رواية لعاشر جار الفصل السابع عشر 17 - بقلم سلمى رأفت
17-كـنـزي
واقتربت منها قائلةً بهمسٍ:
_ولما تكون كمان واحدة يتيمة يبقى نحاول منحسسهاش أن هي لوحدها ده ربنا بيقولك فأما اليتيم فلا تقهر، اتقي ربنا في الناس علشان كله سلف ودين.
كان "مارينا" واقفةً تبكي بصمتٍ حينها وقفت بجانبها "كارما" تمسك يديها تربت عليها واحتضنتها بشدةٍ وأردفت قائلةً بطفولةٍ :
_متعيطيش بقى، أنا معاكِ أهو، هنبقى صحاب وهنلعب مع بعض على طول.
بالمقابل احتضنتها الأخرى بقوةٍ وبعد قرابة الخمسة عشر دقيقة تم فض هذا الاشتباك الحاد وانصرفت هذه السيدة بسخطٍ حينها اقتربت "بوسي" من "مارينا" قائلةً بحنو أُمومي :
_بتعيطي ليه بس؟؟ أنتِ لسه متضايقة؟؟ متضايقيش نفسك يا حبيبتي واعتبريني زي مامتك بالظبط و"كارما" أختك تلعبوا مع بعض سوا، ماشي؟؟
كففت هي دموعها ببراءةٍ وأردفت قائلةً بابتسامة حزينة:
_شكرًا يا طنط مش عارفة أقول لحضرتك إيه، لو كان بابا أو ماما هنا كانوا شكروكِ بنفسهم، بس ماما راحت عند ربنا وبابا مسافر.
احتضنتها هي الأخرى تغمرها بحنانها بينما قد أضافت "مارينا" قائلةً بتساؤل :
_هو حضرتك اسمك "بوسي"؟؟ ده اسم حضرتك الحقيقي يعني؟؟
ضحكت لها هي ونفت قائلةً بابتسامة :
_لأ، اسمي الحقيقي "بسملة" بس أنا مش بحبه وبحب "بوسي" أكتر ولعلمك قليل أوي اللي عارف موضوع "بسملة" ده!
ضحكت الفتاتان عليها بمرحٍ ووصلتهما إلى فصلهما وتركتهما ورحلت.
_______________________________________________
_ميكس شوكلت إيه اللي عايزاه؟؟ وبعدين شوكلت إيه؟ أنتِ فاكرة نفيك جاية من حواري فرنسا؟؟
كان هذا حديث "تميم" المتذمر وقد ردت عليه "عائشة" قائلةً برجاءٍ مصطنع :
_معلش يا أخويا يا حبيبي، ميكس چهينة حلو كده؟؟ بس بالله عليك هاته؛ محدش من إخواتك هيرضى ينزل يجيبلي وأنت كده كده برة و "حمزة" لو قولتله هيذلني ويذل اللي خلفوني.
قلب عينيه بضيقٍ وتنهد بضجرٍ وأغلق هذه المكالمة _المزعجة_ وتوجه نحو أقرب سوق تجاري يشتري مبتغاه، بينما على الجهةِ الأخُرى كانت تنظر إلى أنواع السجائر بتركيزٍ حتى وجدت نوعها المفضل، أخذته وذهبت إلى الصراف حتى تحاسب على سجائرها، في نفس التوقيت وضع "تميم" الحليب المعلب بنكهة الكاكاو أمام الصراف وكانت هي قد وضعت سجائرها أمام الصراف أيضًا حيث لا يمكن التمييز هذه أغراض من، حينها كان مالك هذا السوق التجاري واقفًا بجانب الصراف يتكلم بالهاتف بينما كان الصراف يعبث بهاتفه وحينما لاحظهما صاحب السوق التجاري أردف بضيقٍ قائلًا :
_حاسب يابني الأستاذ على السجاير ومشيه وشوف الآنسة جايبة إيه.
توسعت عيناه بفزعٍ بينما هي حاولت كتم ضحكاتها لم يجد حتى مفر أو الإنكار أن هذه لست له وأضاف الصراف قائلًا باستنكار وهو يعطي له هذه العلبة الكرتونية :
_اتفضل يا أستاذ سجايرك أهي، الحساب تسعين جنيه.
أردف هو في نفسه قائلًا بسخطٍ حاول إخفاءه وهو يفتح محفظته حتى يعطيه المبلغ الذي يريده :
_علبة سجاير بتسعين جنيه؟؟ حسبي الله ونعم الوكيل، اتدبس في سجاير ليه أنا؟؟
أعطى الصراف ورقة فئة المئة جنيه وأعطاه هو الباقي وخرج متذمرًا، كان ينوي بداخله انتظارها ليبدل معها لكنها كانت قد تأخرت بالداخل مما جعله يزداد غضبًا وضجرًا ووصل نحو بنايته قائلًا في نفسه بضجرٍ :
_كان هيبقى شكلي فانيلة أوي وأنا جايب ميكس شوكلاتة وهي اللي بنت جايبة علبة سجاير، لا حول ولا قوة إلا بالله! هعمل في العلبة دي بس إيه يارب؟
ودلف نحو مدخل البناية وضغط على زر طلب المصعد واستقله واتجه نحو شقته بضجرٍ ودلف إلى غرفته ووجهه واجم حينها كان "تيام" جالسًا يعبث بهاتفه وحينما لاحظه تلفظ باستنكار مختلط بالسخرية :
_إيه يا عم؟؟ مالك قالب وشك كده زي الست اللي غضبانة وجاية بيت أهلها؟؟
رمى نفسه على فراشه بضيقٍ وأخرج هذه العلبة الكرتونية حينها شهق "تيام" بصدمةٍ وفزع وانتفض من مكانه وعيناه تتوسع بشدةٍ وهو يضع يديه على فمه قائلًا :
_يا نهار أحمر!! سجاير!! يا خيبتك السودا ياني يما في ابنك الكبير!!
توسعت عيناه بشدةٍ وهرول يضع يديه على فم أخيه قائلًا بتهديدٍ :
_اخرس يالا، أنت كده هتوديني في داهية!! والله ما بتاعتي سيبني أشرحلك.
دفعه "تيام" بعنفٍ وأضاف قائلًا بصدمةٍ وتأثر وهو يلتقط هذه العلبة الكرتونية ذات اللون الأبيض والأحمر يقلبها بيديه بصدمةٍ أكبر في شقيقه :
_أخرس يا كلب!! وأنا اللي أقول حالك أتغير ليه واتشقلب ليه! طلعت منهم يا حيوان!! هي حصلت تشرب سجاير!! أمال أما تدخل جامعة هتعمل فينا إيه؟؟ هتجيب لينا العار وتمرمغ شرف العيلة في الأرض!!
نطق "تميم" مسرعًا يحكي له ما حدث ليأمن شر شقيقه المتهور وحينما انتهى تلفظ قائلًا بتذمر :
_بس كده يا سيدي، ودلوقتي مش عارف أعمل إيه في السجاير دي.
أومأ "تيام" بتفهم وربت عليه قائلًا بهدوء :
_متخافش يابني وبعدين أنت كنت مُحرج فخلاص، متقلقش سرك في بير بس هنرميها دي سجاير مش هزار.
كاد الآخر أن يرد عليه لكنهما وقعا على الأرض من فرط صدمة قوة فتح باب الغرفة والصوت الجهوري الذي دوي يردف بشكٍ وسخطٍ قائلًا :
_اللي سمعته ده صح؟؟ انطق يالا منك ليه!! سجاير إيه!!
ألقى "تيام" علبة السجاير على أخيه قائلًا ببراءة ونظرة خزي :
_تعالى شوف ابنك يا حاج!! كمان شوية هنلمه من الكباريهات!!
أردف "تميم" مسرعًا يبرر موقفه لوالده :
_والله يا بابا ما بتاعتي، سيبني أشرحلك أنت فاهمني غلط وربنا!!
نظر له والده بخزيٍ وأردف قائلًا :
_ابني لوحده لأ ومع مين!! مع علبة سجاير!! سجاير يا "تميم"؟؟ طب "تيام" ماشي دماغه مهوية، لكن تيجي منك أنت يا عاقل يا محترم!!
رد عليه "تميم" قائلًا باستنكار :
_إيه يا بابا جو أفلام أبيض وأسود ده؟؟ أنت قفشني مع واحدة؟؟ وبعدين أنا أصلًا مش لوحدي وبعدين والله ما بتاعتي، اسأل حتى "تيام" يحكيلك!!
عقب "سعيد" قائلًا بسخطٍ وهو يأخذ هذه العلبة :
_لأ وكمان من الغالية؟؟ مارلبورو أحمر؟؟ آه يا شقايا يا تعبي!
أردف "تيام" قائلًا بتأثر :
_كمان!! جايب علبة سجاير بتسعين جنيه؟؟ ده بدل ما تطلعهم صدقة على روحك اللي هتروح دلوقتي؟؟
التفت "سعيد" لـ "تيام" ببطءٍ قائلًا بهدوءٍ :
_وأنت بقى عرفت منين أن هي بتسعين جنيه؟؟
ابتسم "تميم" بنصرٍ وقد أردف "تيام" قائلًا بدهاءٍ :
_عادي يا بابا مصر كلها عارفة سعر المارلبورو بكام مش سر حربي يعني، وبعدين حضرتك مركز معايا بدل ما تشوف اللي حط راسك في الطين!!
_يا بابا ورب الكعبة ما بتاعتي سيبني طيب افهمك وبعدين أنا أصلًا عندي حساسية من الدخان هروح اشرب سجاير؟؟ وقسمًا بالله "تيام" عارف الحقيقة هو يقولك، انطق يالا!!
وزع نظراته بينهما وقد أردف موجه حديثه لِـ "تيام" قائلًا وهو يضيق نظراته :
_ولا أنا شاكك فيك أن أنت اللي مبوظه، انطق حقيقة إيه!!
انتفض"تيام" من أثر صوته قائلًا :
_وربنا ما اعرفه ولا عمري شوفته ولا شوفت السجاير دي، أنا أصلًا ماليش أخوات، وحقيقة إيه يابني؟؟ أنت عايز تشركني معاك في الجريمة ولا إيه؟؟
رمقه "تميم" بصدمةٍ وقبل أن يهم أحدهما بالتكلم حكى "تميم" هو كل شيء مختصرًا دون التطرق إلى هوية هذه الفتاة وأنهى حديثه قائلًا :
_بس كده والله يا بابا ده اللي حصل وكنت قايل لـ "تيام" وبعدين مش هحلف كدب يعني!
أردف "سعيد" قائلًا بهدوءٍ وتفهم :
_خلصت؟؟ ده أنا هطلع عينك! برضو هتتهزق ومعاك الحيوان الخاين ده!
التفت له "تيام" بصدمةٍ وأردف قائلًا :
_نعم؟ وأنا مالي؟؟ ابنك ربيه زي ما أنت عايز وحقك وأنا معاك، لكن أنا؟ ده جزاتي إني قولتلك وفتحت عينك على بلاوي ابنك الكبير المحترم؟؟
صك "تميم" على أسنانه بغيظٍ وتوعد لشقيقه في داخله على ما يقوله الآن حتى يبريء نفسه من هذه التهمة لكن الصبر، انتهى والده من حلقة الشجار معهما وحينما خرج والدهما انقض هو على "تيام" لكن الآخر كان الأسرع وسارع بالخروج من باب الشقة قائلًا :
_ابعد يالا!! لو قربت وربنا لاصوت والم عليك الجيران وتبقى فضيحة بجلاجل!!
ظل "تيام" يهرول نحو الخارج حتى وقف في الشارع أمام البناية وقد لحقه شقيقه الذي أخذ يردف بسخطٍ وصوتٍ عالي :
_بتبيعني أنا؟؟ قال إيه! متقلقش يا "تميم" ومتخافش يا "تميم" ده أنت كان ناقص تجيب مايك الجامع تقول فيه!!
كاد "تميم" أن يصل إليه لكن كان صوتهما عاليًا وكان "مهند" واقفًا في الشرفة فأسرع نحو الدرج حتى يشاهد هذا الشجار باستمتاع حينها لاحظه "مراد" فهرول وراءه بينما كانت "لميس" تنظر من الشرفة المجاورة المُلحقة بغرفتها، وقبل أن يصل "تميم" إليه بعدما كان "تيام" يحاول الفرار وقف "مهند" بينهما قائلًا وهو يحاول كتم ضحكاته :
_استهدوا بالله بس يا رجالة؟؟ ده أنتم حتى أخوات!! أمال لو بتتخانقوا على ورث كنتم عملتوا في بعض إيه؟؟
اقترب منه "مراد" يحاول فض هذا الاشتباك وكان "تميم" يسب شقيقه الذي مازال يحاول الفرار فأردف الآخر قائلًا :
_أنا عملت كده لمصلحتك والله، أنت مش مصدقني ليه؟؟
شمل "تميم" الأرض بنظرةٍ سريعة بغضبٍ وسرعان ما جذب قالب طوبي بحجم كف يديه وأردف قائلًا بسخطٍ :
_مصلحتي؟؟ مصلحة مين يا بتاع مصلحتي؟؟ ده أنت كان ناقص تقوله إني من بسكر وبلعب قمار! تعالالي بدل ما افتحلك دماغك!!
كاد أن يلقي عليه هذا القالب الطوبي لكن سارع "مراد" بإمساك يديه قائلًا وهو يحاول كتم ضحكاته بقوةٍ :
_يخربيت شكلك!! أنت هتفتحله دماغه بجد؟؟ أنت عملتله إيه يابني خليته ولا التور الهايج وشاف لون أحمر فهاج أكتر!
رفع "تيام" كتفه بلامبالاة وتلفظ وهو يقلب عينيه ببرودٍ :
_اسأل الهانم، أنا كنت بعمل كده لمصلحتك بس فعلًا، خيرًا تعمل شرًا تلقى.
اندفع "تميم" يعلو بصوته عليه بضجرٍ وسخط حتى قطع صوت شجارهما هذا دلو المياه الذي انسكب عليهم من السماء بقوةٍ فكان الناتج أن أربعتهم قد تبللت ثيابهم واستمعوا لصاحبة هذا الدلو قائلةً :
_جــرا إيه؟؟ ما تدخل يا عديم الدم أنت وهو ذاكرلكم كلمتين، مش عارفة اتخمد!! قسمًا بالله لو سمعت صوت خناق تاني لانزل اعملكم مخدات فايبر!!
رفعوا جميعًا رؤوسهم لمعرفة من صاحبة هذا الصوت وكاد أن يهم جميعهم بالسباب لكنهم تعرفوا على هوية هذه السيدة فأردف "تيام" قائلًا برعبٍ متوارى خلف قناع السخرية :
_طنط "عُلا"؟؟ عاملة إيه؟؟ قسمًا بالله وحشتيني، هو أحنا نقدر نكسرلك كلمة برضو؟ حضرتك لو عايزاني آجي افرشلك ملاية السرير معنديش مشاكل المهم تنامي مرتاحة.
رمقتهم بضجرٍ ودلفت إلى الداخل بغضبٍ حينها نظروا جميعًا إلى بعضهم وارتفعت ضحكاتهم بقوةٍ من الموقف وأسرع "تيام" نحو شقيقه يحتضنه بقوةٍ قائلًا :
_خلاص بقى قلبك زبادو، متزعلش مني.
عانقه الآخر قائلًا بعدما تبخر غضبه :
_خلاص، عودة العلاقات للمرة المية الخمس تلاف ومتين.
رمقهما "مهند" و "مراد" بدهشةٍ وظلا يضربنا كفيهما ببعضهما وقد تلفظ الأول بسخريةٍ قائلًا :
_لا إله إلا الله، أنت مش من شوية يابني كنت هتفتحله دماغه؟؟ دلوقتي بقى أخوك وصاحبك وسبب فرحك؟؟
لم يعقب أيًا منهما على حديثه وظلا يضحكنا بشدةٍ بينما على الجهةِ الأُخرى كانت تسير هي بضجرٍ كعادتها عابسة الوجه حتى اصتدمت بشخصٍ وكادت أن تسقط لكن الآخر كان الأسرع وأمسكها من يديها قائلًا بقلقٍ :
_أنتِ كويسة يا....
توسعت عيناه من هيئتها وسارعت ضربات قلبه تعلو وترتطم بصدره كما ارتطام الأيادي على الطبول، ظل يتأملها إلى أن انتبهت هي وأردفت قائلةً بسخطٍ وهي تعدل ملابسها :
_مش تفتح يا حـيو... "آدم"؟؟
بصقته باستنكار ممزوج بمشاعر مدفونة منذ سنواتٍ عدة وكانت حالتها لا تقل عن حالته حتى أردف قائلًا بتوترٍ كان يتحلى به معاها فقط :
_أنتِ كويسة يا "ندى"؟؟
شعرت بالحنين تجاه واستيقظت هذه المشاعر لكن سرعان ما أخفتها قائلةً ببرودٍ ممزوج بالسخرية :
_أظن إنك عارف الإجابة، سلام يا.. كابتن.
تركته ورحلت وفرت دمعة من عينيها بينما هو ظل واقفًا ينظر لأثرها بشرودٍ، ابتلع لعابه وهو يغمض عيناه بألمٍ، لم ولن يستطع نسيانها أو تخطيها حتى!! كانت بماثبة له الرفيقة وروحه المفقودة، لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن أبدًا!
_________________________________________________
_إزاي يعني ده عنوان العمارة اللي قاعدين فيها؟؟ ده نفس عنوان عمارتي حضرتك؟؟ هيكون مين يعني منهم؟؟
كان هذا حديث "يحيى" المستنكر وبشدة بينما جاءه رد "نظمي" قائلًا :
_والله دي المعلومات اللي جت لينا، مهمتك تقرب من السكان دول أكتر من كده، وأنت ذكي ولماح يعني ممكن تعرف مين هو اللي تبع الـ Boss، بس في حاجة ممكن يبقى الشخص ده ميبقاش واحد ممكن يبقى كذا واحد مفيش مشكلة ركز أنت بس متنساش اللي حصل منهم في أختك.
أغمض عينيه بتروٍ لكنه سرعان ما تدارك حالته وأردف قائلًا ببرودٍ :
_تمام يا سيادة اللوا، لو في أي جديد هقولك.
تركه ورحل وكانت تتصاعد الأفكار في رأسه، منْ مِن الممكن أن يكون تابعًا لعصابةٍ كبرى مثل هذه من بنايته الذي يتميز سكانها بالتعوق العقلي؟
في الطابق العاشر :
كان "نوح" يخرج من شقته وتقابل مع شقيقه الأصغر الذي أردف قائلًا بهدوءٍ :
_على فكرة اللي في دماغك ده عمره ما حصل.
شمله هو بنظرةٍ سريعة تذكر من خلالها أقسى ذكرياته حاول أن يتلاشاها حتى نجح بالفعل وتلفظ بنفس الهدوء الذي يماثل الآخر قائلًا :
_بلاش ذنبها هي، ذنب إيه البنات اللي راحت غدر دي؟؟
حاول "يوسف" تمالك أعصابه حتى تلفظ قائلًا ببرودٍ مصطنع :
_"نوح" بقولك إيه؟؟ أنت مش إمام جامع ولا أنا شيخ، أنا وأنت وأخوك اللي نايم جوا ده عارفين اللي فيها، متجيش تمثل الدور ده عليا وبعدين ده عمرها في الأول وفي الآخر وبعدين مش آخر بنت على الأرض..
قطع الآخر حديثه بقوةٍ قائلًا :
_أنت بتقول كده علشان مش حاسس باللي أنا فيه، دي حبيبة عمري كُله، عارف يعني إيه؟؟ كانت بالنسبة ليا حاجة كبيرة أوي وعمر ما يجي زيها ولا هيجي زيها أبدًا، أنت بس علشان عمرك ما حبيت مش عارف أنا حاسس بإيه، طب بلاش دي، معقولة ناسي لهفتي وأنا بتكلم عليها؟؟ طب نظرة عيني ودقة قلبي اللي كانوا يطلعوا من مكانهم أول ما بسمع سيرتها؟؟ ولسه لحد دلوقتي زي ما أنا أول ما سيرتها بتتجاب، فاكرها ولا نسيتها؟؟ أنا روحي ماتت من يوم ما هي ماتت ، يوم لما مبقاش ليها اسم ولا وجود في الدنيا دي ، سلام يا..يا أخويا أو ياللي كنت في يوم أخويا.
تركه واستقل المصعد بسرعةٍ بينما وقف هو يردف بقوةٍ قائلًا لنفسه :
_غبي ، لو كانت فضلت عايشة أكتر من كده كان هيروح معاها وأنا مكنش عندي استعداد أخسر أخويا للأبد حتى لو خسرته دلوقتي بس على الأقل مخسرتوش للنهاية.
انتظر هو المصعد حتى يأتي له بينما في المصعد ذاته كان يحاول كتم دموعه بقوةٍ حتى وصل المصعد للطابق الأرضي وقد تقابل مع "يحيى" الذي كان شاردًا في أفكاره مثله تمامًا لكنهما تجاهلا بعضهما نظرًا أن العلاقات بينهما لست بالودّية.
______________________________________________
في إحدى محافظات جمهورية مصر العربية تحديدًا بالشرقية :
كانت هي تتجول بين الأراضي الزراعية بشرودٍ حتى استمعت لصوت والدتها الذي يناديها بصوتٍ عالي قائلًا :
_يا "كنزي" ، يابت تعالي يلا الغدا جاهز.
هرولت نحو المنزل بسرعةٍ ووجدت والدتها تضع الطعام على الطاولة الخشبية الصغيرة القصيرة وقد أردفت "كنزي" قائلةً بفرحةٍ :
_الله! عاملة محشي؟؟ يا سلام على الدلع.
ضحكت السيدة قائلةً :
_يا بكاشة، أقعدي يلا كُلي زمانك فرهدتِ من كتر المشي اللي بتتمشيه.
جلست على الأرضية وتلفظت قائلةً باستنكار :
_هو فين بابا؟؟ مجاش ليه؟؟
ردت عليها وهي تمسك بطبقٍ تضع به أحد أنواع "المحشي" لها قائلةً :
_لسه وراه شغل مش هيجي دلوقتي خالص فقولت ناكل أحنا بدل ما نقع من طولنا.
أومأت بصمتِ وشرعا في تناول الطعام بينما كان عقلها منشغلًا في التفكير محاولةً أن تعرف ماضيها فأردفت قائلةً بتساؤل :
_ماما ، هو أنا مكنش معايا أي حاجة تاني تدل على هويتي؟؟
نفت هي برأسها قائلةً :
_لأ مكنش معاكِ حاجة غير السلسلة الدهب اللي مكتوب عليها اسمك ، غير كده مكنش معاكِ حاجة تاني ، وبعدين أنتِ قاعدة مونساني ده أنتِ كُنتِ زي النجدة من عند ربنا.
ابتسمت "كنزي" ابتسامة بسيطة زينت ثغرها وانتهت من الطعام وقامت تساعد والدتها في غسل الأواني ثم دلفت إلى النوم ساقطةً في أحلامها التي تحلم بقى كُل ليلة مُنذ ثلاثة سنوات.
كانت تسير بهدوءٍ وسط حديقة مليئةً بالزهور الملونة وكان هو يسير بجانبها قائلًا :
_ها يا ست الأستاذة؟؟ هتقدم أمتى؟؟ أنا طول حياتي أعرف أنت البنت هي اللي بتقول للراجل مش هتيجي تتقدم وهو يقعد يرفض، أول مرة أشوف الراجل هو اللي هيموت ويعرف هيتقدم أمتى!
ضحكت هي له قائلةً وهي تضبط حجابها :
_معلش ، "يحيى" بس يتقدم وبعدين تعالى أنت، كده Too Much على سيادة اللوا! هيخطب لولاده الاتنين مرة واحدة؟؟
زفر هو بضيقٍ وتلفظ قائلًا :
_يا "كنزي" أنا خللت ، أخوكِ ده بقاله قرن بيحاول يتقدم، ده لو بيتقدم لكايلي چينير كانه زمانه اتقدم ، ده الساعة اتقدمت وهو لسه!
ضحكت هي بخفوتٍ بينما ظل هو شاردًا بها وعيناه ترمقها بحبٍ وهيام بها.
ابتسمت وهي نائمة من هذا الحلم اللطيف الذي داعبها الليلة ، لا تدري هي هوية من هذا؛ صورته مشوشة بالنسبةِ لها لكن قلبها يخفق وبشدة عندما يأتي في مخيلاتها في معظم الليالي.
_______________________________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (لعاشر جار) اسم الرواية