رواية سطور عانقها القلب الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم سهام صادق


- لسا فكرانا ياست حياه ، ما احنا بقينا مش قد المقام

تجاهلت "حياه" عبارتها ، ودلفت للمنزل تضع ما تحمله من يدها وخلفها السائق :

- ليه بتقولي كده يا سناء ،هو فين رجب والولاد

رمقتها "سناء" بنظرة حاقدة ، تفحص بعينيها ما تريديه من ثياب ومجوهرات

- رجب في الشغل يا حببتي ، والولاد في مدارسهم ، قومي قومي يلا اعملي بقعدتك انا تعبانه ومش طايقه نفسي عقبال عندك حامل يا أخت جوزي

هتفت بها "سناء" وهي تتجه نحو غرفتها ، ولم تجد إلا حديثها المسموم الذي ستنال به حقها وتثأر لحالها

حياه بصدمه ، فشقيقها لم يعد يتحمل الأنفاق علي صغاره الخمس : حامل !

حدقتها "سناء" بملامح ممتعضه وهي تقف أمام غرفتها :

- هدخل انام ، عايزه لما اصحي الاقي كل حاجه نضيفه ، والاكل معمول .. انتي مش غريبه ياحياه ، و ولاد أخوكي زمانهم جاين من المدرسة

حدقتها "حياه" بنظرات صامته ، لتقف "سناء" مكانها والحقد يتوغل داخلها بل يحرق فؤادها ، وعادت تلتف اليها ثانيه :

- هو صحيح جوزك مزهقش لسا منك ، اصل اتفاقه مع رجب انه شهرين ويطلقك لو محصلش حمل ، هو أنتِ مش حامل يا حياة ..، ألحقي يا حببتي أحملي قبل ما يرميكي ويشوف واحده غيرك تجبله عيل

حدقتها تلك المرة "حياة" بملامح شاحبة ، لا تستوعب ما تسمعه ، وقد وصلت سناء لهدفها وهي تري السعاده أختفت من فوق ملامحها

...........................................................

حدق بها بصدمه ، وقد تصلب جسده ، وهو ينهض بصعوبة من فوق مقعده لا يقوي علي الحركة ،أشار إليها بأن تعيد حديثها مجدداً ، فاقتربت منه تخبره ما جاءت لأجله :

- كنت حامل منك

ابتلع ريقه وهو يرمقها ، يُحاول أستيعاب ما يسمعه متمتماً أخيراً

- كنتي حامل مني أزاي !

ألقي عبارته ، وهو يهوي بجسده مجدداً فوق مقعده ..، بعدما لم يعد يتحمل وقوفه ، ارتجفت شفتيه ..، يعيد عبارة الواقفة علي مسمعه وقد أنفصل عن العالم

- حامل !

علقت عينين الواقفة به ، وهي لا تُصدق صدمته التي لا تعرف تفسيراً له ، حتي إنها باتت تشعر وكأنه تقف أمام رجلاً أخر غير "جاسر المنشاوي" الذي عاشت معه لشهرين يذيقها عنفوانه المحبب لقلبها ثم طلاقهما كما أتفقوا

توقف عقله عن العمل ، يصارع عواصف الماضي الذي قد أخذ منه عمراً كاملاً ، فماضي قد حوله من شخص يعشق لشخص يمقت ، ماضي قد جعل شبابه يتحول الي شيخوخه ، ضاقت أنفاسه ورفع كفيه يُدلك بهما جانبي رأسه.. وقد عادت المشاهد التي حفرها الزمن تعصف داخل ذاكرته بقوه

فلاش باك

- للاسف ياجاسر نتيجة فحوصتنا طلعت ، وانت

وصمتت قليلا قبل ان ترفع بوجهها لتصفعه بدون رحمه قائله :

- العيب فيك ، ونسبة علاجك ضعيفه جدا

فيهوي بعدها فوق فراشهما ، وقد تجمدت عيناه نحو الفحوصات التي وقفت تحملها بين يديها، فهو من ضغط عليها كي يسارعون في أمر الأنجاب .. أمتدت يداه بأرتجاف يلتقط من الفحوصات ..، ينظر نحو النتائج بأعين زائغة وأنفاس مثقلة ..، وهي تعيد علي مسمعه ما أخبرها به الطبيب

أقتربت منه وهي تتأمل تقسيمات وجهه المُكفره من الصدمه ، وأنحنت بجسدها قليلا ، تجثو فوق ركبتيها أمامه، وراحت تمسك وجهه بين راحتي كفيها

- انا هفضل جانبك ياحبيبي ومش هسيبك أبدا ، انا مش عايزه أطفال غير منك انت وما دام ولادي مش هيكونوا منك ياجاسر ، خلاص أنا مش عايزه ..

واردفت بعدما رأت عيناه تتعلق بها ، ولم تكن نظراته إلا خاوية

- أنا أكتفيت بيك يا جاسر

وقف شريط التضحيه ، وقد ارتسمت السخرية فوق شفتيه ..، حتي أن الواقفة أصبحت لا تفهم شئ من تبدل ملامحه وصمته ، عاد لشروده وهي يتذكر

فبعد مرور عام علي تلك التضحيه العظيمة.. ، وتقبل فيه قضاء ربه بقلب راضي ، فكم كان لديه رغبه قويه في ان يتبني طفلا يُراعيه ويتخذه ولدا له ، ويغدق عليه حنانه ..لتحترك المشاهد مجدداً أمام عينيه ..، وكأنها كانت بالأمس

جاءت اليه أحدي الاسطوانات المدمجه كأهداء له ، وصاحب الرساله المجهوله التي كانت مرفقة مع الأسطوانه .. يُخبره أن لا يتجاهلها ، اخذه الفضول ليري ما بها ..، وقد كان يتوقع كل شئ إلا خيانة زوجته ، بل ومع شريكه الجديد ، يتبادلون القبلات بجوع ، يعبث بجسدها ، وهي تتأوه ..، فتزداد يداه جراءة ، إلي ان مال بها فوق الفراش ..، لم يتحمل رؤية المزيد من المقطع المسجل ، فقذف بحاسوبه عرض الحائط وهو يصارع هيجان عقله من الجنون ، ويخرج سريعا من مقر شركته التي يتابعها في فرنسا

وبسرعة قصوى ، كانت ستضيع فيها حياته وصل فيها الي منزله، وخرج من سيارته ، يتحرك بخطوات يدلف المنزل ..، كان يتحرك نحو الأعلي , ولكنه توقف مكانه يستمع لصوت ضحكاتهم ، وعلي ما يبدو إنهم كانوا علي وشك الصعود لأعلي

احتدت عيناه ولم يشعر بحاله إلا وهو يهجم عليه بقوة ..، حتي تمكن الأخر من دفعه صارخاً وهو يزيل الدماء عن أنفه

- : طلقها يا ابن المنشاوي ، والشركه أتنازل عنها ... بدل ما انت عارف ممكن اعمل إيه بلي بعتهولك ، وتخيل لما اهل البلد عندك في الصعيد يشوفوك وانت طرطور ، ولا الحاج لما يلاقي اخرة تربيته في كبير العيله راجل خرونج ، بص انا مش هقولك انا ممكن اشوه صورتك ازاي بس انت عارفني

كاد ان يعوض لسحقه ، يستعد لإخراج سلاحه وقتلهم معاً

- كان لازم أخونك ، ازاي أعيش مع راجل عقيم مبيخلفش .. انت عقيم ياجاسر ، وأنا عايزه طفل حتي لو هنسبه ليك وهو مش منك ، طلقني كفايه لحد كده عليك

وجد رجال الشرطه يقتحمون المنزل ، ينظر إلي ما حوله مصدوماً ، يُقيدونه بتهمة اخري وهي تجارة السلاح



فاق من شروده علي صوت زينه التي كانت اول من عشقته ورفض هو حبها من اجل تلك الساقطه

زينه: انت عارف ان جوازنا كان صفقه ، وكل واحد اخد مصلحته .. انا مش جايه اخدعك انا جايه اقولك ازاي مرام اقدرت توهمك سنين طويله انك مبتخلفش ياجاسر ، ازاي صدقتها

ليهوي هو علي أقرب مقعد متأملا اياها بقوه قائلا : زينه ، انتي عارفه انك غير اي ست أتجوزتها

لتجلس هي أمامه بهدوء قائله بأسف : كان نفسي ابنك يعيش ياجاسر بس للأسف ، اتولد ميت.. انا معرفتش بحملي فيه غير لما سافرت لأهلي في المغرب تاني ، هناك عرفت اني حامل ، حاولت اجي علي نفسي وارجعلك تاني بس انت رمتني وطلقتني ياجاسر اول ما صفقة جوازنا انتهت ، انت بيعت حبي ليك كتير ...

فرفع بعينيه اليها ليتأمل عشقها الذي مازالت تحمله له ، حتي تمتم بغضب : اه لو كنتوا عايشين لحد دلوقتي ، كنت قدرت انتقم منكم

...............................................................

أبتعد عنها بملامح جامده ، وهو يراها كقطعة الجليد بين ذراعيه، نهض عنها ضجراً ..، فما الذي يجعلها باردة هكذا ..، وهو اليوم بعثها لأهلها ، بل

وأصبح يُعاملها برفق ..، يمنحها بعضاً من الأمتيازات ..، هل ستتمرد عليه أم ستظن نفسها شيئاً هاماً بحياته ..، هي لست إلا خانة فارغة في حياته

- والهانم مالها مزاجها النهاردة ، مش عايزه قولي ..، ستات صحيح تسد النفس

صفعها بعباراته ، فارتعست شفتيها ..، لتنفجر باكية ، تكتم صوت شهقاتها المرتفعه بيدها

طالعها فزعاً ، وهو يري هيئتها ..، وقد تأكد أن هناك شيئاً أوصلها لهذه الحاله

- مالك يا حياه ؟

هتف بها قلقاً ، وقد تبدلت كل مشاعره الحانقه..، وقعت عيناه علي جرح كفها الذي لم يُلاحظه ..فكل ما اراده حينا دلف غرفته ..هي وحدها

- إيه اللي جرح أيدك ، هتفضلي تعيطي كده كتير ..حياة صبري بدء ينفذ

تمتم عبارته الأخيره، وهو يتحرك داخل الغرفه ينتظر سماعها ..، وقد تعالت وتيرة غضبه

- ليه .. ليه عايز تعمل فيا كده ، ليه اختارتني أنا ، ليه بعد ما خلتني احس معاك بحاجات حلوة ..، افوق علي كدبه كبيرة .. ، ليه اتجوزتني ؟

تجمدت عيناه عليه ، يربط حديثه ببعضه ..، فمن اعاد إليه أفكارها المضطربه في أمر زيجتهم ..، بعدما اخضعها لسلطانه وجعلها كما أراد

انسابت دموعها بغزارة ، وهي تري الحقيقة في عينيه ..، غايته منها كانت كبيرة ..هي لا تروق له ، إنما أختاره لينال ما يُشعره برجولته وسطوته

نفض كل مما سمعه ، وأقترب منها يأسرها بين ذراعيه ..، ينهال عليها بقبلات عطشه

- قولتلك كل ما كنتي زوجه مطيعة ، كل ما كسبتيني يا حياة

صفعتها عبارته الباردة ، ولا تعلم كيف أتتها القوة ..، لتدفعه عنها هاتفة بانفاس متقطعه



- متلمسنيش انا بكرهك بكرهك ..، أنا صدقتك بغبائي ، أفتكرت فعلا إننا بنحاول نقرب من بعض ..، حتي لو مكنتش علاقتنا غير في …

ابتلعت كلماتها الأخيرة ، التي تُشعرها بدنو وجودها في حياته ، زوجة لأرضاء غريزته لا أكثر، زوجة لتُنجب له طفلاً ..، زوجه لا تعلم أي غرض أخر جعله يختارها من أجله

حدقها بنظرات جامده ، بعدما التقط علبة سجائرة ، يلتقط منها سيجارة يدسها بين شفتيه

- عايزة تعرفي سبب أختياري ليكي يا حاجة

وببساطة كان يُخبرها عن غرضاً واحداً ، أختارها لسببه

- عايزك أمينه يا حياه ، وعايز أكون أنا سي السيد

ألجمته عبارته ، تنظر إليه في صدمه

- أنتوا كلكم شبه بعض ، صنف نمرود وخاين للعشرة

وها هي صفعة أخري يصفعها بها ، لا تعلم كيف أتتها القوة لتُخبره عما سمعته من ثرثرة الخدم

- وأنا مش شبه مراتك ، يا عامر باشا .. لو كان عندك عقده بسببها .. متجيش تطلع عقدك علي ولاد الناس

ألقي سيجارته أرضاً، ثم دهثها بقدمه غضباً ..واقترب منها بعدما هتفت بعبارتها ..، تلاقت عيناهم ..، فطالعته في خوف ..، وقبل أن يرفع كفه ليصفعها , أحاطت وجهها بكفيها واغمضت عينيها ..

شعرت بالصدمه وهي تراه ينسحب من الغرفه ، وصفع بعدها باب الغرفة بقوة ..، جعل جدران القصر تهتز ..، أرتجف كامل جسدها ..، وكادت أن تتحرك نحو خزانه ملابسها ..، إلا إنها وجدت نفسها تسرع نحو غرفة "ناهد" وقد كانت مستيقظه وكأنها تنتظرها

أرتمت بين ذراعيها ، فضمتها ناهد نحوها تُخفف عنها

- هتتعبي مع أبني يا حياه ، بس اللي أستحملت قسوة أقرب الناس ليها ..، هتقدر تصبر وتتحمل تاني ..

وهل أصبح لديها قدرة للتحمل والخضوع ؟

.................................................................

وقف يسمع صوت بكائها وهي جالسة في ظلام حجرتهم تقرء في كتاب الله ، حدق في ساعة يده فوجد ان وقت بزوغ الشمس قد أقترب .. وان ليلته قد قضاها خارجاً ينفث عن غضبه وذكرياته

تحرك من قربها ، وقد تركها في خلوتها .. واتجه نحو فراشه يرمي بثقله عليه ، يُحدق بها من حيناً إلي أخر , يتذكر حديث فاخر معه عنها عندما جاءت الي الشركه وخرجت من غرفة مكتبه باكية ، اتصالات اروي التي أنهالت فوق رأسه وقد كان في ذروة غضبه .. فاغلق هاتفه عن الجميع

تنهد بعمق وهو يعتدل من رقدته ، بعدما وجدها تطوي سجادة الصلاة :

- ليه مادخلتيش ليا لما كنتي في الشركه ، حد هناك زعلك بكلمة

سألها بلطف ، تعجبته ..فهل وصل به البرود بأن يتحدث معها هكذا ..، وكأنه ليس هو من تسبب في بكائها ، تلاقت عيناهم ..، فنهض من فوق الفراش وهو يري شحوب ملامحها شدة البكاء

- مشيتي ليه من الشركة معيطه ، ومدخلتيش ليا ليه ، مش هحاسبك علي خروجك من غير أذني دلوقتي، لكن لازم أفهم سبب عياطك

عادت دموعها تُغرق خديها ، كلما تذكرت ما فعله بها وإهانتها له

- أنت بتكدب عليا ولا علي نفسك

- جنه

صرخ بها ، وقد عاد الحنق يرتسم فوق ملامحه

- أفهمي كلامك قبل ما تنطقيه

- أنا مش هقدر استحمل حياتي معاك اكتر من كده ، انا حاولت ارضي بنصيبي بس لحد كده وخلاص .. وجودي هنا وجنبك بيموتني بالبطئ

كانت في عالم أخر وهي تهذي بحديثها ، الذي لم يعد يفهمه ، اقترب منها يقبض فوق كفيها ..، يسألها بهدوء لعله يفهم سبب بكائها

- اظن من أخر مره اتفقنا فيها هنحترم بعض وأنا علي قد ما بقدر بنفذ وعدي

لم تشعر بحالها ، إلا وهي تضربه بقبضتي يدها بقوة تصرخ به وتدفعه عنها

- اشمعنا انا ، اشمعنا انا اللي مش لاقيه حد يهتم بيا هنا غير عمتي وعمي .. اشمعنا انا اللي كل يوم بحس بالنقص .. ليه خلتني اوصل لمرحله اني احسد غيري علي سعادته .. نظرة هاشم لأروي بتخليني أسال نفسي مليون سؤال ليه حظي كان كده .. ليه بكمل حياتي مع واحد بيكرهني ، أنت وصلتني إني قربت أكون مريضة نفسيه ..، طلقني يا جاسر ، طلقني ومتخافش .. هقول أنا اللي وحشه وبشعة ولو عايز تاخد حقك قبل ما تطلقني عشان رجولتك .. أنا موافقه .. بس طلقني

ألجمته عبارتها ، بل صدمته ..، هل لهذه الدرجة تُريد التخلص من حياتها معه

- إيه اللي حصل لما جيتي الشركه مع أروي يا جنه

أنتظر سماعها ، فاشاحت عيناها عنه ..، تمسح عنها دموع قهرها

- مش مهم هي قالت ايه ، المهم اني فهمت ان وجودي في حياتك مبقاش ينفع

احتدت ملامحه وهو يسمعها ، أتجه صوابه ولكنه كان يعلم أن في قربه سيكون هلاكها ..، غادر الغرفه بخطوات غضبه بعدما هتف عبارته

- ما دام مش عايزه تقوليلي سبب ثورتك ، هعرف أنا بنفسي يا هانم

...............................................................

غياب خادمتهم بسبب عطلتها وذهابها إلى أهلها هو من جعل الحديث بينهم يعود مجدداً ، تذوقت طعم الحساء الذي تطهوه بتلذذ ،تتمتم لحالها مشجعة :

- ياسلام عليكي ياصفا ، اه لو صوفيا داقت طبخي هتطلب مني دروس خاصه في الأكل والنكهات ، مش طبخهم اللي كله مسلوق ومفيهوش ملح

- بتكلمي نفسك يامجنونه

أنتفضت مفزوعه علي أثر صوته ، ثم ضحكاته ، لتلتف نحوه بغضب ، تمسك بيدها معلقة الطعام ، تؤرجحها نحوه

- ابقي اطبخ لنفسك بقي ، انا مش فاضيه

سارت من امامه ، بعدما القت كلماتها الحانقة ..عن شئ بسيط تفوه به .. ولكنه كان يعلم إنها تخرج غضبها منه بأي شئ

رايحه فين ، اقفي هنا

أمتقعت ملامحها ، فعاد يبتسم إليه وكأنه لم يجرحها بكلمات لن تنساها يوماً :

- موافق إنك تكملي دراسه هنا يا صفا

حدقته مصدومه من موافقته ، فقد كان أمس معترضاً بشدة ، حتي إنها كادت تبكي أمامه :

- بجد ، موافق أعمل ماجستير

تأمل سعادتها التي أسعدته ، فاقترب منها يأسر جسدها بذراعيه ، يشبع عينيه من رؤية سعادتها :

- مقدرش احرمك من حياتك واحلامك ياصفا ، وما دام انتي حابه تكملي هنا .. وتطوري من نفسك ف مافيش مشكله .. وجودنا ف امريكا شكله هيطول

طالعته بدهشه وهي تحاول ان تستوعب حديثه

- أحنا مش هننزل مصر اخر السنه .. عشان تطلقني وتشوف حياتك

حرك رأسه نافياٍ ، وقد شعر بالضيق من كلماتها ، فابتعد عنها يُشيح بعينيه بعيداً

- لسا مش عارف أمتي شغلي هنا هينتهي ، اما موضوع اننا نفترق فأنسي ياصفا .. قدرنا بقي خلاص مربوط ببعض

لم تُحركها كلماته ، فهي تعلم بأنه يتحدث دون أن يشعر بما تفوه به ..، ثم بعدها يندم علي حديثه

- حد يبقي عنده لعبه حلوه ومجنونه كده ويتخلي عنها

لم تؤثر بها كلماته المازحه ، فتمتمت حتي تقطع الأمل عن قلبها

- بس أنا عايزه ننفصل يا أحمد

تجاهل حديثها وكأنه لم يسمعه ، وأتجه ناحيه الطعام متسائلاً :

- ريحة الاكل تجنن

رمقته بملامح متتعضه ، وهي تراه يتهرب من حديثها عن أمر طلاقهم

- هننفصل أمتي يا أحمد

تذوق الطعام دون ان يطالعها ، أو يهتم بحديثها

- وطعمه تحفه ، ويتاكل اكل

وألتف إليها ، يري معالم الحنق مرتسمه فوق ملامحها ..، وقد ظنته سيُحادثها هذه المرة بجديه ، بعدما طالت نظراته إليها :

- إيه رأيك بعد ما نخلص أكل ، نتصل بعامر ونطمن عليهم ..

واردف بعدما تذكر عائلتها

- وكمان عمتك وبنتها

جعلها تنسي كل شئ ، وقد أرتسم الحماس في عينيها ..، وهي تتذكر احبابها وتناست أمر طلاقهم

- فكره جميله ، حضر بقي الاكل واعمل عصير .. ماهو دورك بقي مش أحنا متفقين نتعامل بتحضر

طالعها وهي تُغادر المطبخ ، بعدما القت بأوامرها عليه ..، ولو يمكن إلا سعيداً بل أكثر الرجال سعادة

...................................................................

غاص في شروده الذي أصبح يُرافقه ، تذكر لحظة تطلعه على فحوصاته الجديده ،لتصبح الحقيقه امام عينيه ..

لم تكذب "ناريمان" عليه في شئ .. ، فهو بالفعل ليس بعقيم ،ولكنه اصبح بالخاسر ..فقد خسر سنين طويله من عمره وهو بلا امل وبلا روح ، قد خسر نفسه القديمه واصبح شخصا مُعقد

تعالا أصوات الجالسين ، فرفع عينيه عن طبقه الذي لم يمسه ، فوقعت عيناه علي الجميع .. يتأمل نظرات السعاده التي تشع من عيناهم جميعا إلا هي ، تأكل بدون شعور ، يري الكسرة في عينيها ،.... الكل يمزح ويضحك إلا هي .. فقد أطفأ روحها بالفعل ..، دموها وقتل برائتها ..، وقد صدقت عندما أخبرته إنه حولها لبقايا أمرأة

زفر أنفاسه ، بعدما شعر بثقل روحه من كم ما أصبح يعيشه مؤخراً

- ليا طلب عندك ياجاسر ، بس لازم توافق ياابن اخويا عشان خاطر عمتك

هتفت العمه "منيرة" راجيه ، فأماء لها برأسه أن تطلب ما تشاء ، فهو لا يرفض لها طلبً

- عايزين نروح نصيف في الغردقه

وأتجهت بعينيها نحو جنه الساكنة في مكانها ولا تتفاعل معهم وكأنها بعالم أخر:

- وبما إني عارفه انك مش هترضي تيجي معانا ، فهناخد جنه

هتفوا جميعهم برغبتهم في اجازه صيفيه،يرغبون بموافقته

كانت بعيده عن أحاديثهم ، لا تستمع لشئ ..، بل جعلت نفسها داخل قوقعتها ، تنظر نحو طبق طعامها بشرود ، تنحنح وهو يرمقها ولكنها كانت بعيداً عنه تماماً :

- انا موافق ياعمتي ، بس جنه لاء مش هتروح ..

أمتقع وجهه منيره ، فابتسم وهو يراها كيف فاقت من شرودها وانتبهت علي حديثه ، ورمقته بنظرة أصبح يفهمها

جاسر : مش عايز مراتي تسبني ، في إيه ياجماعه ، انا وهي بعد فتره هنسافر تركيا

علقت عيناها به ، فحدقها بنظرة مبتسمه ..، جعلته تشيح عيناها بعيداً عنه

تهللت أسارير "اروي" وهي تطالعهم بسعاده ، غير مصدقه أنهم أخيراً قرروا الحصول علي رحلة زواجهم:

- هنيالك يا ست جنه ..جاسر باشا هياخدك معاه تركيا

واتجهت بعينيها نحو "هاشم " الذي أنشغل في تناول طعامه , لتتمتم بضيق ولكن بصوت منخفض لعله يسمعه :

- عارف لو مخلتنيش اسافر فرنسا زي ما وعدتني ، هنكد عليك ياهاشم

انحشر الطعام في حلقه ، فاسرع في التقاط كأس الماء يرتشف منه ، يُطالعها بيأس

- مجنونه وتعمليها ، وأسكتي بقي عشان اخوكي مركز معانا وشويه كده وهيقوم يقتلني .. ده أنا ولا كأني مش جوزها يا ناس

طالع فاخر زوجته التي قد أمتقعت ملامحها غيظً ، بعدما أدركت بأن تلك التي تدعي البراءة ، قد حصلت علي ابن خالتها اخيرا وانتهت أحلام اختها للابد

مال فاخر عليها هامساً ، حتي يُخرج من دائرة شقيقتها وأفكارها التي يعلمها :

- إيه رأيك ياهدي في شهر عسل جديد

وشدد علي كلماته الاخري محذرا :

- وبلاش اختك نيره تنط معانا في كل حاجه ، انا مش عارف هي طالعه حقوده كده لمين

فرمقته "هدي" بحزن علي حال شقيقتها ، وهي تتذكر كل ما تفعله اختها منذ زمن لكي تحصل علي جاسر وعمرها قد ضاع في الركض خلفه ،لتُتمتم بخفوت لحالها :

- غبيه يانيره ، هتفضلي طول عمرك غبيه

انسحبت من الجلسة ، تحت نظرات الجميع صاعدة لأعلي ، لتتابعها نظرات "منيره" بحزن ، واتجهت بنظراتها نحو "جاسر" الذي جلس جامد الملامح ، يقبض فوق كفه الموضوع فوق الطاولة بقوة ، ربتت العمه علي كفه ، وكأنها تشعر بوجود خطبً ما يعتلي صدره ، فأبتسم لها بدوره.. ونهض عن مقعده ليتجه هو الاخر الي حجرة والده في الأعلي ..، حيث مكان ذهابها

اقترب من غرفة والدة ، ووقف ساكن في مكانه يستمع لصوت بكائها و رجائها له :

- ارجوك ياعمي خليني امشي من هنا ، لو أروي مكاني كنت هترضي ليها تعيش مع حد بيكرهها ..

طالعها "حسن" بنظرات حزينه ، وكاد ان يتحدث ، ولكن أنتبه علي دلوف "جاسر" الذي أقترب منهم ، يرسم فوق ملامحه أبتسامة واسعه ، يُداري خلفها خيبته وحسرته :

- ممكن اخد مراتي ياحاج

ليبتسم حسن برضي ، ويشير اليهم بالانصراف بعدما علم بأن أبنه سيتكفل بأمر زوجته ولكن بطريقه مُرضيه بعيده عن طباعه القاسيه

أمسك بيدها فجأه ، يجرها خلفه برفق ..، ويهبط دون أن يتوقف أو يعبأ بكلماتها المعترضه

- امسحي دموعك

فحاولت ان تنفض يده عنها ولكن قبضته القويه لم تسمح لها ، فهتف مُعاتباً :

- عايزه تمشي وتسبيني ياجنه ..

هبطت معه لأسفل مرغمه ، وهي لا تعرف كيف ستتخلص من حياتها معه ، فوقف في مكانه ، وقد قربها يضمها نحو صدره يستمع لتساؤل عمته

- رايحين فين ياولاد

وجاسر كان يمنحها الجواب بمشاكسة ، جعلت قلب منيرة يتراقص سعادة

- مروحين بيتنا ياعمتي ، أصل مراتي وحشاني أوي

تجمدت عيناها ، وهي تُحاول الأبتعاد عنه .. فهللت أسارير منيرة سعادة

- تسع شهور يا جاسر وأخد حفيدي في حضني ، سامع يا ابن أخوي

وهو كان خير من مرحب بحديث عمته الذي راقه ..

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات