رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الرابع عشر 14 - بقلم نورا عبد العزيز
رواية
الفصـــــــــل الرابـــــــــــع عشـــر ( 14 )
بعنـــوان " عالقــــــــــــــــــــون كالدمُي "
صوت الموسيقى الهادئة وأغنية وردة تملأ المطعم وكل طاولة تحمل الكثير من الحكايات والأسرار بين أشخاصها المؤقتين الذين يتغيروا بين ساعة وأخرى، كانت "هدير" جالسة على طاولة فى زاوية المكان بجوار الحائط الزجاجي وتنظر لمياه النيل بجانبها صامتة بضيق واضح فى ملامحها العابسة فتنهد "مصطفى" الجالس مقابلها وأخذ رشفته من القهوة ثم وضع الفنجان الأبيض أمامه فى صمت وعينيه تراقبها ثم هندم نظارة نظره المستطيلة وقال بنبرة أكثر هدوءٍ :-
_ أنا مُقدر جدًا فترة تعب والدكِ يا هدير ، لكن أنا إجازتي بتخلص ودى مش بأيدي ، الأول مينفعش دلوقت عشان خطوبة ليل وبعدها مشاكل قُدس وقرار طلاقها ومن ثم محاولة قتل الجارحي ، أنا قدرت وأستنيت كثير لو مش واخدة بالكِ
أدرات رأسها إليه تحملق به ثم تحدثت بنبرة قوية غليظة:-
_ أعمل أي أتخطب وأبويا فى المستشفى ، يعنى خلاص هموت على الجواز لدرجة انى مهتمش بمرض أبويا، كل اللى فات كوم ومرض أبويا كوم يا مصطفى
تنهد بهدوء شديد وهو يريدها بحق ومُقيدٍ بفترة وجوده داخل مصر ثم قال بعجز:-
_ طيب أى الحل اللى عندك ليا، أنا لازم أرجع أنجلترا أخر الشهر ، أنا كل اللى أقدر عليه أستن وأنا بتمني أن والدك يفوق ويسترد صحته خلال الثلاث أسابيع الباقين وأنا راضي وموافق يا ست البنات أخطبك وأنا حتى فى المطار وأروح أظبط أموري هناك وأستن إجازة قريبة وأحاول أقنع المستشفى والمركز اللى انا متعاقد معه وأنزل أتجوزك لما يسمحولى ، أنا راضي بأبسط الأمور لأنك أغلى من أى تفاصيل وطقوس للخطوبة لكن هل إنتِ مستعدة بقى لو بعد الشر باباكِ مفاقش خلال الثلاثة شهور دول أخطبك وأنا حتى فى المطار ولا هيكون نفس موقفك دا أن مش هتعملى حاجة ولا هتأخدي خطوة غير لما تطمني عليه
صمتت بعجز عن الرد لينزع نظارته عن عينيه بحزن من استسلمها ثم قال بجدية:-
_ فكري فى اللى ناوية عليه وأنا معاكِ وشارياكِ يا هدير لأخر لحظة ، أنا كل اللى فارق معايا ومهتم به أنى أرجع أنجلترا فى بينا حاجة رسمي عشان قلبى يطمن إنكِ له
_ بس أنا مش هتجوز من غير أبويا يا مصطفى وسميها أنانية ، سميها أنى بايعة زى ما تحب ، انا أبويا أولًا
قالتها بضيق شديد ليهز رأسه بنعم وقد وصله الجواب فأخرج محفظته ووضع النقود على الطاولة ثم غادر أولًا ، نظرت عليه وهو يسير بعيدًا بحزن شديد ثم رن هاتفها وكانت "قُدس" تبكي بذعر وأنهيار تنقل لها خبر وفأة "حمدى" فسقط الكأس من يدها أرضًا من هول الصدمة وأستدار الجميع من بينهم "مصطفى" على صوت الزجاج فذعر عليها وذهب نحوها بخوف ......
___________________________
(فى الإسكندرية )
كان "فتحى" جالسًا مهمومًا بعد ما علمه من "ملكة" فجاءت إليه "ياسمين" وقدمت له كوب الشاي الساخن ثم قالت بحزن:-
_ يعنى أهلها عايشين؟
_ وعندها أخت توأم، يعنى علاجها موجود 100 %
قالها "فتحى" بيأس سيطر على نبرته كملامحه وقد أدرك أن علاج ابنته سيكون ثمنه الحقيقي خسارته لها ، تنهدت "ياسمين" بضعف وقالت بنبرة واهنة:-
_ يعنى ليان كدة خلاص ، هتسبني
نظر إلى زوجته بحزن وأخذ يدها بين راحتي يديه يربت عليها بحنان ثم قال:-
_ نصيب يا ياسمين، نصيبنا لازم نقول الحمد لله ، متبقيش ضعيفة كدة على الأقل لحد ما نعرف هنوصلها الخبر أزاى وهنوصل لأهلها أزاى وبعد كدة ربنا يرحمنا ويصبرنا
دمعت عيني زوجته بقهرة وقالت بعبوس:-
_ بس أنا ربتها زى بنتي كأنها قطعة من روحي ، أه أنا مولدتهاش بس دى تجتلى طفلة يوم واحد يعنى ربتها من ساعة ما شرفت الدنيا، أتقيت ربنا فيها وعاملتها أحسن من أى أم، ليه أتحرم منها يا فتحى، ليان بنتي أنا وأهلها اللى بتكلم عنهم دول ميعرفوش عنها حاجة وجاي دلوقت تقول أنك هتأخدها ليهم
كاد أن يتحدث لكن قاطعه صوت "ليان" التى سمعت الحديث تقول بصدمة:-
_ أى
ألتف الأثنين نحو الصوت وكانت "ليان" تقف محلها مصدومة وكأنها تقف على حافة الهاوية، وقفت "ياسمين" بحزن مصدومة مما حدث وقالت بضعف:-
_ ليان
دفعتها "ليان" بقوة بعيدًا عنها وقالت بصراخ تحاول أستيعاب ما سمعت:-
_ يعنى أي مولدتنيش، ولا إنتِ تعرفي ليان تانية، يعنى أى ؟
صرخت بقوة وعينيها تتساقط منها الدموع فأقترب "فتحى" منها بهدوء وقال بنبرة لطيفة محاولٍ إخماد نيرانها:-
_ أهدئي يا ليان وأنا هشرحلك
ألتفت إليه بانفعال شديد وقالت بصوت قوي هز جدران المكان كاملًا:-
_ تشرحلى أي؟ تشرحلي أنكم خدعتوني 19 سنة وحرمتوني من أهلى 19 سنة، تشرحلي أنى عيشت عمرى كله مخدوعة ومصدقة شوية كدابين
مسكتها امها من ذراعها بغضب وجعلتها تنظر لها بأنفعال ثم قالت بحدة صارمة:-
_ أخرسي، إنتِ بنتي أنا، أنا اللى ربت وتعبت وشيلت وغيرت وكبرت ، أنا اللى سهرت ليالي فى المستشفيات بيكِ وجريت على المدارس وأترجيت وأعتذرت، أنا وبس محدش تاني ، أنا أمك مهما تعملى ومهما تقولى
ضحكت "ليان" بسخرية وصوت عالى ثم قالت بتهكم:-
_ بأمارة أى؟ بأمارة إنكِ سرقاني من أهلى
جذبتها "ياسمين" بحنان ومسحت دموعها بلطف ثم قالت بحسرة وحزن:-
_ والله أبدًا، ربنا شاهد عليا وعلى أبوكِ، إحنا أتقالنا أن أهلك ماتوا فى حادثة، أنا ربتك وصونك لأن أتقالي أنك هتترمي فى ملجأ ، قُلت يمكن ربنا حرمنى من الخلفة عشان يبعتك ليا وأرضي بيكِ ، أنا مسرقتكيش، والله يا ليان
أنهارت "ليان" من البكاء بقوة لتضمها "ياسمين" إليها فتشبثت الطفلة بها وهى تصرخ وتجهش بكل طاقتها من الآنهيار ليقترب "فتحى" منهما ويضمهما بحنان ثم قبل جبين ابنته وقال:-
_ سامحينى يا بنتي، بس أنا هعوضك وهقلب الدنيا على أهلك وأرجعك ليهم
_ وهتسبني
قالتها بضعف وهى بين ذراعيهما ومازالت هذه الصغيرة تعتبرهما أهلها الحقيقين، كل ذرة حُب زرعوها بداخلها ما زالت تنبت بدفئهم ولطفهم، مسح على رأسها بحنان ثم قال ببسمة خافتة:-
_ وقتها القرار يبقي ليكِ ، بس لازم تعرفي أننا حبناكِ بعمرنا كله ولسه بنحبك
لتنهمر الدموع من عينيه هو الأخر وبدأ الليل المُظلمم بجراحه على الأسرة الصغيرة يتوارى على قلوبهم وينهش فى عقولهم......
___________________________
صوت القرآن يعم المكان وشقة "وصيفة" و"مديحة تحولت لأستقبال النساء فى عزاء "حمدى" واللون الأسود عم المكان وملأ قلوبهم الحزن ووجع الفراق، الدموع لم تجف من عيون الجميع وخبر وفأة الجد "حمدى" نزل على الجميع كالصاعقة ، جميع الأقارب والأغراب والمعارف فى حالة من الحزن الشديد بسبب سيرته الطيب، رحل الجميع وأقتربت "هدير" من والدتها بحزن تربت على يدها وقالت:-
_ قومي يا ماما أرتاحي وأدعيله
أجابتها بكلمات متقطعة وسط بكاءها الشديد وحسرة قلبها:-
_ ربنا يصبر قلوبنا يا بنتي ، فراقه صعب أوي
جهشت "هدير" فى البكاء من جديد بقهرة لتقترب "آسيا" منها وكانت أكثر تماسكًا وصلابة وربتت على كتف أختها بحنان ثم قالت:-
_ وحدي الله يا هدير، بابا فى مكان أحسن دلوقت، أدعيله واقرأله قرآن يا حبيبتي
_لا إله ألا الله
قالتها بحزن وهى تمسح أنفها بالمنديل ثم نظرت حولها وقد تذكرت الصغيرة المنسية وسألت بقلق:-
_ فين قُدس؟
تذكر الجميع أنها مُختفية وبدأوا يبحثوا عن الصغيرة وخرجت "أسيا" مع "هدير" للخارج لترى "هادي" و"الجارحي" يقفوا أمام باب العمارة مع "مصطفى" و"فؤاد" لفسألت بفزع:-
_ هادى مشوفتش قُدس
نظر الجميع على سؤالها فتحدثت "أسيا" بقلق:-
_ أنا دورت عليها فى كل مكان ومش جوا، مخرجتش قصادكم
فزع الجميع على أختفاء الفتاة وخصيصًا زوجها الذي أقترب بذعر قائلًا:-
_ يعنى اى فين قُدس، هى مش معاكم جوا
هزوا رأسهم بلا، ركض للداخل بخوف على زوجته وبدأ الجميع البحث عنها ، صعد إلى شقته ربما صعدت هناك وحدها وبحث فى كل مكان عنها ثم خرج من الغرفة وهو يقول:-
_ من هنا؟
صرخت "هدير" بقلق:-
_ يعنى أى مش هنا؟
ركضت للأسفل مع "هادى" الذي شعر بالخوف على ابنته رغم الخصام القائم بينهما وبدأ كل شخص يبحث فى مكان، رن "الجارحي" على هاتفها وهو ينزل الدرج لكنه سمع صوت ضعيف يأتي من الأعلى ، أستدار وهو يتبع الصوت حتى وصل إلى السطح توقفت قدمه بخوف ودائمًا ما يمنعهم "حمدى" من تخطي الدرجة الأخيرة للسطح وهكذا المكان لحفيدته المُدللة وحدها، تجرأ فى التخطى وولج للسطح ليراها جالسة على الأريكة مُنكمشة فى ذاتها وتضم قدميها إلى صدرها وتبكي بأنهيار دون صوت مُرتدية فستانها الأسود الطويل بأكمام وشعرها مُنسدل على الجانبين يخفى دموعها عن الأنظار، أقترب بحزن حتى وصل أمامها وجلس بجانبها فى صمت وهى تتبع البكاء وشهقاتها تمزق صدره حتى شعر بغصة فى قلبه لأجلها فرفع ذراعه ووضعه خلفها جاذبًا إياها إلى صدره لتتشبث بسترته بأناملها الصغيرة وتجهش أكثر فى البكاء وبدأت تٌتمتم بضعف وصوت مبحوح:-
_ سبني لوحدي ومشي... هو وعدني أنه هيكون معايا وهيشيل ابني ، بس هو سبني ومشي
رفع ذراعه الأخرى وربت على ظهرها بلطف ثم قال بصوت دافئ:-
_ أدعيله يا قُدس ، أدعيله وإحنا هنا معاكِ وأنا معاكِ أهو
ظلت تبكي بأنهيار فى صمت والتعب ظهر عليها ليخرج هاتفه وأرسل إلى "هادي" رسالة قصيرة يخبره بأنها وجودها ثم ترك الهاتف، مسح على رأسها بحنان وقال :-
_ كافيكِ بكاء يا قُدس
أومأت إليه بنعم ثم وقف وهو يمد يده إليها لتنظر مُطولًا إلى يده ثم إليه فهز رأسه بنعم ، وضعت يدها فى يده ليساعدها فى الوقوف وسارت معه خطوات بطيئة وضعيفة ويده الأخرى خلف ظهرها، شهقت بضعف وهى تقاوم الحزن الذي أفقدها وعيها وقبل أن تسقط تشبث بها بأحكام، ظل ينظر إلى وجهها وهى بين ذراعيه فاقدة للوعي ورأسها مائلة للخلف ورغم الحزن الذي يجتاحه من فراق جده ألا أنه شعر بغصة مُميتة مؤلمة فى قلبه لأجلها فأنحني قليلًا يحملها على ذراعيه ونزل بها إلى شقته، وضعها بالفراش برفق شديد ثم وقف أمامها ووضع يديه فى جيوبه بهدوء يتأملها ثم همهم بكلمات واهنة:-
_ عملتي فى قلبي أى يا قُدس؟ أنا مش حمل وجع القلب يا بنت عمي
غادر الغرفة حزينًا والحزن يكاد يقتله من فراق جده وقلقه على صغيرته ، أخذ حمام دافئ وخرج من المرحاض يجفف شعره المبلل بالمنشفة ليفزع عندما دلف إلى غرفته ورأى "قُدس" جالسة فى فراشه فتنحنح بحرج وقال:-
_ إنتِ بتعملى اى هنا؟
تحدثت بنبرة خافتة وعيونها تملأها الدموع قائلة:-
_ ممكن أنام هنا النهار دا
أبتلع لعابه بتوتر وترك المنشفة على المقعد المجاور بينما يقول بحرج:-
_ ما تنامي فى سريرك حتى هو أكبر من دا وهتنامي براحتك
_ ارجوكِ مش عايزة أنام لوحدي النهار دا
قالتها بحزن ليؤمأ إليها بنعم ثم أقترب من الجهة الأخرى من السرير وصعد به مُحرجًا جدًا من سريره الصغير، أعطاها ظهره بهدوء وألتزم بحافة السرير تاركًا لها المساحة الباقية للنوم بأريحية لكنه تجمد محله وتشنجت أطرافه عندما لفت ذراعيها حول خصره ووضعت رأسها على ظهره تحتضنه من الخلف وعادت للبكاء الصامت وأنينها يصل لأذانه ودموعها الحارة بللت تي شيرته من الخلف فأستدار إليها ورأى وجهها الحزن تدفنه للأسفل ليطوقها بحنان ويعز عليخ أن يراها مُنكسرة هكذا، ربت على ظهرها بلطف حتى أستسلمت للنوم وسط بكاءها فجففت دموعها بأبهامه ووضع قبلة على جبينها ثم وضع ذقنه فوق رأسها وغاص فى نومه هو الأخرى لتكن ليلتهما الحزينة هى الأكثر قُربًا بينهما ....
___________________________
جلست "مديحة" فى غرفتها حزينة والدموع تنهمر على وجنتها من الفراق ، فتحت "آسيا" باب الغرفة وهى تقول:-
_ تعالى يا ماما أنا عملت فطار خفيفة عشان نقدر نقف على رجلنا اليوم دا كمان
لم تُجيب والدتها ورفعت يدها تجفف دموعها ، أقتربت "آسيا" بدهشة ثم جلست بجوار والدتها وقالت:-
_ إنتِ بتعيطي يا ماما؟
_ أمال يا بنتي، دا عشرة عمرى كله وراح
قالتها بحزن ونبرة واهنة مُنكسرة، ربتت "آسيا" على ظهرها بلطف وقالت:-
_ ربنا يصبركِ ويصبرنا ، قومي كُلى لقمة عشان تقدري تقعدي مع الناس اللى جاية
خرجت مع ابنتها بحزن تتكأ بيدها على أبنتها لتجد "هدير" و"وصيفة" على السفرة فى شقتها وهكذا "ليل" و"خديجة" ، جلست معهم فى صمت، جلست "آسيا" تضع الطعام أمام ابنتها والجميع صامتون لتقول:-
_ كُلى يا ليل يا حبيبتي ... كُلوا يا جماعة ، الصوم دا مش هيرجع اللى راح وأنتوا ناس مؤمنة وكلنا رايحة
تساقطت الدموع من عيون الجميع فهتفت "آسيا" بلطف:-
_ كُلي يا خديجة دا إنتِ جواز أمام جامعة وابنك ازهرى ومؤمنة ، متصعبهاش علينا، مدوا أيدكم بسندوتش واحد حتى، يلا يا ليل يا حبيبتي وحدي الله وكلى سندوتش واحد مش هغصب عليكِ بأكتر ، متتعبيش قلبى معاكِ كفاية اللى أنا فيه
بدأ الجميع فى تناول الطعام بصعوبة والحلق يرفض بلع اللقمة من الحزن والجوف يخاصم اللذة من غصة الفراق، وبدأ يومهما الثلاث فى العزاء وبدأت السيدات يحضرن والرجال وصوت القرآن يعلو ويملأ الشارع بأكلمه ، جلس "عماد" على مقعده فى صمت بعد أن ظهر فى اليوم الثلاث وبعد أن أنتهي العزاء ورحل الجميع تحدث "عماد" بنبرة قوية يقول :-
_ بقولك أى يا حج؟
نظر "فؤاد" إلى ابنه بضيق وكانت "هدير" و"آسيا" يجهزون العشاء مع "سنية" و"وصيفة" منكمشة فى مكانها بحزن ودموعها لم تتوقف وتجلس "قُدس" بجوارها حزينة وشاحبة ، تحدث "عماد" بعد أن نظر "فؤاد" له ولم يُجيب قائلًا:-
_ بما أن الثلاث خلص والحياة خلاص هترجع لأصولها وهننزل أشغالنا والمحلات هتتفتح
رفع "فؤاد" نظره إلى ابنته وتوقفت "آسيا" عن ترتيب السفرة ووقفت تستمع بأهتمام وهكذا "هادى" الذي ترك كوب الشاي من يده وانتبه، تحدث "عماد" بجدية قائلًا:-
_ عايزين نكلم المحامي ونعمل إعلان وراثة وكل واحد يأخد حقه
دهش الجميع من حديثه وانتبه البقية إلى الكلام الحادة التى ألقاها هذا الحفيد فتحدث "هادى" بنبرة غليظة يقول:-
_ كل واحد يأخد حقه، أي الثقة اللى بتكلم فيها دي ليكن لك حق ولا حاجة يا شمام
أبتلع "عماد" لعابه بضيق ثم قال بنبرة حادة وتحدٍ:-
_ لا بس أبويا له وإنت عارف أبويا مالهوش فى التجارة لإانا هشيل أبويا
_ أخرس يا زبالة يا شمام ، دلوقت بقيت أبوك وعايز تورثني
قالها "فؤاد" بحدة ثم تابع بغيظ شديد:-
_ ما تروح تدفني مع أبويا كمان يا واطي يا قليل الأصل
تحدثت "آسيا" بغضب سافر من تفكير "عماد" قائلة:-
_ قاعد كدة وبتتشرط وبتقول أى اللى هيتعمل وهتأخد أى وأنت مالكش جنيه فيها، ما تظبط نفسك كدة يا حيلة أمك
كز على أسنانه وبدأ يحك لحيته بهدوء غاضبة من رفض الجميع والإهانة التى يتعرض لها على يديهما ثم قال:-
_ أنا بدور على مصلحتكم ، بكرة المحلات هتتفتح والشغل هيرجع مسألتوش نفسكم يا عمتى مين اللى هيدير وهيأمر وينهى فى كل حاجة... أجاوبك من غير ما تسألى الجارحي... يا ترى بقى الجارحي من الورثة الشرعيين ولا له جنيه ؟
صمت الجميع بعد كلماته الأخير فتبسم بخباثة على أسكات الجميع حتى أتاه صوت "الجارحي" من الخلف يقول بحدة صارمة:-
_ اه
ألتف إلى الجميع ليقترب بخطوات ثابتة منهم حتى وقف أمام "عماد" مباشرة وقال:-
_ اه هيدير وهأمر وهنهي .. مالي وانا حر فيه ليك شوق فحاجة
تنحنحت "آسيا" بضيق ثم قالت بعدم فهم:-
_ مالك اللى هو ازاى؟ المال دا مالي أنا وأخواتي يا جارحي
نظر إليها بحدة وكبرياء ثم تحدث بنبرة غليظة قوية أرعبت الجميع:-
_ لا يا عمتى، كان مالكم قبل ما جدى الله يرحمه يكتبلي كل حاجة بيع وشراء
أنتفض الجميع من هول الصدمة ووقف "هادى "من مكانه مصدومٍ و"مديحة" توقفت عن البكاء ونظر إلى "الجارحي" فتحدث "عماد" بنبرة خافتة مُتلعثمٍ:-
_ أنت كذاب
ضحك "الجارحي" بسخرية ثم قال بغرور أستفزازي:-
_ دا اللى بتتمني يا ابن أبويا، المحامي عندكم هيبلغكم بالوصية
تحدثت "مديحة" بنبرة غليظة صارخة به:-
_ والوصية دى أنت عرفتها أزاى؟
_ أمال هوثق عقود البيع والشراء أزاى يا ديحة مش لازم أمضي، كل حاجة ملكي حتى حتة الجبنة اللى على السفرة دى ملكي وأنتوا هنا قاعدين فى ملكى وبتأكلوا من مالي فأهدي على نفسك
قالها بحدة صارمة ثم تابع الحديث:-
_ لحد ما تقعدوا مع المحامي بقي كل الأمور هتمشي زى ما هي واللى قاعد فى شقة هيفضل فيها واللى له شهرية هتوصله وقبل ميعادها
صمت الجميع ليحدق "الجارحي" بوجه اخيه وأقترب منه يهمس فى أذنه:-
_ دا ضريبة العشرة مليون اللى طلبتهم مني ، أديك مش هتطلع بعشرة جنيه
نظر الجميع لبعضهم فى صمت ليقاطع صمتهم وصدمتهم الكارثة الأخرى حين سمعوا صوت رجل من الخلف يقول:-
_ السلام عليكم
ألتف "الجارحي" والجميع وكان "فتحى" يقف أمام باب الشقة فسأل "الجارحي" بهدوء:-
_ وعليكم السلام، مين حضرتك؟
_ مش دا بيت الأستاذ هادي حمدى أبو النور
قالها بهدوء لينظر "هادي" إلى الرجل بدهشة وهو لا يعرفه بينما وقع نظر "فتحى" على "قُدس" التى وقفت من مكانها وأقتربت من زوجها تهمس فى أذنه بلطف:-
_ جارحي أنا تعبانة خلينا نطلع
أومأ إليها بنعم وقبل أن يتحدث رأى "فتحى" يقترب من "قُدس" ووضع يده على وجنتها قائلًا:-
_ سبحان الخالق
مسك "الجارحي" يده بقوة غاضبٍ بسرعة البرق يمنعه من لمس زوجته وهو يقول بحدة:-
_ يا عم الحج أنت مجنون
تنحنح "فتحى" بأحراج مما فعله وقال بأسف:-
_ أنا أسف يا ابنى بس مصدقتش نفسي
قاطعه "هادي" بحدة صارمة يكفى الكارثة التى حلت عليهم يقول:-
_ أنت مين وعايز أى؟ أنا هادي
تنهد "فتحى" بلطف وقال برجاء ونبرة رسمية مُرتبة:-
_ أنا اسمي فتحى محفوظ صاحب شركة أدوات منزلية وجايلك فطلب وفى نفس الوقت عندي ليك أمانة ولازم أرد حافظت عليها 19 سنة
لم يفهم أحد شيء فجلس "فتحى" ولم يهتم "الجارحي" بهذا الرجل وأخذ يد "قُدس" ليغادر فأستوقفه "فتحى" بلطف يقول:-
_ يا أستاذ ممكن لحظة وتحتضرنا أنت والأنسة
_ مدام
قالها "الجارحي" بحدة وجلس هو الأخرى وبجواره "قُدس" فبدأ "فتحى" الحديث قائلًا:-
_ أنا زى ما قلت لحضرتك أسمي فتحى محفوظ صاحب شركة أدوات منزلية عندى أتجوزت وأنا عنى 19 سنة وربنا مقسمليش الخلفة ورضيت بقسمة ربنا 20 سنة لحد ما ربنا بعتلى هدية من عنده طفلة زى القمر وربت بالحُب والخير وبما يرضي الله لكن بعد 19 سنة أراد ربنا يختبرني وابتلاها بمرض مالهوش علاج
قاطعه "هادى" بحدة وهو الآن به ما يكفى من القصص قائلًا:-
_ أنا دخلى أى؟
_ أنتِ اسمك يا ست البنات
قالها وعينيه تحدق بـ "قُدس" بإعجاب فتنحنحت بحرج وتشبثت بذراع زوجها ليقول "الجارحي" بحدة صارمة:-
_ ما تخليك فى حالك يا حج ، أنا صبر له حدود
_ يا بنى انا مش بعاكسها، أنا عندى زيها
قالها بلطف ثم رفع نبرته أكثر وهو يقول:-
_ ليـــــــان
نظر الجميع نحو الباب ليروا فتاة تدخل من باب الشقة نسخة طبق الأصل من "قُدس" وكان ظهورها أمام الجميع كافي لتتجمد ألسنتهم وعقولهم، حدق الجميع بها وكانت فتاة بنفس حجم الصغيرة ، ضئيلة ونحيفة وتحمل عينيها الخضراء وبشرتها البيضاء مُرتدية بنطلون جينز وتي شيرت أبيض بحذاء رياضي أبيض اللون ، وقف "هادى" مذهولًا من مكانه بينما "قُدس" حدقت بها بفزع وأقتربت منها بخطوات هادئة وتشعر بانها تقف أمام المرآة لتضع يدها على وجنتها بخوف لتصرخ بفزع وهى تقول:-
_اااااه دى حقيقية
سخرت "ليان" وعينيها تحدق بـ "قُدس" قائلة:-
_ أمال عروسة بلاسيتك
_ تعالي يا ليان
قالها "فتحى" لتقترب الفتاة منه وتجلس جواره بهدوء والجميع يحدقون بها فقالت بتذمر من عيونهما:-
_ براحة عينيكم هتخرمني
تنحنح "فتحى" بهدوء ثم نظر إلى "هادي" وقال:-
_ أنا من 20 سنة طلبت من دور الأيتام أنى اتبني طفل أربي أنا ومراتي بما أن ربنا مقسملناش الخلفة والكلام اتنقل من مكان لمكان وفضلت سنة مستني لحد ما فى يوم مراتي أتحجزت فى المستشفى ودردشت مع ممرضة هناك وساعتها الممرضة عرضت أنها تجبلها طفلة من المستشفى من اللى بتجي فى الحوادث وأنا رفضت لحد ما فى يوم الممرضة قالت أن فى طفلة أتولدت وامها وأبوها ماتوا فى حادثة أتوبيس وأنا خدت الطفلة
كان "هادي" يستمع للحديث وعينيه تنظر على "ليان" بينما فهم "الجارحي" ما حدث جيدًا وخصيصًا أن الجميع كان يعرف بأن زوجة "هادي" كان حامل بتوأم، فتحدث بنبرة جادة:-
_ الخلاصة أن الممرضة دى سرقت التوأم من الولادة وجابتهالك وحضرتك جاى النهار دا ترجعها
تنحنح "فتحى" بحزن وشعر بإذلال وإهانة من حديث "الجارحي" لتُجيبه "ليان" بنبرة قوية مُشمئزة من حديثه:-
_ عشان أفهم بس أنت مين فى القاعدة الحلوة دى
رمقها "الجارحي" بهدوء ثم قال بجدية:-
_ إنتِ كنتِ هنا فى المهندسين من ثلاثة أسابيع
_ وأنت مالك
قالتها ببرود وكأنه الآن مع ظهور النسخة الأخرى فهم سبب وجود "قُدس" فى مكانين فى نفس اللحظة، ادركت "قُدس" سبب حقيقة الصور وأتهام الجميع لها فقط لأن هناك من تشبهها بهذا القدر، تحدث "فؤاد" بهدوء قائلًا:-
_ أنا فهمت أزاى بنت أخويا وصلت لك، لكن مفهمتش سبب رجوعك تقول أنها بنتنا، يعنى ليه قررت تضحى وتتنزل عن بنتك اللى ربتها
دمعت عيني "فتحى" بحزن لتتحدث "ليان" بجراءة وأشمئزاز:-
_ عشان عندى لوكيميا وفى مرحلة اخيرة وعلاجي الوحيد نخاع من دى
قالتها ببرود شديد وهى تشير بيدها على "قُدس" توأم الوحيد والذي تحمل النخاع المتطابق بنسبة 100 % مما أصدم الجميع ووقف "الجارحي" غاضبًا من مكانه وهى تتحدث عن حياة زوجته وقال بعناد صارخٍ:-
_نجوم السماء أقربلك ... قوم يا قُدس
وقفت "قُدس" من مكانها وعينيها تحدق بوجه أختها وشعرت بحنان وشيء يجذبها إلى أختها لتقول "ليان" ببرود:-
_ قوم يا بابا خلانا نمشي من هنا ، أنت فاكر كل الناس بطيبة قلبك
وقفت من مكانها وغادرت أولًا لتضرب "الجارحي" فى كتفه أثناء مرورها لكن لسوء حظها الذي لم يحالفها أمامهم فقدت وعيها بسرعة البرق أمام باب الشقة .......
وللحكـــــــــــــــــــــايـــة بقيـــــــــــــــــــــــــــــــــة ، يُتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع .................
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية