رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الثامن عشر 18 - بقلم نورا عبد العزيز
الفصـــــــــل الثــــــــــامــن عشـــر ( 18 )
بعنـــوان " غصــــــــــــــة قلـــب "
___ قبل ساعات من لقاء "الجارحي" و"جلال" ___
وقف "كريم" مع موظف المستشفى ثم قدم له سيجارة فتحدث الموظف بجدية وعينيه تحملق بالكمبيوتر الموجود أمامه:-
_ هادى حمدى أبو النور، دا الوالد اللى سجل لتجهيزات التبرع
تبسم "كريم" بخفوت ثم أقترب على المكتب بحزم وقال:-
_ تعرفلي عنوانه بقى؟
تنهد الموظف وعينيه لم تغادر جهاز الكمبيوتر وبدأ يبحث عن سجل "هادى" ووجد صورة من البطاقة الشخصية فأعطها إلى "كريم" الذي غادر المكتب بحماس وأرسل صورة البطاقة إلى أحد أتباع منظمتهم وقال برسالة صوتية :-
_ ساعات وتجبلي كل المعلومات عن الرجل دا من ساعة ما أتولد وعن بنته
وضع الهاتف فى جيب سترته عندما وصل إلى سيارته التى صعد بها وأنطلق ينفذ أمر "جلال" .....
__________________________
خرجت "هدير" من بناية الجريدة التى تعمل بها ورأت "مصطفى" يقف أمام سيارتها فتنهدت بهدوء وأقتربت منه فى صمت ليقول بحزم:-
_ ممكن نقعد فى مكان نتكلم ؟
أومأت إليه بنعم وعبروا الطريق معًا للجهة الأخري وجلسوا فى المطعم المقابل لمكان عملها، طلب "مصطفى" الغداء وعيني "هدير" تتهرب منه فى توتر ملحوظ، ذهب النادل رغم مراقبة "مصطفى" لها عن كثب ثم قال:-
_ أنا طيارتي يوم 19 فى الشهر يعنى بعد 8 أيام
أتسعت عينيها على مصراعيها وأنقبض قلبها بحزن من قرار مغادرته لتُتمتم بعجز ونبرة واهنة:-
_ هتسافر !!
وضع يديه على الطاولة مُتشابكين ببعضهم بجدية ونظر إلى عيني "هدير" المُتسعة من الصدمة التى وقعت عليها من قرار مغادرته وظهر الحزن عليها ليقول بحدة:-
_ أه ، أنا شغلي وحياتي هناك يا هدير، أعتقد أنك عارفة كويس أن حياتي كلها فى أنجلترا ووجودي هنا الظاهر أن ملهوش لازمة من الأساس
أبتلعت لعابها بصمت من الحسرة التى وقعت عليها ثم تنهدت بضيق وقالت:-
_ توصل بالسلامة يا دكتور مصطفى، عن أذنك
وقفت من أمامه قبل أن تتناول الطعام وغادرت بضيق شديد فضرب "مصطفى" الطاولة بيده بحزن ثم قال:-
_ مفيش فايدة
وصلت إلى سيارتها وجلست بمقعد السائق أمام المقودة لتنهار من البكاء وصوت شهقاتها تعلو فى كل مكان من الوجع والقهرة...
لم يترك الألم قلوبهم ليحتل قلب "هادى" حين وصل تقرير تحاليله وسمع الطبيب يقول:-
_ للأسف حضرتك مينفعش تتبرع ، حضرتك عندك تليف كبدي وصعب تتبرع لأن حالتك الصحة لا تسمح بدا
صمت "هادى" وهو ياخذ تقارير التحاليل فى يده وينظر لها بحزن شديد وكان هو الأمل الأخير لأبنته "ليان" حتى ينقذ حياتها، أخذ التحاليل وذهب إلى غرفة "ليان" بحزن لينظر عليها ويبدأ يستعد لخسارتها، دلف للغرفة بيأس وكانت "ليان" جالسة مع "ياسمين" تتناول الطعام فرفعت نظرها إلى الباب حين فُتح ورأت "هادى"، تنحنحت "ياسمين" بحرج ووقفت بخفة وقالت:-
_ طيب أنا هروح أجيب عصير من الكافتيريا
خرجت لتترك المجال للأب وابنته، جلس "هادى" بهدوء والحزن يملأ وجهه والدموع تتلألأ فى عيونه، نظرت "ليان" له ببرود ثم جمعت شجاعتها وتحلت بالصلابة تبدأ بالحديث قائلة :-
_ ما لك؟ لو الدكتور قالك أنى هموت مش هتدخل مكشر كدة
_ أكيد لا بعد الشر عنك
قالها بهدوء شديد فتنهدت "ليان" ونظرت بهاتفها بملل وعيني "هادى" تراقبها ويغلق قبضته بأحكام شديد على الأوراق ثم قال:-
_ أنا متخلتش عنك يا ليان، أن أتقالي أن الجنين التاني نزل ميت وصدمة موت والدتك لحظتها وأنهيار أهلها وخناق بين أنهم يأخد الطفلة اللى عاشت منى، كل دا كانت ظروف صعبة وقتها، يمكن يومها من قهرتي وخسارتي لمراتي اللى بحبها وأم ولادي كان كاسر قلبي خلاني سهوت عن الطفلة اللى ماتت ..
كانت تنظر فى الهاتف بملل من وجود هذا الرجل أمامها، سمعته يبدأ بالحديث عن ليلة فقدها لتقلب الهاتف بيدها ورفعت نظرها إليه وبدأت تستمع بأهتمام وحديثه عن الوجع والفراق الذي أصابه يومها جعل الدموع تذرف من عينيه مما جعل "ليان" تقشعر وشعرت برجفة فى صدرها ولأول مرة تلين أمام والدها، تابع حديثه رغم دموعه التى تتساقط على وجنته أمام صغيرته دون خجل أو أحراج:-
_ أنا أتحديت العالم كله عشان أهل أمك ميأخدوش قُدس منى ويسافروا بيها تركيا لأن مامتك كانت تركية ، أنا مبفرطش فى لحمي ولو كنت عرفت أنك عايشة حتى لو أتخديتي مني كنت هقلب مصر كلها لأخر نفس فيا عشان أرجعك
تأففت بضيق من حديثه عن الحرب التى خاضها لأجل أختها فى حين أنها كنت طفلته مثلها تمامًا فتحدث بغضب سافر وقد تلقت منه "قُدس" كل الأهتمام:-
_ أنت بتقولي كل دا ليه دلوقت؟
رفع يده اليمني وفتح قبضته المغلقة مُقرب إياها من يد أبنته لتنظر "ليان على تصرفه لكنه عجز عن لمس يدها بخوف من غضبها وعادت يده إلى ركبته كما أقتربت وقال بحزن ولهجة واهنة:-
_ أنا أسف أنى سهوت عنك زمان، أسف أن حسرتي على موت حبيبتي نساني حتة منها، سامحينى يا ليان ، سامحينى على جهلى وإهمالى لحاجة كان لأزم أهتم بها بروحي
ذرفت الدموع أكثر مع أعتذاره فتجمعت الدموع فى عيني "ليان" رغمًا عنها تقتل هذا الصمود والصلابة التى تعيش بهما، دموع والدها وطلبه للسماح منها جعلوها تشعر ببرودة فى حرارة جسدها الذي أصابه القشعريرة فرفعت يدها هى هذه المرة وفتحت راحة يدها وقالت:-
_ حصل خير يمكن دا حصل عشان أقدر أسعد بابا وماما بوجودي
نظر إلى يدها الممدودة إليه وتساقطت الدموع بغزارة أكبر ومسك يد "ليان" لأول مرة وقال بضعف :-
_ سامحيني يا بنتي
هزت رأسها إليه بنعم ورفعت يدها الأخرى تمسح دموعه بحنان ليُفتح باب الغرفة ودلف "فتحى" مع "ياسمين" وحين رآوا "ليان" تمسح دموع والدها تبسموا بلطف على ابنتهم التى تخلت على عنادها وغرورها أخيرٍ، مسح دموعه سريعًا مع دخولهما بحرج ووقف بحزم وقد عزم أمره على أجبار "قُدس" لخضوع الجراحة من أجل أختها:-
_ أنا لازم أمشي دلوقت
سار للخارج يغادر الغرفة وصُدم عندما رأى "عماد" يأتي فى الرواق تجاه الغرفة ويحمل فى يده باقة من الورود، رأى "عماد" عمه فتنحنح بحرج وقال:-
_ أزيك يا عمى، ليان عاملة أى دلوقت؟
_ أي اللى جابك يا عماد
قالها "هادى" بغضب شديد وعينيه تحملق بـ "عماد" الذي فهم سبب تصرفه ، تحدث "عماد" بحرج قائلٍ:-
_هكون جاي ليه؟ جاى أطمن على ليان
وضع "هادى" يده فى جيب بنطلون والأخر تحمل الأوراق وتضرب على كتف "عماد" بالأوراق بتهديد مع كلمات "هادى" الحادة:-
_ اللى بتعمله دا أسمه عك، ولو قربت من بنتى هتزعل، مش قُدس رفضتك زمان وأتجوزت أخوك هتجي دلوقت لأختها، دا عك وأنا كلام واضح بناتي مش ليك ولو مش عارف ليه روح بص لروحك فى المرايا يمكن تعرف ليه؟
غادر من أمامه بضيق بينما تأفف "عماد" بغيظ من حديث عمه ودلف إلى الغرفة بعد أن أستئذن بدق الباب، نظر "فتحى" له بينما "ليان" رفعت حاجبها وتذكرت حديث "قُدس" عنه ، تبسم "عماد" بخفة وقال بلطف:-
_ أنا جيت أطمئن على ليان
أجابته بنبرة قوية حادة وعينيها تكاد تفتك به:-
_ دكتورة ليان، مفهمش أنا مين اللى سمح لك ترفع الألقاب بينا
تنحنح بحرج من رد "ليان" الصارم معه أمام أهلها فأقترب منها مُحرج وقدم لها باقة الورود ببسمة خافتة وقال:-
_ إن شاء الله تقومي بالسلامة يا دكتورة
نظرت للورود بأشمئزاز وعقلها شاردًا فى حديث "قُدس" عن مكره وفخه الذي فعله ليتزوجها بالأكراه ولولا "الجارحي" لكانت الآن فى قبضة هذا الوغد، تذكرت حديثها عن محاولات "عماد" لقتل "الجارحي" ومضايقة "قُدس" ، فاقت من شرودها ونظرها للورود فأخذت الباقة وألقت بها سلة القمامة الموجودة بجوار فراشها ثم قالت بنبرة غليظة باردة:-
_ مبحبش الورد
نظر لباقة الورد فى سلة القمامة وأشتعلت نيران الغضب بداخله من تصرفها وأغلق قبضته بأحكام يكبح غضبه قدر الإمكان بسبب فعلتها أمام والديها، أحتدت عينيه بغيظ وقال بضيق ونبرة حادة :-
_ معلش، أنا برضو عملت بأصلي
غادر الغرفة وبداخله بركان من الغضب على وشك الأنفجار من هذه الفتاة الحادة المتمردة، فتاة شرسة وجريئة لا تخشى شيء أبدًا ربما تملك وجه "قُدس" لكنها لم تكن بنفس الشخصية نهائيٍ، وصل إلى سيارته وضرب إطارها بقدمه من شدة الغضب الكامن بداخله .....
____________________________
وصل "كريم" بسيارة "جلال" أمام مصنع "الجارحي" بعد البحث الشديد عن "هادي" فتحدث بهدوء:-
_ الجارحي أبو النور موجود دلوقت جوه، هو الوحيد اللى له سلطة على مراته توأم دكتورة ليان، ورغم حادثة الإجهاض لكنه مانع برضو أنها تتبرع بالنخاع مع أنه فى الأول كان رافض دا بسبب الجنين، هو الوحيد اللى فأيده يدخل مراته المستشفى، ما دام حضرتك رافض فكرة أننا ندخلها المستشفى بالأكراه
نظر "جلال" إلى المصنع من الخارج مُستمع لحديث "كريم" ثم قال:-
_ دخولها بالأكراه سواء خطف أو تهديد هخلى ليان تعاند وهى محذرني ان أذى أهلها
ألتف "كريم" فى مقعده لرئيسه بدهشة وقال بعبوس متذمرٍ:-
_ محذرك!!
نظر "جلال" إلى مساعده نظرة خبيثة وحادة جعلته يبتلع لعابه بتوتر وخوف ثم نظر إلى الأمام خائفٍ، ترجل "جلال" من سيارته وأغلق زر سترته وقال بتمتمة:-
_ هو معندوش حل غير أنه يوافق ما دام بيدور على اللى قتل ابنه زى ما قلت
أومأ "كريم" إليه بنعم متأكدٍ من المعلومات التى وصل إليها عن العائلة بأكملها ، دلف "جلال" للقاء "الجارحي" ، هذا اللقاء المُرعوب بين أثنين يحتلهم الكبرياء ولن يتنازل أى منهما والخوف على المحبوبة وحمايتها من الخطر كان هدفهما الأول، لقاء الجبابرة كلاهما مُتشابهين فى الهدف والشراسة والتهديد لن يصلح بينهما .....
__________________________
جلست "قُدس" مع "وصيفة" بشقتها ومعها "هادى" و"هدير" فنظرت إلى والدها الذي يخبرها برفض الطبيب لتبرعه، تحدثت "قُدس" بعفوية قائلة :-
_ متقلقش يا بابا أنا مش هسيب أختى، وهتكلم مع الجارحي ولو رفض أنا هجي معاك من وراءه لاني مش هخسر أختى زى ما خسرت ولادي
تنهد "هادى" بعجز وخوف من رفض "الجارحي" فقالت "وصيفة" بلطف:-
_ لا يا بنتى، متعمليش حاجة من وراء جوزك، اتكلمي معه وجارحي مش قاسى ومش هيرفض أنك تساعدي فى علاج اختك خصوصًا أن مبقاش فى خطر على حياتك
نظر "هادى" إلى "هدير" وكانت شاردة وصامتة، حزينة جدًا بعد قرار "مصطفى" بالسفر فسال بهدوء:-
_ ما لك يا هدير؟
نظرت "وصيفة" تجاه ابنتها الصامتة ثم قالت :-
_ مفيش
تحدثت "وصيفة" بنبرة خافتة والحزن يحتل نبرتها الضعيفة:-
_ العريس اللى كان متقدم لها هيسافر، أنت عارف إحنا أجلنا الأتفاق والفاتحة كتير وبعد موت الحج الله يرحمه بقى صعب الأسبوعين دول وأبوك ممرش على وفأته أسبوع واحد حتى
دمعت عيني "وصيفة" من الحزن وقلب الأم يمزقها من جهة لأجل ابنتها وقلب الحبيبة يفتك بها وجعًا وقهرًا من فراق زوجها، أقترب "هادى" من والدته وجث على ركبتيه أمام أمه وأخذ يديها فى يده وقبلها بحنان وبدأ يربت على ظهرها بدفء وقال:-
_ متعيطيش يا أمى، أدعيله بالرحمة ولو على هدير أخوها فى ضهرها متخافيش
ظلت تبكي بحزن وفراق "حمدى" أكثر ما يلتهم قلبها، ذكريات العمر بأكمله لم تفارقها مُنذ رحيله فمسحت على رأس ابنها ووقفت تعود غلى غرفته مُنهكة من الحديث وكأن فراق "حمدى" سلبها روحها معه فباتت ضعيفة وحزينة ولا تبالي بشيء فى هذا العالم سوى البكاء على وفأة محبوبه، نظر "هادى" إلى "هدير" بيأس فوقفت "قُدٍس" من مكانها بهدوء وقالت:-
_ أنا طالعة أتكلم مه جارحي
خرجت من الشقة لترى "ليل" جالسة على الدرج مع "عمران" تأكل معه كيك وتتحدث بعفوية وتضحك قائلة:-
_ أستن بس والله مش دا اللون اللى عجبني...
توقفت عن الحديث حين رأت "قُدس" ونظر "عمران" إلى "قُدس" بهدوء بينما نظرت له فى صمت نظرة ماكرة ومُشمئزة من رؤيته لكنها تحلت بالصبر حتى تمسك الدليل كما أخبرها "يزيد" وصعدت بغرور من جانبهما فتحدثت "ليل" بنبرة هادئة تستوقفها بالكلمات الباردة:-
_ هتفضلي مقاطعني كدة حتى بعد ما عرفتي أن عمران مكنش بيكذب وأن كان فى واحدة نسخة منكِ وطبيعي أنه يفكر أن دى إنتِ
ألتفت "قُدس" لها وهى تعلاهما بدرجات السلم ورمقته بأزدراء ثم قالت بغرور:-
_ ما هو النجس فاكر كل الناس أنجاس زيه
ضحكت بسخرية وعينيها ترمق "عمران" من الرأس لأخمص القدم بأحتقار وصعدت مما جعله يستشيط غيظًا من غرورها وحديثها بالمُهين له فتمتم بصوت خافت:-
_ مبترحمش ، كبريائها مبيتكسرش
سألته "ليل" بعفوية وهى لم تفهم كلماته الخافتة ولم تسمعها بوضوح:-
_ بتقول حاجة؟
وقف من مكانه بغضب شديد وقال بغيظ:-
_ أنا ماشي هو أنا كل ما أجي هنا أتهزق ، دا أى القرف دا
تركها وخرج من العمارة لتركض خلفه بحزن من رحيل وقالت:-
_ عمران أستن...
لم يبالى بصراخها ليغادر ، كان "يزيد" جالسًا على المقعد الرخامية الموجود بجوار البواب مع "رجب" ويشرب كوب الشاي الساخن وفى يده الأخرى سيجارته المُشتعلة بين السبابة والوسطي، أنتبه لصوت صراخها فرأى "عمران" يخرج من العمارة وهى تركض خلفه تصرخ فأخذ رشفة من كوبه وقال بسخرية :-
_ هانت وهتبكي كتير فى اللى جاى
سأله "رجب" باستفهام:-
_ بتقول أى؟
_ لا ، مفيش
قالها ووقف من مكانه وترك كوب الشاي ووضع سيجارته بين شفتيه المُمتلئتين يأخذ جرعته الأخيرة منها وقدميه تسير نحو "ليل" وألقي بالسيجارة قبل أن يصل أمامها ودهس سيجارته بحذاءه وينفث دخانه بضيق وقال:-
_ أساعدك فى حاجة يا أنسة ليل؟
_ هى ناقصك أنت كمان على الليل
قالتها بعبوس وعادت للداخل فألتف ينظر على باب العمارة وتبسم بخباثة وقالت بتمتمة :-
_ دا إنتِ ليلك هيطول الليالي الجاي
رن على هاتف "الجارحي" لكنه لم يُجيب، نظر "الجارحي" على شاشة هاتفه بعد أن سمع الصوت وكان اسم "يزيد" فلم يُجيب، أغمض عينيه من جديد وشاردٍ بجنون فى عرض "جلال" وعقله يحاول أن يستوعب أو يفكر فى عدوه ؟ ، فتح باب الغرفة ودلفت "قُدس" رأته جالسًا فى مقعده خلف المكتب ومُتكأ بظهره على المقعد شبه نائمٍ وعينيه مُغمضتين والهاتف مُضئ يرن ولكنه على وضع الصامت، تنحنحت برقة وقدميها تسير نحو زوجها وألتفت حول المكتب لتقف أمامه فتح عينيه بخمول بعد أن سمع صوتها وشم رائحتها، رمق صغيرته بعيني شبه مغلقتين، تحدثت "قُدس" بنبرة هادئة جدًا تقول:-
_ ممكن أتكلم معاك شوية؟
أغمض عينيه من جديد رافضٍ الحديث فى صمت، مُدركٌ أن سبب رغبتها فى الحديث هو مرض أختها، مسكت "قُدس" يده فى راحة يدها الصغيرة مما جعله يفتح عينيه من جديد ونظر ليديهما المُتشابكة فتحدثت بنبرة خافتة:-
_ تحاليل بابا طلعت والدكتور رفض أنه يتبرع وكدة ....
تحدث بتعب مُنهكٍ من إصرارها:-
_ وكدة معندهمش غيركِ ، مش دا اللى هتقوليه؟
تنحنحت بلطف متوترة من ذكائهِ وفهمه لما تنوى قوله، همهمت بخفوت:-
_ أنا مش عايزة أخسر أختي ، أنا خسرت ناس غالية على قلبي كتير الفترة دى مش حمل خسارة تانية
أجابها بنبرة دافئة :-
_ وأنا مش حمل خسارة برضو
تطلعت بوجهها ليرتبك بنظراتها ووقف من مقعده يأخذ الهاتف مُتحدث بتلعثم:-
_ أنا هروح أرد على يزيد
وقفت أمامه تمنعه من المغادرة والهروب منها، نظر إلى زوجته البريئة التى مسك يده الأخرى بتشبث وقالت بضعف:-
_ أرجوك يا جارحي، دا اول مرة أطلب منك حاجة، انا بس عايزة أذنك وموافقتك لأن مش عايزة أعمل حاجة من وراك ومش عايزة أسيب أختى
مسك فك وجهها بقوة بعد أن سحب يده من يدها بانفعال وقال بتهديد واضح:-
_ إنتِ متعرفيش تعملى حاجة من ورايا
صمتت ورأسها فى قبضته وعينيها تتطلع به، شعر برجفة فى صدره من النظر بعينيها وهذه الفتاة الصغيرة أحتلت صدره بأكمله وصراعه الآن الذي يقتله من الداخل بسبب هذا الحُب الذي يُضعفه ويتحكم به على عكس عادته، ترك وجهها بضيق وحاول أن يمر من جانبها هاربٍ من ضعفه وشعور العجز أمامها وهو لا يقوى على مقاومتها فتحدثت الصغيرة بلطف:-
_ أعتبر الطلب دا هدية عيد ميلادي
ألتف إليها بصدمة وتذكر عيد ميلادها التاسع عشر وتبقى أسبوع واحد لتبلغ التاسعة عشر من عمرها، صُدم من طلبها وهديتها التى ترغب بها فقال بتلعثم:-
_ هديتكِ!!
هزت رأسها بنعم ثم قالت بعناد أكبر وتحدٍ:-
_ أنا اتفقت معاك أننا هنطلق أول ما أولد ودلوقت خلاص مفيش حمل ومفيش سبب يخليني مطلقش منك ولا أقعد معاك، لكن لو وافقت تخلى أنقذ ليان هقعد معاك ومش هطلق ألا لو أنت اللى حبيت تطلقني ، أعتبر موافقتك دى مش بس هدية عيد ميلادي لا دا مهرى وشبكتي
أتسعت عينيه على مصراعيها من هول الصدمة فى إصرار زوجته العنيدة، تقيد زواجها به وبقاءها معه بمجازفته بحياتها، سارت بغضب يحتل ملامحها لتخرج من الغرفة لكنه مسك معصمها حين مرت من جواره فنظر الأثنين لبعضهما فسأل بحيرةٍ مُرتبكٍ:-
_ لو وافقت هتفضلي معايا
تحمست لسؤاله بعفوية ومعنى سؤاله أنه يرغب بوجودها جواره لكنها كبحت الحماس والفرحة بداخلها وظلت على عنادها وإصرارها فقالت بجدية ووجه عابس جدًا:-
_ العمر كله، لو وافقت يا جارحي هفضل معاك العمر كله
تركته وغادرت ليفكر فى عرضها هى الأخرى، إذا رفض سيخسر زوجته وقاتل ابناءه أما بموافقته سيكسب عرض "جلال" ويقبض على قاتل أطفاله وعدوه وسيكسب عرض "قُدس" ببقاءها بجواره ، وينقذ زواجه ورغم كل الأغراءات فى العروض لكن فكرة أن "قُدس" ستدخل للعمليات ويجازف بحياتها مُرعبة جدًا.....
______________________________
أستيقظت "ليان" صباحًا على صوت دقات باب غرفتها فنظرت تجاه الباب بتعب لترى "قُدس" تدخل بهدوء مع "وصيفة"، أعتدلت "ليان" فى جلستها بتعب وكل ليلة تمر عليها تنتظر نهاية مرضها تكون أشد ألمًا، جلست "قُدس" مع أختها وهكذا جدتهما فسألت "وصيفة" بنبرة خافتة:-
_ عاملة أى دلوقت؟
_ دى صفصف ، تييا بس مبتحبش كلمة تيتا ابدأ قوليلها يا صفصف
قالتها "قُدس" بعفوية وبسمة تنير وجهها رغم حدة "ليان" وصمتها البارد فلم تُجيب على "وصيفة" لتنهد "قُدس" بلطف ثم قال:-
_ كمان جارحي جه معايا يطمن عليكِ بس هو بيركن العربية تحت وجاى
_ تعبتوا نفسكم والله
قالتها "ليان" بسخرية ما جعل "قُدس" تشعر بحرج وتركت "وصيفة" مع "ليان" وخرجت تقف أمام الغرفة واتصلت على زوجها لكنه لم يُجيب...
ترجل "الجارحي" من سيارته بعد أن صفها فى مرأب السيارات وكان هاتفه يرن باسم "صغيرته" كاد أن يُجيب لكن مانعه ظهور "جلال" أمامه فحدق الأثنين ببعضهم بغرور وكبرياء لا يقل أحد عن الأخر، وضع "الجارحي" يديه فى جيوبه بغرور وقال:-
_ أنت بايت فى الجراج
تبسم "جلال" على سخريته فى الحديث وقال بسخرية أكبر:-
_ وأنت فاكر أنى مقدرش أسحبها للعمليات
كز "الجارحي" على أسنانه بغيظ ومسك لياقة قميصه بغضب ثم قال:-
_ طب جرب تقرب لها؟
فك "جلال" يده بقوة وأبعده عنه بعيني ثاقبة كاد أن يلتهم "الجارحي" بعينيه وقال بحزم:-
_ لتكون فاكر أنى خايف منك، أنا اللى مانعني وعدي لليان أنى مأذيش أختها لكن لو هتسوق العوج وهخسرها هدوس على وعدي عادى المهم أنها تعيش فمتختبرش صبري كتير لأني مش خايف منك
حك "الجارحي" لحيته بحيرة ثم قال بحزم:-
_ متعرفش تعمل حاجة، أخرك فاضي، الجارحي أبو النور متخلقش اللى يهدده ومفيش جنس مخلوق يقدر يقرب من مراتي
ضحك "جلال" بسخرية وقهقهته المُستفزة كادت أن تفقد "الجارحي" أعصابه فتحدث بسخرية وسط:-
_ معلش بس والله ضحكتني، أمال مين اللى سقطها القدر، من ناحية أن يقدر يقرب من مراتك ففي ، وقدر وخطط وقرب وقتل عيالك ومراتك كانت هتروح فين يا معلم الجارحي أبو النور
أقترب "جلال" منه أكثر وربت على سترته يمسح على كتفه بسخرية وقال بنبرة خافتة:-
_ ولو عرفت هو مين هتنبهر أن صعلوق زى دا عرف يعمل كل دا، وحقيقي أنا لما عرفت هو مين أستغربت أن حشرة تداس بالجزمة زى دا يعرف يعلم على المعلم الجارحي
حديثه عن عدوه جعل نار الفضول تشتعل بداخل عقل "الجارحي" وتأكل خلايا عقله وتفكيره، تحدث "جلال" بتهديد واضح:-
_ باقيلك من مهلة عرضي 19 دقيقة
قالها وعينيه تنظر فى ساعة يده ليُجيب "الجارحي" بغرور سافر ونبرة باردة جعلت "جلال" ينفجر غضبًا:-
_ عرضك ميلزمنيش ولو على العملية أنا مراتي فوق بتعمل التحاليل والدكاترة لو قاله أن مفيش خطر عليها هتعمل العملية مش خوف منك لكن لأن وعدي لمراتي أهم بكثير من واحد زيك وعرضك
تاركه وسار بعيدًا مما جعل "جلال" يستشيط غضبًا من برود هذا الرجل لكن بداخله فرحة تغمره لموافقة "قُدس" على الخضوع للجارحة فتمتم "جلال" بنبرة خافتة مُرعبة:-
_ تقارير الدكاترة تطلع بالموافقة حتى لو قُدس هتموت ، واضح؟
اومأ "كريم" بنعم وأشار إلى أحد الرجال الذي ذهب مُسرعًا يلبى أمر رئيسه وجلس "جلال" فى سيارته ينتظر الرد، ذهبت "قُدس" إلى غرفة الفحوصات وكان "الجارحي" و "وصيفة" يراقبوا الوضع معاهم واستمر الوضع لساعات طويلة حتى خرج الطبيب إلى "الجارحي" وقال:-
_ إحنا هنحجز المدام هنا عشان نجهزها للعملية ؟
نظر "الجارحي" إلى زوجته التى خرجت خلف الطبيب وشعر برجفة خوف بداخله من حديث الطبيب، أقتربت "قُدس" ووقفت بجواره ومسك يده كطفلته الصغيرة وبدأت التجهيزات رغم معارضته لكنه يحاول أن يدفع مهرها الذي طلبته لتبقى معه للأبد، وصلوا إلى غرفة "ليان" وجهزت الممرضة السرير المجاور لها وجلست "قُدس" به مما أدهش "ليان" التى قالت بحدة:-
_ هو فى أى؟
تبسمت "قُدس" بعفوية لأجل أختها وتمدد على الفراش فتحدثت "وصيفة" بنبرة خافتة:-
_ أنا هجيلك الصبح، قصدى هجيلكم
أومأت "قُدس" بنعم بينما "ليان" نظرت للجهة الأخرى بضيق ، وقف "الجارحي" بجوار زوجته ومسح على رأسها بحنان وهمس إليها بجدية:-
_ أنا هبعتلك كل حاجة مع يزيد وهخليه يستناكِ برا لو أحتجتي أى حاجة إنتِ عارفة هو هيعملك كل اللى عايزاه
هزت رأسها بنعم وبسمة مُشرقة تنير وجهها البريء، عينيه تحتضنها بنظراته خائفٍ من المغادرة وتركها وحيدة فى المُستشفى وقلب لا يقوى على المغادرة وترك صغيرته خلف ظهره فتبسمت " قُدس" كالبلهاء وقالت:-
_ متخافش أنا كويسة
هز رأسه بنعم وغادر فى هدوء لينزل إلى سيارته الموجودة فى المرأب وقرر أن ينام بها حتى الصبح مغلوبًا على أمره وقلبه رافضًا العودة للمنزل بدونها فأغمضت عينيه بأستسلام ولم يفتحهما سوى على صوت هاتفه وكان "يزيد" لكن عندما وضع الهاتف على أذنه أتسعت عينيه على مصراعيها من الخوف وفتح باب سيارته ليركض خارجها بعد ما سمعه من "يزيد" وركض حيث غرفة زوجته ليُصدم عندما وجد التوأم يصارعان الموت و"قُدس" على فراشها فاقدة للوعي والدماء تخرج من أنفها و"ليان" غارقة فى بركة من الدماء تسيل من أنفها وفمها بغزارة فيضانية بسبب مرضها، لا تُصدق المنظر الذي رآه والأطباء فى حالة من الذعر ولا تعرف أحد ما أصاب الفتاتين فحاول الأطباء أنقاذهما بقدر المُستطاع حتى وصل رئيس الأطباء فى اللحظة التى توقف بها قلب "قُدس" عن النبض وأصدر الجهاز إنذاره يعلن عن توقف القلب وبعد محاولات لأنعاش القلب وباتت كله بالفشل عاد النبض ضعيفًا جدًا يكاد ينقطع مُجددًا فصرخ "رئيس الأطباء" بفريقه الطبي:-
_ بسرعة على أوضة العمليات........
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية