رواية سطور عانقها القلب الفصل السابع 7 - بقلم سهام صادق
*******
انكبت فوق الدفاتر التي لا تنتهي من مراجعتها ، والسيد فتحي لا يفعل شئ سوي أن يراقبها ويسألها عن بعض حسابات المحاصيل التي تم بيعها في الأشهر الماضية ..، وهي ما كان عليها إلا أن تثبت له كفاءتها بالرد السريع دون إخفاق ..،
استطاعت في الأسبوع الذي مضي علي وجودها معه ..، أن تنال إعجابه بذكائها , ولكن ذكاءها لم يكون في المرتبة الأولي بالتأكيد ..، فاعجاب
"السيد فتحي" لم يكن إلا لمدحها الدائم له عن قدرته علي السيطرة وحل الأمور ،
كانت نبيهة الفهم كما أخبرها بعد يومين من العمل لها معه
- كل ده بتخلصي مرجعة الشهر اللي فات يا صفا
والتقط كأس الشاي الموضوع أمامها ، ثم تلك السندوتشات التي تصّر عمتها علي أخذها
- حسابات الشهر اللي فات فيها لخبطه كتير ، يا استاذ فتحي
طالعها "السيد فتحي" بعدما أخذ يلوك الطعام بفمه ، ثم ارتشف كأس الشاي خاصتها تحت نظراتها المصدومة ..، فا هو طعامها من بضعة سندوتشات يلتهمها
- عايز الملف يخلص النهاردة ، بدل ما يكون في خصم أخر الشهر
امتقعت ملامحها وهي تسمعه ، فرغم كل ما تفعله لهذا الرجل ، وإطراءها له بكلمات كاذبه ..، لا يكف عن تهديداتها بالخصم من راتبها الذي تنتظره بفارغ الصبر
- هو مافيش جهاز كمبيوتر نسجل عليه الحسابات ، في برامج سهله وسريعه نقدر ندون فيها الحسابات من غير الدفاتر ديه كلها
طالعها "فتحي" وهو لا يفهم شئ مما تقوله ، ولكنه تمتم بعدما أنهي اخر رشفة من كأس الشاي
- كان في جهاز كمبيوتر وباظ ، بقولك إيه يا صفا متوجعيش دماغي بكلام المتعلمين ده ..، شوفي شغلك
أماءت له برأسها مع أبتسامة سمجه اصبحت تُجيدها من أجله ، وفور أن غادر المكان ..، تجهمت ملامحها تقبض فوق كفيها بقوة
- فتحي ابو معده تشيل ألف وجبة
..............................................
غادر الشركة بخطوات متعجلة ، وهو حانق من إجبار "عامر" له للذهاب للمزرعة ..، أعطاه الحارس مفتاح سيارته بعدما أخرجها من جراج الشركة، ثم
ازال رابطة عنقه ، وقد بدء يشعر بالأختناق ، والغضب من كل شئ
- أحمد
استمع لصوتها وهي تتقدم منه بخطوات سريعة ، تحمل بعض الملفات وعلي وجهها نظرات متسائله
- أحمد أنت رايح فين؟
وعندما رأت نظراته القوية وكأنه غاضب من شئ ما ، هتفت
- أنا كنت جايه عشان نراجع شوية حاجات ، خاصه بالمشروع زي ما اتفقنا
طالعها "احمد" بهدوء ، بعدما تدارك أمره ، معتذراً بلباقة قبل أن يصعد سيارته
- اسف يا فريده ، نسيت أبلغك قبل ما توصلي إني رايح المزرعة عندنا في البلد
وبحماس اندلع من عينيها ، اخذت تهتف راجية
- أرجوك خليني أروح معاك
كانت كالطفلة , مُلحة في رجائها
- فريدة ، أنا مش رايح فسحة ..، في مشاكل رايح احلها بدل عامر
واردف بعدما ادار مفتاح سيارته ، وقد أشاح عيناه بعيداً عنها
- عامر بيروح المزرعة كتير …
وقبل أن يُخبرها إنه سيخبر "عامر" ليصطحبها معه المرة القادمه ، كانت تندفع صاعده نحو المقعد المجاور له..، تزيل نظارتها عن رأسها متمتمه
- أرجوك ، أنا عمري ما شوفت الريف .. وهتكون رحلة جميله بالنسبالي
أعترض ، بل ووضع الحجج التي تمنع قدومها معه ، ولكنها لم تكن تسمعه ، تنهد ضجراً وهو يرمقها قبل أن يتحرك بسيارته نحو الطريق لمدينة المنصورة
فارتسمت السعادة فوق ملامحها غير مصدقة أنه اصطحبها معه ، رغم رفضه الشديد ..، رمقها خلسة حانقاً ..، فنفرجت شفتيها في ضحكة جميلة لا تُصدق إنه حانق هكذا
- مش هتتخلص مني ، غير لو فتحت العربيه ورمتني منها
مازحته وهي تضحك ..، وما كان عليه إلا أن يُشاركها الضحك بل والمزاح ..، وفي تلك اللحظه لم تكن تُصدق بأن الذي يُثرثر ويضحك معها هو
"احمد السيوفي" .
…………………
رفعت عيناها عن الدفاتر بأرهاق ، بعدما وجدت "السيد فتحي" قد دلف للتو اخيراً ، فنهضت عن مقعدها واسرعت إليه تحمل له أحد الدفاتر حتي تسأله عن شئ ما ، ولكن "فتحي" كان في عجالة من أمره هاتفاً
- أنا رايح البيت عندي ، اي حاجة تحصل رني عليا
- بس أنا محتاجة ، افهم حاجة منك يا أستاذ فتحي .. ، الحسابات هنا فيها شوية لخبطه
رمقها "فتحي" بضجر ، واسرع مُغادراً
- بقولك إيه يا صفا ، انا وافقت علي شغلك هنا ..، عشان تعملي كل المطلوب
وانصرف قبل أن يسمع عباراتها ، التي لو كان سمعها لطردها علي الفور
- ده أنا بقيت شغاله بدالك في كل حاجة ..
واردفت متهكمه، بعدما اصبح لديها معلومه بأنه زوج لأثنتين
- ما أنت لازم متكونش فاضي ..، مش متجوز اتنين
………………..
توقف "احمد" بسيارته جانب الطريق ، يلتقط أنفاسه بصعوبه بعدما لم يعد لديه قدرة علي المواصله ..، طالعته "فريده" بقلق تتسأل وقد أنتابها الذعر
- أحمد مالك ؟
- مخنوق يا فريدة ، حاسس إن روحي بتنسحب
- طيب تعالا مكاني ، واسوق بدالك
استجاب لها بعدما طالع الطريق أمامه ، فهو لن يتحمل المرور منه ، فالذكري مازالت محفورة داخله
احتلت مقعده ، ثم طالعتها بعدما طالعت الطريق الزراعي الطويل متسائله
- أفضل ماشية علي طول الطريق
أماء لها بعدما أغمض عيناه ، واسترخي برأسه فوق زجاج السيارة ..، غارقاً مع ذكرياته وتفاصيل الحادث قد عادت إليه رغم مرور خمس سنوات ولكن كل شئ ظل محفوراً داخله
تحركت بالسيارة ببطئ بسبب وعرة الطريق ..، ومن حينا إلي أخر كانت تنظر الي تشنجات وجهه وتلك الحالة العجيبة التي اصبح عليها فجأة.
ترقبته بنظرات طويلة بعدما توقفت أمام البوابة الضخمة الخاصه بالمزرعة ..، فرأته يعتدل في مكانه ..، يفرك جبينه بقوة وكأنه يطرد شئ ما يقتحم عقله
- خلينا نروح مستشفي هنا ، شكلك بيقول أنك مش كويس
هتفت بها "فريدة" وقد عاد القلق يرتسم فوق ملامحها ، طالعها بنظرة ضائعه ..، وهو يُحاول الثبات للعودة ونفض ذلك اليوم الذي اقتحمه بشدة عندما اصبح في البلده
- انا كويس يا فريده
- هو إيه اللي حصلك يا أحمد فجأه
رمقها قبل أن يلتقط زجاجه الماء من أسفل قدميه ، وترجل من السيارة ..، يزفر أنفاسه ..، ثم مسح وجهه بالماء بعدما أرتشف منه القليل ..، فغادرت السيارة هي الأخري واتجهت نحوه
- فريدة لو سامحتي مش عايزك تسألني عن السبب
طالعته في دهشة ، فهي تشعر بالقلق عليه ، وتريد معرفة السبب الذي جعله هكذا ..، وهو يُخبرها بكل بساطة أن لا تسأل عن شئ ، وقبل أن تهتف بحديث أخر كان يتجه نحو مقعده وينتظر صعودها السياره وهو يدق بوق السيارة بقوة ..، لتنفتح البوابة علي مصرعيها بعد لحظات
……………..
استرخت "صفا" في جلستها، متنهدة براحة بعدما جاء وقت استراحتها..، تمتمت حانقة وهي تنظر للمكتب الخالي..، ف بالتأكيد "السيد فتحي" الأن في منزله يتناول الطعام ، لدي زوجته الثانية .. ويأخد قسطً من الراحه ويتركها هي بين الدفاتر، ولا تهاتفه إلا إذا حدث أمر طارئ ..، وخاصة إذا جاء
" السيد عبدالرحيم" اليوم، ذلك الموظف المسئول عن عقود التجار وعقود صفقات البيع، مدّت ذراعيها للأمام لعلها تخفف الامهم من شدة تصلبهم،ثم
شعرت بالجوع فاسرعت في اجتذاب حقيبتها ولكن توقفت عن التقاطها وهي تتذكر أن "السيد فتحي" ذو كرش متسع تناول طعامها..، القتها حانقة فالخروج من المزرعة قبل موعد الإنصراف غير مسموح سوي لفرد واحد بالتأكيد " السيد فتحي" الذي لديه صلة قرابه مع السيد الكبير
- أنا لازم بعد كده اعمل حسابه معايا في السندوتشات، مش كل يوم تفضل معدتي تتعصر من الجوع وهو ياكل اكلي
تمتمت بطفولة، وهي تمسح فوق معدتها الجائعة.. ، عادت تفرد بجسدها قليلا وخاصة تلك المرة ساقيها، ولكن هناك شئ قد جلبته معاها بل شيئين..، اتسعت حدقتيها سعادة .. إنها قد تذكرت ، فحقا لم يعد لديها ذاكرة بعد تلك الحسابات والمراجعات التي لم يعد لعقلها أن يتسع لغيرهما
التقطت حقيبتها مرة أخرى، حتى تخرج كنزها الثمين الأول..، كعكة قد ابتعتها وهي اتية حتى تدلل معدتها مع كأس الشاي
وكنز أخر, ها هو يخرج ببطء، كتاب لكاتبها المتيمه به..، ورغم فقدها لشغفها بعد ما مرت به إلا أن أمس أتت إليها "جنة" به حتى يُسليها في عملها عندما تجد وقتً
طالعت الكتاب بشغف، تسأله كأنها تسأل حالها
- تفتكر هقرء كلامك زي ما كنت زمان ؟
وخرجت تنهيدة حزينة منها وهي تفتحه..، ولكن هذه المرة كانت تعيش داخل ما افتقدته منذ أشهر
استمعت لصوت في الخارج ولكنها لم تهتم، ف اهتمامها كان منصب علي كعكتها وكتابها
- نورت المزرعة يا احمد بيه
تجمدت عيناها نحو الأسطر، فالصوت أصبح قريبًا منها للغاية
- فين فتحي، يا صفا
والصوت لم يصبح قريبًا فقط، بل هتف أحدهم باسمها
انتفضت عن مقعدها وقد اتسعت عيناها ذهولاً، وهي تري الواقفين أمامها.. ،السيد عبدالرحيم الذي رمقها حانقاً من ذهولها اللعين، وسيدة جميلة أنيقة تُطالع المكان بعينيها بنظرة لا تعرف لها معنى، ورجلا يقف بشموخ وقوة ورغم الأرهاق الظاهر فوق ملامحه إلا إنه كان وسيم بل وسيمً جداً كابطال الروايات
تعلقت عينين " احمد" بالكتاب الذي تمسكه وقد ظنت إنه يرمقها هي، وسرعان ما اشاح عينيه عنها، يهتف بغضب
- مش معقول يكون في إهمال كده يا استاذ عبدالرحيم، فين استاذ فتحي
توتر " عبدالرحيم" وهو ينظر نحو "صفا" التي وقفت متجمدة الملامح.. تنظر إليهم
- قولتلك يا بشمهندس إن فتحي مستقوي بالقرابة اللي بينكم
تنهد مضجراً، وقد عاد يُطالع "صفا" بنبرة جامدة
- أنتي هتفضلي واقفه كده، فين استاذ فتحي يا استاذه
صدح صوته الصارخ، مما افزع "فريدة " الواقفة جواره، انتفضت "صفا" من حالتها الغريبة..، فما الذي حدث لها لتكون هكذا أمام هذا الرجل، تمالكت حالها وبنبرة حاولة أن تخرج ثابته
- استاذ فتحي راح يشوف مشكله حصلت في الأرض
رمقها "عبدالرحيم" وهو يعلم بكذبتها، فاسرع بنداء العامل الذي يقف خارج الغرفة
- عبدالمجيد، روح الأرض ونادي فتحي، قوله البيه هنا
اسرع العامل مغادراً، فبهتت ملامح "صفا"، وهي تري نظرة " السيد عبدالرحيم" المتهكمه نحوها.. ،ولكن ما افزعها تلك النظرة التي رمقها بها السيد الأخر صاحب الهالة القوية
- احمد خلينا نروح الأرض إحنا، ونشوف الموظف المهمل ده هناك
تمتمت "فريدة" بنبرة رقيقه، وهي ترمق "صفا" التي أنشغلت في البحث عن شئ ما فوق سطح المكتب..
أعجب" السيد عبدالرحيم" بهذا الاقتراح الذي هتفت به السيدة الجميلة، لأنه يعلم بأن فتحي ليس هناك، وهكذا سيتخلص منه ومن عجرفتها التي يمقتها
- أنا شايف إن اقتراح الهانم، صح يا احمد بيه واه حضرتك تشوف المحصول
كاد أن يوافقهم" احمد" علي الاقتراح، رغم إنه لا يُريد الدلوف لداخل المزرعة، فقد استطاع تجاوز شعوره هنا بصعوبه
طالعتهم " صفا" وقد نسوا وجودها، ولكن اخيراً تنفست براحة وهي تري" السيد فتحي" يُجيب علي مكالمتها وقد فتح الخط ، وبالتأكيد قد أستمع للحديث الدائر هنا
رمقها "احمد" بنظرة ممتقعة، فكيف لها أن تعمل هنا وعلي ما يبدو إنها لا تفهم شئ
- استاذ عبدالرحيم، دفاتر محصول الشهر اللي فات..، مش المفروض هتوريها للبيه، ده استاذ فتحي قالي لازم حضرتك تطلع عليها
تمتمت بها وهي تتجه نحوه، دون أن تعير صاحب المكان أي نظرة، فقد انتهت لحظات هيامها بذلك المتعجرف من أصحاب المال
التقط "السيد عبدالرحيم" منها الدفتر، بعدما علم إنها فعلت ذلك لتؤخره عما يريد حدوثه، ولكن ما اذهلها واذهله، أن" أحمد" هو من مدَّ يده ليأخذه منه ، بعدما رمقها بنظرة قاتمة لتجاهلها له
ابتسمت " صفا" وهي تري نظراته إليها وقد تبدلت، بعدما كان يظنها فتاة لا تعرف أن تتحدث
طالعتها "فريدة" ولم تخفي عنها ابتسامتها، بعدما استطاعت تلك العاملة أن تجذب انتباه، حتي لو بتلك الطريقة التي فهمتها
- احمد مش هنروح الأرض
- لو عايزة تروحي أنتي يا فريده، ممكن استاذ عبدالرحيم ياخدك معاه..، ويبعتلي بنفسه الموظف اللي المفروض كنت الاقيه موجود في مكتبه
تمتم بها " احمد" الذي جلس علي أحد المقاعد، يُطالع الدفتر ويتمنى داخله أن تكون هذه الفتاة مهملة، لتنال طرده فهي لم تروقه
تنهدت "فريدة" بضجر وحنق من معاملته، واقتربت من احد المقاعد تمسحها بمنديلاً، فحدقت " صفا" بها ولم يعد لسانها يستطيع أن يكف عن الحديث
- المكتب نضيف يا فندم، متقلقيش
ولكن "فريدة" لم تهتم بحديثها
- هاتي دفتر موسم الصيف
تمتم بها "احمد" ومازالت عيناه نحو الدفتر
- صفا، لسا جديدة هنا، شغاله من اسبوع..، متوقعش هتعرف حاجة عن توزيع الدفاتر
فرفع "احمد" عيناه نحو الواقفه التي اتجهت علي الفوز نحو احد الأركان تبحث عن احد الدفاتر، متمتمه بعدما التقطت الدفتر
- الدفتر، اه يا فندم
تجهمت ملامح" عبدالرحيم" وخرج من الغرفة حتى يُهاتف التاجر الذي حدثت معه المشكله الأخيرة بسبب المحصول الذي لم يحصل إلا علي نصفه كما اتفق مع فتحي
التقط منها "احمد" الدفتر، وعيناه لأول مرة منذ زمن تدقق في تفاصيل ملامح امرأة بتلك الطريقة..، ارتبكت "صفا" من نظرته، وقد اشاح عيناه نحو الدفتر ، وعاد لجموده وقد انشغلت "فريدة" في تصفح هاتفها.
أتى " السيد فتحي" أخيراً وقد خلصها من متطلبات هذا الرجل وجمودة
ولأول مرة تشعر بالسعادة وهي تستمع لتوبيخ أحدهم، ولكن توبيخ الجالس، لفتحي الذي وقف مطرق الرأس قد اطربها
- يا احمد بيه، مشكلة التاجر منه هو ..، هو اللي مرضاش يا خد النص التاني الطلبية لانه شايفها مش بنفس الجودة
- وليه المحصول مبقاش بنفس الجودة
طرق "احمد" كفه بقوة فوق سطح المكتب، فطالعه" فتحي" بتوتر
- مافيش مهندس زراعي كويس، اللى كان قبل ده..، كان بيفهم في أمور الأرض لكن
والتف خلفه، يرمق عبدالرحيم
- استاذ عبدالرحيم هو اللي معينه، عشان ابن اخته
وهنا قد بدأت حارب طاحنة، بين عبدالرحيم وفتحي بالألفاظ..، حتى اتي اسمها بالحديث وكل منهما يخرج ما بجبعته
- عامر بيه، لازم يعرف كل اللي بيحصل هنا..، وقريب هيكون ليه زيارة
القى الواقف عبارته، بعدما ظهرت معالم الغضب فوق وجهه، وقد نسي أي حديث قد تم قوله ولم يتذكر إلا أن تلك الواقفه ليست تمتلك شهادة خاصه بمجال المحاسبة
- وانتي يا استاذه..
لم تنتبه "صفا" علي حديثه، بل كانت تقف مبتسمه كالبلهاء وهي تستمع للتوبيخ الذي حدث لفتحي وعبدالرحيم وكيف وقفوا مطرقين الرأس في صمت ،
وبنبرة قوية كان يكمل حديثه متسائلاً بغلظة
- معاكي شهادة ولا مجرد دبلوم يا أستاذة
انتبهت "صفا" علي حديثه، وقد توقفت عيناها نحوه، وقد رمقها بنظرة محتقرة بعدما فهم الوضع
- لا أنا مهندسه اتصالات يا فندم
القت عبارتها بثبات، حتي تزيل تلك النظرة التي تقلل من قدرها
- و اظن يا فندم محدش بيشتغل بتخصصه ، لكن الكفاءة بتحكم، وحضرتك شايف الدفاتر قدامك.
تفاجأ" احمد" بردها، ف الفتاة التي يظنها بلهاء، تقف تجيب عليه دون أن تهتز
- بس الحسابات مش من تخصصك، وممكن تخسري المزرعة فلوس كتير
قالتها "فريدة"، وهي ترمق "صفا" بنظرة متهكمه
- مافيش مشكله يا فندم، تقدر تفصلني عن الشعل
قالتها بثبات وقوة لذلك الواقف ، والتفت بعينيها نحو "فريدة" التي رمقتها بحقد
طالعت فريدة "احمد" تنتظر أن يؤكد علي كلامها ولكن "احمد" كان يُحدق بالواقفة أمامه، إنها تُذكره بها ليس في الملامح ولكن بشخصيتها، شخصية لا تعرف اهي بلهاء، ام ضعيفة..، ام قوية .. تفرض حضورها إذا لزم الأمر
..........
انتبهت "جنه" بكل حواسها لما تقصه عليه "صفا" غير مصدقة ما حدث اليوم، ومناطحتها لهذا الرجل الذي وصفته بالبرود الذي لم تري مثيله بحياتها، قطبت "جنة" حاجبيها وقد عادت "صفا" لوصفه لها
- أنا شايف إنك كنتي مركزه مع عيونه اوي يا صفا
هتفت بها "جنه" بمكر قد خُفى عن عينين" صفا" التي أنشغلت في طيّ الملابس ورصها في الخزانة الصغيرة
- ولا شعره يا جنه، شعره ناعم واشقر..، هو مش اشقر اوي..، بس زي الاجانب كده
اتسعت عينين "جنه" ذهولاً، ولطمت صدرها تشهق بقوة
- نهار اسود، ده انتي فصصتي الراجل، فين صفا اللي بتكثف تبص علي أي راجل.. ،ده أنتي كان أخرك الروايات
طالعتها "صفا" بعدما شعرت بالصدمة من حالها، فكيف أخرجت ذلك الحديث من داخلها..
- هو أنا حكيت حاجه اكتر من وصفه ياجنه
رمقتها "جنه" بتلاعب، وقد أدركت الوضع الأحمق الذي شردت به "صفا" برجلاً لن تصادفه مرة أخرى
- أنتي حتى لو مقولتيش , عينك فضحتك
طالعتها "صفا" حانقة، بعدما دفعت بالثوب الذي طوته للتو إليها ، ثم القت بجسدها فوق الفراش
- اول مرة راجل يخطف قلبي كده يا جنه
لم تتحمل "جنه"، ذلك الهيام الذي تسمعه منها، فتعالت ضحكتها غير مصدقة حالتها اليوم
- ياصفا يا حببتي انتي اخرك أبطال الحكايات اللي انتي بتتخيليهم في أحلامك، ومراد زين الكاتب العجوز اللي بتحبي
ولم ينتهي تهكم "جنه" إلا عندما قذفتها "صفا" بالوسادة الثقيله، وقد انبطحت بعدها، انفرجت شفتي صفا في ضحكة عاليه..، أتت عمتها عليها متسائله وهي تنظر إليهم
- مالكم في إيه ؟
وكاد أن يخرج من شفتي "جنه" الحديث ، إلا أن صفا أندفعت نحوها ترفعها من فوق الأرض، وتكتم شفتيها بكفها تُخبر عمتها
- أصلها مش مصدقة إن فتحي اداني مكافأة النهاردة
………………….
عاد بعدما يوم عصيب مرهق قد مرّ به ، انعش جسده بالماء البارد لعله يفيق قليلاً من تلك الحالة التي وصل إليها ..، فقد تجاوز اليوم أمراً لم يظنه أنه ييتجاوزه يوماً , لقد ذهب للمزرعه ..، ذهب للمكان الذي فقد فيه حبيبته ..، للمكان الذي شهد بعضً من لحظاتهم السعيدة ..
خرج من المرحاض يُجفف عنقه وشعره ، واتجه نحو الفراش يهوي عليه دون أن يبدل مئزره ، فلم يعد يتحمل الارهاق الذي ينهش جسده ..، تمدد فوق الفراش ثم أغمض عينيه ..، وصورة واحده كانت تظهر أمامه .. ، صورة تلك الفتاه التي تعمل بالمزرعة ، نفض رأسه سريعاً وهو ينهض عن الفراش وكأن عقرب قد لدغه ..، فكيف لعقله أن يُخزن بذاكرته أمرأه غير "مها" ومن مجرد لقاء واحد قد جمعهم
اتجه نحو مكتبه الخاص في غرفته الفسيحه ..، يفتح أحد ادراجه ويخرج إطار صورة , كانت من اجمل ذكرياتهم وهي تضحك ، بضحكتها الجميلة التي سلبت فؤاده في أول لقاء بينهم كما سلبت قلبه بأكمله ، كانوا يُداعبون الفرس الذي كان هو ورقته الرابحة في سباقاته والمفضل لديه ، وكان أيضاً سببً في كرهه للفروسية ، إنه السبب في موتها
القي الصورة داخل الدرج ، بعدما لم يعد لديه قدرة كالعادة في مطالعة أي شئ كان يجمعهما ..، فالشوق والحنين يأخذه إليها
واللحظات الجميلة ها هي تتدافق علي عقله ، يتذكرها وكأنها كانت بالأمس بين ذراعيه
- أحمد كفايه بقي خلينا نمشي ، أنت عندك شغلك وأنا كمان
داعب عنقها بشفتيه ، وهو غارق في دفئها ولذتها
- مش مهم أي حاجة ، المهم تفضلي في حضني
أخذها في جولة أخري في بحور عشقه ..، وبصعوبة كانت تتخلص من آسره ضاحكة بعدما رأت نيته
- لا ده أحنا كده هنفضل طول اليوم هنا ، وأنا لازم أفتح المكتب النهارده
ارتطم فوق الفراش بثقله ، بعدما لم يستطيع جذبها
- مفكرتيش برضوه في كلامي
اقتربت منه ، بعدما ضمت الغطاء فوق جسدها بأحكام ..، وتنهدت وهي تُطالع نظرته إليها
- وأنا نفسي يبقي ليا كيان يا احمد ، حتي لو في مجرد مكتب بسيط ..، كفايه إنك بتصرف علي أهلي
واردفت متحسرة علي حالها
- ويمكن في يوم تسيبني ، وهكون خسرت كل حاجة في حياتي
اجتذبها إليه ، بعدما لم يعد يتحمل رؤيتها بهذا الضعف ..، وحديثها عن تركه لها يوماً
- أنا عمري ما هحب ست غيرك يا مها ، ولا هقبل بست تاني إلا أنتي
لامس خدها بحنو ، يمسح عنها دموعها ..، يهمس لها بعشق
- بحبك
فاق من ذكرياته وقد وقف أمام مرآته يُطالع حاله
- لازم تبعد عن فريده يا احمد ، قلبك ل مها ومافيش ست هتقدر تاخد مكانها!
...............................................................
ورغم الفتور الذي ستيقظ به هذا الصباح ، إلا أن ما كان ينتظره منذ عام قد تحقق وهو يتلقي تلك المكالمة الهامة التي لم يُصدقها ..، طالع بريده الألكتروني وقد أتت عليه رساله بريديه أمس ، ولكنه لم يُجيب عليها ..، فاضطرت المؤسسه لمهاتفته حتي تخبره بالخبر السعيد وسعادتهم في الأنضمام إليهم
نهض عن مقعده وقد أخذ يدور في أرجاء غرفة مكتبه بحماس، ثم عاد ينظر نحو الفاكس المُرسل ، وجلس مرة أخري علي مقعده خلف مكتبه مُسترخياً بملامح سعيدة ، مُنتصرة لما حققه
احمد : يا اخيراً وصلت لحلمي ، وانضميت للمؤسسة في أمريكا
وسرعان ما كان يعتدل بثبات ، وقد دلفت سكرتيرته تُخبره بوجود "رامي" صديقه
- دخليه بسرعه يا داليا
غادرت الغرفة بعدما تلقت أمره ، وقد اعتلي ملامحها الذهول , من تلك السعاده الغريبة التي ترتسم فوق ملامحه الجاده ، فلم تعتاد علي رؤيته هكذا طيلة الثلاث أعوام التي عملت فيها معه
طالعه "رامي" بغرابه بعدما دلف ورأه علي حالته العجيبة ، فاتجه نحوه متسائلاً بشك
- ما تقولي سبب سعادتك ديه ، وفرحني معاك ياابن السيوفي
وجلس بعدها ينتظر سماعه ، فوق المقعد المقابل له ، اتسعت أبتسامة أحمد وقد شعر "رامي" بالقلق من هيئته الغريبة ..، فلم يري صديقه هكذا منذ سنوات دراستهم بالجامعة
- الشركه الامريكيه وافقت علي المشروع السياحي اللي قدمته ليها ، وموافقه اني اكون شريك معاهم بنسبه30%
ندهش رامي مما سمعه متمتماً بعدما نهض عن مقعده هو الأخر وقد الجمه الخبر:
- احمد انت بتهزر !
احمد : كان حلم حياتي اوصل للشركه ديه وانضم ليها ، انت عارف انها بتضم أكبر مهندسين العالم في المعمار
حضنه "رامي" بسعاده غير مُصدقاً ما وصل إليه صديقه
- مبروك يا احمد ، متعرفش أنا فرحان ليك أد أيه
ولكن سرعان ما تلاشت سعادته وطالت نظراته نحوه ، بعدما تذكر أن صديقه سيرحل عن مصر ، لتصبح حياته في بلد أخر
- طيب والكتابه وشركتك هنا في مصر
احمد : الشركات هنا في "عامر" وهو أجدر مني في كل حاجه ، اما كتابة الروايات
فأنا قررت اوقف كتابه خلاص ، جيه الوقت الي اوقف خداعي للناس انا مش "مراد زين".. ، صحيح انا الكاتب الاصلي بس مراد زين , مات من 15 سنه
واردف وهو يُشيح عيناه عن صديقه
- أنا بخدع الناس بالمثاليه والحب ..، الحب اللي بقيت عايش فيه مع الذكريات ، انا شخص مات من زمان يا صاحبي ..، مات مع اول صدمة كانت في حياته
وارتفعت وتيرة أنفاسه وهو يتذكرها
- موت الانسانه الوحيده اللي حبتها
واتبع حديثه بمرارة اقتحمت حلقه
- مراد زين ، الكاتب اللي كتاباته مغرقة السوق , سواء عن الحب او الظلم أو العداله او الرضي .. ، عالم بيحاول يبنيه لنفسه عشان يقدر يعيش والانسان اللي جواه ميموتش
وابتسم وهو يتابع حديثه ، وقد ترك حلم أخر خلفه :
- مراد زين أعتزل خلاص ، زي ما أعتزل الفروسيه زمان
ومد ذراعيه نحو "رامي" الذي اصبحت ملامحه حزينة لفراقه :
- محدش يعرف حقيقة مراد زين غيرك انت وعامر ، أنا واثق ان عامر هيفرح من خبر أعتزالي للكتابه ، لانه من زمان اوي كان معترض..
واردف وهو متحسراً علي حال شقيقه :
- هو شايف ان العالم اللي لازم نعيشه هو عالم الفلوس و الصفقات
- وأنا يا احمد ؟
تمتم بها "رامي" ، فرمقه أحمد وقد تلاشت سعادته وهو يري حزن صديقه
- هنفضل ديما علي تواصل يا رامي ، ومين عالم يمكن تغير فكرتك وتيجي أمريكا معايا ..، لسا فاضل شهر علي رحلتي
احتضنه "رامي" بقوه ، فرغم حزنه علي فراقه ..، إلا إنه يتمني له النجاح ولعلا يجد حياة جديده له هناك بعيداً عن الذكريات
- اهم حاجه عندي يا ابن السيوفي انك تنجح وتنجح ، تنجح بقي في عالم الادب ، تنجح في عالم المال ، تنجح في عالم الهندسه والعلم .. المهم انك تنجح لانك تستاهل ياصاحبي
وابتسم بحزن وهو يُطالعه : هفتقدك اووي يا أحمد ، اوعي رحلتك تطول في أمريكا وتعيش عمرك كله هناك
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية