رواية آخر نفس الفصل الحادي عشر 11 - بقلم رشا روميه
الفصل الحادي عشر
•• أنت السبب ••
الكهف ...
بعد مرور وقت طويل على هذا الإضطراب الذى زلزل كيانهم أصبحوا أمام حقيقه واقعه واحده ، أنهم سيقضون بقيه أيامهم هنا ...
نفوسهم المهترئه جعلتهم متحجرين للتفكير تماماً كلٌ يفكر بنهايته فحسب حتى إنتبهوا لـ"زيد" كالعادة فكان أقواهم تحملاً وجلداً ورضا بقضاء الله ...
_ يا جماعه إحنا مفيش قدامنا إلا الإنتظار ... يمكن حد يساعدنا ونطلع من هنا ... عشان كدة لازم نشوف معانا أكل ومياه تكفينا قد إيه ويبقى إستخدامنا فيهم قليل جداً عشان نقدر نستحمل ..
كان "هادى" أول المعقبين على حديث "زيد" حين هتف بإنفعال ويأس بالغ نابع من نفسه الضعيفه ...
_ إحنا كدة كدة ميتين يا "زيد" .... حتفرق إيه مُتنا بعد يوم ولا ثلاث أيام ....
_ لازم يكون عندنا أمل .... حد عارف إيه إللى ممكن يحصل ....
لوح "هادى" بكفه متمللاً من "زيد" وحالميته غير مقتنع بحديثه بالمرة ، فما يقوم به "زيد" الآن ما هو إلا حلاوة روح كما يقولون لكن الواقع يثبت أن تلك هى نهايتهم ...
لم يعر "زيد" إنتباه ليأس "هادى" ليحث المرتحلون معه بالبحث بحقائبهم عن بقيه الطعام والماء ليكفى للجميع أطول فترة ممكنه ...
***
بيت هادى ...
آخر المطاف بين الأهالي جميعاً هو بيت "هادى" ، ذلك الشاب الثرى الذى يختلف وضعه عن بقيه أقرانه ، فهو له عمل مستقل يدر عليه الكثير من المال يخصه وحده لا لأهله ولا لشريك يقاسمه أرباحه ...
توقف الجميع أمام بيته الفخم للغايه والذى بُنى على أحدث طراز له أمكانيات تكنولوجيه وتصميم فريد للغايه بتعجب يزيد عن الإندهاش ، فمن أين إستطاع تكوين هذا المال لعمل ذلك ، وهل مجال الإعلان مربح لتلك الدرجه ...
لكن الإنبهار لم يدم طويلاً فبعد زيارة بيت "يارا" لم يعد الثراء والفخامه مقياس فربما أهله كأهل "يارا" لم يكترثوا ولم يهتموا بل جاء هذا الحادث كصدمه تفيقهم مما هم فيه ويشعرون بقيمه إبنتهم ...
لكن ما حدث كان على النقيض تماماً فبيت "هادى" لم يكن به سوى والدته وبعض الخادمات فعلى ما يبدو أنه وحيد ليس له إخوة ولا أخوات ...
كانت والدته سيدة رقيقه هادئه من ذوات الطبقه المخمليه الأرستقراطية ...
لم تكد "سعاد" تعرفها بنفسها وسبب مجيئها إلى هنا حتى إنهارت قوى والدة "هادى" تماماً حتى أنه قد أغشى عليها من الصدمه ....
رد فعل قوى لم تكن لتتخيله "سعاد" فيبدو أن تلك السيدة تتأثر بسهوله للغايه ....
علمت من الخادمه التى أسرعت لتفيق سيدتها أن السيدة "ألفت" والدة "هادى" لا تتحمل الضغوط والمؤثرات الصادمه إطلاقاً كما أن ولدها "هادى" هو وحيدها مدللها ولا تتحمل أن يمسه الهواء فكانت تلك الحادثه صادمه لها للغايه ...
شعرت "سعاد" كم أن هناك أُناس مرفهه للغايه هى حتى لا تستطيع تخيل مدى رفاهيه حياتهم بخلاف المال فإن الرفاهيه إسلوب حياة فكم من أصحاب المال لا يستطيعون الترفيه عن أنفسهم مطلقاً بل أن هناك من يتخذ من الدنيا بوابه للراحه بكل السبل ...
حقاً لقد قابلت اليوم كل الفئات وحيواتهم المختلفه فمنهم الكادح المتعب ومنهم الفقير الذى لا يهتم ومنهم الذى يتشبث بطرف الدنيا ليمر اليوم وينتظر الغد ومنهم المترف والغير مكترث ومنهم المنعم الذى لا يتحمل الصدمات فيقع بأول إختبار ...
****
الكهف ...
تجمعت الفتيات حول بعضهن البعض بينما تجمع الشباب بالجانب الآخر ولم يكن عليهم سوى الإنتظار ، لا يدركون ماذا ينتظرون لكنهم مجبرين على ذلك ...
كان الأمر بالبدايه إستسلام للواقع المرير حتى بدأ تفكيرهم يتبدل وإلقاء اللوم على الأخرين فيما حدث تهرباً من أن يكونوا هم السبب لما آل إليه الحال ...
تفاجئ الجميع بعد فترة طويله ساد الصمت بها بـ"هادى" يصرخ إنفعالاً ويخرج عن صمته وصبره بإنهيار شديد حين نهض من جلسته بقوة متجهاً نحو "ياسمين" قائلاً بحدة ...
_ إنتى السبب .... إنتى السبب ... جبتى لنا النحس بسلسلتك دى .... إنتى السبب ....
نظرات لوم علت أعين البعض مصدقين لما تفوه به "هادى" فيما حاول آخرون تهدئته وأن ما يفعله لن ينفع بشئ الآن ...
حتى تطور الأمر وأخرج "هادى" سلاحاً نارياً صغيراً من جيبه يوجهه نحو "ياسمين" وقد إتقدت عيناه بشرر قائلاً من بين أسنانه ...
_ لازم نخلص منك ... ده الحل الوحيد عشان نطلع من هنا ... إنتى النحس إللى وقعنا فى المصيبه دى ....
إتسعت عينا "ياسمين" بهلع وهى ترى "هادى" يشهر مسدسه تجاهها يود التخلص منها وقتلها ....
لتصرخ بقوة ...
_ لااااااااااااااااااااااااااا
للحظات تجمدت بها بموضعها لم تدرى ماذا تفعل شُلت كل أفكارها وتحركاتها ، هى لم تقصد أن ينالهم سوء حظها لكن الصدفه هى من جمعتهم بها وحدث ما حدث ...
لحظات فارقه بين إنفعال "هادى" وإطلاق النار لكن لم تصيب تلك الطلقه الناريه "ياسمين" مطلقاً على الرغم من أنها سمعت دوىّ إطلاق النار جيداً ، بل كاد يخترق صوتها القوى آذانهم جميعاً ...
فوجئوا بـ"زيد" يلقى بنفسه حائلاً بين "هادى" و "ياسمين" المذهوله ليصاب بجرح سطحى بكتفه فلحسن حظه أن الرصاصة لم تخترق جسده بل مرت حارقه بحافه ذراعه لينهمر منها الدماء دون إختراق الجسد ...
أمسك "زيد" بكتفه المصاب بكفه القوى محاولاً كتم أنفاسه وتحمل هذا الألم العظيم ، لم يكن كما كان يرى تلك المشاهد بالأفلام بل كان مؤلماً للغايه ....
جلس "زيد" ببطء متحاملاً على نفسه هذا الألم ليلتف البعض حول "هادى" يقاومونه ويسحبون هذا السلاح النارى من يده حتى لا يصيب أحد آخر وسط ذهوله من قدرته على الضغط على الزناد لأول مرة بحياته ...
بينما أفاقت "ياسمين" من ذهولها لتسرع نحو "زيد" الذى كاد يفقد حياته بدلاً منها تطمئن على جرحه ونزفه للدماء ...
بينما وقفت بقيه الفتيات فى إرتعاب مما حدث للتو فلم يتوقع أحد أن يصل إنهيارهم لهذا الحد ...
دنت "ياسمين" من "زيد" وقد زاغت عيناها حول الجرح بتهدج أنفاس شديد ...
_ إنت كويس ....؟!!
ثبتت عيناه على فراشته الملهوفه تكاد نظراته تصرخ "أحبك" لو فقط رفعت عيناها تجاه عيناه العاشقتان ، أتسأل عنه وتقلق عليه ، أهذا حقيقه الآن ...؟!!!
ياليته أُطلق عليه النار من قبل ليرى لهفتها وقربها منه لتلك الدرجه ، كم هى جميله .. رقيقه عن قرب ... بالفعل تستحق أن يخسر حياته كلها فداء لها ...
إبتلع ريقه بإضطراب وإرتجف جسده بقوة حين رفعت أناملها الرقيقه نحو جرحه الغائر ، إحتراق جسده لا يساوى رجفه مثل تلك التى شعر بها بلمسه منها ...
صمت "زيد" عن الرد جعل "ياسمين" ترفع وجهها تجاهه متسائله بتلهف ...
_ "زيد" ... إنت كويس ....؟!!
تهدجت أنفاسه وعلت ضربات قلبه بقوة وهو يومئ بالإيجاب مردفاً بهمس لم تستطع "ياسمين" تمييز ما يقول ...
_ كويس أوى ... كفايه إنك جنبى ....
مالت "ياسمين" بوجهها للأمام قليلاً وهى تضيق من عينيها بإستفهام ...
_بتقول إيه ...؟!!
إبتلع ريقه بقوة مردفاً ..
_ كويس ... متقلقيش ....
دارت بعيناها تجاه "هادى" الذى حاوطه بقيه زملائهم يقيدون حركته حتى لا يقوم بتصرف أهوج مرة أخرى لتصرخ به بحدة ...
_ إنت مجنون .... كنت حتموته ....
ضم "هادى" شفتيه بحركه عصبيه وهو يصرخ بها ...
_ إنتى السبب ... إنتى السبب ....
هنا صرخ بهم "زيد" ومازال يضغط على جرحه الغائر ...
_ ما تفوق بقى .... هى السبب فى إيه ... ؟؟! ما تفكر شويه ... ومش إنت بس ... لأ .... كلنا لازم نفكر ونعيد حساباتنا ... ربنا عمل فينا كدة ليه .... أكيد فيه حاجات غلط عملناها وهى السبب فى إللى إحنا فيه ... مش "ياسمين" ولا سلسلتها هى السبب ...
صمت الجميع لوهله أيمكن ذلك ...؟؟! أهم هنا بإختبار لما فعلوه وكان سبباً بنهايه حياتهم بتلك الطريقه ...
بالطبع كانت الإجابات المتهربه أسرع من الإعتراف بالحقيقه لتتعالى الكلمات برفض ما يتفوه به "زيد" ...
_ إنت بتقول ايه ....؟!؟
_ لأ طبعاً... إحنا معملناش حاجه ...
_ أيوة أكيد ... حنعمل إيه يعنى يكون عقابنا فيه الموت ...
_ إنت بتخرف ... كل ده عشان بتدافع عنها ...
تعددت العبارات الناكره لذلك ليرفع "زيد" كتفه بلا إكتراث قائلاً ...
_ زى ما تشوفوا ... عموماً إحنا حنروح من بعض فين ... أدينا قاعدين لحد ما شويه الأكسجين إللى فى الكهف يخلصوا ونفسنا يتقطع ونموت كلنا ...
كناقوس يدق برأس كل منهم ليلتزموا بعدها الصمت ما بين شعور بالذنب وآخر خائف ينكر أن ما حل بهم بسبب أفعالهم ...
أخذ "عامر" يضمد جرح "زيد" بما يحملونه من بعض الإسعافات الأولية التى يحملونها ليجلس الجميع فى الإنتظار مرة أخرى ...
•تابع الفصل التالي "رواية آخر نفس" اضغط على اسم الرواية