رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل السابع عشر 17 - بقلم نورا عبد العزيز

 رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل السابع عشر 17 - بقلم نورا عبد العزيز

رواية  
الفصـــــــــل الســــــــــــــابع عشـــر ( 17 ) 
بعنـــوان " مســــــــــــاومة "

وقف "الجارحي" مع "هادى" فى رواق المستشفى، نظر إلى "ياسمين" الجالسة فى الأرض تبكي بحسرة وألم على مرض ابنتها ولا تملك شيء تفعله لأنقاذ حياتها، خرج الطبيب ليسرع "فتحى" نحوه مع "هادى" ليقولا الأثنين معًا:-
_ خير يا دكتور؟

_ للأسف الحالة بتسوء أكثر والعلاج اللى ماشية عليه ما هو ألا مسكنات
قالها الطبيب فى صمت لتجهش "ياسمين" فى البكاء بحزن شديد فتحدث "هادى" بنبرة خافتة والقلق دب فى قلبه على صغيرته:-
_ ينفع أنا أتبرع لها أنا أبوها لو ينفع أنا مستعد نعمل العملية وقتي 

نظر الجميع إليه فتحدث الطبيب بهدوء شديد هاتفٍ:-
_ نعمل التحاليل وهى اللى تقول ينفع ولا لا 

ربت "هادى" على كتف "فتحى" بلطف يطمئنه أنه سينقذ أبنتهما مهما كلفه الأمر ...

_________________________ 

فى عمارة أبــــــــو النـــــــــور

كانت "ليل" تجلس مع "عمران" فى الحديقة مُرتدية فستان أسود بسيط وتلف حجابها الأسود، أمامهم كأسان من العصير وطبق الفاكهة ويتحدثان بعفوية ليسأل "عمران" بجدية مصدومٍ مما سمعه وأن خطيبته ووالدتها لم يعد لديهم شيء:-
_ يعنى جدك كتب كل حاجة للجارحي؟!!

أومأت إليه بنعم يائسة من تصرف جدها الذي جعل العائلة فى حالة حرب والنار تلتهم الجميع، رأت الكره والغل ينشب بين قلوبهم لأجل المال وكانت البداية تعرض "قُدس" للهجوم وقتل أطفالها،  قالت بتهكم مُتعبة من التوتر القائم فى المنزل هذه الفترة:-
_ من بعد موت جدى والبيت بقى صعب أوى يا عمران وكله ضغوطات وتوتر والمصائب نازلة على دماغنا

ترك كوب العصير على الطاولة وعينيه تحملق بفتاته يحاول أن يعلم ما حدث بخباثة فقال بدهشة فضوليٍ لمعرفة ما يجهله:-
_ ليه حصل حاجة تانية أكتر من أن جارحي كلكم ؟

هزت رأسها بنعم ويدها تهندم حاجبها بتعب وتحملق بوجه خطيبها بعبوس ثم قالت بذهول:-
_ تخيل أن البنت اللى شوفتها فى المهندسين وأتخانقنا عشان بتقول أنها قُدس طلعت مش قُدس فعلا وطلع أن فى بنت شبهها توأم قُدس وأتخطفت من المستشفي يوم الولادة 

بصق ما به فمه من عصير من هول الصدمة فأخذ منديل سريعًا يمسح فمه ويُجيب بذهول:-
_ إنتِ بتقولى أى؟

_ دا غير أن فى ناس طلعوا على قُدس أمبارح وسقطوها 
قالتها بحزن شديد يحتلها لأجل " قُدس" وخسارة أطفالها فسأل "عمران" بدهشة مُصطنعة المفاجأة:-
_ سقطوها، هى أصلا كانت حامل؟

هزت رأسها بنعم فتنحنح بتوتر وقال:-
_ وعلى كدة الجارحي عرف مين اللى عملها؟

أجابته "ليل" بينما تقطع الفاكهة بعفوية:-
_ لا خالص ، أنشغل فى مرض ليان توأم قُدس من أمبارح وهم فى المستشفى بيها ولسه مرجعوش

_ أى كل الحوارات الكثيرة اللى حصلت دى؟
قالها بعبوس ومسك هاتفه يلهو بيه ببسمة خبيثة وخطيبته البلهاء هى من تنقل الأخبار كاملة له، ربما لأنها وثقت بقلبها البريء، خرج "عمران" من العمارة بعد أن رن هاتفه ووقفت "ليل" من مكانها تأخذ الأطباق فى يدها وألتفت لتصعد الدرج فأرتطمت بـ "يزيد" الذي كان يخرج من المبني بتعجل فوقعت الأطباق من يدها وأنكسرت لأشلاء، مسك "يزيد" معصمها من فوق كم فستانها قبل أن تسقط وتفقد توازنها كاملًا وقال بتعجل:-
_ مُتأسف

_ على أى ؟ أنا اللى لازم أبص قدامي
قالتها بعفوية فساندها بحذر حتى صعدت على درجة السلم بعيد عن الزجاج المنثور وأنحني ليجمع البقايا الحادة، أخذ هاتفها من فوق الأرض ومد يده إليها بها ثم قال:-
_ أتفضلى إنتِ وأنا هخلى سنية تلم الأزاز دا 

أومأت إليه بنعم وصعدت إلى شقتها ، خرج من العمارة بتعجل وبحث عن "عمران" لكنه كان قد أختفى تمامًا مما أزعج "يزيد" أكثر ...
أما فى الطابق الرابع كانت "قُدس" تقف أمام السفرة بتعب وأخذت العلاج الذي وصفته الطبيبة لها بعد الأجهاض ثم وضعت كأس الماء جانبًا ، كانت قلقة جدًا على أختها ومن الأمس لم يعودوا من المستشفى واتصلت كثيرًا على "الجارحي" لكنه لم يُجيب عليها ، تأففت بضيق وجلست على الأريكة بعد أن أحضرت أدوات الرسم والورق وبدأت ترسم حتى يمر الوقت وأنتهى قلمها الرصاص فوقفت بتعب خافت ودلفت إلى مغرفة "الجارحي" وهى تتذكر أنها رأت أقلام رسم على مكتبه سابقٍ، أخذت القلم والتفت لتغادر لكن وقع نظرها على شيء إعادها للمكتب ورفعت الملف الموجود على المكتب لتُدهش عندما رأت صورته التى رسمتها فى الماضي وكانت سبب ضرب "هدير" لها لأول مرة، تسارعت نبضات قلبها بعفوية وهو يحتفظ بالرسمة طيلة هذه المدة وتذكرت حديث "ليان" عنه وأنه حتما يحبها وتصرفاته تعنى الحُب فقط، سمعت صوت باب الشقة لتضع كل شيء مكانه وخرجت بسرعة فرأت "الجارحي" يقف أمامها لتسأل بقلق واضح:-
_ أتصلت بيك كتير، عملتوا أى؟ وليان عاملة أى؟

_ محجوزة فى المستشفى وباباكي قرر يتبرع وعملنا التحاليل بس نتيجتها هتظهر بعد يومين 
قالها بهدوء وعينيه تتفحصها بعد أن رآها تخرج من غرفته، تنهدت بقلق شديد ثم قالت بعبوس:-
_ أتحجزت؟ يعنى أكيد حالتها صعبة

نظر إليها بهدوء ودلف إلى غرفته مُتمتمٍ بضيق:-
_ أختها عندها سرطان يا قُدس مش شوية برد، أكيد حالتها صعبة وتعبانة بس اللى بتفكريه فيه مش هيحصل

دمعت عينيها بحزن شديد من عناده وأستدارت له غاضبة ثم قالت بضيق أكبر:-
_ أنت ليه مُصمم توجعني وخلاص، أنا فيا اللى مكفيني مش يمكن اللى حصل دا يكون سبب عشان أعالج أختي

أتسعت عينيه بصدمة ألجمته وأنقبض قلبه وجعًا بسبب زوجته وهى تستغل ما حدث لها وقتل أطفالهما لصالح أختها وكأنها لا تهتم لما حدث ، ألتف إلى "قُدس" بذهول وقال بدهشة:-
_ دا بس اللى فارق معاكِ ، إن دا حصل عشان يكون سبب تنقذي أختك، وولادنا اللى ماتوا وحياتك اللى كانت هتروح فيها مفرقوش معاكِ وأنـــــــــــــــــــــا

صرخ فى وجهها بغضب سافر فتنهدت بهدوء رغم صراخه الذي أفزعها وقالت بنبرة جادة صارمة:-
_ أنا أكتر واحدة أتوجعت فى اللى حصل، أنا وبس اللى كنت بين الحياة والموت بين أيدهم ومع ذلك بصبر نفسي على وجعي وبقول ظهور ليان فى الوقت دا عشان يصبرني على اللى حصل لكـــــــــــن لو هنفكر فيها بطريقتك يبقى لازم تسأل نفسك عن السبب؟ 

عقد حاجبيه بخنق ويرمقها بعيني ثاقبة يتطاير منها الوجع والحسرة ولسانه يسألها ببرود مما فهمه وترمي له زوجته:-
_ قصدك أى يا قُدس؟

_ قصدى لازم تسأل نفسك مين السبب فى خسارة ولادي، لازم تسأل نفسك أنا ليه حصل فيا اللى حصل وهتعرف أن لو فى سبب لكل الوجع اللى أنا عايشاه هيكون هو أنت
قالتها بغضب وعينيها تذرف منها الدموع الحارة تعبر عن وجعها الذي تكبحه بداخلها ولم تبوح به والصمود الذي تحلت به سقط الآن بعد أن ضرب "الجارحي" بحديثه قلبها الصغير فى الحائط ولا يبالي، تابعت الحديث بحسرة أكبر صارخة:-
_ إنت السبب، حتى لو كانوا أهلى وحد من البيت دا هو اللى عملها فهو عملها بسببك لانك قبلت مالهم، لو فى حد أتأذي بجد فهو أنا لأن أنا دفعت ثمن خطايا انا مرتكبتهاش 

صمت "الجارحي" تمامًا مذهولًا من حديث محبوبته الصغيرة، أقترب بخطواته البطيئة والدهشة تحتل عينيه العسليتين لا يستوعب حدثها وهى تضع بكلماتها الحادة قتل أطفاله على كاهله وكونه السبب فى خسارة حياة أبناءها، مسك ذراعها بحدة وجذبها بقوة نحوه ثم قال بدهشة وعينيه تلتهمها بنار الغضب:-
_ إنتِ بتتهمني بأيه، بوصية ميت؟ دى وصية جدك وأنا روحت أديهم حقهم بس هم شياطين ، بتشيلني أى دلوقت؟

لم تعقب على حديثه وأنتفض جسدها ذعرًا من قضبته وعينيه التى يتطاير منها الشر، دفعها للخلف بضيق تاركٍ ذراعيها فدمعت عينيها بوجعها وتّطلع به بقهرة لم تكن تعلم أن الزواج من حبيبها سيكون شاقٍ هكذا، أعتقدت أنها بلطفها وبراءتها ستجعله يُحبها كما تُحبه ولو قليل لكن مُنذ ان تزوجته والحياة عسيرة جيدًا بينهم ولم تنعم بليلة واحدة فى هدوء وحُب، تأفف "الجارحي" بغيظ مما يشعر به بداخله وغصات قوية تمزق صدره والفراق أحتل كيانه بألمه بدءٍ من سرقته لحياة جده والآن أطفاله، مسكها من معصمها بعنف وسحبها إلى صدره يطوقها بحنان رغم المناوشات القائمة بينهما لكن بداخله شيء قوي يجذبه إليها يجعله يرفض أن يتركها بحزنها وحيدها، تشبثت به بضعف وجهشت فى البكاء فرغم كل ما تمر به لكنها لا تملك سوى حُبه بداخلها، هذا الحُب هو الشيء الوحيد الذي يجعلها تتنفس بأريحية ويسعدها فى حياتها التعيسة، سمعت أنينه لتفزع من هول الصدمة وهى تحرك رأسها على صدره وتنظر للأعلى فرأت الدموع تسيل من عينيه، زوجها القوي الذي يقف أمام الجميع وهكذا الموت والمخاطر بدون رجفة جفن الآن يبكي مع صغيرته ، رفعت يدها إلى وجهه بحزن تجفف دموعه بلطف وحنية تغمر الصغيرة، رمقها بألم وقال:-
_ بالله عليكِ يا قُدس متصعبيش الحياة عليا أكتر، أنا حربي مع أهلى ومع أخويا وخسرت ولادي وجدي 

ذرفت الدموع من عينيها بحزن أكبر عليه ويديها تمسح لحيته الكثيفة التى بللتها الدموع ثم قالت بصوت دافئ:-
_ أنا هنا ومش هسيبك يا جارحي، مش هسيبك ألا لو قلتلى أمشي .. إنت عارف أنى بحبك 

صمت لسانه تاركًا لعينيه هذه اللحظة ليتطلع بـ "قُدس" فتاة صغيرة ستكمل التاسعة عشر من عمرها بعد أيام ورغم ذلك تحمل له الكثير من الحُب ودائمًا تفضله على حالها، يبدو أن كل شيء صالح فعله فى حياته كأن هديته هذا الحُب الكامن بقلب هذه الفتاة، ضمته إليها رغم قُصرها الشديد أمامه ليبكي فى صمت بين ذراعيها دون أن يخجل من وجودها، الوجع يحتل قلوبهما ويمزق أحشاءهما لكن كلاهما لا يملكان شيء أن يربتا على بعضهما، أنتهت نوبة البكاء بينهم حين أخذها إلى المرحاض وتؤضأ أمامها ووقف يراقبها هى تفعل المثل ثم خرجوا ليفتح دولابه الصغير وأخرج منه صندوق هدايا أزرق اللون وأعطاه لها ففتحت الصندوق وكان بداخله إسدال صلاة باللون الأزرق الداكن ومصحف ملون قطيفة من الخارج باللون الأزرق ومعهم سبحة للتسبيح مصنوعة من الكريستال اللامعة باللون الأزرق المُفضل لها، نظرت إليه ليقول بنبرة خافتة:-
_ أنا جبتهملك هدية جواز بس مجتش فرصة أن أديهملك 

أومأت إليه بنعم ورُسمت بسمة على شفتيها من الفرحة وأرتدت الإسدال فوق بيجامتها بسعادة تغمرها ويكفى أن حبيبها جلب لها هدية لأول مرة ، تبسمت بعفوية بسمة مُشرقة وقالت:-
_ شكله حلو!!؟

أقترب خطوة منها بسعادة ولف لها حجاب الإسدال بلطف وتتطلع بوجهها بذهول من جمالها فى الحجاب واللون الأزرق جعل بشرتها البيضاء تتلألأ أكثر وينيرها فقال بهمس مُعجبٍ بجمال زوجته:-
_ سبحان الخالق، وكأن الجمال كله أتخلق فيكِ يا قُدس

نظرت فى المرآة على شكلها وضحكت بلطف ولأول مرة مُنذ أن ولدت ترى نفسها فى الحجاب فتمتمت بحُب:-
_ شكلي حلو

أومأ إليها بسعادة ثم أخذها من يدها وخرجوا إلى غرفة مجاورة لغرفة مكتبه وبابها يطل على صالة الشقة خارج الرواق الضيق، فتحها بمفتاح يحمله فى جيبه ودلف يفتح الضوء لتُدهش من جمال الغرفة وكانت الغرفة مُقسمة إلى نصفين بحاجز خشبي جميل الأول مرسم صغير لمحبوبته التى تعشق الرسم وهناك مكتب اعلاه مكتبة مليئة بالكتب والمكتب سطحه ملأ بالألوان جميع الألوان والخامات والأنواع الموجودة فى العالم، أم النصف الأخرى من الغرفة فكان عبارة عن ركن للصلاة وبالأرض سجادتين للصلاة واحدة سوداء تخصه وبعدها بخطوتين الأخرى باللون الأزرق لأجل محبوبته محفور عليها أسم "قُدس" بخيوط من الذهب فنظرت إلى "الجارحي" بذهول مما تراه ومتى جهز كل شيء يحمل أسمها؟ إذا كان مرغومًا على الزواج بها متى نقش أسم "قُدس" على كل شيء؟ سالته بتلعثم من هول الدهشة التى أصابتها:-
_ كل دا عشاني؟ بس أزاى وأمتى؟ وليه؟، أنا جوايا ألف سؤال وحيرة كبيرة حطتتني فيها؟

تبسم بلطف إلي صغيرته وقال:-
_ لما سافرتي يا قُدس، جمعولى عرايس كتير بس بعد اللى حصل أنا كنت حاسم أمرى أنى مش هتجوز حد غيرك، ثلاث سنين بصبر نفسي بقول أكيد هترجع مش هتفضل هربانة العمر كله؟ جهزت أوضتك وكل ركن فى الشقة عشانك وحاولت أعمل أى حاجة أعرفها او تيجي فى بالي تسعدك، بحثت على النت أزاى تجهز شقتك للجواز وأى الحاجات اللى أى بنت تحبها تكون فى بيتها؟ حاولت أفهم دماغ البنات شوية عشان أرضيكي ، عشان كنت عارف إنك مش هتكوني سعيدة فى جوازة بالإجبار فحاولت أعمل أى حاجة تسعدك لما تيجي بيتي؟ 

تنهدت بحرج من حديثه وخصيصٍ أنه يعرف الآن أنها خدعته فى الزواج ولم يأذيها بالقدر الكافى لتجبره على الزواج بها فتمتمت بضيق:-
_ الشعور بالذنب صعب أوى كدة؟

هز رأسه بنعم ثم رفع يده يمسك وجهها بين راحتى يده وعينيه تغرق فى عينيها الخضراء الساحرة بجمالها وقال:-
_ أنا كنت فاكر أنه شعور بالذنب وتأنيب ضمير لكن أكتشفت أنه ....

تلجم لسانه ووقفت الكلمات فى حلقه بصعوبة ولم يقوى على لفظ شيء أكثر من ذلك فسألت "قُدس" بعفوية منتظرة بقية الحديث وأنه يكن لها المشاعر مثلها تمامًا:-
_ لكن أى؟

_ مفيش
قالها بخفوت ومرة أخرى منعه كبرياءه العنيد من الأعتراف بدوامة المشاعر التى يعيش بها فهزت "قُدس" رأسها بلطف رغم حزنها من مقاطعة حديثه وقالت ببراءة:-
_ ماشي عمومًا شكرًا على الحاجات الجميلة دى كلها، أنا عمرى ما تخيلت حتى أنك تجبلى هدية وإنت النهاردة جبت كتير أوى ، شكرًا يا جارحي

تبسم بحرج وعبوس يتحل ملامحه من تجمد لسانه بعد أن ربت كثيرًا لهذا الأعتراف خائفًا أن تتركه بعد فقد أطفالها كما خططت من البداية لكنه فشل بسبب كبرياءه اللعين، وقف أمامها وبدأ قيلم الصلاة معها وهى خلفه بخطوتين لتكن أمنيته الأولى فى الزواج أن يصلى بزوجته تحققت مع هذه الصغيرة، أنهى الصلاة وجلس يقرأ القرآن بصوته العاذب ووضعت "قُدس" رأسها على قدميه مُستمعة للقرآن بصوت زوجها الجميلة ووضع يده على رأسها أثناء قرأته حتى شعر بثقل رأسها حين غاصت فى نومها فتوقف عن قراءة القرآن وتطلع بها، كانت جميلة جيدًا فرفع يده الثانية للأعلى وقال برجاء:-
_ يارب أصلحني ليها وأصلحها ليا، اللهم أنى أسألك خيرها وخير ما جلبتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جلبتها عليه ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، يارب لا تفرق بيني وبينها فأنت من وضعت حبها فى قلبي وتعلم إن سعادتي لا تكتمل إلا بقربها فاللهم أحفظها لي ولا تكتب عليها حزنٍ ولا مرضٍ 

كان لأول مرة يعترف بحبها الذي زرع فى قلبه فى دعاءه لها، ذزفت من عينيه دمعة أثناء الدعاء فمسحها سريعًا بخجل بعد أن سمعها تقول:-
_ اللهم آمين

نظر نحوها ليراها تُجيب على دعاءه وهى مغمضة العينين وقد سمعت كل كلمة تفوه بها وخصيصًا اعترافه بحبها، ظل يحملق بها بينما هى لم تفتح عينيها لتحرجه أكثر أمامها ......  

_________________________ 

( فيلا مدينتي )
سار "كريم" فى البهو مُتجه إلى غرفة زجاجية تعلو الأرضية بأربعة درجات، صعد الأربعة درجات الرخامية وفتح الباب الزجاجي وولج، كان "جلال" منغمسًا فى شروده بهذه الفتاة التى ظهرت فى أرضه فجأة، مغمض العينين داخل حمام السباحة ومتكأ بظهره وذراعيه على الحافة الرخامية وبين شفتيه سيجارة ينفث دخانها ببرود، تنحنح "كريم" بهدوء ليُفتح "جلال" عينيه ورفع سيجارته عن فمه ويقول:-
_ قول اللى عندك؟

_ اللى عندى بخصوص الدكتورة 

وضع "جلال" السيجارة بعيدًا وخرج من حمام السباحة يقول بجدية:-
_ هات اللى عندك يا كريم كاش مش هتقسط الكلام بالتنقيط 

تنحنح "كريم" بقلق وعينيه تراقب "جلال" عن كثب وهو يجفف صدره وشعره بالمشفة ثم جمع شجاعته فى الحديث  وهتف قائلًا:-
_ دخلت المستشفي من يومين وأتحجزت هناك لأن حالتها فى خطرة 

أتسعت عيني "جلال" على مصراعيها وأنقبض قلبه بصدمة ألجمته وخصيصٍ من الكلمة الأخيرة ومرضها الخطير، تحدث بانفعال شديد وقدميه تطوي الأرض طيًا:-
_ جهز العربية؟

دهش "كريم" من طلب رئيسه وتمتم بتلعثم من هول الصدمة التى سقطت على عقله الآن:-
_ حضرتك هتروح لها؟

مسكه من قميصه بغضبه وعينيه يتطاير منها الشر ويكاد يلتهم اى شخص الآن وقال بتهديد:-
_ نفذ اللى بقولك عليه يا كريم من غير سؤال، من أمتى وأنا بتسأل رايح فين وجاي مين ؟ ولا يكش هأخد الأذن منك؟

دفعه فى الحائط وخرج من غرفة حمام السباحة وصعد إلى غرفته يرتدي ملابسه حتى يذهب إليها ولم يبالى بالتوقيت ، وصل إلى المستشفى وكانت الساعة الرابعة فجرًا فمنع الأمن من الدخول وقال:-
_ ممنوع يا فندم فى ميعاد للزيارة ممكن تيجي فيه؟

سحبه "جلال" من ملابسه بقوة غاضبٍ وكيف تجرأ أحد على منعه ليدفعه إلى "كريم" الذي أخرج مسدسه وهكذا رجاله الذين خرجوا من سيارتهم وأخرجوا أسلحتهم ليدخل المستشفى بالقوة تحت تهديد السلاح وصعد إلى غرفتها بينما "كريم" وقف مع مدير المستشفى يمنعه من تقديم بلاغ للشرطة ودفع ملبغ مليون جنيه كتبرع للمستشفى ، فتح باب الغرفة ودلف ليرى "الأضواء خافتة و"ليان" نائمة فى فراشها فأقترب بهدوء حتى لا يقظها ووقف يتطلع بوجهها الشاحب وظهر عليها أعراض المرض وذبلت صغيرته المتمردة، أنحنى وهو لا يُصدق أن الحياة أعطته فتاة كفرصة تبدل حياته الباهتة وسرقتها فى نفس اللحظة، مسح على رأسها بحنان ففتحت "ليان" عينيها ورأته يقف أمامها فدُهشت وهى تبعد يده بعيدًا عنها قائلة:-
_ إنت أى اللى جابلك؟ 

أعتدلت فى الجلوس ليجلس أمامها وقال بجدية:-
_ متصلتيش بيا ليه؟ مش حذرتني مردش على أتصالك ، متصلتيش ليه؟

نظرت تجاه النافذة وقالت بجدية:-
_ واتصل ليه؟ أنت فاكر نفسك أي؟ 

تأفف بضيق من تصرفها البارد وكز على أسنانه من الغيظ، لا يُصدق أنه جاء إليها في هذا التوقيت وهجم على المستشفى حتى يدخل لها وهى تعامله بهذا البرود، وقف بكبرياء جُرح على يد الصغيرة وألتف لكى يغادر لكن استوقفته "ليان" تقول:-
_ أقعد

نظر إليها بدهشة فقالت بغيظ من حياتها المؤقتة:-
_ أقعد ، إحيانا بيكون الناس العابرة فى حياتنا ليهم فايدة، على الأقل تقدر تسمعني لأنى مش لاقية حد يسمعني

جلس من جديد وعينيه ترمقها بغيظ من جلفها فى الحديث وقال:-
_ بعض النظر عن لسانك ودبشك بس هسمعك

نظرت له بفضول وقالت بدهشة:-
_ صحيح أنت دخلت أزاى؟

_ أنا مفيش مكان معرفش أدخله، دخلت بالسلاح
قالها بغرور فرئيس عصابة مثله ومجرم مما سيخف، سألته بعفوية مُعجبة بجراءته:-
_ بجد، طب تعرف تخرجني من هنا أشم هواء وأرجع

هز رأسه بنعم بغرور وفخر من سلطته وقوته، أخذها معه وهى تتكأ بذراعه وتمسك الحامل المعدني الخاص بالمحلول وتدفعه معها، نزلوا للأسفل وبدأت تخبره عن خيباتها وحياتها التى قُلبت رأسًا على عقب فتحدث بدهشة:-
_ يعنى أهلك طلعوا مش أهلك!!

أومأت إليه بنعم وتابعت ببرود قائلة:-
_ اه ميزة وعيب؟

نزع سترته الجلد ووضعها على أكتاف الفتاة يحميها من البرد خائفٍ أن تمرض أكثر من هواء الفجر، وسألها بدهشة من حديثها قائلًا:-
_ أزاى؟

تنهدت بحيرة تغمرها وعينيها تحملق بوجه "جلال" بيأس:-
_ عيب لأن لما أموت هيتعذب العائلتين على موت بنتهم، كان كفاية أوى عليا هم امى وأبوبا عشان يظهر عائلة كاملة أب وأخت وعم وعمة ونيلة خالص 

ضحك بخفة على حديثها لتتابع الحديث وهى تضع ذراعها فى ذراعه بعفوية تتكأ عليه بينما حركتها جعلت القشعريرة تسير فى جسده:-
_ وميزة لأن الدكاترة بيقولوا أن كدة فى نسبة كبيرة أنى أخف بعد ظهور أخت توأم ليا وهى المتبرع الأساسي ليا

فزع من كلمتها بسعادة ووقف أمامها ليسقط ذراعها جانبًا، نظرت على لهفته وحدقت به بينما يقول "جلال" بحماس:-
_ طب دا خبر كويس، حددتوا ميعاد العملية

سحبته من ذراعه من جديد وتبأطت ذراعه بيأس وقالت بجدية:-
_ مش بالسهولة دى، أختى حالتها صعبة وجوزها رافض تمامًا العملية لأنها كانت حامل ودلوقت طلع عليها ناس من أسبوع وسقطوها وجسمها ضعيف 

_ جوزها!!
قالها بغضب شديد أحتل ملامحه وكز على أسنانه بنار أشتعلت بداخله ثم سألها بحدة عازمٍ أمرهِ على أن ينقذ حياتها مهما كلفه الأمر حتى لو أجبر أختها على دخول غرفة العمليات تحت تهديد السلاح:-
_ مين جوزها؟ 

رفعت "ليان" حجابها بضيق وقد فهمت ما يفكر به لتقول بتهديد وهى ترفع سبابتها فى وجهه:-
_ إياك تفكر فى حاجة تأذيهم؟

_ أخلصي مين جوزها؟ أنا هتصرف مالكيش دعوة 
قالها بحدة فرفضت أن تُحدثه عن هوية عائلتها خائفة عليهم منه فمسك "جلال" يدها بقوة يمنعها من الحركة من أمامه وقال بضيق:-
_ مش هأذيهم بس على الأقل هوصل لحل وسط معه مش قولتي إجهضت يعنى مفيش أذية ليها، هتكلم معه 

صمتت للحظة ولم تُجيب عليه وقالت مُتجاهلة الحديث:-
_ أنا تعبت رجعني أوضتي

تأفف بضيق شديد من عنادها فأنحني قليلًا وحملها على ذراعيه وسار فى الحديقة حتى وصل إلى باب المُستشفى ودلف بها فى صمت، وضعت رأسها بتعب على كتفه ليشعر بحرارة أنفاسها الدافئة تضرب عنقه فقشعر جسده بعفوية وهذه الفتاة ستجعله يهدم العالم لأجلها ، وصل إلى غرفتها ووضعها على الفراش فتمتمت بتعب وصوت خافت:-
_ إياكِ يا جلال تأذيهم

أومأ إليها بنعم وانحنى ليضع قبلة على جبينها بدفء مما جعلها مصدومة وأتسعت عينيها على مصراعيها بذهول من تصرفه ، أبتعد عنها ونظر بعينيها يقول:-
_ مش هتأخر عليكِ هرجعلك تاني

خرج من الغرفة وكانت الساعة السادسة صباحًا، نزل إلى الأسفل وكان "كريم" ينتظر مع رجاله فقال بحزم شديد:-
_ أعرفيلي مين أهل ليان، وأختها التوأم هاتلى كل المعلومات عنها هى وجوزها قبل الظهر

تمتم "كريم" بذهول يقول:-
_ أهل مين وتوأم أى؟ 

_ أهلها الحقيقين غير فتحى محفوظ، هاتلى كل البيانات عنهم ضروري
قالها ثم صعد إلى سيارته لينطلق إلى منزله ويبدأ "كريم" البحث عن أهل "ليان"....

_______________________ 

كان "الجارحي" جالسًا فى مكتبه داخل المصنع فدلف السكرتير يقول بهدوء:-
_ فى واحد برا عايز يقابل حضرتك؟

_ مين؟
قالها ببرود شديد فأتاه صوت "جلال" يقول:-
_ جلال الصياد

ألتف "الجارحي" وهكذا السكرتير تجاه الباب فولج "جلال" بغرور وعيني "الجارحي" تتفحصه رجل يرتدي بدلة سوداء فنفس عمره تقريبًا وعينيه حازمة وباردة، أشار "الجارحي" له بأن يجلس ثم قال:-
_ هات قهوة للأستاذ لما نشوف مين البيه؟

_ سادة
قالها "جلال" بسخرية وغادر السكرتير ليعود "الجارحي" بظهره للخلف بغرور ثم قال بحزم:-
_ أفندم

_ أنا راجل دوغرى وماليش فى اللف والدوران، الأول أنا اسمى جلال الصياد رئيس عصابة الصياد كل أنواع الأجرام هتلاقي
قالها بفخر ودون أن يخشي شيء فضحك "الجارحي" بسخرية من هذا الحديث ومال برأسه قليلًا ثم قال بجدية:-
_ المفروض بعد المُقدمة دى أخف وأكش ... 

_ أنا بقدم للعملاء بتوعي كل الخدمات اللى يحبوها، قتل ، خطف ، سرقة ، بيع مخدرات ، سلاح ، أثار ، انتقام، أنا كمان بقدم خدمة التنقيب عن شوية غجر سقطوا المدام
قال جملته الأخيرة بنظرة ثاقبة لملامح "الجارحي" التى تبدلت مع عرضه الأخير وأعتدل فى جلسته يقول بدهشة:-
_ نعم!!

تبسم "جلال" بتكبر وقال بسخرية من دهشة "الجارحي":-
_ بس أكيد مش مجانًا

وقف "الجارحي" من مكانه وألتف حول المكتب بغضب يحتله وقال:-
_ أطلع فى النور وكلمني بصراحة، أنت عايز أي

وضع "جلال" قدمه على الأخرى بغرور وهتفت بصوت هادئ جدًا رغم حدته:-
_ النخاع

جلس "الجارحي" على المقعد المقابل لـ "جلال" وعلامات الدهشة ظهرت فى ملامحه وأنقبض قلبه من هذه الكلمة وقال بغضب يكبحه قدر الإمكان قبل أن يضرب هذا الرجل:-
_ مش فاهم

_ أجبلك عرضي بصراحة، أنا هجبلك اللى سقطوا مراتك لحد عندك ولو عايزين انتقم لك منهم بدل ما توسخ أيدك معنديش مانع هعمل كدة فور فري لأجل عيون الغالية، وفى المقابل تدينى نخاع قُدس
كان يتحدث بهدوء شديد ليرى الدهشة تزداد على وجه "الجارحي" الذي تشنج جسده وتجمد محله من هول الصدمة، وقف "جلال" من مكانه وأغلق زر سترته كي يغادر ثم قال بجدية:-
_ خلى بالك يا جارحي بيه عرضي مش سارى لمدة طويلة وكمان متنساش أن قُلتلك من ضمن خدمتي خطف وقتل يعنى أعرف أخده بالقوة 

وقف "الجارحي" من مكانه بغضب من تهديده له بحياة "قُدس" ولكمه بقوة فى وجهه وعينيه يتطاير منها الشر والمكر ثم قال بتهديد:-
_ جرب تقرب من قُدس ، وأنا أوريك بقى الخدمات اللى أنا بقدمها

 سقط "جلال" على المقعد من قوة لكمته وأنكسر الكوب على الأرض ، مسك "جلال" ذقنه بغضب من فعل "الجارحي" وكانت المواجهة بين أسدين كلاهما قوة وشرس بطريقته، دلف "كريم" وهكذا "يزيد" من صوت تكسير الزجاج وحين رآه الأثنين أخرج كلا منهما مسدسه وصوبه على الطرف الأخر فهتف "جلال" بهدوء:-
_ خلاص يا كريم، بالمناسبة عدوك مش من عيلتك.... دى معلومة مجانية للإغراء ... معاك لبكرة الساعة 12 الظهر وبعدها متلومنيش 

غادر "جلال" تاركًا " الجارحي" فى صدمته وسقط على المقعد مذهولًا من هذا الرجل الذي ظهر من العدم ويعرض له عدوه وقاتل أطفاله مقابل أجراء "قُدس" للجراحة، معلومته الأخرى كانت مُرعبة فإن لم يكن العدو من داخل بيته فمن يكن؟؟ .....


• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية

تعليقات