رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الثالث عشر 13 - بقلم نورا عبد العزيز
رواية
الفصـــــــــل الثالث عشـــر ( 13 )
بعنـــوان " خبايا الماضي "
عبر "فتحي" بوابة القاهرة بسيارته وفى يده الهاتف يحاول الاتصال بابنته لكن لا جدوى من المحاولة وهى لا تستجيب للرد ، تأفف بضيق جاهلًا عن مكان أبنته وإلى أين يجب أن يذهب حتى قاطع آففته رنين الهاتف من رقم مجهول فأجاب على الهاتف بنبرة باردة ضائقٍ:-
_ السلام عليكم
أتاه صوت فتاة هادئة ونبرتها ثابتة وواثقة تقول بلطف:-
_ حضرتك أستاد فتحي محفوظ والد الأنسة ليان
شعر بالتوتر بعد ذكر اسم ابنته ليُجيب بخفة :-
_ أيوة أنا ، مين حضرتك؟
_ مع حضرتك مستشفى الصفوة الخاصة، بنت حضرتك تعبت شوية ونقلوها على المستشفى ياريت لو حضرتك تشرفنا
أنقبض قلبه ذعرًا على حال صغيرته وأخذ العنوان بالكامل من الممرضة وأنطلق فى ضواحى القاهرة يشق طريقه إلى المستشفى من الخوف ....
ذهب "كريم" إلى الحسابات ليدفع جزء من المبلغ بعد رفض المستشفى لأستلام "ليان" قبل الدفع، وقف "جلال" أمام فراشها ينظر إلى وجهها الملاكي كأنه يحفظ ملامحها جيدًا، تنحنح بحرج من طريقة التأمل الذي يحملق بها هكذا ثم التف لكي يغادر لكن أستوقفه يدها الصغيرة التى تشبثت بيده بضعف فألتف لكي ينظر إليها ورآها تفتح عينيها بتعب ثم قالت:-
_ متمشيش
رفع حاجبه الأيسر بدهشة من طلبها ثم قال بحدة:-
_ غريبة، واحدة زيك بعد اللى شافته مني ما هتصدق أنى أمشي وأسيبها فى حالها
جلست فى الفراش ويدها ما زالت تمسكه بأحكام حتى لا يهرب منها وتحدثت ببرود ونبرة قوية:-
_ عشان قاتل ومجرم
نفض يده من قبضتها بقوة وكأنه يخبرها أنها لن تستطيع السيطرة عليه ويدها الصغيرة لن تقيده سوى برغبته، تحدثت بنبرة جادة:-
_ شكلك عايزة لسانك يتقص
تنهدت بهدوء ثم وقفت بضعف أمامه أمامه ثم أخرجت لسانها بتحدٍ وقالت:-
_ لو تعرف تقصه أتفضله
تنحنح بحرج من قُربها الشديد منه وعنادها المستمر ليقول بأرتباك :-
_ عايزة أي؟
_ خرجني من هنا زى ما دخلتني ، وبعدين أنا دكتورة مش أول ما أدوخ شوية تودينى المستشفى فين برستيجي ومكانتي
قالتها بتذمر ليقول بحدة ولا يبالي بأثر كلماته:-
_ برستيجك أي ودكتورة أى، إنتِ اولى طب يا حضرة يعنى متعرفيش تعالجي شوية برد، وبعدين دول مش شوية دوخة الدكاترة بيقوله أن عندك لوكيميا
أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة ألجمتها وكيف يخبرها بمرض كهذا بهذا البرود، سقطت على الفراش من هول الصدمة ليرمقها "جلال" بهدوء ثم قال:-
_ إنتِ كويسة؟
_ أنت جلف أوى
قالتها بضيق من تحجره ليُدهش من سبها له وكز على أسنانه بغيظ من جراءتها معه ليقول بغيظ:-
_ أحترمي نفسك
ضربته بقوة فى خصره وتحديدٍ مكان الطعنة التى تلقاها سابقًا تعاقبه على بروده معه فمسك يدها بأحكام وقال بعناد:-
_ أنا صابر عليكِ عشان مقدر حالتك دى وأنه مش مرض سهل ، لكن لصبري حدود
ألقى ببطاقة عمله على الفراش بجوارها وقال بحدة:-
_ دا رقمي لو أحتجتي حاجة أبقى كلمني وأتمني متحتاجيش
غادر الغرفة تاركها خلفه بحزنها وغضبها ..............
___________________________
وصل "الجارحي" على المستشفى بعد أن تلقى خبر مرض جده وكان الجميع فى الأستراحة ينتظروا الأطباء، سأل بقلق:-
_ حصل أى؟
لم يجيب عليه أحد والجميع ألتزم الصمت فى حين أن "وصيفة" تبكي بانهيار من الخوف و"قُدس" تجلس جوارها ماسكة بيدهاـ ام "مديحة" جالسة بهدوء تنتظر خروج الأطباء ولا تهتم بكونها سبب مرضه ، خرج الطبيب فأسرع له الجميع ليسأل "هادي" بقلق واضح:-
_ خير يا دكتور طمنى أبويا عامل أى دلوقت؟
تحدث رئيس الأطباء بلهجة هادئة:-
_ للأسف يا هادى بيه، الحج عنده أزمة قلبية وهيفضل فى العناية المركزة لحد ما يفوق من الغيبوبة
سألت "وصيفة" بنبرة مبحوحة من البكاء:-
_ هيفوق أمتى؟
تحدث الطبيب بحزن وأسف :-
_ للأسف دى حاجة بعلم الله، إحنا هنعمل اللى علينا ةالباقى على ربنا، تقدروا تروحوا دلوقت وأدعوله
تحدثت "وصيفة" بحزن شديد وقالت:-
_ لا، أنا مش هروح ولا همشي من هنا غير وهو معايا
إجابها الطبيب بهدوء مراعيٍ حالتها :-
_ مفيش داعي لكل دا يا حجة، كدة كدة ممنوع الزيارة ومحدش هيدخله أنتوا ممكن تمشوا وتيجوا فى مواعيد الزيارة الرسمية تبصوا عليه لكن وجودكم هنا زى عدمه
أومأ "فؤاد" بنعم وأخذ "وصيفة" معه برفق يقول:-
_ تعالى يا صفصف وأدعيله يقوم بالسلامة
غادر الجميع بحزن خيم على قلوبهما، أخذ "الجارحي" زوجته فى يده إلى سيارته لتحكي له فى الطريق ما حدث عندما عادت للمنزل وشجاره مع "مديحة" عن الفلوس و"عماد" ، شعر "الجارحي" بغضب شديد من حديثها وقد تمادى "عماد" فى أفعاله ووجب الآن أن ينال جزء من أعماله فنظر فى المرآة الأمامية إلى "يزيد" الذي يقود السيارة بهم وأشار بنعم ليفهم "يزيد" ما يريده وهز رأسه أيضًا بالموافقة، عادوا للمنزل والكل ذهب إلى شقته بداخلهم جزء من الحزن والقلق على كبيرهم ، دلف "الجارحي" إلى الغرفة بعد ان طرق الباب ورأى "قُدس" جالسة أمام المرآة تضع الكريم الموضعي على كدماتها ليقترب منها ثم وضع ملف أزرق أمامها وقال:-
_ من النهار دا إنتِ طالبة فى الجامعة البريطانيا ودا كارنيه الدخول بتاعك وكمان دفعتلك أشتراك فى المكتبة هناك عشان لو حبيتي تدخليها
نظرت إلى الأوراق بدهشة من سلطة زوجها وقال بأندهاش وإعجاب واضح فى ملامحها بقوته:-
_ بجد!! يعني قبلوني
_ أكيد
قالها بحدة ثم ألتف لكي يغادر الغرفة لكن تجمدت قدمه فى محلها حين شعر بأناملها الصغيرة تلمس يده وألتف ينظر إليها فقالت بهدوء:-
_ أنا آسفة
رفع حاجبه ببرود شديد ثم قال :-
_ على أى؟
تنحنحت بحرج وأرتباك ثم قالت بهدوء:-
_ على أى حاجة عملتها ضايقت أو زعلتك منى
تنهد بهدوء وعينيه تتفحص صغيرته الحزينة وتوترها واضح حتى فى لمسة يدها المُرتعشة فى يده فقال بحدة:-
_ متشغليش بالك أنا عند وعدي ليكي أول ما تولدي هطلقك ولحد اليوم دا إنتِ مراتي وأنا هعاملك بما يرضي الله
تركت يده بحزن من حدته معه ثم قالت بجدية غاضبة من طريقته:-
_ أنا عارفة إنك مبتحبنيش ولا عمرك حبتني للحظة، بس على الأقل متحسسنيش أنى ماليش لازمة ومجرد أرنبة هتولد لحضرتك ابنك وترميها، أنا مش وحشة أوى كدة يا جارحي
صمتت للحظة عاجزٍ عن الرد أمامها، بأى حق تتحدث عنه هكذا ، ربما لم يحبها كما تريد لكنه لم يراها للحظة أنها مجرد رحم سيلد له الطفل، هذه الصغيرة ستقتله يومًا بغموضها ليقاطع شروده قبلة رقيقة منها وضعتها على وجنته التى سقطت عليه كدلو من الثلج يقشعر بدنه، حدق بها بصدمة مُتجمدٍ كالصنم أمامها من فعلها لتقول بهدوء:-
_ شكرًا على تقديم ورقي للجامعة
ممرت من أمامه تسير نحو الفراش ليفوق من صدمته الجميلة حين مسك ذراعها يمنعها من الرحيل وجذبها إليه فأرتطمت بصدره من قوته وقالت:-
_ جارحي
طوقها بذراعيه يحاصرها فى صدره ثم سأل بجدية وعينيه تنظر بعينيها هائمٍ:-
_ إنتِ من أمتى بطلتي تقوليله يا أبيه؟
حاولت الفرار من قبضته وهى تقول بتذمر :-
_ مالكش دعوة ، أبعد عنى يا جارحي
غضب من ردها الحاد وتذمر فترك أسرها لتبتعد بسرعة عنه ونظرا الأثنين إلى بعضهما ليقاطع نظرتهم صوت طرق الباب فغادر "الجارحي" ليفتح الباب وكان "يزيد" ، أخذه ودخله إلى غرفة المكتب ليفتح "يزيد" اللابتوب على تسجيلات الكاميرا وصُدم "الجارحي" عندما رأى وجه "ليان" فى الكاميرا ليتحدث "يزيد" بجدية:-
_ الصور حقيقة ومش مزورة
_ يعنى قُدس عملت كدة فعلًا ، لا مستحيل أنا مصدقاش دا حتى لو شايفه بعيني
قالها بصدمة ألجمته ولا يستوعب ما يراه الآن فمد "يزيد" يده وفتح فيديو أخر على كاميرات الجامعة بنفس التاريخ والتوقيت وقال:-
_ وفى نفس الوقت كاميرات الجامعة كان فيها أنا ومدام قُدس ... لو حضرتك بصيت على التوقيت هتلاقيه هو هو فى الكاميرتين
عاد "الجارحي" بظهره للخلف بحيرة وعجز عن فهم ما يدور ثم قال بتمتمة حائرٍ:-
_ ازاى ؟ لو حد شبهها هو فى حد يكون بالشبه بالدرجة دى كأنهم واحد
ألتف "يزيد" يجلس على المقعد أمام المكتب بحيرة أصابته هو الأخر وقال بعجز:-
_ معرفش ، أنا كمان مكنتش مصدق ولحد دلوقت مش مستوعب
هز "الجارحي" رأسه بهدوء وقال بينما يحك لحيته بيده من العجز:-
_ حاجة ميصدقهاش عقل ..
__________________________
وقع خبر مرض "ليان" على "فتحي" بصدمة قاتلة ليسقط على المقعد أمام مكتب الطبيب وقلبه على وشك التوقف ليقول:-
_ لوكيميا
_ المشكلة أنها فى مرحلة مُتأخرة يعنى لازم تبدأ علاج فورًا
قالها الطبيب بهدوء شديد فرفع "فتحى" نظره إلى الطبيب بحزن وخيم وشعر أن مرض ابنته الوحيدة كسر عظامه وظهره حتى شاخ، تحدث بلهفة خائفٍ على ابنته:-
_ نبدأ يا دكتور ، شوف المطلوب أيه وميهمكش الفلوس من جنيه لمليون فداها
تحدث الطبيب ويده تدون الكثير فى الورق ثم قال:-
_ مش مهم الفلوس إحنا هنبدأ بالعلاج الكيميائي ولو مستجابش هنضطر نلجأ لزراعة النخاع
أتسعت أعين "فتحى" على مصراعيها بصدمة قاتلة ألجمته وشل لسانه فى فمه ، قدم الطبيب الورقة إلى "فتحى" وقال:-
_ دى بعض التحاليل والأشعة ياترى أختها أو أخوها يعملوها لان بنسبة 80% هنلجأ لزراعة النخاع
تمتم "فتحى" بصوت محبوح قائلًا:-
_ هى معندهاش أخوات
_ فى الحالة دى هنأخد النخاع من حضرتك أو الأم ، لأن هيكون التطابق اللى موجود 50% عشان كدة أنا قلت الأخوة لأن نسبة التطابق بينهم بتكون 100% بس مش مشكلة
قالها الطبيب بهدوء على عكس "فتحى" الذي وقع الحديث على قلبه بصدمة قاتلة وابنته الآن تصارع الموت ، ابتلع لعابه بتوتر شديد وعينيه ترمق الطبيب فى حيرة من أمره ثم هتف بصوت خافت:-
_ طب لو ليان بنتي يتيمة وأنا متبنيها فى الحالة دى أى الأجراءات اللى لازم أخدها
_ للأسف إحنا أملنا كله فى الحالة المتأخرة دى هى زراعة النخاع
ههم "فتحي" بصعوبة ثم وقف من مكانه ليغادر المكتب ووصل إلى غرفة صغيرته التى كانت مُنهارة من البكاء بسبب خبر مرضها ، أقترب منها لترى وجهه وأول رد فعل صدر منها عناقها لوالدها بحزن ويأس، تشبثت به بضعف وهى تقول:-
_ بابا
ربت على ظهرها بلطف منه وبداخله بركان ناري يقاتله من الماضي الذي فتح أبوابه بمرض ابنته ....
___________________________
استيقظ "عماد" على صوت هاتفه وكان "عادل" يتصل به مرارٍ وتكرارٍ بسبب فأجاب بتذمر ونبرة خشنة:-
_ نعم يا سي زفت
أتاه صوت "عادل" يقول بفزع :-
_ ألحق يا عماد النايت اللى أشتريت الشهر اللى فات بيولع
أتسعت عيني "عماد" على مصراعيها وقفز من فراشه بصدمة ألجمته صارخًا بصديقه:-
_ الله يخرب بيتك يا شيخ ومتصل بيا بدل ما تتصل بالمطافي ، غور أتصل بالمطافى لحد ما أجيلك
أغلق الخط معه وأرتدى ملابسه بسرعة البرق دون أستحمام ثم خرج من الغرفة وكانت "مديحة" جالسة مهمومة وهو لا يبالى ليغادر مُسرعٍ حتى وصل إلى مكان الملهى الليلي وكان قد تفحم نهائيًا وأصبح رماد ليُصدم مما حدث ووقف أمامه مصدمًا ليقول "عادل" :-
_ والله حاولت أعمل اللى أقدر عليه
مسكه "عماد" من لياقته بقوة غاضبٍ ثم قال بضيق من هول الكارثة التى حلت به:-
_ أنت عارف أنا دافع فيه كام 10 مليون جنيه كله اللى حيلتي ، هعمل أى دلوقت وهجيب فلوس منين ؟
دفعه بقوة بعيدًا ليقول "عادل" بتمتمة :-
_ أيوة بس دا حريق بفعل فاعل يا عماد
ركله "عماد" فى قدمه بقوة حتى سقط "عادل" على الأرض وفقد توازنه، تحدث بخنق:-
_ محدش يعرف أن المكان دا بتاعي أصلًا، فلو بفعل فاعل بجد يبقى أنت لأن محدش غيرك يعرف أنه بتاعي
ألتف لكي يصعد بسيارته يغادر المكان فوقعت عينيه على سيارة "يزيد" الذي أنطلق مُبتسمًا من الطريق بعد أن رأى الحريق ألتهم كل شيء فأدرج أن الفاعل هو اخاه الذي بدأ انتقمه .....
__________________________
( فى الإسكندرية )
دلفت "ليان" إلى غرفتها حزينة وهادئة فسألت "ياسمين" بقلق:-
_ هو فى أى؟
تنهد "فتحى" بحزن شديد ثم قال بنبرة واهنة:-
_ تعالى نتكلم جوا عشان ليان متسمعش
دلف إلى غرفته وخلفه زوجته التى ضرب القلق صدرها بقوة وقصى لها "فتحى" ما حدث لتفزع والدموع فى عينيها قائلة:-
_ يعنى أى؟
تنهد بحزن أكبر تنهيدة مُعبأة بالكثير من الخذلان والضعف ثم قال بتهكم:-
_ يعنى بنتك بتموت من السرطان وعلاجها الوحيد فى النخاع من أهلها الحقيقين
مسحت وجهها بضعف وعجز ثم قالت بنبرة خافتة:-
_ بس الممرضة اللى جابت لينا ليان قالت أنها يتيمة وأهلها ماتوا فى حادثة
تأفف بضيق أكبر ثم وقف من مكانه يسير فى الغرفة ذهابٍ وإيابٍ ليقول:-
_ مش يمكن عندها أخوات حقيقين من أهلها اللى ماتوا
رفعت رأسها له بحزن ثم قالت :-
_ قصدك أى؟
لم يجيب عليها وفتح باب الدولاب ثم الدرج الموجود بداخل الدولاب كالخزينة السرية ، فتحه بالمفتاح المُعلق فى رقبته وأخرجه ليبحث فى الأوراق لتسأله "ياسمين" بحيرة:-
_ بتعمل أى؟
_ هكون بعمل أى أنا كنت شايل اسم الممرضة هنا ، هروح أدور عليها وأسألها يمكن تعرف طريق لأهلها
قالها بجدية لتفزع "ياسمين" وتجلس أمامه وقالت بخوف شديد:-
_ أزاى؟ ، وهتقول لليان أى؟ أننا مش أهلها وخطفنا من عائلتها وحتى لو قولنالها أن أمها وأبوها ماتوا فى حادثة أكيد عندها أعمام وعمات وخالات وعائلة كاملة ولو طلع عندها أخوات فعلا هنقولها أي أننا حرمناها من أخواتها
رفع رأسه إلى زوجته بدهشة قاتلة ثم قال بإعجاب مُذهولًا من تفكيرها:-
_ يعنى أسيبها تموت عشان خائف تعرف الحقيقة، أنا مقدرش أشوف بنتي بتموت
فركت "ياسمين" يديها بضعف وتساقطت دموعها بقهرة وحسرة ثم قالت:-
_ ولا أنا أقدر أشوف بنتي بتموت، دور عليهم يا فتحى ، دور عليهم واللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين ، الحمد لله على كل حال
خرجت من الغرفة باكية بحسرة تعتصر قلبها وهى على وشك خسارة ابنتها ومرضها ، الصدمات المُتتالية تتساقط عليها والآن عليها بخوض الحرب ومقاومة القدر ......
___________________________
( فى المستشفى )
كان "قُدس" جالسة على المقعد بجوار "حمدى" تمسك يده بين راحتى يديها ثم قالت بلطف:-
_ جدو مش هتقوم بقى ، أنا أتفقت مع جارحي أننا هنفضل مع بعض لحد ما اولد بس أوعدك أن لحد ما يجي اليوم هخلى الجارحي يحبني بجد ويعرف قيمة وجودي معاه
مسحت يده بالمنشفة المبللة ثم قالت:-
_ بصراحة مش فاهمة أنت أزاى بتتعامل معاه بدماغه الناشفة دى بس منكرش أنه كاريزما وجذاب، حفيدك مطلع عيني معاه يا حمدى يلا فوق بقى عشان بطني هتبدأ تبان وخايفة أقولهم عشان أنت قلت مقولش لحد ... أقولك أنا قررت لو كان ولد هسميه حمدى بس أنت تفوق
قبلت جبينه بلطف بعد أن أخبرته بفضفضة اليوم ثم غادرت الغرفة وكان "يزيد" ينتظرها بالخارج و"آسيا" و "مديحة" و "وصيفة" فقالت "قُدس" بنبرة خافتة:-
_ أنا هسبقك يا صفصف على البيت عشان متأخرش
أومأت إليها بنعم فذهبت مع "يزيد" إلى الرواق مُغادرة لتقول بهمس:-
_ خلينا نروح للدكتورة قبل ما نروح يا يزيد
أومأ إليها بنعم وكان يسير خلفها بخطوة، وقفت أمام المصعد تنتظره وعينيها تنظر فى الهاتف حتى فتح المصعد وخرجت "ليل" مع "عمران" فرمقتهما "قُدس" بضيق وأشمئزاز وقبل أن تدخل مسكت "ليل" يدها بلطف وقالت بحرج:-
_ قُدس
نفضت "قُدس" يدها من يد "ليل" بضيق وتأفف بغضب ثم قالت:-
_ عايزة منى أى؟ مش كفاية لحد اللى عملتيه فيا لحد كدة ولا لسه فى تهمة تانية عايزة ترمينى بها ؟
تحدث "عمران" بلطف ونبرة خافتة قائلًا:-
_ يا قُدس أنا اللى شوفتك وواثق أني شوفتك ومش تخيل
رفعت نظرها به بأشمئزاز وقالت بغيظ شديد:-
_ أنا كلامي مش معاك لأن واحد واطي زيك ومقضيها مش هيمشي كلامه عليا
_ مقضيها!! قصدك أى؟
قالتها "ليل" بتساؤل وفضول فرمقتها "قُدس" بسخرية ثم قالت بمكر:-
_ مفيش بكرة الزمن يثبت لك مين هو النجس فينا؟ واللى حصل كسر كثير بينا يا ليل وما دام أخترتي تصدقى الواطي اللى واقف جنبك اللى عرفتيه من يومين علي أنك تصدقني أنا صاحبة عمرك وأختك يبقي أشبعي بيه
غادرت غاضبة لتقف فى المصعد غاضبة وتشتعل من الكره والحقد بعد ما تعرضت له على يدي هذا الثنائي فتمتمت بضيق :-
_ أنا لو طلبت منك طلب ينفع يكون سر بينا ولا هتنقله لجارحي زى ما بتنقله كل أخباري وتحركاتي
أجابها "يزيد" وهو يقف أمامها يعطيها ظهره بنبرة جادة:-
_ كوني واثقة يا مدام قُدس أنى هنا لحمايتك وسرك أكيد فى بير ما دام ميخصش حمايتك لأن دى أمر من المعلم الجارحي، لكن فى أمر تاني من المعلم الجارحي وهو تنفذ أى أمر منكِ مهما كانت صعوبة، أمورك تتنفذ بالحرف ومن غير جدال
تنهد بضيق ثم قالت بخباثة ونار الأنتقام تشتعل بداخلها:-
_ أنا عايزة أعرف قذارة عمران وبالدليل، عايزة دليل ملموس أوريه لخطيبته لأن وش البراءة اللى لابسه مش جاى على هوايا
_ أمرك يا مدام قُدس
قالها بجدية ثم خرجوا من المصعد فى الطابق الأول ، ذهبوا إلى عيادة طبيبة النسا والتوليد لفحصها الشهري ........
___________________________
وصل "عماد" إلى محل القماش ومع دخول أخذ المقعد الخشبي من الطريق حتى وصل إلى مكتب "الجارحي" وضرب الزجاج بالكرسي بقوة ليتناثر الزجاج أرضًا، حدق "الجارحي" بالمكتب بضيق ووقف من مقعده، أقترب بعض العمال لمنعه فأشار "الجارحي" لهم بالذهب وظل مكانه ثم جلس من جديد على المقعد ببرود ولم يرجف له جفن مما فعله أخيه، أقترب "عماد" بغضب بركاني من برود "الجارحي" الذي أثر غضبه أكثر ودلف للمكتب وهو يدهس الزجاج بقدمه ومسك "الجارحي" من قميصه بقوة وأوقفه من مكانه وهو يقول:-
_ أنت قد اللى عملته؟ دا
حدق "الجارحي" به بأشمئزاز ثم قال:-
_ لا ، أنت اللى قد اللى عملته ، وهريحك ما دام عملت كدة يبقي قده وألا مكنتش هقدر أعمله
رفع يده ليلكم وجه "الجارحي" فأوقفه "الجارحي" حين مسك يده وقال بغضب وعيني يتطاير منها الشر:-
_لا، أنا تأخدني على خونة وغدر اه لكن فى وشي متقدرش
دفعه بقوة ليترطم أخاه بالحائط فتابع "الجارحي" الحديث بنبرة قوية وأزدراء قائلًا:-
_ اى فاكر أنك هتضرفع سلاحك عليا ، مرة وأتنين عادى كدة وهعديهالك ، دا ليه إن شاء الله ركبي بتخبط فى بعض لما بشوفك، فوق كدة يا عم الشمام أنت واقف قصاد الجارجي أبو النور، لا أنت ولا ألف من أمثالك يجرأ انه يتنفس فى وجودي
أقترب "عماد" من أخاه ثم قال بضيق:-
_ معاك أسبوع يا جارحي يا تجبلى 10 مليون جنيه تمن اللى حرقته يا متلومنيش على اللى جاي وأفتكر يا أبن أبويا أن أنت اللى قلت أنك لما تعمل لازم تكون قد العمل دا
ربت على كتفه بسخرية وغادر المكان بضيق فتبسم "الجارحي" وجلس مكانه على المقعد يقول:-
_ عبدالعظيم ... هات حد يلم الأزاز دا من هنا
___________________________
( عمارة أبو النور )
كانت "مديحة" جالسة فى الصالون مع المحامي وقالت:-
_ يعنى أى بقى أن شاء الله؟
_ يعنى حضرتك من ثلاثين سنة كتبتي المصنع والمحل باسم الحج حمدى ولحد ما هو اللى يقرر يرجعهم باسمك تاني مقدرش أعمل حاجة
قالها المحامي بجدية، فأففت بضيق شديد وقالت:-
_ يعنى دلوقت حمدى فى غيبوبة ويا عالم هقوم منها ولا لا، كدة بقى فلوسي ومالي هتوزعه مع التركة على الكل؟
تحدث المحامي بهدوء قائلًا:-
_ بالضبط يا أم هو يفوق ويرجع يكتبهم باسم حضرتك يا أما هيفضلوا من الأصول باسمه وأحب أوضح لحضرتك أن الورثة الشرعيين للحج هم إنتِ والست وصيفة وأولادكم ، لا الجارحي ولا عماد ولا ليل ولا قُدس يخصهم شيء فى الملك كله ألا لو هو اللى كتب شيء باسم أى حد فيهم مُسبقٍ
رمقت المحامي بخباثة ثم قالت بمكر :-
_ يعنى عايز تفهمني أنك متعرفش هو كاتب ليهم حاجة ولا لا؟
وقف المحامي من مكانه بهدوء وأغلق زر سترته ثم قال بمكر:-
_ أسف يا حجة دى أسرار شغل ، عن أذنك
غادر من الشقة ليتركها تشتعل من الغضب والخوف تملكه من مرض "حمدى" وهى على وشك خسارة أملاكها ...
__________________________
وصل "فتحى" إلى منزل قديمة وصعد إلى شقة الطابق الأخر ودق الباب ، فتحت له فتاة بعمر ابنته وقالت:-
_ نعم
تحدث بهدوء وعينيه تحدق بالفتاة:-
_ الست ملكة موجودة؟
أومأت إليه بنعم مُندهشة ولأول مرة من سنين طويلة يأتي أحد يسأل عن والدتها، أشارت له بالدخول ودلفت للداخل تحضر والدتها وخرجت وهى تدفع مقعد متحرك وعليه سيدة فى منتصف السينات والمرض ألتهم جسدها، رأته السيدة لتُصدم قائلة:-
_ فتحى بيه
دُهش "فتحى" من ذاكرتها وهكذا حالتها المرضية ، تركتهم الفتاة ودلفت تحضر المشروب فسألها "فتحى" بقلق:-
_ فاكراني؟
تبسمت "ملكة" بعفوية وقالت بضعف:-
_ طبعًا ، أزاى أنساك وأنت اللى سترتني أنا وعيالي، أزاى أنساك وبسببك عرفت أجيب الشقة دى تلمني أنا وبناتي
تبسم "فتحى" بعفوية ثم قال بلطف:-
_ كلنا أسباب فى حياة بعض، أنا كنت سبب فى الشقة دى وإنتِ كنتِ السبب فى أنى أكون أب وأسمع كلمة بابا
تبسمت السيدة بضعف وبدأت تسعل جدًا بتعب، سألها "فتحى" بخفوت:-
_ أنا مستعد أديكي اللى تعوزيه من تاني وأمن مستقبل بناتك زى ما تحب وبالطريقة اللى تعجبك بس تدليني على أهل البنت اللى جبتهالى من 19 سنة
دُهشت "ملكة" من سؤاله وقالت بحزم:-
_ أى؟ ما أنا قُلتلك أن ملهاش أهل
أقترب "فتحى" من مقعدها وقال بتوتر والخوف يتملكه لأجل طفلته:-
_ لازم يكون لها أهل، بنتي عندها سرطان فى الدم وعلاجها الوحيد فى النخاع، أنا لازم أوصل لأهلها ، عرفيني اى طرف خط وأنا همشي وراءه، أنا عارف أن ملهاش أب وام بس ممكن يكون عندها أخوات أكبر منها ويكونوا سبيل نجاتها من الموت
تنحنحت "ملكة" بتوتر شديد وقالت:-
_ نخاع، هى عندها أخت توأم
اتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته وقال بغضب:-
_ هى كانت توأم، طب ليه مقولتليش كنت خدتهم الأثنين بدل ما تفرقي بينهم وهم من غير أهل
فركت "ملكة" يدها ببعضها بحزن شديد مما فعلته وقالت:-
_ بصراحة لا، هى أبوها عايش وأنا سرقتها من الحضانة وقلتلهم أنها ماتت عشان كنت محتاجة فلوسك اوى
وقف من مكانه مصدومٍ من هذا الخبر ولم يصدق أنها سرقت طفلة من أهلها وهو طلب أن تجد له طفله يتيمة فقال بصراخ:-
_ يعنى أى؟ أنا قلتلك تشوفي طفل فى ملجأ رضيع أربيه ولما جبتيها من المستشفى قلت معلش ما هى يتيمة وهتروح لملجأ ... لكن مقولتلكيش تحرم أب من بنته وتشيلني ذنبها عمري
صمتت "ملكة" بحزن شديد فتأفف بضيق غاضبٍ من هذا الموقف وابنته لن تصدق حقيقة الأمر، تحدث بضيق صارخٍ بها :-
_ وأبوها دا فين؟ ولا اسمه اى؟
_ صدقني معرفش لكن أنا أعرف واحد شغال فى أرشيف المستشفى ممكن يجبلك بيانات الست اللى دخلت المستشفى يومها وولدت ، هى الوحيدة اللى ولدت من الحادثة اللى جت
أخرجت هاتفها لتعطيه رقم الرجل فنقله وغادر غاضبًا من تصرفها ......
____________________________
فى الساعة الخامسة مساءً، أنطلق الجميع إلى غرفة العناية المركزة بعد أن أطلقت الأجهزة صافرتها، دلف الأطباء وكان قلب "حمدى" توقف تمامًا عن النبض وبعد محاولات كثيرة من الأنعاش تحدث الطبيب بهدوء قائلًا:-
_ أتصلوا بأهل المريض وبلغوهم بالوفأة ....
بنفس اللحظة التى كان "فتحى" واقفًا أمام موظف الأرشيف الرجل العجوز ويضع نظارة نظر ضخمة على عينيه ويقرأ له اسم الزوج من سجل دخول المستشفى قائلًا:-
_ اسم الزوج هادى حمدى أبو النور .....
وللحكـــــــــــــــــــــايـــة بقيـــــــــــــــــــــــــــــــــة ، يُتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع .................
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية