رواية سطور عانقها القلب الفصل الثاني 2 - بقلم سهام صادق
ذهبت "صفا" لعرس رفيقتها، وقد سمحت لها والدتها ، لعلها تشعر بالغيرة من رفيقاتها، وتقبل بالعريس الذي سيتقدم له بعد غد، بعدما أتفقت والدتها مع جارتها علي هذا الموعد.
التعمت عيناها بانبهار ، وهي تري سعادة صديقتها ..، وقد رفرف قلبها بمشاعر التوق لتصبح يوماً عروساً ، بل إنها تخيلت هذا اليوم ..، فادركت تلك اللحظة إنها بالفعل لا تنتظر رجلاً لن يمت بالواقع بصلة , ولا ذلك الكاتب الذي تعشقة دون سبب ، ولكن كل ما تتمناه أن تجد ما يُحرك قلبها ويدق من أجله ، وستنسي كل عالم الخيال وستعيش معه الواقع.
سافرت بخيالها نحو قصة حب صنعتها في عقلها ، وكالعادة الأحلام تأخذها لأعلي , لتأتي لحظة الإفاقة وتهبط علي سطح الأرض ولكن تلك المرة هبطت مفزوعة تشهق بذهول ، وهي تري أحد الصغار يسكب عليها كأس المياة الغازية بعدما تعثرت قدمه بأحد أسلاك الإضاءة و والدته تركض خلفه ، وتصرخ باسمه
- أنا اسفه جدا
هتفت المرأة عبارتها ، ثم التقطت ذراع صغيرها تسحبه معنفة له ، دون قول أخر لها بعد أتسعت البقعة فوق فستانها
- بدل ما أرجع لبطة بعريس زي ما بتتمني ، هرجع ليها بالبقعة ديه
تمتمت عبارتها مستاءة ، وهي تنهض عن مقعدها تنظر نحو البقعة التي لطخت ثوبها ، ثم ودعت رفيقاتها من أيام الجامعة .
……………… …………………
ووسط مجموعة ممن يُماثلوه عمراً ومكانة ، كان يجلس "عامر" ضجراً من تلك السهرة التي لا تروق له ولكن يأتيها أحياناً حتي يرفه عن نفسه ويخرج من زي رجل الأعمال.
كانت هذه السهرة تضم الأصدقاء للترفيه بعيداً عن زوجاتهم .., نساء تحاوطهم حتي يتمتعن بلمسات ومداعبات وضحكات ليس إلا ..، داعبت إحدي النساء عنقه ، وقد كان يجلس بهيبته المعتاده, يحتسي مشروبه الخالي من الكحول, و يرمق بعض الأصدقاء ساخراً ، من سيل لعابه وهو يُلامس بكفه ظهر تلك الفتاه العاري ، وينظر لما اسفل عنقها
- والباشا هيفضل بعيد عننا كتير
هتفت احداهن عبارتها ، فالتفت نحوها ، بعدما دفع يدها بعيداً عنه متمتماً
- الباشا مستغني عن خدماتك
أزدادت لوعة ورغبة وهي تري تمنعه ، فجلست جواره تفرض وجودها
- ليه كده بس يا باشا ؟
رمقها "عامر" حانقاً ، وحاول النهوض حتي يرحل بعدما ازداد ضجره منها ، ولكن وجدها تلتقط كفه ، وتسبل أهدابها راجيه
- خلاص يا باشا هبعد عنك ، مدام وجودي ضايقك
كانت تظن أنها بنبرتها المستكينة ، الناعمة ستستطيع جذبه ..، ولكنها لم تكن تعلم أنها أمام أشد الرجال صلابة خاصة إذا رأي نظرات الوداعة من النساء
أطال النظر إليها ، وقد ظنت إنها استطاعت جذبه وتحريك غريزته ، ولكن الصدمة اعتلت ملامحها وهي تراه يخرج حفنة نقود من جزدانه ويلقيهم نحوها.
………… …………….
هل اليوم سيأتي ذلك العريس التي جلبته احدي جارتها ، تنهدت "صفا" حانقة ، وقد أنهت كل ما أمرت به والدتها ، ثم تنهدت بخيبة امل من استسلامها لمقابلة ذلك العريس المرحب به من قبل والدتها ووالدها ... وانفردت بغرفتها أخيراً ، ثم امسكت بأحد اقلامها لتلون احد كلماته وقد سطرها في كتابه
لو كانت النجوم قريبه منا , نمسكها بيدينا، ما احس أحداً بصعوبه نيل بعض الاشياء ،ولو كان القمر ظاهراً لأعينا بشكله المعتم ما وصف به المحب حبيبته ،فجمال الاشياء ببعدها وجهلها !
افاقت من شرودها علي صوت هتاف والدها بها، فاغلقت الكتاب وخرجت سريعاً من غرفتها تعانقه كعادتها حينما تضجر او تحزن من شئ
حسن : اوعي تزعلي مننا ياصفا ، انا عارف انك مش موافقه علي العريس ونفسك تتجوزي الانسان اللي رسماه في خيالك بس ياحببتي عمر الواقع مابقي خيال ولا خيال بقي واقع
فابتعدت "صفا" عن والدها تلتقط كفيه, تقبلهما
- حببتي أيدي فيها شحم
فتمسحت به "صفا" مازحه
- ده أحنا نبوس الأيادي والرجلين ..، والعفريته كمان يا أسطي حسن
كان "حسن" يعمل مصلح للسيارات ..، ابتسم الأسطي "حسن" وهو يجد صغيرته التي ستظل دوما هكذا أمام عينيه مهما كبرت
- قولي بقي صلحت كام عربية ، ولا أنزل أنا بدالك الورشة وأوريك مواهبي
ضحك والدها بملئ شدقيه ، يدفعها فوق رأسها برفق
- الأسطي حسن عايز يشوفك متهنية في بيتك مع راجل ابن حلال يصونك
حكت "صفا" رأسه ، فعلي ما يبدو أن لا مفر من مقابلتها لهذا العريس
- كده هتبعني ياعم حسن وتسمع كلام بطه وتعيش جو الدراما زيها ، بس اعمل حسابك لو معجبنيش زي اللي فات هنطفشه سوا
ليحتضنها والدها ضاحكاً : علم وينفذ
ثم اردف بحنان وقد لمعت الدموع بعينيه ، ثم اسرع في اخفائها
- افضلي اضحكي علطول يابنتي فاهمه !
فابتعدت عن حضن والدها ، تنظر إليه بشك
- أنا دمعتي قريبة يا حاج ، بلاش دراما ..، لا إحنا لازم نغير بطوط ونشوف ست غيرها
صفا
هتفت والدتها باسمها بعدما التقطت أذنيها حديثها الأخير ، فاركضت من أمام والدها الذي أنفرجت شفتيه في ضحكة قوية وهو يري طفولة أبنته ومشاغبتها مع والدتها ، التي لطمت كفيها ببعضهما متحسرة علي عقلها الضائع
فاطمه : يابنت المجنونه ، حظه منيل اللي هيتجوزك يا بنت بطني
فعادت ضحكات "حسن" تتعالا مجدداً ، لتشاركه "فاطمة" الضحك ..، متمنية من الله أن يطيل عمرها حتي تراها عروساً.
................................. ..................................
كان من ينظر اليها لا يظن بأن تلك السيدة الحسناء ، ذو الملامح الجميلة.. في العقد السادس من عمرها ، فبرغم مرور الزمن ظل جمالها مرسوماً فوق تقسيمات وجهها ، وكأن الجمال رافض ان يتخلي عن صاحبته
تسير بعكازها الذي يساعدها علي الحركة نحو شرفتها، تسأل خادمتها للمره التي لا تعد عن شكل حديقة قصرهم الفخم
ناهد : اوصفيلي الجنينه يا حنان
فتبتسم تلك الخادمه المخلصه لسيدتها التي لا تُبصر
حنان : ماهو نفس وصف امبارح يا هانم ، اوصفهولك تاني
فتتشنج عضلات وجه سيدتها ، وقد غامت عيناها بالحزن ..، تتذكر سنوات عمرها الماضيه
ف "ناهد" الجميلة التي كانت يوماً أمرأه يتهاتف عليها الرجال ..، اصبحت منذ سنوات ضريرة وحيدة ومنعزلة بل منبوذه من أبنها البكر
ناهد بضيق : روحي شوفي شغلك ياحنان
أنصرفت "حنان" نحو عملها بعدما جاء السيد الصغير يرمقها بنظرة امره ، حتي تترك الغرفة ، تقدم "احمد" منها بخطوات هادئه ونظرات حزينة علي والدته المنعزلة عنهم دوما في غرفتها
شعرت به ، فالتفت ناحيته تمدّ يديها إليه هاتفه باسمه: أنت هنا يا احمد
احمد : مالك ياماما بقيتي عصبيه كده ليه
تحرك احمد إليه ، يلتقط كفها ..، يساعدها في خطواتها نحو فراشها بتمهل ورفق
ناهد : ذنبها ايه حنان اشخط فيها ، كفايه هي اللي متحملاني ومستحمله ست كفيفه
فجاورها احمد فوق الفراش ، يُعانق كفيها بين كفيه ، ثم يلثمهما , يهتف بحنان : ياست الكل يعني تزعلي عيونك الزُرق الحلوين دول عشان خاطر زعقتي في حنان وقولتيلها روحي شوفي شغلك
لا لا فين ناهد هانم بشدتها وصحتها
فابتسمت "ناهد" بحنين ، متذكره حياتها مُنذ خمسة اعوام وما عصف بها
ناهد : الزمن لازم يسيب اثره يابني ، ولا الصحه بتدوم ولا المال بيدوم .. بس مين يفهم
تأملها "احمد" طويلا، يبحث عن والدته القديمة وتلك الصورة التي عاشا هو وشقيقه علي كرهها بعدما هجرت والدهما ، فوالدهم لم يكف يوماً عن رسمها لهم بصورة بشعة ..، حتي تشرب منه "عامر" حقده علي والدته ، يعلم إنها اخطأت وركضت خلف المظاهر وتركت والده في محنته ولكنها في النهاية ستظل والدته.. وقد نال الزمن منها ، فكيف يكون قاسي عليها كما يفعل شقيقه دون رحمه ؟
ناهد : هيفضل لحد امتى اخوك زعلان مني يا احمد ؟
فتنهد احمد بأسي ، ينظر طويلا إليها دون جواب ..، فبماذا سيخبرها ، فعامر قد تشرب القسوة والحقد من والدهم ومن عثرات الزمن.
...................... ..........................
اعترضت وثارت ولكن والدتها لم تكن تري ما تفعله إلا دلعً وقد افسدتها دلالاً ، هكذا اخبرتها والدتها بصوت غاضب ..، بعدما غادر العريس ودلفت إلي غرفتها حانقة
- سيبي البنت براحتها يا فاطمة
تهاوت السيدة "فاطمه" بجسدها الممتلئ قليلاً فوق الأريكة ..، تلطم فخذيها كعادتها حانقة
- دلعك ليها يا حسن هو اللي عمل فيها كده
طالعها "حسن"،فارتسم الحزن فوق ملامحها ..، ترفع عيناها إليه
- عايزه اطمن عليها يا حسن
- تاني يافاطمه ، يا فاطمه الأعمار بيدي الله ..
واقترب منها يُجاورها ، ثم أمسك كفيها يضمهما بحنو
- أفرض أتجوزت واتطلقت ..، هننفعها ب إيه بعد كده ..، هنقولها كنا خايفين نسيبك لوحدك في الدنيا ..، ربك مبينساش عباده يا فاطمة
أنسابت الدموع فوق خدي "فاطمه" ، هي أمرأة مؤمنة ومقتنعة بحديث زوجها ولكنها تخاف علي أبنتها بقلب أم لا تُريد سوي رؤيتها مع زوج يحميها ويصونها
- خليها تدي العريس فرصه ، ولو مرتحتش بعد كده مش هتكلم تاني يا حسن
………………………
دلف "احمد" المطعم حانقاً من إصرار شقيقه علي تلبية الدعوة التي أعتذر منها هو ..، وهو من يجب عليه الذهاب من اجل صورته أمام السيد محسن ..، تمتم داخله وهو لا يتمني أن لا تكون حيلة من شقيقه ..، أرشده النادل نحو الطاولة التي تم حجزها ..، فاقترب من الطاوله بملامح جامدة بعدما لم يجد عليها سوي "فريده" ابنة السيد محسن جالسها فوق المقعد وظهرها إليه
اقترب بخطوات هادئه ، يزفر أنفاسه بضيق ..، فمتي سيبتعد "عامر" عنه ويكف عن اختيار العروس المناسبة له
- مساء الخير
ابتسمت "فريده" عند سماع صوته ، والتفت إليه ثم نهضت عن مقعدها تمدّ له كفها ،وبلباقة كان يُجيدها ..،تاركاً حنقه جانباً
- اسف علي التأخير
- متعتذرش يا بشمهندس ، أنا اللي جايه بدري عن ميعادي
جلس قبالتها مُتجاوزاً حديثها ..، متسائلاً
- نطلب الأكل
شعرت "فريده" بالحرج من معاملته الجافة ..، وحاولت أن تتخطي الأمر ..، فما تعلمه عنه يؤكد لها بأن شخصيته هكذا وليست وحدها من يخصها بتلك المعاملة
- اوك
شرعوا في تناول وجبتهم ، ومهما حاولت الحديث عن أي موضوع ..، كان يُجيبها ببضعة كلمات
- تعرف أني معجبة بشخصيتك جدا يا بشمهندس
رفع عيناه إليه ، بعدما مضغ الطعام وارتشف من كأس الماء بضعة قطرات
- أنا عارفه إنك ممكن تقرل عليا جريئة ، بس أنا أتعودت علي الصراحه
أبتسم مجاملة لها ، فابتسمت هي الاخري
- أتمني أتعلم من خبرتك في السوق يا بشمهندس ، وتنسي أنا بنت مين ..، زي ما أنت كمان بتنسي في الشغل اسم عيله السيوفي
ولثاني مرة كان يُعجب بحنكتها في الحديث ، أتسعت أبتسامته وقد ظنت إنها وصلت لبداية الطريق ولكنها كانت بعيده تماماً عن هذا
- وأنا سعيد بكلامك ده يا بشمهندسه ، لأني معنديش مجاملة في الشغل
مر الوقت وفريدة بذكاءها ولباقتها ..، استطاعت أن تجد حديثًا تتجاذب به معه ولم يكن الحديث إلا عن عمالقة الكتاب سواء شرقي او غربي
ضحكت وهي تري نفسها أصبحت جاهلة بمعلوماتها الضئيلة عن الأدب ..، رغم إنها اظهرت إليه في البداية مدي شغفها
- أنا مقدرش أوصل ليك يا بشمهندس ، أنت ماشاء الله موسوعه
ابتسم "احمد" علي اطراءها ، دون أن يُخبرها بهويته المستعارة
- معلوماتك مش ضئيلة ولا حاجة
- اعتبر أني فيا أمل
واسبلت أهدابها إليه في رقه ، فارتشف قهوته بعدما شعر أن الأمر سيأخذهم لبداية لا يُريدها
انتهي اللقاء وقد حاولت "فريدة" بشده استمالة قلب "احمد".
…………… ………..
ابتسم "عامر" بعدما طالت سهرة شقيقه ، رمق ساعته قبل أن يصعد الدرج ولكن توقف مكانه وهو يستمع لصوت شقيقه الساخر
- مش معقول عامر باشا مستنيني بنفسه ..، ولا مستني تعرف نجاح خطتك
تجهمت ملامح "عامر" ، فاقترب منه "احمد"
- عيب يا باشا تلعب معايا كده ..
- العب معاك
تمتم بها "عامر" حانقاً ، فتنهد "احمد" ضجراً
- كفايه يا عامر ، ارجوك كفايه ..قولتلك اني هفضل عايش علي ذكري مها ، أنت ليه مش عايز تفهم
- انت بتعلي صوتك عليا احمد
تنهد "احمد" بأسف ، يرمق شقيقه
- أنت عارف مكانتك كويس عندي يا عامر
وقبل أن يتجه نحو غرفته ، وقف علي احدي درجات الدرج
- سيبني دافن نفسي في العالم بتاعي يا عامر ..، زي ما أنت دافن نفسك في الماضي ومازلت بتحمل أمك ذنب دفعت تمنه
تجمدت ملامح "عامر"، بعدما علقت عيناه بشقيقه .. وبعدما كان جسده يستجدي الراحه ..، عاد عقله للماضي الذي لم ينساه رغماً عنه.
................................. .............................
دلفت عمتها غرفتها بعدما علمت بعودتها من ذلك اللقاء ..، استمعت لاسمه وهي تري أبنة شقيقها تُحادث إحدي صديقاتها عنه ..، اسرعت "فريدة" في إنهاء محادثتها بعدما رأت عمتها تجلس جوارها وعلي شفتيها أبتسامة سعيدة
- مش معقول كريمة هانم في اوضتي
دفعتها عمتها برفق ، قبل أن تندفع لأحضانها
- حبيبت عمتها ،اللي بقت تخبي حاجات كتير عنها
ابتعدت عنها "فريدة" تطرق رأسها ، فابتسمت "كريمة" متسائله
- قوليلي عرفتيه أزاي ،وابن مين ، وأمتي هيجي يتقدم ل بابا
- يتقدم مرة واحدة يا كريمة هانم
هتفت بها "فريدة" وهي تضحك ..، فطريقها مع "احمد السيوفي" ، مازال طويلاً
- كل ديه اسئلة يا عمتو
- والأسئلة لازم يكون ليها إجابة
تمتمت السيدة "كريمة" بحب حقيقي لأبنه شقيقها التي ربتها، بعدما تركتها والدتها بعد أنفصالها عن شقيقه
- ده اخو عامر السيوفي شريك بابا لو تسمعي عنه
ضيقت "كريمة" عينيها تُحاول تذكر الاسم ..، فلمعت عيناها بصدمه وهي تتذكر نية شقيقه في تقريب أبنته من "عامر" وليس شقيقه
- أنتي عارفه إن بابا كان عايز يقربك من عامر مش من احمد
لم تنصدم ملامح "فريدة" ، فهي كانت تعلم بنية والدها ولكنه في النهاية رضخ لقرارها
- بس أنا اعجبت ب أحمد يا عتمو ، وبابا تفهم الموضوع
ارتاحت عمتها عندما استمعت لقرارها
- كنت خايفه ل محسن يعرف يقنعك ، إن عامر هو السلطة وتدفني نفسك مع راجل فرق السن بينك وبينه كبير وفي النهاية مش هتحصدي غير الخسارة زي ..، وكل ده عشان الفلوس
دمعت عينين "كريمة" عندما تذكرت الماضي وبزيجتها الفاشلة التي لم تثمر إلا بضياع سنوات من عمرها ، اسرعت فريدة في ضمها تشعر بالحزن علي حال عمتها
- أنسي يا عمتو
تمالكت "كريمة" دموعها ، تنظر لأبنة شقيقه بحب
- خليكي ديما قوية يا فريدة ، اوعي في يوم حد يتحكم فيكي
وفريدة كانت لا تحتاج لنصيحة عمتها ، هي أبنة محسن الصواف ، ورثت طباعه و وحيدته التي يتنازل من أجلها عن أي شئ
- احكيلي بقي عن احمد ده
تراجعت "فريدة" للخلف ، تستند بظهرها فوق وسادتها وتعبث بخصلاتها بحالمية متمتمه
- تقيل أوي ، ومثقف اوي .. وجميل أوي
التمعت عينين "كريمة" وهي تستمع لوصفها
- أنا عرفت دلوقتي ليه عجبك ...
ثم هتفت بنبرة صوتها تُقلدها
- عشان تقيل أوي مش كده
اسرعت "فريدة" في الاعتدال من رقدتها ..، تُطالع عمتها بعدما تذكرت تلك القصة التي علمتها عنه وعن حبه القديم بفتاة ليست معروفة في وسطهم
- كان بيحب بنت زمان يا عمتو ، سمعت إنها ماتت ومن ساعتها قافل علي نفسها
طالعتها "كريمة" قليلاً ، تنظر إليه
- والمفروض أنتي دلوقتي تعرفي كل حاجة عن البنت ديه مش كده يا فريدة
- محتاج أعرف ليه حبها ومن ساعتها قافل علي نفسه
- بلاش يا فريدة تفتحي الدفاتر المتقفلة
……………………….
كانت زغاريط والدتها تعم المنزل ، والفرحه لا تسع عينيها
فتهتف فاطمه بسعاده : مبرووك ياحببتي ، يااا يا بنتي متعرفيش سعادتي أد إيه النهارده وإحنا نازلين نجيب الشبكة
صفا : مش مرتاحه يا ماما ، ارجوكي بلاش
زفرت "فاطمة" أنفاسها حانقة ، من حال أبنتها المتقلب
- عريس ، تتمناه أي بنت .. محاسب في مكان ليه وضعه وعنده شقيته وعربيته ..، تقوليلي مش مرتاحه
- هو الجواز شقة وعربية يا ماما
هتفت بها "صفا" وقد عاد الحزن يرتسم فوق ملامحها ..،فمهما حاولت أن تشعر بالسعادة والتأقلم كباقي الفتيات كما أخبرتها والدتها ..، كانت تشعر بالسوء
احتضنتها "فاطمه" بحنان حتي لا تضغط عليها أكثر
- لا طبعا يابنتي ، اهم حاجه عندي راحتك وسعادتك
حاولت صفا أن تجد لها مخرجاً ، رغم أستحاله الأمر :
- طيب خلينا نتعرف الأول قبل ما نجيب الشبكه ..، مش يمكن ميطلعش في بينا توافق في الفكر
ابتعدت عنها السيده "فاطمه" وقد علمت أن ابنتها لن يجدي نفعاً معها الحديث برفق
- توافق في إيه ..، في الفكر يا بنت بطني ..، قومي ألبسي طرحتك خلينا ننزل نقابل أم العريس
وقد تم ما أرادته "فاطمه" بالفعل .. ، هبطه من البناية التي يقطنون بها ..، فوجدت والدها يمسح يديه من شحم السيارات واقترب منها هامساً
- هوديها المرادي عشان خاطري يا صفا
- والمره اللي جاية
تسألت بهمس كهمس والدها، وقد وقفت والدتها جانباً ، في ضجر تنظر إليهم بشك
- هتجيبلها أنتي العريس ونرتاح
ضحكت رغم عنها ، اً وقد تبدلت ملامحها من العبوس وهي تستمع لمزاح والدها
- هموت واعرف بتتكلموا في إيه من ورايا
فابتعد "حسن" عن أبنته واقترب من زوجته الضجرة ، التي وقفت تنتظر جارتهم قبل أن يلتقوا بوالدة العريس لأنتقاء الشبكة
- بقولها أنك بتصغري وتحلوي يا بطه
............................ ....................................
دلف مكتبه بعدما أخبرته سكرتيرته بوجودها ، نهضت عندما انتبهت عليه وتركت الأوراق جانباً هاتفه
- عدلت المخططات المطلوبه مني
مدّت له الأوراق بعملية أعجبته ، فقد ظن وجودها اليوم في الشركة ما هو إلا تكملة خطوات قربها منه ..، أدهشته بارعتها فابتسم وهو يمدحها
- هايل يا فريدة
اتسعت أبتسامة "فريدة" وتستمع لمديحه ، غير مصدقه أنه جاء اليوم الذي اغرمت برجلاً ، واصبحت بضعة كلمات منه تُسعدها
- مافيش أي تعليق هتضيفه يا بشمهندس
أماء برأسه وهو يُطالع الأوراق دون النظر إليها ، مشيراً نحو جزءً بسيطً
- بس ممكن أعرف وجهت نظرك في الجزئية ديه من التخطيط
رفع عيناه نحوها ينتظر جوابها ، فتقدمت منه بسعاده ..، تنظر نحو ما يُشير إليه ..، ثم مالت قليلاً بعدما جمعت خصلاتها تنظر بتدقيق نحو ما يُريد سماع وجهة نظرها به .
اجابته عن أستفساره بدقة ومهارة ، فلم يجد ما يُضيفه ..، كانت هائمة في رائحته رغم إنها تمالكت حالها ووقفت ثابتة خلفه حتي تنال تقديره ..، ولكنها في النهاية لم تعد تحتمل تلك الرائحة التي عبأت رئتيها بعد زفرات متتالية ..،
وعلي حينا غرة ، دون أن تشعر به بعدما وضع الملف جانباً والتف نحوها حتي يعرف سبب صمتها ..، فوجدها مغمضة العينين .. فتجمدت ملامحه ونهض عن مقعده ، فانتفضت في ذعر
- أنسة فريدة
وقبل أن يُجرحها بكلمات رأتها في عينيه ، التقطت الأوراق واسرعت في لملمت شتاتها متمتمه بأعتذار
- أسفه يا بشمهندس ، سرحت شويه ..،بسبب الأرهاق
واردفت مُعللة
- فضلت طول الليل بعمل التعديلات ، فتقريباً محتاجة فنجان قهوة يعيدلي تركيزي
لم يعقب علي حديثها ، فاسرعت بخطواتها منصرفه , ولكنها توقفت في مكانها وهي تستمع لعرضه
- هطلب فنجانين قهوة لينا
التفت إليه ببطء ، فتساءل بملامح مسترخية
- قهوتك إيه
وبابتسامة واسعة ، كانت تخبره
- مظبوطه
……………… …………………
ضاقت أنفاس "صفا" ذرعاً وهي تري تصرفات والدة ذلك الذي وسمته والدتها بخطيبها .، زجرتها والدتها بعينيها ..، حتي تنظر لذلك الخاتم الذي انتاقته
- إيه رأيك يا صفا
ثم نظرة لخطيب أبنتها متسائله
- وانت يا طارق يا حبيبي ، إيه رأيك
تمتم الأخر وهو ينظر في هاتفه
- قوليلهم رأيك يا ماما
تجهمت ملامح السيدة "فاطمة" ، غير مصدقة أن الذي يقف أمامها الأن ..، نفس الشاب المؤدب الخجول الذي يفهم بالذوق كما نعتته
- وريني كده يا ست فاطمة
التقطت السيدة "إحسان" والدة العريس الخاتم ، تُقدره بكفها متمتمه بضجر
- ده تقيل أوي ، خلينا نختار حاجة أخف
ولم تنتظر سماع جوابهم ، واخذت تبحث عما تُريده ..أنتقت ما هو أخف ، والسيدة "فاطمه "وجارتها السيدة "جليلة" ينظرون لبعضهم في صمت ..، تنهدت "صفا" بضيق تجذب ذراع والدتها
- يلا يا ماما ، كفاية قلت قيمة لحد دلوقتي
- صحيح يا ست فاطمه ، هو الاسطي حسن هيهدي بنته إيه .. إحنا العيلة كلها عندنا لازم الأب يشتري لبنته طقم شبكة هدية
لم تتحمل "صفا" المزيد من صفاقة هذه السيدة وتقليلها من شأن أهلها ، فاقتربت منها ترمقها بنفس النظرة التي وقفت ترمق بها والدتها
- لا إحنا مبنجيبش هدايا دهب ،يا طنط
طالعتها السيدة "إحسان" ، تنظر نحو السيدة "جليلة" التي تمتمت بخجل لجارتها
- أنتي بتقولي إيه يا ست إحسان ، ديه صفا زينة بنات الحارة وبشمهندسه أد الدنيا ..، اخص عليكي
ونظرت نحو العريس الذي يقف بينهم وكأن وجوده لا شئ ، يمسك هاتفه بأهتمام وكأنه ينتظر خبر ما
- ما تقول حاجة يا عريس
- بتقولوا إيه ياجماعة
لم تشعر "صفا" بحالها إلا وهي تتعارك معهم ..، والسيدة "فاطمه" تصيح بأبنتها أن تتوقف ، وصاحب محل الصاغة أخذ ينظر الي أشياءه الثمينه بخوف ويهددهم بجلب الشرطة إذا لم يتوقفوا والسيدة "جليلة" تُحاول فك العراك بينهم ثم سقوطها أرضاً بعد دفعتها السيدة "إحسان" ..،
وفجأة عمّ السكون المكان ..، وصوت سرينة الشرطة تصدح بالأرجاء عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية