتت منها دون أن تشعر ! ، هزت رأسها نفياً بل وتلعن قلبها بسبب عدم قدرتها علي تخطي الماضي رغماً عنها ، ولأول مره تتمني أن تسامحها بالفعل ولكنها شعرت بالعجز ، ظهر الضعف والعجز عندما أشارت نحو موضع قلبها باكيه :
_" نفسي ، نفسي بس ده مش قادر يعدي كل اللي فات ، نفسي أنسى ، بس هنسى ازاي إن كل اللي أنا وصلتله كان منكم من الأول ، هنسى ازاي إني لما إحتاجت حضن مشيت ولما مشيت روحت وجيت وأنا ضايعه ، مين هيقبل بواحده زيي دلوقتي ؟؟؟؟؟؟"
تواجهها بالحقيقه المُره التي لم ترميها بٱخر سؤال لها لأحدٍ ، نفت "زينات " برأسها بلهفه سريعه وهي تردد بتعلثمٍ تبث بها الأمان والثقه بعد فوات الأوان :
_" لأ متقوليش على نفسك كده ..متقوليش على نفسك كده يا بنتي ..إنتِ الكل يتمناكي ، كله يتمني واحده زيك والله العظيم ..!!!!".
إبتسمت "فريده " بسخريةٍ وهي تنفي هي الأخرى مردده بنبره قويه تخرج بالحقيقه الموجعه :
_"بتضحكي عليا؟؟ ولا بتضحكي علي نفسك ؟؟ ..أنا محدش هيقبل بواحده زيي..واحده ضايعه ..ضايعه من غير ما تتجوز حتى ، مين هيديني فرصه؟؟ مين هيفهم اللي فيا ، مين هيحس بيا وبحالي ويقدره ؟؟ وحتى لو ؟؟ تفتكري هستحمل حد يعايرني بالماضي ؟؟؟؟ "
عجزت "زينات " عن إبداء المواساه وعن إخراج الحديث حتى ، حقيقة المجتمع وما يراه تجاه فتاه مُغتصبه !! ، وجدتها تصرخ بها مره أخرى وهي تنهرها رغم ارداتها بأن تعطيها الفرصه !!
_"حــرام عليكي !!! كل ما بحاول أنسي وأبدأ من جديد بتيجي توجعيني !! ليــه ؟؟؟ أنا مش قولتلك مش قادره أعطيكي فرصه ؟؟. ليه بتعملي فيا كده ؟؟؟ "
جاءت بأوج البكاء ، أشد ما يكون ، واصلت مره أخرى بإستسلام تشير لها بخيبه :
_" خليكي ! أنا اللي همشي المرادي من المواجهه دي ، همشي أنا وخليكي بس أرجوكي تسيبيني فحالي بعدها بقا !!!!!"
قالتها "فريده" بوجعٍ ومن ثم هربت منها ومن المواجهه سريعاً وهي تسير بخطواتٍ سريعه ، إلى أن سارت بسرعه أمام الأنظار في الصاله غير عابئه بمناداتهم عليها ، فقط هتفت بنبره سريعه باكيه :
_'' لو سمحتم مش عايزه حد ورايا ، سيبوني مع نفسي !!"
أمسكت "ياسمين " ذراع "حازم " كي لا يرحل خلفها لتتركها مع نفسها تهدأ ، كما أوقفت" ورده" ", جميله" وحتي أوقفت "سميه"و"ودلال""عايده"!!!
خرجت"زينات" تمسك بعلبة الهديه التي كانت قادمه بها ، أمسكتها بخيبة أمل كُبرىٰ ، وكأنها لم تعد تبقى علي شئ ، أقرب تشبيه لطفلٍ فلسطيني ممسك بلعبته باكياً بقهرٍ بعد أن تهشم بيته وفقد أحبائه !، طفل أفضل منها حتى ، عاجز ، قليل الحيله ، منكسر ، لم يعد يعرف أين الطريق بعد ذلك ، طفل تائه، خائب قُتل به أي شعور بالأمل ..، هاجت الدماء بعروق "حازم" وهو يحاول الإندفاع ناحيتها ولكن أمسكه"بدر" و"حامد" سريعاً وهما يسمعانه يصرخ عالياً بها من ألمه ألم قلبه وحتى وجعه على شقيقته الذي يحاول جاهداً بأن تكون أفضل بأعجوبةٍ :
_" إنتِ إيه يا شيخه ؟؟؟ حرام عليكي ، إحنا ما بنصدق تكون كويسه !!!!!، سيبيها فحالها بقا ...سيبونا فحالنا حرام عليكم..إنتوا إيه ؟؟؟؟ "
لكل شخص طاقة تحمل معينه ، ذهب صوته وخرج مبحوحٍ بٱخره ، بحة بحنجرةِ رجل مقهور عاجز ، تحمل الكثير ، نبرته هشمت قلب "ياسمين" التي ربتت عليه باحتوائها سريعاً ، إنسحبت "زينات" سريعاً حتى أغلقت باب الشقه خلفها ، فتركوه يجلس بقهر على المقعد وهو يضع كفيه على رأسه ، وقفت أمامه "ياسمين" التي كلما تعتقد أن الأمور لديه تتحسن بنفسيته تصبح أسوء !!! ، ضمت رأسه وهي تركع أرضاً له ، فرفع "حازم" ذراعيها يمعنها سريعاً بسبب حملها ، حتى وقف بسرعه..وكأنه لم يراها في هذه اللحظه بل ضمها بتأثرٍ من ما تفعله لأجله في كل مره ، وقد شعرت هي بانسحاب الجميع من حولهما، أمسكت كفه بإحتواء وهي تسنده معها ناحية غرفتها ، وحتى خرجت "عايده" لشقتها مع "جميله" ..، كما إستعد "حامد" للخروج مع "دلال" وإبنتهما !! ، وكما أيضاً ينسحب "بدر" مع"يامن" لغرفته وبقت "ورده" تحتوي والدتها كي لا تتعب أكثر فقد إقترب موعد عمليتها جداً وهذا ما لا يعلمه الكثير !!!!!
_________________________________________________
_" خلي بالك من نفسك يا رزّه ، ساعه وهرجعلك !!"
أردف "غسان" جُملته وهو جالس بمقعد سيارته قبل وقت قليلٍ ..من الأمام تزامناً مع نظراته لها من شرفه السياره عندما هبطت "نيروز" من السياره أمام سنتر التجميل ، أشارت له بالوداع وهي تردد هي الأخرى غير عابئه بوجود شقيقه "بسام" بجانبه :
_" ماشي يا غُس ، مع السلامه بقا وبلاش تتأخر عليا !!"
ضحك على اللقب حتى أنه سمع ضحكات "بسام" بجانبه ، حرك السياره مره أخرى عندما تيقن من دخولها من البوابه الحديثه حتى أُغلقت خلفها ، تحرك بها وهو يضحك حتى إنتهى وهو يحرك نظراته نحو "بسام " الذي عاد ينظر من الشرفه بشرودٍ ، قرر بدء الحديث قبل أن يذهب للمكان المحدد ، الأيام الماضية لم يسعفه الوقت بالحديث وحتى لم يجد نفسه لحظه واحده مع شقيقه بمفرده دائماً في تجمع ، إما عدم وجوده بسبب ذهاب "بسام" للعمل!!!، تنحنح "غسان" يجلي حنجرته ثم قال بتلقائيه دون حذر وهو يسلط أنظاره على الطريق :
_" سرحان فـ إيه ؟ .. فـ "فرح" أخت "عز" !!!"
لم يترك "غسان" الجواب على السؤال بل أجاب علي سؤاله بإجابه وسعت من عيني "بسام " بصدمه من علمه لما يدار بذهنه ، حرك "غسان" عينيه بطرفها فوجده في حالة ذهول مخفيه ، حاول إخفاءها سريعاً وهو يحرك رأسه بغير إهتمام زائف ظهر لـ "غسان" عندما قال بتبرير سريع :
_" إيه اللي بتقوله ده يا غسان ، إسكت يا عم وخلينا فيك وفـ فرحك بكـره وبـ..."
قاطع "غسان" حديثه سريعاً عندما علم ما يفعله من بعده عن الحوار ، ردد بنبره غير حامله للنقاش بما يفعله ويحاول فعله من الأساس :
_" بـتـَّوه ليـه ؟ "
أخذ "بسام" أنفاسه ثم سكن وصمت متصنعاً عدم الإنصات ، فوجده يتنهد ليخرج أنفاسه بصوتٍ وهو يقول بهدوء مع قيادته للسياره :
_" إحكي وقولي علاقتك بيها إيه ؟ وليه هي ومن إمته شاغل نفسك بيها كده!! ، أصل دي مش زعلة واحد عادي ولا خيبة أمل من واحد عادي لواحده ساعة أخر مره كنا موجودين فيها معاها وقت اللي حصل !!"
لم يجيبه "بسام " بل هربت الكلمات وبالفعل يشعر بأنه المخذول ولن يجد مبرر لما يشعره من الأساس ، حرك رأسه ينصت لـ "غسان" الذي تحدث مره أخرى بوضوحٍ :
_"عايز أسمع منك ، عايز أسمعها إنك مش حاسس نحيتها بحاجه،علشان دي بالذات متنفعكش !!"
لما يُصدم الٱن؟ ولما يحزن مره أخرى ، قصد "غسان" أن يقطع له الأمل وبنفس الوقت يضغط عليه ليخرج بحديثه المكتوم، وبالفعل حديثه جعل "بسام" يتحدث سريعاً بما يكنه من مشاعر متضاربه له :
_"مش عارف ..أنا بحاول محبهاش ، بحاول مقربش منها بس كل مره بفشل لحد ما حسيت إني مُـ..."
توقف عن الحديث بتردد عندما وجد ملامح "غسان" خاليه من الترقب وكأنه لا يود سماع الأتي ، ضغط "غسان" على فكه وهو يسمعه يكمل بسرعه وينهي التردد :
_" لحد ما حسيت إني مُعجب بيها ، ولحد ما حسيت إن في مرحله قربت تبقى أكتر من الإعجاب لما لقيتني إتوجعت من اللي عملته بس خوفي عليها وتعاطفي معاها كان غالب ، عشان ساعتها كنت عاوز أحتويها وافهم ليه عملت كده بالظبط هي إنسانه كويـ.."
يدافع عنها ؟؟ مجدداً. يقع بنفس الخطأ ، فرمل"غسان" السياره حتى وقفت بسرعه بعد سرعته في القياده فإندفع "بسام " إلى الأمام بسرعه وهو يسمع نبرته الحاده له بقوله :
_" تاني ؟؟ ،. تاني يا غبي ؟؟؟"
رجع إلى الخلف بذهولٍ من فعلته ، ثم حرك. رأسه بيقين من ما يفعله ، تشنجت ملامح "غسان" مره أخرى وهو يهتف مجدداً :
_" ما تكمل !!..إنسانه كويسه ..وطيبه وحلوه ونضيفه ومتعاطف معاها عشان عانت ومحدش حاسس باللي هي بتحس بيه وكلام كتير فاضي زيك وزي قلبك الأهبل... دايماً موقع نفسك فحب ناس غلط حتي لو كانوا مظلومين بس معاك مينفعوش ، هتستحملها ازاي. دي ؟؟ ، هتعيش معاها. ازاي كده ؟ هتدخل علينا واحده باعت أخوها ؟؟ عاوزها بعد كده بضعفها ده نلاقيها مضيعه أختك ولا مراتي بسبب تهديد من حد مجهول كارهنا ... ما هو محدش عاد ضامن بقا !! ، تفكيرك ده تفكير إنسان مش طبيعي ، إنت مجنون شكلك كده !"
يحاول جاهداً بأن لا ينفعل عليه كما حدث في السابق ، يعلم بأن معه كل الحق، إبتلع "بسام" ريقه بكسره ثم قال بخيبه ظهرت لشقيقه بوجعٍ عندما قال :
_" مش ذنبي !! مش ذنبي يا غسان ولا ذنب قلبي ، وأنا مقولتلكش إني بحبها لسه ومقولتلكش إني هتجوزها وأدخلها بيتنا ووسطنا ، عارف إنك خايف عليا وعلي أختك ومراتك وأمك وأبوك بس أنا معرفش أنا بيحصلي كده ليه !!"
_"مش هستناك لما تقول يا بسام ، كل حاجه واضحه زي الشمس ، لهفتك ونظرتك وشرودك ده مش لحد طبيعي ، لحد واقع ، وقعه خبيثه بيداريها بأي شكل عشان عارف إنها علاقه غلط ، أو يمكن حد بيعوض وجود حد بحد تاني وساعتها هتبقي حاجه كبيره، علشان أنا حتى لو حصل وقبلت فرح دي فأنا مقبلهاش تنظلم وإنت بتنسى بيها تاج ، بنات الناس مش لعبه زي ما قلبك مش لعبه سامعني؟؟؟؟"
واجهه "غسان" بحديث قد يكون جاد بالصعوبه القاسية عليه حرك السياره مره أخرى حتى بدأ في القياده بعد صمت فوجده يتحدث بتبرير مره أخرى :
_"بس أنا مبنساش حد بحد ولا بعوض وجود حد بحد ، أنا نسيت وبنسي تاج فعلاً ونفسي أبدأ حياه نضيفه من جديد ، مش حرام!!!!!"
حرك "غسان" رأسه بغيظٍ مكتومٍ منه حتى نفى برأسه وهو يكمل له الحديث بإصرار :
_" مش حرام ، بس الحرام عليكّ هو قلبك اللي كل شويه بتتعمد توجعه وتكسره ، وأنا مش هقبل بـ ده المره دي ، مش هشوفك بحالتك اللي كانت موجوده ، أنا نفسي تكون بخير إنت وأختك وأمك وأبوك ، عاوزكم كويسين عشان أنا اللي مببقاش بخير لو ربع حاجه حصلت ليكم ، فكر كويس يا بسام أنا مبقفش فطريقك وأعارضك ، بس دي حياه ومستقبل ، وصحه ونفسيه بتتهدر وبتاخد وقت مجهود وتعب منك ومني ومننا كلنا ، هتقبل تتوجع تاني ؟؟؟ هتقدر تتخطى من جديد ؟ هيبقي عندك الطاقه إنك تروح لدكتور نفسي تاني كل المده دي عشان تتعافى ؟؟؟ "
صدمه أخرى بالنسبه لـ "بسام " من أين يعلم فكرة ذهابه للطبيب النفسي ، إلى هذه الدرجه يكشفه شقيقه ؟! ، تعمد عدم الحديث أكثر كي لا يواجهه بالطبيب النفسي ذلك ولكنه سمعه يكمل مره أخرى :
_" الدكتور النفسي اللي إنت قعدت عنده شهور تتعالج وكان مفيش حل ، عشان إنت اللي مكنتش عاطي لنفسك الفرصه ، ولما جت وحسيتك بقيت تمام ، لقيتك عاوز توقع نفسك فالحفره الغويطة دي من تاني ، وبردو إستنيتك تيجي تتكلم وتحكي ، حكيت؟؟ .."
صمت "غسان" ثم أضاف سريعاً بتغهمٍ لعقل الٱخر:
_"لأ ....عارف ليه ؟؟ عشان إنت نفسك مش مقتنع اقتناع تام بكل اللي بيحصل ده ، خوفت تقولي عشان لسه مش ضامني من ساعة موضوع تاج ، وأراهن على عمري كله إنك كنت هتقولي لحد ما وقفت بيك اللحظه إني أروح أبعد فرح دي عنك زي ما حاولت أبعد تاج من غير ما تعرف ، بس الوقتي أنا عَرفتك ، مش هروحلها ولا هعمل معاها زي تاج من وراك ، فرح أخت عز دي ضعيفه وشخصيتها شخصيه جبانه اكتر من إنها غبيه وغلبانه فنفس الوقت وأنا عارف كويس رغم اللي هي عملته بس عمرها ما تيجي فقذارة تاج، فبلاش المقارنه بتاعتك اللي تخليك تروح تختار واحده احسن من واحده وكل واحده فيهم عندها الوحش اللي على قدها فاللي عملته ، دي غير دي وإنت غيرهم هم الإتنين ، وإنت بقيت كويس ماشي لكن هي مضمنهاش ! إن مكانتش أصلاً مريضه نفسياً عشان مفيش حد عاقل بيروح يسلم ناس من غير ما يعرف أسباب ويشغل عقله ، مضمنش سلامتها النفسيه دي ولو حصل هقفلك يا بسام عشان دي مش ليك وحتى لو هي ليك فأنا مش هقبلها وهي كده ..إنت بتتغير هي الله أعلم ، وإحنا دلوقتي رايحين لـ عز ، عز أخوها يعني ولا كأن أي حاجه حصلت ولا كأنك تعرف اللي إسمها فرح دي، مفهوم؟؟؟ !!!"
أوامر من عزم خوفه لم يتركه لوجعه كما فعل فالمره السابقه ، إبتلع الغصه المريره التي توجد بحلقه من مشاعره المختلطه ، رغم قدرته على إتخاذ القرارات ولكنه يعلم تمام العلم بأن شقيقه لديه كل الحق في كل الحديث ، لذا هز رأسه فقط دون نبس أي حرف ، تنهد يخرج أنفاسه، فوجده يركن السياره عند الموقع المحدد أمام أحد المنازل، ثم حرك رأسه له وقد تعمد إظهار اللين له بنبرته الخائفه عليه وهو يردد :
_" صدقني يا بسام أنا خايف عليكّ ، مش عاوزك ترجع تاني للي كنت فيه ، إنت أخويا وصاحبي وعمري ما هقبل بحاجه تأذيك ، عمر ما هسمح لحد يوجعك حتى لو كان مين ، أنا كل روحي أخواتي، وإنت جزء من روحي، ابوك لو عاش من تاني لحظة وجعك دي مش هيستحملها ولا حتى أمك اللي قلبها نشف من كتر العياط عليك ، ولا وسام اللي مش عارفه تحدد زعلها منك ولا عليك ،. كل ده أنا عيشته وإنت كنت قافل علي نفسك بوجعك كنت بحاول أراضيهم وأوفق بيني وبينك وإنت أصلاً مش موجود !! ، صدقني يا "خويا " محدش هيحس بيك غيرنا ولا حد هيخاف علي مصلحتك ألا إحنا!!"
انتهي الحديث بوقوفهما معاً أمام منزل "عز" ،. هذه المره توجه"بسام " يقبل قمة رأسه ببرٍ ولم يراه في هذه اللحظه سوى "حامد البدري", والده ، ومن ثم رفع ذراعيه يدخل "غسان" باحضانه بإمتنانٍ موجع وهو يردد بتفهمٍ :
_"أنا فاهم كل حرف قولته خارج منك ازاي وليه ، إنت أبويا واخويا يا غسان مش هزعل منك ولا من كلامك ، بس أنا اللي متلخبط ومش عارف أحدد أي حاجه!!"
ربت "غسان " على ظهره بحنوٍ وهو يبتسم حتى خرج من بين ضم الٱخر له ثم هتف بإطمئنان له :
_" هتعدي ، فكر إنت بس فالصالح ليك حتى لو على حساب وجع فالأول بس ولو ليك نصيب في حاجه هتاخدها ولو حد ليه نصيب يتغير ساعتها الوضع ممكن يتغير صدقني بس أصبر !"
أمل ٱخر ؟ إذن نقطة الاعتراض على طبيعة الشخصيات!! ، هز له رأسه إيجاياً وقد رفع يديه يدق جرس المنزل ، حتى مرت لحظاتٍ وفُتح لهما الباب بواسطة "عز" التي وقفت بجانبه"حنان" ترحب بهما بعد أن علمت من ولدها مجيئهما :
_" إذيك يا معلم ، وحشني إنتَ يا صاحبي خد بالك!!!"
كلمات شبابيه خرجت من "غسان" الذي احتضن"عز" وهو يدخل ومن ثم رد عليه "عز" بسعاده من إهتمامه حتي إحتضن "بسام "هو الٱخر وقد علم من هو وإستطاع بنظراته وعقله أن يفرق حتي من طبيعة الحديث ، مد "غسان" كفه يرحب بـ "حنان" قائلاً بابتسامه لبقه :
_" إذيك يا أم عز !!"
طالعته "حنان" بإستغرابٍ طفيف من. طبيعة حديثه ، ولكنها رحبت به سريعاً وهي تصافحه قائله بعفويه :
_"الحمد لله إذيك يا دكتور بسام! منورنا إنت وأخوك واللهِ !"
ضحك "عز" بخفوتٍ عندما رأى بسمة "غسان" تتلاشى وهو يجيبها :
_"أنا مش دكتور بسام والله يا جدعان..دا الراجل حلق ليكم دقنه عشان تفرقوا .. حسوا بيا بقا!!!"
شهقت "حنان" بتلقائيه وهي تتحدث بنبرة ٱسفه له :
_" لمؤاخذه يبني ،. عليا دي ..أصل التاني كان بدقن زيك كده واللهِ مكنتش أعرف إنه حلقها وبقا هو إنت وإنت هو !!!"
كان حديثها عفوي مما جعل ضحكات الثلاثه تتعالى، توجه"بسام " يرحب بها بلباقه وهو يردد لها بلطف من بين ضحكاته :
_" أنا اللي بسام يا أم عز ..ويا ستي بلاش دكتور أنا زي إبنك عز يعني.. وحمد لله على السلامه تاني!!"
_" منوريني والله ، تعالو أدخلو الصالون من هنا تعالو !!!"
قالها "عز" مما يتوجب عليه إخفاء الوجع وإظهار الترحيب بضيوفه ، ذهب من خلفه الإثنان وأخرهم "بسام". الذي بحث بعينيه عنها رغماً عنه ثم لام نفسه بما قـيل قبل قليل ،. يريده بأن لا يذهب عبثاً ولكن رغماً عنه شعوره ذلك !!
_" بقا أودي العربيه علشان أشوفك ، أروح ألاقيها متصلحه بعد كام يوم ومشوفكش بردو، قاصدها ياض صح ؟؟"
كان الحديث من "غسان " لـ "عز" الذي إبتسم له وهو يوضح:
_" محصلش والله ، بس اليومين دول سيبت الورشه كتير علشان مكنتش بقدر أشتغل زي الأول ، يلا ربنا يعدي أيامنا دي علي خير ، إنتم عاملين إيه ؟ وحازم ؟ وفرحك إمته بقا يا عم !!"
ضحك "بسام " عليه بخفه، في حين تنهد "غسان" يأخذ أنفاسه وهو يبدأ في الحديث بنبرته الهادئه يطمئنه :
_"كلنا كويسين الحمد لله ، والفرح بكره وجيت بنفسي عشان أعزمك ، بس مش جاي علشان كده بس ، جيت أنا وبسام نشوفك ونطمن عليك عشان عارفين إنك مش تمام !!"
طالعهما "عز" بتأثرٍ وقد ظهرت لهما قلة حيلته ، حينها اجابهم بوضوحٍ بما يشعره :
_" أصل مفيش بإيدي حاجه ، والحمد لله راضي، كل اللي هيوصله شريف ده يستاهله وزياده ، ولو على موضوع جميله فأكيد تستاهل حد أحسن مني !!"
قال حديثه برضا واضح لهما ولكن أخره يتألم ومؤلم ، عندها تحدث"بسام" سريعاً محاولاّ وجود حل :
_" بس مفيش أحسن منك ليها يا عز ، ربنا يشهد إنت بتتعب قد إيه وملكش ذنب في اللي حصل ده كله ، وإحنا مش جايين نقطمك احنا جايين عشان حاسين بيك وعاوزين نلاقي حل ونرجعك إنت وجميله لبعض ، بس عاوزين نسمعها منك!!"
إستشعر "عز" إلى مدى تصل شهامتهما الآثنان وجد بعدها "غسان" يتحدث بثباتٍ ونبرته القويه وصلت له حينما حفزه بقوله :
_" أنا عاوز أسمع منك بس إنك لسه عاوزها وأنا هتصرف مع حازم ، وسيب عليا الموضوع ده ..أنا سايب "حازم" اليومين دول واللي فاتوا يهدي ويرجع في قراره ومكلمتوش ، بس أنا نفسي ترجعلها فعلاً عشان هي كمان مش كويسه من غيرك زي ما إنت مش كويس من غيرها !!!"
يجد الأمل في ٱخر النفق ؟ تلهف عندما سمع وجعها ، فسألهما سريعاً بلهفه :
_"طب يعني هي عامله إيه الوقتي ؟؟ كويسه ؟؟؟"
إبتسم الإثنان على لهفته فتحدث "غسان" سريعاً يشاكسه :
_"ايوه كده أنا عاوز الرد بلهفه العاشق دي.. تيجي بكره الفرح وهتصرفلها أنا متشيلش هم.."
أيده "بسام" بحماسٍ ، ولوهله شعر بأنهما أول سند له من صنف الرجال منذ زمن ، أخذ أنفاسه بغير تصديق وهو يحرك رأسه بتأثرٍ يطالعهما بمشاعر عده حتى قال :
_" أنا مش عارف أقولكم إيه ..بس أنا أول مره ألاقي حد حامل همي وبيفكرلي كده زيكم ، أنا مش هنسالكم الزياره دي حتي لو مش هيبقي فيها حل بس سؤالكم عليا كفايه!!!"
ربت "غسان" على كتفيه بعاطفة إخوه وهو يبتسم له باطمئنان قائلاً :
_" لا متقولش" حتي لو مش فيها حل قول "هتتحل والمايه ترجع لمجاربها " وبعدين إحنا بقينا اخواتك وأصحابك، إنت جدع يا عز وأنا مش ناسي يوم ما جيت المستشفي ساعة أختي من قبل حتى ما تعرف إن أخوك هو اللي عمل كده ، جيت وإهتميت وسألت وحاولت تساعد ومشيت ساعتها من غير ما أفوق وأشكرك ، وبعدها حصل تاتش بيني وبينك بسبب سوء تفاهم بس غصب عني ، عمري ما أنسى فيوم حد وقف جنبي فوقت صعب ، إنت اللي بدأت تبقي صاحبنا وأخونا ..فمتحسش نفسك غريب ولا تحس اللي بيحصل ده غريب دا العادي بين الإخوات ..وإن شاءالله تبقي جميله من نصيبك وتمسكها تحطها فبيتك بقا بعد ما أتجوز أنا ونيروز خلينا نخلص بقا يعم!!'
المتشابهون يتلاقوا ! ، وكما كان لقاءهم .. كان ملئ بالشهامه منهما ، تأثر "عز" من حديثه حتى أنه ربت على ساقه بشكرٍ و سمع "بسام" يكمل :
_"وإن شاء الله الأمور تتصلح "
_" هتبقى عال يصاحبي وهتجيبوا عيال كمان !!!"
غمز له "غسان" عقب قوله فضحك "عز" بخفه وهو يشير له بعلامة الدعاء ، رغم ٱنه يعلم أنها صعبه التحقيق ولكنه يجد الأمل بهما ، ورغم معرفة التوأمان بإحتمالية الصعوب في التنفيذ بما يودانه ولكنهما عقدا العزم على بذل كل الجهد بالمحاوله مع صاحب العقل المتصلب قليلاً .."حازم" !!
إعتدل "غسان" بجلسته ، وهو يشير لشقيقه قائلاً بنيره مرتفعه قليلاً :
_" طب نستأذن إحنا بقا ، ومتنساش ..هستناك بكره أول واحد.. وإبقى هات معاك أم عز لو عرفت تفرق بينا غير كده متجبهاش !!!"
قال حديثه بتبجحٍ ولأول مره يقهقه "عز " بالضحكات وسرعان ما قاطع نهوضهما عندما تحدث سريعاً :
_" محدش هيتحرك ألا تشربوا العصير ، إنتوا مسمعتوش الخلاط من شويه ولا إيه ..مينفعش الكلام ده ، بعدين أم عز تزعل !"
_" سمعته يا عز ، يارب جوافه بس علشان البرد ده !!!"
أردفها "بسام "بمرحٍ فضحكوا عليه بخفه حتى إستمرت جلستهم بالحديث إلى أن إنتفضوا مره واحده عندما سمعوا صوت صراخ "حنان " والدة "عز" عندما صاحت بفزعٍ :
_" ألحـــقـــني يا عـــز ، ألحق أخــتك مبتنطقش !!!!!!!"
إنصعق "عز " حتى نهض بسرعه ومن خلفه "غسان" وحتى"بسام " الذي تسارعت دقاته قلبه بخوفٍ ، تجمعوه سريعاً ووقف "غسان" أمام غرفتها ، بينما العجيب أن "بسام " الذي دخل والٱخرى مسطحه بخصلات شعرها السوداء ، أخذ "عز" يهزها بلهفه وخوفٍ وفد تغيرت ملامح وجهه وهو يضرب وجهها بخوفٍ مرداً بلهفه :
_" فرح ..ردي عليا يا فرح علشان خاطري!!!!!!"
الخوف من الضياع رغم ما فعلته ، بكت "حنان" بإنهيارٍ وهي تدفع "بسام" بلهفه من بين بكاءها مردده بخوفٍ له وهي تحثه بنبره متلهفه :
_" ونبي تشوفها يا بني ، شوفها إنت دكتور!!!"
وكأنه ينتظر الكلمات منها حتي يخرج من حالته هذه ، انحني سريعاً يدلك ما بين حاجبيها وهو يتحسس نبض رقبتها بخوفٍ وأنامل مرتعشه ، فوجده موجود ولكن ضعيف بنسبة ما ، في هذه اللحظه دخل "غسان" سريعاً عندما شعر بتوتر شقيقه وحتى توترهم وخوفهم في هذه اللحظه جعل عقلهم يتوقف ، لاحظ زجاجة العطر الموضوعه علي التسريحه ، جذبها "غسان" سريعاً ثم ألقى غطاءها على الأرض بسرعه وهو يتوجه بها ناحية أنفها ينثر منها الكثير ، و"بسام" يدلك ما بين حاجبيها وحتى كفها البارد من بين يديه الٱخرى حتى فعل "عز" مثله في كفها الٱخر ووالدتها في قدمها من الٱسفل ، إلى أن كانت لحظاتٍ وقد رمشت هي أخيراً ، تنفس "عز" الصعداء وهو يمسك كفها بين كفه بلهفه مردداً لها كي تفوق أكثر:
_" فرح ؟؟ سمعاني يا فرح ؟؟. .. انا عز ..أنا موجوده جنبك هنا أهو..ردي عليا !!!"
كل حرف خرج منه بخوفٍ ، فتحت عينيها أخيراً وقد رأت سقف الغرفه ، وقوعها أرضاً جعل الجميع يلتف حولها وهم جالسين ، لاحظ "عز" إمساك "بسام " لكفها بخوفٍ إلى الٱن ولم يتركها ، وكز "غسان" شقيقه بخفوتٍ وهو بسنده ليقف حتى يسحبه خلفه لخارج الغرفه، خرج معه "بسام " بخواء ٍ وغير إستيعاب ، وقف إلاثنان أمام الغرفه مره ثانيه لدقائق وقد لاحظ"غسان" إرتجافه يد شقيقه الخافته تيقن بأنه وقع بحبها دون أن يدري هو من الأساس ما يشعره ، بل وتيقن بأن مرحلة ما قاله له قبل وقت صعب التنفيذ عليه ولكنه سيقف معه إلى أن يفعلها ، ضمه "غسان" بخفه وهو يربت على ظهره، إلى أن لاحظ خروج"حنان" بلهفه خلف"عز" ، نظرت لهما بأسفٍ وهي تقول:
_" معلش على القلق ده تعبناكم معانا ، أنا إتخضيت عليها، أصل كنت عاوزه الكاسات الجديده علشان أحط فيها ليكم العصير وهي اللي عارفه مكانها ولم روحت لقيتها واقعه علي الأرض كده روحي راحت.."
كان حديثها عفوي لدرجه كبيره مما جعل"عز" يضحك بخفه رغم توتره ، ابتسم لها الإثنان وأول من تحدث كان "غسان" ليلهيهم عن حالة شقيقه:
_" ولا يهمك يا أم عز ، ألف سلامه عليها ، ولو إحتاجتوا حاجه إحنا موجودين ..بس هنستأذن إحنا دلوقتي..!!"
عارضتهم قائله سريعاً بلهفه :
_"ازاي بس والعصير .؟"
_" مره تانيه إن شاء الله ، بكره فالفرح متعوضه، تنورونا وتشربوا العصير بينّا ومعانا "
هزت رأسها موافقه ، فودعهما "عز" محتضناً كلاً منهما مع قوله الممتن :
_" مش عارف اقولكم ايه والله ..شكراً !!"
إبتسم"بسام" له وقد خرج قبل شقيقه الذي حدج "عز" بنفاذ صبر زائف وهو يجيبه :
_" عيب منك يا عز ، متخلنيش أشتمك وأقلب عليك بقا !! ، خلي بالك من أم عز وأختك وهستناك بكره ، عاوز أي حاجه ؟؟؟"
_" سلامتك"
وكان هذا الرد الوحيد منه ومن ثم خرج الٱخر حتى ركب السياره بجانب شقيقه ومن ثم أغلق هو الباب وهو يتوجه إلى الداخل مره أخري يطمئن عليها من على بُعدٍ ، بينما في الخارج شغل "غسان" محرك السياره محاولاً التحدث باللين مره اخرى مع الٱخر وهو يقول :
_"مكنتش أعرف إنها غاليه أوي كده .. ده حب مش إعجاب !!!! ، فارقه معاك أوي ؟"
يسأله بألمٍ له وهو يعرف الجواب ، أصبح الوضع معقد !! معقد جداً ، صمت رغماً عنه عندما أشار له "بسام" وهو يقول بنبره هادئه محاولاً الهروب من الحديث مره أخرى :
_" بلاش كلام دلوقتي يا غسان ، أنا مش قادر، خليها بعدين واطلع خلينا نقف. الربع ساعه دي على ما مراتك تخلص !!"..
علم ما يفعله شقيقه، فقرر تغير مجرى الحديث بمشاكسه له وهو يقول :
_" ومالك يا خويا متقل مني ومن مراتي كده ليه كأني مصدر إزعاج وصداع فـ حياتك كده !!!"
خرجت ضحكته بالفعل وهو يجيبه باستسلام :
_" يعم أنا اللي مصدر صداع أصلاً ليك ، فالله يسهلك "
_" عندك حق و لو مش بتديني حب أو مرتب مش من حقك تبقي مصدر صداع في حياتي!!!"
قالها بتبجحٍ ومرحٍ نظر "بسام" لـ "غسان" بلومٍ مصطنع وهو يبتسم على حديثه بقلة حيله فوجده يزفر بندمٍ زائف وهو يردد مره أخرى ناظراً على الطريق من أمامه :
_"مشكلة كبيرة إن يكون خُلقك ضيق ولسانك طويل!!! "
هز "بسام " رأسه له بتأييدٍ قوي وهو يشير إليه بيديه قائلاً بضحكٍ هادئ :
_"أهو ده عيبك بقا !!"
قلب "غسان" عينيه بمللٍ منه ومازال يتعمد التخفيف عنه ، قال كلماته المعهوده دائماً عندما سأله هو هذه المره وليست هي :
_" عارف غسان البدري قال ايه ؟!"
طالعه "بسام" بتساؤل في عينيه وهو يشير له باستفهامٍ فواصل "غسان" يجيبه بتبجحٍ له وعلى حديثه في البدايه :
_" وإن رأيت فيا عيباً ..فأعلم أن العيب فعينك إنتَ يا روح أمك !!!"
وجد أن لا مفر من الضحك علي وقاحته ومرحه الدائم ، ضحك "بسام" عليه فعاد "غسان" يسأله برأسه بتلك الكلمات المعتادة:
_" عال كده ؟؟"
حرك"بسام" رأسه يؤكد من بين ضحكته الخفيفه ثم أيده وهو يجيبه بحديث كان قد أخذه منه بهذه اللحظه وأردفه بنفس الطريقه عندما أشار له بقوله وهو يجيب مثله تماماً :
_" عال يا حبيب أخوك!! "
_____________________________________________
بعد مرور وقت..في شقة "سُميه".. عادت "ياسمين" بعدما ذهبت المطبخ قبل وقت لتعد له مشروب من الليمون و لهم جميعاً لتخفيف من حدة الأجواء ..ولكنه كان قد خرج من الغرفه ليجلس مع "سميه" في الصاله ومع "بدر" مره أخرى وحتى "ورده" كانت تساعد "ياسمين" وهى تعاندها بسبب حملها ..أغلقت "سميه" الهاتف وهي تزفر ، فسألها "بدر" بإهتمامٍ لعودتهما :
_" لسه قدامهم كتير ولا إيه ؟"
_"لا لسه خارجه أهي عشان تركب معاهم ، عشر دقايق وهتلاقيهم جايين ، أنا بس عايزه أعرفكم قبل ما نيروز تيجي !!!"
أومأ لهاحتى خرج بحديثه هو الٱخر وهو يوزع أنظاره بينها وبين "حازم " :
_" وعمي جاي أهو هو ومراته ووسام !! "
وما أن قالها وجد جرس المنزل يدق ، نهض "حازم" من قبله ليفتح الباب ، وما أن فتحه وجدهم أمامه ، دخلوا بعد أن أفسح لهم المجال ، ثم لاحظ هو فتح باب شقة "عايده" هي الٱخرى حتى خرجت وهي تبتسم له بإطمئنانٍ هي و"جميله" التي جلبت "فريده" هي الأخرى ، وما أن رأها "حازم" إطمئن وخرجت أنفاسه بإرتياحٍ ، دخلن الثلاثه فأغلق هو الباب خلفهم ، حتى وجد "ورده" تخرج مع "ياسمين" من المطبخ وهي تتوجه لهم بأكواب العصير والحديث العشوائي متزايد ، إلى أن لاحظ لُطف ما حدث، وجد "يامن" يهتف بإسمه بطريقه طفوليه جعلته ينظر بغير تصديق ، إنحنى ليحمله بحبٍ وهو يقبله بمرحٍ ، فسمعه يردد له بنبره طفوليه بريئه :
_" متــ ـز علش "
مع حذف حرف اللام قالها ، تأثر من فعلته ثم نظر نحو "بدر" الذي حث صغيره على فعل ذلك ، قبله "حازم" بتأثرٍ وهو يحمله ثم قال بسعاده طفيفه :
_" والله لو كان في زعل فبعد متزعلش دي خلاص يا يامن إتبخر وراح !!"
دغدغه بمرحٍ ثم توجه به حتى جعله يميل أمام وجه "فريده" وهو يحثه على تقبيلها ، حتى قبلها فحملته هي بحبٍ ولاول مره تشعر بالحب الصادق دون أن تفعل له شئ منه ، صغير وهي أكبر .!! ، إحتضنته بسعاده عندما ردد لها على مسامعها مثل ما فعل ما شقيقها الذي حثه علي قولها لها هي الٱخرى !! ..، إنتبه الجميع عندما أشارت "سميه" لهم ومن ثم بدأت بإخراج ما تود قوله لهما ولمن يعلم ومن لا يعلم بما سيحدث لها وما تود تنفيذه. :
_" كنت عاوزه أقولكم حاجه مهمه بالنسبالي ، حاجه ووصيه ، أنا إتحددلي ميعاد للعمليه كمان يومين ، يعني من يوم صباحية "نيروز" من بليل هكون موجوده فالمستشفي علشان أعملها ، فيه اللي يعرف وفيه اللي ميعرفش ، بس الأهم إن الوقت راح وحتى نيروز مش لازم تعرفوها وسيبوها تفرح وساعتها يبقي ربنا يسهلها ، عاوزه أوصيكم على بناتي خلي بالكم منهم بناتي هنا مش ورده ولا نيروز ولا ياسمين بس لأ ..بناتي جميله كمان وفريده وحتى وسام ، كل دول أمانه فرقبتكم ، يشهد الله إني قلبي أبيض من نحية كل واحد فيكم ، وعايزه أسمع منكم كلمة مسامحينك على أي حاجه حتى لو مجيتش على حد فيوم ، الواحد مش ضامن عمره ، وهبقي بين إيدين ربنا !!"
كانت تعلم فتياتها ولكن لم يكونا يعلما بأن حديثها وأن اللحظه موجعه لهذه الدرجه، خاصرتهما بالتأثر وهما اللذان يحاولان التخطي والنسيان بهذا الوقت ، أدمعت عيني "ورده" بتأثرٍ وإبتلعت "ياسمين" ريقها بصعوبه وهي تقول بتحشرجٍ ضمها "حازم" عقب قولها :
_" متقوليش كده يا ماما، أنا متأكده إنك هتبقي كويسه ، عشان خاطري بلاش الكلام ده بقا!!"
ورغم تفاجئ "فريده " ولكنها صمتت تبتلع ريقها بصعوبه عندما علمت لأول مره بأنها مريضة قلب من الأساس عند إشارة شقيقتها لها لتفهم ، أخذت النساء تتحدث بحديث مطمئن لها ، بينما توجهت "ورده" تحتضنها تحت تأثر زوجها وحتى الجميع ، ضمتها "سُميه" بحبٍ وهي تهدهدها ، إلى أن سكن الجميع مره أخرى بعدها هتفت "دلال" والدمعه تكتمها بصعوبه :
_" هنستناكي يا سُميه ، هنستناكي ترجعي لحضن بناتك من تاني ومتخافيش أنا عارفه أن ربنا كريم ولطيف وهيلطف بينا كلنا لما تخرجي منها بخير !!"
توجهت بعدها تقبل رأسها بعاطفه شديده ، وكأنهما الصديقتان حتى بعد مرور كل ذلك الوقت ، فعلت "عايده" هي الأخرى معها كمثل ما فعلته ، حتى خرج "حامد" بحديثه الهادئ المطمئن هو الٱخر :
_" طب إحنا بقا كلنا متأكدين إنك هتبقى بخير يا أم ورده ، وبعدين بتوصيهم على بناتك ، واللي المفروض يكون أبوهم موجود ، صدقيني لو حد قرب منهم فوجودك أو فغيابك فهو الخسران ، حتى لو كان من ولادي !!!"
صديق زوجها ، بل أخيه مجازياً ..، تأثرت بشده وفي هذه اللحظه شعرت بأن روح زوجها تطوف حولها تشاركها وقت حزنها وفرحها ، صمتت تعجز عن الرد إلى أن مسح الجميع دموعه بسرعه وقد تظاهروا باللاشئ عندما سمعوا صوت المفتاح وخيال الثلاثه من خلف الباب و صوتهم !!
فتحت "نيروز" الباب بمفتاحها ، حتى دخلت وهي تضحك من عبث"غسان" كالعاده وخلفهم "بسام" ، دخلت ترحب بهم وبتجمعهم هذا، حتى إنسحبت تضع ما بيديها بالداخل في الغرفه ، أغلقتها خلفها لتبدل ملابسها إلى أخرى مريحه حتى ينتهي التجمع وتدخل المرحاض ، وقفت تنظر إلى مظهرها في المرٱه بمشاعر مختلطه من توتر وإرتباك وخوف وفرح وسعاده وحماس ولهفه. كل ذلك مع شريك الحياه والأيام.."غسان" ، وسرعان ما داهما الشعور الذي يداهم أي فتاه ، الشعور التي تحاول هي تجاهله ولكنه لح عليها الٱن وبقوه ، عندما نزلت دمعتها بكسره من فقدان والدها ، عجز وحزن ، كيف لي بأن أفتقدك وأنا سأبدأ مرحله أود وجودك بها ، أود رؤية فرحتك بي ، أود أخذك بعناقٍ عندما أودعك بالخروج من منزلك والذهاب لمنزل الزوجيه ! ، أود الرقص معك على انغام متأثره بفراق مؤقت وليس بفراق دائم كمثل الٱن ، يكسر قلبي في كل مرحله أدخل بها وأبدأها وأنت لست هنا ! كيف السعاده الكامله من دونك أخبرني ؟! ، كيف عدم الخوف من الأتى وأنت لم تكن ولم تزال ظهراً لي ؟! ، كل هذه الأسأله تسألها له وهو الغائب المستتر تقديره هو بمكانه الٱن بين الأموات بعيداً عنها ، رفعت كفها تمسح عينيها ثم وضعت بها كحل أسود لتخفي احمرارها من البكاء حتى استعدت للخروج وما أن خرجت وجدت عائلته قد رحلت مره أخرى ودخلت والدتها للداخل ، وبقى "غسان" في الشرفه بعد أن علم منهم ما سيحدث. !! شعوره الٱن بالخوف ليس عادياً بتاتاً ..!! ، بل ولم يخبرها قبل موعد زفافهما ، من المحتمل بعد الزفاف !! أو اليوم الثاني منه في الصباح ليترك لها فرصه لتحدثها ، لها كل الحق بذلك والذي وقف لهم به وهو يعارضهم بهدوء بأنها يجب أن تعلم وهو يضع بينه وبين نفسه كل الإحتمالات لحدوث الأسوأ قبل الأفضل ، حرك رأسه بإنتفاضه خافته عندما وكزته بكتفيه، عقدت بين حاجبيها باستنكارٍ منه حتى سألته بسرعه من تغير ملامحه وبنفس الوقت عندما لاحظ عينيها رغم وضع الكحل بها سألها هو الٱخر بنفس وقت سؤالها:
_" مـالك؟؟!"
نظرا الإثنان إلى بعضهما بذهولٍ من. ماحدث ، بل وحديثهما وطباعهما أصبحت واحده ! ، ضحكت بخفوتٍ كما فعل رغم تعكر صفو مزاجه ، ولكن ضحكاتها تجعله يضحك حتي دون أسباب مقنعه،. وجدها تتحدث بسخريه من أمرهما له :
_" طب مين هيقول الأول طيب !!"
_"إنتِ ..!! ..عشان أنا كويس لكن إنتِ معيطه ومداريه عينك بكحل أنا مش قادر عليه والله !!"
يثبتها ويغازلها ليخفف عنها في هذه اللحظه كانت شفقته عليها أكثر من حبه أو أتت من حبه لها ، نظرت له بخجلٍ وهي تتنهد ثم هربت بنظراتها وقد نجح هو بتشتيتها كي لا تسأله ، وجدها تشير بغير إهتمام وهي تتحرك بعينيها نحو ركن أخر بالشرفه هاربه من سؤاله لها تشتته كما يفعل ولا تعلم هى بأنه بارع أكثر منها بفعلها :
_" فرحان ؟!"
نظر لها "غسان" بعمقٍ وفي هذه اللحظه مد يده يدير وجهها ناحيته وهو يجيبها بصدقٍ نبع منه بقوه :
_" ومين عاقل ميفرحش إنه هيشارك "نيروز "فاللي جاي من عمره ؟!"
جمله خرجت لها بصدقٍ حتى رفعت بُنيتها تحتضن بنتيه الداكنه وأهدابه الكثيفه ، في هذه اللحظه وكأن ستار مشاعرها كُشفت له وبالأخص مشاعرها التي تود أن ترى بها الإحتواء منه ، وبالسرعه الكافيه عندما اجتمعت الدموع هبطتت منها وتعابيرها خاليه حتى هبطتت دمعه وحيده على كفه ، نظر لها بغير تصديق ، ولا يعلم هو لما تبكي الٱن ، لم يسألها ولكنه رفع ذراعه يضعها على رأسها من الخلف حتى حركها ببطئ ناحية صدره ودار ذراعه الأخر على ظهرها وهو يتشبت بها في هذه اللحظه ، تعتقد بأنه يواسيها ولكنه يأخذ راحته منها هو الٱخر مثلها ، شهقت بخفوتٍ وقد قرر سؤالها بعد أن تهدأ ولكنها أتت له بالجواب قبل السؤال عندما ضربت فؤاده بجملتها المنكسره له :
_"كان نفسي يبقي معايا ..كان نفسي يبقي موجود!!"
علم مخزي الحديث ، حديث ألم قلبه ، ضمها أكثر وهو يحتضنها بتشبت، بل وماذا لو علمت بأن والدتها هي الٱخرى حياتها على شعره بهذه العمليه الجراحيه ، تثير شفقته بقوه ، حتى أنه في هذه اللحظه يكتم دموعه لأجلها ، خرج منه حديثه المختنق يبرر لها سريعاً بلهفه وصدقٍ :
_"أنا أبوكي يا نيروز ، ابوكي وأخوكي قبل ما أبقى حبيبك وجوزك ، أنا موجود جنبك ..ومش هسيبك !"
شعرت بصدق كلماته رغم إنكسارها وها هو مشهد "ياسمين" وحديثها سيتكرر مره أخرى بإختلاف الإثنان ، خرجت من أحضانه وهي تتحدث بما تشعره قائله بضعفٍ :
_" بس أنا كنت عاوزه أبقى زي أي عروسه ، كنت عاوزه أمسك أيده وأرقص معاه وأقوله إني زعلانه إني هفارقه وهخرج من بيته لبيت تاني ، كنت عاوزه افارقه الفراق ده ، مش الفراق الصعب التاني ، نفسي يرجع ثانيه واحده بس أحضنه ويشوفني بفستان الفرح وبعد كده يرجع تاني ، بس مبقاش من غيره كده !!!"
كسرتها تشرح الكثير من وضعها ، ضمها مره أخرى ومن ثم رفع أنامله يمسح دموعها برفقٍ وهو يواسيها مجدداً محاولاً التماسك :
_" هو فـ مكان أحسن من كل ده ، مكان كلنا راجعين ليه ، ولو هتمني أرجع زيه كده هقول يارب يبقي ليا بنت منك تحبني كل الحب ده ، هدعي ربنا من دلوقتي إنه يقدرني أعمل اللي هو عمله معاكي ، بنت سالم الأكرمي مفيش زيها ولا هيكون غير بناتي إن شاء الله!!"
غير مجرىٰ الحديث عندما حاول تشتيتها لتخرج من حالتها. ، إبتسمت من ما قاله، فوجدته يرفع كفها نحو شفتيه يقبلها برقه وإحتواء ثم أكمل بحنوٍ لها وبوعده الصادق :
_"أوعدك إني هبقى جنبك دايماً وعمري ما هسيبك ، وأوعدك إني املى المكان الفاضي اللي سابه ده ، رغم إنها صعبه حد يملى مكان الأب بس هحاول أكسر القاعده وأعمللك اللي إنتِ عايزاه عشان لما تحسي بيا بحاجه أول حاجه تحسيها إني ابوكي فعلاً ، وأبويا أبوكي ، صدقيني مبيقولش كلام كده وخلاص ، بيحبك أوي ونفسه كمان تقوليله يا "بابا" ، عارفه إنه جه قريب فرحان وهو بيقولي إنك قولتلهاله ..مكنتش مصدق إن الكلمه هتخليه طاير من الفرح كده ، ساعتها عرفت إن حتى هدخلك وسط ناس بيحبوكي وعمرهم ما يتمنوا ليكي الشر ولا يغيروا منك أبداً ، وعرفت بردو إنك إنتِ الوحيده اللي تنفعي تكوني أم لعيالي فالمستقبل ، وإن الحياه متبقاش حياه لو مشاركتهاش معاكي انتِ ..، إنتِ نيروز واحده بس ، نيروز مختلفه عن كل الموجودين ، إستثنائيه بفرحها وخوفها وحتى حزنها ومشاكلها ، نيروز اللي حببتني في الإختلاف لما لقيتها حاجه غير ..، حاجه واحده بس مش هتتكرر، نيروز متمشيش ولا لحد غير غسـان وبس والله العظيم!!"
يعترف بكل ما يكنه ومن المرات القليله الذي يكون بها حديثه جاد ، أدمعت عينيها بتأثرٍ من حديثه ، حتى أنها دفعت نفسها بتلقائيه في أحضانه بكل تأثرٍ ، حتى قالت له بنبره باكيه جعلته يضحك بخفه علي تلقائيتها حينما قالت:
_"مش عارفه ليه بقلبهالك نكد وإنت ملكش ذنب تسمع كل ده مني ، أنا نكديه فعلاً !!"
ربت "غسان" على حجابها بحنانٍ وهو يضحك ثم خرجت إجابته الصريحه منه لها مباشرةً. :
_" حتى لو نكديه ..فـ بنت الأكرمي نكدها غيرّ .!!"
هذه المره ستغير أول كلمه فقط وستثبت بقية الجمله عندما قررت قولها وهي الٱخري تردفها بقله :
_" بحبك..يابن البدري وبحب قلبك !!"
صدق نبع منها ، تود الحفاظ على قلبه هذا ، ضحك بخفه ثم غمز لها بوقاحه وهو يطالعها بعدما إعتدلت ، حتى خرج منه حديثه بعبثٍ جرئ :
_" ما أنا أتحب بردو.. دا أنا عليا حضن بيدوخ اللي بيترمي فيه !!"
_" يعني حد بيحضنك غيري يعني ولا إيه مش فاهمه !"
تنقلب عليه بكل سرعه ، ذُهل من شراستها المفاجئه له بعد كل ذلك اللين ، حرك رأسه نفياً وهو يهتف بالإجابة بثباتٍ يثبتها:
_" لأ ..علشان المكان ده مكانك إنتِ ومش لحد غيرك!!"
غمزت له بإعجابٍ ثم أخرجت هاتفه من جيب بنطاله بمرحٍ ، ثم فتحته بعد أن علمت رقمه السرى ، فتحت الكاميرا لتقوم بتصوير ذكريات جديده ، خاصةً أن موعد الزفاف لم يكن عليه يوم بل مجرد ساعات وستكون معه وله !! ، قامت بتصوير الفيديوهات والصور بعشوائيه ومرحٍ رغم وقوف الغصه المريره لأجلها بحلقه هو ، انتهت الوقفه عندما وضع هاتفه بجيب بنطاله ، ثم إعتدل وهو يتحدث لها بلين :
_" يلا أدخلي إرتاحي ورانا بكره يوم طويل ، وأنا كمان همشي .. عاوزه حاجه ؟"
هزت "نيروز" رأسها نفياً ، وتعلم ما سيفعله هذه المره ، إنحنى ليقبلها من وجنتيها كما تعتقد ولكن قبلته هذه المره كانت بجانب عينيها بنتهي الرقه والمشاعر الهادئه ، غمز لها وهو يعتدل ثم قال سريعاً بعبثٍ :
_" أنا محدش يتوقعني يا رزّه !!"
خرجت ضحكتها عليه بقلة حيله وهذا ما يريده ، نظرت بأثره بعمقٍ وحب بلغ لكثيرٍ عندما وجدته يغلق الباب خلفه ، خرجت من الشرفه وقبل أن تتوجه للمرحاض ، قررت الذهاب لغرفة والدتها ، دقتها بهدوءٍ إلى أن فتحتها عندما وجدت الصوت بالداخل ، وما أن فتحتها وجدت "ياسمين" تستند على فخد "سميه" و"ورده" تستند على صدرها وعلى ساق "ورده" صغيرها ،. ودت سريعاً بأن تقوم بإلتقاط الصوره بذلك المشهد الجميل ولكن هاتفها ليس معها ، توسعت بسمتها عندما ركضت سريعاً لتفعل مثل "ياسمين" على ساق والدتها الٱخر قائله بحماسٍ :
_" خدوني معاكم !!"
_"إنتي يا بت مش فرحك بكره ، جايه تتحشري ليه بينا ، طب احنا سايبين جوزنا وجابين لنبع الحنان مش زيك راحه تترمي فحضن الأستاذ القليل الأدب بتاعك ده !!!"
لاحظتها ولاحظت أحضانها معه ؟ تعالت الضحكات ، فوكزتها "سميه" بذراعها بلومٍ قائله بسرعه:
_" يا بت كلميها بحنيه شويه ، دي هتتجوز ومش هتيجي كل مره تلاقيها قاعده هنا فأوضتها ، طب بدر وحازم ومتعودين علي انهم يقعدوا هنا عشان شقتهم مش هنا ، رغم إنهم عندهم القدره إن كل واحد يروح ويجي كل يوم بس إتعودوا، واحد بيسافر وبيقعد هنا عشان خاطر مراته وواحد متعود على كده من صغره ، أما بقا غسان فشقته فوق وده مزعلني ومفرحني ، ومش عارفه اقول ايه!!!"
ضحكن الثلاثه علي حديثها المتعلثم من مشاعرها وفرحتها بها ، تحدثت "ياسمين" بتأثرٍ وهي تحرك نظراتها له وهي تجلس عكسها :
_"بعيداً عن كل ده ، بس أنا فرحانه إني بجوز أخر واحده فينا ، وأصغر واحده ، فرحانه إن أم البنات بتفرح لتالت مره بينا ، بحبكم وربنا يخلينا لبعض دايماً ومنتحرمش من بعض !!"
اعتدلت "نيروز " تقبلها بحبٍ ثم سمعت من بعدها قول "ورده" لها والمتأثر بشده :
_"أنا كمان فرحانه أوي ، مبسوطه بيكم كلكم ومبسوطه بيكي يا نيروز أوي ، عارفه إني ٱخرتها هسافر تاني وإن ده وضع مؤقت بس كل ما بفكر في كده بزعل أوي ، لكن دي الحقيقه ، فعشان كده بحاول أعيش اللحظه بلحظتها معاكم ولو هتنتهي مؤقتاً بفرح نيروز هتبقي أحسن حاجه بالنسبالي "
ضمتهم "سميه" .. الثلاثه ، بحبٍ وهي تتشبت بهم حتى بـ "يامن" الذي دخل بالمنتصف بينهن وللحق بالنسبه لها تراهن الٱن ومن قبل ذلك وفي هذه اللحظة كمثل "يامن" لا يكبرن هن بعينيها ، صغارها التي عاشت تحميهن من الحياه ، حبيبات أيامها وحينها تيقنت أن السند ليس شرط بأن يكون صبي أو شاب ...ولد ..رجل ..قد يكون السند بهيئة ثلاث فتيات بعد موت سندها وحبيب أيامها الذي لم يأت مثله أبداً ولم ترى مثله أيضاً بعينيها!!!!
______________________________________________
صعد وهبط قبل دقائق ليضع بعض من ملابسه كما قال ، دخل شقة والده ، ووجد الجميع بصوتهم يعلو في غرفة "حامد" ، توجه بهدوء يدخل عليهم حتى صاح "بسام" عالياً بسعاده :
_"أوعا للعريس !!"
ضحك "غسان" بخفه وهو يجلس بينهما في المتتصف ثم وضع ذراعه على والده والٱخر على والدته وشقيقته وشقيقته يجلسان على المقعدين من أمامه ، نظر له "حامد" بتأثرٍ وحتى "دلال" هبطت دمعتها المتأثره حينما قالت له وهي تربت على صدره:
_" ألف مبروك يا حبيبي ، ربنا يسعدكم ويهنيكم ببعض ، وأعيش وأشوف أحفادي أنا وأبوك وهما بيتنططوا كده في الشقه وقالبينها ليا !!!"
لم يستطيع "بسام" إكمال الوضع بتأثر بل هتف سريعاً بتساؤل لها :
_" هتستحمليهم ساعتها يعني يا حجه دلال؟"
شهقت بلومٍ له ثم قالت بعفويه وحبٍ :
_" طبعاً مش ولاد إبني !!"
ضحكت "وسام" عليها بسخريه وقبل أن ترد رد "حامد" بنفس ردها وهو يسخر :
_" ما عشان ولاد ابنك وبالذات ده فمش هتستحمليهم يا دلال"
ضحك الجميع ، حتي هي وهي تحدجه بغيظٍ ، فردد "غسان" لها يشهدها الحوار:
_" شايفه يا دلال ؟ شايفه يا أم غسان إبنك ضناكي بيتظلم إزاي ، أهو هيسيلبكم الشقه ويهج وأبقا أشوف حد فيكم كده بيقولي إنزل وحشتنا قعدتك !!"
عند هذه النقطه وصمت الجميع، كان حديثهم من قبل مجيئه علي هذه النقطه ، تحدث "بسام" بتردد له يعلمه بطريقة ما أن يلطف لهم الوضع :
_" ما بلاش الكلام ده بقا يا غُس ، دا احنا كنا لسه بنواسي بعض يعني عشان هتخرج من الشقه ومش هتبقى معانا زي الأول ، دي وسام كانت بتعيط من شويه وأمك ، وأبوك عينه دمعت كده بس بعد كده شتمك فغيابك عادي جداً ، والصراحه يعني أنا كمان دمعت زيه بس مشتمتكش والله!!"
يمرح رغم التأثر كي يخفف عنهما وعنه ، لطالما كانت عائله مترابطة متماسكه ، يحسدها الكل علي تمسكها إلى الٱن ، حرك "غسان" رأسه بلومٍ لما يشعرونه وحتى وزع هو نظراته بينهما أولاً حتى أمسك كف "دلال" يقبله ببرٍ وهو يوضح لها بصدقٍ :
_" جرا إيه يا أم غسان ، دا أنا يعني كل اللي بيني وبينكم كام دور ، متحسسنيش إنك هتجوزي عروسه أومال لما وسام تتجوز هتعملي إيه ؟! ، مش عاوزك ولا عاوزكم تفكروا فالهبل ده ، أنا هنا معاكم زي الأول وأكتر كمان ، وإهتمامي وحبي ليكم عمره ما يقل أبداً "
صمت ثم أكمل عندما إلتفت يقبل قمة رأس "حامد " وكفه :
_" وإنت يا بابا ، إنت عارف أنا بحبك قد إيه وكل خناقي معاك نهايته أنا ببقى عارفها ، كفايه بس إن كل اللي يقابلني يقولي إنك زي حامد البدري فشبابه ، فمش هتفرق يا حامد لو مشيت في مني نسخه تانيه "
أضاف سريعاً قبل أن يُهزم أمام تأثره :
_''بهزر معاك معاك يعم.. أنا موجود ممشتش دا إنتوا معملتوش كده يجدعان لما روحت الجيش ، ما بلاش الكلام اللي يخلي الواحد يجيب نيروز بفستان الفرح علي هنا علطول !!"
قهقهت "دلال" كما ضحك "حامد" وضحك شقيقه وشقيقته ، وكزته "دلال" بمرحٍ وهي تقول :
_" يواد بلاش كلامك ده ، إن شاء الله تعيشوا فبيتكم وتعمروه ويتملى بحسكم وحس ولادكم يارب !!"
إبتسم لها بإتساعٍ ، حتى إعتدل ينحنى أرضاً ليمسك كف "وسام " وهو يقبله برقه يرسل لها الإهتمام والحب مع قوله وحديثه :
_" يا بت متعيطيش ، بلاش الهزاقه دي ، أنا حاسس إن إسمي غسانه مش غسان وكل واحد قاعد بيودع فيا علشان هروح بيت جوزي ، ..لا اصحوا ..دا إحنا رجاله أوي!!!"
ضحك الكل بخفه فعاد ينظر لها بلين عندما وجدها تمسح دمعتها الخافته ، ثم أضاف بمثل لين نظراته أمام الكل:
_" صدقيني مش ههملك خالص ، وغلاوتك عندي مش هتتغير ، وأنا عاوزك كده من تاني يوم تلمي شنطتك وعزالك وتطلعي تقعدي معانا ، والله ماحد قايلك بم حتى !!! ، أهم حاجه ويسو تكون مبسوطه !!"
إبتسمت له بحبٍ ثم إحتضنته وهي تضمه لها ثم ضمت بذراعها الٱخر "بسام" وهي تسمع معارضة والدتها :
_" ميصحش يخويا ، تطلع فين وتقعد مع مين ،على ما تقدموا كده وتبقوا عرايس قدام نبقى نقعد عندكم ونبات كمان !!"
_" ما تهدي يا ٱم غسان ومتعاندنيش ، لأحسن اطلع أبنيلكم برج فوقي ، يصح ونص كمان ، هو أنا يعني كان ولا هيكون عندي أغلى منكم هي بس اللي زادت عليكم فالغلاوه زادت ، لكن عمر حبكم ما يقل ابداً !!"
إبتسمت بقلة حيله عليه ، حتى رفعت أنظارها عليه وهو يقف ليعتدل ، ثم قال وهو يضع يديه على رأسه يرجع خصلاته إلى الخلف :
_" يلا هسيبكم أنا تنحنحوا من تاني مع بعض ، هاخد بسام بس عشان عاوزه فحاجه ، كملو يلا أنتم !!"
أشار لهم بمرحٍ وهو يخرج فنهض "بسام" من خلفه سريعاً إلى غرفة الأول ، فتحركت "وسام" تجلس مكان ما كان يجلس "غسان" بالمنتصف ، وضع "حامد" ذراعه عليها بحبٍ حتى قصد أن يظهر لها الإهتمام وهو يقول لها بمشاكسه :
_" حبيبة بابا الأصيلة اللي هتلبس زي لون بدلتي مش زي أمها !!"
قالها "حامد" بلومٍ فضحكت هي بخفه حتى وجدت "دلال" تبرر سريعاً له :
_" بقا يا راجل عايزني ألبس فستان لونه بيج، هو أنا لسه صغيره ، عيب عليك دا لو ولادك كانو اتجوزوا بدري كان فات أحفادك علي رجلك دلوقتي "
ضحك عليها ثم غمز لها وهو يشير لها بكفه المجعد غير عابئاً لمن تجلس بينهما :
_''ما أنا قولتلك يا أم غسان إنك حلوه وزي القمر ولسه شابه ، ولا إنتِ يا وليه عايزاني أقولك كده كل شويه بقا !!!'
قال حديثه بطريقه مضحكه ، والعجيب أن زوجته خجلت وهي تطالعه بحرج رامشه بأهدابها ، فتحت "وسام" فمها ببلاهه وهي تحرك نظراتها بينهما قائله وهي تقطع لحظه تقبيله لوالدتها من وجنتيها:
_" إيه ؟؟..إنا لسه موجوده فالنص يحبايب !!!"
..
في غرفة "غسان" جلس هو يريح جسده على الفراش بعدما بدل ملابسه لأخرى مريحه ، جلس بأريحيه وبجانبه شقيقه الذي ينتظر حديثه ، ترك "غسان" هاتفه وهو يضعه أسفل الوساده ثم حرك رأسه متصنعاً عدم الآهتمام وهو يقول:
_" بقولك لو معاك رقم الدكتور اللي بتروح عنده ده هاتهولي!!"
عقد "بسام" ما بين حاجبيه بغرابة وهو يسأله :
_"ناوي تروح عنده وكده ؟ ولا إيه الحكايه ؟!"
عاهد بأن لا يظهرها مجنونه ومختله عقلياً أمام أحد حتى لو كان الٱخر يعلم بأن ذلك لا يعد إختلال في العقل ، ولكنه لم يقلل منها ومن شأنها ، سيضحي بصورته إذن وهو يكذب في هذه اللحظه عندما هز رأسه له إيجاباً قائلاً بكذبٍ وضح للٱخر :
_"أه ..هاته !!"
_"وبتكذب ليه وإنت لو كذبت علي الدنيا كلها متعرفش تداري عليا حاجه عايزها ، أنا حاسس بيك وعارف قد إيه إنت مضغوط بسبب موضوع مرض مامتها وإنها لحد دلوقتي متعرفش حتى ملامحك وكلامك بعد ما عرفت إنها هتروح المستشقي يوم صباحيتكم بليل ، وهي لسه متعرفش.. متخافش يا غسان ، والله كل ده هيعدي وهي هتتقبل الوضع إن شاء الله ، وهعطيك يا عم الرقم عشان عارف إنك محتاج مساعدة الدكتور اللي مراتك تعرفه وبتروحله من قبل مني اصلاً ، المرضى ليهم أسرار بس أنا شوفتها هناك زي ما هي شافتني بس ما قولتش زي ما هي جت قالتلك وفتنت عليا !!!"
قال ٱخر كلمتان بمرحٍ ، وجد "غسان" أن لا مفر من الحديث ، أعلن عجزه بالٱمر حينما قرر سرد ما يشعره بحديثه الٱتي :
_"مش عارف يا بسام ، حاسس اني وحش وأنا بداري عليها ومش عارف أقولها ، هي تبان سهله بس عليها هي أنا عارف إنها صعبه ، والمشكلة إني إتزنقت معاهم ومش عارفين هنعرفها بأنهو طريقه ، بس الاكيد مش يوم الفرح ولا ليلة الفرح ، بس أمها هتروح المستشفي بعده بيوم من بليل يعني لازم تعرف مفيش مفر ، وأنا خايف ..خايف أوي لأن نيروز بيجيلها إنهيار عصبي بنسبه بسيطه ..خايف ليحصلها كده بصعوبه المره دي وأنا بقولها ، ودا اللي مخليني متردد، وفنفس الوقت مش عارف إزاي هيجيلي قلب وعقل كده أشاركها أول طوبة في حياتنا وبيتنا وأنا حاسس إني ضاحك عليها لوقت معين ، حاسس إني عقلي علطول سرحان ليها بـ ده ، وحتى لأول مره أخاف من رد فعلها لما تعرف بالذات معايا ، نيروز مش بتتهاون وممكن تعملها مشكله عشان خبيت عليها حاجه زي دي فوقت زي ده حتى لو الموضوع عدى ، متقفله من نواحي كتيره ، بس أهم حاجه عندي إنها تكون بخير وبس"
تفهم الٱخر ما يكنه وما يشعر به لذا رفع يديه بعاطفة إخوه يربت على خصلاته بإطمئنان تزامناً مع قوله له :
_" لا متفكرش فـ كده كل حاجه هتبقي. تمام بإءذن الله، وأنا هبعتلك رقم الدكتور على الواتس وهو ادرى بحالتها بردو وهيساعدك ويديك حل ، ومتخافش ولا كأنك قولتلي حاجه عنها !!!"
تنفس بإرتياحٍ ، ثم إبتسم له بإمتنانٍ ، وهو يعتدل ، حتى دفعه عنه بتبجحٍ يطرده بصراحه:
_''طب يلا شد من هنا عشان عاوز أرتاح!!"
أخذ "بسام " منه الغطاء وهو يتسطح بجانبه بعنادٍ ، مردداً بنبره بارده :
_" لا ما أنا مش هتحرك من جنبك الليله دي ، هنام معاك ، ما هي ٱخر ليله فالعزوبيه بقا"
نظر له"غسان" بريبه مردداً بوقاحه له :
_" قصدك إيه ياض ؟؟؟"
_"قصدي إنك هتنامي فحضني النهارده يحلوه ومفيش هروب !!!"
خرج بمرحه القوي هذه المره الذي لم يراه منه من فتره ، قالها وهو يغمز له ، فنظر له "غسان" بخوفٍ مصطنع ومن ثم خرجت الضحكات بقوه ، حتى نظم كل منهم الغطاء عليه ، ونظر كل منهما على السقف بشرودٍ ، إلى أن خرج السؤال من "بسام " بحيره:
_" تفتكر هنعمل إيه فأوضتك بعد ما تمشي ؟!"
_"ولا أي حاجه يا روح أمك ..هتفضل زي ما هي ياض ، وهجيب نيروز وهبقى أبات هنا يعني كله زي ما هو .. فأعقل وإهدي كده !!!"
ضرب "بسام " جبهته بهزيمه وهو يقول بضيقٍ زائف :
_" يا خساره كان نفسي افتحها عياده ، كان هيبقي ليك نسبه بس إنت حر خليها تنفعك هي ونيروز!!"
ضحك "غسان " بخفوتٍ ثم حرك عينيه نحوه وهو يجيبه بعمقٍ :
_" هي نفعتني فعلاً ، احساس حلو لما خلاص بتتجوز اللي بتحبها وهتعملوا بيت وأسره بعد معاناه ، معاناه عاديه بتحصل بين أي إتنين ، مقنتع إن قصتنا دي علفكرة مش مأساه يعني..وعارف كمان إن اللي حواليا بيعانو عني وقصتهم دي محتاجه تتعمل كتاب ، من حازم وعز وحتى بدر وٱدم ، كل ما الواحد يحس إنه على حافة الإعتراض بيرجع بسرعه يحمد ربنا ويصلي ركعتين شكر على كل حاجه ، على أمك وأبوك وعلى أخ زيك وأخت زي وسام ، وعلى شريكة حياه وأيام راحت وجايه ..نيروز ..، أوقات بقعد أفكر لو مكناش رجعنا كان هيحصل كل ده ؟؟ كنت هعيش ازاي من غير حكايتي مع نيروز دي ؟؟ طب كنت هحب مين ولو حبيت كنت هحبها كده زي ما بحب نيروز ؟؟..كل مره بقتنع إن إختيارات ربنا لينا هي أحسن لينا فكل حاجه حتى لو جت فحاجه معارضينها فالأول ، يعني مضحك. ٱوي تخيلي وأنا مثلاً خلاص هتجوز زي أي واحد بيتجوز بس واحده غيرها وإحنا لسه منقلناش من هناك بس هتجوز أنا هنا علشان شقتي هنا ، كل ده وواحده غير نيروز ؟؟ وقدامها وهي عايشه هنا ؟؟...تخيل مضحك بعد كونه صعب الصراحه ، عشان لو مش نيروز فمش هتبقي حاجه أصلاً ..!!"
يسرد عليه بعمقٍ وهو يستمع إليه بحبٍ ، حرك أنظاره بعشوائيه حتى إنتفض مره واحده عندما رأي قطرات الدماء تهبط على الغطاء من أنف شقيقه ، عقد "غسان" ما بين حاجبيه، فجذب "بسام" المناشف الورقيه بسرعه يضعها نحو. أنف "غسان" قائلاً له يعلمه :
_" مناخيرك بتنزل دم بردو ، خليك حاططها على ما أجيبلك القطره وأجي !!"
قالها ثم نهض بسرعه من على الفراش فإعتدل "غسان" بغرابة حتى أنه لم يشعر بهبوط الدماء عندما كان يتحدث عنها !؟ ، وضع المنشفه على أنفه حتى رأي شقيقه يدخل بسرعه يعطيها له بلهفه تزامناً مع قوله وهو يعنفه :
_" أنا مش قولتلك تبقي تحط منها ، بتهمل فنفسك ليه ، وغير كده بتضغط نفسك ليه يا غسان ، سيبها لله وكل حاجه هتتحل واللهِ بس بلاش تحمل نفسك ضغط كده !!"
قصد موضوع "نيروز" الذي يضعه تحت ضغط ، أخذ "غسان" أنفاسه عندما وضع من القطره وإنتهي ثم عاد ليتسطح على الفراش مره أخرى وشقيقه بجانبه، أغلق "بسام" الآناره ، ثم نظر نحو شقيقه فوجده أخذ وضع النوم دون أن يردد حرف واحد ، تركه فالغد يعد حمل ثقيل عليه بأحداث كثيره ، أخذ وضع النوم هو الٱخر وهو يبتسم من كونه بجانبه ونفذ ما فعله ، يعلم هو لولا أنه اخر يوم له لما تركه ينام بجانبه ، أما "غسان" لم يتوقف عقله عن التفكير لها وعليها ، يتألم لأجلها بشده ، ولا يعلم هو ما هو الٱتي ، يتمني زوال هذه العقبه ليستمر بعيش حياتهما دون عبء !! ، تنهد يأخذ أنفاسه بصوتٍ وهو يزفر ليرتاح ثم أغمض عينيه بتفكيرٍ وتشوش من كل الأحداث التي تتضارب بعقله ، لم يستطع التفكير إلا بها ولها ، فقط لـ "نيروز الحُب"
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عودة الوصال ) اسم الرواية