Ads by Google X

رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثاني 2 - بقلم رغد ايمن

الصفحة الرئيسية


 رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثاني 2 - بقلم رغد ايمن

 


كان الموقفُ مُحرِجاً وسخيفاً بحقّ!
فقد ذُهل الواقفون مما تقوله على "عُديّ".. بينما هو يُمسكُ بيد "يُوسُف" وقد وقف بمكانه كمن أصابته صاعِقةٌ لا تُبقي ولا تَذَر!



تقصده هو؟! هو خاطِفُ الصَبيّ، الذي تصرخُ وتصيحُ عليه!



وما تزالُ الفتاةُ تستنجدُ بأهل المنطقة، وهي تُحاول سَحب "يُوسُف" من يده بلَوعة:
- الحقوني يا ناس! يا عالم! الـوَاد كان هيتخِطف من المُهزّق ده!



- مُهزّق! طب مش لو حضرتك فكّرتي بربع جنيه كنتِ هتلاقي الأحداث بتناقض كلامك!
ثم إن حرامي ايه اللي هيخطف طِفل بعد صلاة الجُمعة، ويتمشّى معاه.. 
إضافةً طبعاً إلى أن الطفل ده بيتكلم ومُستمتع جداً وهو مَخطوف!



قالها "عُديّ" بنبرةٍ ساخرةٍ مُغتاظة، وهو يُسلّمها الفتى، ثم يَعودُ أدراجه وهو يهزُّ رأسه على تلك الفتاة المَجنونة.. 
مُتحدثاً مع نفسه عن: "البلاوي اللي بتتحدّف على الواحد"!



تارِكاً إياها خَلفه وهي تغلي بغضبٍ من تصرّفه البارِد.. وما لبثت أن صرخت به بحِدّة، قائلةً:
- أنتَ يا أستاذ، اقف عندك وقولي "يُوسِف" كان بيعمل ايه معاك؟!



رفع "عُديّ" حاجبيه بصدمةٍ من جُرأتها، أكُلُّ ذلك لأجل أخيها الصغير!



بينما كانت امرأةٌ بجانبها تُقنعها أنه أستاذ "عُديّ" صديقُ الأطفال، ويستحيلُ أن يؤذي بَعوضة!



ولكن "عُديّ" تنهد وأجابها بهدوء يُبرر ما حدث.. وهو يُحاوِل قدر المُستطاع غَضَّ بصره عَمّا ظَهر من رقبتها وشَعرها:
- يا آنسة والله أخو حضرتك كان بيصلي معايا الجُمعة، وبعد الصلاة قعدنا نتكلم شوية.. وأخو حضرتك موجود اسأليه، وبرضو اللي كانوا في المسجد معانا، والأطفال اللي كانوا معاه..
وابقي حضرتك اسألي عن مِسيو "عُديّ الجَمّال"، وألف مين يقولك هو مين في الحارة بلا فَخر!



ثم استأذن منها، ولكنه قبل أن يرحل.. اقترب من سيدةٍ في سِنّ والدته، جارته في العمارة.. ثم همس لها بشيء، ورحل عائداً لمنزله وهو يأخذُ نفساً، ثم يُخرجه بثِقَل!



أما تِلكَ السَيّدةُ التي همس لها، فقد اقتربت من الفتاة بهدوء، وربّتت على كتفها وهي تُعدّلُ لها حجابها حتى لا يظهر منها شيءٌ كما أخبرها "عُديّ"، وقالت لها بهدوء:
- متتعصبيش يا بنتي، إنما أنتِ اسمك ايه؟



- "رِيتاچ"!
نطقت بها الأخرى بنفادِ صبرٍ استشعرته المرأة، ولكنها أكملت رُغم ذلك:
- اسمك حِلو! المُهم، مش عايزاكِ تتعصبي يا بنتي، أستاذ "عُديّ" ده مفيش حد هنا في الحارة ميعرفوش، ومفيش طفل مبيحبوش!




 
                
أومأت لها "رِيتاچ" علامة التفهّم، ثم أحكمت الإمساك بيد "يُوسُف" وهي تقول بين أسنانها بغيظ:
- وعاملّي فيها شيخ، وهو أصلاً بتاع فرنساوي.. شيوخ آخر زمن!





ثم نظرت تجاه ذلك الذي يسيرُ مَعها بخَوف وتوتر، قائلةً بحِدّة:
- لو خليتك تنزل الشارع تاني، أبقى كلاون!





_______________





- مين بقا البِتّ المِسلوَعة اللي كانت عمّالة تسرسع زي العِرسة دي؟!





ما إن فَتَح "عُديّ" باب الشَّقة، حتى اصطدم بحديث والدته السَّاخِط ذاك!
ضحك بشدّة، وهو يُغلقُ الباب بقدمه.. ثم اقترب مِنها قائلاً بمرح:
- ما شاء الله، للدرجادي الأخبار بتوصل بسُرعة؟





تأففت بضجر، فلم تَكُن بمِزاجٍ رائقٍ لمُزاحه، بعد ما وصل لها مِن أخبار.. فقالت بحنق وهي تتجاهله:
- مجاوبتش عليا، البِتّ دي كانت بتزعق ليك ليه؟!





- استهدي بالله يا ماما، دي كانت بتزعق مع نفسها أصلاً!
سوء تفاهم، كانت فاكرة إني خاطِف أخوها.. لسة جُداد بقا وميعرفوش ابنك كويس!





وقبل أن تُطلِق والدتها سُباباً ودعواتٍ على الفتاة، يجعلهما يُذنبان..
استأذن "عُديّ" من والدته حتى يخلُد قليلاً للنوم، قبل مَجئ طَلبة الثانوي، الذي يُعطيهم الدَّرسَ الخُصوصيّ!





_______________





دخلت "ريتاچ" الشَّقة، وهي تُتمتم بكلماتٍ غير مفهومة لـ"يُوسُف"!





بالأحرى، فقد كان ما يشغلُ ذِهن الصَبيّ بتِلكَ اللحظة، أين سيختبئ من بَطش تِلك الناريّة التي تصطحبه!





- حبيب قلب "مروة"، كُنت فين قلقتنا عليك!





قالتها المرأة الكبيرة، وهي تَجرُّ بيدها عجلتيْ كُرسيّها المُتحرك..
ركض "يُوسُف" نحوها بابتسامة، مُتحدّثاً بحماسٍ سعيد:
- عارفة؟ أنا النهاردة رُحت صلّيت الجُمعة، واتعرفت على عمو "عُديّ"!
عارفة كمان؟ بعد الصلاة، عمو "عُديّ" قالنا حاجات حلوة في الدّين، وأنا جاوبت معاه صح!





اتسعت ابتسامة الأخرى.. وهي تمسحُ على شعره وتحتضنه بحنان ولُطف!
كُلّ ذلك، كان تحت عينين عسليّتين، كانتا تشتعلان غيظاً!





هنا، ولم تتمالك "ريتاچ" نفسها، فصاحت بتهكّم:
- متنساش المرة الجاية تروّح معاه، عشان المرادي معرفش يخطفك كويّس!





- على فكرة مكانش هيخطفني! هو وعدني أنه هيوصلني البيت بعد الصلاة، وكان بيوصلني فعلاً!
قالها "يُوسُف" بصوتٍ علا بغير قصدٍ منه، يُدافع عن صديقه الغائب.. 
فصاحت هي بعصبيّةٍ وغضب:
- وهو أي حد بيوعِد بحاجة، بيوفّي بيها؟!!





"مستحيل تكون في وَعيها!"
هذا ما تمتمت به المرأة الكبيرة، وهي تستمعُ لنبرتها المليئة بالقَهرِ والانكسار الذي يَحويه قلبُها!





سقط قِناعُ الثباتِ والجبروت الذي كانت ترتديه، وظهر وجهها الحقيقيّ!
فتاةٌ ضعيفةٌ، تَكذبُ بشأن كونها قويّة!





سقطَ قِناعها، وسقطت معه على الأريكةٍ بوهنٍ.. تَبكي بحُرقةٍ، وقد تصاعدت شهقاتها عالياً!





وقف "يُوسُف" وقد آلمه قلبه لمنظرها الحزين، فاقترب منها وهو يُربّتُ على كتفها بلُطفٍ.. قائلاً بخفوت وهو لا يفهمُ بعدُ سبب بُكائها المُفاجئ:
- أنا آسف إني خليتك تعيّطي!





لَفّت "ريتاچ" ذراعيها حول جسده الصَّغير، تضمّه بقوّةٍ.. وتعتذرُ له!





تشعرُ بالذَّنبِ تِجاهه، وتتساءل!
لِماذا؟!
ما الذي اقترفته لتُقابَل بالخُذلانِ والحَنثِ بالوعود!





ومِّمَن!
مِّمن كان أحبَّ إليها من ذاتها!





يُتّبع...





*****

 

google-playkhamsatmostaqltradent