رواية سطور عانقها القلب الفصل السابع و الثلاثون و الاخير 37 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل السابع و الثلاثون و الاخير 37 - بقلم سهام صادق

الفصل الأخير ( الجزء 1 )

******

جلست بملامح حزينة فوق فراشها ، تطالع هاتفها الذي أعادت تشغيله ..، تنتظر رؤية أسمه فوق شاشته ، تتمني لو يعيد أتصالاته ويُخبرها بأسفه ، ثم جاء ركضاً إليها معتذراً عما فعله بها ..

دمعت عيناها ، تسأل حالها ..، متي كانت مهمه لديه ، أخذها وسواسها نحو دروبً مظلمه وأفكاراً قاتلة ..، فتعالت شهقاتها في بؤس مرير ، فهرولت والدتها إليها بعدما استعمت لنحيبها ، تضمها لأحضانها

- مش تقوليلي بس إيه اللي مزعلك من جوزك يا بنتِ ، أنا وأبوكي خلاص هنتجنن

تشبثت "جنه" بأحضانها ، تسألها بمرارة ، لما فعلوا بها هذا ..، لما دفعوها نحو هذه الزيجه وجعلوها تخرج منها خاسرة بقلب يُمزقه الألم

- كان نفسي تعيشي في العز يا بنتي ، مكنتش عايزاكي تعيشي زي في الفقر

- أنا تعبانه أوي يا ماما

دمعت عينين "صافيه" علي حال صغيرتها ، حاولة أن تُواسيها وتُفرحها بخبر عودة صفا ، ولكن "جنه" كانت في عالمها المرير ، تضغط فوق شفتيها بقوة ..، لا تُصدق إنه عاد من سفرته ولم يأتي حتي لرؤيتها وطلب العفو منها ، أحبت رجلاً متحجر القلب وليتها ما عرفت الحب يوماً علي يديه

- الرجاله يا بنتِ ديما كبريائهم بيمنعهم يراضوا الست ، لكن الزوجه الشاطره والعاقله بتوطي مع الريح

ابتعدت "جنه" عن أحضان والدتها ، ترمقها بألم بعد سماعها لحديثها

- بابا عمره ما أستحمل يزعلك ، عمره ما خلاكي تنامي زعلانه منه

أطرقت "صافيه" رأسها ، فهي تعلم بصدق ما تخبرها به ، ولكنها لا تُريد لها خراب حياتها ، التقطت كفيها ، تمسح فوقهم برفق

- جوزك كل يوم بيتصل بأبوكِ يطمن عليه وعليكي ، جوزك شخصيته غير أبوكِ يا بنتي ..، ويمكن مع العشرة يلين

والجواب كانت تعطيه لوالدتها ، قبل أن تتسطح فوق الفراش وتجذب نحوها الغطاء لعلها تغفو وترتاح من صراعها ومشاعرها

- وأنا مش عايزه أعيش مع راجل قاسي زيه

………………

لم يكن حاله مختلفاً عنها ، بل عادت القسوة تحتل وجهه ، عاد خالي المشاعر ..، يصرخ في الجميع ويصب غضبه عليهم ، والجميع يطالعونه في خوف من بطشه..، يترقبون عاصفته من أبسط الأشياء ..، يتمنون لو عاد مديرهم الهادئ مجدداً , كما كان منذ بضعة أشهر

قذف الأشياء من فوق سطح مكتبه ، لا يصدق ما أوقعه فيه شقيقه في صفقة خاسره ، رغم تحذيره له في عدم التوقيع ولكن "فاخر" ، استغل الفترة التي يعيشها من هجر زوجته له ، واستغل منصبه وفعل ما رفضه

أندفع "فاخر" لغرفته ، وقد أحتل الخزي ملامحه ..، ينظر نحو شقيقه أسفاً عما فعله

- راجي كان مطمني إن الصفقه كسبانه ، مش عارف إيه اللي حصل

سقط فاخر أرضاً ، بعدما تلقي لكمه قويه فوق فكه ..، فالتقطه جاسر من قميصه بملامح غاضبه

- عرف يضحك عليك ، ويطمعك

اشتد العراك بينهم ، فخسارتهم قويه ..، وسيظلوا لسنوات يتعافون منها

- خليت أبوك يمضي علي الصفقة بنفسه يا فاخر ، عشان عارف إنه يملك السلطة بعدي

وفاخر يمسح دماء أنفه ، لا يستطيع النظر في عينين شقيقه ..، عاد يقذف كل ما يقف أمامه ..، لا يُصدق اللعبه الحقيرة التي لعبها عليهم هذا الرجل

أنحني بجسده يلتقط أنفاسه ، وقد سكنت ملامحه واشتد الألم فوق صدره ..، انتفض فاخر من وقفته وهو يمسح دماء أنفه وشفتيه ..، واتجه نحو يهتف بفزع وهو يراه يقبض فوق قلبه

- جاسر

……………..

وقف جوارها وقد دمعت عيناه ، وهو يسمع الخبر الذي تزفه لهم الطبيبه ، لا يُصدق أن الله أكرمه بنعمة أخري من نعمه الكثيره عليه

- طفلين

هتف بها غير مصدقاً ، تحت نظرات حياه التي لم تقل عنه من الصدمه ، تتسأل مثله في ذهول وسعاده

- يعني هجيب توأم

اماءت لهم الطبيبة برأسها مبتسمه ، ونهضت عن مقعدها تهز برأسها بضحكه خافته علي حالهم .. و غادرت مكان الفحص ، حتي تتركهم يستوعبون الخبر

التقط عامر كفها ، ينهضها برفق من فوق الفراش الطبي ، وسرعان ما كان يُضمها بقوة إليه ، تستمع لهمساته وحمده لله ، وكم هو كريم في عطاياه ..، فطفله الذي فقده وحزن عليه ..، عوضه الله بعده بطفلين

غادروا عيادة الطبيبة ، وهو يمسك يدها ويسير بها نحو سيارته ، لتقف مكانها من فرط سعادتها

- هو إحنا ممكن نتمشي شويه يا عامر ، الجو جميل أوي

طالعها ، وطالع المكان حولهما..، فتسأل وهو يشعر بالقلق نحوها

- اخاف تتعبي يا حياه

ابتسمت وهي تلتقط ذراعه ، وتتأبطه .. فتوقف عن السير مجدداً

- لو تعبتي ، قوليلي علطول

ضحكت مرغمه ، وهي تشده نحوها

- عامر أنا كويسه ، و ولادك كويسين مش سمعت كلام الدكتوره

توقف مكانه ، يسألها بعدم تصديق

- حياة هو أنتِ فعلا حامل في طفلين

ضحكت بكل قوتها ، حتي شعرت بالألم في معدتها ، لا تستوعب الكلمات المتعلثمه التي تخرج من شفتيه ، ولا توتره العجيب عليها ، عامر السيوفي بقوته وحنكته وأمواله ..، مازال تحت تأثير الصدمه ، دمعت عيناه مرغماً وهو يجذبها إليه ويسير بها

- كنت خايف ربنا يعاقبني يا حياه ، عشان ذنب أبن فريده ، لكن صدقيني مظلمتهاش هي اللي ظلمت نفسها

توقفت مكانها ، ووقفت قبالته ترمقه بنظرات حانية ..، نظرات جعلته يتوق للعودة لمنزلهم ، حتي يُخبرها كم هو يُحبها

- الراجل اللي ميقولش لمراته ، سبب طلاقه من طليقته .. يبقي راجل عظيم ..، أنا واثقة أن السبب كان قوي يا عامر ، قوي لدرجه إنك مقدرتش تغفره ليها

والسبب كان قوياً جداً علي رجلاً مثله ، رجلاً عاش طيله حياته يرفع رأسه ، و يخشاه الجميع

عادوا لأكمال سيرهم ، ولاول مره كان يتخلي عن مكانته وعن تعقله ..، ضحكوا وتوقفوا أمام كل متجر ..، يشترون أشياء بلا هدف ..، حتي الأطعمه التي كان يرفض تذوقها أجبرته اليوم علي تناولها

عادوا لسيارته ، وهو يضحك علي حاله وعليها ، وقد أغرقت المثلجات ثيابهم خاصة هو ..، بعدما ذابت فوق يديه

- بتضحكي عليا يا مدام ، لا وخلتيني أقف أكل من الشارع كمان

تعالت ضحكاتها ، وهي تستقل السيارة في المقعد المجاور له

- أتجنن مرة في حياتك يا عامر

جذبها إليه ، يباغتها بقبلة خاطفه ..، جعلتها تشهق بفزع وتلتف حولها ..، لا تستوعب ما فعله للتو ..، أحتلي العبث ملامحه وقد بدء في قيادة سيارته متمتماً وهو يغمز لها

- مش بتقوليلي أتجنن

...........................................

أنسابت دموعها وهي لا تستوعب ما تخبرها به أروي ، عن سقوط شقيقه ودخوله العناية المركزه ، جاسر القوي الذي يظنه الجميع لا يمرض ولا يرهقه شئ ، سقط في مكتبه أرضاً

- جاسر تعبان أوي يا جنه ، تعالي يا جنه .. تعالي وقوليله إنك حامل .. ، ليه بتعمل فيه كده

اغلقت "أروي" الخط ، دون أن تنتظر سماعها ، فاتجهت خارج غرفتها بخطوات مهرولة نحو مكان جلوس والديها ، حتي تُخبرهم بحديث أروي ، ولكنها وقفت مكانها ..، تطبق فوق جفنيها بقوة ، تتذكر الحقيقة المريرة التي علمت بها ، تتذكر قسوته وعدم مجيئه إليها

- لو كان بيحبك يا جنه ، كان جالك أول ما رجع من سفره ، لو كان جيه وخدني في حضنه ..، كنت ممكن أسامحه ..، لكن كبريائه ديماً بيمنعه

عادت لفراشها ، تدفن راسها أسفل وسادتها ، تُرثي حالها وحال قلبها ، تُقاوم رغبتها القويه في الركض إليه

…………………

خرج من المشفي هذا الصباح رغما تحذيرات الطبيب له ، ولكنه لم يعد يُطيق المكوث بالمشفي ، خاصة بعدما علم بأشتداد المرض علي والده

توقفت سيارة "هاشم" أمام منزل العائله ، وقبل أن يترجل من مقعده ويلتف إليه حتي يساعده ، كان يترجل من السيارة ويزيح يده الممدوده من أمامه متمتماً بحده

- أنا لسا بصحتي يا هاشم متقلقش

حدقه "هاشم" بقله حيله ، يزفر أنفاسه حانقاً مما يفعله ابن عمه بحاله ..، اسرع في صعود الدرج دون أن يهتم بصوت زوجه أخيه المهلله بعدوته ..، رغم الحزن الذي أصبح يُخيم بالمنزل

وجد عمته ، تتجه نحو غرفتها بملامح حزينه ..، تُسبح فوق سبحتها ولم تنتبه علي وجوده ، شعر بشئ يجثم فوق فؤاده ، فاسرع لغرفة والده ، ليجد راجي جواره و والده يتحدث معه بصعوبه ، وكلما أخبره عن التوقف ..، كان "حسن" يشدّ علي قبضة يده

- مافيش وقت يا ولدي

علقت عيناه بعينين "جاسر" ، فغامت عيناه بالشوق لأبنه الغالي وقد ظنه مسافر كما اخبروه وليس في المشفي بعد المصيبه التي حصلت لهم ..، بسبب ذلك المتبجح الذي يجلس جوار والده

- رجعت بالسلامه ياولدي ، متعرفش أنا كنت مستنيك إزاي ..، كنت خايف أمشي قبل ما أشوفك

اندفع "جاسر" نحوه ، يُقبل كفيه ،يهتف برجاءً له ، ألا يتحدث هكذا

- الموت علينا حق يا كبير عيلة المنشاوي

- هتفضل أنت كبير العيلة ديه يا حاج

لثم رأسه ، يُقاوم ذرف دموعه ، يرمق ذلك الجالس بملامح جامده ، فشعر "راجي" بيد حسن تمسك يده بوهن ، فطالعه بقلق متسائلا

- محتاج مني حاجه

- هاتوا أيديكم يا ولادي

وبأنفاس متقطعة ، كلن يرفع كفوفهم ..، يضمهم بكفيه

- أوعوا تفترقوا عن بعض ، أنت خلاص عرفت الحقيقه يا ولدي ..، اخواتك سندك وضهرك ..، قرب منهم يا راجي

- أنت بتقول إيه يا حاج

ابتلع "جاسر" لعابه ، وهو ينظر نحو راجي الذي دمعت عيناه ..، ثم انسحب من الغرفه

- راجي أخوك يا جاسر ، اخوك من حليمه النعيمي

وهل ينسي اسم هذه المرأه التي أخبره والده عن حكايته معها مؤخراً ، حاول الثبات واحتواء يده

- بلاش تتكلم كتير يا حاج

أغمض "حسن" عيناه ، ينفذ له رغبته ..، يُخبره بخفوت

- سيبني انام شوية يا ولدي

طالعه "جاسر" وهو ينهض من جواره بصعوبه ..، يتحرك نحو باب الغرفه ..، يشعر بأن أنفاسه تتثاقل مع خطواته

كان أذان العصر يعلو ، فخرجت منيرة من غرفة شقيقها صارخه ، جعلتهم جميعهم ينهضون من فوق مقاعدهم وقد أرتجفت اجفانهم وهم يدركون وفاة حسن المنشاوي .

..............................................

أنقضت أيام العزاء الثلاثة ، وقد أصبح الجميع يعيش في حاله حزن وعزله ..، كانت عيناها تبحث عنه ..، لعلها تستطيع رؤيته والأقتراب منه ..، فقد حاولت اليومين السابقين أن تكون قربه ..، لكنها شعرت بالفجوة الكبيرة التي أصبحت بينهم

اقتربت منها والدتها ، وهي تري التعب الواضح فوق ملامحها ، وقد بدأت تشك في أمر ابنتها ، خاصه كلما سألتها عن سبب شحوبها والقيّ المستمر ، تُخبرها أن معدتها تؤلمها

- جنه

أنتبهت علي صوت والدتها ، وقد فاقت من حالة الشرود التي أصبحت تُلازمها ، تنظر إليها

- سمعت من أبوكي ، إن جوزك قاعد في بيته التاني يا بنتي ..وقافل علي نفسه من العصر ..، روحي لجوزك يا بنتي ..، الست الشاطرة بتقف جانب جوزها في محنته وترمي ورا ضهرها الزعل

كانت مقتنعه بحديث والدتها ، فهذا ما نشأت عليه ..، التمعت عيناها بلهفة تتأكد منها

- هلاقيه في البيت

ابتست "صافيه" وهي تري لهفتها ، وكيف استجابة لحديثها دون مجادلة

- أبوكِ قالي .. ، لما سألت عنه يا بنت بطني

حثتها والدتها بنظراتها ، ودفعتها برفق حتي تذهب إليه ..، اسرعت في إحكام حجابها فوق شعرها ..، واتجهت نحو الخارج تبحث عن أحد صغار العائله ، حتي يسير معها للبيت بسبب الظلام بعدما تجاوز الوقت السابعه مساءً.

وصلت للمنزل ، تطرق الباب ولكن وجدته مفتوحاً ..، وعلي ما يبدو كان هناك أحداً معه

اقتربت من الغرفة تستمع لصراخ "جاسر" بنيرة التي تعالت شهقاتها بعدما اخبرته عن زيجتها من راجي منذ شهرين وحملها منه

وضعت كفها فوق شفتيها في صدمه ، والتفت خلفها ..، لتجد راجي يدلف المنزل ، وقد خرج هو الأخر من غرفة مكتبه ..، علقت عيناه بها ولكن تجاوزها متجهاً نحو "راجي" يلكمه بقوة

- حبيت تعاقبنا فيها يا ابن النعيمي

تراجع "راجي" للخلف ، بعدما تمكن من الوقوف ..، يمسح فوق خده من أثر اللكمه، ينفث أنفاسه بغضب

- أنا أبن المنشاوي زي زيك ، يا جاسر

كانت الصدمه الأخري تحتل كيانها ، وهي تستمع لعبارات راجي

أشتدّ العراك بينهم ، فوقفت نيرة منزوية علي حالها ، تضع بيدها فوق أذنيها ..، اسرعت في الأقتراب منهم بعدما رأتها بهذه الحاله ، و وقفت بينهم صارخه

- كفايه يا جاسر ، كفايه

ولكن "جاسر" كان الغضب يعمي عينيه ، أزاحها من امامه بقوة ، فسقطت أرضاً تصرخ هذه المرة من الألم

- جاسر أنا حامل

التقطت اذنيه صوتها المتقطع ، وقد هتفت بها بعدما وضعت بيدها فوق بطنها ، فانحني راجي لأسفل يلهث أنفاسه ويمسح الدماء عنه

تجمدت عيناه ، وهو يراها ..، تتألم وتضم بطنها بيديها ..، وقد تلاشي كل شئ حوله واقترب منها يجثو فوق ركبتيه ، لا يُصدق ما سمعه للتو

…………….

ابتسم الطبيب وهو يُطمئنه علي حالتها للمرة العاشرة ، يربت فوق كتفه ضاحكاً

- إيه يا جاسر باشا ، أحلفلك يعني إن المدام بخير

القاها الطبيب مازحاً ، قبل أن يُغادر الغرفة بعدما سمح لها بالخروج وقد طمئنهم علي طفلهم

اسرع بالأقتراب منها متلهفاً ، فوجدها تشيح عيناها عنه ، تزم شفتيها تذمراً

- رجعنا للقمص تاني ، تصدقي بالله أنا غلطان أصلاً إني ملهوف عليكي

ابتعد عنها ، فاسرعت في التقاط يده

- بدل ما تصالحني ، وتدلل فيا لحد ما اسامحك ..، هو أنت اللي عملته فيا سهل يعني

طالعها بمقت، وقد أغمض عينيه بقوة

- أنتِ شايفه أنا في إيه ولا إيه يا جنه ، المفروض أنا اللي أزعل منك .. دخلت المستشفي مجتيش تشوفني ، تلت ايام العزا عيني تيجي في عينك ..، وتهربي مني زي الجبانه ، كنت محتاجاك جانبي

هتف بها ، وقد جاورها فوق الفراش ، نظرت لملامحه ..، لتجده مرهقاً للغايه وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق كتفيه

- أنا أسفه يا جاسر ، أنت متعرفش أد إيه أنا بتألم عشانك ، ولو كان ينفع أشيل عنك شويه كنت عملت كده ..، أنا مش قليلة الأصل صدقني

علقت عيناه بعينيها ، فجذبها إليه يضمها نحو صدره ، مدركاً صدق حديثها

- عارف يا جنه شعورك كويس ، لو مكنتش عارفك فعلا ..، كنت بيعت اللي بينا بالساهل زي ما أنتِ بعتي ومشيتي من غير ما تسمعيني

أرادت أن تتحدث ، ولكن وضع يده فوق شفتيها

- خلينا نقفل الكلام في الموضوع ده دلوقتي ..، وكل حاجة هتلاقي ليها جواب

وطالعها بنظرات قوية ، قاصداً كل شئ يُريده

- وكلمة طلاق لو طلعت منك تاني ، عقابها هيبقي عسير

ولولا الظروف التي يمروا بها ، لكانت أنفجرت ضاحكه من وعيده ، جاسر لن يتغير أبداً مهما حدث .

......................................

كانت تطير من فرط السعاده ، وهي تشتري كل شئ كهدايا للعائله ، اقتربت منه تريه ما اشترته لكل أفراد العائله ، فضمها إليه يخبرها أن كل ما تنتقيه جميلاً

حدقت به بعدما أبتعد عنها ، فاسرعت بالأقتراب منه تسأله بلهفة

- مالك يا احمد

تنهد وهو يجلس فوق فراشهما ، يُطالع ملامحها ثم أشار إليها بالأقتراب منه

- تعالي يا صفا

شعرت بوجود خطبً ما ، فتسألت وهي تزدرد لعابها

- نزولنا مصر ممكن يتأجل سنه أو سنتين ..، الشركه وقفت تاني قرار الفرع

تلاشت سعادتها ، وهي تنظر إليه .. غير مصدقه تراجعهم في القرار

- يعني مش هننزل مصر خالص

اسرع في أحتواء وجهها بين كفيه ، ينظر في عينيها وقد أرتسم الحزن فيهما

- كنت عايزه أزور قبر بابا وماما ، واقولهم أد إيه سعيده ويشوفوك معايا

ضمها إليه وهو لا يقوي علي استماع حديثها

- هننزل يا حببتي ، هننزل أجازة نشوف اللي بنحبهم ونرجع ..، صفا أنا محتاجك معايا هنا

حاولت نفض الدموع العالقة بأهدابها ، فهي تعلم بطبيعة عمله ، وقد وافقت علي الأمر من قبل

- المهم هننزل وخلاص حتي لو أجازه

ابتسم وهو يري تقبلها لما حدث ، وعاد لضمها مجدداً

- وهنروح المزرعة واوعدك نركب خيل يا صفا

ابتعدت عنه غير مصدقة ما يُخبرها به ، هل سيعود لهويته المحببه بعدما هجرها لسنوات من اجلها

- بجد يا احمد

وهو كان غارق في عينيها ، يهمس لها بعشق

- نفسي يبقي عندنا بنت نفس عيونك يا صفا

.....................

ضحكت "ناهد" بقوة وهي تستمع لتحذيرات ولدها الذي تراه قد أصابه الجنون ، منذ أن علم بحمل حياة

- كفايه حركة ، أنتِ مش شايفه نفسك من الصبح بتتحركي

- بتحرك من الصبح يا ظالم ، ده انت عامل عليا حصار

طالعها بملامح قاتمة ، ينظر لوالدته وقد أخذت تضحك دون حديث

- شايفه بترد عليا إزاي ، فين دروسك العظيمه يا ناهد هانم

اتجهت انظار ناهد نحوها ، بعدما اختفي صوت ضحكاتها ، واتسعت أبتسامتها

- دروسي خلاص خلصت ، وعرفنا نروض الوحش اللي جواك

طالعهم بنظرات قوية ، يُقلب عيناه بينهم ..، لا يُصدق إنه أصبح بينهم كالكرة يتلاعبون به

- روضنا نص الوحش بس ، فاضل النص التاني يا ماما

هتفت بها حياه ، فاحتدت عيناه ، ينظر لتلك التي أخذت تضحك وقد شاركتها والدته الأمر

- بتتقفوا عليا يعني

ترك لهم الغرفه بملامح غاضبه ، فعلقت عيناها به غير مصدقه غضبه ، وقد ظنوه بدء يتقبل المزاح

- روح يا بنتي ، وراضيه بكلمتين ..

اسرعت خلفه ، تشعر بالتوتر ..، تفكر كيف تسترضيه ..، فهو أصبح صعب المراس

دلفت للغرفة ، تبحث عنه بعينيها ، فصرخت في ذعر وهي تشعر بذراعه تُحيط خصرها , يهتف بوعيد عابث

- الوحش بقي اللي روضتي يا حياه ، هياكلك لحد ما يشبع

………….

اجتمع الجميع مترقبين هذا الجمع العجيب ، الذي أصر عليه جاسر هذا اليوم ..، تلاقت عيناه بأفراد عائلته ..والكل اخذ يُحدق به منتظرين بما سيخبرهم به كبيرهم

- بعضكم أو الكل سمع ..، إن الحاج حسن المنشاوي رحمه الله...

هتف الجميع ، بعدما رفعوا كفوفهم يترحمون عليه ويذكرون محاسنه ، فاردف جاسر وهو يُركز بعينيه نحو راجي الذي نهض عن مقعده وتقدم منه

- الحاج حسن ، ليه ابن من صلبه من زوجته الخليجيه السيده حليمه النعيمي رحمها الله

تعالت أصوات الجميع ، فعلي ما يبدو أن ما سمعوه صحيحاً ، الحاج حسن كان لديه ولداً أخر وقد تأكدوا من صحه الحكاية

- وعشان رابط العيلة يفضل مستمر وفي وصال ديما ، راجي طلب أيد نيرة للجواز

طالعه الجالسين في صمت ، ومن نظراته القوية كانوا يعرفوا إنه ينتظروا تأكيدهم علي قراره

تحركت "نيرة" نحو الغرفة المجتمعين بها ، بعدما استمعت لقرار موافقتهم ..، كانت تشعر بالغضب ..، فلم تعد تُريد هذا الرجل ، بعدما اكتشفت إنها لم تكن إلا لعبه في يديه ، ولديه زوجه أخري غيرها

وقفت مكانها ، تنظر لتلك اليد التي وضعت فوق كتفها ..، لتلتف ببطئ ..تنظر نحو "جنه"

- لو طلعتي واتكلمتي ، هتخسري نظرة اهلك ليكي وهتخسري جاسر يا نيرة

وبضعف لأول مرة كانت تظهره, لتلك المخلوقه التي كرهتها دوماً ، وسعت علي دمار حياتها

- مش هقدر أعيش معاه يا جنه

وعلي بعد ، كانت تقف هدي ..، تشعر بالصدمه وهي تري شقيقتها في أحضان جنه والأخري تضمها إليها تواسيها ..، وقد بدأت الشكوك تقتحم عقلها. 
الفصل الاخير (2) والنهاية

******



زيجة صامته بلا عرس , كما لم تكن تتمني يوماً ، تمنت ان تكون عروساً جميلاً تحسدها جميع النساء علي زيجتها وجمالها ، ويتحاكوا عن تفاصيل عرسها لسنوات ..

ارتسمت أبتسامة متهكمه فوق شفتيها ، فالعرس بالفعل سيتحدثوا عنه لسنوات ولكن بشفتي ممتعضه، مشفقين عليها ..

أنسابت دموعها وهي تنظر نحو شقيقتها "هدي" التي أشاحت عيناها عنها ، لا تستوعب حتي هذه اللحظه ما فعلته بحالها ولولا "جاسر" و "جنه" وايضا زوجها أحتفظوا بسرها واسرعوا في أتمام هذه الزيجه من أجل من جمع الترابط بين الأشقاء ..، لكن جميع أهلهم وأهل البلده قد شكوا بالأمر

- مش هتحضنيني يا هدي

رمقتها هدي بنظرات غاضبه ، وحزينه

- خيبتي أملي فيكي يا نيره

وأنسابت دموعها ، تشعر وكأن الجميع يعلم بعار شقيقتها

- ليه تعملي في نفسك كده ، كان ناقصك إيه عشان تتجوزي في السر ..، وتتذلي وتحطي راسك في الأرض وتكوني زوجة تانية

- كفايه يا هدي

- هو فعلا كفايه يا نيرة ، وكويس إنه هياخدك معاه الأمارات بعيد عننا ، علي الأقل تداري عارك بالطفل اللي بطنك

وهتفت متهكمه بنبرة مهمومة

- كويس إن بطنك لسا مظهرتش ، كانت سيرتنا بقت علي لسان الناس طول عمر

تعالت شهقاتها ، لا تعرف لأول مرة كيف تُدافع عن حقها

- مش عارفه تردي عليا ، عارفه ليه عشان حاسه بعارك يا بنت أم و أبويا

خرجت "هدي" من الغرفه ، قبل أن تتحدث بحديثً أخر أشد قسوة

دلفت جنه الغرفة تشعر بالشفقة عليها , فقد أتت حتي تستعجلها بعدما تأخرت هدي في غرفتها ، وقد استمعت لبعض الحديث بينهم

طالعتها "نيره" وهي تمسح دموعها حتي لا يري أحداً ضعفها متمتمه

- أنا جاهزة

………

وقفت "صفا" أمام قبر والديها ، ثم جثت فوق ركبتيها تمسح فوق قبرهما ، وقد غشت الدموع عيناها وأنسابت بغزارة

- وحشتوني أوي

بكت بقوه بعدما لم يعد لديها قدرة علي النحيب في صمت ، أسرع في التقاطها من فوق الأرض يضمها لصدره وقد دمعت عيناه تأثراً

- كفايه يا صفا ، أدعيلهم يا حببتي

- وحشوني أوي يا احمد ، قولهم يرجعوا ..

أحتواها بحنان ، لا يعرف كيف يُخفف عنها ..، تركها تبكي حتي كفت عن البكاء وابتعدت عنه

- بابا ..ماما ده أحمد جوزي ..، شوفتي يا بطوط أه أتجوزت راجل زي الحكايات ، كنتِ بتريقي عليا لما أقولك أنا مستنيه بطل يكون ليا لوحدي

ابتسم مرغماً وهو يمسح عنها دموعها ، وقد أخذت تقص عليهم حكايتها معه

ضمها إليه وهو يُغادر المقبره ، فالتفت برأسها نحو قبرهما .. تضع بيدها فوق بطنها تخبرهم في حديثً صامت ، عن حملها لطفلاً في أحشائها ، وهم أول من يعلموا بهذا الخبر السعيد ، حتي يفرحوا بحفيدهم القادم

استقبلهم عامر بحفاوة ، وهو لا يُصدق إنهم جعلوا عودتهم المؤقته مفاجأة لهم

- كده متقوليش عشان أجي أستقبلكم في المطار

ربت "أحمد" فوق ظهره ، وهو يضمه إليه يُخبره عن مدي شوقه له ولوالدته والقصر

- حبيت أعملها ليك مفاجأة يا عامر

أسرعت "حياه" بخطواتها إليهم ، بعدما علمت من الخادمه بقدومهم ..، وقبل أن تتقدم منهم كان يهتف صارخاً

- برضوه بتجري ، انا مش عارف هتخافي عليهم أمتي

تعالت ضحكات "صفا" وهي تقترب منها , تضمها بعدما هتفت مازحه

- أنا قولت الوحش الكامن داخل عامر بيه ، زمانك قدرتي عليه

- هو حد يقدر عليه برضوه

هتفت بها "حياه" وهي مستاءه ، بسبب أفعاله الجنونيه وصراخه الدائم عليها ..، كلما تحركت

- حياه

تمتم بها محتقن الوجه ، وكأنها أضاعت هيبته أمام شقيقه و زوجته ، أنفجر أحمد ضاحكاً

- يا باشا هيبتك موجود متقلقش

صدحت ضحكاتهم عالياً ، فدمعت عينين ناهد وهي تقترب من مكان وقوفهم وترافقها مرافقتها ، تهتف بشوق وهي تمدّ يديها أمامها نحوهم

- أحمد

………………….

التقط منها طبق الطعام ، الذي وضعت فيه كل ما يشتهيه ، طالعها بنظرات ممتنة مُحبة..، فرغم غضبه وحديثه الحاد الذي حادثها به منذ دقائق ..، لا تتذمر ، أو تعبس بوجهها ..

شعر بالإنتشاء ، وهو يري نظرات شقيقه لهم ، وتذمره وهو يُطالع زوجته التي أنشغلت في تناول الطعام ، بعدما اخبرته إنها بالفعل جائعه

- أرجوك يا حياه علميها شوية دروس ، في التعامل مع الزوج ..، بدل ما هي ماشاء الله مش شايفه قدامها غير طبق الأكل

ضحكت السيده "ناهد" علي حنق إبنها الأصغر ، لا تُصدق أن أولادها أصبحوا يتذمرون علي أبسط الأشياء مع زوجاتهم وكأنهم لا يريدهن إلا لهم وحدهم

- أنا يا أحمد مش بهتم بيك ، هو ده اللي تقصده مش كده

أمتعضت ملامح "صفا" وهي تهتف به ، كما امتعضت ملامح عامر وهو يري زوجته تندفع نحو شقيقه وتصنع لهم طبقاً كما صنعته له ..، التقط ذراعها ينظر إليها متمتماً بضيق تحت نظرات أحمد الذي أنفجر ضاحكاً
- مش عنده مراته ، خليها تهتم بي

- وفيها إيه يا عامر

- مالك يا باشا بس ، مش هناكل المدام والله

تعالت ضحكاتهم ما عدا "عامر" الذي احتقنت ملامحه

- مافيش دم خالص ، يا صفا هانم

طالعته "صفا" وهي تحشر الطعام بفمها ، تحرك رأسها نافيه ..، تهتف بحنق وهي تضع لقمة أخري

- جعانه أوي يا احمد

كان يشعر بالدهشه من جوع زوجته العجيب عليه ، فالتقط كأس الماء ..، يقربه منها

- طيب براحه يا حببتي ، أحطلك إيه تاني في طبقك

اخذ يضع لها الطعام ، بعدما أدرك بالفعل إنها جائعه ..، زال عبوسه وصب كل اهتمامه عليها

طالعتهم "حياه" بنظرة دافئه ، فتلاقت عيناها بعينين عامر ..، الذي ألتقط كفها يلثمه بحب

- تسلم أيدك يا حببتي

ورغم إنها لم تعد تساعد الخادمات بالمطبخ ، إلا بالأشراف فقط ..، ولكنه بات يمتدح الطعام يومياً

أبتسمت ناهد وهي تستمع لكلمات الحب والضحكات بين أولادها و زوجاتهم ..، ولم تكن تظن أنه سيأتي يوماً ويجلسون هكذا وستجمعهم مائدة طعام سوياً يسودها الدفئ.

…………….

تقافزت بسعاده أمام الفرس الجميل الذي أخرجه لهم العامل ، كما أمره سيده ..، اسرعت في وضع يدها فوقه ، ولكن الفرس أخذت ترفع قدميها وتصدر صوت صهيلها

ترجعت للخلف خائفه ، بعدما كان الحماس يعتلي ملامحها

- حببتي متخافيش ، هو بس مش متعوده عليكِ

قربها منها برفق ، فتراجعت ثانية بعدما دب الرعب في قلبها

- ما هي مش خايفة منك ، اشمعنا أنا

- قدرات يا حببتي

هتف مازحاً ، فرمقته ممتعضه ..،فهتف ضاحكاً

- بقيتي علطول متذمرة يا صفا هانم

- أحمد

وبهمس خافت هتفت أسمه ، تخبره بوداعه وهي تُسبل أهدابها

- خلينا نتمشي ، أنا خلاص مش عايزه أركب خيل

ولكنه كان مصّر علي تنفيذ الأمر واصطحابها في جولة داخل المزرعه ، صعد فوق الفرس وأجتذبها يضعها أمامه ..، كان يتحرك برفق وفور أن بدأت خطوات الفرس تزداد صرخت خائفه وهي تلتف نحوه وتلتقط قميصه متشبثه به

- صفا ، أنا كده مش هعرف أتحكم في لجام الفرس

- نزلني يا احمد ، نزلني أنا خايفة

اوقف الفرس ، واسرع في الهبوط منه ثم حملها ، فاغمضت عينيها وهي تشعر ببعض التقلصات ، التي أخذت تزداد ولم تعرف من أين يأتي الوجع ، تعالا نحيبها في صدمه ..، فقد حذرتها حياة من ركوب الخيل وأخبرتها إذا علم أحمد بالامر .., فلن يستمر في الركض بها هنا وهناك حتي يستمتعون بأجازتهم الصغيرة

اتجه بها نحو المنزل ، رغم طول المسافه التي قطعوها

- صفا إيه اللي حصلك ، ما أنتِ كنتِ كويسه

لم تستطيع أخباره ،فلو علم بالأمر وأنها لم تخبره ..، سيغضب عليها بشده ..، وضعها فوق الفراش وقبل أن يُخبرها إنه سيُهاتف عمتها حتي تأتي إليهم ..، كان ينتبه علي الدماء التي عُلقت بقميصه ويديه ، ينظر إليها بذهول متسائلاً

- أيه ده ؟

والجواب كان واضح ، وهو يراها تضع بيدها فوق بطنها دون إجابه

……..

غادرت السيدة "صافية" من غرفة أبنة شقيقها ، وقد احزنها فقدنها للطفل ، أقتربت منه وهو جالس فوق الأريكة بالطابق السفلي يطرق رأسه أرضاً

- أطلعلها يا بني ، من ساعه ما رجعنا من المستشفي بتسأل عليك

طالعها "احمد" بنظرات صامته ، فجلست جواره تربت فوق كفه الموضوعه فوق ساقه

- صفا طيبه وغلبانه ، هي يمكن متهورة شويه في تصرفاتها بس مافيش أطيب منها

ظل صامتًا ، يستمع لكلمات السيده "صافيه" التي نهضت وقررت الرحيل ، بعدما منحته بعض السلام من حديثها الطيب

صعد إليها ، وقد بدء يشعر بتوازنه ، وفور أن دلف للغرفه كانت تعتدل من فوق الفراش بلهفة ..، تمسح دموعها

- أنا أسفه يا احمد ، أنا مكنتش عايزه أقولك ..، بس أنت كنت خلاص حجزت تذاكر الطيارة

وأطرقت رأسها في بؤس ، تهتف معللة ..، تتمني مسامحته علي إخفائها عنه لأمر حملها

- كنت عايزه أنزل مصر ، كنت مشتاقة ليهم أوي ..، كنت عايزه أقولهم أد إيه أنا سعيده

هتفت عباراتها ، وقد تعالت شهقاتها من شده الألم ..، فاقترب منها يضمها إليه بعدما رأي إنهيارها

- لما شوفت الدم ، خوفت أخسرك زي ما خسرتها يا صفا

توقفت عن البكاء ، بعدما ألجمها حديثه ..، ابتعدت عنه ..تنظر نحو ملامحه الجامده الشاردة

- زعلي منك عمره ما هيكون اكبر من خوفي عليكي

علقت الدموع بعينيه ، فاسرع بأشاحت عيناه عنها بعدما اطبق فوق جفنيه بقوة

- مشهد موت مها مش قادر أنساه

وقدعاد المشهد وعادت الذكريات لتخنق روحه ، نفس المكان ونفس الوقت ، "مها " تركض بالفرس وهو يركض خلفها حتي يلحقها بعدما فقدت التحكم في لجام الفرس ..، تصرخ باسمه حتي يلحقها ولكن الاوان قد فات ..، وارتطم الفرس بالسيارة الكبيرة وسقطت في بحر دمائها

اسرعت في ضمه إليها ، تُشاركه حزنه في صمت ..، غادر الغرفه بعدما لم يعد يتحمل المكوث أكثر فيها ، حتي إنه لم يعد يتحمل وجوده بالمزرعة التي جاء إليها من اجل أن يُحقق لها رغبتها

أنتظرته طويلاً ، وقد أقترب وقت بزوغ الشمس ..، فتحركت بالغرفة بصعوبه تشعر بالقلق وقيلة الحيله ..، وخاصه بعدما أغلق هاتفه ..، التقطت هاتفها لتهاتف "عامر" فلم يعد لديها قدرة علي الأنتظار أكثر ولكن قبل أن تضغط علي زر الأتصال ..، كانت تجده يدلف وثيابه متسخه بعض الشئ

اندفعت إليه باكيه

- وعدتني إنك مش هتسيبني ، ومش هترجع للماضي تاني ..، لو زعلان مني أنا أسفه ، عاقبني لكن متعاقبش نفسك

احتواها بين ذراعيه ، يشم رائحتها التي تُنسيه كل شئ ..، وبرفق كان يبعدها عنه يُخبرها بحنان

- أنا كويس يا صفا ، كنت محتاج بس أفضل لوحدي شويه

- لا أنت مش كويس يا أحمد

علقت عيناه بملامحها الذابلة ، ودموعها التي أستمرت في الهطول فوق خديها ..، يرفع كفيه يمسح عنها دموعها

- كفايه عياط ، ولا أضم كلمة زنانة ..، مع قماصه ونكديه

هتف بمزاح حتي يخفف عنها ، ويجعلها تُصدق إنه بخير ..، تجمدت جميع حواسه وهو يشعر بشفتيها فوق شفتيه ..، طالت قبلتهما التي شعر فيها بأن أوجاعه تنخمد ، وكأن قبلتها هي الترياق الذي اعاد إنعاش روحه ..، ابتعد عنها بانفاس لاهثه يضع جبينه فوق جبينها ، يتأمل ملامحها الجميله ويضغط بيديه فوق خصرها

- أنتِ أحلي حاجة حصلت ليا يا صفا

…………..

توقفت أمام الشرفة ، تنظر لمياة النيل التي تطل عليها شقته في العاصمه ..، أقترب منها يضمها لصدره متمتماً

- إيه اللي مصحيكي بدري

شعرت بيديه تمسدّ فوق بطنها ، فالتفت إليه تمنحه صباحاً جميلاً في قبلة خاطفة وضعتها فوق خده

- حسيت بقلق شويه ، ولقيت الجو جميل قولت اقف استمتع شويه بالمنظر

داعب أرنبة أنفها باصبعه ، يجذبها إليه اكثر

- أوعي تكوني بتكدبي عليا يا جنه ، وتكوني تعبانه

تعالت ضحكاتها ، وهي تراه ينتظر سماع جوابها بلهفة

- جاسر ، بلاش قلقك الزايد

لطمها فوق جبهتها بخفه ، يتذكر إذا لم يهتم بها تحزن وتتذمر ، وإذا صب اهتمامه عليها تضجر منه

- والله يا حببتي أنا مش عارف ، أنتِ عايزه إيه

- عايزاك تفسحني ، أنت مش جايبني هنا عشان أفضل قاعده في الشقه لحد ما تخلص شغلك

واطرقت رأسها في أسي ، تتذكر رحيل أبنة خالها ليلة أمس

- صفا خلاص مشيت ، ومش هلاقي حد اتسلي معاه

تعالت ضحكاته ، وهو يري تذمرها

- هو إحنا هنعيش هنا طول العمر ، إحنا راجعين البلد بعد أسبوع يا حببتي

صاحت وهي تتقافز أمامه ، كالبهلون ..، فقبض فوق كتفيها يُثبتها مكانها

- يبقي تفسحني طول الأسبوع ، وننزل نجيب الطلبات اللي طلبتها مني أروي

وبنبرة محذره ، كانت تهتف

- كله وطلبات أروي ، ديه تفضحني وتموتني

وبحب كان يُضمها إليها مجدداً ، يُخبرها بموافقته نحو كل ما تُريده

- حاضر يا حببتي

وسرعان ما كان يفيق من هدوئه وهو يجذبها للداخل ، بعدما نظر في ساعة يده

- شوفي عماله ترغي كتير ، ومخلتنيش أقولك أنا عايزك في إيه

وهل ابن المنشاوي يُريدها إلا في مواضيعه الهامه للغاية ؟

غمز لها عبر المرآة بعدما وقف يُهندم من قميصه ، ويربط رابطه عنقه ..، فتوردت وجنتاها خجلاً وهي تتحاشي النظر إليه ، فأنفرجت شفتيه في ضحكة قويه

- لو مكنتش عندي إجتماع مهم بس ..

غادر ، بعدما وضع فوق جبينها قبلة سريعه ، فاتسطحت فوق الفراش ..، تضع بيدها فوق قلبها ، لا تُصدق تلك السعاده التي باتت تعيشها معه وبين ذراعيه .

………….

بعد مرور بضعة أشهر ، في داخل إحدي المشافي الخاصه الكبري

خرج "عامر" من غرفة العمليات بأعين دامعه ، بعدما رأي صغيريها وحملهم ، أسرع رجب إليه بلهفة ، ومن نظرته علم أن شقيقته وضعت صغارها

- مبروك يا عامر يتربوا في عزك يا باشا

ربت "عامر" فوق كتفه ، يشكره ،

تلاقت عينين سناء به في حقد ، تشيح عيناها عن المشهد ، فلم تتخيل يوماً أن تصبح حياة هكذا ، زوج يُحبها بل لم يتركها حتي في غرفة العمليات مصمماً أن يكون معها هذه اللحظه ، تلد في أفخم المشافي ..، وتنجب ولدين وتعيش في عز لو غرفت منه لن ينتهي

كان الحقد يتأكلها ، تعض فوق شفتيها بقوة ، تُطالع لهفته وهو يتجه نحوها بعدما خرجت من غرفة العمليات واتجهت نحو غرفتها بالمشفي .

……………..

حمل "جاسر" صغيرته الجميله ..، ينظر إليها غير مصدقاً إنه يحمل قطعه منه بين ذراعيه

اقتربت منه "اروي" تلتقطها منه ، كما حاول البعض ، لكنه أخفي منها صغيرته ، انفجر الجميع ضاحكين

- يعني أنا هاكلها يا جاسر ، ما تقولي حاجه لجوزك يا جنه

طالعتهم بأرهاق ، تنظر إلي زوجها بعنفونه وهيبته ، وكيف صار كطفل صغير ، وهو يحتوي صغيرتهم

- الكبير خايف علي بنته مننا ، إيه يا كبير المنشاوية مش هتخليني اشيل بنتك

هتف بها "فاخر" ، فاعطاها له ، فاحتقنت ملامح أروي

- كده يا جاسر ، شايفه جوزك يا جنه

ضحكت "جنه" بخفوت ، فضحكت السيده "صافيه" وهو تنظر إليهم . وتنظر إلي ابنتها ، تدعو لها الله ، أن يديم عليها هذه السعاده

علقت عينين صابر بحفيدته، وهو ينهض عن مقعده يلتقط منهم الصغيره هاتفاً

- هاتوا حفيدتي ، تعالي يا أروي خدي شيليها

تهللت أسارير أروي والتقطت الصغيره من عمها ، فدلف "هاشم" ، ينظر نحوهم بعدما أستمع لصياحها بهم

- مين مزعل مراتي

شوفت يا "هاشم"، مكنوش راضين أشيل "رهف"

- بكره مش هنخلي حد يشيل ولادنا يا حببتي

تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل ، واقترب منها يلصقها به ، فعلقت عينين أشقائها بها

- أبعد أيدك عنها

وهاشم يهتف صائحاً بهم ، فانفجر الجميع ضاحكين بقوة

- والله مراتي ، إيه المعامله الوحشة ديه .. ياولاد حسن المنشاوي

خرج الجميع من الغرفه أخيراً ، فاقترب منها بلهفة يزفر أنفاسه براحه

- يااا أخيراً بقينا لوحدنا

- مبسوط يا جاسر

طالعها بسعاده وهو يلتقط كفيها يلثهما

- أنا أسعد راجل في الدنيا يا جنه

اتسعت أبتسامتها ، وهي تُطالعه ..، لا تُصدق إن هذا الرجل بقوته ومكانته ، زوجها وحبيبها

- بحبك

- بحبك ، و دلوقتي كمان ..، ده أنتِ جبارة يا جنه

ضحكت مرغمه وهي تستمع لكلماته التي فهمت مغزاها ، فقربها منه برفق

- هنجيب فارس أمتي بقي

وقبل أن تبعده عنها وتهتف بأعتراض ، كان يُخرسها بطريقته ، هامساً بحب وهو يبتعد عنها

- هدفنا الجاي هو فارس ، و يمكن نسجل هدفين مرة واحده

وسرعان ما كانت تتعالا ضحكاته ، وهي تدفعه عنها صارخة به

………..

اتسعت ابتسامه "صفا" بعدما أنتهت محادثتهم مع أفراد العائله ، اغلق "احمد" حاسوبه مبتسماً هو الاخر يضمها إليه .. يُمسد فوق بطنها

- ولاد عامر وبنت جنه خطفوا قلبي ، عقبالنايا حببتي

ابتعدت عنه ، تشعر بالشوق لتلك اللحظه التي ستصبح فيها أماً

- هكون أم حلوه صح

واخذت تُخبره عما ستفعله مع صغيرها الذي اختارت أسمه علي اسم والدها ، فاتسعت ابتسامته وسرعان ما كان ينفجر ضاحكاً

- إيه كل الأحلام ديه ، اللي مستنيه تحققيها معاه

مطت شفتيها في إستياء ، تجذبه من قميصه بطريقة شرسة

- من غير إعتراض ، هتنفذ كل طلباتنا

تعالت ضحكاته ، وهو يبتعد عنها

- مش عارف ليه بقيتي شرسة يا صفا ، هو أنتِ حامل في نمر مفترس

تجهمت ملامحها ، وهي ترمقه بتوعد وعادت تقترب منه بشراسة ، فانسحب من جوارها

- كل أوامرك وأوامر حسن باشا هتتنفذ بالحرف

استرخت ملامحها ، وتسطحت فوق الأريكه تفرد ساقيها ..، رمقها وهي تلتقط حبات الفواكهه تلتهمها ، و تلوح له بيدها الأخري

- أبعد كده خليني أتفرج علي التلفزيون ، المسلسل بدء خلاص

صدح صوت التلفاز مع أحد المشاهد القوية ، ليبتعد من امامها ، يُطالع المشهد الدموي في صدمه

- مصاصين دماء يا صفا ، وانا بقول ليه التوحش ده

وبعند كان يغلق لها التلفاز ، مقتربً منها حتي ينهضها من فوق الأريكه ولكنها كانت هي من تجذبه إليها تهمس له بوداعه ، بعدما تقلب مزاجها وعادت تشتهيه

- هو أنا قولتلك إني بحب النهارده

ضحك مرغماً من تقلبها الذي أصبح لذيذاً وممتعاً، يهمس لها

- وكمان بقيتي مجنونه يا حببتي

والجنون قد أصبح شيئاً أساسياً في حياته ، بل أصبح هو طعم الحياة بينهم .

****
تمت بحمد الله

بقلم (سهام صادق) عرض أقل

•لقراءة و متابعة روايات جديده و حصريه اضغط هنا

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات