رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الثاني عشر 12 - بقلم نورا عبد العزيز
رواية
الفصـــــــــل الثــاني عشـــر ( 12 )
بعنـــوان " فتيلة حُب "
]]كان كل شيء مثاليًا فى حياته وقلبه حتى ظهرت هذه الصغيرة وعيونها السحرية التى قلبت حياته رأسًا على عقب، وكيف للقدر أن يجمع صغيرة برقتها أمام رجل بوحشيته [[
صرخ باسمها من الفزع قائلًا:-
_ قُـــــــــدس
ألتفت إليه بفزع من صرخته وكانت ان تسقط من فزعتها وظهوره من العدم فجأة فتشبثت بالدرابزين جيدًا وهى ترتجف قائلة:-
_ خضتني
أقترب بهلع نحوها وشعر بنفضة فى صدره أسقطت قناع الغرور والقسوة الذي أرتدته أمامها، تنهد بهدوء وتحدث بلطف وخطوات تتقدم ببطيئ:-
_ أهدئي يا قُدس ، أنا مصدقك وقُلتلك كدة، مصدقك أهدئي وأنزلى من عندك
تنهدت بلطف وتمالكت أعصابها ثم نظرت للأمام بخمول وقد نفدت طاقتها بفضل والدها، اقترب "الجارحي" منها أكثر حتى وصل إليها لينقض عليها يحيط خصرها بأحكام حتى لا تفلت منه، صُدم عندما رآها جالسة على الشرفة وفى يدها كوب عصيرها وتنظر للسماء مُستمتعة بالليل، تنهد بأحراج من تصرفه وإظهار خوفه عليها فى حين أنها لا تبالي بشيء، شعرت بدفء من أحتضانه لها من الخلف وظهرها مُتكئ على صدره وتشعر بأنفاسه فتحدث "قُدس" بصوت دافئ وهامس:-
_ شكرًا إنك مصدقني ومضربتنيش زى بابا
سحبها بلطف من فوق الشرفة وهذا المكان لا يناسب الحديث، أنزلها أرضًا فى الغرفة فأستدارت الصغيرة إليه ليرمق وجهها المتورم وما زال لا يُصدق أن والدها تهور فى ضربها حتى أخفى ملامح وجهها الجميلة وعيونها الخضراء حمراء وجفنها الأيسر متورم لدرجة أنه اخفى لون عينها الخضراء ، تحدث بلطف مُشفقٍ على حال فتاته:-
_ متشكرنيش دا واجبك عليا يا قُدس ، لو كل واحدة جوزها شك فيها وكذبها فى الزمن دا، زمن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يبقى كل البنات هتطلع فا جرة وهتطلق، أساس أى علاقة الثقة ومش صورة عبيطة اللى هتكسر الثقة دى، الثقة لو أتكسرت مبترجعش يا قُدس عشان كدة مش صح أن أى موقف يكسر الثقة بين زوجين
جلست على الفراش بتعب ورأت الطعام لتبتسم بعفوية على تلبيته لطلبها رغم شجارهما، وضعت يدها على وجنتها بألم من فمها بعد أن ابتسمت، تناولت لقمتها الأولى بشراهة تحت أنظاره الثاقبة لها فجلس على حافة الفراش يراقبها وهى تلتهم الطعام بعفوية رغم ألمها، شعر بدفء وسعادة بداخله لمراقبته لطريقتها وكيف أصبحت جميلة بسبب حملها وتناولها للطعام، مد يده إلى وجهها بمكعب من الثلج لتفزع فقال بلطف:-
_ أسف
رفعت نظرها إليه وطال الصمت بينهما والنظرات التى تلفظ بالكثير رغم ألنستهما المتجمدة، عينيها كانت تخبره بكم الحُب الذي تكنه إليه مُنذ نعومة اظافرها وعينيه تظهر ربكته وتوتره فى حضرتها، تنفست بأريحية ويده تمرر الثلج على كدماتها ......
______________________________
كانت "ليان" تجلس مع أصدقاءها فى المطعم تتناول وجبة العشاء قبل أن تعود إلى الإسكندرية، فتحت هاتفها بعد أن أغلقته طيلة اليوم لتهرب من أتصالات والديها؛ ليرن هاتفها فى لحظتها برقم والدتها "ياسمين" فخرجت من المطعم بضيق واجابت عليها:-
_ أيوة يا ماما
تحدثت "ياسمين" بانفعال شديد من تصرف ابنتها قائلة:-
_ أخيرًا تكرمتي وردتي يا ست هانم، انا ربتك على كدة يا ليان، تهربي من البيت ها
أفأفت "ليان" بضيق من رد والدتها وألتزمت الصمت وسمعتها "ياسمين" لتقول بخنق شديد:-
_ أنفوخى كويس ، إنتِ فين بقى إن شاء الله؟ وهترجعي أمتى؟
_ لسه هناك هركب وأجي
قالتها بنبرة حادة ثم اغلقت الهاتف دون أن تترك وقت لوالدتها أن تتحدث، وقفت بضيق واتصال والدتها عكر صفو مزاجها، قاطعها صوت زميل لها جاء من الداخل يقول:-
_ الأكل جه
_ طيب جاية
قالها بزمجرة ووجه عابس، نظر إلى وجهها بحيرة مُتهم لملامحها الغاضبة ثم سأل:-
_ مالك؟
تحدثت بانفعال تبوح بما داخلها قائلة:-
_ زهقت وحقيقي الحياة بقت مملة، انا عندى تسعة عشر سنة مش صغيرة عشان الحظر والقلق اللى أنا عايشة فيه، انا لو عليا ثأر مش هتبقي حياتي كدة
ربت صديقها على كتفها وقال بلطف:-
_ طب أهدئي ، تعالى نقعد فى العربية لحد ما تهدئي مش هينفع ندخلهم وإنتِ متعصبة كدة
ذهبت إلى السيارة معه وجلسوا بداخلها وكل هذا تحت أنظار المراقب الذي أرسله "جلال" ، ألتقطت صورة لها فى السيارة مع صديقها وأرسل الصورة إلى هاتف "كريم" الذي كان يقود السيارة وبدوره أعطى الهاتف إلى "جلال" ، نظر إلى الصورة بدهشة وظل يحدق بها قليلًا ثم نظر خارج النافذة بضيق وضغط على زر النافذة لتفتح ويستنشق الهواء الخارجي مما أدهش "كريم" ولأول مرة "جلال" يفتح نافذة سيارته وظل يراقبه فى المرآة الأمامية حتى سمعه يقول:-
_ أطلع على المكان دا
_ هتروح بنفسك؟
قالها "كريم" مُستفهمًا عن سبب رغبة رئيسه فى الذهاب إلى طفلة مثلها وماذا بها لتنال هذا القدر من الأهتمام ، نظر "جلال" فى المرآة على "كريم" الذي تجرأ على طرح سؤال له، تنحنح "كريم" بهدوء وغير مسار السيارة فى صمت....
كانت "ليان" تتحدث بالسوء عن معاملة والدها لها وقالت بغيظ شديد تكبحه بداخله:-
_ مش قادر يفهم أنى كبرت كفاية، زهقت وقرفت من تصرفه وتحكمه فيا
وضع "أيمن" يده على قدمها يربت عليها لتُدهش "ليان" من تصرفه ويده تتحسس قدمها بلطف فدفعت يده بقوة تنفث بها غضبه قائلة:-
_ مش ناقصاك خالص
تنحنح بحرج ثم أخذ يدها فى يده بلطف ونظر إليها عن قرب ثم قال بعفوية ونبرة دافئة خبيثة:-
_ ليان، أنا عارف أن مش وقته بس أنا مش قادر أداري عليكِ أكثر من كدة
رفعت حاجبها له ببرود وقد فهمت خبثته ومكره ثم قالت بسخرية:-
_ يا حرام مش قادر تقاوم جمالي
تبسم بمكر بسمة مزيفة ورفع يده الأخرى إلى وجهها يضع خصلات شعرها خلف أذنها مُجيب على سخريتها ببراءة مصطنعة:-
_ بغض النظر عن أنك بتقوليها بسخرية لكنه دا حقيقي، أنا معجب بيكي جدًا يا ليان ، وفعلًا مش قادر أقاوم جمالك
ضربت يده بقوة ثم قالت بغيظ شديد:-
_ أنت عبيط صح، أنت فاكر أنى ممكن أبصلك أنت ولا يوم ما أفكر أرتبط هرتبط بواحد زيك مش لاقي يأكل ولسه بيأخد مصروفه من أبوه، أنت فاكرني مش عارفة أنك مأجر العربية دى وبتتمنظر بيها قدامنا ... دا أنت أهبل أوى
قهقه "أيمن" ضاحكًا عليها ويسخر من ذكائها ثم قال بتمتمة:-
_ أنا فعلًا عبيط أوى وبفضل تكبرك دا أنا مش ندمان على أى حاجة أنا عملتها ولا هعملها
لم تفهم كلماته لكنها بدأت تشعر بدوران فى رأسها فنظرت إليه وهو يحاول أن يمسك ذراعها فدفعته بقوة مُتمتمة :-
_ أنت قصدك اى؟
_ أنا هخليكِ إنتِ اللى تترجي الشحات دا أنه يفضل معاكِ يا ليان
قالها بحماس وقد بدأ مفعول المُخدر يأثر على جسدها فتابع الحديث قائلًا:-
_ أنا مكنتش ناوي أذيكي بس إنتِ كبرياءك وغرورك هم السبب ، متلومنيش أنا لومي نفسك
فتحت باب السيارة لتترجل منها لكنها سقطت على الأرض بتعب ورآها رجل "جلال" وظل يراقب الموقف فرأى "أيمن" يترجل من السيارة وأخذها للداخل من جديد وأنطلق بها فأنطلق وراهما وهو يتصل بـ "كريم" ويخبره بما رآه فتحدث "جلال" بحدة صارمة قائلًا:-
_ خليك وراهما ، إياك يأذيها أنت فاهم
_ أمرك يا جلال بيه
قالها الرجل فى مكبر الصوت وزاد "كريم" من سرعة السيارة....
وصل "أيمن" على أحد العمارات وكانوا اصدقائهم هناك، حملها معه إلى الأعلى ودلف إلى شقة مفروشة وكانت "ليان" ما زالت فى وعيها قليلًا لكنها هزيلة تمامًا، تحدثت صديقتها بأشمئزاز:-
_ هتعمل أى؟
_ خليكي فى حالك
قالها "أيمن" فتمتمت صديقتها بلا مبالاة:-
_ بصراحة هى تستاهل ، حاطة مناخيرها فى السماء وبتنطط علينا على أى يعنى ؟
أجابها "أيمن" بسخرية من كره صديقتها إليها قائلًا:-
_ عشان حلوة مثلا؟ أنا مستغرب كرهك ليها وهى بتمثلي إنكِ صاحبة عمرها الوحيدة، طب أنا بعمل كدة عشان دى الطريقة الوحيدة اللى هتجبرها تكون معايا لأنى بحبها لكن إنتِ غلوية وسوداء من جوا يا ماما
لم تبالي بحديثه وتجاهلت طريقته فى الحديث عنها ثم قالت:-
_ أنا نازلة أتمشي تحت مش ناوية أقعد وأشوف اللى هيحصل قلبي الرقيق مش هيستحمل
خرجت من الشقة وخرج وراءها صديقهم الأخر، دلف "أيمن" إلى الغرفة ورأى تهمس بحديث غير مفهوم فى الفراش ونائمة حتى أقترب منها وقال:-
_ سامحينى يا ليان لكن مفيش طريقة غير دى
أقترب منها لتضع يديها المُرتجفتين حاجزًا بينهما وتدفعه بطاقتها الباقية لكن لا جدوى من مقاومتها بسبب قوامته لتسحبه من شعره بقوة وقضمت ذراعيه حتى أبتعد من الوجع ثم وقفت بصعوبة وهى تتحدث بزمجرة:-
_ أنت مجنون
خرجت من الغرفة تتأكد بيدها على الحائط فخرج خلفها وهو يقول بحدة خائفٍ أن تصرخ ويسمعها الجيران:-
_ أسمعي يا ليان بس
كاد أن يقترب من خطواتها البطيئة لتتوقف قدميه من الفزع عندما كُسر باب الشقة ودلف أربع رجال أقوياء وأجسادهم ضخمة، أبتلع لعابه وهو يرى "جلال" يدخل المكان خلفهم وحين رأى "ليان" فى حالة الخمول والضعف عقد حاجبيه بغضب شديد واقترب نحوها حتى وصل إليها ، رمقته بضعف وقالت بتلعثم:-
_ أنت
تذكرته جيدًا نفس الشخص الذي كان على حافة الموت أمس وأنقذته، تأفف بضيق من سذاجتها وأنحني قليلًا ليحملها على ذراعيه ، أقترب "أيمن" بغضب منه وقال:-
_ أنت مين؟
تلقى لكمة قوية من "كريم" يمنعه من الاقتراب نحوها وكانت لكمته قوية لتكون كافية لإغماء "أيمن" على الأرض، خرج "جلال" من الشقة بها لا يعلم كيف لفتاة عنيدة وشرسة كما أخبره "كريم" أن تسقط فى الفخ هكذا، أخذها إلى السيارة وكان المخدر قد سيطر عليها كليٍ لتفقد وعيها تمامًا فأخذها معه إلى منزله ......
__________________________
فى الصباح كانت "آسيا" فى المطبخ تصنع كوب من القهوة فى هدوء مندمجة مع أغنية "عبدالحليم" حتى قاطعها صوت "ليل" تقول:-
_ ماما ، كنت عايزة أخرج مع عمران عايز نتغدا سوى برا
لم تُجيب "آسيا" عليها فتحدثت "ليل" بضيق شديد تقول:-
_ طيب ممكن تقوليلى هتفضلي زعلانة منى لحد أمتى ومخاصماني كدة
حملت "آسيا" فنجان قهوتها وأستدارت لترى "ليل" تقف خلفها مباشرة فقالت بحدة:-
_ مش إنتِ كبرتي كفاية عشان تعصي كلامي وتتصرفي من دماغك ومن ورائي ، جاية تأخدي أذني عشان تخرجي ليه يا ست البنات
تنحنحت "ليل" بلطف وعينيها تسير مع خطوات والدتها التى غادرت المكان غاضبة، تنهدت "ليل" بلطف وخرجت خلفها تقول :-
_ يا ماما بعد أذنك من غير تريقة، أنا عملت الصح من نظرى وعلاقتى بعمران مش اللى هيصونها الذهب ولا الفلوس ، أنا مش مخطوبة له عشان يأمن مستقبلي، لو على مستقبلي وتأمينه أعتقد أن فى بيتي وهنا مع جدي ومعاكي متأمنة كويس ومفيش أكتر من كدة تأمين ، أنا بدور على الحُب والراجل الأصيل اللى هيصون قلبي ويحافظ عليا ويعيش معايا العمر كله
جلست "آسيا" على الأريكة وقالت بحدة:-
_يا خوفي من الأصيل، إنتِ بس لسه صغيرة أوى يا ليل، زمان وأنا فى سنك كنت كدة برضو ، كنت بجري وراء الحُب واللى يقول كلمتين حلوين وأديكي شايفة وشاهدة أنا وصلت لأي يا بنت بطني
جلست "ليل" بجوار والدتها ثم قالت بلطف وبسمة عفوية:-
_ أدينا فرصة يا ماما، أدينى أنا وعمران فرصة نثبتلك أنه مش زى بابا ولا هيكون زيه
أرتشفت "آسيا" القليل من فنجانها بصمت وعينيها تراقب فتاتها العاشقة ولمعة عيني "ليل" بالحُب وسعادتها بهذا الشاب ثم قالت بضيق من موافقتها بالأكراه:-
_ ماشي يا ليل، ماشي يارب الزمن يخيب ظني فيه وأطلع أنا اللى ظالمة
تبسمت "ليل" بعفوية وسعادة تغمرها كالبلهاء لموافقة والدتها، فعانقتها بُحب شديد ثم قالت :-
_ يا حبيبتي يا ماما
تبسمت "آسيا" بأحراج تكبح بغيظ حيرتها وذرة الشك والضيق تدق بداخلها ، ذهبت "ليل" للداخل فأتصلت "آسيا" على رقم "الجارحي" لكنه لم يُجيب....
___________________________
فتح "الجارحي" عينيه بتعب على صوت رنين هاتفه وكانت عمته "آسيا" فتجاهل الأتصال وخرج من غرفته ليرى "قُدس" جالسة على الأريكة وتمسك فى يدها جهاز التابلت الخاص بها وتبحث عن شيء، تحدث بنبرة هادئة:-
_ أنا هأخد دوش وألبس، ألبسي عشان أخدك للدكتور يشوف الكدمات دى عشان يكتبلنا علاج قبل بداية الجامعة
أجابته بنبرة خافتة حزينة:-
_ الجامعة رفضت تقبل ورقي لأن الدراسة الأسبوع الجاية
تحدث بهدوء وهو يسكب بعض الماء فى الكوب:-
_ قومي ألبسي ومتشيليش هم حاجة وأنا موجود
أومأت إليه بنعم ثم دلفت إلى غرفتها، جلس على الأريكة مكانها وهو ينظر فى هاتفه على عدد المكالمات الواردة من عمته وشعر بفضول لكم المكالمات فتأفف بضيق وترك الهاتف جانبًا، وقع نظره بدون قصد على التابلت المفتوح بجواره وكانت تبحث عن تركيب الصور فأخذه وكان محرك البحث الخاص بها بأكثر من طريقة وصيغة عن تركيب الصور بالذكاء الاصطناعي والتزييف، شعر بأن الظلم الذي لحق بها يؤلمها أكثر من ألمها الجسدي ، تأفف بضيق وهو يتواعد بالأنتقام من مرتكب الجريمة فى حق زوجته فتمتم بضيق:-
_ أنما للصبر حدود، وآن الأوان لرد الدين
ذهب للمرحاض يأخذ حمام دافئ ثم أرتدي قميص رمادي وبنطلون أسود وخرج من غرفته وهو يغلق ساعته حول معصمه ، رآها تقف أمام المرآة الموجودة فى البهو تضع القناع الطبي على وجهها وترتدي قبعة محاولة قدر الإمكان أخفاء وجهها المشوه، ثم أستدار إلى دولاب الأحذية وأخرجت حذاءها، أنحنت للأمام لكى ترتدي الحذاء وقاطعها "الجارحي" حين جلس أمام قدمها على ركبتيه يساعدها فى أرتدي الحذاء قائلًا بجدية صارمة:-
_ متوطيش، أنا أعرف أن الحامل مينفعش توطي
ظلت تنظر إليه وهو جالسًا أمامها بحُب، رغم حدته فى الحديث وجحود قلبه لكن تصرفاته تحمل دفء ولطف يغمر قلبها وعقلها، هذا الرجل يجعلها حائرة لا تعرف أهو قاسي القلب أم لطيف؟!، لسانه سليط وتصرفه لين، وقف أمامها بعد أن أنتهى وأستدار ليرتدى حذاءه، خرجوا معًا من الشقة حتى وصلوا أمام شقة والده فقال بهدوء:-
_ أنزلى استنيني فى العربية مع يزيد
أومأت إليه بنعم وترجلت وحدها، فتح باب الشقة وكانت "خديجة" جالسة على السفرة تتناول الإفطار مع "فؤاد" فتحدث بجدية:-
_السلام عليكم، ابنك فين؟
تعجبت "خديجة" من سؤاله عن "عماد" وقالت بفضول خائفة:-
_ فى أوضته ، بتسأل على عماد الدين ليه؟
أجابها وهو يسير نحو الغرفة ببرود:-
_ والله ظلمتيه بأسمه وهو لا يعرف عن الدين حاجة
فتح باب الغرفة وكان "عماد" نائمًا، وقفت "خديجة" من مكانها بقلق وذهبت خلفه، رأى أخاه فى السرير ليقترب وهو يأخذ زجاجة المياه فى طريقه وإفراغها على رأس "عماد" ببرود على عكس الأخر الذي فزع من نومه وهو يقول:-
_ اى ... فى أى
نظر إلى "الجارحي" بغضبمن طريقة يقظته ليرمي "الجارحي" صورة "عادل" فى وجهه وقال بحدة وكبرياء:-
_ مش أنا وصلت للنجس اللى ضرب عليا نار
نظر "عماد" على الصورة ورأى وجه صديقه فشعر بتوتر سافر ليضحك "الجارحي" بسخرية ثم قال:-
_ أخر حاجة كنت ممكن أتخيلها أنك توصل للدرجة دى من الأنحطاط، تحضر على قتل أخوك... لا أخوك أى أنت فصيلتك فصيلة زبالة متعرفش الأخوة
أتسعت عيني "خديجة" على مصراعيها بصدمة ألجمتها وقالت بضيق مُتلعثمة:-
_ أنت عملت كدة؟
صمت "عماد" بغيظ ولا يملك جواب على أخاه، كان كالبركان الصامت بسبب غباء "عادل" الذي ظهر وجهه بغباء منه، أجابها " الجارحي" والدته بهدوء:-
_ يا سلام، ما هو عملها سبق قصاد الكل، بس أفتكري أن صمتى مش ضعف ولا خوف منه أنا اللى سكتني لحد دلوقت عشان اللى هعمله هيقهر قلبك إنتِ ، متلومنيش على أى حاجة هعملها من دلوقت ....
غادر الغرفة لتناديه "خديجة" بخوف من تهور ابنها قائلة:-
_ جارحي، يا جارحي....
لم يُجيب عليها فأستدار إلى "عماد" وأشمئزت من تصرفاته ثم قالت بغضب:-
_ إنت فعلًا عملت كدة؟
عاد للنوم ولا يبالي بشيء لتصرخ بانفعال فى وجهه:-
_ رد عليا؟ إنت عملت كدة؟ إنت اللى بعت ناس يضربه نار على أخوك
تأفف بضيق من والدتها وقال بخنق:-
_ أخوك أخوك ... إنتِ زنانة
غادر الغرفة ووالدته تركض خلفه فرأى والده أمامه يحدق به بوجه عابس غاضبٍظن تنحنح بضيق وقال:-
_ متردتش على أمك، إنت اللى عملت كدة فى أخوك؟
_ لا، ومش هنقعد نعيد ونزيد فى نفس الحوار، أطلع من نفوخي أنت ومراتك
قالها بضيق ليُصدم بصفعة من والده على وجهه ثم دفعه نحو باب الشقة وهو يقول:-
_ دا أخر تربيتي وتعبي فيك، غور برا بيتي يا واطي يا زبالة، أمشي غور روح الخرابة اللى بتقعد فيها مع المجرمين وقاتلين القتلة اللى تعرفهم
ظل يدفعه بقوة حتى أخرجه من الشقة وأغلق الباب فى وجهه وسط بكاء وحزن "خديجة" ليصرخ فى وجهها بضيق:-
_ إياك أسمع حسك، أنا من النهاردة ابني مات وإياك يدخل البيت ولا رجله تعتب باب الشقة إنتِ فاهمة
دلف إلى غرفته بضيق غاضبٍ ...........
_____________________________
[[ فى الإسكنــــدريــــــــــة ]]
خرج "فتحى" من غرفته فى التاسعة صباحًا مُرتدي قميص أبيض به خطوط سوداء وبنطلون أسود ، تحدثت "ياسمين" بقلق شديد قائلة:-
_ خُدني معاك يا فتحي
تحدث زوجها بضيق وتعجل وابنته لم تعود حتى الآن قائلًا:-
_ أخدك معايا فين هو أنا رايح أتفسح، أنا مش عارف حتى أنا هروح أدور على بنتك فين فى القاهرة، لتكوني فاكرة القاهرة دى وشارع وحارة
سارت خلفه بضيق تحاول أن تقنعه بالذهاب معه والقلق مُحتلها بسبب غياب ابنتها فهتفت بضيق:-
_ لا مش شارع وحارة بس هكون معاك وأطمن على بنتي، أنا كلمتها أمبارح وهى قالت هتتعشي وتركب
ألتف إليها بانفعال شديد وتحدث بنبرة قوية خشنة:-
_ مش يمكن كلامك معاها وحدتك هم اللى خلوها متجيش، أدخلى يا ياسمين وأنا لما أوصلها هكلمك وأخليها تكلمك تطمني
غادر الشقة بضيق تاركًا خلفه زوجته فى حالة قلقها بسبب اختفاء ابنتها ولم تستطيع الوصول لها.....
__________________________
أستيقظت "ليان" بتعب صباحًا لتمطي جسدها بتكاسل شديد فشعرت وهى تمدد جسدها بحجم الفراش الكبير وملمسه الناعم، فتحت عينيها وكانت تتوسط فراش كبير الحجم لم ترى سرير فى حجمه من قبل ، للحظة فزعت من مكانها وأنتفضت من السرير وعينيها تتجول حولها وكانت الغرفة بحجم شقتها، بيضاء اللون والأثاث أبيض وأمام السرير أريكة وشاشة تلفاز فأستدارت بذعر من فخامة المكان لتفزع حين رأت خلف السرير حائط زجاجي شفاف يظهر المرحاض والجاكوزي لتركض بذعر خارج الغرفة ولا تعرف كيف جاءت إلى هنا، للحظة شعرت بأنها فى منام جميل أنتشلها من حي الإسكندرية إلى الثراء الفاحش، وجدت نفسها أمام درازين دائري ويحيطه الكثير من الأبواب للغرفة فأقترب منه تنظر بالأسفل ورأت نافورة من المياه التى تتغير ألوانها ، سارت مع الدرابزين حتى وصلت للدرج وترجلت وبدأت تسمع أصوات من الأسفل كلما أقتربت حتى سمعت بوضوح صوت رجل يقول:-
_ مفيش الكلام دا ، اللى غلط لازم يتحاسب
أقتربت "ليان" من الصوت ووقفت خلف العمود الرخامي الذي يتوسط البهو ونظرت خلسًا ، رأت "جلال" يجلس على السفرة وقد أنهى فطاره وبجواره خادمة تقدم القهوة له ساخنة بينما هو يوجه حديثه إلى "كريم" وهناك رجل جاثيًا على ركبتيه أمام "جلال يطلب العفو منه بخوف، سمع جملة "جلال" ثم قال بفزع:-
_ أرجوك يا جلال بيه، أدينى فرصة وأنا هعمل كل اللى تطلبه منه أنا لحم كتافي من خيرك
ألتف "جلال" إليه ثم وقف عن مقعده ووضع يديه فى جيوب بنطلونه الأسود بغرور ثم وضع قدمه على ركبة الرجل يضغط عليها بإذلال ثم قال بحزم ونبرة مُرعبة:-
_ كان لازم تحسبها صح، يوم ما أنضمت للمنظمة بتاعتي كانت قواعدي واضحة وصريحة للجميع اللى يخون يموت .... دى القاعدة الأولي والوحيدة فى منظمة الصياد وأنت خالفتها تحمل بقى
أنحنى الرجل بفزع يقبل حذاءه ليدفعه "جلال" بعيدًا بأزدراء ثم قال بغضب:-
_ كريم
كانت "ليان" تراقب الوضع أمام عينيها ونبرته وإذلاله للرجل جعل قلبها وجسدها يقشعرا من الخوف والفزع لتخرج منها صرخة قوية حين أخرج "كريم" خنجر من خلف ظهره ونحر وجه الرجل ببرود تام، كانت صرختها كفيلة بأن تجعل الجميع ينتبه لوجوده، ألتف "جلال" نحو الصوت وأقتربت الخادمة بهدوء رغم أرتجاف يديها منه وقدمت القهوة له فأخذها وعينيه على "ليان" التى ما زالت تختبي منه بسبب خوفها وأرتشف القليل وتقدم خطوة فأخرى حتى أبتعد عن السفرة لتغلق الخادمة بابها الجرار حتى تنظف الغرفة، تحدث بنبرة جادة هادئة جدًا:-
_ هتفضلى مستخبية كتير يا دكتورة
أبتلعت لعابها بهدوء تجمع شجاعتها وتخفى خلفها الخوف وتحاول أن تسيطر على رعشة جسدها ثم ظهرت أمامه ورمقته بغرور فأرتشف رشفة من قهوته مُجددًا وعينيه تحملق بهذه الصغيرة التى تشبه عقلة الأصبع أمامه وتسير نحوه حتى وصلت أمامه وقالت بجدية:-
_ أحم أنا جيت هنا ازاى؟ أنت خطفتني صح؟
تبسم بخباثة على فكرتها التى وصلت إليها بعقلها الصغير ثم قال ببرود شديد:-
_ فيكِ أى مهم بالنسبة ليا عشان أخطفك يا دكتورة؟
تنحنحت بأحراج من بروده وإهانته لها، سار نحو الأريكة ثم جلس عليها وقال:-
_ اللى مستغربه بجد أزاى دكتورة زيك تقع الوقعة المنيلة اللى وقعتيها
عقدت ذراعيها أمام صدرها بكبرياء وقالت بأشمئزاز:-
_ صحيح وقعة منيلة، يوم ما أقع أقع مع قاتل ومجرم
ضحك بسخرية على حديثها وقال بمكر:-
_ القاتل والمجرم دا لولا وجوده كان زمانك دلوقت مفضوح ويا عالم خسرتي أى؟
لم تفهم حديثه ليقف من مكانه بعد أن ترك فنجان القهوة على الطاولة وسار نحوها حتى وصل إليها ثم قال بحدة:-
_ مسألتيش نفسك أنا جبتك منين يا دكتورة؟ لا دكتورة أى بقى؟ دا إنتِ طلعتي بتجابي من شقق
لم تتمالك أعصابها من كلمته الأخرى فرفعت يدها لتصفعه وهى تصرخ به قائلة:-
_ أخرس يا حيوان.....
مسك يدها قبل أن تلمس وجهه بدهشة من جراءتها خصيصٍ بعد أن رأته مُنذ قليل يقتل رجل بدم بارد، تقابلت عيونهما فى نظرة طويلة منها تحمل الغضب بسبب إهانته وحديثه السيء عنها ومنه تحمل بركان ناري ولأول مرة تجرأ فتاة على رفع يدها عليه فحتى الرجال يخشون وجوده وأسمه، ضغط على معصمها بقوة وقال بنبرة مُرعبة:-
_ إياكِ ، لأنك لحد دلوقت متعرفيش إنتِ واقفة قصاد مين
_ مجرم وقاتل
قالتها بعنادٍ وتحدٍ ، تكز على أسنانها بحدة حتى سمع صرير أسنانها فدفعها بقوة للخلف حتى أرتطم ظهرها بالعمود الرخامية بقوة لتشعر برجفة قوية فى عضلات صدرها الداخلية، نظرت إليه بغضب مُستمعة لحديثه:-
_المجرم والقاتل دا ميخطفش بنت، روحي اسألى صحابك كانوا واخدينك الشقة ليه ولا أطلعي على أى مستشفي وحللي لجسمك بما أنكِ دكتورة وشوفي المخدرات دخلت جسمك أزاى؟
صرخت بأنفعال شديد فى وجهه قائلة:-
_ إنت كذاب.....
توقفت عن الحديث وهى تضع يدها على صدرها بألم شديد بينما ألتف "جلال" يعطيها ظهره بغرور غاضبٍ من سذاجتها وهى تعانده وتتحداه، شعر برجفة بداخله أمامها ولأول مرة يعرف كيف تكون الرجفة بفضل هذه الصغيرة، ربما لجراءتها ولكونها الأولى التى تتحداه؟ سمع صوت أرتطام قوي فألتف ليصدم عندما رآها على الأرض فاقدة للوعي، هرع نحوه بدهشة ليرى وجهها شاحبًا ويديها مُنتفخة ومتورمة ليُصدم من هيئتها ، رفع رأسها عن الأرض وحاول أن يضرب وجهها بلطف قائلًا:-
_ ليان... ليـــان .... كــــــــــــــريم
دلف "كريم" بسرعة ليُصدم من هيئة الفتاة فصرخ "جلال" به بفزع:-
_ هات العربية بسرعة
أخذوها إلى المستشفي وبعد ثلاث ساعات تقريبًا من الفحوصات خرج الطبيب إليه ، وقف "جلال" من مكانه ببرود شديد قائلًا:-
_ عاملة أى دلوقت؟
_ للأسف تحليل الدم بتاعها أثبت أن عندها لوكيميا
_ لوكيميا!!
قالها بصدمة ألجمته ليتابع الطبيب بهدوء:-
_ اه سرطان فى الدم وهتحتاج لعلاج كيميائي
نظر "كريم" إلى رئيسه وقال بجدية:-
_ تحب أديها رقم باباها يجي
هز "جلال" رأسه بنعم ثم قال بحزم:-
_ روح شوف هتعمل أى وخلى المستشفى تكلم باباها عشان يجي...
________________________
خرجت "قُدس" من العيادة وكان "الجارحي" ينتظرها حتى أنهت الفحص مع الطبيبة، أخذ من يدها ورقة العلاج وقال بهدوء:-
_ تعالى أروحك عشان عندي شغل
تحدثت بهدوء قائلة:-
_ روح شغلك ويزيد هيروحني
أومأ إليها بنعم وجعلها تعود للمنزل مع "يزيد" وذهب إلى العمل، وصلت "قُدس" على البيت وسمعت صوت شجار قوي من شقة "مديحة" وكانت "وصيفة" تقف على باب شقتها فسألت "قُدس"بقلق:-
_ فى أى؟
_عمك فؤاد طرد عماد من الشقة ونزل عند ديحة ولما جدك كان خارج نادهت عليه ومن ساعتها صوتهم علي ومش عارفة ليه؟
وقفت "مديحة" أمام "حمدى" بغضب وقالت بانفعال شديد:-
_ أنا حرة فى مال أبويا يا حمدى، وأديه للى على مزاجي، وأنا بقى قررت أدي المحل ومصنع القماش لعماد ، أنا حرة فى مالي
ضرب "حمدى" الأرض بعكازه من الغضب ثم قال بحدة صارمة:-
_ عماد مين اللى تديله المصنع والمحل، المحل دا أبوكِ أدهولك لما خسر والزباين بقوا يتعاملوا معايا فرمهولك عشان إنتِ تجرى عليا وأشغلهولك وأكبره وكبرته وجهزت المصنع بمكن جديد من بلاد برا وجبت عمال شباب يطفحوا الدم فيه عشان اعرف أوقفه على رجله من تاني ، جاية دلوقت بعد ثلاثين سنة تقولى مال أبويا وأدي للى عايزاه، وبعدين عماد مين السُكرى بتاع النسوان والشمام دا اللى أديله مالي وتعبي.... أى عايزاه يروح يشم بيهم
_ يا جدي أنا
قالها "عماد" بغضب من حديث جده، ليقاطعه "حمدى" حين رفع عكازه فى وجهه بغضب ونظر إليه نظرة مُرعبة يقول:-
_ إنت تخرس خالص، إنت زرع شيطاني فى البيت دا
تحدثت "مديحة" بضيق شديد قائلة :-
_ برضو هأخد مالى من حبابي عينيك وهكتبه باسم عماد غصب عن عين التخين ، ولو مخدتش مالي منك بمزاجك هأخده بالمحكمة
أقترب خطوة منها بانفعال من عنادها وهى ترفع صوتها أمامه بجراءة ثم قال بمكر:-
_ اللى تعرفي تعمليه أعمليه، ومش هتطولي حاجة من مالي يا مديحة لا إنتِ ولا النجس دا وطول ما أنا عايش على وش الدنيا مش هتشمي منى جنيه، مالكيش عندى غير الحسنة اللى هيرميهالك كل شهر
_ هحجر عليك يا حمدى وهقول إنك أتجننت وعقلك خف
قالتها بعناد أكبر لتُصدم من رد فعله عندما صفعها على وجهها بقوة وخرج من الشقة، نظرت "وصيفة" له بخوف فتنهدت بضيق وترجل الدرجات حتى خرج من العمارة وبعد ثواني معدودة سمع الجميع صوت "رجب" وزوجته "سنية" يصرخان باسمه بفزع:-
_ يا حـــــج ..... يا ست وصيفة يا فؤاد بيه ..... الحقوا الحـــــج
وللحكـــــــــــــــــــــايـــة بقيـــــــــــــــــــــــــــــــــة ، يُتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع .................
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية