رواية لعاشر جار الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم سلمى رأفت
23-مخابرات كلابية
_بكرة بليل إن شاء الله، جهز نفسك بقى وأعمل حسابك.
أومأ "يحيى" بتفهم ثم ذهب لفراشه بينما ظل "براء يفكر بها كالفتى المراهق الأخرق.
_______________________________
حل الصباح عليهم جميعًا فقد كان هذا أول يوم بالعطلة الصيفية حيث تم إرسال لهم رسالة لهم فتوجهوا نحو الطابق السادس وطرق "تميم" الباب حتى فتح له "مصطفى" الذي أخذ يلتفت يمنةً ويسرةً ثم جذبهم للداخل بقوةٍ حينها تلفظ "تيام" قائلًا بضجرٍ وصوتٍ مرتفع نسبيًا :
_في إيه يا عم "مصطفى"؟؟ عمال تبص حواليك كده ليه ومدخلنا الشقة ولا اللي داخلين نسرق بنك؟
كمم "مصطفى" فمه بضيقٍ وتفوه قائلًا بصوتٍ منخفض :
_وطي صوتك بقولك هتبوظ الدنيا!!
جاء صوت "چودي" المرتفع كعادته دائمًا قائلةً باستغراب :
_أنت موطي صوتك ليه يا عمو؟ موطي صوتك ليه؟؟
سحبهم "مصطفى" ناحية غرفة الصالون وتكلم قائلًا وكأنه زعيم عصابة ويلقي خطته على رجاله وأعوانه :
_الواد "عبدالله" جاي انهاردة يشوف "حنين"، وبما إنكم فاضيين فهتتوزعوا على البيت كله تراقبوا الدنيا وهقبضكم متقلقوش.
أردفت "عائشة" قائلةً بتساؤل :
_طب واحنا هنراقبهم ليه؟ إيه الفايدة؟
تكلم "مصطفى" وهو يتمشى أمامهم ذهابًا وإيابًا قائلًا بغموضٍ :
_مش شغلكم، أي حركة تحصل تهجموا على طول ومش عايز طبعًا أقولكم السرية التامة في المراقبة.
أومأ جميعهم بعزمٍ لكن تلفظ "ليث" قائلًا بلامبالاة :
_طب وهو هيجي أمتى؟
جاءت "رقية" وهي تتلفت حولها كاللصوص مرتديةً نظارةٍ شمسية قائلةً :
_هيجي كمان نصاية كده، بس يلا بسرعة علشان نوزع نفسنا على الصالة قبل ما "حنين" تاخد بالها.
أمالت "عائشة" على "چودي" قائلةً بتساؤل :
_هو "سما" و "سهام" فين؟؟
تلفظت "چودي" بهمسٍ قائلةً :
_"سهام" سافرت مع اختها لأبوها وأمها و "سما" راحت تقعد مع أبوها يومين، فين المساخيط أخواتك صح؟
تفوهت وهي تتحرك للخارج قائلةً :
_مع "مروان" في الصيدلية كالعادة يعني.
أومأت "چودي" بتقهم ووقفوا في منتصف الصالة حيث أعطت "رقية" جهازًا لاسلكيًا لكل واحدٍ منهم وأعطتهم نظارات شمسية مضحكة وتوزعوا جميعًا في الصالة ومرت نصف ساعة واستمعوا لصوت جرس الباب فتوجه "مصطفى" ليفتحه قائلًا وهو يضيق عينيه :
_أهلًا يا "عبدالله" منور، اتفضل ادخل.
حمحم "عبدالله" بإحراجٍ قائلًا وهو يبتسم :
_بنورك يا عمي.
دخل وألقى نظرة سريعة وسرعان ما فهم ما يدور وابتسم بخبثٍ وجلس على الأريكة، مرت بضع دقائق حتى خرجت له "حنين" بابتسامة زينت ثغرها فوقف مقتربًا منها قائلًا :
_إيه القمر ده.
_إيه السكر ده.
كان هذا صوت "مصطفى" الساخط من ورائه فابتلع لعابه بقلقٍ وجلست في الأريكة المقابلة وكان "مصطفى" يجلس في الكرسي القابع بينهما وهو ينظر لهم بترقب وساد الصمت حتى وقف قائلًا وهو يضيق عينيه عليهما قائلًا :
_هسيبكم لوحدكم شوية عقبال ما حماتك تجيب لكم حاجة تشربوها.
تحرك "مصطفى" للخارج حينها اقترب هو منها قائلًا بمرحٍ :
_وحشتيني يا حنون.
جحظت عيناها وأخذت تتلفت قائلةً :
_تسلملي شكرًا.
نظر لها باستهجان فأمسك يدها قائلًا :
_تعرفي، أنا قاعد من الصبح مستني الساعة خمسة علشان أجيلك.
سحبت يدها بخجلٍ ولمح "عبدالله" "تيام" الواقف وراء الستائر ينظر لهما بترقب وكان يظن هو إنه متخفي ولكن كشفته نظارته الحمقاء وقدماه فضحك "عبدالله" قائلًا بهمسٍ :
_هو أبوكِ باعتلنا مخبر يراقبنا؟؟
حاولت تمالك ضحكاتها بينما مرر "عبدالله" نظره في الصالة فوجد "چودي" واقفةً خلف باب الغرفة المقابلة لهما تنظر لهما من فتحة الباب العلوية فقد كانت تلك الفتحة كبيرة نسبيًا حيث فقط النظارة هي التي كانت واضحة، استنكر هو الوضع وبدأ بالتركيز في أركان الصالة فوجد "غيث" و "ليث" نائمين على الأرضية متخفين أسفل الأريكة وبالطبع كانا يرتديان نظرات شمسية حمقاء بألوانٍ مضحكة فابتسم "عبدالله" بتهكم قائلًا :
_ده مش مخبر واحد بس، ده فريق كامل ماشاء الله! هو أبوكِ إيه فكرته عني؟؟ وبعدين إيه جو جيمس بوند ده؟؟ هو أنا قاتل متسلسل؟؟
خرجت "رقية" لهما بصينية المشروبات الغازية ووضعتها أمامهما وهي ترمقهما بترقب ثم تحركت للداخل تقف بجانب"تيام" و "تميم" و "عائشة" قائلةً :
_إيه؟ مفيش حاجة كده ولا كده؟؟
أجاب "تيام" وهو ينظر لهم بتركيزٍ قائلًا :
_مسك إيديها بس سحبتها بسرعة، الواد ده خطر ولازمله مراقبة أكتر.
دفعت "عائشة" "تميم" بخفة قائلةً بضجرٍ :
_ياعم ما توسع كده عايزة أشوف!
رمقها "تميم" قائلًا بسخطٍ مختلط بالهمس :
_تشوفي إيه؟؟ هو أحنا في السينما؟؟
ظلا يتشجاران حتى وقف "تيام" حائلًا بينهما بغيظٍ وهو يحاول جعل كلماته منخفضة حتى لا تصل لمسامع عصافير الكناريا بالخارج قائلًا :
_آه! سايبين اللي ورانا واللي قدامنا وقاعدين نتخانق!
_ولا روح شوف أنت بتراقب مين!
خرجت هذه الجملة من "تميم" وهو يضربه في صدره فاشتبكا بغضبٍ وحاولت "عائشة" الفض بينهما وتدخلت "رقية" أيضًا لكن من خلال أثر الدفع المتبادل وقع أربعتهم في الصالة أمامهما وانصدما من منظرهم فوقف "تيام" قائلًا بضجرٍ :
_أنا مش قولت ميت مرة الستارة دي تتغسل! آدي أخرة عدم النضافة!
رفع "عبدالله" أحد حاجبيه باستهجان قائلًا :
_يا شيخ؟! ده على أساس أنك ملك النضافة والنظام؟؟ ده أنت ناقص تدي كورسات ازاي تخلي أوضتك زريبة!
لم يرد أحدًا عليه مرت عدة ثواني ووجدوا من تقع أمامهم من داخل الغرفة التي تقبع أمام "عبدالله" و "حنين" وسرعان ما وقفت "چودي" قائلةً بدهشةٍ وسخطٍ مصطنع :
_لأ بس البيبان بتاعتكم دي وحشة أوي! الأوكر معفنة ومحتاجة تتلمع وحاجة آخر قرف!
وقف "عبدالله" متجهًا نحو الأريكة ونزل لمستواهما قائلًا بسخرية :
_أطلع يا أخويا أنت وهو! حتى يوم ما تراقبوا حد تطلعوا أغبيا برضو.
خرج "غيث" وهو ينفض التراب من على ملابسه بعدم اكتراث هو وشقيقه بلامبالاة قائلًا الأول :
_لأ لأ مستوى النضافة بجد تحت الصفر!
أنت فاكرنا يا عبدالله لا سمح الله عم "مصطفى" جابنا نراقبكم ونتجسس وكده؟ لأ خالص ده احنا كنا بنعمل تيست لنضافة الشقة.
ظل "عبدالله" يحرك راسه بطريقةٍ مسرحية قائلًا :
_صادقين يا حبايبي صادقين! هو أنتم بتوع تجسس برضو؟
نظرت له "عائشة" قائلةً بنبرةٍ درامية :
_شوفت بقى؟ حرام عليك الظلم اللي ظلمتهولنا ده!
جذب "تيام" شقيقته لأحضانه قائلًا بتأثر :
_متزعليش نفسك يا أختي، هي الدنيا دي كده بتيجي على الغلبان وبيظلموا الولايا!
ظلت "عائشة" تبكي بتأثرٍ مصطنع وقد بدا بكاءها مضحكًا بينما ضرب "عبدالله" كفيه ببعضهما قائلًا :
_ده شكلنا داخلين على أيام سودة!
__________________________________________
كانت تسير متجهةً نحوه وهي تمسك في يديها صنفًا من أصناف الطعام، من يراها يظن من خطواتها الرتيبة والهادئة زوجة محبة تنعم في سلامٍ مع زوجها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه كان على وجهها أثر كدماتٍ بينما يوجد على جسدها تحديدًا ذراعها الأيمن حرق من الدرجة الأولى شوه ذراعها البض، وضعت ذلك الطبق أمامه وتفوهت قائلةً له :
_"سيف" أنا عايزة أنزل مصر.
نظر لها من أسفل نظارته الطبية قائلًا باستخفاف :
_عايزة تنزلي إيه يا قلبي؟
نظرت له بقوةٍ قائلةً بحدة :
_مصر، عايزة أنزل مصر، أنا زهقت من الغُربة أنا مش مقطوعة من شجرة لأ أنا ليا أهلي وناس كتير كمان أنا زهقت من القرف ده بقى!
وقف "سيف" بهدوءٍ وهو يقترب منها وسرعان ما أمسكها من خصلات شعرها جاذبًا إياها نحوه قائلًا في قوةٍ قائلًا :
_لأ علي صوتك كده علشان شكلك اتهبلتي! مفيش نزول في حتة أنتِ أخرك هنا تفضلي خدامة تخدميني وتشوفي طلباتي وأنا علشان بس قلبي طيب نزلت بنتي مصر مع خالها غير كده كان زمانك خدامة تحت رجلي ورجليها! غوري من وشي.
ألقى كلماته التي كالسيف في حدته ودفعها بعيدًا فاصطدمت في الحائط بقوةٍ وتركها ورحل من المنزل بأكمله، ظلت هي تبكي بشدةٍ فهي من قبلت بهذا الوضع المشين وظلت طوال تلك السنوات لا تفصح عن شيءٍ لأحدٍ حتى شقيقتها، كان كل أملها في تلك الحياة أن تنعم في سلامٍ وأمانٍ مع زوجها وأطفالها، فحتى أمر الإنجاب أصبح شبه مستحيلٍ بعد ما كان هذا الوغد يعطيها الكتير من حبوب منع الحمل حتى لا تنجب له إي طفل حتى استمرت عليها طوال السبع سنوات الماضية حتى تسببت لها في عدة أمراض بل كانت هي من قبل تناول هذه الحبوب تعاني من مشاكل في الإنجاب ومع الاستمرار على تلك الحبوب أصبح أمر إنجابها شبه مستحيلٍ، كادت أن تتصل بشقيقتها تخبرها كل ما يحدث فقد سأمت من ذلك الوضع ولو بقيت هنا أكتر من ذلك بلا شك سوف تتجه للانتحار! تذكرت أمر جارتها الحنونة فذهبت إليها وقد أخدت معها طبقًا يحتوي على أحد أصناف الحلويات الشرقية حتى لا يشك زوجها اللعين في شيء وتوجهت نحوها تطرق الباب حتى فتحت لها سيدةً في منتصف عقدها السادس بابتسامتها الودودة قائلةً بترحيبٍ :
_أزيك يا "سوزان" يا بنتي؟ عاملة إيه؟ تعالي اتفضلي.
دخلت "سوزان" وهي تمشي على استحياء وقدمت الطبق لها قائلةً بودٍ :
_اتفضلي يا طنط دوقي وقوليلي رأيك، بس كنت عايزة من حضرتك طلب.
أخذت منها السيدة الطبق باشتهاء وتفوهت قائلةً :
_أؤمريني يا حبيبتي؟
فركت يديها بتوترٍ لكنها استجمعت قواها وتكلمت قائلةً :
_كنت عايزة بس موبايلك أكلم "بسملة" أختي اللي في مصر؛ أصل موبايلي بايظ و "سيف" نزل وكنت عايزة أكلمها أسألها على حاجة.
أعطتها السيدة هاتفها قائلةً بحبٍ :
_اتفضلي يا حبيبتي الموبايل أهو كلمي اللي أنتِ عايزاه عقبال ما أعملك حاجة تشربيها.
ابتسمت لها "سوزان" ثم توجهت للشرفة _البعيدة نسبيًا_ وضغطت على عدة أرقام على لوحة المفاتيح ووضعت الهاتف على أذنها منتظرةً أن يأتي الرد من الجهة الأخرى بينما في شقة "شريف عبدالظاهر" :
_اتفضلي يا ميرو يا حبيبتي اتفضلي البيت بيتك.
دلفت "مارينا" الشقة بخجلٍ وهي تمسك بيد "كارما" وتلفظت قائلةً بهدوءٍ :
_ميرسي يا طنط.
نزلت "بوسي" لمستواهما قائلةً بحبٍ :
_ادخلوا العبوا جوة باللعب وشهيصوا نفسكم عقبال ما أعملكم الأكل، بتحبي يا "مارينا" الأكل عادي ولا spicy؟
تكلمت "كارما" بدلًا منها قائلةً بدون ذرة تردد :
_بتحب الأكل spicy أوي يا مامي.
ابتسمت "بوسي" على صداقتهما البريئة وتلفظت قائلةً بفرحةٍ واضحة :
_كويس إن خالو قالنا نقعد براحتنا وهو هيبقى يجي يجيبك مع إن عادي والله لو قعدتِ معانا لحد بكرة، عايزة تكلمي باباكِ تطمنيه عليكِ؟
تفوهت هي قائلةً بسرعةٍ :
_لأ لأ هو خالو "مينا" هيكلمه يطمنه.
استشعرت "بوسي" شيئًا غريبًا لكنها رمت تلك الاستشعارات الحمقاء بالنسبةٍ لها ووتركتهما في غرفة "كارما" وذهبت لتعد لهما الطعام حينها دق هاتفها برقمٍ دولي فانتابتها فرحةٍ عارمة وردت بسرعةٍ قائلةً :
_ألو.
جاءها صوت "سوزي" المبحوح قائلًا :
_ألو يا "بوسي" أنا "سوزان" عاملة إيه وحشتيني أوي.
لم يتحدثا من آخر مرةٍ فتفوهت "بوسي" قائلةً وهي تبكي بفرحةٍ :
_احنا الحمدالله كويسين، أنتِ عاملة إيه وحشتيني أوي يا حبيبتي.
حاولت الأخرى كبح دموعها واسترسلت قائلةً :
_وأنتِ كمان وحشتيني أوي، "بوسي" أنا عايزة اطلق من "سيف".
أبعدت الهاتف عن أذنها بسبب صوت زغرودة شقيقتها بفرحةٍ عارمة وكأنها تخبرها عن خبر زفافها وليس خبر طلاقها قائلةً :
_الحمدالله يارب، أخيرًا هتطلقي من النطع ده!! هتنزلي مصر أمتى؟؟
حكت رأسها بتوترٍ قائلةً :
_لأ ما أنا بكلمك علشان لا عارفة اطلق ولا عارفة انزل مصر ده محتجزني حرفيًا وشوية هموت نفسي بسببه.
عقدت "بوسي" حاجبيها بغضبٍ قائلةً :
_وحيات أمه؟؟ بت خليكِ عندك وخديه على قد عقله وأنا هتصرف متقلقيش!
انتباها القلق أكثر وأضافت قائلةً بريبة :
_هتعملي إيه؟؟
ابتسمت هي ابتسامة شر ولكنها تكلمت قائلةً :
_ولا حاجة زي ما قولتلك حاولي مرة على مرة تلمي حاجتك كلها وهبقى أرن عليكِ من الرقم ده.
أومأت بتفهم وكأنها أمامها وانهت تلك المكالمة على وعدٍ بلقاءٍ قريب.
دخل "سيف" بغضبٍ أحد المقاهي ووجد مبتغاه فتوجه إليه قائلًا بسخطٍ :
_بقولك إيه! أنا زهقت من البت بنت ال**** دي! شوفلك صِرفة بقى أنا قرفت!
نظر له هذا الرجل بضجرٍ قائلًا :
_أنت غبي يا "سيف"؟؟ ده أنت بتصبحها بعلقة وبتمسيها بعلقة والبت ساكتة وحتى مش بتتصل بأختها تفضفضلها! أقسم بالله لو بوظت حاجة من اللي بنعمله بقالنا سنين ده مش هيكفينا رقبتك كفاية الغبي التاني!
ابتسم "سيف" بسخرية قائلًا :
_ماله سي "حسام"؟؟
ارتشف قهوته بهدوءٍ ولكنه تكلم بنفس الضجر :
_هد المعبد على دماغه باللي فيه علشان غبي! أنتم الاتنين جوز أغبيا وربنا لو مركزتش في اللي بتعمله لهنصفيك أنت وهو!
أومأ هو بتفهم ودارت بينهما عدة أحاديث عن صفقاتٍ مشبوهة غافلين عن الرقيب العتيد الذي توعد لهما بأشد عقاب.
___________________________________
في شقة "محسن ونيس" :
كانت الأوضاع قد هدأت وقد عادت "چويرية" كما هي بل وأيضًا اشترى لها والدها هاتفًا جديدًا بدل الذي تلف لكنها وللحق لم تعد تحاول التحدث لرفيقها وقد نسيت "چوري" أمر تلك الرسالة التي تحتوي على تهديد وعيد وعادت المياه لمصرفها لكن التي لم تعود لهم كانت "لميس" التي كانت تقضي وقتها كله في شرفتها أو تذهب للجامعة فهي تعمل كمعيدة لمادة اللغة الإنجليزية في كلية الألسن ولا تحاول أبدًا الاختلاط بأسرتها.
كانت "فريدة" تغسل الأواني والصحون بسخطٍ وضجر ولكن تحاول تبديد غضبها هذا بالاستماع للأغاني الرديئة التي نسمعها مرارًا وتكرارًا عند سائقي المركبة النارية ذات الثلاث عجلات "التوكتوك" وكان تصيح مع كلمات الأغاني باندماج قائلةً :
_ســابت في قلبي جراح، عليها العمر راح، من غيرها هرتاح أنا شوفت معاها أسية، كدبة وصدقتــها!
دخل "ريان" بانزعاج على صوت هذه الأغاني الرديئة بالنسبة له وأغلق مشغل الأغاني قائلًا بضجرٍ :
_إيه القرف ده! الله يخربيت المهرجانات على اللي اخترعها هو أنا واقف في موقف المؤسسة؟؟
رمقته بضجرٍ قائلةً :
_سيبني في حالي يا "ريان"! مش كفاية بغسل المواعين الزفت دي!
ابتسم بتشفي قائلًا بنبرة مثيرة للاستفزاز :
_اغسلي يا خدامة، اغسلي يا بت بذمة!
كادت أن تلقي عليه أحد الصحون لكنه خرج مسرعًا وهو يضحك عليها بقوةٍ.
جلست "چويرية" أمام المرآة تضع بعض مساحيق التجميل بحرافية شديدة والتفتت لشقيقتها قائلةً :
_إيه رأيك في اللوك ده؟ حلو مش كده؟؟
نظرت لها "چوري" قائلةً بابتسامة :
_تحفة يا چوچ ده اللي هتعمليه في عيد ميلاد "منار"؟؟
هزت هي رأسها بالموافقة حينها دلفت "لارا" ووراءها "يارا" إلى الغرفة وعندما وقع نظر "يارا" عليها تفوهت قائلةً باندهاش :
_إيه الميكب ده؟ بجد تحفة أوي!
نظرت لها "چويرية" بزهوٍ قائلةً :
_ميرسي يا يورا عارفة إنه تحفة.
قلبت "لارا" عينيها بمللٍ ولاحظتها "چويرية" فتلفظت قائلةً بسخرية :
_إيه قالبة وشك كده ليه؟ متتكسفيش مني تعالي واعملك لوك زيه وأحلى كمان.
ابتسمت لها "لارا" ابتسامة صفراء قائلةً :
_ماليش في الميكب والله يا "چويرية" أنا حلوة من غير حاجة.
رفعت الأخرى أحد حاجبيها وهي تردف قائلةً باستنكار :
_طب ما أنا أحلى منك بميكب أو من غيره تلاقيكي أنتِ بس لما بتحطي حاجة بتبقي شبه الكلاون.
تركت "لارا" ما في يديها وشبكت ذراعيها قائلةً بسخرية :
_والله مش فارقالي كتير، طالما أنا واثقة في نفسي وجمالي هحط حاجة تزوده ليه؟؟
وبقولكم إيه كده غوروا في داهية مش ناقصة شغل حرابي على المسا.
تركتهم ورحلت بينما ظلت تنظر هي في أثرها بغضبٍ بينما "لارا" تحركت نحو الخارج وتفوهت قائلةً قبل أن تخرج من باب الشقة :
_أنا نازلة أجيب أكل، حد عايز حاجة؟؟ مش عايزين؟ طب سلام.
نظر لها "عدنان" بصدمةٍ فلم يقوى حتى على التفوه من سرعة نبرتها بينما هي خرجت من باب المدخل وهي تحاول كبح دموعها ونجحت بالفعل وذهبت لتشتري بعض الوجبات الخفيفة بينما في نفس السوق التجاري كانت "مريم" تنظر إلى أرفف الألبان بتركيزٍ حتى وجدت مبتغاها فابتسمت بنصرٍ والتقطت زجاجة حليب بطعم الفراولة ذات الحجم الكبير فهو مشروبها المفضل منذ زمنٍ، كان "تيام" يجوارها وهو ينظر لتلك العبوات وسرعان ما ابتسم بتهكم قائلًا :
_بقى البقرة دينا عاملة كل الإنجازات دي وأنا لسه حتى متحركتش من سريري؟؟
تحرك نحو قسمٍ آخر وكانت "لارا" به كانت هي واقفةً بترددٍ لتختار إي نكهةٍ تريدها ومررت بنظرها بالذي واقف بجانبها فتعرفت عليه على الفور واشتد غضبها بقوةٍ منه فذلك الواقف بجوارها هو الذي يهدد شقيقتها بصورها الخاصة، حاولت السيطرة على غضبها ولكن لسوء حظها لاحظها "حسام" الذي تلفظ بصوتٍ عالٍ قائلًا :
_إيه ده؟؟ مش أنتِ البت "لارا" التنحة أخت "چويرية"؟؟
رمقته بغضبٍ وابتسمت بشرٍ فمن أهم صفات "لارا" حب المشاجرات الحادة والاشتباكات فالذي يقوي قلبها إنها تلعب العديد من الرياضات القتالية فتفوهت قائلةً بخبث أفعى :
_يا قلبي؟ وجاي على نفسك كده ليه بس؟ أيوة أنا.
لاحظها "تيام" فتوجه نحوها وما أن وجد "حسام" انقلبت ملامحه تمامًا وتلفظ قائلًا بضجرٍ :
_هو في إيه؟؟ صوتكم عالي كده ليه؟؟ في حاجة يا "لارا"؟؟
نظرت له "لارا" بغضبٍ ولكن قبل أن تتكلم تفوه "حسام" قائلًا بسخرية :
_إيه ده؟؟ "تيام" قلب بابا وماما عارف "لارا"؟؟ طب مش تقول إن هي البت بتاعتك؟ كنت برضو خدت بالي.
كأن تلك الكلمات كالكبريت الذي أشغل الفتيل فتكون من خلاله حريقٍ شوه مدينةً بأكملها ولأن "لارا" كانت الأقرب فقفزت عليه تسدد له عدة لكمات قائلةً :
_وحيات أمي ما هسيبك!
حاول "حسام" الدفاع عن نفسه وضربها ولكن كان "تيام" الأسرع فتدخل معها في هذا الاشتباك وتجمهر الناس من حولهم يحاولون فصلهم وكعادة حظهم السيء قام أحد بتبليغ الشرطة فذهبوا جميعًا إلى هناك وكان معهم أيضًا عدة شهود، استمعت "مريم" للجلبة التي حدثت ولم تتوقع أبدًا أنهم هم من تعرفهم فجاء في خاطرها أنه مجرد تشابه أسماء بينما في الطريق لقسم الشرطة مال "تيام" على "لارا" قائلًا بسخطٍ :
_يخربيت معرفتك يا شيخة! ده أنا بخاف أعدي حتى بالغلط من قدام القسم أقوم داخله؟؟ ده أنا لسه في عز شبابي إلهي يبتليكِ بمصيبة!
حدجته بضجرٍ وتكلمت بتهكم :
_محدش قالك تعمل شجيع السيما يا روح ماما! كلم حد يجي ياخدنا أنا معيش زفت بطاقة!
اتصل "تيام" على "عزت" مباشرةً وقبل أن يأتيه الرد من الجهة الأخرى تفوه هو قائلًا :
_ عم "عزت" هات أبويا وأخويا وأمي والبت "عائشة" وأخواتي كلهم وعم "محسن" وولاده ومراته علشان عندنا طلعة في القسم الليلة دي.
_________________________________
ذهب "يحيى" برفقة "براء" ليلًا لمنزل عروسه وتم الترحيب بهما ودارت بينهم عدة أحاديث حينها تفوه "براء" قائلًا بحماسٍ :
_هي فين العروسة؟ عايز اسمع موافقتها ولو كده هكلم أهلي ونيجي نتقدم رسمي.
نادى "عاطف" على "كنزي" التي خرجت باستحياء تقدم لهما المشروب الغازي بينما كان "يحيى" ينظر في الفراغ ولم يتنبه لها وعندما توجهت هي نحوه قائلةً :
_اتفضل كوبايتك.
رفع نظره إليها يشكرها لكنه صُعق عندما رآها، هي إنها هي! شقيقته وتؤام روحه! كيف هي تتنفس الآن أمامه وكيف هي على قيد الحياة من الأساس؟؟ غر فاهه بصدمةٍ وحينها شعر بدوارٍ عنيف في رأسه وتسارعت أنفاسه ودون أن يدري وقع مغشيًا عليه.
_____________________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية