Ads by Google X

رواية لعاشر جار الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم سلمى رأفت

الصفحة الرئيسية
الحجم

    

 رواية لعاشر جار الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم سلمى رأفت

25-كارثة مبيدة
          
                
نظرت لـ "آدم" الذي كان يحاول استعادة هدوءه الذي فقده من عدة دقايق ثم توجه إليها يجلسها قائلًا ببعض الحدة :



_احكي كده إيه الصور دي ومن غير تأليف ولا حوارات ومحدش هيعملك حاجة بس احكي علشان نعرف نتصرف.



لم تنطق ببنت شفة وظلت تبكي حتى ارتفع صوت "ريان" مجددًا وكأنه أسدٌ جامح قائلًا :



_حظك أبوكِ وأمك مش هنا، أنا لحد دلوقتي مش عايز أعمل حاجة بس أنتِ عديتي الحد، احكي كده بدل ما وربنا هموته وهموتك.



ارتعبت كثيرًا وقررت التحدث ولكن خرجت كلماتها متلعثمة قائلةً :



_كـ كان بيقولي ابعتيلي صورك عايز اشوف الهدوم دي عليكِ، وأنا كنت برفض في الأول بس كان بيقعد يقولي أنتِ مش محجبة، أنتِ عادي تنزلي باللبس ده وكنت بقتنع فعلًا وببعتله، بس كده والله.



جذب "مهند" الهاتف يقرأ المحادثة ووجد حينها صورًت الكترونيةً لشقيقته بالملابس المنزلية فتفوه باستهجان قائلًا :



_عادي تنزلي بيها؟؟ ليه فاكرانا عيلة الحج قورني؟؟ 



رمقته "فريدة" بتوعد وتوجهت نحوها تسألها وحاولت إبقاء نبرتها هادئة ولكنها خرجت ببعضٍ من الوجوم قائلةً :




        
          
                
_اسمه إيه الواد ده؟؟ وشكله إيه؟؟



حسنًا لقد وصلنا للجزء الأصعب من المهمة، فلو علموا من هو حتمًا ستقضي ليلتها حيةٌ في قبرها، فلا شك أشقاءها سيعيدون عادات الجاهلية القديمة وبالأخص عادة وأد البنات، ولكنها قررت التفوه فلا شيء ستخسره أكبر من تلك الخسارة، تلفظت قائلةً بريبةٍ :



_"حسام"، "حسام" اللي شوفناه في القسم امبارح.



دوى صوت ارتطام على الأرضية فانتفضوا جميعًا من أثر قوة الارتطام، وسرعان ما دوى الصراخ في المكان.



______________________________________



كان جالسًا في غرفته يتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وظهرت له عدة اقتراحات لطلبات الصداقة لعل وعسى يعرف هؤلاء الأشخاص، وكعادة ذلك الشعب الفضولي يريدون التعرف على من هؤلاء الناس والتصفح في حساباتهم الشخصية، ظل يعبث حتى وصل للحساب العشرون ثم وقع أمامه حسابًا يُدعى "Lara Wanees"، اعتدل في جلسته عندما لمح اسمها وصورتها الشخصية، كانت تبتسم في الصورة بملء شدقيها ووراءها كان الشارع خالٍ تمامًا من البشر ويبدو أن تلك الصورة ألتُقِطت في أحد شوارع الزمالك، انتابه الفضول ثم دخل على صفحتها الشخصية ليكتشف ما بها وتملكه الحماس ولكن سرعان ما تبخر ذلك الحماس وتبدل حاله للعبس والوجوم عندما وجد إن الحساب مُغلق حيث كان لا يُسمح للعامة التصفح في صفحتها الشخصية، أغلق الهاتف بضجرٍ قائلًا :




        
          
                
_ما كل اللي قابلوني فاتحين الأكونت بتاعهم على البحري، جت عليها هي وعاملة Locked؟؟ هو أنا داخل متحف اللوڤر؟؟



خرج من غرفته فوجد "تميم" يجلس مع والدته يتناولون إحدى المقرمشات والتسالي بتركيزٍ مع المسلسل التلفزيوني، لم يكترث لهما وتوجه للمطبخ يبحث عن طعامٍ ولكنه لم يجد شيئًا، كاد أن يصيح كعادته ولكنه لمح الأواني المعدنية التي يُطهى بها الطعام فارتفع صوته قائلًا بفرحةٍ عارمة وكأنه لم يرى طعامًا في حياته قط :



_ماما أنتِ عاملة أكل إيه في الحلل دي؟؟ أنا جعان!



نظرت له بعدم اكتراث وعادت بنظرها للتلفاز وتكلمت بضيقٍ قائلةً :



_آه يا شاهيناز الكلب!! شايف يا واد يا "تميم" ستات آخر زمن!



لوى فمه بتهكمٍ قائلًا :



_هو اللي اسمه خالد ده عبيط بـ..



قاطعته والدته قائلةً بصرامة :



_إياك ثم إياك تغلط في حمادة هلال! اتفرج باحترامك!



شد "تيام" في شعره بسخطٍ قائلًا :



_يخربيت الاخوات اللي بعد ما الأب ما مات! يخربيت عيلة أبو حطب كلها! يا ماما بقى أنا شوفت مسلسل ولي العهد ده فوق السبعين مرة معاكِ وكل مرة بتتصدمي لما بتشوفيه، ركزي معايا أنا جـــعــان!!




        
          
                
ظلت تهز رأسها بتأثر وهي تصدر أصواتًا أعربت عن استهجانها من التي تُدعى "شاهيناز" ولكنها ردت عليه قائلةً بهدوءٍ :



_مفيش أكل غير لما أبوك يجي.



نظر له "تميم" وهو يضحك قائلًا باستفزاز :



_أصل أبوك هو اللي معاه باسورد الحلل.



كاد هو أن يبكي وأن يصيح عليهما مرةً أخرى ولكنه انتبه للمشهد وصاح قائلًا بسخطٍ :



_يا عزيز يا واطي!! أقسم بالله الراجل ده عايز الحرق! وسع كده أما اتفرج.



جلس بجوارهما وهو يتابع بتركيزٍ شديد وكأنه ولأول مرة يشاهده، مر بعض الوقت حتى انتبهوا لصوت طرق الباب فذهب "تيام" ليفتحه بعجلة ليعاود مشاهدة المسلسل مرة أخرى، فتح الباب وانصدم من التي واقفة أمامه ويبدو وكأنها انصدمت مثله وبادرت هي بإحراجٍ قائلةً :



_إيه ده؟ هي مش دي شقة عمو "عزت"؟؟



استند على الباب قائلًا ببعض المكر :



_لأ مش هي، الشقة اللي في الوش دي هي دي شقته، في حاجة ولا إيه؟



نفت قائلةً ببعض العجلة :



_لأ مفيش، كنا بس عايزين نستفسر منه على حاجة.




        
          
                
كان الباب مفتوحًا على مصرعيه فأشار بيديه للداخل قائلًا ببراءةٍ :



_طب اتفضلي تعالي اشربي حاجة.



كانت ترتدي قناع لا يشبها وسرعان ما وقع منها فتلفظت قائلةً بضجرٍ :



_"تيام"! ما خلاص خلصنا! آسفين على الإزعاج متقعدش تستظرف بقى!



اعتدل في وقفته قائلًا بوجومٍ :



_لأ بقولك إيه اهدي على نفسك كده أنتِ فاكراني من العيال الكوكو اللي بتتخانقي معاهم دول؟؟ وبعدين أنا بعزم عزومة مراكبية أنتِ فاكرة شقتنا كوستا كافيه هتدخلي تشربي حاجة؟ حرام عليكِ قطعتي عليَّ المسلسل.



حدجها بضيقٍ وأغلق الباب في وجهها وهرول نحو التلفاز ليتابع بقية الحلقة معهما.



بينما بالخارج استشاطت هي غضبًا ولكنها تحنت ذلك الآن فليس ذلك غرضها وتوجهت نحو شقة "عزت" وضغطت على زر الجرس الكهربائي وبعد دقيقة وجدت من تفتح لها قائلةً بابتسامة وشوشة :



_ازيك يا حبيبتي؟ عاملة إيه؟؟ اتفضلي ادخلي.



تملك منها الإحراج وتفوهت قائلةً بهدوءٍ وبأدب :



_الحمدالله يا طنط، هو أنكل "عزت" موجود؟؟



أشارت لها بالدخول قائلةً بحبٍ :




        
          
                
_أيوة يا حبيبتي موجود، اتفضلي ادخلي عقبال ما اندهولك.



ابتسمت مجددًا ثم دلفت للداخل وجلست مكان ما أشارت لها "ناهد" منتظرةً "عزت" ولم يمر خمس دقائق حتى خرج لها "عزت" بمرحٍ كعادته قائلًا وهو يتجه نحوها :



_يا أهلًا بالبطلة بتاعتنا، عاملة إيه؟؟ حد ضايقك تاني ووديته القسم؟؟



ضحكت هي قائلةً وهي تنفي برأسها :



_لأ لأ مفيش حاجة، بس كنا عايزين حضرتك في موضوع مهم.



انتابه الفضول واعتدل في جلسته ينصت إليها قائلًا وهو يوجه إليها جميع جوارحه :



_اتفضلي يا حبيبتي، سامعك.



حكت له باختصار ما حدث وعندما انتهت توسعت عيناه ولكنه تفوه قائلًا بهدوءٍ :



_مش عايزكم تقلقوا الواد ده عبيط أصلًا ومش هياخد غلوة والموضوع هيتم في هدوء متقلقوش وأنا هنزل لحد من أخواتك استفسر أكتر عن الموضوع ده.



وقفت هي بابتسامة تسلم عليه قائلةً بامتنان :



_ميرسي جدًا جدًا يا أنكل، احنا فعلًا تاعبين حضرتك معانا.



وقف هو بالمقابل يربت على يدها قائلًا بحنوٍ :



_لأ يا حبيبتي مفيش تعب ولا حاجة، احنا أهل برضو وعشرة عمر.




        
          
                
ابتسمت له مرةً أخرى ثم توجهت لتعود إلى منزلها بينما في غرفة "لميس و فريدة" :



كانت "فريدة" مستلقية على فراشها بتعبٍ وإرهاق وجميعهم ملتفين حولها بريبةٍ عليها وقد أردف "آدم" وهو يجذبها إلى كنفه قائلًا بحنوٍ كعادته :



_مالك بس يا حبيبتي؟؟ أنتِ مكلتيش ولا إيه؟



نفت برأسها في بطءٍ وتلفظت قائلةً بنبرةٍ منخفضة مرهقة :



_لأ كلت والله، بس معرفش كده فجأة وقعت.



كانت "لميس" تنظر لها رافعةً أحد حاجبيها باستنكار وهي تستند على الباب دون أن تنبس ببنت شفة وسرعان ما أدركت حيلتها المغفلة ولكنها لم تريد إفساد خططها الفاشلة لتشتيتهم عن الكارثة التي حلت عليهم ولو علم أحدٌ بها حتمًا سيذهبون إلى الجحيم ولكن على أرض الواقع.



استمروا في الاطمئنان عليها وبالفعل نجحت خطتها ولكن قطع هذا صوت "ريان" الساخط قائلًا :



_حسابك معايا يا أستاذة، لولا أختك اللي تعبت ووقعت من طولها دي هي اللي نجدتك.



_آه مش قادرة صداع رهيب!!



صاع صوت "فريدة" مجددًا عندما أدركوا بالفعل إنه تم تشتيتهم ولكن جذبت انتباههم لها بجملةٍ منها، تبسمت بسخرية لهذه الحيل الحمقاء وخرجت للخارج واستمعت لصوت "لارا" الذي دلف للتو قائلًا :




        
          
                
_أنا طلعت أكلم أنكل "عزت" بما إنه ظابط هيعرف يتصرف في الموضوع ده، إن شاء الله هتتحل.



أومأت في هدوءٍ ثم توجهت للأريكة تتفحص هاتفها بمللٍ بينما الأخرى نظرت لها بضجرٍ واتجهت لهم.



_______________________________



_أنت ازاي تتصرف بدماغك في حاجة زي دي أنت متخلف؟؟



انتفض "حسام" من أثر صوته العالي وحاول تمالك نفسه قائلًا :



_إيه يا ريس؟؟ دول كانوا لازم يتربوا، علشان يعرفوا بعد كده يقولوا عليَّ حاجة تاني.



ظل يسير هذا الرجل ذِهابًا وإيابًا بغضبٍ جامح وهو يتلفظ قائلًا بوجومٍ :



_أنت فاكر نفسك هتهدد واحدة من عيلة ناس غلابة؟؟ ده أخواتها يسدوا عين الشمس! ده غير إن فين طقم ظباط في العمارة يعني لو طلبوا مساعدة حد روحت في أبو بلاش يا ناصح!



تلبسته حالة غرور ووضع ساقه فوق الأخرى قائلًا بزهوٍ :



_ليه هو أنا غبي ولا إيه؟؟ الصور دي مبعوتة لحبايبنا، ولاد عمنا، الموضوع مش مجرد ابتزاز وخلاص.



لمع الشر في عيني الآخر وتبسم قائلًا بجنونٍ :



_لو الكلام اللي بتقول عليه ده صح، اضمنلك إنك هتبقى حاجة كبيرة أوي أوي معانا، دول هيتبسطوا منك أوي.




        
          
                
ضحكا معًا ضحكة مختلة أعربت عن كم الحقد الدفين بداخلهما غافلين عن مراقبهما الأول، ولا تحسبن الله غافلًا عمّ تعملون.



______________________________



في مركز شرطة قسم النزهة :



_ما أقوالك في التهم المنسوبة إليك؟؟



زفر "نوح" في ضيقٍ قائلًا بضجرٍ :



_تهم إيه اللي منسوبة ليا؟؟ هو أنا عملت إيه أصلًا!!



قلب الضابط عينيه في مللٍ فتلك المرة الثالثة على التوالي يعيد ما حدث، أضاف قائلًا بوجومٍ ومللٍ :



_أنتم التلاتة جايين فيكم بلاغات إنكم بتوزعوا مواد مخدرة في مناطق كتير، ده غير بقى النشاطات الأخرى اللي زي تجارة الأعضاء والسلاح وماشاء الله كاملين من مجاميعه.



توسعت عيناه في صدمةٍ قائلًا بتأثرٍ وبنبرةٍ درامية :



_احنا يا باشا؟؟ ده احنا أغلب من الغُلب!! شايف "يونس" اللي برة ده؟؟ ميغركش إنه تلاتة وتلاتين سنة ده لسه بياكل سيرلاك، مخدرات إيه بس استغفر الله العظيم، ده أكيد بلاغ كيدي من أعداء النجاح إكمننا تلت إخوات على الموت مع بعضينا.



لحسن الحظ كانت أقوالهم الثلاث متطابقة وبعد العديد من البحث كان بالفعل بلاغ كيدي وتم الإفراج عنهم بدون خسائر تُذكر.




        
          
                
تحرك ثلاثتهم نحو البناية ودلفوا معًا إلى المصعد وعندما وصلوا إلى الطابق المنشود وجدوا من تصيح قائلةً بسخرية :



_المجرمين وصلوا يا عمارة!! ماشاء الله كنتم منورين في البوكس.



هرول "يونس" عليها قائلًا بجنونٍ وهو يمسك بها :



_يعني شوفتينا واحنا في البوكس وسكتي وروحتي أكيد تشوفي سليمان الزفت ده صح؟؟



وجد كفها يهوى على وجهه قائلةً بحسمٍ :



_أنت هتغني عليَّ يالا؟؟ اتلم بدل ما المك! 



وضع يده بألمٍ مكان صفعتها قائلًا وهو يغدو كالحملِ الوديع :



_حاضر يا ماما.



تخطاها "نوح" وهو يدلف للداخل قائلًا بتعبٍ :



_بقولك إيه أنا تعبان عندك ولادك اسأليهم أنا طول عمري محترم في حالي، لا عمري كنت ديلر بينصب على الناس ولا ديلر بتاع نسوان، أنا بتقي ربنا في شغلي شوفي هما بقى عملوا إيه.



كاد "يوسف" أن يمسك به لتدب بينهما مشاجرة عنيفة ولكن أمسكه "يونس" و ارتفع صوت "أمينة" المجلجل قائلًا :



_جرى إيه منك ليه؟؟ أنت هتنسى نفسك يا روح أمك؟؟ أقسم بعزة جلالة الله لو ما اتظبطوا في طريقتهم الزبالة دي لاربيكم من أول وجديد، شوف مع إنكم شُحطة والمفروض رجالة بس الكلام ده برة مش على ماما يالا! روحوا غوروا في داهية كتكم القرف أنتم وأبوكم، خِلفة تعر، يا مخلفة الولاد يا شايلة الهم للممات.




        
          
                
دلفت للداخل وهي تدفع "نوح" عن طريقها وأغلقت باب الشقة بقوةٍ انتفضوا لها جميعًا، مهما بلغ أشدهم من العمر سيظلون كالرضع أمام صياح والدتهم فهي تمتلك من القوة قدرًا كافيًا لقيادة بلدةٍ بأكملها، ومن ذا الذي لا يخضع لـ "أمينة"؟؟



________________________________



مر يومان على تلك الأحداث وكان بدأ "عزت" بالفعل في تحرياته نحو ذلك الموضوع ولكن كان أصعب مما تخيل حيث اختفى "حسام" تمامًا حتى الجهاز الذي كلن يتواصل به مع "آدم" حاولوا اختراقه ولكن كان كالهواتف الجديدة لا يوجد عليها شيء.



بينما في منزل اللواء "نظمي" تجمع مع "يحيى" اللذي كان شاردًا وقص عليه ما حدث كله حتى كاد الآخر أن يُصيب بالجنون فلا أحد يستيقظ من الموت وبعد انتهائه تفوه قائلًا بحكمةٍ :



_"كنزي" لازم ترجع معاك وفي أسرع وقت كمان، بس استنتاجي إن هي ممكن تكون فاقدة الذاكرة علشان كده معرفتكش من أول ما شوفتها، وعلى كلامك أنت شوفت السلسلة اللي كنت جايبها ليها وهي صغيرة في رقبتها، أنت هتاخد والدتك ووالدك أنا هتصرف معاه وهتسافر تاني الشرقية بس بهويتك الحقيقة لأن مفيش داعي للتنكر هناك.



أومأ "يحيى" بشرودٍ وهو يستعيد بذاكرته ذكرى موتها البشعة والتي كانت بمحض الصدفة في يوم مولدها، حتمًا كان كابوسًا بالنسبةِ له، إن كانت تلك الفتاة بالفعل شقيقته؛ سيبذل قِصار جهده في تذكرها إليه، فلم يكن أحدًا بجانبه سواها، مادامت حيةً تتنفس أو قابعةً تحت التراب.




        
          
                
__________________________



كان "عمر" في عمله يعمل منذ ساعاتٍ طويلة فقرر أخذ قسطًا من الراحة وجلس في مكتبه وهو يضع يديه على رأسه بتعبٍ ودون أن يدري وجد من تدلف عليه قائلةً بميوعةٍ :



_مالك يا دكتور؟؟ أجيبلك حاجة تشربها؟؟



نظر لها بتيهٍ من التعب والألم الذي سطر عليه في رأسه ولكنه تفوه قائلًا بنبرةٍ ثابتة :



_لأ مفيش حاجة الضغط بتاع الشغل هو بس اللي تاعبني، شكرًا لتعبك معايا مش عايز حاجة.



نظرت له بوجومٍ وتحركت للخارج بينما هو قرر المرواح لمنزله فكفى عملًا حد الآن، توجه للاستئذان للخروج مبكرًا فهو بالفعل لم يعد يقوى على شيءٍ ولو استمر أكثر من ذلك يعمل فسيخدع نفسه وسيخون أمانته في عمله، في عمله تتعلق الكثير من الأرواح البشرية في يديه فلا يجب الاستهانة بأرواح الإناس، كان قد بقى له خمس عشرة دقيقة للوصول لمنزله ولكنه تقابل بالصدفة البحتة مع "مصطفى" الذي ألقى عليه السلام بود وسار معًا يتحدثان عن حالهما.



على الجهة الأخرى في شقة "مصطفى السيد" :



_كانت "رقية" تضع بعض مساحيق التجميل بحرافية وبجانبها "عائشة" تنظر لها بمللٍ قائلةً بضجرٍ :




        
          
                
_أنتِ بتهببي إيه؟؟ من إمتى واحنا بننزل بميكب؟؟ 



نظرت لها "رقية" بخبثٍ قائلةً :



_أهو طقت في دماغي أنزل بيه، تعالي هحطلك نفس اللوك.



أعلنت رفضها في البداية ولكنها استسلمت وخرجتا معًا وتقابلتا مع "ميادة" التي استنكرت من هيئتهما قائلةً ببعضٍ من الغضب :



_إيه يا بنات ده؟ أنتم نازلين بالميكب ده كده ليه؟؟



اقتربت "رقية" تتوسل إليها قائلةً باستعطاف :



_بالله عليكِ يا ماما المرادي بس، مرة من نفسنا.



ألحت عليها "عائشة" أيضًا وأمام إصرارهما وافقت "ميادة" وانطلقتا نحو وجهتهما، سارا في الشارع بحماسٍ من هيئتهما ولكن توقفت "رقية" بصدمةٍ قائلةً :



_أحيه! هما مين اللي على أول الشارع دول؟؟



نظرت "عائشة" نحو وجهتها وارتعبت قائلةً :



_يا نهار مش معدي!! ده "عمر"!!



لطمت "رقية" بفزعٍ قائلةً وهي تولول :



_يا ريته "عمر" ياختي، ده معاه أبويا! ده لو لمحونا بخلقتنا دي هيلعبوا بوشنا الكورة.



سارا في عكس الإتجاه مسرعين نحو بنايتهم وكأن لم يحدث شيء، دخلوا إلى الشقة وهما يتنهدن بقوةٍ، لمحتهما "ميادة" فتلفظت قائلةً باستعجاب من هيئتهما :




        
          
                
_إيه ده مالكم في إيه؟؟ إيه اللي رجعكم بدري أنتم لحقتم؟!



ابتلعتا لعابهما بقلقٍ ولكن تفوهت "عائشة" قائلةً بنبرة حاولت إخراجها ثابتة :



_لأ مفيش يا طنط، أصل الواحد أدرك إن مفيش أحسن من الجمال الطبيعي، يلا يا "رقية" عاجبك كده واحنا شبه البلياتشو كده!



صاحت الأخرى تؤيد رأيها بعنفوانية قائلةً :



_طبعًا، يلا يا بنتي نمسح العار ده! أنا معرفش والله إيه قلة الأدب والسفالة اللي احنا فيها دي!



شبكتا يداهما ببعضهما وأخذا يتمتمان بكلماتٍ غير مفهومة حتى دخلتا إلى غرفة "رقية"، كانت تتابعهما بدهشةٍ وأخذت تضرب كفًا بكفٍ قائلةً بتعبٍ :



_لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يشفيكم يارب.



ذهبت للمطبخ تكمل إعداد وجبة الغداء في هدوءٍ، بالطبع لا أخفي عنكم سرًا لم يخبر أحدًا من آل "ونيس" والديهما بالذي حدث فلا يتحملون نوبة سخطٍ أخرى منهما وكالعادة كانت "لميس" تدخن كعادتها السيئة ولكنها انتفضت عندما سمعت صوتًا من الشرفة المجاورة قائلًا :



_إيه ده أنتِ بتشربي سجاير؟؟



نظرت برعبٍ ناحية الصوت تنهدت بقوة عندما وجدتها طفلة في أواخر عقدها الأول وأكملت ما كانت تفعله بلا مبالاة قائلةً :




        
          
                
_آه.



استغربت "كارما" منها ثم تفوهت قائلةً بطفولة وبراءة :



_بس ليه تعملي كده؟ كنت بشوف دايمًا مامي بتقول لبابي ميشربهاش ولما سألتها قالتلي إن هي غلط ووحشة جدًا وبتموت ناس كتير.



نظرت لها وشيءٌ ما في داخلها جعلها تلقي ذلك العقب ونظرت بخزيٍ لحالها فلأول مرة تتأثر بكلمات أحدٍ عن ذلك الموضوع على وجه الخصوص، اقتربت من السور الفاصل بينهما قائلةً بهدوءٍ ممتزج ببعض الحنو :



_مامي كلامها صح، أنا بعمل حاجات غلط كتير بس غصب عني، ممكن متقوليش لحد على اللي شوفتيه ده؟



هزت الأخرى رأسها بالموافقة ووقفت على أناملها على الكرسي الخشبي نظرًا لأنها قصيرة نسبيًا وأمسكت يدها قائلةً بفرحةٍ :



_أنتِ جميلة أوي بجد، وشعرك شكله جميل ونفسي أقصه زيك كده بس مامي مش بترضى، أنا حاساكِ طيبة أوي، هو احنا ممكن نكون صحاب؟؟'



غريبةٌ تلك المشاعر البريئة عليها، زارها شعورٌ داعب قلبها بلطفٍ نحوها، كانت وللحق شخصية اجتماعية متعددة العلاقات ولكنها تفضل العزلة وحدها هنا مع لفافتها الممتلئة بالتبغ، مدت يدها تربت على يد الأخرى قائلةً بلطفٍ :



_أكيد يا حبيبتي، اسمك إيه؟ أنا اسمي "لميس".




        
          
                
ابتسمت الأخرى بفرحةٍ عارمة قائلةً :



_وأنا اسمي "كارما" وعندي "مارينا" صاحبتي أما تيجي تقعد معايا هعرفك عليها، أنتِ عندك واتساب أو فيس بوك؟



رفعت أحد حاجبيها قائلةً بتساؤل :



_آه عندي، ليه؟



تلفظت الأخرى بزهوٍ قائلةً :



_كنت هاخد رقمك والأكونت بتاعك، ثانية هجيب الآيباد بتاعي.



تركتها ودلفت للداخل تجلبه بينما ظلت هي محدقةً في أصرها بصدمةٍ قائلةً في نفسها :



_آيباد وفيس بوك وواتساب؟؟ ده وأنا قدها كنت فرحانة بالموبايل اللي بيقول العنب العنب العنب، واللي كان بيقول ليك الواوا بوس الواوا!



___________________________



صباحًا تحديدًا في الشرقية:



كانت تمارس روتينها اليومي كعادتها منذ أن جاءت إلى هنا وقبل أن يخرج "عاطف" من باب المنزل اقتربت منه تحتضنه وهي تعطيه شطيرةً وهي تردف بفرحةٍ ورضا :



_أمسك دي كُلها في السكة، ومتقوليش ما أنا فطرت معاكم دي مالهاش علاقة.



أخذها منها وهو يبتسم لها وقبل جبينها وهو يتفوه بحبٍ :



_ربنا يباركلك يا حبيبتي.



تبسمت هي من دعوته الخالصة وفتح باب الشقة وكلن تبدلت حالته للاستغراب والاستعجاب من الذي واقفًا أمامه ومعه سيدةً يبدو عليها الرقي وكانت مصففة شعرها بطريقةٍ جذابة، سرعان ما تعرف عليه "عاطف" وهذا ما زاد من استغرابه، كاد أن يتحدث ولكن قطعه تلك السيدة عندما لمحت "كنزي" تقف بجانبه، هرولت إليها وهي تبكي بقوةٍ وأخذت تقبل كل أنشٍ في وجهها قائلةً بلوعةٍ :



_يا حبيبتي يا بنتي، تلت سنين وأنتِ بعيدة عني يا حبيبة قلبي، هونت عليكِ؟؟ وحشتيني أوي.



من قوة العناق وكثرة الحركة وقع حجابها وظلت هي منصدمةً من الموقف حتى اقترب منهما "يحيى" الذي احتضنهما قائلًا والدموع تنهمر من مقلتيه :



_وحشتينا يا حبيبة عمرنا كله، تعالي طيب في حضن أخوكِ.



ظلت تنظر لهما بالتناوب وعندما أدركت ما حدث عقد حاجبيها في غضبٍ وتلفظت قائلةً بسخطٍ :



_أنتم مين؟؟ وأخويا مين يا جدع أنت؟؟ أنت فاكرني عبيطة ولا إيه؟؟



استنكرت "رنا" من أسلوبها في الحديث بشدة، وكأن ابنتها كانت تتحدث برقيٍ وأدبٍ ولا تأكل إلا بالشوكة والسكين، ولكن من صدمتها بخبر عودتها من الموت وإنها مازالت على القيد الحياة أنساها كل شيء، تكلمت "رنا" وهي تقترب منها مرةً أخرى قائلةً بحنينٍ :



_أنا ماما يا حبيبتي، وده "يحيى" أخوكِ، تعالي بس معانا وهنحكيلك اللي حصل لأن أكيد في لغز في الموضوع.



تقدمت نحو الباب قائلةً بجمودٍ ممتزج بالضجر :



_اتفضلوا برة، أنا مش مصدقة الهبل ده.



________________________________
 


  • يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent