رواية سطور عانقها القلب الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم سهام صادق

الفصل الخامس والعشرون

*********

أصبحت شغلتها كل يوم ان تراقب ذلك اللص الصغير الذي يتسلل برشاقة وجسمه الضئيل ويعبر داخل حديقة منزلهم ، ليسرق من شجرة المانجه ما يحب .. فضحكت وهي تراه قادم بعباءته الصغيره وقفطانه المتسخ من الطين ، واقترب من شجرته المفضله ووقف يطالع ثمارها الناضجة قبل ان يحسم قراره ويتسلقها بخفه ، ثم يبدء بالتهام الثمار حتي يشبع اولا ، وبعدها يأخذ ما يكفيه و يغادر قبل أن يلتقطه حارس هذا المنزل.

هبطت "جنه" الدرج راكضة ، تلمع في عينيها الشقاوة وكأنها طفله صغيره .. تعلقت عيناها به وهو يصعد الشجر بسرعة قصوي بعد أن القي بنظره خاطفه حوله ، تقدمت من الشجرة المقصوده بخفه ، تتحرك بخطوات لعوبة نحو هدفه ، وهي تنوي بأن اليوم سيصبح الارنب الذي ستصطاده ، ضحكة علي أفكارها الطفولية وقد اصبحت أخيراً اسفل الشجرة

شهقت بفزع ، تكتم صوت شهقتها بعدما سلطت عيناها للأمام

- عش دبابير

وصلت شهقتها للصغير ، وعندما ألتقطت اذنه ما هتفت بها ، لم يتحكم في توتره وسقط علي الفور من فوق جزع الشجره وثمرة المانجه بين أسنانه يقضمها ، وقد وضعها للتو داخل فمه

تعالت ضحكتها رغماً عنه من المشهد ولم تكن تقصد سقوطه ، فزحف الصغير بجسده المنبطح أرض وهو يُشعر بالأم ، يُحدقه بفزع :

- مش هعمل كده تاني والله ، بس ما تقوليش للراجل ابو شنب كبير يضربني

فضحكت جنه اكثر وهي تعلم بمن يقصد ، فلا يقصد سوا بغفير بيتها ، قطبت ما بين جبينها ، تحك أنفها تُفكر في طلبه ، وقد أنتظر سماع جوابها وهو يُحاول الوقوف حتي يهرب من أمامها:

- مش أنت سرقت لازم تتعاقب

انصدم الصغير من عبارتها ،وهتف برجاء :

- أخر مره والله ..، مش هعمل كده تاني ومش هسرق حاجة بعد كده

فنظرت اليها جنه بدعابه اكثر : أنت لص ولازم تتعاقب

احتدت ملامح الصغير وهو يسمع عبارتها

- أنا مش لص ، وأنتوا عندكم شجر كتير ومانجه كتيره ، حرام تاكلوها لوحدكم

ارتفع حاجبي "جنه" ذهولاً ، فقد جعل لحاله الحق في السرقه :

وكمان لمض الله الله

كشر الصغير، وقد اعتدل من سقوطه وأخذ يُنفض ثيابه ، ثم قذف إليها ما التقطه متمتماً :

- خدي مانجتكم أهي ، مالكيش حاجة عندي خلاص

سار بخطوات عرجاء من أمامها ، وبشجاعة أدهشتها ..، فهو لم يخاف منها بل جعلها هي المخطأه ، ارتسمت فوق شفتيها أبتسامة واسعه تسأله وهي تسير خلفه

- طب والمانجه اللي سرقتها قبل كده فين

التف الصغير نحوها ، قبل أن يُسرع في خطواته حتي يتخلص من ثرثرتها التي تُعطله عن هربه ، فيكفيها إنها أضاعت ثمارها وجعلته يسقط أرضاً :

- كلتها ، افتحلك بطني يعني عشان تاخديها

استمعت لعبارته قبل ركضه ، فاتسعت حدقتيها ذهولاً ..، وسرعان ما كانت تفيق من دهشتها تهتف بعلو وقد صدحت ضحكاتها

جنه : تعالا خد اللي انت عايزه ، بس متسرقش تاني لان ديه سرقه والسرقه حرام

توقف الصغير مكتنه ، والتف نحوها ببطئ .. ينظر في عينيها لعله يجد الصدق بهما ، عاد الصغير اليها مهرولاً ، حتي ينال كل ما يريده من حديقه هذا المنزل بعدما سمحت له ، وبانفاس لاهثه أخذ الصغير يُخبرها عن سبب سرقته :

محمود صاحبي قالي ان ديه مش سرقه ، عشان أنتوا ناس اغنيه ومش هتفرق معاكم المانجه اللي هاخدها

أشفقت علي حاله ، وقد علقت عيناها للتو برثة ثيابه ..، جثت فوق ركبتيها أمامه ، تمسك يديه بحنو وعطف

- طب هو اللي مش بيسرق ، بيدخل من علي السور خايف ولا بيدخل لأصحاب البيت من الباب

فحرك الصغير رأسه بتفهم ، يتمتم بنبره قد جعلتها تحتضنه بقوه :

- ما انا لو مسرقتش المانجه مش هاكلها خالص ، وانا بحب المانجه

التمعت عينين "جنه" بالدموع ، وقد ذكرها بطفولته .، فرغم ثراء أهل والدها إلا إنها لم تكن تحيا إلا حياة البسطاء كحال الكثير من الناس ، يجلبون الضروريات وينسون شئ يُسمي بالرفهيات ، نهضت من امامه بعدما مسحد فوق خديه برفق :

- تعالا كل يوم اديك المانجه اللي أنت عايزها ، فرحان بقي يا سيدي

ليتهلل اسارير الطفل ، متسائلاً بعدما أنحني نحو ثمار المانجة التي سقطت منه أثناء سقوطه يلتقطها ويمسحها بثوبه:

- ينفع أجيب محمود صاحبي معايا

اماءت له برأسها ، لتتسع عينين الصغير بسعاده ، وركض من امامها بعدما حصل علي ما أراده.

..........................

أخذ لقاءها به يقتحم عقلها دون هواده ، تتذكر حديثه ونظراته ولم تكن غبية في أن تظن أن هذا الرجل ..، ارادها زوجة دون أي نوايا أخري ..، دفعه لشقيقها المال ووضع المساومه ، فاما تركه ليتم سجنه أو مساعدته من اجل خلاصه

زفرت أنفاسها بثقل ، تُغمض عيناها بأرهاق ..، فلو كانت تعلم أن حينما سجدت داعية الله ان يخلصها من حياتها التي انهكتها ، كان دعاءها مسموعاً وسيستجيب الله دعاءها , خرجت من زيجة لتدلف مرغمة زيجة أخري ،وليست زيجتها بالرجل أخر كحال زيجتها من مسعد ..، إنه "عامر السيوفي" ذلك الرجل الذي لا تُناسبه بتاتاً لا هي ولا عائلتها

اقتحمت المخاوف عقلها ، بالتأكيد هي نزوة ليست إلا ، وسينالها ثم يُطلقها وتحمل لقب مطلقة

أشتد الألم داخل رأسها ، تستمع لصوت زوجة اخيها السعيد بتلك الزيجة التي بالتأكيد ستعود عليها وعلي أولادها بالنفع ، تعالت زغروطتها وقد تم كل شئ واصبحت زوجة لهذا الرجل في ظرف يومين، وكما أخبارها إنه لا يترك شئ يُريد ..

- مبرووك ياحياه ولا وبضتلك في القفص واتجوزتي واحد مالي مركزه ومعاه فلوس متتعدش

القت "سناء" عبارتها ببعض الحقد ، سقطت دموع "حياه" وهي تقبض فوق فستانها الأبيض واقتربت من الشرفة ، تنظر نحو مدخل حارتها ..، فقد زين لها شقيقها الشارع بالأنوار حتي يُشعرها بكونها عروساً

- جوزك مستنيكي يا حياه

تمتم بها "رجب" الذي دلف للتو ، يطرق عيناه أرضاً ، يقتحمه شعور الذنب لأنه أجبرها علي هذا الزواج حتي تُخلصه من السجن

التفت نحوهم ببطئ ، بعدما جففت دموعها ..، فلم يعد لبكائها داعي ، فقد أصبحت زوجته وأنتهي الأمر ، تحركت نحو باب الغرفه ترفع فستانها بيديها ، تسير بملامح باهته وأعين يحتلهما الخواء ، تلاقت عيناها بعينين شقيقها ، فعاد يطرق "رجب " راسه يهتف باسف وندم ..، مما جعل "سناء" ترمقهم بنظرات ممتعضه علي تلك الدراما التي تراها ..، فلو كانت مكانها لطارت من السعاده لزواجها من رجل كهذا ..

- سامحيني يا حياة

.........................

دلفت من باب المنزل بتوتر ، وهي تُطالع نظرات الخدم الذيم وقفوا مترقبين رؤية العروس الجديدة الثانية لسيدهم ، الكل كان متعجب من زيجته الاخري السريعه ..، ولكن لا أحد يستطيع التحدث بشئ ..، بل الجميع أبتلع تساؤلاته وأنتظروا العروس الجديده

ارتجف جسدها تنظر نحو كفه بعدما قبض فوق ذراعها يحركها برفق جواره ، طالع أرتجافها يرمقها بحده ..، فابتلعت لعابها وأخذت أنفاسها تعلو وهي تشعر بالخوف مما هو قادم

اتجه بها نحو سيدة تجلس باستقراطية فوق مقعدها ، ومن هيئتها علمت إنها والدته

- ناهد هانم ، والدتي يا حياه

نهضن "ناهد" عن مقعدها ، بعدما ساعدتها مرافقتها ، فمدّت كفيها تتحسس وجهها بيديها ، و رغم صعوبة ما يحدث لها إلا إنها تقبلت فعلتها برحابة صدر ..، تنتظر تقيم السيده الكبيره لها

- مبرووك !

هتفت بها "ناهد" بجفاء بعدما فرغت من ملامسة كل أنش بوجهها ، ثم اشاحت عيناها عنها ..، كأنها تُخبرها أن وجودها لا تُحبذه في بيتها ولم تنال إستحسانها ،

ابتلعت غصتها في ألم ..، والدته لا تطيقها ..، بالتأكيد لأنها ليست من مستواهم ولا تليق بهم ، هذه كانت الافكار التي عادت تقتحم عقلها

ألتفت نحو الواقف خلفها بهيئته الجامده يطالعهما حتي قال هو أخيراً ، بنبرة جامده بعدما رأي عدم ترحيب والدتهم بها :

- " حليمه" خدي ناهد هانم علي أوضتها عشان ترتاح

اسرعت المرافقه ، في تلبية أمره .. فاتجهت "ناهد" بعينيها صوبه ..، ليري في والدته نظرت كان يعلمها ..، شيعها بعينيها وهي تسير جوار مرافقته يقسم داخله إنه سيروض الزوجة الجديده علي طباعها ..، سيجعل من حاله قصة جديده

"للسيد والزوجة التي لا تهتف إلا بكلمه نعم "

أخفضت "حياة" تلك المسكينه عيناها ، بعدما عد ذلك الثقل يجثم فوق روحها المنهكة

أقترب منها الواقف أخيراً ، بعدما أسرع الخدم أيضاً بالأنصراف والعودة إلي أعمالهم:

- الهانم كبيرة طباعها صعبه شويه ، ومش بتتقبل الناس بسهوله ..

وبصوت خالي من المشاعر وقف يأمرها ، بعدما رفع وجهها نحوه ، وقد أصبح يشعر بالضيق من حركتها هذه حينا يُحادثها

- اتمني مسمعش شكوي من حد فيكم ، ونعيش بسلام في البيت ..، لاني حياتي مش فاضيه لسماع المشاكل

و وقف يخبرها عن نظام حياته ، وما يُحبه ولا يحبه .. وهي تستمع لكلماته ..، فركت كفيها بقوة ..، تشعر برغبة قوية في البكاء ..، ولكنها تمالكت بؤسها ووقفت تسمعه

- مسمتعش كلمة حاضر أو مفهوم ..، ولا كلامي مش واضح

وبجمود حاول إظهاره في صوته تسأل ، وقد أخذت عيناه تتفرس ملامحها الشاحبة

- حاضر

منحته الكلمة التي أرادها ، فارتسمت أبتسامته وسرعان ما كان يمحيها من فوق ملامحه ..، يشعر بالزهو والسلطه

- طول ما أنتي مطيعة يا حياه ، هلاقيني معاكي راجل تاني .. لكن

وقبل أن يُكمل عبارته ، هتفت بألم

- متقلقش يا عامر بيه

- عامر و بس يا حياه ..، متنسيش إنك مراتي

والتقط يدها يصعد بها نحو غرفتهما ، بعدما طال وقوفهم بالأسفل ، توقفت خارج الغرفه تلهث بأنفاسها وقد شعرت بقرب اللحظه التي ستصبح فيها زوجته بالفعل

وبخوف تسألت :

- هي ديه أوضتنا

التمعت عينين "عامر" بخبث يمنحها الجواب :

- تفتكري هتكون إيه يا حياه

ابتلعت لعابها ، وهي تراه يضع بيده فوق مقبض االباب ، ابتعد قليلاً يمنحها المرور أولاً ..، طالعته وقد علقت عيناها به برجاء

- أدخلي يا حياة

واخر شئ كان يظنه أن يسمعه هذه الليله ، هو كلمة لا منها عندما أراد الأقتراب منها والحصول علي حقه

- لا ، متلمسنيش

.......................

تأملت هطوول الأمطار بألم ، وهي تتذكر قسوته التي أزادت من قمم جليده معها ، فمنذ ان تعافت من وعكتها الصحيه .. أصبح شخصاً اخر لا تعرفه شخصاً اصبح ينفرها

شردت برجفة أحتلت سائر جسدها ، وقد عادت كلماته اللاذعه تقتحم عقلها ، لقد أخبرها بكل قسوة ، ألا تحلم بأن تكون حبيبته يوما

خرجت زفراتها مثقلة بالخيبة والكسره ، فقد احبت رجلا أسير الذكريات ، رجلاً كلما شعرت إنها وصلت لقلبه ..، لم تجد إلا السراب والخواء

أغلقت نافذتها ورغبه مُلحة تدفعها للركض ، خارج المنزل حيث سقوط الأمطار لعلها تغسل أوجاعها

لا تعلم كم أستمرت من الوقت وهي تستمتع بسقوط المطر فوق جسدها ، ولكنها بدأت تشعر بتخدر جسدها ..، انتبهت علي صراخه باسمه ، ثم اندفعه صوبها

احمد : انتي مجنونه

سحبها خلفه ، عائداً بها نحو الداخل ، ولكن وجدها تنفض ذراعيها عنه بقوه ، وتعود لوقفتها أسفل الأمطال

عاد لجذبها ثانية ، ينظر إلي ملامحها التي بدأت تشحب وقد ثقلت أنفاسها واحمرت وجنتيها

- ايوه مجنونه ، مجنونه عشان شيفاك حلم جميل نفسي أحققه

هتفت عبارتها ، فابتعد عنها مصدوماً ..، صرخت بكل ما تحمله داخل فؤادها له ، وهو وقف يسمعها ببهوت وصمت

- انا أسف ياصفا ، مكنش قصدي أذيكي بس مينفعش تحبيني ، لازم تفوقي من أوهامك .. انا كنت بعملك كضيفة مش أكتر ، مسيرنا في يوم هنفترق

..........................

نظرت الي بعض الأطفال حولها ، وصغيرها اللص الذي اصبحت تعشقه .. رفعت بسبابتها محذره له خصيصاً

جنه : محدش يحاول يغش من التاني

ليلتف كل منهما نحو زميله الأخر ، محاولين اللجوء للغش .. وكان اولهم في المحاولة صغيرها اللص ، فتستخدم سلاحها في تحذيره

- مافيش مانجه ولا عنب كمان

وتنهدت بتعب بعدما أدركت انهم مازالوا لا يستوعبون شرحها ، بل لا يرغبون إلا بالركض في حديقة المنزل

........................

كان يسير بشموخه وقامته المرتفعه وسط بعض ضيوفه ، فانتبه أحدهم علي شيئاً و وقف يتسأل متعجبا مما يري ويتمتم ضاحكا وهو لا يُصدق أن "جاسر المنشاوي" يستغل حديقة منزله مقرأة لأطفال البلده :

- أنت فتحت حضانه هنا ياجاسر بيه ولا إيه

فامتقع وجه "جاسر" من حديثه الساخر ، وهو يُحدق بما وقف ضيوفه يُسلطون عيناهم نحوه

التقطت عيناه جسدها الضئيل وهي تجلس في المنتصف ، ويلتف حولها أطفال لا يعرف من أين أتت بهم ، أغمض عيناه بضيق.. يقبض فوق كفيه وهو يستمع لعبارات ضيوفه ، سيطر علي غضبه بصعوبه ، وعاد يلتف اليهم يجذب نظراتهم نحوه ، يرسم علي محياه أبتسامه بسيطه مصطنعه وهو يقودهم لداخل المنزل :

- اصل زوجتي بتحب اطفال البلد اووي ، وعندها أهداف إنها تمحي الجهل من البلده وتساعد الأطفال

تمتم بها وهو يُحاول أن يُداري خلف حديثه مقته ، من تصرفاتها الهوجاء دون الرجوع إليه بشئ ، أماء كبار البلده بروؤسهم وقد أعجبتهم الفكره

قادهم نحو الحجرة التي أعتادوا الجلوس فيها ، ومناقشة مشاكل بلدتهم وحل الأمور العالقة ، اغلق باب الغرفه ..، وحاول التقاط أنفاسه وهو يتحرك بخطوات متوعده ..، يسرع باسم الخادمه التي بعثتها إليهم عمتها

- انتي يازفته يا روحية

هرولت الخادمه نحوه ، وقد احتلي الخوف ملامح وجهها

- مش قولتلك تقولي للهانم ، اني جاي ومعايا ضيوف مُهمين ، وتروح بيت العيله

أسرعت الخادمه في طرق رأسها أرضاً ، تُخبره إنها نفقذت أوامره بالفعل

- قولتلها والله ياجاسر بيه

أحتدت ملامح وجهه وقبض علي كفيه بقوه وهو يلعن عنادها معه واخراج غضبه بأستمرار ، اسرع في خطاه خارج المنزل بنظرات متوعده

فوجدها تودع الاطفال ببشاشه ، وتخبرهم إنها تنتظرهم الحصة القادمة ، اقترب منها بطوله الفارع وجسده القوي بحنق .. يجتذب ذراعها ويتجه به نحو المنزل :

- عايزه تحرجيني قدام ضيوفي ياجنه

ازدردت لعابها ، وهي تري نظراته التي أرجفت أوصالها ، وسرعان ما كانت حيلة من حيالها التي تعلمتها مؤخراً تلمع في عينيها ، ترفع أناملها نحو وجهه المتصلب تمسح فوق خده وقد شبت قوق أطراف أصابعها حتي تستطيع الوصول إليه

جنه : نسيت إن النهارده جاي لينا ضيوف مهمين ، المرة الجايه أوعدك مش هنسي يا حبيبي

القت كلماتها ، وتركته في ذهوله من كلمتها الأخيره التي نطقتها ..، علقت عيناه بها وقد التفت نحوه وما زاده دهشة ..، إنها تمنحه ابتسامه واسعه ، صحيح يري داخل عينيها التلاعب ولكن ليس إلا تلاعبً قد بدء يُحرك فيه غريزته

وبأعين قاتمه ، كان يضغط فوق شفتيه متمتماً

- بتلعبي بالنار يا جنه !

......................

أغمض عيناه بتعب بعدما أنتهي من أجتماعه الذي استمر طويلا ، فظهرت صورتها أمامه ف ارتسمت ابتسامة على محياه ، سرعان ما أزالها ..، فمهما منحته الطاعه وتوسم فيها الزوجة الصالحه ، لن يراها إلا أداه لتحقيق ما يرغب ..، و رغم إنه لم ينالها وما زال زواجهم حبراً علي ورق ..، ولكنه أراد منحها فرصه

رمقه أكرم بعدما التقط ابتسامته يهتف بمزاح حتي يُضايقه قليلاً :

وحشتك ولا ايه ياعريس

تجهمت ملامح "عامر" يرمقه بضيق من مزاحه الفظ الذب لا يستهويه

- ياراجل في حد يسيب عروسته بعد يومين جواز ، انت بصراحه جبار ياعامر

- أكرم

صرخ بها بحده ، بعدما تجاوز "أكرم" حدوده معه ..، فحرك أكرم يأسه بيأس منه

- بلاش تضيع حياتك يا عامر ، عشان أفكار عقيمه عايشه في دماغك ..، مش كل الستات شبه بعضها

تمتم بها "أكرم" قبل أن ينسحب من غرفته ، فتنهد "عامر" ضجراً ..، لقد أصبح يخرج حنقه فوق روؤس ناس ليس لهم ذنب بما يعيشه

دلك عنقه ، وزفر أنفاسه بأرهاق وهو ينهض عن مقعده ، يتذكر تلك الورقة التي دستها في سترته قبل ذهبه ..، وقد تناسي أمرها ومعرفة ما بها ..، التقط سترته ليخرج منها الورقة ، ينظر إلي ما سطرته بيدها وقد تجمدت ملامحه وهو يقرأ دعوتها له ، وتوصيتها في عدم تجاهله لفروضة ، وأنها تنتظره ليتناولوا وجبتهم معاً

وشئً واحد كان يقتحم عقله ، يخبره أن هذه المرأة غريبة الأطوار

.............................

وقفت أمامه ببرود أصبحت تجيده منذ تلك الليله ، ثم رفعت وجهها نحوه , تطالعه وهو منهمك في غرفة مكتبه ، منكب بين روسامته الهندسيه

صفا : ممكن تليفونك

هتفت بها "صفا" ، فانتبه علي وجودها ..، يستعجب طلبها ..، رأها تلتف بجسدها بعدما استنبطت من نظراته إنه ليس راغب في إعطاء هاتفه

- رايحه فين ، مش هتاخدي التليفون

التفت نصف إلتفافه نحوه ، تبتلع غصتها وهي تُجيبه

- شكلك محتاجه ، مافيش مشكله خلاص

رمقه بتدقيق ، يستعجب حالتها الجديده ، ولكن نفض ما يُفكر به ..، فهذا هو ما أراده منها

تقدم منها ، يمدّ لها بكفه متسائلاً بفضول

- هتتصلي بي مين

التقطت منه الهاتف ، وهي تُحرك رأسها نافيه ..، تجيبه عن سؤاله

: مش هتصل بحد ، هدخل علي النت لأني زهقت من القعده لوحدي وبقيت حافظه كل اللي بيتعرض علي التلفزيون ، حتي صوفيا زهقت مني

منحته الجواب ، الذي أراد معرفته ..، فشعر بالضيق من حاله ..، فهي بالفعل تعيش حياة خالية من كل شئ ..، لا خروج إلا لو كان حفل دعاه إليه أحداً وقبل هو الدعوه .. غير ذلك لا يمنحها أي شئ .. لا هاتف ولا حاسوب ..، حتي نسي أن يسألها يوماً أين هو هاتفها

تركته في شروده ونظراته التي كان يرمقها بها ، وكأنه يلوم حالها ..، وجدها تلتقط حاسوبه تسأله وهي تنتظر قبوله أيضا ..، تشعر بأحقيتها في أشياءه ما دام لا يمنحها حبه ولا يُريد منح قلبه لها

- ممكن استعير لابك شويه

فاق من شروده ، وقد اتسعت أبتسامته شيئاً فشئ ، يسلط عيناه عليها وهي تضم حاسوبه إليها وكأنها تُخبره إنها لن تنتظر موافقته ، وبمرح أخذ يهتف :

- هتستولي علي حاجتي ولا ايه ياصفا !

تقبلت مزاحه بملامح جامده: شكرا خلاص

حدق بجسدها بعدما أنصرفت بحاسوبه وهاتفه ، وسرعان ما كان يفوق من ذهوله ، يلتقط ذراعها يُقربها إليه وقد ضجر من برودها وحالة الصمت التي اصبحت عليها

- مش معقول هنكمل حياتنا كده يا صفا

- حياتنا !

تجاهل نطق كلمتها ، غير عابئ بمحاولتها في التخلص من قبضته ..، عانقت عيناه عينيها يسألها بارادة مسلوبه

: مش هتسهري معايا شويه ياصفا

أبتسمت بتشفي وهي تراه لا يستطيع السيطرة علي مشاعره ، التي يُحاول جاهداً في إخفاءها ، فها هو يطلب قربها بعدما دفعها عنه ونبذ قربها وحبها :

- ماليش مزاج اسهر مع حد ، انا بحب اقعد لوحدي بعشق الوحده وأوضتي

اذهلته عبارتها ، فهو يطلب قربها الذي أنتظرته ، ويقاوم مشاعره المضطربه ، تخلي عن جموده وصعوبة الكلمات وهي ينطقها ، وقد أسرت عيناه عينيها :

محتاجك اووي ياصفا

وأنحني بجسده كي يقبلها ، ولكن أسرعت في أشاحت وجهها عنه ، فسقطت قبلته قرب ثغرها

- صفا

أبتعدت عنه ، بعدما شعرت بعدم قدرتها علي صده أكثر ، فقد أحرقتها أنفاسه ، وازدادت دقات قلبها :

- ممكن تسيب دراعي

تجاوز مقته ، ورغبته في الهرب منه ..، تجاوز كل شئ بتناقض عجيب عليه يُخبرها تلك المرة بمراوغة جديده عليه

- هسيبك بس بشرط يا صفا

حدقته بتذمر ، تمط شفتيها للأمام ..، تنتظر سماع شرطه ، فتمتم ضاحكاً وهو يري عبوسها

- تقعدي معايا هنا وأنا بشتغل

........................

أرتفع صرخاه بها وهو يرمقها بنظراته القاسيه ، فأنتفضت من نومتها فزعا وهي تراه يطالعها بعينين لا توحي إلا بالهلاك ، ونهضت من فوق أريكتها مذعورة ، تُحدق بعينيه وقد أخذ الشر يتطاير من داخلهما

- عايزه أطفال ياجنه ، وبتشتكي لعمتي

بهتت ملامحها من عبارته ، تزدرد لعابها من شده قربه منها وتخلصه من عباءته :

- ابدا انا مقولتش حاجه ، هي سألتني وانا بلاعب ابن فاخر بحب الاطفال ولا لاء .. وقولتلها هو في حد مبيحبهومش

وتابعت حديثها بخوف ، وهي تري نظراته وقد أندلعت منها الرغبة

جنه : أنت بتقرب مني كده ليه ؟

وشهقت خرجت منها وهي تراه يلقفها بين ذراعيه يتجه بها صوب فراشه بإصرار عما يعزم عليه

- هاخد حقوقي .. لتفتكري إني مش راجل يا هانم

تعالت صرختها ، وهي تري ينقض عليها كالذئب الجائع .. تهتف راجيه وهي تُحاول الخلاص من ثقل جسده :

لا لا ياجــــــــاســــــــــــر !! 

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات