رواية سطور عانقها القلب الفصل الثالث 3 - بقلم سهام صادق
طالعت السيدة "فاطمة" زوجها مُطرقة الرأس غير مصدقه كل ما حدث ، نظرت إلي أبنتها التي وقفت حانقه تُهندم من حجابها وتتأفف بضيق وكأنها ليست هي السبب في إندلاع المشكله
- متزعلش يا حسن مني ، مكنتش أعرف والله يا أخويا إن مجايب جليلة كده
- ياريت نتعلم من اللي حصل يا فاطمة ، شوفتي اخرتها أجيبكم من القسم
تنهدت بضيق وعادت عيناها نحو أبنتها التي لا تعبأ بالأمر وكأنها قد ذهبت في نزهة ، التف "حسن" نحو أبنتها يحثها علي التحرك متمتماً
- يلا يا صفا يا بنتي ، خلينا نبعد عن هنا
فتحركت "صفا" أمامهم بعدما رمقتها والدتها بتوعد ، فابتسمت وهي ترفع كتفيها عالياً ، وسارت بخيلاء تتباهي في خطواتها غير عابئة بنظرات والدتها المتوعدة
- عندك حق يا بابا
عادوا للمنزل بعد يوم لا يُصدق ..، فجلست "فاطمه" علي اقرب مقعد .. تُدلك ساقيها بعدما ازالت حجابها
- عايزه حاجة يا ماما ، انا داخله اوضتي
- هعوز منك إيه يا جلابة المصايب ، يا حرقة دمي
أرتفع حاجبي "صفا" في تعجب وهي تستمع لكلمات والدتها ، فقد بدء اليوم بمغامرة وسينتهي بعويل والدتها عن حظها ، فهمست بكلمات ..زادت والدتها حنقاً
- سيبتني معاها لوحدي ليه بس يا حسن
- فاكراني مش هسمعك ، ماشي يا بنت حسن .. ، عقابك النهاردة تنضفي المطبخ وانتي أكتر حاجة في حياتك بتكرهيها هو التنضيف
اتسعت عينين "صفا" ذهولاً ، وسرعان ما تحول ذهولها لضحكات جعلت والدتها تخلع حذائها وتقذفه نحوها
- بتعاقبيني يا بطه ، بدل ما تكوني فخورة بيا
تجهم وجه "فاطمه" وهي تستمع لضحكاتها التي لا تتوقف ، وكأنها لم تفعل شئ منذ ساعات قليلة
- فخوره بيكي يا بنت بطني!، ده أنتي دخلتي أمك القسم علي أخر الزمن
وبزهو رفعت "صفا" حاجبيها ، تشير نحو حالها في فخر
- وماله لما ندخل القسم شويه بعد ما نجيب حقنا ، ده حتي الضابط أعجب بلي عملته ..، لما فهم مني الحكاية
- وأنتي الصادقه يا بنت بطني ، الراجل كان مذهول من اللي بيسمعه
أشتاطت "فاطمه" غضباً من حديث أبنتها وقد كان نصيب فردة حذائها الأخر كحال ما سبقه ، القته عليها ..ولكن تلك المرة أستطاعت أن تتفاده بمهارة وقفزه عاليه
- معرفتيش تنشلي المرادي يا بطوط يا عسل أنت
واسرعت في الاقتراب منها ، تمسك كفيها تقبلهما بحب
- مستحملتش أشوفهم بيقلوا منك ومن بابا ..، أنا قولتلك من الأول مش مرتاحة وإنه قليل الذوق لكن أنتي مصدقتيش
هدأت "فاطمه" وفي داخلها حمدت الله ، ولكنها كانت حزينه ..، فلا شئ تتمناه بحياتها سوي أن تري أبنتها عروساً
انهالت "صفا" علي والدتها بالقبلات ،التي تضحك بها عليها ، في كل مرة تُغضبها
- شوفتي عرفت اصالحك أزاي
واردفت بعدما نهضت من جوارها
- هروح اتصل ب جنه واحكلها عن اللقاء التاريخي
- أحكيلها عن خيبتك
وصفا لا تتوقف عن إلقاء عباراتها ، التي تزيد حنق والدتها
- خيبتي كبيرة أوي يا ماما
وركضت مهرولة نحو غرفتها ، بعدما وجدت والدتها تبحث عن شيئاً أخر تقذها به
- برضوه هتنضفي المطبخ يا صفا
…………………..
توقف بسيارته أمام الموقع ينظر إليها بعدم إستحسان نحو هيئتها تلك ، توترت من نظراتها وشدت من تنورتها قليلاً حتي تُداري ساقيها
- احمد هو في حاجة مضيقاك من لبسي
اشاح عيناه بعيداً عنها ، ورغم إنه لا يُحب أن يقحم نفسه في أمور لا تخصه إلا إن الضراروة كانت تحتم عليه لفت نظرها
- لبسك ده مينفعش في الشغل يا فريدة ، اظن أنتي فاهمه قصدي
خفق قلبها وهي لا تُصدق إنه يهتم لأمرها ، ورغم إنها لم تكون يوماً ضعيفة لمشاعر الهوي التي تجعلها معه تطير هائمه بكلماته حتي لو كانت من باب النصح ليس أكثر
صمتت وقد ظنها لم تتقبل حديثه ، فتمتم وهو يفتح باب سيارته ليترجل منها
- متوعدتش أدخل في حياة حد ، لكن مدام هنشتغل علي المشروع ده سوا ، فلازم الفت نظرك يا فريدة
بهتت ملامحها ، وسقطت أحلامها معها أرض الواقع تنظر إليه وهو يضع بقدميه خارج السيارة ، اسرعت في التقاط ذراعه
- احمد أنا مزعلتش
التف نحوها ببطء وقد ضاقت عينيه وهو يرمق فعلته ، فاسرعت في ترك ذراعها
- قصدي يا بشمهندس
واردفت مفسرة ، ولاول مره تصبح هكذا بحياتها ..، تفسر أفعالها لأحد
- أنا مكنتش فاكره إننا رايحين الموقع النهارده ، لو كنت اعرف كنت حقيقي أختارت اللبس المناسب للمكان
وبوداعه كانت تسبل أهدابها ، تنتظر سماعه ، بعدما أوضحت له الأمر
- مافيش مشكله يا فريدة
ترجل بعدها بكامل جسده من السيارة ، فتجمدت عيناها نحو زافرة أنفاسها ، فقد جفاها بحديثه بعبارته التي لا تراها إلا كالسعيق.
اتبعته مسرعة بعدما استطاعت تمالك حالها ، ورغم صعوبة السير في الرمال ، إلا إنها كانت تُحاول الثبات والوقوف أمام العمال بجدية ..، رغم نظراتهم نحوهم
رمقها وهي تُلقي بعض الاوامر وسط العمال ، والبعض يتهامس عليها ..، حاول تطرد الأمر من عقله ..، فقد أخبرها ألا تذهب معه اليوم ولكنها أصرت ، ولكن كلما كانت تقع عيناه عليها ويراها كيف تتحرك بصعوبة ونظرات العمال تخترقها ..، حركته رجولته , فاقترب منها منهياً وجودهم اليوم بالموقع
- كفايه كده النهارده
تنهدت براحه ، فالشمس اليوم ساطعة بشده ، كما ان ملابسها وحذائها يُعيقاها عن الحركة ، رحبت باقتراحه وتحركت جواره بعدما أزالت خوذتها واعطتها لاحد العمال ،
ولكن فجأة كانت تخرج شهقتها وكاحلها يلتوي اسفلها ..، اسرع نحوها يلتقطها قبل سقوطه متسائلا بقلق
- أنتي كويسه
اماءت برأسها تنظر لعينيه التي تغرقها به أكثر ، ثم اعتدلت سريعاً رغم الألم الذي نغز قدمها وهي تراه يتحاشي النظر إليها
- للأسف ديه ضربية لبس الكعب العالي في مكان زي ده يا بشمهندس
وتمتمت مازحه تخفي ربكتها، وهي تري المسافه التي يضعها بينهم بعدما ساعدها
- الدرس النهارده أتعلمته كويسه
ابتسم وهو يمدّ لها يده ، فاسرعت في تقبل دعوته ومدّت يدها ..، تشعر لحظتها السيئة التي كادت أن تطرحها أرضاً وليس مجرد إلتواءً بسيط.
………………..
اصرت أن تذهب معه مكتبه ، رغم إنه عرض عليها توصيلته لمنزلها لترتاح ولكن جوابها كان
- مجرد ألم خفيف ، متقلقش يا بشمهندس ولا أنت مش عايزني أتابع معاك أي شغل
طالعها مستاءً من عنادها متمتماً بنبرة ، جعلت أبتسامتها تتسع
- عنيده
مدّت يدها له تلك المرة حتي يساعدها علي السير وقبل أن يرمقها بتلك النظرة التي يرمقها بها دائماً كانت تهتف
- كمل خدمتك يا بشمهندس ، وخليك جينتل مان
ابتسم وهو يُقدم ذراعه لها حتي تتباطأه ..، وهو لا يعرف إلا أين سيأخذه الطريق مع تلك الفتاة التي زجها شقيقه في حياته.
دلف مكتبه زافراً انفاسه ، لقد طالعه مواظفينه بنظرات ثافبه وهم يروها ملتصقة به ، كان حانقاً منه ولكن رغم ذلك كانت بارعة في جعله يتخطي حانقه منها ..، وعلي ما يبدو إنها قد فهمت طريقه
خلينا نشوف شغلنا ، بدل ما نص اليوم ضاع مننا من غير فايده ..، وطبعا أن اللي ضيعته
أكملت عباراتها بمزاح ، مما جعله يبتسم وهو يضع رسومات الموقع أمامها
- الرسومات اهي قدامك وريني ..، تطلعاتك
طالعت الرسومات ، ثم طالعته بغرور مصطنع ..، فعادت ابتسامته تشرق ملامحه
- نبدء بقي الشغل
ولم تكن إلا بالفعل بارعة و ذكية ولن يكون كاذب في حقها ..، ابتسم وهو يراها كيف تتحدث بحماس يظهر شغفها وحبها لعملها ..
توقفت عن الحديث وهي تستمع لصوت سكرتيرته تُخبره
- عامر بيه عايز حضرتك في مكتبه يا بشمهندس
اماء لها برأسه ، وهو نهض احمد عن مقعده ، ينظر إليها مُعتذرا
- دقايق وراجعلك يا فريدة
انصرف بعدما التقط احد الملفات ، وهو علي علم بأن شقيقه يُريده من أجل هذا الملف .. ، استرخت في جلستها ثم حاولت النهوض عن مقعدها حتي تسير قليلاً ..ولكن سرعان ما جلست وهي تتأوه من ألم كاحلها وقد بدء الألم يشتد
دلفت السكرتيرة ثانية تسألها عن أي شئ ترغب في إحتساءه كما أخبرها مديرها ، ولكنها اسرعت في الأقتراب منها تسألها
- في حاجه وجعاكي يا بشمهندسه
- رجلي
هتفت "فريدة" بألم وهي تدلك كحالها بعدما أزالت حذائها عن قدمها
- ثواني يا فندم ، هجيبلك تلج يمكن يخفف الألم شويه
وبالفعل اسرعت في جلب لها الثلج ، وعادت إليها تعطيها قطعة ثلج ، داخل غطاء بلاستيكي ..، التقطته "فريده" شاكرة ..، فدلف "احمد" ينظر إليهم بترقب ، غادرت السكرتيرة الغرفة عندما دلف مديرها ورمقها بنظرات مستفهمه ولكن الإجابة كانت واضحة إليه وهو يتخطاها مُقتربً من فريدة المنحنية قليلا وتدلك كاحلها بقطعة التلج
- كان عندك حق لما قولتلي بلاش اعاند واقبل توصيلتك
- أنا بقول نروح لدكتور افضل
رفعت "فريده" عينيها إليه ، ثم عادت تدلك كاحلها
- مافيش داعي ، أنا هكلم صديقه ليا تعادي عليا تاخدني
ثم عادت ترفع عيناها إليه ، ولكنها شعرت بالصدمه وهي تراه يجثو أمام مقعدها ويرفع ساقها برفق حتي يري اصابتها
سلبت فعلته أنفاسها ، وخفق قلبها وهي تراه هكذا ، اغمضت عينيها قليلاً متأوه وهي تشعر بحركه أنامله فوق قدمها
- كدمة بسيطة يا فريده متقلقيش
دلكها لها لدقيقة ..، جعلتها كالضائعه ..، لا تستوعب أن لمسه منه هكذا ستاخذها لعالم أخر
وقف "عامر" مكانه وهو يمسك الملف بين يديه غير مصدقاً تطور علاقتهما بتلك السرعة ، لمعت عيناه بالأرتياح ..، غادر الغرفة في صمت كما دلف وابتسامته تشق شفتيه ..، فاخيراً مال قلب شقيقه.
……………….
- مش عارفه أعمل إيه مع ماما يا جنه ، طيب ما أنتي أه البنت الوحيده لعمتي ومخلفوش غيرك ، رغم ذلك عمتي مش بتتكلم معاكي في موضوع الجواز وديما مخوفاكي من بكره
وتنهدت بانفاس مثقله من الخوف، تُخبر رفيقتها الوحدية وابنه عمتها بما يعتلي فؤادها
- أنا بقيت أخاف من بكره يا جنه
زفرت "جنه" أنفاسها وهي لا تعرف بما تُجيبها
- جنه أنتي نمتي وانا بكلمك
ابتسمت "جنه" علي مشاكسة "صفا" ، فحتي في احلك الأوقات صعوبه ..، تتمازح
- لا منمتش ، بس سرحة في طبق البيض اللي قدامي
اعتدلت "صفا" فوق فراشها ، تحك فروة رأسها حانقة
- بكلمك عن أوجاعي ، تقوليلي طبق البيض
واردفت بمقت قبل تنهي تلك المكالمة ، التي في العادة لا تجدي بنفع
- أنا مش عارفه ليه مستحملاكي في حياتي يا جنه
اخرجت "جنه" لسانها وكأن "صفا" بالفعل تري ردة فعلها متمتمه
- عشان بتحبيني
تعالت ضحكات "صفا" ، والتقطت الوساده تضعها فوق حجرها
- بنت عمتي الصيدلانية العظيمه ، بتهزر
انفرجت شفتي "جنه" في ضحكة صاخبة ، اعقبتها صراخ والدتها بها ..، اسرعت "جنه" في كتم ضحكتها هامسه
- عمتك بتحبيني أوي
- جنه ، أنا محتاجة حل
والحل لم يكن إلا أن تبحث عن وظيفها
- لازم تدوري علي شغل يا صفا ، مافيش حل غير كده صدقيني ..، لازم تخليهم يحسوا انك قوية ومستقله ومش لازم تتجوزي عشان تحمي نفسك من الدنيا ..
واعقبت حديثها بمزاح لا تجيده إلا معها
- الفلوس جميلة يا صفا ، بتجيب عربيه وحاجات كتير ..
همهمت "صفا" حالمة بالمستقبل والمال يُغرقها
- وفيلا بحمام سباحه ، وشاليه في الساحل
لم يشعروا بصفاقة أحلامهم ، عن مجرد وظيفة لم تأتي بعد ..، إلا عندما صدح صوت صراخ السيدة "فاطمه" تلك المرة.
………………
وقف "عامر" في بهو الشركة ، يُطالع بضعة أوراق قد أعطاه لها أحد الموظفين قبل خروجه من الشركة …، كانت عينين الموظف الواقف جواره ..، تدور هنا وهناك ..، وكل صدرت حركة ما ، كان الواقف يلتف بذعر ، رمقه "عامر" خلسة وهو لا يفهم سبب ذعره وتوتره ولكن فجأه خرج صوته رغما عنه
- مازن
التف "عامر" نحو الجهة التي تحرك إليها موظفه ، فوجدها ينحني نحو طفلاً صغيراً وجواره إحدي موظفات الاستقبال وعلي ما يبدو أن الطفل كان معها ، تعلقت عينين "عامر" بالمشهد وهو يري الصغير يطرق رأسه أمام والده ..، رغماً عنه كان يبتسم بل ومشاعر أخري اقتحمت فؤاده ..، مشاعر لم يسعي لتجربتها والسبب كانت والدته ..
تقدم منه الموظف بخطوات سريعة ، معتذراً
- أنا أسف يا فندم ، حقيقي أسف
واردف معللاً سبب وجود صغيره
- والدته تعبانه ، واهلنا بعيد عننا ..، فاضطريت اجيبه معايا النهارده
اخذ يعتذر بشده والعرق يتصبب فوق جبينه من شدة توتره ، ف "عامر السيوفي" معروف بشخصيته الصلبه ، الجامده
- مافيش مشكله يا أستاذ حسام
تمتم بها "عامر" ، ثم اغلق الملف واتجه نحو الصغير الذي ظل واقفاً منكس الرأس ،اقترب منه تحت نظرات السيد "حسام" المتعجبة ، وانحني صوبه قليلاً يمسح فوق خصلات شعره الناعمه..، اسرع "حسام" نحو رئيسه مجدداً وقد تفاجأ للمرة الثانية ..، أن هذا الرجل يحمل مشاعر وليس كما يظنوه
- ربنا يخليهولك
وانصرف بعدما قرص أحدي وجنتي الصغير بخفه .
……………..
تناولت بضعة لقيمات سريعه وهي واقفه وهتفت بعدما أرتشفت بضعة رشفات من كأس الشاي حتي تبتلع اللقمة التي حُشرت بحلقها
- ادعيلي يا ماما أتقبل في الشغل
وقفت "فاطمه" علي أعتاب الباب تدعو لأبنتها ، تتمني من الله أن يسعدها ويوفقها ..، هبطت لأسفل تصطبح بوجه والدها البشوش بعدما خرج من اسفل السيارة التي كان يُصلحها
- ربنا يفتحلك أبواب الرزق يا بنتي
اسرعت في الاقتراب منه ، تلثم خده ، فصرخ بها وهو يبعدها عنه ، خائفاً علي ثيابها من الشحم العالق به
- كده هتبهدلي لبسك النضيف يا بنتي
- فداك كل اللبس اللي بتدفع تمنه يا احلي واجمل اسطي حسن في الدنيا
ابتسم "حسن" وودّ لو عانق أبنته بقوه تلك اللحظه ، إنها نعمة وهبها الله لهم بعدما ظلوا بضعة سنوات ينتظرونها ، اخرج النقود من جيبه يعطيه لها متسائلا
- عايزه فلوس تاني يا بنتي
- اكتر من كده يا اسطي حسن ، ده أنا حتي ناوية ادلع نفسي واروح المقابلة بتاكسي
واسرعت في أقتناص قبلة أخري من خده الاخر هاتفه قبل أن تنصرف بمشاغبتها
- عشان الخد التاني ميزعلش
……………
شعرت بالرهبة وهي تتقدم لداخل الغرفة الواسعة ، لم تكن تظن إنها بحاجة للباقة عملية قوية ، أو تكون ذا صلة بمن يعملون بالمكان حتي يسهلوا لها الطريق ..، كما رأت من سبقتها تُعامل بأهتمام ..، مرة المقابلة ببضعة اسئلة وكان اهم سؤال طُرح عليها ..، لما لم تعمل منذ أن تخرجت ورغم إنها كان لديها مهارة بتعلم اللغات بجوار شهادتها ..إلا أن العبارة التي كانت تتوقعها اخبرتها بها الموظفة ، التي اعطت لهم ملئ استمارة
- أن من سيقبلون بهم ، سيحادثوهم
عادت لمنزلها بوجه حزين ، فطالعتها والدتها متسائله
- مالك يا صفا ، متقبلتيش في الشغل يا بنتي
القت حقيبتها جانباً وهوت فوق الأريكه تضع رأسها فوق فخذ والدتها
- قالولي هيكلموني ، بس متوقعش أني هتقبل
- متقوليش كده يا بنتي ، بكره يكلموكي وتقولي بطه قالت
وقد أتي الغد ، ولم يُحادثها أحداً ..، فنظرت نحو والدتها مازحه ، وهي تلتهم قطعة الدجاج
- مكلمونيش يعني يا ماما ، خسرتي يا بطه
طالعتها "فاطمه" حانقه ، والتقطت طبق طعامها من أمامها متمتمه
- ما انا قولتلك اتجوزي ، قال يعني الشباب لاقيه شغل عشان تلاقي يا بنت بطني
- ديما مزعلاني منك يا بطه
ومدّت يدها تلتقط الطبق الذي أخذته منها للتو مُعاقبة لها وهي تحرك حاجبيها تُشاكسها، ولكن كف والدتها كانت أسبق منها ..،حيث صفعتها فوق كفها بقوه ، فهتفت "صفا" متذمرة كالأطفال
- هاتي الطبق يا بطه
لم يتمالك "حسن" ضحكاته كالعاده من مناقرتهم التي لا تنتهي
- شوف دلعك فيها هو اللي مقوي البت ديه عليا ..
- بتهزر معاكي يا بطه
فاندفعت "صفا" نحو احضانها تقبلها وتشاكسها كعادتها
- بتزعلي مني يابطوط ، ده أنا حتي ناوية أجبلك الخضار بكره من السوق
…………..
شعرت بالصدمه وهي تقرء كل ما هو مدون أمامها ..، لا تُصدق أن "احمد السيوفي" كان متزوجاً بفتاه بالسر مثل تلك ، فتاة كانت بلا عائلة مشرفة ..، أب يحتسي الخمر ويتاجر في المخدرات ويتعاطاها ، وشقيق قد مات والشرطة تطارده
تركت الورق جانباً تمسح فوق خصلاتها المنسدلة فوق كتفيها تردد في صدمه مازالت تمتلكها
- مش معقول تكون كنت متجوز واحده زي ديه يا أحمد
…………..
طالعت الروايات المرتصه فوق سطح مكتبها بشوق ، ثم قضمت قطعة الخيار تلوكها داخل فمها متمتمه
- ركزي يا صفا ، أنتي دلوقتي بتدوري علي شغل عشان مستقبلك ..، نلاقي شغل الأول بعدين نرجع لعالم بتاعنا
اخذت تحث نفسها علي الصمود ، لانها أكثر دارية بحالها ..، فإذا عادت وانغمست في عالمها مع كلمات كاتبها المتيمه بها ..، ستظل هكذا حبيسة غرفتها وتنتظر ذلك الفارس الذي سيخرج لها من بين السطور..
عادت تُركز في شاشة الحاسوب ، تُحاول قراءة إعلانات الوظائف المعروضة ..، نظرت للورقة التي جمعت فيها الإعلانات ..، عازمه علي عدم اليأس حتي تجد وظيفها تعول بها حالها وتخفف عباءها ولعلها تجد فارس الأحلام كما أخبرتها والدتها و جنة ، حينا تجد تخرج من غرفتها
………….
نظرت لأاوراقها بعدما أخذها الموظف منها ومزقها لنصفين ، بعدما أصرت علي مقابلة موظف التوظيف ..، لقد رأت الأعلان منشور أمس ..، فكيف وجدوا الشخص المناسب بتلك السرعة ليتم تعينه ..، توقف الحديث علي طرفي شفتيها وهي تري الموظف يُغادر من أمامها ..، فاقت اخيراً من صدمتها ولكن الموظف أختفي من أمامها
سارت بخذلان خارج الشركة ، ولم يهتم احداً لأمرها ، فالكل يتحرك لأنهاء عمله او الثرثرة مع رفيقه او رفيقته بالعمل
طالعت الشركة قبل أن تهبط الدرجات القليلة ، ثم بصقت عليها غاضبه..، لم تنتبه علي خطواتها , فنزلقت قدمها وكادت أن تهبط تلك الدرجات علي وجهها ولكن لولا ارتطامها بذلك الشئ الصلب ما كانت نجت من السقوط
- أنتي كويسه يا انسه
ارتبكت "صفا" من وضعها بين ذراعيها ، فدفعته عنها بقوة واسرعت بخطواتها مبتعده بعدما تمالكت حالها ..، التف الواقف ببطء وقد اعتلت ملامحه الدهشة من تصرفها
اكمل "احمد "خطواته بعدما هندم بذلته المنمقة ..، فلم يأتي لشركة "محسن الصواف" إلا من أجل أجتماع جعله شقيقه ينوب عنه
…………
نظر اليها "عم محمود طويلا" بعدما طال شرودها وهي تتأمل بعض الكتب والمجلات حديثة الاصدار
عم محمود : مالك ياصفا يابنتي ، مش مبسوط ليه، شكلك كنتي في مكان وراجعه منه متضايقه
فتنهدت "صفا" عدة زفرات متتالية ، تحمل يأسها :
- مافيش شغل، مافيش شغل كله بالوسطه
عم محمود : كلها أرزاق يابنتي، اسعي تاني واكيد ربنا مش هيسيبك
وانحني صوبها قليلا يربت فوق ظهرها بحنان أبوي ، ثم التقط احدي المجلات القابعة علي تلك المنضده الخشبيه المتهالكه
عم محمود ، وهو يشير نحو المجلة ويعلم كم سيسعدها الأمر :
- فيها اخبار عن كاتبك المفضل (مراد زين )
فيتلاشي عبوس "صفا"، وتتهلل اساريرها بغبطة ، وهي تلتقط منه المجله التي تتحدث عن كاتبها المتيمه باعماله ..
طالعت بعض عباراته المصُرح بها عن اخر إصدار ورقي تم نشره وصور لبعض من الاشخاص الذين حصلوا علي توقيع منه بواسطة دار النشر التي لا يطبع إلا لها.
رمقها "العم محمود " وهو يري سعادتها العجيبة علي من يراها، ولكن هو كان يعلم مدي عشقها لهذا الكاتب ثم تمتم ضاحكاً:
- الكاتب المجهول (مراد زين)
فاماءت "صفا" برأسها وتنهدت بحالمية وعادت تشرد في عالمها مع سطوره وتصريحاته – رجعتني للخيال ليه تاني ياعم محمود
هتفت بها وهي تسبل أهدابها ، فنفرجت شفتي العجوز بأبتسامة واسعة علي هيئتها :
- لو عايزه المجلة خليها معاكي ، عارفك بتحبيه قد ايه وبتحبي كل كلمه بيكتبها
فرفعت عيناها نحوه ، وقد نهضت عن المقعد الجالسة عليه متمتمه بحماس
- والله أنت راجل طيب يا عم محمود
والتقطت منه المجلة بطفولة تليق بها
- محدش هيونسني غيره ، بعد رحلة البحث عن عمل .. اه بدل ما اكتئب , اعيش مع الخيال شوية
ثم ودعته هاتفة : سلام ياراجل ياطيب
...............................................................
هناك شعور غامض كان يجثم فوق صدرها ، لا تعرف مهيتها ولا لما بدأت دقات قلبها تتسارع هكذا وأنفاسها تُسلب منها ..، ثقلت خطواتها ومهما قاومت ذلك الشعور ..، كان يعود ويقتحم قلبها ..، يُنبئها أن هناك ما ينتظرها.
سكنت مكانها وهي تري سيارات اسعاف وعربات شرطه تقف .. وغبار يحاوط مدخل حارتها والناس يركضون ويلطمون كفوفهم ببعضهم
اغمضت عينيها حتي تتضح لها الصورة ولكن الصورة كان واضحة وهي تستمع لحديث الناس ، ركضت صارخة غير مصدقة ما سمعته ..، ولكن ما رأته كان هو الحقيقة ..، اشتدَّ الصراخ حولها ولكنها لم تكن تعلم اهو صراخها أم صراخ من حولها ..
- لااا
وضاعت بعدها في عالمها المظلم ، عالم قد خلي من أغلي ما ملكته وها هي الحياة تعلمها أقسي الدروس عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية