Ads by Google X

رواية خطان لا يلتقيان الفصل السادس 6 - بقلم رغد ايمن

الصفحة الرئيسية

 

 رواية خطان لا يلتقيان الفصل السادس 6 - بقلم رغد ايمن

6- زوجتي!
                                        
                                              
يُقالُ عن الرَّجلِ "زوجُها"، وعن المرأة "زَوجُه".. وقَبلَ وضعِ النِّقاطِ على الأحرف، كانت العَربُ تقول: "روحُها"، و"روحُه"!



وأقولُ أنا: ذو القلبِ القاسي، لا يؤتمنُ على روحِه!

  



شعر "عُديّ" بقلبه ينقبض بشدّة، فأخذ الصبيُّ بحضنه بسُرعة وهو يكبتُ دموعه!



هل عانى الصبيُّ وحده فَزِعاً خائفاً؟!
هل بكى كثيراً، هل تركَ والدته بمُفردها ليأتي لإخباره؟
هل..



- يلا يا بني بسُرعة نروح نشوفها.



هكذا قالت والدة "عُديّ"، بعدما ارتدت عباءتها وحجابها على عَجلة..



سارَ ثلاثتهم، رُغم شعور "عُديّ" بالإحراج الشديد.. 
لم يذهب معهم إلا ليكون كَتفاً آمناً لـ"يُوسُف".. 
فما زالَ صغيراً جِداً ليكون وحده!



ألم يُنصّب نفسه أخاه؟! إذاً فليَكُن على قَدر الأخوّة!



كان "يُوسُف" يركضُ في الشارع، وخلفه يُهرول "عُديّ" ووالدته..



دقائق، ووصلوا للعمارة.. فطلبت والدة "عُديّ"، من الصَبيّ أن يسبقها، ثم لحقته بأسرع ما استطاعه عُمرها.. 
أمّا "عُديّ"، فقد كان يُقدّمُ قَدَماً، ويؤخرُ الأخرى بكثيرٍ من الحرج..



بالطبع هو لن يدخل، ولكن سيقفُ بعيداً عن مدخل الشَّقة، قريباً من الممر المؤدي إليها.. حتى يُطمئن صديقه الصَّغير..



_______________



•قَبل مَجيء "يُوسُف"..



كانت "ريتاچ" تجلسُ بجوار ابنها، تُساعده بحلّ الواجبات المدرسية..



ثوانٍ، وتركته يُكملُ بمفرده، وأمسكت هي هاتفها تتصفَّحُ رسائلها..



- ماما أنا مش فاهم السؤال ده!



قالها "يُوسُف" بحيرة، فأغلقت هاتفها واضعةً إياه على الطاولة.. ثم أمسكت الكتاب وهي تقرأ السؤال..
وإثر ذلك، رنَّ هاتفها بمُكالمةٍ ما!
نظرت نظرةً عابرةً للمُتصل، ما لبثت أن عقدت حاجبيها ببعض التوتر عِندما رأت رقماً غيرُ مُسجّلٍ لديها يتصلُ!



نظرت للصبيّ، الذي كان ينظرُ لها مُنتظراً أن تردّ على الهاتف.. وقالت له بتوتر:
- "يُوسِف" معلش، ممكن تروح عند تيتا!



رُغم فضولِ الآخر لمعرفة كُنه المُتصل، إلا أنه استمع لقولها..



ما إن خرج من الغرفة، حتى أجابت "ريتاچ" على الاتصال واضعةً الهاتف فوق أذنها بصمت وترقّب.. إلى أن انقبض قلبها بقسوةٍ وعُنفٍ جِرّاء بدءِ الطرف الآخر الحديث، قائلاً بنبرةٍ مَليئةٍ بالخُبث:
- الجَميل أخباره ايه؟ موحشتكيش؟!



 
شعرت بكمّ رهيبٍ من الغضب والاشمئزاز ينتشران بين عروقها.. إلا أنها أجابته بنبرةٍ حادّة:
- عايز ايه يا ***** أنتَ، هو احنا مش اتطلقنا خلاص؟! 



أخرج الآخر صوتاً نافياً مُستنكراً من شفتيه، مُجيباً عليها ببرود يستفزّها:
- تؤ تؤ تؤ، كِدة برضو تشتمي جوزك حبيبك! مكانش العشم ولا سنين الاستهبال اللي..



قاطعته بصوتٍ عالٍ حادٍّ تستنكرُ ما سمعته:
- نـــعــم! أنتَ بتخرّف بتقول ايـه؟! 



أجابها هذه المرة بقسوة وجفاء:
- زي ما سمعتِ كدة! أنا ردّيتك، يعني رِجعتي مراتي.. اجهزي بقا أنتِ و"ياسّو" عشان هآجي آخدكم النهاردة..



ثم صمتَ لثوانٍ يهمسُ بأذنها بشيءٍ حقيرٍ مثله، قبل أن يُنهي المُكالمة قائلاً بنبرةٍ ساخِرة:
- مع السّلامة يا.. مراتي!



_______________



كان "عُديّ" بإمكانه سماعُ صراخها الحادّ.. ويكأنها فقدت شخصاً عزيزاً عليها!



صُراخٌ هستيريٌّ، يتخلله حديثها الذي يُظهر مَدىٰ احتراق قلبها:
- أنــا بـــكــرهه! ازاي يـردّنـي على مزاجه كِدة! ازاي بعد ما خَـدعني وأذاني وظَلمني، يــقــولي بكُــل بسـاطة إني رِجعت مراته؟! بـــكـــرهه، بـــكـــرهه!



وما لبث أن سمع شهقاتٍ حادةٍ عالية، توحي بانهيارها وبُكائها العنيف!
وبجانبها سَمع صوت والدته تواسيها بهدوء، وصوت امرأةٍ أخرى تتحدثُ بنبرةٍ مُنكسرة!



رُغم أنها كانت حادّةً معه أكثر من مرة، إلا أنه شعر بالشفقة عليها.. وقد فهم من حديثها أن زوجها قد رَدّها لعِصمته بعد طَلاقهما..
تنهد بثِقل، فما باليد حيلة.. على الأقل لن يعرض مُساعدةً إلا إذا استدعىٰ الأمرُ ذلك!



ولكن حواسّه كُلّها انتبهت، حين قالت والدة "يُوسُف" بقهرة ونبرةٍ باكية:
- يا طنط ده حاول يخطف "يُوسِف" قبل كدة عشان يهددني بيه! فيه أب يعمل كِدة في ابنه؟!



حينها، شعر "عُديّ" بالغضب الشديد يندفعُ لعروقه عِندما استمع لقولها!
لم يحتمل أكثر، وتقدّم تجاه الباب يرنُّ الجرس.. 
ثوانٍ وفتح له "يُوسُف"، فنظر للصغير بدموعٍ أبىٰ أن يجعلها تنزل.. ثم جذبه داخل عِناقٍ قويّ يُواسيه!



ويكأنه يعتذرُ له بهذا العِناق عن قسوة العالم.. وقسوة الأقربين!



ابتعد عنه، قائلاً بنبرةٍ مُتحشرجةٍ إثر غُصة حلقه:
- عرّفهم إني هدخل، بعد إذنكم طبعاً!



فَهم الصبيُّ ما يقصده "عُديّ"، فأومأ برأسه علامة الإيجاب.. قبل أن يذهب لإخبار والدته وجدّته حتى ترتديان لباساً يليقُ بوجوده..



خمسُ دقائق، قبل أن يفتح "يُوسُف" الباب الذي وارَبه قائلاً لصديقه بنبرةٍ خافتة:
- اتفضّل يا عمو.




        
          
                
شعر "عُديّ" بمدىٰ انكسار الصبيّ وحُزنه، فبالأحرى من الذي سيتحمّلُ تلك الأحداث المشحونة؟!



دلف "عُديّ" للشقّة وهو يُنزلُ بصره للأرض بأدبٍ، قائلاً بهدوء: 
- السلام عليكم يا أم "يُوسُف"، بعتذر إني جيت في وقت زي كدة.. بس غصب عني سمعت كلام حضرتك، وأنا بعرض مُساعدتي!



وقبل أن تتحدث "ريتاچ" بأي كلمةٍ لاذعة إثر غضبها، تحدّثت الجَدّة بلهفة وقد عَلمت أنّ هذا هو "عُديّ" الذي يتحدّثون عنه:
- تعالىٰ يا بني اقعد، كَتّر خيرك والله.. اقعد وأنا هحكيلك!



اتجه "عُديّ" للجلوس بجوار والدته، التي ربّتت على فخذه بابتسامةٍ فخور بابنها.. قبل أن تتحدّث الجَدّة تحت نظرات ابنتها المُستنكرة:
- بُص يا ابني، خُلاصة الكلام بما إنك شيخ وكدة.. المَحروق جوزها كان مطلّقها قبل كدة مرتين، وهو النهاردة اتصل بيها وقالها أنه رَدّها.. هو يعني كدة ردّها فعلاً، ولا ينفع متقعش؟



أنهت حديثها بنبرةٍ حائرة مُنكسرة، فتنهّد هو وقد انقبض قلبه!
ما يزالُ كما هو، أمور الطّلاق والخِلافات الزوجيّة تكادُ تُزهِقُ روحه!



إلا أنه تنهّد، وقد ابتسم لها قائلاً بصوتٍ هادئ رخيم:
- هو مبدأياً أنا مش شيخ، أنا مُجرّد شخص عادي بحاول أقرب من ربنا ﷻ..
ندخل في المُهم! اه للأسف، لو الزوج رَدّ زوجته بدون علمها، أو رضاها أو رِضىٰ وَليّها.. فالردّ بيقع، وبترجع مراته!



وقبل أن يتركَ لهم فُرصةً ليقولوا شيئاً، أكمل بحزم:
- وده مش كلام "عُديّ"، ده كلام عُلماء وفُقهاء كِبار زي ابن تيمية!
بس ايه الشَرط لِكدة، إنها تكون لسة في عِدّتها.. وعِدة المُطلّقة، ثلاثة حَيضات.. أو ثلاثة أشهر للتي لا تَحيض!



عَمَّ الصمتُ بينهم، فقد كانت المرأتان تستوعبان حديثه..
ثوانٍ، ولمعت عينا "ريتاچ" قائلةً وقد بدأ الأملُ يتسللُ لقلبها:
- لَحظة، أنا افتكرت حاجة! "شهاب" طلّقني من حوالي تلت شهور ونُص.. أيوة أنا مُتأكدة!



حمحم "عُديّ" بحرج، يُعدّلُ على حديثها ويذكّرها قائلاً بحياء:
- حضرِتك متنسيش الشرط التاني!



عقدت "ريتاچ" حاجبيها بعدم فهم، تطلبُ منه توضيحاً أكثر.. 
فحمحم "عُديّ" ناظراً لوالدته أن تُنقذه من الموقف، وتوضّح للأخرى..



فأسرعت والدته تقوم من مكانه، وتتجه للجلوسِ بجانبها تهمسُ بأذنها أن تتأكد أن في تلك الشهور الثلاثة، لم تَحِض أقل من ثلاث حيضات!



احمرّ وجه "ريتاچ" بشِدّة، وقد تذكّرت ما قاله لها منذُ قليل..
ثم قامت من مجلسها تدخلُ غرفتها لتتذكّر على راحتها..



ورُغماً عنها يشرُدُ قلبها مع طريقته الهادئة المُراعية.. قبل أن تُصفع من عقلها الذي يرفضُ الأمر!



وفي تلك الأثناء، حيثُ جلس "عُديّ" بحرج يُريدُ أن يعود لمنزله حتى يقوم بالتحضير للحصص التي يُعطيها يوم غدٍ بالمدرسة..



اقترب منه "يُوسُف" على استحياء يجلسُ بجواره.. فمدّ "عُديّ" ذراعه حول جسد الآخر الضئيل، يضمّه له بحنانٍ شديد يفتقدُ كليهما له!
قبل أن يرفع "يُوسُف" جسده قائلاً بنبرةٍ حزينة:
- أنا مش عايز ماما وبابا يرجعوا لبعض! بابا كان بيضربها جامد يا عمو، وكان بيضربني أنا كمان وبيقولي إنه مش بيحبّني!



بَكىٰ الصغيرُ إثر تلك الكَلمة بتأثرٍ وانكسار، وقد تمنّىٰ بداخله أن لو كان "عُديّ" هو والده!



أما "عُديّ"، فقد حاول بكُلّ ما يملكُ من قوّةٍ كي لا تنزل دموعه.. وهو يضمُّ "يُوسُف" له بقوّة، يحتويه ويحتوي خوفه وانكساره!



قد شعر في تلك اللحظة بكمّ المَقتِ والغضب تجاه ذلك الرجلِ.. هو حتى أحقرُ من أن يُطلَق عليه كلمة "رَجُل"!



- ماما قالتلي إن بابا هو السبب في إن تيتا تقعد على كُرسي كدة!



قالها "يُوسُف" بنبرةٍ باكية، وصوتٍ مَكتومٍ لاحتضانه "عُديّ"..
وما كاد يفيقُ من الصاعقة التي ألقاها الصبيُّ بوجهه، حتى سمع صوت جرس الباب يرنّ بإصرارٍ غريب مَقيت!



شهقت الجَدّة قائلةً بخفوت:
- يالهوي، ده تلاقيه "شهاب".. استرها يارب!



احتدّت نظرات "عُديّ"، وهو يُبعدُ "يُوسُف" عنه بلُطفٍ ويقوم من موضعه..
وقبل أن يتجه للباب، قال لوالدته بقوّة:
- ماما، "يُوسُف" ووالدته وجدّته أمانة معاكِ، لحد ما أشوف الباشا ده عايز ايه!



ثم تحرّك بثباتٍ تجاه الباب، وما إن فتحه، حتى قابله وجه "شهاب" الذي ظهرت الصدمة على ملامحه لوهلة.. قبل أن يقول بحقارة ونظراتٍ خبيثة:
- أنا جيت في وقت مش مُناسب ولا ايه؟!



يُتّبع...



*****


 



google-playkhamsatmostaqltradent