Ads by Google X

رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثامن 8 - بقلم رغد ايمن

الصفحة الرئيسية

 

 رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثامن 8 - بقلم رغد ايمن



8- بعضٌ مِن المَشاعِر، والشَّفقة!
                                        
                                              
ونَدِمتُ أنّي عرفتُهم يوماً
وقضيتُ عُمري كُلَّه ندمُ!

  

_______________



- أنا عارف إن الموضوع كُلّه على ورق، لحد ما نفكّر براحتنا هنتصرف ازاي مع "شهاب".. بس ولو، مينفعش الأمر يُبنىٰ على خِداع، لِذا..



ثم صمتَ هُنيهةً يستجمعُ كلماته، بينما هي شعرت بالتوتر لِما سيقوله..



قبل أن يبتلع "عُديّ" ريقه، ويقولُ بنبرةٍ مُتحشرجةٍ إثر غُصّة حلقه وألمِ قلبه:
- أعرّفِك على نفسي.. اسمي "عُديّ"، مُدرّس فرنساوي في مدرسة (            )..
عندي 35 سنة.. و، وكُنت متزوّج قبل كدة، لكن انفصلنا عشان.. عشان أنا عَقيم!



جَثمَ الصَّمتُ فوقَ أنفاسهما، فما الذي يُقالُ بعد ذلك؟!



شعرت "ريتاچ" بالصَدمة تلسعُ روحها بسياطٍ حادّة.. وتملّكت منها الشفقة تجاهه!
ألذلك هو يُحبُّ الأطفال كأحبِّ ما يُمكن؟!
ألذلك هو يُحبُّ "يُوسُف"، ويخافُ عليه بهذا الشكل؟!
ألهذا هو لم يتزوّج حتى الآن!



آلمها قلبها رغم كُلّ شيء، فقد كانت نبرةُ صوته تُوحي بمدىٰ الانكسار الذي يَحويه قلبه!



_______________



- "عُديّ"، أنا رُحت للدكتورة وقالتلي إني سليمة، وأكيد المُشكلة من عندك!



ألقت تلك المرأة جُملتها بوجهه، كالقاذفة.. فاتّسعت عينا "عُديّ"، وآلمه قلبه لقسوتها.. ولم تُمهله شيئاً ليُجيبها، فأسرعت تضربُ بمَجمع قوّتها على روحه، قائلةً بجفاء:
- وأنا بصراحة مش هقدر أستحمل إني ميكونش عندي أطفال، عشان كدة.. احنا لازم نتطلّق!



كان "عُديّ" صامِتاً، يستمعُ لقسوتها.. ويستمعُ لنزيف قلبه وشعوره بالقَهر والخُذلان!



وللحقّ، فهو لم يُمهلها شيئاً.. فألقىٰ بوجهها كلمة الطّلاق ثلاثاً، ثم اتّجه صَوبَ باب الشّقة يخرجُ منها..



_______________



انتبه من ذِكرياته، على صوتِ "ريتاچ" وهي تقولُ بنبرةٍ مُتهدّجةٍ باكية:
- أنا بعتذر ليك بالنيابة عنها، هي متستاهلكش!



عقد حاجبيه، وهو يرفعُ رأسه، ينظرُ لعينيها التي تلوّنتا باللون الأخضر الفاتِح.. تزامناً مع دموعها التي تنزلُ كالسَّيل..



ورُغمَ شعوره بالاندهاش، أن تلك التي تأثّرت مِمّا حكاه.. هي ذاتها من تشاجرت معه أكثر من مرة!
إلا أنه أجابها بسُرعةٍ وهو يُحاول جعل نبرته عاديّة:
- متعتذريش، محصلش حاجة.. يلا بقا عشان نروح المسجد؟



سأل بنهاية حديثه، ولم يُمهلها.. فرفع نبرة صوته وهو يُخبرُ الجميع أنهم سيرحلون..
ثم اتفق معهم أن تذهب والدته مع والدة "ريتاچ" و"يُوسُف" لمنزله..




                                      
 
                
إلى أن يعقدوا القران، ثم يلحقوا بهم..



وبعد ربع ساعةٍ، بعدما أوصَل "عُديّ" والدته مع البقيّة.. أخبر "ريتاچ" أنه سيتقدّمها إلى أن يصلوا للمسجد المُجاوِر..



وما إن وصل للمسجد، حتى وجدَ عَمّه وابن عمّه واقفَين ينتظرانه، كما أخبرهما بالأمس..



أخبر التي معه أن تنتظره ولا تقلق، ثم اقترب منهما يُسلّمُ عليهما.. قبل أن يسمع عَمّه يقولُ بنبرةٍ مُعاتِبة:
- هتتجوّز فجأة وقولنا نعدّيها.. لكن سُكّيتي يا ابن أخويا!



تنهّد "عُديّ" بثِقَلٍ، ثم تحدّث بهدوءٍ ومُراوغة:
- والله يا عَمّي هي الظروف مسمحتش إننا نعزم ناس كتير، ونعمل فرح.. وبعدين أنتَ عارف رأيي في الأفراح!



نظر له عَمُّه بنظراتٍ ثاقبة، قبل أن يتنهّد ثم يُشير لهما كي يتقدّما من المأذون الذي يجلسُ مُنتظراً..



ما إن اقترب "عُديّ" من موضع جلوس المأذون، الذي كان يعرفه من زيجته السابقة.. حتى همسَ له الأخير بأذنه، بنبرةٍ هادئة:
- عَرّفتها طبعاً إنك كُنت متزوّج قبل كدة؟



أومأ "عُديّ" برأسه علامة الإيجاب، قبل أن يسمع المأذون يميلُ على أذنه أكثر ويهمس بجدّية:
- رأيي يا ابني إنك تاخد الموضوع جَدّ، يعني متخليش الموضوع مَصلحة وبس، وبعد انقضاء المصلحة كل واحد يروح لحاله.. 
اسمع مِني يا ابني، أنتَ محتاج ليها، زي ما هي محتاجة ليك بالظبط!



ابتلع "عُديّ" ريقه، وهو يُشيرُ للمأذون حتى يبدأ..
بالأحرىٰ هو لم يستمع له وهو يتحدّث، فقد كان عقله يُفكّر تلقائياً بقول المأذون!
معه كُلّ الحَقّ، وإن تناقضت دواخله في ذلك.. 



مع "ريتاچ" أو غيرها، فهو حقاً يحتاجُ لمَسكنٍ تأوي إليه رُوحه.. 
وزَوجٌ يسكنُ معها قلبه!



سَمع المأذون وهو يقولُ بنبرته الرَّخيمة:
- ﴿وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾.



دقائق معدودة، قبل أن يسمعه يُكملُ قائلاً:
- بارَك الله لكما، وبارَكَ عليكما، وجَمَع بينكما في خَير.. ورزقكما الله الذُّريّة الصالِحة، آمين!



كانَ "عُديّ" يؤمّنُ وراءَ الآخر بكُلّ كَلمةٍ، إلىٰ أن وَصَل للجُملة الأخيرة!
شعر بقلبه يتفتّتُ كصخرةٍ أُهيلَ عليها بمِطرقةٍ من حديد!



ابتلع ريقه، ولم يجد إلا أن يَقول "آمين" أكثر مِن مَرّة!



وفي نَفس الوَقت، حين أنهىٰ المأذون حديثه بقَول تِلك الجُملة..
اختلست "ريتاچ" النظر لـ"عُديّ"، فلاحظت نظراته الشّارِدة وملامح وجهه الشّاحِبة.. فشعرت بشفقةٍ شديدةٍ، تجاهه.. ويكأنه طفلٌ يحتاجُ للحنان!




        
          
                
امتدّت يدها بتلقائيةٍ، وكثيرٍ من التردد تُمسكُ بكفّه تضغطُ عليه بمواساة..
وما إن شعر "عُديّ" بكفّها يلمسُ كفّه، انتفض لا إرادياً.. قبل أن يتذكّر أنهما بالفعل متزوّجان، فنظرَ لها لثوانٍ وهو يحاولُ أن يبتسمَ بوجهها..



ثم سلّم على المأذون، واستأذن من عمّه وابن عمّه حتى يُغادرا..



ساعدها على القيام من جلستها بلُطف، قبل أن يسير بجانبها خارجَين من المسجد..



وما إن خرج من المسجد، حتى وجدَ العديد من رجال الحارة، أو أطفالها يقفون أمام المسجد بانتظاره..



زفر "عُديّ" بثِقَل، ففي الواقع لا يملكُ مِزاجاً رائقاً لتلك المُجاملات!
إلا أنه اضطر أن يُسلِّم على الواقفين، وقد استمع طبعاً للعديد من العبارات على غِرار "لِمَ لم تَقُم بإخبارنا"، والكثير من الهمهمات بما معناها "ألم يجد امرأةً غير تِلكَ المُحِبّة للمشاكِل؟!"..



شعر ببعض الحنق يعتريه، فإنها مُنذُ الآن زَوجه، ولن يَقبَل بكلمةٍ تُقالُ بحقّها!
أفلم يُعاهِد الله مُنذُ قليل أنها أمانةٌ لديه؟!



استأذن منهم بأقصىٰ قدرٍ من الأدب، ثم أمسك بكفّ "ريتاچ" التي كانت صامتةً طوال ذلك الوقت، لم تتفوّه بكلمة..
سَرَت قشعريرةٌ على طول عمودها الفقريّ، إثر إمساكه بيدها.. فشعرت بالخجل منه، ومن تلك المشاعر التي ظنّت أنها دفنتها مع أول صفعةٍ من "شهاب"!



كان الصمتُ هو السائرُ الثالثُ معهما، كُلٌّ مِنهما شاردٌ بما يَحتويه ذِهنه!



- بقا كِدة يا أستاذ "عُديّ"، تتجوز من غير ما تعرّفنا حتى؟! مكانش العشم ولا الجيرة اللي بينا يا ابني!



كانت هذه من السيّدة أم "رانيا" مِعاتِبة له، ما إن خَطى "عُديّ" و"ريتاچ" بداخل العمارة..



أخرج "عُديّ" تنهيدةً بقلة حيلة.. يشعرُ بصُداعٍ شديد برأسه، فهو لم يَنَم سوىٰ ثلاث ساعات مُنذُ أحداث البارحة!
أما الأخرى، فقد أسرعت تقول بنبرةٍ حاولت جعلها لطيفة:
- ازيّ حضرتك يا طنط، يارب تكوني بخير.



"طنط؟! خمسين عفريت أما يتنططوا في وشك يا بعيدة!"
تمتمت بها أم "رانيا" بغيظ، قبل أن تُجيبها بلطافة مُصطنعة:
- الحمد لله يا ضنايا، بس متقوليليش طنط.. لاحسن أنا بنتي أصغر منك بكتير!



كانت السيّدة لا تُطيقها.. والسبب؟! تظنُّ داخل عقلها أنّها حرمت ابنتها من فرصةٍ عظيمةٍ للزواج بـ"عُديّ"!
لا تعلمُ أن الزوّاج نصيب، ونَّصيبها مَكتوبٌ عِند الله ﷻ!



ابتلعت "ريتاچ" ريقها، وقد شعرت بالضِّيق من إهانة تلك السيّدة لها، بطريقةٍ غير مُباشرة.. وقبل أن تردّ عليها، تحدّث "عُديّ" بقِلة صَبرٍ وهو يدعكُ جبينه، عَلَّ بعضاً من ألمِ رأسه يذهب:
- و"ريتاچ" بردو مش كبيرة يا طنط أم "رانيا"، ملامحها صغيرة وموضّحة إن سِنّها بردو صُغيّر.. عن إذنك بقا عشان نطلع!



أمسك بكفّ "ريتاچ" مرةً أخرى، ليصعدا السُلّم سوياً حتى لا تشعر بخجل!



لا تشعر؟! هي بالفعل تكادُ تنصهرُ خجلاً، تزامناً مع ضربات قلبها التي تكادُ تفضحها أمام الآخر!
هل يجبُ عليه أن يكونَ لطيفاً ويُدافعُ عنها دائماً هكذا؟!



- شكراً ليك، بس أنا فعلاً مش صغيرة للدرجادي.. أنا عندي 32 سنة!



قالتها ببعض المزاح، وهي تنظرُ له وهو يفتحُ باب الشَّقة.. فأجابها هو بثبات:
- 32 ومش صُغيرة؟! على كدة بقا أنا عجوز بالنسبة ليكِ!



وضعت يدها على فمها تكتمُ ضحكتها، ثم دخلت وراءه الشَّقة بحرجٍ شديد!
كَون كُلِّ شيء تَمَّ بسُرعةٍ ودون تخطيط، جعلها تشعرُ بعدم الراحة إلى حدٍ كبير!



- ماما احنا جينا!



رفع "عُديّ" بها صوته، بينما الأخرى تبحثُ بعينيها عن ابنها..
وما إن سمعت صوت والدة "عُديّ" تُنادي عليهما من الدَّاخل، حتى أسرعت الخطىٰ بعفويةٍ حتى ترى ابنها الذي أوحشها..



إلّا أن "يُوسُف" خالَف توقّعاتها هي و"عُديّ"، حينما وجدته جالساً على الأرض، يلعبُ بألعاب "عُديّ" حين كان طفلاً بمِثلِ عُمُره.. ولم يُعرهما أي انتباه..



قهقهت والدة "عُديّ"، والجَدّة بخفوت.. قبل أن تهمس الأولى لهما:
- مخاصِمكم عشان مخدتوهوش معاكم!



ابتسم "عُديّ" باتساع، قبل أن يسبق "ريتاچ" تجاه صديقه الصَّغير قائلاً بسُخرية:
- "يُوسُف" يا حبيبي أنتَ بجد مستوعب إنك زعلان عشان مروحتش كِتابة مامتك.. مش العكس!!



كتمت النّسوة ضحكاتهنّ، وما زالَ "يُوسُف" ينظرُ لتلك اللُعبة بيده، يتصنّعُ عدم الاكتراث لصديقه..



ورُغم أنَّ التَّعب والإرهاق، قد بَلغا من "عُديّ" مَبلَغه.. إلا أنه قال لـ"يُوسُف" بلُطف؛ يُصالحه:
- طب بُص، عشان أنا دلوقتي جَعان نوم.. ايه رأيك تنام جنبي زي ما وعدتك، وأحكيلك قِصة سيدنا "يُوسُف" عليه السَّلام؟!



ذابَ الجليد، وابتسم "يُوسُف" الصَّغير بحماسٍ وهو ينظرُ للآخر بابتسامةٍ واسعة، مما جعل قلبُ "عُديّ" يطرقُ بقوّةٍ بين جُنُباتِ أضلعه.. ثم جذبه يحتضنه بحنانٍ يغمُر قلبه وروحه..



كانت النسوة ينظرن لهما بابتسامةٍ وتأثر، خصوصاً "ريتاچ"، التي أدمعت عيناها وهي لا تذكُر مرةً واحدةً، نادىٰ فيها "شهاب" على ابنه كي يُعطيه قُبلةً صغيرةً، أو حتىٰ يُعلّمه شيئاً!



رأت "عُديّ" يهمسُ بأذن ابنها شيئاً ما، قبل أن يقترب "يُوسُف" منها ويحتضنها بشدّة، تزامناً مع قول "عُديّ" بنبرةٍ فاتِرةٍ مُرهقة:
- خُدوا راحتكم، أنا هدخل أريّح شوية.. وأنتَ يا جميل الوَجه والمَلامِح، ابقى تعالى لما تسلّم على مامتك!



ثم خرج من الغرفة التي يجلسون بها، تارِكاً خلفه "يُوسُف" يبتسمُ باتّساعٍ لذلك اللقب الذي أطلقه صديقه عليه..



يُتّبع...



*****


 
        

google-playkhamsatmostaqltradent