Ads by Google X

رواية لعاشر جار الفصل الثلاثون 30 - بقلم سلمى رأفت

الصفحة الرئيسية
الحجم

    

 رواية لعاشر جار الفصل الثلاثون  30 - بقلم سلمى رأفت

30-لمحة من وحل الذكريات
          
                
هرولت عليها لتحتضنها لكن سارعت الأخرى بالتحرك من أمامها غير مبالية بها مما جعلها تتجمد في مكانها من صدمتها بها، نظرت إلى "آدم" الذي أعرض وجهه عنها هو الآخر عاقدًا ساعديه في ضجرٍ استشفته هي فاقتربت منه قائلةً في انكسارٍ :



_يا "آدم" أنت عارف إن الموضوع مش بإيدي، وأنت بنفسك شوفت أنا عملت معاه إيه وهو برضو مصمم على قراره، منها لله عمتك هي اللي لعبت في دماغه وحولته علينا كده.



نظر لها قائلًا في قوةٍ لا تناسب سنه :



_برضو هتبقي مسؤولة عن اللي حصل ده، وبكرة هي وراها حفلة ولازم تروحها والمس قالت مينفعش تحضر بالطرحة علشان يا سبحان الله هم لسه أطفال.



اتكئ على كلمته الأخيرة فوصل لها مخزى حديثه واقتربت منه تضع يديها على أكتافه قائلةً بخزيٍ :



_والله هكلمه متقلقش، بس الموضوع فوق طاقتي بجد!! ياريت تفهمني.



نظر لها مطولًا ثم تركها وتوجه إلى غرفته في صمتٍ، ظلت تنظر في أثره مقررةً في نفسها أنها سوف تحاول إصلاح الوضع.



جاء "محسن" في المساء من عمله وكالعادة سأل عليهم جميعًا وما إن جاء اسمها قالت له ما حدث بهدوءٍ ورقة حتى يستطع استقبال كلماتها، فاجئها هو برد فعله الهجومي وعارض بشدة أن تخلع حجابها فمقابل تلك الحفلة التفاهة بالنسبةِ له.




        
          
                
بالطبع نشبت مشاجرة عنيفة وصلت لمسامع أبنائهم ولكن الذي لم تتوقعه هي أن ينادي عليهم جميعًا حتى أتوا أمامه ثم توه ناطقًا بصوتٍ عالٍ بنبرةٍ ذات مخزى :



_مش نفسك تحضري حفلة بكرة صح؟؟



هزت رأسها بالموافقة فاقترب منها قائلًا وهو يبتسم :



_ماشي وأنا موافق، وهتقلعيها يا "لميس" علشان مبقاش قسيت عليكِ ومتقوليش إني وحش.



فور إن انتهى ارتمت هي في أحضانه وشكرته بطفولةٍ ثم عادت إلى غرفتها، كان تقف هي فالخلفية مستنكرةً ما حدث فما فعله الآن ينافى ما قاله من قبل قليل ولكنها حمدت الرب في سرها أنه حقق مرادها في النهاية.



مضت تلك الليلة وأتى الصباح حيث يوم دراسي جديد، كان "آدم" ينتظرها أن تخرج حتى لا تفوتهما حافلة المدرسة ولكن قطع تفكيره خروجها بفستانٍ طويلٍ ذي أكمامٍ واسعة وطويلة ويبدو أن هذا الفستان زي موحد على جميع الفتيات وكانت جميلة بحقٍ، كان من اللون الأبيض وتركت أمها خصلاتها تنسدل على ظهرها فكان شعرها ينتهي بنهاية جزئها العلوى بأكمله، اقترب منها وهو يضحك بمرحٍ ثم غازلها قائلًا :



_إيه الحلاوة دي بس؟؟ في قمر كده يا ناس؟؟




        
          
                
ضحكت ببراءةٍ وخجل وأمسكت يده في فرحٍ والابتسامة تعلو شفتيها وودعت والدتها التي قابلتها بتوديعٍ حار وكانت تحاول تعويض تلك الليالي السيئة التي أدت إلى تدهور علاقتهما وتحطم سبل الوصال بينهما، وكادا أن يخرجا توقفا أثر صوت والدهما الذي تحدث بازدراء :



_إيه ده؟؟ تعالي هنا!! 



اضطرب "آدم" والتفت له تبعه التفات "لميس" له أيضًا وتوجهت نحوه باستغرابٍ، أرسل هو نظرة استنكار لوالدته قابلتها هي بنظرة استنكارٍ أكبر وكانت بالفعل لا تعرف ماذا يحدث، أقتربت منه هي وهو يفحصها من أعلاها لأسفلها ثم نبس قائلًا باشمئزاز :



_شكلك وحش جدًا، شعرك مبوظ شكلك، أنتِ هتلبسي الطرحة انهاردة على الأقل هيبقى شكلك أحلى بدل الفرح ده!



فلتت من "أصالة" شهقةٌ عالية وكادت أن تخرج كلا مقلتيها للأمام بينما تجمد الآخر في مكانه من كلمات والده البشعة، بينما هي امتلأت عيناها بالدموع ونظرت له نظرة لن ينساها ما حيا، كانت نظرة انكسار بحقٍ، لم تقوى على النطق وهي تفكر في كلماته بأنها ليست جميلة وبأنها سوف تلبس تلك القماشة الحمقاء مرةً أخرى_وجهة نظر شخصية_ لم تستمع لتلك المشاجرة التي نشبت بين ثلاثتهم وكان يهددهما بأنها لن تذهب في أي مكانٍ واضطرت الأخرى أن تخضع له، لم تعارض ولم يصدر منها أي رد فعل بل تركتها تلملم خصلاتها الكثيفة الناعمة وتضع على رأسها حجابها بإحكامٍ، كاد أن ينطق "آدم" مرةً أخرى بعصبية ولكن أرسل له نظرةً تحذيرية جعلته يتراجع، أخذها ورحلوا وانتابه القلق بأنها لم تتكلم ولا يبدو عليها أي شعور وكان يحدثها ولا ترد عليه، بل يبدوا وكأنها في دوامةٍ أخرى...




        
          
                
استفاقت هي من شرودها بفزعٍ على رنين هاتفها وأخذت تتنفس بسرعةٍ وتحاول تهدئة نفسها من تلك الذكريات البشعة المرسخة في علقها حتى الآن، نظرت للهاتف وجدت أن الرنين قد انتهى فاقتربت بكرسيها من المكتب تتكئ على يديها وتحتضن وجهها بكلا كفيها وكان يتردد في عقلها أسوأ ما قيل لها.



"إيه ده؟؟ أنتِ لابسة الطرحة ليه؟؟ هو أنتِ شعرك اتحرق؟؟"



"مس ابعديها عني، مامي قالت اللي بيغطوا شعرهم كده بيبقى شعرهم فيه حشرات وقمل وممكن يجيلي"



"قوليلي ومش هقول لحد، أنتِ شعرك وحش صح؟؟ وخايفة حد يتريق عليكِ؟؟"



صرخت بألمٍ بأعلى صوتها ودموعها تفيض على وجنتيها :



_بس كــفــايــة!! كــفــايــة بقى!!



وقفت تجذب أشياءها بسرعةٍ ثم تحركت للخارج وهي تمسح دموعها، من حسن حظها كانت تتحرك بسرعةٍ بالغة فلم يلحظها أحدًا، استقلت سيارتها وأخذت تقودها لفترةٍ وجيزة حتى توقفت أمام النيل مباشرةً، نزلت من سيارتها ثم وقفت تستند بذراعيها على ذلك السور الذي يفصل بينها وبين النيل، بكت بحرقةٍ لم تعهدها قط، كل تلك الذكريات تخسف بها كلما تحاول نسيانها، ولكن الإنسان ماهو إلا بعضٌ من الذكريات، ظلت تبكي وتبكي حتى نفذت دموعها وهدأت_نسبيًا_، ظلت تنظر إلى المياه في شرودٍ ثم فتحت علبة سجائرها والتقطت واحدة وباليد الأخرى التقطت قداحتها تشعلها ثم نفثت دخانها في تروٍ، كان من يراها يظنها من الفتيات السيئة ولكنها الآن ترتدي ملابسها الرسمية وتبدو أكثر تألقًا وجاذبية، أنتهت من لفافة التبغ تلك ورمت العقب في المياه التي أمامها بلامبالاة ثم نظرت إلى ذلك الحذاء اللعين ذا الكعوب العالية، جذابةً حقًا بتلك الحلة، حمدًا لله أن لا أحد يقوى على قراءة أفكار البشر، فكانت أفكارها جنونية مختلة لا تناسب هيئتها تمامًا...




        
          
                
وصل لمسامعها موسيقى خاصة تحبها ثم تبعها كلمات الأغنية نفسها، ابتسمت بسخرية مريرة لتشابه تلك الكلمات معها بشكلٍ مريب، صدفةٌ بالطبع، أليس كذلك؟؟



"Oh, she's sweet but a psycho
A little bit psycho
At night, she's screamin'
"I'm-ma-ma-ma out my mind"
"Oh, she's hot but a psycho
So left but she's right, though
At night, she's screamin'
"I'm-ma-ma-ma out my mind"



__________________________



كانت تجلس بجانبه على متن تلك الطائرة وهي تفرك يديها بتوترٍ بالغ لاحظه هو ثم تفوه قائلًا بصرامة :



_حسك عينك تفتحي كلام مع أختك، أنا نبهت.



حدقت فيه بحنقٍ خفي ثم شردت في الفراغ تفكر كيف تخلص نفسها منه بأقل الخسائر، يبدو أنها شردت كثيرًا لدرجة أنها لم تشعر أن الطائرة قد هبطت، جذبها هو بقوةٍ وراءه استفاقت هي سريعًا بسبب قوة تمسكه بها، أنهوا جميع الإجراءات الرسمية للدخول وخرجا من المطار الدولي لمدينة القاهرة فهو لا يبعد كثيرًا عن منزل شقيقتها، لذا قرر هو أن يذهبا لها ليعلم هو ما حقيقة ذلك الميراث الذي ظهر من العدم، استقلا سيارة أجرة أوصتلهما إلى وجهتهما، نزلت هي من السيارة تنظر لتلك البناية وهي تتمنى في داخلها أن تبقى بها ولا تعود معه أبدًا.



جاء هو وراءها وهو يحمل حقائبهما بحنقٍ مرتديًا نظارته الشمسية خلعها عقب ترك تلك الحقائب على الأرض وأمسك رسغها قائلًا بتهديدٍ :




        
          
                
_أقسم بالله يا "سوزان" لو عملتي أي حركة كده ولا كده ما هيحصلك طيب أنتِ واللي قاعدة فوق دي، وأبقي وريني مين هينجدكم!



فور الانتهاء من كلماته وجد ما يرتطم في وجهه بقوةٍ صرخ هو عاليًا بسبب الألم الذي حل عليه، إنها تلك الكرة اللعينة التي ترتطم بوجه من يسير في الشوارع ولابد أنه قد نال نصيبه منها، اقترب "حمزة" قائلًا بأسفٍ واستفزازٍ خفي مبتسمًا ابتسامة عريضة :



_معلش يا عمو مخدناش بالنا من حضرتك.



نظر له "سيف" بسخطٍ وأمسكه من تلابيبه قائلًا وهو يجز على أسنانه بوعيدٍ :



_أخفى من وشي يا روح أمك بدل ما أطلع ميتين أهلك!



سقط قناع البراءة من على وجهه وتقلب "حمزة" مئة وثمانين درجة فصاح عاليًا قائلًا :



_نعم نعم؟؟ تطلع إيه؟؟ لأ بقولك إيه أنت شكلك مش من هنا وربنا نعمل معاك الصح!!



فور انتهاءه وجد من يلقي عليه الحجارة بالتناوب بسرعةٍ بالغة وكان يحاول هو تفاديها فظل يسبهما بأفظع الكلمات النابية حتى جاء "مروان" برفقة "عبدالله" و "عمر" مهرولين نحوهم بقلقٍ بعدما جاء أحدٌ من أصدقائهما ليخبرهم ما حدث ، نادى "مروان" قائلًا بزمجرة حادة :




        
          
                
_"حـــازم"!! 



توقفا الاثنان برعبٍ أثر تلك الصيحة المرعبة بالنسبةِ لهما اقترب "عمر" يعتذر له عمَّ بدر منهما ولكن فاجئه الآخر بسبةٍ كانت نابية حقًا، فاشتغلت مقلتيه بغضبٍ وانهال عليه بالضرب والسباب وبالطبع اشترك معه "مروان" و "عبدالله" وكان في الخلف "حمزة" و "حازم" يهتفون ببعض العبارات المشجعة وكأنهم في مباراة وليسوا في مشاجرة عنيفة متفوهًا أولهما :



_أديلوا يا "عمر"، عاش يا "عبدالله"، جامد أوي البوكس ده يا "مروان"!



أطلق الذي بجانبه صفيرًا عاليًا بينما كانت هي تنظر لهم برعبٍ لم تقوى على النطق من صدمتها، قطع ذلك الشجار نزول "مدحت" ومعه "عزت" وكانت برفقتهما "بوسي" بعدما رأت ما حدث من الشرفة ولكنها لم تهتم بشيءٍ قدر اهتمامها بشقيقتها التي فور أن رأتها ارتمت في أحضانها وهي تبكي بشدة، حاول "مدحت" برفقة "عزت" فض ذلك النزاع وكان "سيف" لا يملك سوى السبات قطعها "مدحت" قائلًا بقوةٍ :



_ألزم حدك! تصدق والله حقهم بألفاظك الزفت دي! 



نطق "سيف" وهو يمسح الدماء الذي سال من جبهته قائلًا بعنفٍ :



_هو سيادتك إيه بالظبط؟؟ أنا جاي هنا أنا ومراتي لأختها في زيارة، يقوم يحصل فينا الكلام ده؟؟ وبعدين حقي!! أما ألاقي عيل مالوش لازمة بيديني بالكورة في وشي حقي أعمل أي حاجة!




        
          
                
وجد من تنطق التي تأتي من ورائهم ناطقةً بزمجرة وشراسة مدافعةً عن جيرانها بغضبٍ :



_ما خلاص ياخويا مكنش ضربك بالنار! وبعدين هو كان ضرب بارين ديلو واحنا منعرفش؟؟ وربنا لو نطقت بحاجة تاني لهمسح بيك بلاط مصر الجديدة كلها بلاطة بلاطة!



انتهت "أمينة" من حديثها وهي ترمقه بوعيدٍ تحذره بنظراتها على عدم التفوه بأي شيء، نظر "سيف" إلى "بوسي" قائلًا باستهجانٍ وتقليل :



_عاجبك كده يا ست "بسملة"؟؟ صحيح هستنى منك إيه؟؟



أمال "عبدالله" على "عمر" وهو يقول باستغرابٍ بالغ :



_"بسملة" مين؟؟ هي مش اسمها "بوسي"؟؟



فلتت منه ضحكة حاول كتمها بسبب ذلك الموقف كاد أن يرد عليه قطعه اقتراب "بوسي" من "سيف" تمسكه من تلابيبه قائلةً بعدوانية وشراسة :



_ورحمة أمي في تربتها، لو لسانك ده غلط تاني قدامي أنت حر، طز فيك وفي اللي يتشددلك ولا نسيت مين "بسملة" يا "سيف"؟؟ ولا تحب أفكرك؟؟



دفعته بقوةٍ ثم رمقته باشمئزازٍ وجذبت شقيقتها ثم قالت بلطفٍ لهم بعدما هدأت :



_ممكن شباب الخير يجيبوا لينا الشنط؟؟ هتكسفوا طنط "بوسي"؟؟




        
          
                
اقترب جميع الشباب وهم يتضاحكون بشدة ليحملوا تلك الحقائب فتلك هي طبيعتها دائمًا في التعامل معهم، اقترب "عزت" من "سيف" قائلًا بجمودٍ وصلف :



_أسمع يا جدع أنت، أنت لو كان ليك حق كنت هتاخده، بس أنت اللي ضيعت حقك ده، ومحدش فينا هنا بيرضى بقلة القيمة بس قلة القيمة صاحبها هو اللي بيجيبها لنفسه، روح اطلع لمراتك ده أنت حتى ضيف عندنا.



لم يتفوه "سيف" بأي كلمة بل جذب أطراف خيبته وكرامته التي تبعثرت منذ قليل وتحرك للداخل وهو يتوعد لهم جميعًا بأشد العقاب، ما إن دخل ضرب "مدحت" كفًا بكفٍ قائلًا بمرارة :



_يا حسرة والله شباب زي الورد ويبقى عامل كده، ده شكله مش طبيعي ومراته شكلها غلبانة مش زي أختها خالص!



ضيق "عزت" عينيه قائلًا بخبثٍ ومكر :



_وماله يا "مدحت" أهو نتسلى شوية، أنا بقى حطيته في دماغي أما نشوف أخرتها.



نظر للتي ترمقه بحدة رافعةً أحد حاجبيها في استنكار شديد فقلب عينيه باستياءٍ قائلًا بتبرم :



_يا مدام "أمينة" وربنا الجدول ما هينفع يتغير، العمارة كلها عاجبها الوضع معادا حضرتك! 



وضعت يديها في خصرها قائلًا بجبروتٍ :




        
          
                
_ما طز في العمارة المهم أنا! إيه أروح أموت نفسي يعني؟؟ اتصرف وغير الجدول ده! أنا مش هنشر بمواعيد كمان ما تيجوا تعاقبوني بالمرة!



تركهما "مدحت" ورحل قائلًا بتأفف :



_لأ مع نفسكم بقى أنا دماغي واجعاني وراجل صاحب مرض.



لم يكترث أي منهما له بل بدأت وصلة الشجار المعتادة بينهما حول ذلك الجدول الأحمق لنشر وتوزيع الملابس الأسبوعي لأولائك السكان.



بينما في الأعلى التفوا جميعًا حول "أميرة" التي ظلت تبكي بشدة بسبب تلك المشاجرة قائلةً بانتحاب :



_حرام عليكم والله اللي بتعملوه ده! بتتخانقوا ليه هو احنا بتوع الكلام ده؟؟ قدر بقى كان حد فيكم حصله حاجة؟! وأنت يا "عبدالله" يا عاقل تقوم برضو رايح معاهم؟؟ كده توجعوا قلبي عليكم؟؟



انتهت من كلماتها ثم سحبت محرم ورقي من علبة المحارم الورقية تكفكف دموعها التي لا تتوقف أبدًا واقترب "عمر" يقبل رأسها قائلًا بأسفٍ :



_والله يا ماما أنا كنت رايح ألم الدنيا بس هو اللي قليل الأدب أنا عرفت الواد "حمزة" والعفريت التاني اتكاتروا عليه ليه.



اقترب "عبدالله" يجلس أمامها على الأرض قائلًا بندمٍ :




        
          
                
_متزعليش مني والله، بس فعلًا الموقف كان صعب، أنتِ غالية عليَّ أوي ومرضاش إنك تزعلي.



اقترب الثلاثة يحتضنوها كتعبيرٍ منهم عن أسفهم ضمتهم هي قائلةً في قلقٍ مبالغ فيه دائمًا :



_بالله عليكم ماحد يكرر حاجة من دي تاني، أنا مش ناقصة والله وأنتم عارفني، وأما يطلعلي الاتنين اللي تحت دول حسابهم معايا.



بدأوا في المزاح معها حتى ترضى عليهم قطع تلك اللحظة رنين الجرس الكهربائي بعشوائية تبعه صوت طرق مزعج على الباب، ذهب "مروان" ليرى من ذلك المزعج وما إن فتحه وجد "تيام" يقف أمامه قاطب جبينه في سأمٍ وتبرم، دخل دون أن يتفوه بكلمةٍ وما إن ولج استمع إلى صياحهم وتهليلهم الساخر به والذي بدأ بتلك السخرية "عمر" قائلًا :



_إيه يا عريس؟؟ كده برضو متسألش علينا؟؟



رمقه بحنقٍ بينما تابع "عبدالله" متفوهًا بسخرية أكبر :



_يا "عمر" متكسفهوش، ده كويس إنه مَنّ علينا وطلع يشوفنا.



وقف "تيام" وعلى محاياه علامات الانزعاج فنطق بغيظٍ  :



_أنتم شكلكم رايقين وأنا مش ناقص، سلام.



انتهى وتحرك نحو الباب عاقدًا حاجبيه بضجرٍ فأسرعوا إيه وهم يتضاحكون بشدة عليه في محاولةٍ منهم لتوقيفه عن التحرك.




        
          
                
 بينما في شقة "سعيد الشريف" جلست "توحيدة" بجوار ابنتها وهي تقول بصرامة :



_اسمعي يا بت أنتِ، الواد ده لو جبتيه بحق كل فلوس أبوه لما يموت ولا يغور فداهية هتبقى ليكِ، بلاش "تميم" الواد ده هادي فنفسه وشكله لمّاح، خليكِ في "تيام" على الأقل عيل أهبل.



نظرت لها "ياسمين" بتشتت فهي في الأصل تحبه وتهيم به سرًا، كانت تتابعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي فكان والدها دائمًا ووالدتها لا يكفون عن النم والغيبة على أبيه و"أحمد" شقيقه الآخر، لكن الآن جاءت لها فرصة على طبقٍ من ذهب، ستحاول استدراجه وتعثره في شباكها الماكرة، هي لا تكترث لأمر الأموال حقًا بل تريده هو لشخصه.



ظلت والدتها تلقي عليها تعليماتها الحادة والصرامة التي لا تقبل النقاش وهي كل ما تفعله الموافقة على كل ما تقوله.



___________________________



كان "يوسف" جالسًا أمام التلفاز بمللٍ وضجرٍ، قطع ذلك المشهد دلوف "يونس" وهو يدندن باستمتاعٍ استنكره الآخر وبشدة، راقبه حتى دخل إلى غرفته، لم يكترث له ولكن تلبسته حالة والدته في الكشف عن سبب تغير حالته تلك فقفز من على الأريكة يهرول ناحية غرفته وفتحها كالمخبر الذي اكتشف لتوه مخبأ تلك العصابة الذي كان يراقبها من زمن، انتفض "يونس" من دخلته تلك فصاح قائلًا بسخطٍ :




        
          
                
_إيه يا حيوان الداخلة دي؟؟ في إيه؟؟ أنت محسسني إنك أبويا وقفشتني بتكلم مع واحدة!



استند على الباب متفوهًا بمكرٍ وخبثٍ لا يفارقانه :



_لأ بس غريبة يعني، داخل وبتغني وسرحان كمان، لو مش عايز تقول براحتك طبعًا، بس أمك هي اللي هتنطقك.



انتهى وهو يلاعبه بحواجبه في استفزازٍ وتحرك ناحية الباب بعدم اكتراثٍ توقفت حركته أثر قبضة الأخر على ملابسه قائلًا وهو يجز على أسنانه :



_عايز إيه بالذوق كده بدل ما أروح لها أنا وأقولها على روبابيكة.



جحظت عين الآخر في رعبٍ والتفت له يتوسله عن التوقف :



_لأ!! كله إلا روبابيكة!! إيدك على ميتناية هنزل أجيب ليا عشا.



صحح له الآخر في صلفٍ :



_قصدك لينا!



نفى الآخر باستفزازٍ قائلًا :



_تؤ، ليا أنا، هتقولي ما تجيب من معاك هقولك ملكش دعوة ويلا أخلص.



أخرج من جيبيه ورقة نقدية فئة المئتي جنيه، أعطاها له بغير رضا واضح كوضوح البدر في سائر الليل ولكن الآخر تجاهله وتحرك ناحية المصعد يطلبه حتى نسى أن يبدل ملابسه بدل تلك المنامة القطنية المضحكة، لكن كان وسيمًا أيضًا، توقف المصعد في الطابق الأرضي وخرج من البناية وهو يفكر ماذا يجلب له في العشاء قطع تفكيره ذلك النداء الذي جذب انتباهه :




        
          
                
_يا بت يا "كنزي" استني هجيب حاجات ونطلع مع بعض.



نظر لصاحبة الاسم فغر فاهه من الصدمة، صدمة جمدته في مكانه وأخذ يردد بهمسٍ قائلًا :



_لأ لأ لأ، مستحيل! مستحيل!



لم يشعر بقدمه التي هرولت للداخل مرةً ثانية ولحسن حظه كان المصعد مازال مكانه استخدمه حتى وصل إلى طابقه ثم اقتحم شقته قائلًا بجنونِ ورعب :



_يا "يـــونــــس" الحق في مصيبة!



خرج له "يونس" برعبٍ قائلًا وهو يصيح فيه بغضبٍ :



_في إيـــه؟؟ بتصوت كده ليه؟؟؟؟



أمسكه هو من تلابيه قائلًا وهو يكاد يبكي خوفًا :



_"كنزي" يا "يونس" "كنزي" واقفة تحت يا "يونس"!!



لم يستوعب ما قاله فكيف أتت إلى هنا؟؟ استعاد وعيه بسرعةٍ ونطق مفكرًا :



_وهي "كنزي" إيش عرفها بهنا أصلًا؟؟ أنا كنت يوميها ودتها الشرقية عند حد معرفة هناك، وكمان دي فاقدة الذاكرة! يعني حتى لو رجعت ليها هتنزل على إسكندرية، إيه اللي هيجيبها هنا؟؟



ظل "يوسف" يذهب ذهابًا وإيابًا قائلًا وهو يحاول تشغيل علقه الذي تجمد من هول الكارثة التي حلت عليهما :




        
          
                
_لأ مرجعتش ليها، لمحتني وأنا بجري ومعرفتنيش، هو شكل أخوها عرف وجابها هنا معاه، نهار مش معدي!! 
"نوح"!!



استوعب الآخر كلامه فنطق مقررًا بحدة :



_احنا لازم نقوله كل حاجة، ده لو عرف هيقلب الدنيا والخبر ده لو وصل لحد منهم رقابنا كلها هتبقى تحت رجليهم، "كنزي" بالنسبة ليهم ميتة وشبعت موت وخبر زي ده لو وصلهم أبواب جهنم هتتفح علينا!!



حسما قرارهما وقررا أن يخبرانه الحقيقة التي وللأسف قد فات آوانها ولكن ذلك أفضل من أن ينتهي بهم المطاف بقتل ثلاثتهم!



طرق "يوسف" على ذلك الباب دقائق وفتحت لهم "أمينة" التي قبل أن تنطق تفوه "يونس" بجدية معهودة تعرفها والدته جيدًا :



_"نوح" فين يا ماما؟؟



جفلت لثانية ثم نطقت وهي تشير لهما بالدخول : 



_جوة في البلكونة.



دخل "يونس" ومن خلفه "يوسف" إلى الشرفة بينما ظلت هي تنظر لهما بترقبٍ والفضول ينهش بها، فكرت أن تتحسس عليهم فهي لا تنوي التجسس فهي لا تملك أي نوايا سيئة بل سوف تتحسس ما يدور بينهم من حديث، نهرت تفكيرها الأحمق وعادت لمسلسلها المفضل تشاهده في هدوءٍ وسوف تعلم ما حدث لاحقًا.




        
          
                
بينما في الداخل، كان هو واقفًا ينظر للمارة بشرودٍ يفكر بذلك المشهد الذي لم يفارق عقله قط، قلبه يخبره بأنها هي، ولكن عقله يكذب ذلك، انتشله من دوامة أفكاره تلك اليد التي وُضعت على كتفه من الخلف، التفت ينظر لهما بالتناوب وسرعان ما اشتغلت رأسه كالحمم البركانية كاد أن يتكلم لكن سبقه "يونس" قائلًا في جدية :



_عايزينك في موضوع وياريت تسمع للآخر.



أنزل يده من على كتفه ثم تفوه قائلًا وهو يتنفس بوتيرة سريعة من إثر الغضب :



_مفيش بينا مواضيع تجمعنا.



تلفظ "يوسف" بدهاءٍ جاذبًا انتباهه قائلًا :



_حتى لو الموضوع يخص "كنزي"؟؟



التفت له بسرعةٍ كبيرة واقترب يمسكه من تلابيبه متفوهًا بزمجرة :



_متنطقش اسمها على لسانك يا زبالة!



شده "يونس" وهو يصيح فيه بسبب قلة وعيه :



_ما تهدا كده يا "نوح"!! بلاش شغل عيال!! تصدق خسارة فيك؟! لما تعرف إن هي عايشة كل ده ومش فاكرة حتى اسمك قلبك هيتحرق أكتر وأكتر، خليك في غبائك ده بقى!



صدمة أخرى حلت عليه، جلس على ذلك الكرسي بتعبٍ ولا وعي، عُتمت الرؤية من حوله، وغاب عن ذلك العالم غارقًا في عالمها الذي كان يحتويه دائمًا..




        
          
                
_____________________________



كانت "مريم" جالسةً شاردةً في الفراغ، لا أخفي عنكم سرًا فحالتها النفسية كانت متدهورة لأقصى حدٍ، لم يستطع علقها استيعاب أنها قضت أربع سنواتٍ من عمرها بجانب ذلك المخادع، لم تفعل أي شيءٍ له ليكون ذلك الرد عليها!



اتجهت نحو خزانتها ترتدي ملابسها في آلية شديدة ثم خرجت لوالديها بالخارج، نظرت لهما تستأذنهما بنظرها للخروج ولم يعارض أيًا منهما، بمجرد أن خرجت تفوهت "نورا" قائلةً بحزنٍ :



_أنا تعبت أوي يا "مدحت" البنت نفسيتها تحت الصفر، ومش عارفة اعمل ليها حاجة!



ارتمت بأحضان زوجها تبكي على ما وصلت إليه ابنتها، استقبلها هو بعناقٍ دافئ يحاول فيه التخفيف عنها قائلًا بحبٍّ :



_أنا واثق في ربنا إن اللي جاي خير، الحمدالله إن ربنا كشفه ليها على حقيقته، مين كان عالم لو كانت اتجوزته كان حصل إيه، أنا مش سايبها ومعاها دايمًا، متقلقيش يا حبيبتي..



بينما فالخارج تقابلت هي مع صديقاتها في أحد المقاهي التي تقبع في منطقتهن، جلست بينهن شاردة جذبها من حالتها تلك "چنى" قائلةً بضيقٍ من حالة صديقتها، فهي تكره أن تراها أو تراهن بؤساء :




        
          
                
_يا حبيبتي خلاص، بصي وشوفي اللي قدامك، ده كلب ولا يسوى، يا "مريم" أنتِ حواليكِ كتير يتمنوا ليك الرضا ترضي، وأولهم "عمر"! 



نظرت لها بسرعةٍ تنفي حديثها بثقةٍ قائلة :



_مفيش الكلام ده!! "عمر" معايا من زمان جدًا يعتبر متربين مع بعض، دي أكيد مشاعر أخوية، أنا مش زعلانة عليه كلب وراح، أنا زعلانة على عمري اللي ضاع جنبه وأنا ماسكة فيه وكنت فكراه عمره ما يسيبني، بس أنا اللي كنت معمية وماسكة في حبال دايبة.



حاولن هن إخراجها من تلك الحالة وبالفعل استجابت لهن، لمحته هي من على بعدٍ، تنفست بتروٍ ثم التفت لهن تقول في ضعفٍ :



_جماعة، "آدم" وحشني.



نظرن لها بفضولٍ ثم نظرن إلى موضع نظرها، كان يقابل أحد أصدقائه ويسلم عليه بحفاوة شديدة وكأنه مر زمنٍ على مقابلتهما، ظلت هي تنظر له ودقات قلبها تتسارع بشدة، سرعان ما هاجم عقلها تلك الصور اللعينة، لكن كان هناك دائمًا شيئًا يكذب تلك الصور وذلك الحديث الذي سمعته يوم الوقعة، حمدت الله أنه لم يلحظها فكانت طاولته بعيدة نسبيًا عنهما، نظرن لها بخبثٍ شديد ورفضن انتشالها من حالتها التي لا تتكرر سوى كل قرن مرة، بينما على طاولته هو تحدث من يقابله قائلًا بضجرٍ :




        
          
                
_على فكرة بتبص عليك.



تحدث هو بعدم اكتراث قائلًا :



_إيه ده؟؟ مين دي؟؟



ارتفع حاجبه باستنكارٍ قائلًا بمكرٍ :



_يا جدع؟؟ يعني عايز تقنعني إنك مش عارف؟؟ أراهنك بقى إنك جايبنا هنا علشانها! أنت بتحور على مين؟؟ ده أنت هتموت عليها!



نفخ أوداجه بحنقٍ ثم استرسل قائلًا باستياء :



_ياعم ما تسيبني أعيش الدور، أنا مش عارف أعمل إيه معاها.



نظر "يامن" لها ثم أعاد نظره إليه واستغرب لوهلة أنه لا ينظر لها كعادته لكن جذب انتباه مسكه للهاتف فاقترب بكرسيه منه ثم ضحك عاليًا جذبت ضحكاته الأنظار حولهما، رمقه هو بشرٍّ وحاول هو التوقف قائلًا بصوتٍ منخفض :



_لأ عجبتني دماغك، بتبصلها من الكاميرا؟؟ لأ بصراحة شغل عالي.



أغلق هو هاتفه بضيقٍ منه فاعتدل الآخر في جلسته قائلًا بتعقل :



_أنا بقول تسيبها للظروف يا "آدم" اللي زي "ندى" لو اتقلبت قرد عمرها ما هترجع ليك، وأنت عارفاها أكتر مني، سيبها للظروف.



زفر هو بتعبٍ وقرر الاستجابة له، فهو تمام العلم بها وبتفكيرها، لم ولن تعود له مهما فعل بل عندما هي تحاول التقرب لأصلاح ما حدث فكانت تلك هي طريقتها دائمًا وهو لا يعارض عليها، انتهت تلك الجلسة وودعا بعضهما وخرج هو أمام ذلك المقهى ينظر للسيارات التي تتحرك أمامه في ضيقٍ، أخرج علبة سجائره ولكن قبل أن يلتقط واحدة ظل ينظر للعلبةِ بحسرة فهو دائمًا يكره التدخين ولكن مؤخرًا كان يدخن على فترات متباعدة حيث يلتقط سيجارة واحدة كل أسبوع أو أسبوعين، لكن تلك المرة يشعر باختناقٍ شديد بسبب كل شيء، التقط واحدة يشغلها ثم نفث هواءها في هدوءٍ وسكون، جذب انتباهه صوتًا مميزًا بالنسبةِ له فالتفت جانبه وجدها تقول بمرحٍ ساخر :




        
          
                
_سجاير تاني؟



رمقها بطرف عينيه ثم تفوه قائلًا بضجرٍ وهو ينظر أمامه :



_غطي شعرك.



تلقائيًا قامت بتغطيته ولم تعارض، سكتت لوهلة تستوعب ما فعلته، مازال تأثيره مريب عليها، نظر لها وهو ينفث هواء سيجارته وابتسم نص ابتسامة قائلًا برضا : 



_جدعة، زي الفل.



قررت هي التخلي عن عدوانيتها وشراستها والتعامل بلطفٍ قليلًا لا تعلم أنها تتعامل بذلك الأسلوب تلقائيًا معه وليس تصنع، كادت أن تنطق لكن قطعها هو قائلًا بنبرة تحمل العديد من المشاعر ويغلب عليها الاضطراب :



_تيجي اعزمك على قهوة؟



كانت سترفض لكنها لمحت نظرة رجاء في عينيه فوافقت على مضضٍ مصطنع، ابتسم هو بملء شدقيه فهي الآن تفتح له الباب وسيكون بغبيٍ إن لم يستغل ذلك، ألقى ذلك العقب على الأرض بعدما وجدها كرست تركيزها عليه فهي دائمًا تكره تلك السجائر وبشدة ولا يريد مضايقتها، تكلم وهو يضع يديه في جيوبه قائلًا براحةٍ ولطفٍ وحنوٍ يظهر لجميع أحبائه وبالأخص هي :



_طب تعالي معايا نتمشى.



لعنت هي غباءها فقد ضغطن عليها بأن تبادر ولو بشيءٍ بسيط فكانت تغلق هي جميع الطرق للوصول إليها، ولكنها قررت فتح الباب قليلًا لترى ما سيحدث.




        
          
                
سارت بجانبه والابتسامة تعلو وجهها الصبوح وسارا طوال الطريق صامتين ولكن صمتهما كان لطيف، وقف هو يجلب لهما كوبا من القهوة الفرنسية، دقائق وجلب لها قهوتها، أخذتها ثم شكرته بخجلٍ منه واحتسياها في صمتٍ تام بينهما، نظرت له بمشاعرٍ مضطربة ثم نطقت بنبرة تحمل في طياتها الوجع والخذلان :



_ليه؟؟
 ليه يا "آدم" وصلتنا لكده؟؟



______________________________________



دلفت "لميس" للشقة بعدما فتحت الباب بنسختها الخاصة، كالعادة الضجيج يملأ المكان، كان معظمهم متجمعين في صالة المنزل يتشاجرون كعادتهم فاستوقفها جملة "مهند" الذي تلفظ قائلًا بضجرٍ :



_لأ بقولك إيه أنتِ اللي بتخلصي النت على الحاجات الهبلة بتاعتك دي!! ما هو يا حبيبتي ڤيديوهات تورتيلا ميكب بتاعتك دي هي اللي بتسحب النت!!



عقبت "چويرية" على حديثة قائلةً باشمئزاز تنفي تلك التهمة :



_تورتيلا إيه؟؟ اسمها توتوريال!! وبعدين يا بابا شوف أنت ببجي والـonline games بتوعك! يعني أنا ڤيديوهاتي بتسحب نت وأنت اللعب بتاعتك بتحسب بونبوني؟؟



قطعت "فريدة" شجارهما هذا متفوهةً باستجهانٍ :



_والله أنتم الاتنين مشطبين عليه أول بأول!



استرسل "مراد" في الحديث يرد عليها قائلًا بسخطٍ وهو يستعمل يده فكانت حركاته يده وجسده مضحكة وهو يتحدث إليها :




        
          
                
_لأ بقولك إيه أنتِ آخر واحدة تتكلمي!! ده أنتِ يا ماما طول النهار مقضياها مسلسلات وأفلام ومش سايبة حاجة إلا وعملتيها!! ما كل ده بيسحب يا ماما!!
 
ردت عليه "چوري" تلك المرة بتمقط وحدة :



_اسم الله عليك يا حبيبي! ده أنت قايم نايم بتكلم في صحابك ڤيديو كول!! ده بقى بيسحب ولا أنا بيتهيألي؟؟



خرجت لهم "أصالة" من المطبخ تقول بضجرٍ من شجارهم :



_أنا الحمدلله بكلم خالتكم على المسنچر بس.



أضاف "عدنان" قائلًا بصوتٍ عالٍ بسخرية :



_ما ده كله بيسحب يا حبيبة قلبي ما كله من النت!!



رفعت له أحد حاجبيها قائلةً بدهاءٍ :



_لأ يا حبيبي أنت فاكرني هبلة؟؟ هي اللي بترن طبعًا.



عدل "فريد" من وضع نظارته الطبية ثم تلفظ قائلًا بهدوءٍ :



_ما تنزلوا تشحنوا وأنتم ساكتين؟؟ هو الموال ده كله لازم يحصل كل شهر؟؟؟



سخرت "لارا" من حديثه قائلةً بضيقٍ :



_أيوة ما البية فاكر إن قنوات الطبخ والڤيديوهات، الڤيديوهات ها واخدين بالكم؟؟ مش بيسحبوا حاجة!! ده يوتيوب ياخويا يعني بيشفط النت هوا كده، لأ وكمان بيتفرج على أعلى جودة، يعني شحات وبيتأمر!!




        
          
                
ظلوا هكذا يتبادلون إلقاء التهم على بعضهم البعض حتى وجدوا من تقف على الأريكة تصرخ بتعبٍ :



_ما خلاص بقى!! أنا تعبت!! حد ينزل يشحنه ويخلص!!
لازم شغل التلقيح ده؟؟



تركتهم "لميس" وهي تضحك بخفوتٍ توقفت عندما وصل لمسامعها صوت "مراد" الذي يوجه إليها الحديث بزمجرة :



_تعالي بقى كده، علشان بصي...!



أرسلت له نظرة تحذيرية تحسه على الإكمال لكن الآخر ابتلع لعابه بتوتر وسكت بخوفٍ منها، تلفظت هي قائلةً بضيقٍ وبنفاذ صبر :



_أنا مش ناقصة وجع دماغ!! حد ينزل يروح يدفعه!! ورايا زفت حاجات عايزة أترجمها!!



تركتهم ودلفت إلى غرفتها، جفلوا جميعًا من أثر غلق الباب بقوة، فقرر هو اتقاء شر شقيقته وبادر هو بالنزول لدفعه.



______________________



جلست "بوسي" بجوار شقيقتها وهي مازالت تحتضنها في اشتياقٍ ولوعة، بينما هو يجلس أمامهم بضجرٍ يهز قدمه في انزعاجٍ واضح تجاهلته هي، حسنًا هو لا يقوى على فعل أي شيء بحضرتها كانت "بوسي" دائمًا التي تأخذ حق شقيقتها من أي شخصٍ يمسها بسوء، هو يدرك قوة شخصيتها جيدًا ولو تصرف تصرفًا أهوج حتمًا ستحطم أثاث شقتها بأكمله على رأسه.




        
          
                
نظرت له "بوسي" باستفزازٍ قائلةً :



_ما تروح لـ"شريف" الشركة أهو بالمرة تقعدوا مع بعض ولما تجيوا نتكلم في المفيد، معلش أصل مش هعرف أتكلم وجوزي مش موجود.



تطرده بأناقة إذًا؟؟ استجاب هو لها على مضضٍ وذهب وما إن خرج سحبت هي شقيقتها للداخل تحدثها بلهجةٍ آمرة :



_أنتِ تنزلي معايا دلوقتي نطلع على القسم، اللي أنتِ فيه ده مش طبيعي، أنتِ مش شايفة جسمك عامل إزاي؟؟ يا شيخة حرام عليكِ نفسك!! ومسمعش حسك كفاية القرف اللي فيه طول السنين دي كلها!!



جفلت هي من طريقة حديثها وارتعبت عندما تذكرت تهديده لها، لكن تلك الفرصة لا تأتي مرتين، حسمت أمرها ووافقت على ما قالته، كادا أن يخرجها استمعت "بوسي" إلى صوت ابنتها الناعس :



_مامي، أنتِ رايحة فين؟؟



كانت تفكرك في عينيها إثر النوم فهرولت إليها "بوسي" تحدثها بحنانٍ :



_رايحة مشوار مع خالتو بس معلش مستعجلين لما نيجي سلمي عليها براحتك، تعالي معايا هتقعدي عقبال ما نيجي مع أنكل "عزت".



رفضت هي التحرك متفوهةً بنفي :



_لأ الأغاني بتاعتهم بزهق منها، أنا عايزة أقعد مع "لميس"



وقفت هي تنظر إليها باستغرابٍ قائلةً :



_"لميس" مين؟؟ بنت أنكل "محسن"؟؟



هزت رأسها بالإيجاب ولكنها لا تملك الخيار فخرجت برفقتها وشقيقتها وراءها بريبةٍ، استخدمت الجرس الكهربائي ولم تمر ثواني حتى فتحت لها "أصالة" ومن خلفها هم ينظرون للطارق بفضولٍ شديد، حمحمت هي بحرجٍ قائلةً :



_ممكن بس "كارما" تقعد معاكم شوية علشان رايحة مشوار ومفيش حد تقعد معاه في البيت، كلها ساعة بالكتير بس وهاجي.



ابتسمت لها "أصالة" بودٍّ وكادت تمد يدها تأخذ الفتاة وجدت من يخرج بجانبها يحملها قائلًا بمرحٍ :



_متقلقيش، في عينيا كده.



ابتسمت لهم ثم شكرتهم ورحلت، بينما دخل بها "مهند" إلى الداخل وذهبوا جميعًا إليهما يلتفوا حولهما يلاعبانها في مرحٍ وودٍّ، تجاوبت معهم الصغيرة ولفت انتباهها عدم وجودها بينهم، سألتهم عنها فأجابوها بانشغالها قليلًا لكنها سوف تنضم إليهم لاحقًا.



نزل كلاهما عبر المصعد ثم توجهوا إلى خارج البناية قاصدين وجهتهما ألا وهو مركز الشرطة.



_"ســــوزان"!!



تجمدت الاثنتان في مكانهما عند سماعهما إلى آخر صوتٍ توقعتا أن يسمعانه...



_________________

 

  • يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent