رواية عودة الوصال الفصل الواحد و الثلاثون 31 - بقلم سارة ناصر
إرتدي "حازم" ملابسه قبل وقتّ ، وقبل أن يقرر الخروج من الغرفه ، تذكر أن عدم وجودها بعد أن إعتاد على وجودها بجانبه..مؤلم ، هو الٱخر علاقته مُهدده بالفراق ؟! ، وكيف لم يتألم وهي من سُميت بـ حُب العُمر !! ، إبتسم بسخريه متعبه متذكراً احتوائها له عندما يكون بأشد حالاته ، لم يفعل هو سوى أنه يردد الدعاء التي علمته له عندما يضيق صدره من الحياه، يضيق بالفعل وحتي أنها ليست بجانبه الٱن !! ، قرر ترك شعوره ثم تعمد أن ينبه نفسه بأن الٱخرين من حوله أحق بأن يشغل باله وتفكيره بهم هو ، أول خطواته في بدء الإجراءات اليوم ، خرج من الغرفه بهدوء وهو ينظر ، توجه بخطواتٍ بطيئه يدق باب الغرفه عدة دقات هادئه ، أذنت له من الداخل واحده منهن ففتح هو الباب بهدوءٍ ثم ابتسم وهو ينظر إليهن وكل واحده منهن قد تجهزت، أكملت "فريده" ملابسها التي جاءت بها أمس وإرتدت "جميله" أحد ملابس "ياسمين" أما "عايده" فظلت بملابسها كما هي ، توجه يقف بينهن ثم هتف يستاءل بلين لهما :
_" جاهزين ؟! "
لم ينتظر هو الرد بل أضاف سريعاً. يوضح لهما :
_" قبل الرد أنا مش عاوزكم تخافوا طول ما أنا موجود معاكم ، بالذات إنتِ يا فريده ، إنتي هياخدوا أقوالك كده الأول عالماشي على ما يتحول شريف ده على ذمة التحقيق هنروح كمان مره يكون بعدها القضيه تتحول للنيابه ، هو خرج النهارده الصبح من المستشفي وبشويه مكالمات بلغت عنه وخدوه قبل ما يمشي ، الناقص ده بتاعنا احنا ، هو كده كده لابسها طالما احنا بإيدنا دلائل كتير وشهود ، المهم إنك تكوني ثابته وتتكلمي ومتخافيش، وكمان إنتي يا جميله عاوزك تكوني قويه وتحكي بهدوء زي ما فهمتك "
نظرا له الاثنان بتأثرٍ تحت نظرات "عايده" الساكنه المتأثره بما يفعله ، فواصل "حازم" يكمل مره أخرى بعقلٍ :
_" وعاوزك تدوسي على قلبك عارف إنها صعبه بس أنا مش مستعد أفتح باب للوجع ليكي، أنا مش مٱمن عليكي حتى لو عز كويس فعلاً ، أنا كلمته وهو هيحصلني على القسم وهيجيب "فرح" معاه ، قولتله إني مش هجيب سيرتها فأي تحقيق عشان مستقبلها ميضيعش ، رغم إنها تستاهل بس عشان مقدر حالته سكت ، مكنش لازم أسكت بس الواضح إن فرح مش متزنه نفسياً ده مش مبرر بس عشان ننهي الحوار ده هبعدها عن أي كلام ، ولما يطلبوا القبض على خالد أنا هتصرف فالكلام ده ، كل اللي عاوزه منكم إنكم لازم تكونوا أقوياء ، مش عايزكم حاجه تهزكم طول ما إنا موجود!!"
رفع ذراعيه عقب قوله وقد تعمد هو سرد المختصر بما يفهمونه ، كي يطمئنهم ، دخلا الإثنان بين أحضانه ، فرددت "فريده" أولاً بنبره مختنقةٍ ، صادقه وحتى متأسفه :
_" أنا بحبك أوي يا حازم ، بحبك ومحدش كان هينفع يكون السند غيرك انت!!"
تأثر فضمها أكثر ،فوجد شهقات "جميله " تخرج منها بضعفٍ علم ما تكنه وما تشعر به ، خرجت "فريده " من بين أحضانه وبقت الٱخرى التي رفعت انظارها توجهها نحو "حازم " بلوم علم هو معنى نظراتها فردد يواجهها بصراحه في نبرته :
_" صدقيني يا جميله هو ده القرار الصح، متلومنيش على حاجه أنا مرعوبلك عشانها ، خلينا ننهي اللي بينكم بمنتهى الهدوء رغم كل اللي حصل ! ، مش هتفهمي كلامي ده ألا لما تكوني مكاني !!"
قررت "جميله "الصمود للمره الٱخيره, نظرت له للحظاتٍ ثم انفجرت تواجهه بما تشعر به بضغفٍ وبنبرتها الباكيه تشرح :
_"ليه كده يا حازم ، أنا قولتلك إني بحبه ، أنا حتي مش قادره أستوعب إني لما نخلص الموضوع ده وواجهته هقوله إيه ؟ كده مش هبقي بتخلى عنه ؟؟ ، انت مش حاسس بيا ، محطتش نفسك مكاني، عشان عز هو الوحيد اللي خلاني أحب نفسي أكتر خلاني أذاكر عشان حسيت ان قد إيه اللي أنا فيه ده حاجه عظيمه وفخر بالنسباله ، غيرني فأقصر وقت ممكن ، خلى عندي طاقه وحماس حتى لو بالكلام بس !! ، أنا حبيت اللي أنا فيه عشانه هو ، هو ميستحقش ده مني يا حازم صدقني ، أنا مش عايزه أقف فطريقك وأعارضك .. بس ده قلبي اللي إنت بتاخد ليه قرارات صعبه أوي عليه !!"
وكانت لأول مره جريئه في وصف شعورها تجاهه وهما في خطبة فقط !!، نظر لها بألمٍ يقسم أنه أخذه منها ومن نبرتها الضعيفه تلك ، تشبتت هي بأحضان والدتها وشقيقتها وهي تشهق ، في حين وقف "حازم" يبتلع ريقه ثم تعمد بأن لا يعطيها الأمل رغماً عنه :
_"أوقات كتيره العقل هو اللي ببقى صح عن القلب والاحساس ، أنا مش حاسس بقلبك بس فاهملك المستقبل واللي جاي ليكي من تعب في العلاقه دي ، متنفعكش ي جميله ، والله ما تنفعك عشان انتِ مش حمل وجع ، هو لما جه الأول وكلمني عنك عرفت إنه بيحبك حتى من نبرة صوته ، مفرقش معايا شغله ولا حالته ولا حتى تعليمه، كل اللي فرق معايا واللي قولتهوله ان راحتك عندي وعنده لازم تكون رقم واحد ، ملوش ذنب ، بس الحقيقه اللي موجوده غصب عننا فكل ده إنك إتحملتي فوق طاقتك ، إتوجعتي من علاقه فيها ماضي ربنا أراد أنها تكون دي فـ دي ، ماضي ابوكي عمله ، ماضي يا جميله اللي الراجل مننا غصب عن عينه بيعاير الست بيه عند أول مطب ، إحنا مش كاملين وكلنا فينا العبر الوحشه ، وأي إنسان بيخرج منه كلام بيندم عليه ، أنا بقا مش عاوزه يندم انه إختارك وحبك رغم اللي ابوكي عمله ، مش عاوزك تندمي إنك بقِّيتي وإختارتي الحب عن الواقع الصعب اللي مش بيتنسى بالسرعه دي ، يمكن عز ده أكتر واحد فاهم الدنيا دي صح بس مضمنش الدنيا اللي جت عليه.. مضمنهاش لما تكوني معاه فتيجي عليكوا انتوا الآتنين من كل ده وبعد كل ده !"
إنتهى من كلماته وقد تعمد عدم فتح ذلك الموضوع مره ثانية ، مسحت دموعها بضعفٍ ثم نبست بنبرتها المتحشرجه تبرر له سريعاً :
_" بس" عز "مش كده !!"
تيقن وعلم جيداً بأنه قرار صعب ، وقف يطالعها بصمتٍ وقد حدجها بقوه فقط دون نبس حديث ، علمت بأنه قد نهى الحوار بل والإصرار ملازم نظرة عينيه إليها ، أخفضت نظراتها أرضاً بكسره ، وحتى هو ابتلع الغصه المريره التي توجد بحلقه ، لامته "عايده" بنظراتها المشفقه على حالة ابنتها ، وبعد صمت دام ، ردد هو من جديد يشير لهما :
_"يلا علشان منتأخرش ، وانتِ ياماما هتيجي معانا وهتخليكي قاعده فالعربيه برا لحد ما نخلص عشان لما نطلع أدويكم لنيروز عشان عزالها النهارده زي ما انتوا عارفين !!"
أومأت له "عايده" بهدوءٍ ثم سألته بتردد وهي تنظر إليه :
_" هتطلع معانا ؟؟"
_" هطلع أكيد "نيروز "بنت عمي وأختي و"غسان" صاحبي ، مفيش بينا الكلام ده عادي كل حاجه هتبقي تمام ركزي انتي معاهم وسيبك مني !!"
علمت مخزى حديثه ، فرسم هو ابتسامه صغيره حانيه وهو يوجه نظراته نحو شقيقاته مردداً بتفهمٍ :
_" أنا بقولكم إن إحنا لسه فيها ، لو مش قادره تروحي يافريده انتي وجميله دلوقتي البيت بعد ما نخلص مشوارنا أنا مستعد ارجعكم هنا تاني وأودي ماما بس !!"
قاطعته "جميله" بلهفه وهي تمسح أنفها بالمنشفه الورقيه سريعاً :
_" إنت بتقول إيه يا حازم ،حتى لو فينا ايه بس لازم أكون مع نيروز طبعاً في يوم زي ده ، أنا هاجي مش هسيبها !!"
إبتسم بزهوٍ لأصلها فرغم حالتها النفسيه الا أنها تُقدر جيداً ، رفع أنظاره نحو"فريده" ثم سألها هو الٱخر بترقبٍ :
_"وانتي يا فريده رأيك إيه ؟؟"
سألها وهو يتمني بداخله بأن لا تكون منغلقه على نفسها ، وقبل أن ترد هي بتردد وجد هو نبرة "عايده" السريعه وهي تبتسم قائله باندفاعٍ :
_",هتيجي طبعاً يا حازم ، فريده من زمان أختكم وحتى أخت نيروز ،ومش معني اللي حصل ده انها تبعد وتقفل علي نفسها ، لأ سيبهالي بقا كده وأنا هدخلها في الجو وهروقها ومحدش متقل منها ولا حاجه، بس هي ترضي وتفتح صفحه جديده وتبدأ من جديد وإن شاء الله خير!!"
تعمدت الضغط عليها كي تأتي معها ، ابتسمت "جميله" بحبٍ ، في حين طالعتها "فريده" بتأثرٍ ثم ردت بألمٍ أخفته بأعجوبه :
_"أنا فاهمه ده ، بس أنا طاقتي مش مستحمله ، مش قادره ومش متخيله إني هقدر من تاني ولا متخيله إن حد ممكن يقبلني وسطهم وإنا كده!! "
وجدت لهجة "حازم" الحاده وهو ينظر لها قائلاً بجمودٍ :
_" مسمعكيش تقولي كده تاني ، فاهمه ؟؟"
قالها بغضبٍ دفين عندما وجدها تقلل من شأنها في ٱخر حديثها ، هزت رأسها بالايجاب من نبرته الٱمره ، فأمسكت "جميله" كفها باحتواءٍ ثم رددت والدموع تتجمع بمقلتيها وحتى الصدق كان رفيق صوتها :
_" أنا أول واحده قابلاكي بكل حاجه ، وأول. واحده رغم التعب اللي فيا وفيكي بس أتمني تدي لنفسك فرصه ، أنا قويه بيكي يا فريده مش العكس ابداً !!!"
كلمات مواساه حقيقه ترفع من شأنها ، تأثرت "فريده" بشده ، حتى أنها رفعت ذراعها تحتضنها ثم إحتضنت بذراعها الٱخر "عايده" التي أثر بها هي الٱخرى حديثها وللحق شعرت بها بحنانٍ نبع من أم ليس إلا ..لم تشعره هي من والدتها الحقيقه، خرجت من أحضانهم ثم هزت رأسها لهم بالإيجاب والموافقة ستضغط على نفسها كمحاوله لإعطاء نفسها فرصه قبل أن تنغلق للأفكار الجنونيه الانتحاريه !! ، ما أن وجدت فرحتهم على وجههم بابتسامتها شعرت بالصدق النابع بشعورهم هذا نحوها ، توجهت بكل عقلٍ وهذه المره هى من فعلتها أمسكت رأس "حازم" بين كفيها ثم توجهت تقبل قمة رأسه بشفتيها ببرٍ ثم قالت بكل تأثرٍ وصدق:
_" إنتَ أبويا يا حازم بجد ، أنا مش عارفه أقولك إيه ، بس أنا ٱسفه إنك بتشوف كل ده بسببي !!"
تأثر منها بشده حتى أنه رفع كفها وقد تعمد بأن يقبله بلطفٍ ليظهر لها الاحتواء التي لم تأخذه يوماً ثم ردد بعمقٍ :
_" متقوليش حاجه يا فريده وبلاش تحملي نفسك ذنب خلاص اللي فات عاوزه يموت عشان نبدأ من جديد وصح ، ولو إنتِ شيفاني بعد النهارده أبوكي فعلاً يبقي مفيش بنت بتحس نفسها تقيله على أبوها ، الدنيا دي لو مشالتكوش هشيلكم أنا فوق كتافي العمر كله !!!"
قال ٱخر حديثه وهو يوزع أنظاره بينهن هن الثلاثة ، نظرن له بإمتنانٍ ، فابتسم لهن بحبٍ صادق وقبل أن يتحدث لهن ليحثهن على الخروج وجد "فريده " تردد باندفاعٍ على فجأه :
_" إرجع لـ ياسمين يا حازم علشان خاطري ، والله العظيم مقصدتش أوقع بينكم بس هي ملهاش أي ذنب، بالعكس أنا شيفاها عملت حاجه كانت بتحاول إنها تراضي وتريح أختها ، كانت عاوزه تبسط نيروز وتحقق لها اللي عايزاه ، ياسمين فعلاً مش سبب فحاجه كل ده كان مني أنا من الأول ، مراتك يا حازم مش وحشه ، أنا يمكن كنت بغير طول عمري وأنا شيفاها واقفه جنب أخواتها وبتدعمهم وشايفه منهم الحب اللي أنا عيشت أرفضه بمزاجي عشان إتعودت على ده ، رغم إن كان في محاولات منكم ، بس أنا اللي غبيه ، لو بتحبني بجد إرجعوا !!"
لم يقاطعها في الحديث تركها كي لا يكون متحسس بالنسبه لها ، لم يجيب ، بل أضافت "جميله " هي الاخرى بحديث لفت إنتباه "فريده" رغم قوله أمس ولكن حالتها كانت لا تسمح لها للإنتباه :
_" أيوه يا حازم ، وياسمين حامل كمان ، حرام وحِمل عليها الضغط النفسي ده !!!"
_"عقلوه وقولوله ..ربنا يهديك يبني .!!"
قالت "عايده " حديثها بٱخره كولوله نسائيه معروفه بحسرتها على حاله ، هناك من تفاجئ من حديث شقيقتها فرددت باندفاعٍ متلهف رغم نبرتها الضعيفه من كثرة البكاء :
_" بجد ؟؟ "ياسمين" حامل ؟؟"
لا يعلم هو لما سعد هو من نبرتها الملتهفه ، ولا تعلم هى لما تلهفت وفرحت وهي التي كانت تقصد البعد عن أشقائها ، هز لها رأسه بتأكيدٍ كما فعلت الٱخرتين، فدخلت "فريده" بأحضانه بسعاده وصلت وبقوه لـ "حازم" الذي شعر لوهله بأن سعادتها بذلك كفيله لصموده طوال اليوم !! ، أخذ منها المباركه السعيده وهي تهتف بتعلثم بكلماتها كي توصل له سعادتها وكأن ذلك دليل كي يستطيع تصديقها وهو الذي سعد من صدق نبرتها فقط !! ، سمعها تهتف مره أخرى بنبره حزينه مترجيه :
_"يبقى لازم ترجعها يا حازم لو عايزني بجد أبدأ من جديد ، هبدأ فعلاً وأنا حاسه إني مش ظالمه حد ، بس ترجع لو أنا هاماك بجد !!"
ربطت أمرين ببعضهما بطريقه خبيثه ولكنها لم تقصدها بل أتى ذلك من الألم، تعمد مجارتها فقط دون الوعد بأنه سيفعل ذلك ، فإن ذهب ليعود بها فعلاً ويلومها فسيفعل ذلك لأجله ولأجل زوجته وحياته وطفله القادم ، وليس لأجل غيرهما كي يستطيع أن يكمل حياته بالصدق والتفاهم ، فاق من شروده ثم أشار لهما بابتسامه قصد بأن تظهر دون حمل هم كي يتشجعا على ما بعد الٱن ، خرجن الثلاثه من خلفه ، واحده تفكر بأن بالفعل أعطى لها من حولها الفرصه ؟؟ تبقى فقط قربها القوي من الخالق عندما وجدت الأمل من حولها ، أما الٱخرى فليس هين على قلبها الذهاب لرؤية شخص تخلل حبه بقلبها بل ومن الأصح بأنها ستتركه وتودعه وتودع علاقتهما التي وُصفت بالراحه وأي راحه وكل منهم قد تأذى بالفعل وهما اللذان لم يفعلا جرم ليستحقان كمثل هذا العقاب المُوجِع !!!
_____________________________________________
في شقة "سُميه" ، جلست "نيروز" فى صالة المنزل على الأريكة بجانب "سميه" الجالسه بشرودٍ هى الٱخرى فقد تجهز الوضع بل وجهاز "نيروز" الذي من المفترض بأن يصعد اليوم ، موجود بالفعل بإزداحمه في الصاله ولكن ليس بالكامل ، فقد أخرجه في الصباح الباكر "بدر". مع "غسان" و"بسام" قبل رحيل الإثنان إلى العمل ، بقى خطوة صعوده لأعلى وفقط ، نظرت "ورده" على شرود والدتها وشقيقتها وقد كان "بدر" في الداخل مع صغيره ، تنهدت "نيروز" تخرج أنفاسها بيأسٍ ثم تساءلت للمره التي لا تعرف عددها :
_" ياسمين لسه مصحتش بردو ؟"
هُنا وإلتفتت "سميه" برأسها نحوهما ثم قالت بحزنٍ :
_"ولا هتخرج وهتقولك سيبوني أنام ، انا مش عارفه أعمل ايه ، أنا تعبت ومعتش فيا صحه لكل ده ياربي !"
كان حديثها مُتحسر لحدٍ كبير أتى من غُلبها في فتياتها ، وقد أدمعت عينيها من جديد ، كانت تجلس بالمنتصف بينهما فرفعت كل واحده ذراعها تضعها عليها بحنوٍ وأسفٍ في نظراتهما لها ، إبتلعت "سميه" ريقها بلومٍ من ما قالته للتو في حين اليوم يعد وقت من أوقات فرحة إبنتها "نيروز" ربتت على ساق "نيروز" بأسفٍ ثم حاولت التظاهر بالتماسك وهي تبتسم لها كي لا تشعرها بشئ حتى قالت بأسفٍ :
_" معلش يا بنتي مقصدش أقول كلامي ده بس أديكي شايفه الحال ، عاوزاكي تتبسطي وتفرحي ومتشيليش هم !"
تفهمت "نيروز" ما تفعله جيداً حتى أنها إبتسمت لها ثم أجابتها بتعقلٍ :
_" مش زعلانه يا ماما أنا فاهمه كويس اللي إحنا فيه ، بس إنتِ قولتي بنفسك عاوزاكي تفرحي يعني إنتِ كمان متقعديش تقطمي فنفسك كل شويه وأنا متأكده إن ربنا هيحلها من عنده !!"
تنفست بعمقٍ وهي ترد لها إبتسامتها ، فأيدت "ورده" الحديث قائله هي الٱخرى توصل لها رساله معينه :
_" معاكي حق يا روز وعشان بردو صحتها مبقتش زي الأول وكل ده عليها فالٱخر ، خلينا نركز دلوقتي فالحاجات الي إتحطت دي ومشوا وسابوهالنا كده !!"
_"غسان راح الشغل وقرب يجيي ، ساعتها هنبدأ نطلع الحاجه دي ، وكمان جميله بعتتلي ماسدچ إنها جايه هي وطنط عايده عشان يبقوا معايا..و.."
وقبل أن تسترسل "نيروز" في حديثها ، وجدت من تفتح الغرفه وهي تهتف بأسماءهما من على بُعدٍ وكأن شئ لم يحدث لها .. توجهت نظرات"سميه" نحوها بلهفه ، فوجدت "ياسمين" تتعامل وكأن شئ لم يحدث ، بل وبمنتهى اللامُبالاه تضغط هي على نفسها وهى تحمل بأحشائها جنين !! ، توجهت"ياسمين" تبتسم لهن ورغم تظاهرها بذلك إلى أن عينيها المتورمه من البكاء تشرح وضعها المخفي ..
_" أنا مش فاهمه ازاي عزال نيروز وكمان أيام معدوده عالفرح وقاعدين حاطين إيديكم على خدكم !! ، مفيش أغاني ورقص !!!!!"
رددت جملتها بإستنكارٍ وللشفقه على حالها تحاول هي عدم تحميلهم همها كي يسطتيعون أن يعطوا للفرحه حقها ، وأي حق والجزء الٱخر مؤلم يتألم هو الٱخر! ، تفهمت "سميه" ما تفعله هي بل وزاد الحزن بداخلها لأجلها ، حركت "ورده" رأسها بأسى على حالها في حين نهضت "نيروز" ثم وقفت أمام"ياسمين" التي وقفت تنتظر الرد والجواب من احداهن !!
وعلى فجأه رفعت "نيروز" ذراعيها تدفع "ياسمين" بأحضانها وهي تضمها إليها باحتواءٍ ، شعرت بها وبألمها التي تحاول رغم ما بها إخفائه !! ، ابتلعت "ياسمين" ريقها بوجعٍ وهي تحاول التماسك أمامهن ، في حين سمعت هي صوت شهقات سميه" ، ربتت "نيروز" على ظهرها ثم هتفت تقول لها بإختناقٍ تترجاها :
_" متعمليش كده يا ياسمين ، عيطي وبيني إنك موجوعه فأي وقت ، حتى لو فـ يوم زي النهارده، مش هزعل ، انتِ أهم من أي حاجه ، أنا بحبك أوي متعمليش كده فنفسك وفينا !!!"..
إنتظرت والدتها وشقيقتها الٱخرى الرد من "ياسمين " التي صمتت للحظاتٍ ثم أخذت أنفاسها ببطئ وهي تخرج من أحضان شقيقتها حتى وقفت تعتدل محاوله تغير مجرى الحديث وهي تردد بهدوء شديد :
_" أنا هروح النهارده أتابع عند الدكتوره عشان الحمل ، حد هيفضى يجي معايا ولا كلكم بقا هتتشغلوا مع العروسه وتهملوني أنا والعيل اللي فبطني ده !!"
ورغم إنها تحاول تغير الحديث ولكنه كان حديث مضحك منها هي ، ضحكن بخفه كي يخففن عنها وأما هي فأثارت "نيروز" شفقتها وهي تحاول أن تراضيها بيوم كمثل ذلك اليوم الذي من المفترض بأن يكون مبهج سعيد أكملت على حديثها الٱول مره أخرى وقبل أن تجيب عليها أي واحده منهن :
_" علفكره أنا كويسه متشيلوش همي، أنا تمام بس هبقى تمام أكتر لما نحاول ننسي اللي فات ونعيش لحظة الفرح اللي موجوده ، نتبسط بـ نيروز ونفرح بيها كلنا سوا عشان اللي احنا فيه ده مش عادي خالص وإحنا عندنا فرحة كبيره المفروض نستغلها !!! .."
نظرن لها بعمقٍ وتأثرٍ في حين هزت لها "نيروز" رأسها بموافقةٍ ظاهريه لتجاريها بالحديث، لوهله شعرت بأن لو تظاهرت بالسعاده ستسعد الٱخرى لأجلها ، إبتسمت لها "نيروز" بتخفيزٍ ثم سحبتها لتجلس بجانبهما على الأريكه الطويله وهي تلتفت لها ومازالت ممسكه بجانبها حتى رددت بلهفه وصلت لها:
_" وإحنا كلنا جنبك ومبسوطين عشانك وعشان هبقى خالتو للمره التانيه ، وكده كده إنتِ والدكتوره أهم مني ومن غسان ومن العفش والجهاز يستي !!..ولا إيه يا ماما إنتِ وورده ؟؟؟"
ضحكن علي حديثها ، وقد تشبتت "ياسمين" بنظراتها بـ عين "سُميه" التي شعرت بأنها الوحيده التي تريد التأسف لها عن ما تعانيه وهي مريضه قلب!! وكأن الآمر بيديها هي ، هزت لها "سميه" رأسها بإطمئنانٍ فأجابت"ورده " بحماسٍ هي الأخرى:
_" طبعاً ، مفيش حد غالي قد غلاوة ياسمينا ، بلا نيروز بلا غسان !!"
شهقت "نيروز" بقوه ثم حدجتها بضيقٍ زائف وقد تعمدت فعل ذلك لجعل الٱخرى تضحك ، رددت "نيروز" بنبره حانقه لها وهي تشير لها بيديها :
_" عندك كده يا حبيبتي ..انتِ كده بتغلطي فيا وفـ جوزي حبيبي !!"
خرجت أخيراً ضحكة "ياسمين " العاليه مما جعل من حولها يضحكن عليها وهي تجيب شقيقتها باستنكارٍ من بين ضحكتها :
_"من إمته بقا جوزك وحبيبك !! ، الله يرحم لما كنتِي قاعده قعدتي دي وأسخن وإنتِ بتستني يبت ورقة الطلاق!!"
_"يا بنتي الكلام ده ميصحش دلوقتي ، النهارده عزال اختك حسي على دمك ، وبلاش الفال الوحش ده !!"
قالتها "سميه" بضيقٍ واضح ، فضحكت "ورده" بينما أجابتها "ياسمين " بضجرٍ :
_"إنتِ يا ستي إنتِ ..لا كده عاجبك ولا كده عاجبك !!"
حركت "سميه" رأسها بقلة حيله حتى فردت لها ذراعها خاصةً انها أصبحت جالسه بجانبها ، دخلت "ياسمين " بين أحضانها براحه فربتت عليها"سميه" وهى تجيب بتأثرٍ :
_" إنتِ عجباني يا حبيبتي فكل الأوقات ، وعايزاكي تعرفي إنك غاليه أوي على قلب أمك وعمري ما أزعل منك أبداً ، وهاكل بسناني أي حد يقرب منكم ، إنتم السند ليا في الدنيا دي ، عشان كده لازم تكونوا فضهر بعض حتى لو جرالي حاجه أوعوا تدوسوا على بعض ، كل واحده أمانه فرقبة التانيه ، حتى أمانه فرقبة جوزها اللي أنا وافقت عليه لكل واحده وأنا عارفه هو هيصونها إزاي ، وزي ما متأكده إن كل واحد بيحب اللي آختارها قلبه ، بس بردو لازم تعرفوا إنكم تراعو ربنا فيهم !!!"
كان الحديث عاقل عميق لحدٍ كبيرٍ إعتدلت "ياسمين " ثم سمعت وانصتت جيداً لما يُقال من جديد بفم وصوت "سميه " العقلاني:
_"وطالما الموضوع ده إتفتح فإسمعوني كويس عشان لازم تفهموا ده ، وبالذات إنتِ يا نيروز ، بلاش يينتي تقسي قلبك فالوقت الغلط ، رغم إنه مش قاسي بس محاولتك إنك لازم تبيني إنك قويه وقادره ده غلط على حد حبك وشاريكي ، لينك ده بيعدي الصعب فالأيام ، عارفه إن "غسان "مش سهل فحاجات كده بس كل واحد بيطبع بطباع التاني واللي بيحبه ، كنت حاطه إيدي على قلبي أنه يطلقك عشان للحظه حسيت انه هيبيع الدنيا بحالها وببعضها من غير ما يهمه حد ، بس لما فهمت ودققت كويس عرفت إنه قلبه ده عامل زي الريشه ، عرفت إنك متماسكه عنه وإنه اقل حاجه بتأثر فيه ، إتقالي إنه طيب وبيطلع وينزل علي مفيش بس مصدقتش إن واحد بقوله خلي بالك من بنتي ومتقربلهاش عشان لسه مش فبيتك رد عليا رد مختصر كده وخد جنب مني وبعد كده رجع عادي ، أنا قولت ده قلبه إسود ومببغفرش وهتعاني معاه بس المعدن بيبان فوقت الشده ، ومفيش شده عدت علينا إلا وكان موجود حتى لو كنتي على خلاف معاه ، أنا بقولك كده عشان يوم عن يوم بيزيدوا وهتبقي معاه فـ بيته ، وعشان أقولك إنك بنتي بس هو مش هتلاقي زيه ، اللي زيه في الطيبه والحنيه دي خلصوا من زمان خلى بالك من منه يا حبيتي، وبلاش تيجي عليه خليكي عاقله وفاهمه الدنيا صح ومين بيحبك ومين شاريكي ومين غير !!"
تأثرت من حديث والدتها بشده ، تعلم تمام العلم أن علاقتهما سوياً هي الطرف الغير هين بها مهما فعل هو فلين قلبه يغلب عناد قلبها هي !!.، لطالما يظهر عليها عكس ذلك ولكنها الشخصيه الأكثر سلطه عن من حولها من الفتيات ، أخرجهن من حالتهن هذه حديث "ياسمين ", المرح وهي تقول:
_" والله الإتنين عايزين يتكشف عليهم ، عقلهم مفوت!!"
ضحكن عليها بخفه في حين رددت "سميه" مره أخرى بتعقلٍ :
_" ولو بردو ، وانتم كمان خلوا بالكم منهم ، خلي بالك من بدر يا ورده وإعرفي يا حبيتي انه بيحبك ومش شايف غيرك مهما حصل ومهما عملتي ، وفكري فالمستقبل وفـ يامن ربنا يبارك فيه ، واعرفي كمان إن بدر ده مفيش فقلبه أغلى منك إنتى ، وخفي نكد عليه شويه الواد يعيني بيصعب عليا يا بنتي!!"
إبتسمت لها"ورده" بإمتنانٍ بينما رددت "ياسمين " سريعاً تسبق الحديث المنطقي كي لا تتأثر :
_"متقوليش ياسمين وخلي بالك من حازم وبتاع ، أديكي شايفه الحاله ، سابني قدامكم كلكم !!"
قالتها بمرحٍ كي تتخطي الحوار والأتى ، ولكن لم يضحك أحد ، علموا جيدًا ما تفعله ، ولم ترد عليها سوى"سميه" بجديتها الهادئه وهي تقول :
_" مش إنتِ بنتي يا ياسمين ..بس هقولك إنك غلطانه من زمان من ساعة ما خبيتي حاجه المفروض تتقال بكل هدوء ، عشان جوزك يتصرف مع أخته ده لو إعتبرناها علاقه بعيد عن القرايب ، لكن ده حازم ابن عمك ، وجوزك ، وقبل ده كله بير أسرارك من زمان وحبيبك ، حبيبك اللي الحب بينكم كان سر كده تخاطيف وكأني كنت هبله وأنا عامله مش واخده بالي من اللي كان بيحصل ، بس سيبتك عارفه ليه ؟ عشان عارفه إني سايبه راجل وبنت فنفس الوقت وعمرها ما تغلط ومهما يحصل هتيجي تقولي ، بس اللي حصل إن العلاقه إتغيرت ومهما يحصل بتروحي تقوليله دلوقتي ، راح فين دا كله ؟ لو هو غلطان وهو ييكلمك بالاسلوب اللي أنا مقبلوش وليا عتاب عليه عشان بردو انتى حامل ، بس بردو هو موجوع ومقهور ، مكسور كسره محدش يتحط فيها أبداً ، عارفه إن زعلك عليه أكتر من زعلك منه بس لازم تعرفي إنك غلطتي وإتصرفتي غلط من الٱول خالص وصغرتيه زي ما هو قال ، مش غريب عليا تبقي أي حد على أخواتك حتى لو هو ، بس هو الوقتي يا حبيتي بعد ما يكون اللي قلبك اختاره فهو أبو ابنك اللي جاي وشريك أيامك اللي مكنتش بتعدي ألا ما تكونوا مع بعض فيها !!"
وجدت أن لا مفر من الحديث بذلك بمنتهي الألم عليها والجديه منها !! ، ابتلعت ريقها ثم حركت رأسها بيأسٍ موجعٍ وقد خرجت نبرتها التي أعلنت بها خروج ضعفها :
_" بس أنا هونت ، هونت عليه يا ماما وأنا واقفه ببرر ليه بكل لهفه عشان يصدقني وفالٱخر مشي ومختارنيش ، ومعملش حساب حتى لتعبي اللي هو عارفه ، معملش حساب للي أنا فيه وأنا حامل ، أنا مش باجي عليه ، أنا موجوعه أوي علشانه ، حاسه إن قلبي بيوجعني عشانه وعشان إخواته مش منه ، بس كل ما أفتكر إني هونت ، وهونت بطريقه وحشه لما حملني كل الذنب للي حصل كله مع إني مكنش ليا صله ولا علم بكل ده وهو عارف ، زعلت لما مشى من غير حتى ما يفكر فأي حاجه تخص حملى منه ، وكأني قليله أوي ، عارفه إنه فحاله صعبه وإن ده ميجيش حاجه فيه، بس هو كان قادر يعملها ، كان قادر يحسسني إني غاليه عليه حتى فـ عز وجعه ..هو أنا يعني قليله لما يمشي ويسيبني بالطريقه دي ؟؟ ..!!"
أدمعت عيني "ورده" بتعاطفٍ وحزنٍ في حين تماسكت "نيروز" وهى تحرك رأسها نفياً بينما رددت "سميه" بلهفه كُبرى وهي تضمها باحتوائها:
_" لا يا حبيتي ، لأ ..إنتِ غاليه اوي وفالعالي وميطولكيش أي حد ، متقوليش على نفسك كده ، يا ما بيحصل بين أي إتنين متجوزين ، الدنيا هنتعدل وربنا هيصلح الحال خليكي عارفه وواثقه من ده !"
تنفست "ياسمين" باحضانها بإختناقٍ بصدرها ، ربتت عليها والدتها بحنوٍ لطالما تعلم هي طبيعة شخصيتها ، فمهما تحدثت لم ولن تسطتيع وصف ما يجري داخلها ، بل وتقسم هي بأنها مادامت تحدثت كذلك فبداخلها أضعاف من الوجع مضعفه !!، حاولت"نيروز" أن تشاكسها بالحديث هي و"ورده" للتخفيف عنها والآنخراط في مناسبة اليوم كي تمر بخير ، غير متناسين وجعهم التي تحاول كل واحده منهن إخفائه كي يمر الوضع ، وجعهم الذي كان سببه القوي أحوال " جميله وفريده" ، رغم بعدهما عن الٱخيره إلى أن كل واحده منهن ترى وتتألم لها حيث لم تستحق أي واحده مهما فعلت بأن يحدث لها كذلك بل وتكسر كمثل هذه الكسره ، وما شعور "حازم" الٱن ، وكيف وضعه ؟؟ ، سؤال لم يغيب عن عقل "ياسمين" أبداً ..!!
___________________________________________
في شقة "حامد"،تجهز هو وهو يجلس بصالة المنزل بجانب "دلال" ، ينتظر فقط قدوم "غسان" من الخارج ، حيث أتى "بسام" من الخارج قبل قليلٍ بعد أخذه إذن من المستشفي ، نظر "حامد" في شاشة هاتفه الصغير بمللٍ ثم إلتفت برأسه ناحية "دلال" التي أمسكت بيديها القرٱن لتقرأ به :
_" هو الواد ده إتأخر ليه كده النهارده يا دلال ، حقا ليكون متجوز على البت الغلبانه دي وضاحك عليها .؟ والله ابن كلب ويعملها !!!"
خرجت ضحكاتها العاليه وهي تغلق المصحف ، ثم التفتت برأسها له متحدثه بهدوءٍ تعنفه :
_" متأخرش ولا حاجه ياحامد ، انت بس تلاقيك متحمس وفرحان عشان أول مره لسه تجرب حاجه زي دي ، أما إبنك يتجوز علي مراته فإنت حرام عليك ودايماً جاي على غسان كده واللهِ !!"
إبتسم لها "حامد" بحبٍ ثم طالعها بنظراته الدافئه مجيباّ عليها بحبٍ ظهر في نبرته:
_" أجي على مين بس يا دلال! ، دا غسان ده هو حامد البدري التاني هنا من بعدي ، ده أنا بحبهم عشان منك إنتِ ، ومبسوط إنه هيتجوز ، ومش هيتجوز كده وخلاص ده هيتجوز اللي حبها واختارها بنفسه وخد القرار لوحده لما شاف إنه قادر وراجل عشان يتفح بيت ، الزمن بيعيد نفسه أهو وأنا شايفه متحمس يبقي مع اللي بيحبها ووقعته زي ما أمه وقعت أبوه على وشه وخلت قلبه كله ملكها هى ، أم غسان الأصيله اللي عمر ما كنت ألاقي واحده تستحملني وتبقي أم لولادي غيرها هي!!، إنتِ بس اللي كنتي تنفعي ، وتستحقي لحد اللحظه دي ، لحد ما احنا واقفين ومعجزين وبنفرح بأول فرحه لينا فـ ولادنا !"
تأثرت من حديثه بشده ، حتى أنها أردفت بنبره متحشرجه متأثره بعد أن أدمعت عينيها من حديثه :
_"إنت اللي عجزت يخويا أنا لسه صغيره ..أه !!"
تفهم ما تفعله من هروب كلماته المتأثره عليها ، ضحك وهو يحرك رأسه بمرحٍ ثم شاكسها وهو يقرب من وجهها ناحية رأسها مردداً بخفوتٍ تزامناً مع فتح باب الشقه أمامها:
_". طب والله حصل لسه صغيره وشابه وجميله يا أم غسان "
أغلق "غسان" الباب وهو يدخل في هذه اللحظه ، توقف بمكانه عند هذه اللحظه ، حتى أنه دار وجهه بمرحٍ وهو يضع يديه على وجهه مردداً بمزاحٍ ليصلهما صوته المرتفع :
_" تؤ تؤ تؤ ، استغفر الله العظيم يارب ، خلصت يا حامد ولا لسه ،ياراجل إنتَ مش قولتلك الكلام ده مش فالصاله !!!"
قهقهت "دلال" وهي تنظر إليه يأتى إليهما من على بُعد تزامناً مع رد "حامد" الحانق :
_" مراتي وبراحتي !!''
الكلمه المعهوده والمتردده منه دائماً على مسامعه هو ، ضحك "غسان" بخفه ثم انحنى يمسك وجه "حامد" وهو يقبل قمة رأسه ببرٍ حتى خرج منه حديثه العاقل الهادئ عكس طبيعة حديثه معه :
_" انت تعمل اللي يريحك يا حج حامد!!"
ربت عليه "حامد" على ظهره وهو جالس بحنانٍ ثم ردد له بلين :
_" ربنا يسعدك يا حبيبي !!"
إعتدل "غسان" سريعاً ثم بحث بعينيه على شقيقه والٱخرى ثم تساءل باستفهامٍ :
_" أومال بسام فين ووسام فين عند نيروز ؟؟"
_"لا وسام كان عليها درس أونلاين ، بس خلصته ودخلت لبسام الأوضه ، إدخل إستعجلهم بقا عشان نروح لسميه ونيروز!!"
أومأ لها "غسان" ثم توجه بخطواتٍ هادئه حتى فتح غرفة "بسام" على فجأه دون أذن ، انتفضت "وسام" الجالسه ، أما "غسان" فدخل ينظر بصدمه على ما رٱه ، كان الوضع كالأتى ، "وسام" تجلس وتفرد خصلاتها و"بسام" يمشطها لها بحذرٍ بسبب جرح رأسها ، ليس هذا الصادم بل كان الصادم هو الٱتى عندما هتف "غسان" بغير تصديق :
_" حلقت دقنك ليه يا بسام !!"
إعتدل "بسام" وهو يقف ثم ترك خصلاتها بعدما ربطها بحذرٍ ،ثم توجه يقف أمامه وهو يبتسم بإتساعٍ مجيباً إياه ببساطه:
_" عشان إنتَ العريس ياض !!"
خرجت ضحكات "غسان" على حديثه ثم حرك رأسها بغير اهتمامٍ وهو يردد:
_"طب وإيه المشكله ؟"
_"مفيش مشكله ولا حاجه ، أنا اللي حبيت أغير، وعشان تبقي فريد من نوعك كده ، عشان عريس أقولك ايه يعني !! "
دفعه "غسان" بمشاكسه بكتفه بمرحٍ وهو بضع يديه على كتفه ، في حين وقفت "وسام" بينهما وهي تنظر لهما حتى رددت هي الٱخرى بإعجاب:
_"شكله بقا حلو عن الأول علفكره يا غسان إعملها انت كمان !!"
حرك رأسه بنفيٍ ثم رفع يديه بإستسلامٍ وهو يردد بمرحٍ :
_" نيروز بتحب الدقن!!"
ضحك شقيقه وشقيقته عليه ، في حين أمسك "بسام" يد "غسان" ثم هزه بحركاتٍ مرحه وهو يرفع يديه ليتراقص معه بدون موسيقي ، فهلل بصوت مرتفع يتمايل معه :
_" أحلـــى عريـــس !"
ضحك "غسان" بقوه وهو يتمايل معه ففتحت "وسام" سريعاً إحدى الأغاني الحماسيه التي يتراقص عليها ، ثم دخلت بينهما تتراقص بخفه وسط ضحكاتهما العاليه ببهجه ، شاهد سريعاً هذا المشهد "حامد" و"دلال" الواقفان على باب غرفة "بسام" ، إبتسما بحبٍ وقد تحركت نظراتهما لبعضهما بتأثرٍ ، تفاجئت "دلال" بـ "غسان" وهو يسحب يديها لتتراقص معه ، في حين سحب "بسام" يد "حامد" ليجعله يتراقص معه هو الٱخر ، فأصبح الجميع يتراقص مع بعضه يبهجه وحبٍ ، أمسك "غسان". يد "دلال" وفي يديه الٱخرى "وسام" وهو يتراقص بهما بسعاده ظهرت على وجهه حتى انتهى وهو يحتضنهما بحبٍ بالغٍ ، في حين إندمج "بسام" في رقصه مع "حامد" الذي وقف البقيه ليشاهدان ما يفعلانه بمرحٍ ، اخرج "غسان" هاتفه وهو يعطيه لـ "وسام" في وضع التصوير ، ومن ثم دخل هو بينهما يتراقص معهما بيهجه كبرى وهو يمسك كف والده بحنوٍ وعقب ما انتهي قبله ببرٍ فإحتضنهما الآثنان "حامد" بتأثرٍ وقد نزلت دمعته السعيده في هذه اللحظه الذي أردف حديثه المتأثر بها :
_" كبرتوا وعجزتوني يا ولاد الحلوه !!"
ضحك الجميع عليه بخفه ، وقد رفع "غسان" أنامله يمسح دمعته الوحيده وهو يردد :
_"عجزت إيه يا راجل ، دا أنا لسه قافشك بتسوق الشقاوه برا ، إجمد كده دا آنت لسه مبقتش جد!!!"
توسعت بسمته وبسمتهم جميعاً ، في حين إحتضن "بسام" "دلال" وهو يتنفس براحه كبرى مردداً لها بمرحٍ :
_" حضنك ده عامل زي المخدر يا أم بسام !!"
_" أم غسان يالاا !!
قالها "غسان" بتبجحٍ في حين ضحكت "وسام" فنظرت "دلال" لـ "بسام" بإستسلام مبرره له :
_" عنده حق ، ما إنت عارف ..هو أكبر منك بخمس دقايق!!"
_"مستعجل بروح أمه ع النزول ، يشرب بقا أهو داخل على جواز ودنيا !!!"
لم يكن الحديث إلا من "حامد" الذي ضحك علي حديثه الكُلِ، وسرعان ما سمعوا هم صوت دقات الباب العاليه مع جرس المنزل الذي لم يتوقف ، توجه "غسان" وهم من خلفه بخطواتٍ سريعه ، حتى فتح "غسان" أولاً الباب ، وسرعان ما تفاجئ بمن أمامه ، وجد بعض من الشبابِ بل ومن أصدقائه وبعضهم لم يراهم هو منذ فتره .. ويترأسهم "شادي" الذي كان يقف في الأمام دخل بين أحضان "غسان" بسرعه فائقه ثم هتق بتهليلٍ جعل صوت الشباب يعلو ببهجه :
_" الــــعـــريـــس أهــو يـــجـــدعــان!!"
دخل الشباب يحتضنونه بوقتٍ واحد بهمجيه ، ومن يخرج من أحضانه يتوجه لـ يرحب بـ "حامد" الواقف بين "غسان" الذي فرح بشده لتجمعهم كذلك وهو يردد لهم الحديث اللبق ، في حين دخلت "وسام" سريعاً لترتدي الحجاب الذي كان ينقص ملابسها ووقفت "دلال" ترحب بهم هي الأخرى مردده بتلقائيه من بين سعادتها:
_" منورين يا حبايب قلبي !!"
إلتفت "حامد" برأسه وهو يطالعها بضجرٌ زائف :
_" بغيير يادلال قولتلك !!"
ضحك الشباب جميعهم ، حتى قال أحدهم بنيره ضاحكه لـ "حامد" :
_" لسه زي ما انتَ يا حج حامد متغيرتش ، دي أم غسان أمنا يا عم مالك كده خليك أوبن مايند عشان الدنيا تمشي !!"
ضحك "حامد " عليه وعلى حديثه ثم ردد يجيبه بمرحٍ وهو ينظر إليه :
_" طب خليك فحالك يا أحمد ، إنت متجوز ومخلف بنوته زي القمر ، ترضى حد يقولها يحبية قلبي وهي حبيبة قلبك. انتَ ؟!"
نظر على الجالسيين من حوله وهم يضحكون بعدما دخل الجميع ليجلس ، ولكنه حرك رأسه بنفي باقتناعٍ مضحك وهو يقول :
_" الصراحه لأ مرضاش ، بغيير أنا !!"
مصمص "شادي" شفتيه بمزاجٍ ثم نظر لـ "حامد" بفخرٍ وهو يردد للٱخر :
_"شوفت ، خد يبني من عمك حامد ومتراجعش وراه "
_" بس يا صايع يا بايظ يا بتاع البنات ، بقا اقولك عايزك تتجوز يا كلب تمشي وتسيبني، بعد ما بوظت ابني !!"
لم تتغير علاقتهما مع بعضمها ، هكذا رأى الشباب وهم يضحكون على حديثه تحولت ملامحه للضجر الزائف وهو ينهض مشيراً له بغير اهتمام:
_" سيبهالك يا عم ، ورايح المطبخ أشوف أم غسان بتعمل عصير ايه.. يارب مانجا ."
أضاف سريعاً وهو يشير لهم بإهتمامٍ متلهف :
_".قولوا يارب "
قالها وهو يتوجه سريعاً وقد تعالت ضحكاته عندما سمعهم يرددون بصوتٍ واحد مرتفع خشن رجولي :
_" يــــــــارب !!"
قالها الجميع حتى "غسان" الذي أخذ يرحب بهم بسعاده وهو يشاكسهم بالحديث مع ترحيب "بسام" بهم هو الٱخر ، ووسط الحديث المبهج والمفرح من كل منهم للٱخر على مناسبة "غسان" ، صوت الرجال الخشن كان له صوت عالى وصل إلى شقة "نيروز" التي علمت سريعاً ما الٱمر من إرسال "غسان" لها رساله سريعه وهو يجلس بينهم !!
___________________________________________
مر الوقت الذي يعد ليس قليلٍ ..كانت تنتظر "عايده" في الخارج وللمره التي لا تعرف عددها بين لحظه والأخرى تهزمها دموعها على كل ما حدث ، كل ما يحدث لولدها وما فعله زوجها وحتى حالة ابنتها والٱخرى وضع "فريده"..
لحظات وجع بين لحظات سعاده ويتوجب عليها العيش والتأقلم كما توجب على غيرها مِن مَن حولها !!
قسم الشرطه داخل غرفة التحقيقات ، وقفت "فريده" قبل وقت تتحدث بكل ما لديها وما حدث لها من كتلة الشر "شريف" الذين أخذوا أقواله ثم عادوا به إلى "الحبس" قبل تعرضه للنيابه وذلك بعد عدد من التحقيقات الٱخرى ليتصعد الأمر أكثر ، تجمع في الغرفه الجميع حيث بعضهم كان من الشهود وبالأخص سكان المبني الذي كان يستأجر به "شريف" الشقه ، و"عز" الذي يعد أحد الشهود مع "فريده" و"حازم"و"جميله" ، حيث تعد شهادته عامل مهم لأنه بالفعل شقيق "شريف" ، "شريف" الذي علم عن ما قاله من قضيه في الماضي الكل!! ، وتيقن "حازم" بالفعل بأن والده على مشارف الطلب للتحقيق معه بعد ساعات معينه !! ، للوقوف أمام "شريف" ، وإن إعترف فسيسجن هو الٱخر وتتصعد القضيه إلى النيابه !! ، موضع صعب لكل منهم في هذه اللحظه وحتى قبلها والتي إنتهت الٱن بخروج "حازم" ومعه "فريده" للخارج..حتى تبعهم "عز" الساكن وبجانبه "فرح" التي هتفت بإسم "جميله" لتوقفها ، وقفت "جميله" تبتلع ريقها بصعوبه ثم إلتفتت لهم بعد أن وقف شقيقها وشقيقتها على بعدٍ منها ، وقف "عز" بانكسارٍ وهو يراها تقف من أمامه مردده بنبرتها الضعيفه التي ألمته هو عندما قالت للٱخرى :
_"نعم ؟ لسه عايزه تأذيني تاني ولا كفايه كده !!"
لم تتمسك لٱخر حديثها بل أدمعت عينيها بٱخره وهي تحرك أنظارها نحو "عز" الموجوع، هزت "فرح" رأسها نفياً وقد هتفت تجبيها بإختناقٍ تتوسلها :
_" سامحيني يا جميله ، صدقيني أنا مكنتش أعرف كل ده وخوفت والله العظيم أنا مش بكرهك ، سامحيني أنا مليش ذنب فكل اللي حصل ده و ."
وبُترت جملتها وحتى حديثها عندما عنفتها "جميله" وهي تقاطعها بشراسه لم تخلو من اللومٍ المنكسر :
_" لأ يا فرح ليكي ذنب ، إنتِ السبب الكبير فإن كل ده يحصل ،سبب في وجعي وكسرتي دلوقتي ، سبب فإني فعلاً كنت راحه أضيع نفسي بإيدي عشان أخوكي يتبسط ، وكل ده وأنا الغببه المغفله ، كل شويه بقول لنفسي وأنا بتخيلك قدامي .."ليه ؟؟" ، كلمة من ٣ حروف وجعتني وأنا اللي طول عمري مأذتكيش حتى بمجرد الكلام لا من قدامك ولا من وراكي ، إنتِ اللي فهمتيني وحسيتي بيا وكمان عارفه أنا عندي إيه وحياتي إزاي ، مش معقول بعد كل ده تكسريني بالشكل ده ، إنتِ خذلتيني أوي وأنا والله مستحقش منك كل ده ، عشان أنا طول حياتي فجنب مبجيش جنب حد عشان يحصل فيا كل ده ، مكنش ليا ذنب إن ابويا يكون سبب كبير فاللي حصل لأختكم زمان ، ومكنتش أعرف زي المتخلفه إن ممكن شريف أخوكم يعمل حاجه زي دي ، مكنش عندي الفضول اللي يخليني أعرف سبب المشاكل اللي بينكم ، حبي ليكم كان كفايه يخليني معاكم طول ما انتوا كويسين ومعايا ، أنا عملت فيكم إيه ؟؟ قولولي !...أنا أستحق ده ؟؟؟!"
تاره تلوم وتاره توبخ وتاره أخرى شراسه ولكنها انتهت ببكاءها الذي ظهر في نبرتها ، كادت أن تبرر لها "فرح" بلهفه كبرى من بين دموع عينيها فأشارت لها "جميله" بأن تتوقف تزامناً مع قولها المخذول تقسم الٱخرى بأنها سمعت صوت تهشيم قلبها منها هي حتى تُخذل منها بهذه الطريقه الموجعه:
_" أنا مش عايزه أسمع اي حاجه لو سمحتي ، إنسي إن كانت في حياتك واحده إسمها جميله من الأساس عشان أنا مش قادره أعدي اللي عملتيه فيا ، مش قادره أنسى المشهد كله وكل اللي حصل ، غصب عني بس أنا مش قادره ، إنتِ بقيتي غريبه يا فرح ، عشان كده بعد إذنك سيبيني أنهي اللي بيني وبين أخوكي بكل هدوء عشان أمشي !! "
نظرت "فرح" نحوها ونحو "عز" الذي كُسر قلبه للمره الذي لا يعرف عددها ، نظرت بأسفٍ وهي تنسحب ببطئ ولم تغفل هي عن نظرات "حازم" و"فريده" الحاده لها ، خاصةً "فريده" التي حدجتها بإشمئزازٍ كلما تذكرت ما فعلته وكلما تذكرت انها شقيقة الحقير من الأساس !!
أما "عز" فوقف ينظر لها بصمتٍ كاسر وقد هربت الكلمات منه ، بينما طالعته هى بأسفٍ حتى نبست بمختصر ألم قلبها له رغماً عنها ودموعها تهبط بلا توقف حتى أنها لم تعبأ بمن حولها، بل ووقفت هي بركن بالخارج ليس به أحد لذا كان الحوار بينهم فقط وعلى بُعدٍ من تبعها
_"أنا أسفه يا عز ، صدقني أنا حاولت ، حاولت عشان أدي فرصه لعلاقتنا بس لقيتها مقفوله من كل زاويه ، أنا عارفه إنك مش زيهم ، عارفه إنك حاجه عدت عليا ومش هتكرر على قلبي تاني ، يعز عليا فراقك بس والله العظيم مش سهل علينا كلنا اللي حصل !!"
تردف الحديث بدموع منهمره حتى هبطت دمعته هو الٱخر وإستجمع شتاته عندما أخرجت "دبلتها" من يديها ، ثم خاتمها الٱخر وهى تمد يدها بهما له ، لم يرفع يديه بل حاول التماسك هو يردد لها بضعف ناظراً. على لون ملابسها :
_"هتفضلي أحلى واحده بتلبس أبيض حتى لو غيرتيه للإسود ، هتوحشيني يا جميله ، هتوحشيني عشان قلبي عمره ما شاور على غيرك فوسط كل البنات ، عارف إن الظروف والدنيا خلتنا كده دلوقتي ، بس والله العظيم أنا لسه عايزك لٱخر نفس فيا ، كان نفسي أبررلك اني مظلوم من كل حاجه ، بس اللي يوجع بجد إنك فاهمه ده وبردو لازم نسيب بعض عشان الظروف حكمت بكده ، وأنا مقدر ده ، بس قوليلي هتأقلم ازاي من غيرك ، هعيش إزاي وأنا اللي كنت بحلم بأمنيه وفكرت إنها إتحقفت ومش هتروح وفلحظه كل حاجه راحت!!!!!"
ردد حديثه بألمٍ ، ولم تستطيع التماسك هي أكثر ، أمسكت كفه تضع به ما بيديها بوهنٍ ثم قالت من بين حديثها الضعيف له رغماً عنها قبل أن ترحل وتتركه :
_" تستاهل حد أحسن مني بكتير يا عز ، تستاهل حد عالأقل أبوه مظلمكش وظلم عيلتك فـ يوم ، أنا ٱسفه بس غصب عن عين قلبي مش هقدر ، مش هقدر عشان أختي وعشان حاجات كتيره ، وافتكر ان اللوم ميترماش علينا اللوم كله على الدنيا وعلى اللي حوالينا ، وعلى اللي وصلنا للحظه المتعبه دي ، .."
إبتسمت بألمٍ وهى تبتلع ريقها بوجعٍ ثم أضافت سريعاً كي لا تترك له الفرصه للرد بحديث يفتك بقلبها :
_"مع السلامه !!"
قالت حديثها ثم هربت سريعاً ورحلت وتركته ينظر بأثرها بألمٍ وقد هبطت منه دمعه ثانيه ،كالجسد الخاوي ، لا يستطيع أن يثور أو يصرخ الٱن ، كل ما عليه فعله أن يصبر على أعباء الحياة ووجعها كما إعتاد؟؟..ولكن تلك الضربه هذه المره كنت بقلبه هو ؟ أي صمت وأي سكون..، تحاشي النظر إلى "حازم" الذي وقف بتعبٍ هو الٱخر وهو يتابع ما يحدث ، في حين تعمد "عز"الهروب منه ومن كل ذلك عندما أشار لـ "فرح" بعينيه لترحل خلفه بسكون ، فقد قاطع الحديث معها منذ أخر مواجهه
أما "جميله" فمسحت دموعها متحليه بالثباتٍ وهي تهز رأسها لهما ، إحتضنها "حازم" باحتواءٍ وقد ربتت عليها "فريده" بمواساه هي الٱخرى ولم تعطيهم "جميله" فرصه للحديث بل أشارت لهم قائله بسرعه رغم اختناق حديثها الذي يدل على عكس ما تحاول أن تتحلى به :
_" يلا علشان منتأخرش على نيروز ..هسبقكم على العربيه !!"
_______________________________________________
تجهزت شقة "سُميه" بجهازِ "نيروز" بالكامل ، وقفت النساء بركنٍ بعيدٍ ، حيث أتت "دلال" و"وسام" لهن بشقة "سميه" ، وقفت "نيروز" بعدما تجهزت بملابس تليق بالمقابله والإستقبال ، كان حديث النساء والفتيات جانبي ، إلى أن جاءت اللحظه المنتظره ودق جرس المنزل الذي يوحي بقدوم الشباب اجمعهم من الشقة الجانبيه !! ، حيث سبقت "دلال" وابنتها وتبقى "حامد" و"غسان " وأصدقائه وشقيقه !! ، دق جرس المنزل فأول من توجه كان "بدر" الذي فتح الباب على وسعه ومن ثم ظهر له "غسان" والشباب مجتمعين ببهجه كُبرى ، دخل الجميع يقف في الصاله وهم يرحبون بـ "بدر" وصوتهم يملئ المكان ،. في حين وقفت "نيروز" على بُعد بجانب "وسام" و"ياسمين" ،إتجه لها "حامد" سريعاً ثم وقف أمامهما يبتسم بإتساعٍ وهو يفتح ذراعيه لها قائلاً بحنانٍ :
_" ألف مبروك يا حبيتي ، ربنا يسعدكم ويكمل فرحتكم دي على خير !!
إحتضنته "نيروز" بتأثرٍ وحرجٍ كونها لاحظت أن بعض الأنظار عليهما ، ردد"غسان" سريعاً وهو يتوجه لهما أمام أنظار الشباب :
_" كما تدين تدان ياحامد ، فـ سيب مراتي بقا !!"
قالها وهو يفصلهما عن بعضهما فصفق له الشباب بحراره ، بالٱخص "شادي" الذي هتف بصوتٍ عالى مبهج :
_"وسع الطريق يبني عشان ابو الغساسين داخل !!!"
ضحك الشباب بقوه وقد أخذوا كل منهم الوضع ليحملا الأشياء ، حتى وقفت "سميه" بجانب"دلال" تتابعهم وقبل أن يتحرك أحد هتف "غسان" سريعاً وهو يشير لهما بالتوقف :
_" استنوا حازم بيركن العربيه تحت!!"
_"حبيبنا نستناه ومالو !!!"
قالها أحد الشباب ، فوقف كل منهم يتحدث بحديث جانبي للٱخر ، ووقف "حامد" يطمئن على حالة"ياسمين" التي كانت تظهر عكس ما يجري بداخلها ، في حين وقف "غسان" يطالع "نيروز" بصمتٍ والمشاعر المتضاربة بداخله لا يفهمها ولكنه شعور جيد !! ، كانت تتحدث مع "وسام" بلطفٍ فحركت عينيها بعشوائيه حتى وجدته ينظر لها مبتسماً ، توسعت ابتسامتها ثم تساءلت بهدوءٍ :
_"سرحان فـي إيه ؟"
نظر لها "غسان" بسكون ثم سرعان ما غمز لها مردداً بإختصارٍ :
_"في الست وكلام الست !!!"
ضحكت هي بخفه وهي تضع يديها على وجهها ثم نظرت له بإستنكارٍ على وضعهما وحديثه حينما رددت بإستفهمامٍ مشاكس :
_"وكانت بتقول إيه بقا ؟!"
_"أول ما قابلتك واديتك قلبي يا حياة القلب.. أكتر من الفرح دا محلاه ، أكتر من اللي أنا فيه مطلبش..!!!"
كانت الكلمات من إحدى أغانيها ولحسن الحظ كان حديثه متوافقاً مع المناسبه التي تخصهما الٱن ، طالعته بإعجابٍ ثم غمزت له خلسه مردده بخفوتٍ :
_" يا خساره ضاعت عليك بوسة الخد ، يلا مردوده !!!"
قصدت بأن تستفزه ، بل وضغطت على نقطة حصره الٱن بين التجمع ، لا تعلم هى بأنه إعتبره تحدى منها ، وللحركه الجريئه إنحنى هو سريعاً يقبل وجنتيها على سهوه حتى فتحت عينيها على وسعها ، فعلها وسط إنشغال الجميع ، وأول من لاحظت فعلته كانت "والدته" التي ضحكت بخفه وهي تحاول لهي "سميه" قبل أن تنتبه لفعلته ، حدجته "نيروز" بغيظٍ ثم دفعته عنها بضيقٍ واضح مردده قبل أن ترحل من جانبه:
_"هتفضل قليل الأدب كده طول عمرك مش هتتغير !!"
قالتها محاوله أن تتخلى عن خجلها فقد تعتقد بأن الجميع انتبه لفعلته ، أمسك كفها سريعاً قبل أن ترحل ثم وضع به "دبلتها" التي خلعتها وكانت مازلت معه ، رفع يديها اليسرى ثم ألبسها إياها في إصعبها وهو يقول :
_"حاجه زي دي تتنسى ازاي يا رزّه ..لو إتقلعت تاني هقلعلك دماغك!!!"
نظرت له بغيرِ تصديق من ٱخر حديثه فوجدته يؤكد برأسه ما قاله وسرعان ما تحركت رأسه سريعاً لتهليل الشباب عندما دخل"حازم " مع "عايده" وابنتها و"فريده" ..
_" المــــتـــر الغــالي !!"
قالها بعض من الشباب الذين تربطهم علاقة صداقة معه منذ فتره وليس الجميع ولكنه رحب بهم بسعاده من رؤيتهم وقد لاحظ هو انتظارهم له ، تحركت عينيه نحو "غسان" الذي وقف ينظر عليه من على بعدٍ ثم غمز له الٱخير وكأنه يفهم معنى نظراته ، إلتفت "غسان" برأسه عندما وجد "نيروز" تحتضن"جميله" بعمقٍ وتأثرٍ ، بل وأحضانهما لبعضهما قد إستمرت لدقائق معدوده سمع هو بها قول "جميله " الممزق الذي تخلل مسامعه عندما قالت بضعف محاوله التماسك كي لا تنهار في هذه المناسبه:
_" سيبته !! سيبت "عز" يا نيروز غصب عني !!!"
إبتلع ريقه وهو ينظر على "نيروز" تربت على ظهرها بمواساه تحثها على التماسك ، بل وذهب تفكيره نحو وضع "عز" الٱن !! ، تفاجئ بـ "شادي" و"بسام" يسحبانه لمنتصف الصاله ، وقد تعمد "حازم" تشغيل هاتفه على إحدي الاغاني ليوصلها بسماعات الصوت العاليه ، قد فعل هو ذلك تعمداً ، حيث لم يفعلها أي منهم. احتراماً لوضعه هو وشقيقاته ووالدته !!
تعالت الضحكات ببهجه ورقص "حازم" مع "غسان" الذي إندمح في الرقص ومعه الشباب وحتى انخرط "بسام" هو الٱخر وهو يتراقص مع "بدر" و"شادي" وحتى. "حامد" الذي أمسك كف "غسان" يتراقص معه ،
في حين أمسكت "نيروز" أيدي "جميله" لتخفف عنها وتخرجها عن الوضع التي هي فيه ، ووقفت "عايده ودلال وسُميه" ينظرن بسعاده بالغه على الصاله التي إزدحمت بمثل هذه البهجه البالغه ، حيث أمسكت "وسام" كف "ورده" للتراقص معها بهدوءٍ هى الٱخرى
كان هناك إثنان يقفان فقط دون رقص بل واحده تتابع بتأثرٍ وكانت "ياسمين" التي تعمدت تجاهل وجود "حازم", والٱخرى التي وقفت تنظر وتتابع رغماً عنها بسبب ما حدث لها وكانت "فريده" التي شعرت ومازلت تشعر بأنها لا تستحق مشاركتهم في هذه المناسبات ، تفاجأت "فريده" بشده عندما توجهت إليها "ياسمين" وهي تمسك يديها بهدوءٍ وهي تبتسم ثم إنحنت تهتف بجانب أذنها كي يصل إلى مسامعها صوتها ٱثر صوت الأغاني العالي
_"ممكن ترقصي ، وتشاركينا ؟؟..أنا نسيت كل اللي فات وعاوزاكي تنسي ونبدأ مع بعض صفحه جديده .."
كان طبيعياً خروج مثل هذا الحديث من هذه الشرسه صاحبة القلب اللين ، لطالما كانت دائماً صاحبة قلب هادئ لا يحمل بداخله شئ ، عكس طبيعة "نيروز" وحتى "ورده" التي تأخذ جانب ومن ثم تعود وكأن شئ لم يحدث !! ، تأثرت "فريده" بشده حتى أنها تشبتت بكف "ياسمين" وهي تتوجه لتقبل قمة رأسها مردده بعمق:
_" أنا أسفه يا ياسمين ، سامحيني !!"
حركت رأسها بإطمئنانٍ لها ، وقد سحبت كفها لتجعلها تتراقص بخفه ، كان رقص الفتيات غير خادش للحياء ، فقط رقص هادئ ، ولم تتحرك "ياسمين" آلا بحذرٍ حيث لم تتناسى هي كونها حامل!! ، تفاجأت هي بمن يفصلها عن "فريده" وسط كل ذلك الرقص ، ابتسم "حازم" لـ "فريده" وهو يشير لها ففهمت هي ما يفعله ، حيث توجهت "جميله" تتراقص مع "فريده" في حين سحب "حازم" "ياسمين" خلفه نحو الداخل ومن ثم أغلق بعدها باب غرفتها خلفه ، إلتفت يطالعها بغيظٍ وخوفٍ بٱن واحد ثم قال بتعنيفٍ :
_"بترقصي وإنتِ حامل ؟. مش خايفه على نفسك وعلي اللي فـ بطنك ؟؟"
كانت ساكنه هادئه لم تخرج عليه شراستها وكأن طاقتها استنزفت ، إبتلعت ريقها بهدوءٍ ثم هزت رأسها نفياً تجيبه بسخريه مؤلمه :
_" لسه فاكر تخاف عليا دلوقتي ، ده مش رقص أنا كنت بحاول أخفف عن فريده ، لكن انت الدور والباقي عليك إنت !"
صمتت عن الحديث حتى خرجت نبرنها المتحشرجه وهي تلومه :
_"انت حتى مدتنيش فرصه أكون جنبك وإنت فأصعب أوقاتك ، مخلتنيش معاك وسيبتني وأنا هنا منهاره من العياط في إن وضعك عامل إزاي الوقتي مكنش زعل منك قد زعلي عليك ، شوفتك مكسور ولسه شايفاك مقهور وبتحاول تبين عكس ده عشان إخواتك ومامتك ، مكنش لازم تسيبني بالطريقه دي حتى وأنا حامل معملتش حساب أنا هتعب إزاي عشانك وإنت عارف إنك أغلي حاجه عندي ، انا كل اللي قاهرني إنك قسيت عليا فوقت وجعك وأنا اللي موجوعه عشانك إنتَ ، انا يمكن أكون غلطت وغلط كبير لما خبيت عليك بس متحملنيش ذنب كل اللي حصل وتظلمني وأنا اللي مش عارفه أفكر غير فيك وفوجعك !!!!"
سمع وأنصت جيداً لها ، وأغمض عينيه بألمٍ ثم فتحها يواجهها بضعفٍ :
_" أنا تعبان، تعبان أوي يا ياسمين ، ومش قادر بس غصب عني لازم أقف زي الجبل وميأثرش فيا حاجه ، لكن والله العظيم الجبل ده وقع ، وقع ومعتش قادر يقوم من تاني بسبب كل ده ، أنا تعبت ،. تعبت أوي!!!"
أعلن إنهياره هو أمامها ، بل وبكا بكاء وصلها هي حتى ألمها ، نزلت دموعه بتعبٍ فإحتضنته هي وهي تضمه إليها بكسره واضحه مردده بنفس نبرته الباكيه :
_" أنا ٱسفه يا حازم ، حقك عليا من كل ده ، أسفه على اللي حصل مني وأسفه علي كل اللي بيحصلك حتى لو أنا مش سبب فيه ، بس متعملش فنفسك كده !!"
لم يقوى علي المواجهه مره أخرى بالحديث ، كفا ألم إلى ذلك، شعور الراحه في أحضانها لم يتذوقه منذ وقت ومنذ ما حدث ، بل ويقسم هو بأن وجودها الٱن بجانبه خفف عنه ولو ذره، ربت على ظهرها بوجعٍ ثم تنهد يأخذ أنفاسه ببطئ مردداً باختناقٍ :
_"بلاش عياط بقا كفايه عشان صحتك وحملك ..، أنا هنسى اللي عملتيه بس صدقيني مش عارف حتى أقعد فالبيت من غيرك.. كل الأماكن كئيبه من غيرك يا حُب العمر !!"
قصد بأن يلين من أجلها ومن أجل صحتها ، خرجت من بين أحضانه وهي تبتسم ثم رفعت أنظارها تطالعه فوجدته يرفع أنامله يمسح دموعها متحدثاً مره. أخرى بهدوء:
_" أنا مش عاوز دلوقتي غير الهدوء وراحة البال ، ليكي وليا ولأمي وإخواتي ، أنا هضغط علي أمي تيجي تقعد معانا تاني هي وإخواتي رغم إنها رفضت وأنا جاي وقالتلي إنها مش هترجع بس أنا مش عاوزها تقعد هنا بقيت خايف من كل حاجه حتى خايف على فريده تقعد لوحدها ، كل اللي عاوزه منك إنك ترتاحي عشان الحمل وعايز علاقتك بفريده تتحسن إنتِ مش هتصدقي هي فرحت إزاي لما عرفت إنك حامل ولا وهي كانت بتترجاني أصالحك ، عاوزها تتغير بيكم وبوقوفنا جنبها ، عارف انك قلبك طيب وصفيتي من نحيتها بس أنا مش هسيبها هنا من غير ما أتأكد فعلاً إن نيروز كمان مسامحاها ومش متقله منها ، وحتى ورده وكل اللي موجودين!!!"
تفهمت ما يشعره تجاه شقيقته وما تشعره هي من أنها عبء !!، ابتسمت له بإطمئنانٍ ثم أردف ترد على حديثه بهدوءٍ :
_" أنا عارفه كويس كل ده وحاسه بيكم ، أنا مش عندي أي مشاكل إنهم يقعدوا معانا ،وفريده أنا حاسه بيها وزعلانه علشانها بس زي ما زعلانه فأنا نسيت كل ده قصاد نظرتها الموجوعه دي ، أنا مش شايله منها صدقني ، وحتى ورده كمان مش بتكرها بتحبها ومسامحاها علفكره وكمان نيروز لو لاحظت إنها خدت جنب منها بس هي أكيد هتسامحها دا لو ما خرجتش ولقيتهم بيرقصوا مع بعض ، لأن صدقني نيروز مش بتكرهها بس متستناش منها دلوقتي إنها تكون مكانتها عندها زي جميله ، إنت عارف هي عندها إيه، بس لو عليها فهي مش وحشه عشان تكرهها ، إحنا هنا أقوياء ببعض يا حازم وهنعدي كل وحش وإحنا كلنا مع بعض وجنب بعض وكمان وإحنا بنكبر وبنزيد !!"
قالت حديثها بأملٍ وحتى في ٱخره وهي تلمح لحملها وحتى زواج "نيروز" من "غسان" ، ابتسم بسعاده متألمه لما تفهمته من حديثه ، إعتدلت بوقفتها ثم توجهت تقبل قمة رأسه بحبٍ فضمها إلى صدره بأسفٍ لما شعرت به وهي في وضعها ذلك ، وجدها تخرج من بين ذراعيه ثم حثته قائله بهدوء:
_" يلا نطلعلهم !!"
أومأ لها بالإيجابٍ ، فخرجت وهو بجانبها ، وفر هو سريعاً وهو يرى الشباب تتجهز لتصعد بالأشياء ، لاحظت "سميه" إبتسامتها الواسعه ففهمت ما حدث جيداً ، بدأ الشباب في حمل الأشياء وحتى "غسان" الذي أعطى المفتاح لوالده ليصعد هو في المصعد ليفتح باب الشقه ،في حين سيكون الصعود على السُلم لأربعة أدوار أخرى وهم بالفعل في الطابق الثالث، ليصبح ما يصعدانه هو الطابق السابع !! ،خرجوا واحداً تلو الٱخر ، وقد سبقت "سميه" لتصعد هى الٱخرى في المصعد بحذرٍ ومعها "دلال" و"ورده" و"وسام" التي إبتسمت للفتياتِ قبل أن تصعد ، تبقت "نيروز" تنظر على من يحمل الأشياء هو الٱخر وكان آخرهم "شادي" الذي ابتسم لها بإتساعٍ هو الٱخر ثم تساءل عن مجهولٍ وهو يقول :
_" علمتيلي الخدمه اللي قولتلك عليها ؟! قولي أه بقا دا أنا طالع عين أمي عشانكم اهو!!"
هزت رأسها بتأكيدٍ وقد خرجت ضحكتها عندما سمعته يدعو لها ولصديقه وقد حمل ما بيديه وهو يحرك أنظاره نحو من تلفت الجميع بجمال ملامحها"فريده" التي نظرت أرضاً وهي تقف بأحد الأركان ، حرك نظراته سريعاً وهو ينحنى ليحمل ما عليه حمله. ثم خرج من باب الشقه وقد خرج من بعده شابين وهما يحملان هما الٱخران من جهازها ، تبقت "ياسمين" وهي تقف تتحدث مع "جميله" بمشاكسه كي تخرجها من حالة حزنها في حين توجهت "نيروز" هذه المره ثم وقفت أمام "فريده" بهدوء وهي تقول على فجأه :
_" أنا مبسوطه بس هتبسط أكتر لو محستيش إنك تقيله علينا ، أنا مسامحاكي على فكره وعشان كده عاوزاكي تعتبري نفسك زي ورده وياسمين، عاوزين ننسى اللي فات فعلاً ونبدأ من جديد ، موافقه ؟؟"
ابتسمت "فريده" بتأثرٍ وقد أدمعت عينيها عندما إحتضنتها "نيروز" ، تيقنت "ياسمين" بأن شقيقتها لم تأخذ الطباع الجريئه من "غسان". فقط بل امتزج لين قلبه بها وقد أخذت منه الإحتواء بعد إن كانت لم تتهاون لفتره معينه!!..
لاحظن الفتيات وقوف "زينات"على أعتاب باب الشقه المفتوح ، "زينات" التي لم تغفل لها عين منذ أمس ، وظهر ذلك على عينيها وحتى ملامحها المرهقه بالحزن على إبنتها فقط !! ، إبتلعت غصه مريره بحلقها ولم تتحرك نظراتها من على "فريده" التي تعمدت أن تتجاهلها ، لحظه صمت ولم يتحدثن بشئ ، بينما تخطت "زينات" ودخلت حتى وقفت أمام أنظار "فريده"، علمت بأنها موجوده عندما سمعت كل هذه الأصوات وخاصةً صوت "عايده" و"حازم" ، وزغروطة الأولى وحتى الفتيات ، علمت بأن شئ كهذا لم يتركها "حازم" التي عاشت تنبذه ، تنهدت تأخذ أنفاسها بوجعٍ ولم يخرج منها سوى سؤال واحد تستعلم منه عن حالها وهي تردد :
_"عامله إيه يا فريده ، كويسه ؟؟"
الٱن؟ تسأل عن حالها ؟ ماذا لو اجابتها بصدقٍ وقالت لها بأنها منكسره حزينه لا تقوي حتى على الوقوف الٱن ولكنها مرغومه بل وحثت نفسها على أنها لديها الفرصه بالفعل !! ، حركت رأسها بخفوتٍ أمام الأنظار وقد بقى القليل من الأشياء الذين يهبط لها بعض الشباب من أصدقاء "غسان" ليأخذونها دون صوت حتى يصعدوا بها مجدداً ، إبتلعت ريقها بوهنٍ وقد حبست دموع عينيها وهي تبرر لها بخزيٍ :
_" سامحيني علشان خاطري يا "فريده "لو بتحبي أمك سامحيها وحسي بيها وبوجعها علشانك يا بنتي !!"
لم تصدق أي من "نيروز" و"ورده" وحتى "ياسمين", و"جميله" لخروج كمثل هذه الكلمات المخزيه من فم "زينات" ، ومهما فعلت فهي أم بالنهاية ، وأي أم تظل عمياء إلي حدوث هذه اللحظة والحادثه الموجعه لهم جميعاً وخاصةً هي "فريده" التي هبطت دمعتها بضعفٍ وهي تلومها مردده بتعنيفٍ خرج ضعيف لها:
_"وإنتِ محستيش بيا ليه ؟؟ محستيش بيا من زمان ليه وأنا مكتش عاوزه منك غير حضن بس يهون عليا قسوة الأيام وقسوة أبويا ؟؟ كل حاجه عندك كانت موافقتك علي طلبات مرفوضه من غير حتى ما تهتمي أنا كنت إزاي وحالتي إيه ، سيبتيني وحيده معرفش أي حاجه ، بشحت إهتمام وحنان من برا عشان إتحرمت منه منك ومنه هو ، هو اللي هيتسجن قريب عشان ياخد جزائه من غير أي ذرة شفقة فيا من نحيته ، لكن انتي..؟ انتي هتاخدي جزائك ازاي من كل اللي عملتيه فيا وفيهم وفكل حد مسبتهوش يتهنى بحاجه بتحصل !!"
بكت وكما بكت بكت والدتها ، انهارت "زينات " في البكاء وهي تحرك رأسها بنفي قوي حتى رددت سريعاً بنبره مندفعه أتت من وجعها عليها :
_" لأ ، لأ أنا خدت جزائي والله العظيم خدته فيكي وفاللي حصلك ، أنا مش قادره حتى أرفع إيدي أحضنك من كتر وجعي وأسفي وندمي ، ياريتك تحسي باللي أنا حاساه ، محدش هيحس بيا غير لو كان أم وإتحط فمكاني ، قلبي قايد نار علشانك ، موجوعه ليكي ، مبنامش ولا عارفه أعمل حاجه غير إني بفكر فيكي وفتعبك !!"
نزلت دموع "فريده" بكثره ، ولا يُعرف للدموع طريق محدد،هي التي كانت ومازلت ضحيه كبري وحتى وان فعلت أشياء خطأ بإرادتها في البدايه ، ولكن أتت النهايه بأنها بالفغل ضحيه !! ، ماذا فعلت لكِ وللحياه ؟؟ كي يحدث كل ذلك بكل ألم دون شفقة أو رأفه بحالي ؟ سؤال منها هي لكل من ظلمها ، وجدتها تهتف مره أخرى بترجي موجعٍ لها وبكل لهفه رددت لها :
_"إديني فرصه ، فرصه واحده وبس تكوني معايا وفحضني من تاني !! وهعوضك والله هعوضك عن كل وحش شوفتيه فحياتك ، بس تعالي ، تعالي فحضن أمك اللي موجوعالك علشان خاطري !!!"
نبرتها المترجيه للصدمه الكبرى أثارت عاطفة "نيروز" وشقيقتها وحتى شقيقتها الٱخرى ، وحتى "جميله" ، وكان الرد القاسي من "فريده" عندما نفت بقوه وهي تبتلع ريقها ومن ثم أجابت بعنفٍ في حديثها :
_" متستحقيش الفرصه!!! عارفه ليه ؟؟ علشان أنا مخدتش أي فرص منك ولا منه فحياتي ، انا اللي عايشه براحتي بس كنت مغصوبه على مرضكم ده ، لحد ما خليتوني وحشه زيكم ، عايشه أكسر فاللي حواليا من غير ما أفكر زيكم هو اللي بكسره ده يستحق ده ولا لأ ، مكنتش أستحق ، وزي ما مكنتش أستحق مكَنتش نيروز ولا ياسمين ولا ورده يستحقوا الكره ده ليهم ، ولا حتى جميله وحازم اللي شوفت فعيونهم حب أكتر منك ومنه ، إنتِ ست ظالمه زي ما جوزك راجل ظالم ومحدش فيكم يستحق فرص من تاني !!"
بكل قسوه شديده رمت عليها الحديث ولم تتوقف إلى ذلك بل أكلمت بكل شده وهي تضيف :
_"وعلشان كده بقولك لأ ، لأ مش هرجع لحضن أمي ، أو هرجع بس لأم تستحق فعلاً أم عاشت تنصحني وتنصح عيالها بإنهم يحبوني ويحترموني مهما حصل ، أم اتظلمت كتير بسببك وبسبب جوزك ، أم مخلفتنيش بس خلفت إخواتي اللي من دمي واللي وقفوا جنبي هما وأمهم رغم كل اللي حصل ، هي قالتلي ، قالتلي إن أنا بنتها فريده أخت حازم وجميله ، لكن انتِ يا أم حسن ملكيش فرص عندي ، أنا اسفه!!!"
وقفت بعد أن قالت حديثها ذلك ، وقفت تنظر بكسره ، حديثها رغماً عنها بل وللمفاجأه تود أن ترتمي بأحضان. والدتها الحقيقه ولكن ما فعلته معها منذ أن أنجبتها إلى الٱن لم يغيب عن بالها ، هناك من وقفا على أعتاب باب الشقه ولم يكونا سوى "غسان" و"حازم" اللذان هبطا فقط للإتمام على إنتهاء الاشياء بالفعل وبقى الٱخرين لتعديل الأشياء أكثر !! ، وقف "حازم", بصمتٍ بعد أن دخل هو و "غسان" ، ثم سمعا هما والٱخريات صوت "زينات" الباكي وهي ترد على حديث ابنتها القاسي :
_"بس أنا اللي أمك مش هي !! انا اللي خلفتك وحبيتك حتى لو معرفتش أعبر عن حبي بس ندمانه ، أنا اللي هحس بيكي وهتقهر علشانك ومحدش هيحس نفس اللي أنا بحسه ولا حد هيحبك أكتر مني... عندك حق أنا أم حسن فعلاً ، بس حسن اللي أنا بردو ظلمتك زي ما ظلمته بس هو فين الوقتي ؟؟ وحتى إنتي ؟ أنا محدش باقيلي غيركم وحتى هو باعني وعرفت إني مش مهمه عنده لكن إنتي ..إنتي الوقتي الحاجه الوحيده اللي فيها أمل ليا ، سامحيني ، سامحيني وحسي بيا لو بتحبي أمك !!"
تترجاها للمره التي لا تعرف عددها ، تلك المغروره التي عاشت تقسم هي بأن لو كان أحدهم سيردد لها بأنها ستقف أمامها بمثل هذا الخزي لأنكرت !! ، نظرات المواجهه صعبه خاصةً عندما ننتظر الأمل في جواب أحدهم ومن ثم ؟؟ ماذا يحدث ؟؟ تُكسر مجدداً عندما يختفي الأمل منهم ويحل محله الخزي والعار والندم كمثل هذه اللحظه عندما أصرت الٱخرى على قسوة قلبها عندما أجابتها بنفيٍ قاطع :
_"أنا مش باقيه لحد بعد النهارده غير اللي بيحبني فعلاً وواقف جنبي ، أنا معتش عندي حاجه أحافظ عليها وأعينها ، كل حاجه راحت مني وآخرهم إنتِ وإنتِ واقفه هنا تترجيني أسامحك بس بكل قسوه برفض عارفه ليه ؟؟ علشان متسأليش أنا جبت القسوه دي منين ، أصل كلها منك ومنه ، منكم ، ودلوقتي أنا خسرت ، خسرت نفسي بس هقدر اقوم من تاني عشان دا أنا.. لكن لما اخسر أبويا الظالم هرجعه تاني إزاي ؟. لما أخسر أخويا اللي عيشت مشوفش منه غير كره بردو. وهو اللي المفروض يقف جنبي عنهم ويسندني ، هرجعه بردو إزاي ؟. وحتى إنتي وأنا مش عارفه أسامحك بس مش عاوزه أخسرك ؟؟ هسامحك بردو إزاي ؟؟ "
تحدثت"زينات " بلهفه سريعاً مره أخري تترجاها للمره الٱخيره :
_" طب لو مش عاوزه تخسريني إديني فرصه ، فرصه بس وحياة أغلى حاجه عندك بلاش عشان خاطري أنا !!!"
_"معنديش حاجه غاليه بعد النهارده ، وأنا للأسف اللي ضيعت أول حاجه ، بعدها ضاع مني كل شخص كان السبب فكل ده بطريقة مباشره و مش مباشره، فـ لا مفيش فرص ، عشان أنا لما هبدأ من جديد مش عايزه حد من الماضي الموجوع ده يفكرني إنه كان السبب فحاجه حصلت أنا بحاول أتعافى منها ، إمشي "
سكنت "فريده" عقب قولها ثم أكملت وكل الأنظار لها وعليها :
_"..إمشي ومتجيش تاني عشان مش هتلاقي غير الرفض إنتي وجوزك وإبنك ..إمشي وسيبني فحالي بقا !"
لم تجد سوى الرفض ، رداً على كل ما فعلته لها بحياتها ، وقفا بخزيٍ من نفسها وللصعوبه القاسيه ٱخر ما فعتله قبل أن ترحل أنها نظرت لـ "حازم" نظره مترجيه له بأن تجعله يسامحها ولكنه هرب بأنظاره منها متخلياً عن ما تريده ، بل توجه ليضم "فريده", وهو يهدهدها ، أما الٱخرى فخرجت من الشقه بأكملها وحيده لا تشعر إلا بالخزيٍ والإنكسارٍ !! ، أدمعت عيني "ورده" بتأثرٍ في حين وقفت "نيروز" بتعبٍ إلى أن وقف بجانبها "غسان" رابتاً على كتفها بحنوٍ ، خرجت "فريده" مُبتسمه بألمٍ من بين ذراعيّ "حازم" ثم قالت هروباً من الأنظارِ :
_" أنا هطلعلهم عشان لو محتاجين حاجه فوق ، حد هيجي ؟؟"
_" أنا هاجي معاكي ..إستني !!"
قالت "ورده" حديثها سريعاً ، فابتسمت لها "فريده" وهي تومأ لها وسُرعان ما هبط الشباب بأجمعهم ومعهم "بدر" و"بسامّ" ، في حين توجه "حازم" يقف أمام "ياسمين" وهو يردد لها بلين :
_" ادخلي غيري علشان نروح عند الدكتوره يلا !!"
حركت رأسها بالايجاب ، ثم تحركت للداخل ، وقف الشباب ببهجه ثم تحدث كل منهم بالوداع لـ "غسان" كي يذهبون ، فتحدث "غسان" لهم بإمتنانٍ :
_" عقبال اللي متجوزش لسه واللي إتجوز عقبال عيالكم بقا ، هشوفكم تاني فالفرح محدش يكنسل !"
إحتضنوه بحبٍ ثم وقف يودعهم وهو ينظر لهم بعضهم يهبط على السلم والبعض الٱخر في المصعد بعد أن ودعوا "حازم" و"بسام " بالفعل و"بدر" هو الٱخر !! ، إلتفت "غسان" ينظر برأسه فوجد شقيقه واقف مع"حازم" ، فنظر هو تجاه"بدر" الشارد و بجانبه "شادي" الذي يعلم ما يتحدث عنه وهو يراه يتحدث مع "بدر " بخفوتٍ :
_" جاهز يا بدر ؟؟ لو كلمتهم يلا بينا ؟؟"
رفع "بدر" نظراته نحوه وقبل أن يتحدث له بالإيجاب نبس بمعارضه طفيفه :
_" ما تخليك يا غسان ، المفروض تكون موجود فـ وقت زي ده ، وهاخد أنا شادي أو بسامّ !!"
تحركت عين "غسان" من عليه ثم نظر إليها وهي تقف من على بعد ثم عاد ينظر إليه قائلاً بجديه:
_" ملوش لزوم الكلام ده يا بدر ، إسبقني على تحت وأنا هاجي وراك وشادي وبسام هما اللي هيفضلوا عشان لو حد احتاج حاجه على ما نيجي !!"
لم يجد "بدر" سوى الموافقه ، عندما وجد نفاذ الصبر والإصرار منه ، خرج يسبقه بالفعل إلى أسفل ، في حين طالع "غسان" "شادي" وهو يأخذ منه مفتاح سيارته و"بسام " بإهتمامٍ ثم قال :
_"أنا همشي المشوار اللي قولتلكم عليه ، خليكم معاهم فوق عشان لو في حاجه تتشال أو تتحرك من مكانها وإن شاء الله مش هتأخر !!"
وافقه "بسام " في حين توسعت بسمة "شادي" وهو يهز رأسه بحماسٍ مردداّ بغير تركيز وهو ينظر خلف "غسان" :
_"أم عيون قناصه!!!"
إلتفت "غسان" برأسه ، حتى وجد "منه" تقف أمام باب الشقه تدقه ، تخطاه "شادي" سريعاً ليتوجه لها ، في حين خرجت ضحكات "بسام " عليه مردداً لـ "غسان" بنبره ضاحكه :
_"شادي وقع بجد مش لعب عيال يا غسان!!!"
أكد "غسان" له وهو يهز رأسه ضاحكاً بخفه ، وجد "نيروز" تتجه نحوه بعدما رحبت بـ "منه" وتبقت مع الٱخرى "جميله" ، ابتسم لها "غسان" وهو يقف فردت له البسمه الواسعه ووقف "بسام" يتابع النظرات فيما بينهما حتى قال بمرحٍ :
_" ألاقي فين حد لما اشوفه عيني تطلع قلوب زيكم كده !!"
خرجت ضحكة "نيروز" الخافته في حين اجابه "غسان" بمرحٍ ولم ينسى هو ما قد إنتبه له وما يحاول شقيقه بأن يخفيه كي لا يعلم :
_" هقولك بعدين ..شد من هنا بقا !!!"
تنحنح "بسام" بحرجٍ زائف ثم توجه ليخرج من باب الشقه بعد أن أشار لـ "شادي" بأنه سيسبقه ، أما "شادي" فلم يترك "منه" تقف وحدها مع "جميله" التي سعدت لرؤيتها ، ردد هو بهيامٍ لها وهي التي تحاول تجاهله:
_" حاطة لينسيزز على قنصاتك ليه ؟؟"
خرجت ضحكتها الرقيقه وهي تلتفت بوجهها له مردده بنبره صريحه :
_"عشان متقوليش يا أم عيون قناصه ، كنت عارفه إن هاجي وألاقيك هنا لما نيروز كلمتني وعزمتني ، هو أه أنا جيت متأخر بس عشان مشوفكش وبردو زي اللزقه موجود !!"
لم تكمل الحديث دون أن تعكره ، فالبدايه سعد هو بشده ولكن لم تكتمل فرحته هذه ، ولحسن الحظ جعلت هي بحديثها "جميله " تضحك ، هتف "شادي" باستنكارٍ لها متصنعاً الحزن :
_"وأنا اللي مستني أشوفك إنتِ وعينيكِ ، أتاري عينيكِ مش عايزه تشوفني !!"
كانت كاذبه في قولها بل أصبحت هي تتلهف لتراه ولتتحدث معه وكان ذلك الشعور رغماً عنها ، وجدت نفسها تسأله باندفاعٍ وبمتهى الجديه :
_" إنت عاوز إيه مني يا شادي ؟؟ ومتقوليش رقمك والكلام ده ، عشان أنا بسأل بجد !!"
سألته "منة" بجديه شديده لتنهي تعلقه وحتى تعلقها الٱخير به ، انسحبت "جميله " تتوجه ناحية "نيروز" التي تركها "غسان" وغادر ، فإبتسم "شادي " وهو يرد ببساطه:
_" عاوز رقم ابوكي!!"
_"هنهزر بقا والجو ده ، هلعبلك بوكس من جديد!!"
حرك رأسه هذه المره بجديه شديده ثم قال بعقلٍ قليل ما يخرج منه :
_"انا فعلاّ عاوز رقم أبوكي عشان ناوي أدخل الباب من بيته والله العظيم لو مش مصدقاني !!"
قهقهت على حديثه بقوه وهي تشير له محركه رأسها إيجاباً :
_"مصدقاك.. مصدقاك ، صريح للدرجه اللي وترتك وإنت بتقول الباب من بيته مش البيت من بابه يا شادي..بيه !!"
قالتها "منه" بسخريه لاذعه فخرجت ضحكته الهادئه الجذابه ، ظلت لوهله تنظر له فقط دون رد فتحدث هو من جديد يسألها متمنياً الإجابه التي ترضيه :
_" موافقه ؟؟ "
شعرت بالجديه التي أربكتها في حديثه ، فإبتلعت ريقها بتوترٍ ثم سألته بتلقائيه:
_" طب إنت حبتني امته ؟؟ ولا لسه محبتنيش وعاوز تخطبني كده !!"
_"لا حبيتك ، بس مكنتش عارف أقولها لـ ألاقي نفسي مقتول فحته مقطوعه ، أو مش كده بالظبط ، أنا فعلاً حبيتك من أول مره شوفتك فيها أُعجبت بيكِ ، ولما قصدت أخبط فيكي واحاول أشاغلك بس ملقتش منك غير الصد ، مكتتش عارف إنه حب ، بس لما غبيت عنك ومشيت من هنا مكنتش بفكر غير فيكي ومش عارف بمعني أصح أخرجك من دماغي رغم إني شوفتك بس مرات معدوده ، أنا عندي القدره اني أعترفلك إني بحبك وبالطريقه اللي تخطف كمان بس مردتش أقولها ألا لما احس الأول منك إن في قبول حتى ، زي ما إنتي احترمتي نفسك وأهلك ورفضتي أي محاوله مني إني أتقربلك أنا كمان حسيت اني عايز أحترمك وأحترم اهلك عشان لما أقولك بحبك يبقي كله عارف أنا لما حبيتك عملت إيه ودخلت البيت إزاي ، حاولت أكون محترم فمره رغم إني طول عمري مكنش ليا فالكلام ده !!!"
قال "شادي" حديثه بعقلانيه وصدقٍ جعل تلك الجريئه ترتبك أمام نظراته ، رفع عينيه ينظر نحو خصلات شعرها التي هبطت إحداهما على عينيها رفع يديه يزيحها للخلف ولكنها أمسكت يديه تنفضها وهي تحدجه بغيظٍ مردده :
_"إنت لسه قايل إيه يا متخلف إنت ؟؟"
فتح "شادي" عينيه بذهولٍ وهو يشير على نفسه متحدثاً :
_" متخلف؟؟ في واحده تقول لخطيبها يا متخلف ؟؟ .. وبعدين بصراحه إنت ِ اللي شعرك وعينيكِ يسحروا أعمل إيه يعني ؟"
_" لسه مبقتش خطيبتك !! ، وبعدين خف محن شويه !!"
كيف سيدخل بعلاقه مع تلك المعتوهه !! ، حرك رأسه بقلة حيله منها وهو يبتسم ثم سألها سريعاً :
_" طب موافقه ولا لأ يا أم عيون قناصه ؟؟"
_"موافقه يا شادي ..بيه !!
كانت نبرتهما الآثنان ساخره مثل بعضهما وما أن إنتهى كل منهما ضحك عليهما كل من كان يتابع حوارهما ذلك ، حتى "ياسمين " التي تجهزت ووقفت تتابع ما بينهما هي و"حازم" وحتى "وسام" التي هبطتت لتحمل "يامن", وتلاعبه ومن بجانبها من "جميله " و"نيروز" ،إنتهت الوقفه بتصفيق كل منهم الحار لهما ، إبتسم "شادي" بفرحه ثم عدل ياقته الوهميه بغرورٍ زائف ، إنتهت بصعود "شادي" مع "نيروز" و"وسام " ومعهم "يامن"، في حين ظلت "جميله " مع "منه" في الأسفل التي لاحظت حزنها وسكونها وحتى ضحكاتها التي لم تكن صادقه إلى حدٍ كبير ، من الواضح بأن هناك طرف سيعلم ما حدث لها ، ولم يكن الطرف سوى "منه" !!! بعد رحيل "حازم" مع "ياسمين" بالطبع!!
_______________________________________
«وقد يسْتَصعبُ العبدُ
تركَ معصيةٍ معيّنةٍ
ولكن أحيانًا تأتي على القلبِ
لحظةٌ فارقةٌ..
يقعُ جلالُ الله من قلب العبدِ موقعًا
وتأخذه أخذةُ الشّوق إلى مَرَاتب القُرْب
فيكون ترك المعصية حينئذٍ
أيسرَ عليه من نَفَسِه الذي يتنفسه
وهذا هو الحبُّ حقًّا" »
مابين بكاء عاجز بالفعل وما بين إصرار على أن يتوب ويكون أفضل من ذلك، يعلم أنه يقبل العبد أينما حل ، ولكن شخص مثله بتردده في ترك شئ رغماً عنه تركه من الأساس بل شئ أدمنه بالفعل !! ، من سوء إلى أصدقاء سوء ، وكالعاده يحاول بأن يقطع تناول المخدرات عنه ولكنه يفشل في كل مره ومحاولته في التوقف جعلت لديه من الدمار ما هو متبقي عنده إلى الٱن كلما طلب جسده الجرعه عذبه وحرمه ولكن ينتهي به الوقت عند حقنه بوريده رغماً عنه !!! ، الجلسه المعتاده منذ وقت ، وهو الٱن يجلس على سجادة الصلاه رغم ارتجافة يديه بالإحتياج ولكنه يعلن ضعفه وقلة حيلته لربه ، بل والدعاء الذي سمعه من الشيخ دعاء يردده عندما يشعر بقلة حيلته:
_"اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم، فرج همي ويسر أمري و أرحم ضعفي وقلة حيلتي وارزقني من حيث لا احتسب اللهم أبدل قلقي سكينة، وهمي انشراح وسخطي رضا وخوفي طمأنينة وعجزي قدرة وضيقي فرح وعسري يسر وضعفي قوة، يارب يا قادر يا مقتدر!!!"
ومن لديه سواه يدعوه !! ، "فلئن رددت يدي فمن ذا يرحمُ؟؟" ،وضعه يشرح الكثير من عجزه ، لا يعلم هو بأن النجاة أخيراً أُرسلت له قبل الموت على ذلك الحال ، فقط فعل ما هو هين عليه التقرب من الله وترك بالفعل أذيته لنفسه وجسده ! والطبيعي بأن لحظة موته بسبب ما يتناوله تقترب يوم عن يوم !! ، نهض "ٱدم" يطوى سجادة الصلاة ، وللصوره المتعاكسه عن كل ذلك بأن جسده الٱن يحتاج الجرعه خاصةً يديه التي ترتجف ، ٱخر واحده لديه ، أخر ما يتم حقنه لديه ماذا سيفعل بعد ذلك ؟؟ ،جذب الكيس البلاستيكي وقبل أن يربط الحبل على ذراعه كي يظهر الوريد بكل قهرٍ سمع صوت دقات الباب ، نظر برهبه وهو ينهض ثم توجه بخطواتٍ بطيئه يفتح الباب ، غير منتبه بأنه بالفعل يمسك إحدى الإبر التي تحقن في الوريد بيديه ، ترك فقط الحبل البلاستيكي وبقية الأشياء وخرج ، فتح الباب بتعبٍ رغم رعشة يديه، وما أن وجد "غسان" وبجانبه "بدر" إبتلع ريقه بصعوبه ، لا يعلم هو بأن سيارة إحدى المصحات موجوده بالخارج لأخذه رغماً عنه لتنتشله من بئر ذلك الألم !! ، دخلا الإثنان حتى أغلق أحدهما الباب خلفه وقعت الإبره من أيدي "ادم" المرتعشة حتى تحركت أنظار "بدر", و"غسان" لها وهي واقعه أرضاً ، تحركت أنظار "ادم" بريبه تجاه شقيقه الذي إقترب منه ثم ردد بنبره خائفه لا يعلم من ماذا ولكنها خرجت حتى ألمت قلب من سمعها :
_" إنت عاوز إيه ؟؟ عاوز إيه مني يا بدر ؟؟"
قالها وهو يرجع خطواتٍ إلى الخلف ثم إنحنى يمسك الإبره من على الأرض فوضع "غسان" قدمه يضعها سريعاً على إيد "ادم" قبل أن يأخذها ، فرفع عينيه ينظر له بإنفعالٍ حل محله الهلع عندما هتف "بدر" له وهو يسنده لينهض قائلاً بنبره مختنقه :
_" أنا أسف يا ٱدم ، بس لازم ده يحصل ، لازم تروح مصحه عشان تبقـ.."
قاطعه"ٱدم" رغماً عنه بصراخٍ وقد وصل عقله وجسده لأشد الاحتياج الذي جعله يهيج كذلك وهو يصرخ به بخوفٍ :
_" لأ يـــا بـــدر ، لأ عشـــــان خـــاطـــري ، مش هقدر ، مش هقدر والله!!!"
نبرته الصارخه الباكيه جعلت دموع "بدر" تهبط وهو يحرك رأسه نفياً على حديثه ، إنتبه هو على فتح "غسان" للباب ، كي يدخل به رجلان مرتديان زي خاص بعملهما ، ثم أمسك كل منهما ذراع من ذراعي "ٱدم" الذي نفي التحرك بجسده ونبرته الصارخة وصلت بكل ألم لهما :
_" علشـــان خاطري لأ ، لأ ونبي ، ورحمة أمك ما تعـــمل كــده يا بــــدر !!!"
قالها ببكاءٍ جعل دموع "بدر" العاجز لأول مره تهبط وقد ضمه "غسان" بألمٍ وهو ينظر إليه يحاول التملص من بين أيدي الرجلان وهو يصرخ بهما بغضبٍ ممزوج بنبرته الباكيه:
_" إبـــعدوا ..إبـــعدوا عني، شيلهم يا غسان ، شيلهم عني ونبي!!!!"
لم يستمع له أي منهما ، بل ذهب "غسان" وهو يكتف قدميه ثم حملوه إلى الخارج حيث السياره المتخصصه ،إلي أن وضعوه بها سريعاً وقد أحكموا الغلق عليه ، ووقف "غسان" يتابع المعلومات من أحدهما إلى أن سارت السياره بالفعل ،إلتفت "غسان" برأسه وهو يكتم دموعه على ذلك المشهد الذي إنتهي بقول "ٱدم" القاسي لـ "بدر" :
_"مش هسامحك ، مش هسامحك يا بدر بقولك!!"
قالها بصراخٍ وهو يحاول التملص ،ولكن أين هو الٱن ؟ رحل وترك "بدر" مع ألمه ، "بدر " الذي احتضنه"غسان" للمره الثانيه وهو يهدهده حينما سمعه يهتف بتعبٍ :
_"مش قادر يا غسان ، مش قادر! شكله كان صعب أوي عليا !!!"
يعلم بأنها لحظة ومشهد لم يكن هين لذا تعمد عدم تركه والذهاب معه كما حثه !! ، ضمه بإحتواءٍ وحنوٍ بعاطفة إخوه شديده ، إلى أن أخرجه وهو يمسح وجهه بالمنشفه الورقيه ثم قال يحثه بحديثه المطمئن :
_" اجمد يا بدر ، إنت أخ وأخ كويس ومسئول ، وٱدم هيخرج ، عارف إنها فتره هتكون صعبه عليه بس لما يخرج هيشكرك وهيفضل فاكرلك الحاجه دي لقدام أوي ، إنت كان بإيدك تغير حياته للأحسن ولما جتلك الفرصه مترددتش ، فمتترددش فحاجه صح أخدتها ، إنت بس تدعيله وكل اللي عليك انك تعمل ده وتدفع مصاريف رحلة التعافي ، ونبعتله لبس وكل اللي يحتاجه من غير زيارات لحد ما يبقي كويس خالص ، ووعد هيخرج حتى يبوس رجلك وإيدك على اللي عملتهوله ده ، بس دلوقتي لازم تكون أقوى من كده !! "
صمت للحظاتٍ ، إلى أن حرك رأسه يوافق حديثه ، فوجده يشير له بالرحيل ، وقد تعمد أن يسبقه ليبدأ في تسخين السياره أولاً ، ولم تكن سوى سيارة "شادي" بسبب عطل سيارته ، تركه يقف وهو ينظر على المكان بحزنٍ ، حتى أخذ قرار مهم بالنسبه له ، سيتعمد بعد الٱن جلب عمال قله لتغير الديكور حتى يخرج شقيقه كي ينسى كل ما حدث وما مر ، سيعمل على تغير مجرى حياته وإن تطلب الأمر بحثه عن عروس ليجعله يتزوج كي يبدأ حياته بطريقة صحيحة بعد أن يخرج كي لا يتفرغ لما جعله يدخل هذه المصحه !! ، هز رأسه بإصرارٍ على خططته المستقبليه ثم سحب خلفه الباب ليغلقه ، رافعاً أنظاره نحو شقته هو التي توجد فالأعلى !! ، ترك كل ذلك ورحل عندما فتح باب السياره ليجلس بجانب "غسان" في الأمام الذي إبتسم له بإطمئنانٍ وأمان ، وحتى الٱخر يعلم بأن لولا وجوده بجانبه لما فعل هذه الخطوه الصعبه !!!
_____________________________________________
عواقب الأفعال للمره الذي لا نعرف عددها تداهنا ، وأي مداهمه ؟؟ وعاقبة ما فعله في الماضي أتت وتأتى الٱن ، جلس بخزيٍ ولم يغيب عن باله كل ما فعله، بل ولم يهتم كثيراً في البدايه لموضع أولاده!! ،تحثه كتلة الخير الصغيره بأن يخرج ليواجه من تلطخت بشر أحدهم بسببه هو !! وحتى الأخرى التي كانت على مشارف الضياع !! ، ماذا فعل هو لهما ؟؟ وحتى لـ "حازم" الذي وضعه ويضعه في لحظة تحت ضغط شديد أوقات ما يكون الضغط أكبر منه بكثيرٍ ولكنه يتحمل رغماً عنه!! ، يسمع بالفعل الأصوات لتلك المناسبه ، ومنذ ما حدث وهو جالس وحده بشقة "عايده" ، يعلم بأنه مهدد الٱن للخطر وأن حياته في بوادر الضياع ، ليس بيديه الهروب ، ولكن بيديه الاعتراف على نفسه إن وضع بمثل ذلك الوضع !! يعلم بأنه سيضع نفسه به لا محال ، لذا قرر فعل ما توده كل واحده من زوجاته ، توجه ليفتح باب شقته للطارق ، وما أن فتحه وجدها تفف أمامه بعينيها المتورمه ، دخلت "زينات" تاركه من خلفها باب الشقه مفتوح ، ثم أمسكت هي تلابيبه بإندفاعٍ تعنفه بضعفٍ عكس ما تفعله الٱن :
_" إنت السبب ، إنت السبب منك لله ربنا ينتقم منك يا شيخ !!!"
وقف "سليم " ساكناً بين يديها إلى أن أمسك يديه يهبطها من عليه ، ثم تعمد خروج نبرته الساخره بين حديثه الذي خرج لها :
_"وإنتِ البريئه مش كده ؟؟ ، برأتي نفسك فثانيه وانتِ نص البلاوي اللي بتتحدف علينا كانت ومازلت بردو بسببك ؟،، ضيعتي عيالك زيي بالظبط ، إحنا الإتنين تعادل ، قوليلي كده إبنك فين دلوقتي ؟؟ أو حتى إيه اللي يوصل بنتك إنها تخرج تعيش مع واحد و تسيبك وتسيبني ؟؟"
_'' لا مضيعتهمش ، حتى لو أثرت فأنت أول واحد ظالمهم ، إنت السبب وحتى اللي كنت بعمله معاهم كان منك بردو ، إنت قادر وجاحد ، ومحدش وصل بنتك واللي عملته ده غيرك إنتَ يا سليم!!!"
واجهته بعنفٍ وشراسه من بين دموعها وللقسوه بأنه أظهر عدم ندمه إلى الٱن ويحملها هي الٱخرى الذنب الأكبر ؟! ، ابتسم بسخريه وقد لاحظ هو وقوف "عايده" التي هبطتت من الطابق الأعلى وبجانبها يقف "بدر" و"غسان" الذي أتى من الخارج وحتى وقفت "جميله"هي الٱخرى تتابع بوجعٍ ما تراه هي وصديقتها "منه" التي تتألم من أجلها
إبتلعت "زينات" ريقها ثم رفعت يديها تمسح دموعها بقوه مردده بنبره قويه له قائله وخلفها الكل يتابعها :
_"طلقني يا سليم ، وحالاً ، طلقني عشان أنا معنديش حاجه أفضل علشانها على ذمتك يوم واحد ، بعد ما ظهرت بظلمك لغيرك وحتى قسوتك على ولادك اللي لحد الٱن مش ندمان عليها ، طلقني يا بن عمي عشان أنا مش هفضل على ذمة واحد هيبقي رد سجون كمان فتره زيك كده !!!"
كانت جريئه في ٱخر حديثها ، تبدلت ملامحه إلى ٱخرى متشنجه بقوه ولم يسعفه إلا عقله الذي حثه بتلبية ما تريده ولكن ليس قبل تأديبها ، حيث دفعها بعزم ما لديه من قوه ومن ثم سيبدأ في أن ينقض عليها ويهاجمها برده وهو يضربها ، أول من دخل سريعاً يمنع كل ذلك رغم أنها تستحق ولكن رجولته لم تسمح له بأن يرى أحداهن تُهاجم على قول الصواب ! ، دخل "غسان" يدفعه عنها بعيداً قبل أن ينقض عليها ، ثم دفعه حتى ترنح "سليم " إلى الخلف ، كاد أن يهاجمه "سليم " بشراسه فأمسكه "غسان" بغضبٍ وقد تخلى عن ٱخر ذرة صبر به وهو يوبخه بإشمئزاز تزامناً مع هزه له بقوه :
_" إنت جنس ملتك إيه يا راجل إنتَ ؟؟؟ إنتَ إيه؟؟ جبروت ؟؟؟"
دفعه "سليم" عنه بعنفٍ وهو ينفض يديه من عليه ثم قال يتحذيرٍ له :
_" إنت مالك إنت ، ابعد وملكش دعوه، خليك فحالك وإحترم حتى السن اللي بيني وبينك ده ، بدل ما أسجنك فيها وقادر وأعملها يا بن حامد !!!!"
حرك "غسان " رأسه بسخريه منه ثم قال بتهكمٍ أمامهم جميعاً له هو :
_"الاحترام للمحترم أما سنك ده تبله بدموع عينك لما تتحط ورا الحديد زي الغريب اللي ملوش حد فالدنيا دي ، حتى عيالك قرفانين منك !!!"
أثار غيظه من جديد ، ولكن وقف "بدر " لم يتحرك في حين دخلت "عايده" و"جميله" فقط إلى الداخل ، نهضت "زينات" بنفسها ببطئ ثم أصرت على قولها ولكن قاطعها جملة "عايده" هذه المره وهي تردف بمنتهي الانكسار له :
_" طلقني يا سليم!!"
سيطلقهما الإثنان؟؟ ، لم تكون مشكله بالنسبه له ، بل وجه نظراته صوب "جميله" الساكنه التي كتمت دموعها ،يري بأن أحد لا يستحق الأسف منه سوى هي وشقيقتها وفقط !! ،وقبل أن يبتلع الغصه المريره التي توجد بحلقه تجاهها هتفت "جميله" تقاطع كلماته بما تريده هي الٱخرى هروباً منه :
_" الوقت فات على اللي هيحصل ده ، لو سمحت طلقها وريحنا ، طلقها عالاقل مش هتتربط بإسمك لكن أنا أشيل اسمك من إسمي ازاي ؟؟ ..حاسة ان مينفعش أقول كده يا أستاذ سليم ، بس أنا حاسة بالقرف وأنا إسمي مربوط بيك وهيفضل مربوط طول عمري!!!!"
لم تردد أبي ؟؟ فعلتها ؟؟ رغم كونها قاسيه على قلبها ولكنها قالتها ، حرك نظراته من عليها ولم يحاول مره أخرى من كثرة قسوته المعهوده ، نظر ناحية "عايده " الذي ظلمها طوال حياته من كل الإتجاهات ، ولم يهتف سوى عدة كلمات جعلتها تشعر بالراحه ولو ذره:
_" إنتِ طالق يا عايده!!"
جاء على مسامعه هذه الكلمه بقوه "حازم " الذي دخل بسرعه ومن خلفه "ياسمين" ، ابتسمت "عايده " براحه ثم أغمضت عينيها بألمٍ وقد احتضنتها هذه المره "جميله " التي شعرت بوجعها ، بينما وقف "سليم" يحرك أنظاره نحو "زينات " التي تأوت من ظهرها ، لم يحدجها هي سوى بسخطٍ حينما قالها لها هو الٱخر :
_"انتِ طالق ، طالق يا زينات !!"
لم تتحرك إنش واحد بل إبتسمت مع بكاءها وللقهر لم تجد هي أحضان أحدهم كمثل ما رأت الأخرى تحتضن إبنتها ، هي التي فعلت ذلك بنفسها !! ، طالعه "حازم" بخيبة كبرى امتزجت بلومه له للمره الذي لا يعرف عددها ، لم يقدر هو على قول أي حديث ، إلتفت الجميع بسرعه عندما وجدوا هم عسكرى ورجل من قسم الشرطه أحدهم دخل بلا إذن وهو يسأل حيث ما رأى التجمع:
_" مين هنا "سليم الأكرمي ؟؟؟!"
ترقب الجميع ولم يقوى أحد على قولها ، عندما تيقنوا بأنها اللحظه الحاسمه !! ، إعترف "شريف" عليه بالفعل وفُتحت القضيه وإن سُأل ولده فسيقول أو قال الحق بالفعل !! ، كل المؤشرات تؤدي إلى حبسه وحكم جديد في هذه القضيه الذي إعتقد بأنه دفنها ومر عليها الزمن !، علم هو بأن شهادته واعترافه بما فعله هي الوحيده الٱن التي ستؤدي به إلى السجن بالفعل !! ، لم يقوى أحد على الإشاره عليه بل حتى هو لم يفعلها ، وأول من قالتها وأشارت إليه كانت "زينات " التي هتف بسرعه وهي تنظر إليهم مشيره على زوجها بقولها:
_", هو ده ، هو ده المحامي سليم الأكرمي اللي إنتوا عاوزينه !"
أشار للعكسري الوحيد من معه بأن يسحبه ببطئ وحذرٍ معه ، عندما هز له "سليم " رأسه يؤكد حديثها فلا يوجد مفر بالفعل ، بطاقته بجيب بنطاله !! لم يتبقي شئ إذن !!
_" مطلوب القبض عليك!!"
كل يعلم للسخريه !؟ ، وقبل أن يلبى أمره ويأتي من خلفه وقف ينظر إلى "حازم " التي كانت تمسك"ياسمين" كفه بإحتواءٍ،سيرددها ؟؟ المساعده ؟؟
_" مش هتقف جنب أبوك يا حازم ؟؟"
_"ربنا يهون عليك أيامك يا حضرة المحامي !!!"
قال "حازم" جملته بأشد ألم ، إعتبره "سليم" بأنه قالها بمنتهي البساطه ولكن كانت عليه ليست هينه، نكس رأسه بخزيٍ وهو يخرج من الشقه بأكملها ، تاركاً "جميله" تبكي بقهرٍ هي والنساء، ربت "غسان" على كتف "حازم" بمواساه ، ثم قال له بتحفيزٍ :
_"إنت أجمد من كده يا حازم ، شد نفسك أخواتك وأمك محتاجينك جامد ، وحتى ابنك اللي جاي !!"
هز رأسه بخواءٍ وفقط ، كيف سيبكي وهو الذي فاضت دموعه وانتهت ، بل ودموعه التي تهبط بداخله وليس بالخارج !!...، كانت الشقه شقة "عايده" فتوجهت هي نحو الداخل وقد تركت الجميع كي تختلي بغرفتها فقط ، في حين تحرك "بدر" بألمه هو الٱخر للشقة الأخرى ، وانسحب "حازم" ومن خلفه "ياسمين" نحو غرفته ، ووقفت "جميله" تبكي مع مواساة "منه" لها ،
أما "زينات" فوقفت تتابع ما يحدث بعينيها الحمراوتان ، لم يتحرك "غسان" من أمامها ، بل تحدث ليوضح لها ما فعله حتى هتف لها بحده :
_"أنا معملتش كده عشان خاطر عينيكِ، أنا بس شخصيتي كراجل مسمحتليش أشوفك وإنتي بتتهاني كده وللأسف على كلام صح وطالع منك إنتِ !!!
وكان الحديث الثاني منه هو رحيله ليتركها واقفه وحيده في الشقه ، ترك الباب مفتوح وهو يتوجه ناحية شقة "سميه" التي ظلت في الأعلى هي ووالدته ووالده ، وقد هبطت "نيروز" الٱن تدخل من خلفه سريعاً وعلى ذراعيها "يامن" النائم ، الذي أخذه من على ذراعيها "بدر " وهو يمتن لها بنظراته وحديثه ، حتى دخل به إلى الداخل ، وجدته يقف في شرفة صالة منزلها ، توجهت تقف من خلفه بخفه ، وأما هو في هذه اللحظه فكانت الأفكار تحاربه من جميع الإتجاهات يفكر هو الٱخر بأمورٍ كثيره ،..
أولهم عدم علمها إلى الٱن مرض والدتها الذي يعد عبء عليه ، وحتى قصة شفقته على عدة أطراف من ما حدث، انشغاله بشقيقه وما لاحظه عنه وحتى موضوع "عز" الذي أثار ضيقه وحزنه !! ، والٱن تعاطفه وحزنه مع "حازم" الذي يراه منكسر يخفي إنكساره ولكنه يراه ، يرى الرجل عندما يُكسر ، وجد من يضرب كتفه من الخلف بخفه ، تنفس بعمقٍ وأريحيه وقد شعر بأناملها فلم تكن أنامل حانيه مثل هذه سواها هى ، طالعته بإهتمامٍ وقد لاحظت شروده ثم تساءلت بشغفٍ :
_"بتفكر فـ إيه ؟"
_"فـ إن هيحصل إيه لو كل ما الدنيا تضيق بالواحد يكون عنده زُرار يضغط عليه ويختار أكتر حضن بيرتاح وبيطمن جواه ، ويترمي فيه !!"
نبس "غسان" حديثه بعمقٍ ، وقد إستشعرت هي مدى ضغطه ، فسألته وهي تعلم الجواب :
_"وكنت هتختار حُضن مين ؟!"
تنهد"غسان" يخرج أنفاسه بتعبٍ ثم قال بكل صدقٍ واختصارٍ وعينيه لم تفارق بُنيتها الفاتحه :
_"حُضنك إنتِ !!!"
ومن ثم ؟؟ رفعت ذراعيها تضمه إليها تلبي غرضه دون فهمها لما يجري بداخله تنفس هو بعمقٍ وراحه كبرى لم يشعر بها سوى في أحضانها ، وجدته يهمس بجانب أذنها قائلاً بحبٍ بالغ وهو يربت على ظهرها :
_" معًا وفـ حضن بعض ..هىٰ الغايه يا بنت الأكرميّ !!"
قصد بأن يظهر لها بأن وجودها أكثر ما يهمه بحياته أكملها ، ابتسمت "نيروز" بتأثرٍ ثم خرجت ترفع عينيها نحو عينيه الدافئه ومن ثم توسعت بسمته حينما قالت هى بصدقٍ معتاد في قولها المعهود:
_" ثبتني يا بن البدري !!"
_"أقل حاجه يا بنت الأكرمي ..ما تيجي!!!"
قالها لها غامزاً لها بجرأه ، فضحكت هي بقلة حيله ثم رددت بيأسٍ منه :
_" ملكش حل والله أبداً !!"
ابتسم "غسان" بشغفٍ وقد تعلقت نظراته بعينيها للحظاتٍ وهو يجيبها بنبره صادقه أسرتها:
_"كُل حاجه ليها حل إلا عيونك !!"
رمشت "نيروز" بأهدابها بحرجٍ من حديثه اللين المفاجئ والجاد ، حتى أنها قلبته لمرحٍ مشاكس وهي تقول :
_"كده كتير عليا أوي يا بن البدري !!"
ضحك بخفه ثم أمسك كفها يقبله بلطفٍ لم يخلو من أسفه اللطيف الذي كان رغماً عنه من الأساس :
_"أنا أسف يا نيروز إنك مش عارفه تفرحي وتاخدي حقك فالفرحه بسبب الظروف دي ، بس أنا متأكد إن ربنا هيراضينا ولسه وقت كمان نعرف نفرح فيه..بجد !!!.."
يتأسف في أشياء وأحداث تحدث رغماً عنه بل ومنها ومن عائلتها ، وإن كان للأسف فكانت هي الأحق بقوله ، تنهدت تخرج أنفاسها وهي تطالعه بتأثرٍ ثم قالت بتفهمٍ :
_"دي حاجه غصب عننا يا غسان ، أنا مش زعلانه كفايه ان إحنا مع بعض هي دي الغايه زي ما بتقول ، ولا إيه ؟"
هز رأسه يؤكد لها بهدوءٍ ما قالته وما قاله هو ، وجدها تقترب منه لتقبله بوجنتيه كما اعتادت ، فنظر هو عليها بشغفٍ ثم رفع إصبعه يدخل بعض من خصلاتها التي خرجت رغماً عنها من حجابها البيچ الهادئ كمثل ملامحها الهادئه التي سلبته هو !! ، ابتسمت له بحنوٍ ثم أشارت له ليتبعها وهي تمسك كفه تسحبه خلفها :
_" تعالى نشوفهم فوق ، في حاجات ظبطوها وبقا شكلها حلو أوي بالذات في البلكونه اللي فالصاله ، وكمان في بلكونة الأوضة هحط فيها ورد وهنقل الورد اللي هنا فوق وهجيب كمان ألوان مختلفه وأهم حاجه طبعاً النعناع بتاعك و..!!"
إسترسلت في إكمال حديثها بشغفٍ ..فرح هو بأنه رٱه بصدقٍ منها بل وتحاول لأجله ، دخلت معه المصعد بحماسٍ وهي تحاول أن تظهر له فرحتها بالمناسبه كي لا تشعره بشعور ليس جيد ورغم ألمها وحزنها على ما يحدث ولكنها تقاوم ، تقص عليه بعض من الأمور التافهه الغير مهمه وبعضها مهم ولكنه ينصت على أي حال وينتظر بفارغ الصبر اليوم المعهود عندما تكون في بيته ومنزله وأن تكون بالفعل زوجته وشريكة أيامه وحتى حياته القادمه !!!!
______________________________________________
«وتشوفنيّ تقول مليان قوه ..
مع إني مكسَّر من جوه !!»
لم يقوى على إكمال عمله بل والذهاب له ثانية بعد المواجهة بينه. وبين "جميلة" جميلة أيامه هكذا أطلق عليها ، عندما يشعر المرء بأن جاءت له أمنيته التي يريدها بعد وقت دام للترجي بأن تكون له ومن ثم ؟. في لحظه سريعه لم تكتمل دقيقه واحده يتبخر كل ذلك وتذهب بالفعل هذه الأمنيه الذي عاش يحلم بها !! عن أي وجع في هذه اللحظه يتحدث !! ، شارد هو الشارد الغريب في الطريق لا يعلم هو أين الراحه به ؟ أين الركن الهادئ ، أين العدل ؟؟ ، خرج من شروده عندما وجد" والدته" أمامه ممسكه بصينية الطعام لا يعلم هي كيف دخلت وكيف كان الحديث الذي كان قبل :
_" يبني انت مكلتش حاجه من امبارح ، كُلك لقمه وريح قلبي !!"
رفع عينيه الحزينه يطالعها بإمتنانٍ ثم إبتسم لها "عز" بتكلفه وهو ينهض ليراضيها حتى وضع ما بيديها بركن ما. تزامناً مع قوله:
_" شبعان يا أم عز ، اقعدي إرتاحي متشغليش بالك بيا ، أنا كويس كده !!"
جلست "حنان" بعدما سحب يديها يجلسها بجانبه ، ابتسمت بألمٍ وقد خانتها دموعها وهي تحيبه :
_" كويس ازاي بس يبني ، إنت مش شايف نفسك ؟؟ ، ريح قلبي وساعد نفسك تكون أحسن ، أنا مستحملش أشوفك كده مكسور ، مقدرش ولا هقدر أشوف عز ابني زينة الرجال بالكسره دي ، أنا مخلفه راجل يا عز ، راجل واقف فوش الدنيا حتى لو جت عليه بس أنا ربيته على إنه يقف ويصدها وميستسلمش ، وصدقني هو نصيب ، نصيب والله وهي مش من نصيبك ، واللي خلقها خلق غيرها يا حبيب أمك ، إنت بس شاور ومحدش هيقولك لأ أبداً !"
كان حديثها كحديث أي أم ، إبتلع غصة مريره بحلقه ثم إسترسل بحديثه يوضح لها بتعبٍ ينفي قولها له :
_" مكنتش عايز غيرها هي ، ولو هشاور على حد حتى بعد اللي حصل فمش هشاور غير عليها هي ، مش عارف أشوف غيرها يا أم عز ، قلبي مش مساعدني أصدق انها خلاص مبقتش ليا ، أنا تعبت ، تعبان من كل حاجه ومش قادر ، مش قادر من ساعة ما فهمت إن بنتك كانت سبب من أسباب بعدها عني ، هو أنا مستاهلش؟؟ مستاهلش واحده زيها ؟؟ مستاهلش واحده بحبها وقلبي مختارش غيرها ؟. ..الحمل كان تقيل أوي عليا ، ولما ظهرت فحياتي خف ، خف بوجودها وأنا اللي كنت حاسس إني إتولدت عشان أشقى وأتعب وبس ، لما حسيت إنها ليا وبقت معايا عرفت إن من حقي أحب وأتحب ، أتاري الدنيا كانت بتلاعبني وبتضحك على عقلي وكأنها بتقولي إنت تعبت كتير يا بن ٱدم فـ خُدلك يومين بضحك عليك بيهم وبعلقك فيهم بحاجه مش ليك !!!!"
هبطت دموعها من حديثه وحتى دموعه هو الٱخر ، سمعته يكمل بكل وجع وكأنه أقل ما يمكن قوله :
_"مش عارف أشكي ازاي وأنا اللي معنديش. عنوان حتى متحدد بحاجه معينه ، كل حاجه بتوجع فيها ، حتى الحاجه الوحيده الي كان من حقي أختارها راحت مني !!! ".
حرك "عز" رأسه بقهرٍ ، ثم تشبت بنظراته يطالع عينيها الباكيه وهو يضيف بترجي وتمني:
_" نفسي أرتاح يا أم عز ، إبنك تعب ، تعب ومعتش قادر ، إمته الراحه قوليلي ؟؟؟"
حديثه قاسي على قلبها الضعيف الهش ، ضمته إليها بحنانٍ وتأثر شديد وقد إمتزجت شهقاته ببكاءها العالي وهي تشدد من ضمها إليه ،إبتلعت ريقها كي تردد بنبرتها الباكيه له والمتلهقه :
_" إرتاح يا حبيبي ، إرتاح فحضن أمك يا ضنايا ، الله يسامحها الدنيا يا بني الله يسامحها!!"
لم يقوى على إرداف الحديث أكثر ، وحتي هي كانت ٱخر ما قالته ببكاء شديد كان حديثها الٱخير ، وحتى لا تعلم هي كيف انتظمت أنفاسه وغاص بأحلامه الأخرى وما يريدها معه ،. نام في أحضانها التي تريح من بها كونها أم !! ، إعتدلت تمسح دموعه بتعبٍ ثم عدلت من جلسته على الأريكه وهي تفرد عليه الغطاء ، لا يوجد بيديها فعل شئ سوى أنها قبلت قمة رأسه وقد هبطت دمعتها على وجهه ذو الملامح الرجوليه صاحب البشره السمراء التي كانت داكنه ٱثر ما يعمله بحرفته ، قبلت كفه بأسفٍ ، ثم اعتدلت. تنظر على نومته بعجزٍ قبل أن تخرج من غرفته ، تقسم هي بأن نومته هذه لم تكن إلا "نومة المظلوم " !!
_________________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عودة الوصال ) اسم الرواية