رواية سطور عانقها القلب الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم سهام صادق

الفصل الرابع والعشرون

******

- أمسك الحُرمه اللي متربتش ديه ياواد يا عنتر ، انا لازم اعرف من أنهي عيلة في البلد

هتف بها الواقف ، واردف وهو يتفرس ملامحها ويستمع للهجتها ، وقد ظهر فوق ملامحه الوعيد لها ، نحو ما ينتظرها ، فكيف لأمرأه في بلدتهم أن تقف هكذا أمام الرجال ، إنه لعاراً لهم

- شكلها مش من نواحينا ، بناتنا وحريمنا متربين وعارفين أصولنا

احتدت ملامح "جنه" وهي تستمع لعبارته وسط رجاله بتلك الروعنة ، فستنتظر ليعرف هويتها بنفسه , حتي يخرس تماماً

- واللي يدافع عن حق عيل صغير يبقي مش متربي ، قصدك جبان ميعرفش يعني إيه رحمه

تعالات أصوات الواقفين ، لا يُصدقون إنهم تهينهم بهذا الشكل المُهين ..، بل وتقف أمام ناظرهم "السيد منصور" الذي توكله عائلة المنشاوي علي جزءً من أملاكهم

تجمع الرجال حول "السيد منصور" ، مما جعل كل من يتحرك سيراً علي الأقدام في البلده يقف ليُطالع المشهد ، فالأول مرة تقف أمرأة لديهم تتبجح أمام رجلاً

التمع الوعيد في عينين "منصور" بحده ، يصرخ بأحد المزارعين

- حد يشوفلني من أي بيت الحرمة ديه

تجهمت ملامح "جنه" وهي تستمع لعبارته وتراه يناديها بهذا اللقب ثانية ، ضمت الصغير إليها ، تهتف بلامبالاة ..فتهديده لا يفرق معها بشئ

- اعلي ما في خيلك أركبه ..، و أنا مستنيه تجبلي كبيرك ..عشان يعرف إزاي يشغل راجل ظالم زيك

احتقنت ملامح "منصور" ، و ازدادت عيناه قتامة ..، و قد أنتهي وقت صبره ..، ترقب الجميع ما ينتظرونه ، ولم يخيب منصور ترقبهم , فرفع كفه لأعلي بعدما أندفع صوبها

- يبقي لازم تتربي ، الحُرمه اللي زيك ناقصها راجل يشكمها

……………………

- اخبار سفريتك ايه ياجاسر

تسأل "فاخر" ينظر نحو شقيقه بنظرة خاطفة ، يقود به عائداً لبلدتهم , اغمض "جاسر" عيناه متنهداً بإرهاق

- هحكيلك كل حاجة ، لما أفوق يا جاسر

تنحنح فاخر حرجاً ، فلم يعد يري الوقت مناسب لأخباره برغبته في الأبتعاد عن هنا ..، والذهاب لفرعهم بمدينة الأسكندرية ، رمقه "جاسر" بعدما شعر بأن شقيقه يريد إخباره بشئ , فخشي أن يكون شيئاً يخص أمور العائلة

- قول اللي عايز تقولهولي يافاخر

تركزت عينين "فاخر" نحو الطريق ، فتمتم مؤجلاً حديثه

- لما ترتاح يا جاسر من سافريتك الأول نبقي نتكلم

وبنظرة كان يعلمها "فاخر" ، بعدما رمقه "جاسر" منتظراً سماعه دون مماطلة

- أنا عايز امسك فرع شركتنا الجديده في اسكندريه ياابن ابوي ..

........................

الجميع كان يترقب ، هبوط الصفعة فوق خدها، تراجعت للخلف وقد دب الرعب في عينيها ..، ولكنها قاومت أرتعاش جسدها ووقفت بصلابه تنظر إليه بتحدي ..، ولو كان "منصور" في البداية يُهددها وينتظر تراجعها وسماع أسفها ..، فبعدما وقفت أمامه هكذا وعماله ينتظرون رؤية ما تستحقه هذه المرأة حتي لو كان معها الحق في البداية

- منصور

صرخ بها "جاسر" الذي هبط من سيارة شقيقه ، بعدما أستوقفه المشهد وتجمع الناس وقد شعر بالقلق هو وشقيقه

انتفض "منصور" فزعاً ، يهتف بخوف وهو يراه يتقدم منه ، وخلفه السيد "فاخر" شقيقه :

- جاسر بيه ، فاخر بيه نورتوا الأرض

تجاهله "جاسر" واتجه نحو الواقفه وسط الرجال ، و التقط ذراعها بقوة وقد اشتعلت عيناه بوعيد لها ..، ولكن الغضب الأكبر كان لذلك الذي كان للتو سيصفعها ، سيصعف زوجته ..، زوجه "جاسر المنشاوي" وابنة عمه

- من امتى بنرفع ايدينا علي ست يا منصور ، ولا ظاهر نسينا النخوة والرجوله

امتقع وجهه منصور ، فعن أي سيدة يتحدث رب عمله ، إنها لا تمت بالنساء لشئ ، إنها وقف تُناطحه أمام رجاله

- ديه حُرمه قليلة الادب ياجاسر بيه .. ، ومعدومة الربايه حتي أسال الرجاله

أماء الواقفين بروؤسهم ، فالتف إليها يرمقها بملامح جامده ، وقد ازدادت عيناه قتامة و وعيد ، أرتجف جسدها من نظرته..، وخشيت مما ينتظرها ..، فلو ظنت ان "جاسر" سيأخذ حقها ، ستكون أكبر مغفلة ..، فجاسر لا يراها إلا زوجة قد فرضت عليه , و من أجل الحفاظ علي مال العائله واقف علي هذه الزيجة

تشبثت قدميها أرضاً ، و ضمت الطفل أكثر إليها وكأنها تستمد منه قوتها ، مما جعل عيناه تتوقف علي ذراعيها وهي تحتضن الطفل وبثبات كانت تهتف أمام الرجال ، وقد استعادة قوتها

- مش همشي من هنا ، غير لما الراجل ده يسيب الولد في حاله .. ده ممكن يضربه ياجاسر

وما كان منه سوى ان جذبها بعنف اكبر دون أن يمهلها أن تكمل حديثها ، ألتفت نحو الصغير وقد دفعها هو أمامه نحو السيارة ، متجاهلاً نظرات الواقفين يُطالعون الامر في صدمه :

- هجيلك تاني ، ومحدش هيقدر يعملك حاجه

دفعها جاسر داخل السياره بعدما اشبع أذنيها بالسب ، واتجه نحو منصور مجدداً.. ، ابتلع "منصور" لعابه ، بعدما علم بهويتها , هو والجميع من فاخر الذي طالع خطوات شقيقه الغاضبه ، يخبر منصور بعينيه ..، أن ينتظر تلقي ما يستحقه علي فعلته

ركض "منصور" إليه حتي يستسمحه في فعلته ، فلم يكن يعرف إنها زوجته

- والله ما كنت اعرف انها مرتك ياجاسر بيه ..

وانحني ، يُحاول ألتقاط كفه حتي يقبله ، ولكن "جاسر" انتشل يده منه .، فجعل منصور يترقب طرده أمام الجميع

- انا كنت ممكن اقطع رزقك يامنصور ، بس مش هقطع رزق واحد غريب جيه بلدنا يطلب العون ..

ونظر نحو الصغير الواقف خوفاً، وعلامات الضرب ظاهره على وجهه فاردف بجمود : - بوس راسه دلوقتي وقدامي يامنصور، مش كفايه بتشغلي أطفال في الارض ..

هرول منصور يُنفذ امره ، و انحني يُقبل رأس الصغير امام الجمع الواقف , وقد فتح الجميع أفواههم مصدومين مما يحدث أمامهم ..

وبلطف أشار "جاسر" نحو الصغير ، فاسرع الصغير إليه وقد أطرق عيناه أرضاً :

- من هنا ورايح متشتغلش وأنا هتكفل بمصاريفك

هللّ الجميع بكرمه ، يرفعون أيديهم داعين لهم ..، أما منصور وقف يعض فوق شفتيه

اتجه نحو سيارته ، وسار فاخر معه يخاف أن تخرج عاصفة جنونه بتلك التي جلست منكمشة علي حالها بالسيارة

.......................

صار مللها يزداد كل يوم ، اصبحت لا تطيق غربتها التي وضعت نفسها فيها بجانب حلماً ظنته سيتحقق ولكنها وجدت نفسها مجرد زوجه بعقد ، ورفيقة ليس إلا حتي يُهون عليه وعليه ا..أيام مكوثهم معاً

تنهدت بضجر، وأخذت تطالع جدران المنزل.. وسرعان ما كانت تلمع فكرة داخل عقلها ، فانتفضت من مكانها تنوي تنفيذها لعلها تُخلصها من ضجرها

فالبيت رغم نظافته من أهتمام تلك الخادمه الاجنبيه إلا انها لا بد ان تضع لمساتها كأنثها عربيه

أخذت تدور في كل ركن من أركان المنزل ،وبعدما اعدت ادوات تنظيفها تحت نظرات خادمتها المذهوله

بدأت تتأمل هيئتها برضي وهي تقف بأحد الثياب الخفيفة المؤهلة للمسح والتنضيف .. ، لملمت خصلات شعرها في كومه واحده بمشبك مثبت .. وبدأت مهمتها المهلكة وهي مطمئنه بأن وقت قدومه مازال طويلا .. وستُسلي نفسها

مر الوقت دون أن تشعر به ، وقد أهلكتها فكرتها الحمقاء ، وبدء جسدها يؤلمها، فالبيت واسع ومكون من طابقين ..

حملت أدوات التنظيف ثانية وهبطت نحو الأسفل ، مقررة إكمال مهمتها في الطابق الارضي ، واول حجره فكرت بها في هذا الطابق .. ، كانت حجرة مكتبه و ليتها لم تفكر .. و ليتها سمحت لخادمتها بتلك المهمه بعدما طلبت منها ان تساعدها

كانت قد انتهت من تنظيف الغرفه ومسحها ولم يتبقي لها سوى مرحلة تلميع الزجاج والاسطح .. ، تأملت تلك اللوحه الهندسيه المرسومه بدقه وملونه أيضا حسب مساحات الخُضره , ومساحات المياه التي ستحيطها ، مالت فوق الرسمه بفضول وأعين منبهرة ، تُحدق بها بالطبق الذي وضعت داخله الماء والصابون ومنشفتها الموضوعه على احد كتفيها ..

وقد أخذ الطبق المملوء بالمسحوق يتمايل بخفه بين يديها ، وهي ما زالت تُطالع اللوحة اللوحه الهندسيه بفضول ، وكيف سيتم تنفيذها علي أرض الواقع ، لم تكذب يوما والدتها عندما كانت تخبرها بلقب المساطيل الحمقا

وها هي تري اللقب يتجسد أمام عينيها ، وقد اتسعت حدقتاها ذعراً ، وهي تري الطبق ينسكب محتواه فوق اللوحة .. ف اللوحة الجميله قد تشوهت معالمها وأصبحت الخطوط جميعها داخل اللوحه متداخله ..

فشهقت بفزع وهي تري تشوه اللوحه الجميله :

- ماهو السبب في حد يحط شغله كده ، هو اللي مهمل

واسرعت في وضع يدها فوق شفتيها تهتف ببؤس علي حالها :

- هعمل ايه أنا دلوقتي.. ، أنا مهندسه كمبيوتر ..، وصحيح شاطره في تقليد الرسومات ، لكن مش بارعة والموضوع هواية

أحتلي التفكير ملامحها ، لعلها تجد حلاً يُخلصها من الأمر

- هحاول اقلدها براحه

وسرعان ما كانت عيناها , تلتقط احدي اللوحات الفارغه المُلقى جانبا وبدأت تنفذ فكرتها الحمقاء ، تدعو الله أن توفق في موهبتها

مرت ساعه واثنان وثلاث .. ومازالت المحاولة مستمره حتي غفت على اللوحه بعدما انهكها جسدها

وكعادته كل يوم يأتي من عمله بالشركه ، يدلف حجرة مكتبه اولاً .. ، تجمدت عيناه نحوها ، وهو يراها غافية علي سطح الطاوله التي يضع عليها رسوماته وتجلس علي المقعد خاصتها ، التقطت عيناه القلم القابع في يدها ، واللوحه القديمه التي تشوهت ، وتلك اللوحة التي تضع رأسها فوقها

ورغما عنه كان يبتسم ، وهو يرمقها متفحصاً علي شئ بها .. ، أنحني برفق نحوها يتحسس وجهها وبصوت هامس اخذ يتمتم وعيناه غارقة في تفاصيلها الناعمه :

- صفا ، اصحي نامي في أوضتك

كرر هتافه بها ولكن كان النعاس يثقل جفنيها ، ضحك وهو يحملها فوق ذراعيه .. لتستقبله الخادمه راكضه نحوه ، تشرح له كل مافعلته سيدتها اليوم

صعد الدرج وقد تجاهل حديث الخادمه ، ودء يشعر برأسها تُدفن أكثر في تجويف عنقه ..، وقد تعالت وتيرة أنفاسها وأنفاسه أيضاً

وضعها برفق فوق فراشها بعدما دلف غرفتها ، وشيئاً فشئ كانت أبتسامته تتسع وهو يراها تتماطئ فوق الفراش ..، تبحث عن وسادتها دون أن تفتح عيناها وتضمها لأحضانها

بدأت الرؤية تتضح إليه، وقد علقت عيناه بردائها القصير الملتصق بجسدها إلى حد ما , وشعرها الذي تساقطت منه عدت خصلات متمرده

عادت وتيرة أنفاسه ترتفع ، يصحبها حرارة جسده ، فجلس جانبها يتحسس ذراعيها العاريين بدافئ بهمس بأنفاس راغبة لا يعرف كيف ومتي أصبحت تُشعلها داخله :

- صفا اصحي طيب غيري هدومك بدل ما تتعبي ...

تلملمت في الفراش بنعاس ، تُحاول فتح عينيها بصعوبه , تهتف بتذمر كالأطفال..، بعدم رغبتها في الأستيقاظ ..، ولكن سرعان ما كانت تنتفض من غفوتها ، بعدما تداركت أين هي

- اللوحه راحت فين ، انا كنت قربت اخلصها

ونهضت من فوق الفراش وما زالت غافية علي روحها ، تقص عليه احداث اليوم بأكمله إلى أن زفرت أنفاسها تسأله :

- انت مش هتزعقلي صح ، ولا هتضربني ولا هتطردني

تعالت ضحكاته ، وهو يري تسارع أنفاسها بعد الحديث الكثير الذي أخبرته به ، أقترب يقبض فوق كتفيها برفق ..، يتأملها بأنفاس مسلوبه ، وأعين تشتعل بهم الرغبه .. ولكن تمالك نفسه وهو ينظر في عينيها الناعستين ، ويربت على احدى وجنتيها بخفه ورفق

- في نسخه تانيه من الرسمه في الشركه يا صفا ، ديه النسخه اللي بعدل فيها مش اكتر ..

ارتسم الأرتياح فوق شفتيها ، وزفرت أنفاسها براحه ، ابتسم وهو يراها كيف التمعت عيناها

: ومش هزعق ، ولا اطرد ولا اشتم

اتسعت ابتسامتها ، رغم نعاسها وهي تستمع لعبارته ، وبرغبة اصبحت تحرقه وهو لا يري فيها إلا صورة تلك التي رحلت عن عالمه ..، كانت يقترب

ارتجف جسدها وهي تري انعدام المسافه بينهم ، وقد أخذت أنفاسه تُداعب عنقها ..، تراجعت للخلف وهي تشيح عيناها عنه ، فعاد يتقدم منها ولكن تلك المرة كان يفيق من سحرها أخيراً ، و مال نحو أحد خديها يلثمه ، رغم توقه لتذوق شفتيها .. أنتفض جسدها من فعلته ، فاسرع في الأبتعاد عنها يتمتم قبل أن يُغادر غرفتها هارباً

- غيري هدومك عشان متبرديش

أغلق باب الغرفة خلفه ، لتهوي بجسدها فوق الفراش تضع بيدها فوق قلبها ، تلهث أنفاسها غير مصدقه قربه منها وقبلته التي حطت فوق خدها

...........................

نظرات قاتلة منه كان يرمقها بها ، فقد ضجر وتعب منها ولم يعد يستطيع تحملها طيشها ، ولم يعد راغب بإذاقها المزيد من عنفوانه ، جلس اخيراً فوق فراشه بإرهاق ..، يضع رأسه بين راحتي كفيه

: واقفه قدام الرجاله ، وكأنك راجل قدامهم

وببطئ كان يعود ويرفع عيناه بها ، بعدما زفر أنفاسه متنهداً ..، ارتجف جسدها في خوف ..، تنتظر سماع المزيد منه

- البلد كلها زمانها دلوقتي بتتكلم عن شجاعتك العظيمه

أرادت الحديث ، ولكنه نهض من فوق الفراش واقترب منها .. بعدما فارت دمائه ، وهو يتذكر المشهد وكيف رفع أحد رجاله يده كي يصفعها أمام الجميع بعد تبجحها فيه كما وصله من الواقفين

- ولا كلمه ، مش عايز أسمع صوتك

وبعند كانت تهتف

- أنا عملت كده ، لما شوفته بيضرب الولد الصغير

- وأنتِ مالك؟

وببساطه كان يُعطيها جوابه مستطرداً

- شايفه حاجه مش عجباكي ، احكي لفاخر أخويا أو أحكيلي أنا

- أحكيلك أنت

هتفت عبارتها بمرارة ، فعن أي شخص يُخبرها أن تتحدث معه ..، عن شخص يتجاهلها وكأن لا وجود لها

حدق بها وهو يري الدموع تتعلق بأهدابها ، و تتمالك دموعها أمامه ..، فزفر أنفاسه بحنق فلم يعد يُريد صداع الرأس الذي بدء يشعر إنه سيناله من وراء أفعالها ، وبهدوء كان غريب عليه ، كان يجعلها تقف مدهوشة الملامح تستمع لعباراته المُهينة :

- لولا انك بنت عمي في الاول والاخر .. كنت رميتك في الشارع من اول يوم اتجوزتك فيه بس للأسف بنت عمي حتي لو متجوزك غصب

فتتجمد عينيها من كلماته الجارحه ، واحتقنت ملامحها هاتفه بقوة ، دون أن تخشي غضبه :

- وانا كمان مغصوبه عليك ، هو انت حد يقدر يستحمل يعيش معاك يوم

تصلبت ملامحه ، وغلت الدماء بعروقه .. يرمقها بمقت وأقترب منها يقبض فوق ذراعيها بقوه :

- شكل عمي معرفش يربيكي

شعرت بقبضته تتحجر فوق ذراعيها ، فاغمضت عينيها بألم تسمع سبابه ولعناته

جنه : وانت بقي اللي هتربيني

وسرعان ما كانت تنفض ذراعيها عنه وقد استعادت قوتها :

- اخلص مني وطلقني ، واه اريحك مني خالص

لم يرحمها منه سوى رنين هاتفه الذي أهدأ من غضبه قليلا بل اكثر

ليلتف إليها بعدما انهي مكالمته ، وعاد يحملق بها بضيق :

- طلاق ومش هطلق غير بمزاجي ، واللي حصل النهارده عارفه لو اتكرر تاني .. متلوميش غير نفسك ياجنه

التفت بجسدها مبتعده عنه غير عابئة بالشر الذي يتطاير من عينيه .. ، وقفت مكانها وعادت تطالعه مرة أخري ولكن ببتسامه هادئه

جنه : كان شكلك حلو اووي وانت بتساعد الطفل ، طلع في قلبك رحمه يا أبن المنشاوي

وبتهكم كانت تردف قبل أن تفر هاربة من أمامه ، وعلي وجهها أبتسامه واسعه

- رغم الرحمه بتيجي عندي أنا ..، وتتحول لقسوة

وبملامح محتقنه ، كان يتحرك داخل غرفته ..يزفر أنفاسه حانقاً منها ومن ردودها ، بل ومن مشاعره التي بدأت تتغير نحوها

.......................

أرتجفت قدماها وهي تخطو بأول خطوه داخل مكتبه بعدما سمحت إليها سكرتيرته أخيراً بالدلوف

أستجمعت شجاعتها وهي تعيد كل ما ستقوله له من رجاء بأن يتركها بحالها ، فهي يكفيها ما عاشته وتعيشه ..فرجل مثله لن يتزوجها إلا من أجل غرض في نفسه

طالعت كل جزء من أركان مكتبه الفخم ، تبحث عنه ولكن الحجرة كانت فارغة

- أتأخرت عليكي

هتف عبارته وهو يقف يُحدقها بنظراته ، بعدما خرج من المرحاض القابع بابه في ركن من أركان غرفة مكتبه الواسعه

انتفض جسدها على أثر صوته ،والتفت إليه ببطئ ..، تُحاول إلتقاط أنفاسها

فاتسعت عيناها من هيئته.. ، فاخذ يُجفف شعره ووجهه من الماء ، واكمام قميصه مطوية لأعلى ، وازرار قميصه العلوية مفتوحه للمنتصف .. هيئته كانت عابثة بجدارة مما جعلها تخفض عينيها تهتف بتعلثم

- مش هينفع نتكلم وأنت كده

وهنا كان تنفرج شفتي "عامر" بضحكة مستمتعه ، فكل يوم يتأكد هي العروس المناسبة له ولمخططه

تخلي عن منشفته الصغيره ، واعاد فرد أكمام قميصه وغلق أزراره ببطئ وتمهل وهو يرمقها بتقيم ..، ينظر نحو هيئتها المرتبكه ، وعيناها تُسلطهما بعيداً عنه ..، حتي يفرغ من هندمة هيئته ، وبجمود كان يتحرك نحو مكتبه يجلس عليه متمتماً بعدما عاد لعامر السيوفي

- أتفضلي أقعدي ..، أنا سامعك

استغربت من سرعة تحولها ، فازدردت لعابها وهي تُطالع نفس الراجل الذي التقط به من قبل ..، وقد شعرت بسطوته وهيمنته

ودون أن تقبل دعوته ، هتفت وهي تُطالعه بقوة واهية

- رجب اخويا قالي إن انت اللي دفعت فلوس الشيكات لمسعد ،انا جيت اشكرك على اللي عملته معانا .. واطلب منك انك تكمل كرمك وتسبنا في حالنا

تعالت قهقهته التي صدمتها ، وقد عاد ينهض من مكان جلوسه مقترباً منها ، يمنحها الجواب دون مراوغة

- عامر السيوفي مبيسبش حاجة عايزها يا حياة

ألجمتها عبارته ، فتجهمت ملامحها وقد أعجبه الأمر وشعر برغبة قوية في أن يجعلها زوجته اليوم ، فهي المزيج الذي يُريده بحياته ، وسرعان ما كان يمدّ كفه نحوها بجراءة وكاد أن يلمس وجهها ولكنها أنتفضت مبتعده وفاقت من صدمتها

- أنا مش أنتيكة تقدر تشتريها يا عامر بيه ، واحب أبلغك إني مش موافقة

اعاد ذراعه جواره ، ينظر إليها وقد زاده الامر لوعة ورغبة ..، فنوع حياة جديداً عليه وهناك شئ يُحركه نحوها أعمق من أنتقامه من الاخري ومن والدها ، أو حتي إنجاب الوريث

- ومين قال إني شايفة أنتيكه يا حياه ، أنا عايزك زوجه فعلية ، و زي ما قولتلك مش هتنازل عنك

بهتت ملامحها ، وقد علقت عيناها تهز رأسها برفض

وبتملك وتجبر كان يردف وهو يُعطيها ظهره ، وكأنه ينهي هذا الحديث

- أنا اتفقت علي كل حاجه مع رجب أخوكي ، واختاري أنتي بين سجن أخوكي وتشرد ولاده وبين جوارزه هتكوني أنتي فيها الكسبانه



وبعينين جامدتين ، عاد يُحدق بها يري صدمتها وحيرتها ، ورغبتها في الحديث ..، ولكن كل شئ أرادت الصراخ به كان يقف علي طرفي شفتيها وهي تتذكر توسل شقيقها إليها ، وقد ظنت أن هذا الرجل سيصرف أمر الزيجة بمجرد أن يعلم برفضها له

التقط سماعه الهاتف من فوق سطح مكتبه، يلقي بأمر لسكرتيرة مكتبه

- خلي السواق يجهز العربيه ، عشان يوصل انسه حياه .., يا هالة

...................

أزداد جنونه وهو يتأملها وصوت ضحكاتها يتعالا هي وشقيقته ، فحدق بهما بقوة قبل أن تقذف هي بأحدي الزجاجات على غريمتها أروي .. ليتلقاها صدره فيرمقها بجمود ، فشهقت بفزع وخلفها اروي ضاحكه وهي تتأمله واقف امام غرفة مكتبه يستشيط غضبا

فتنحنحت أروي حرجاً وهي تتمتم :انا بقول الوقت اتأخر ،ولازم اروح

وما كان من جنه سوي ان جذبتها من معصمها : هتبعيني ياأروي

فتأملت الاخري عينين أخيها الجامدتين فتهتف ضاحكه : راجل ومراته انا مالي بيهم ، سلام بقي وهبقي اطمن عليكي

وركضت تلك الجبانه كعادتها ، و للمرة الثانية تفر هاربة وتتركها لبطش أخيها بمفردها

اقترب منها جاسر ، بعدما شيع شقيقته بنظرات قاتمة , ولكنه لن يُلقي بغضبه إلا علي تلك الواقفه:

- هو انا متجوز طفله في البيت ، ولا ايه ياهانم

فارتجفت هي من سماع صوته ، ولكن سرعان ما رفعت عيناها بكبرياء قد استشاط هو منها بالفعل

جنه: ألعب في الشارع يعني

القت عبارتها ، وقد أشتغل الغضب داخله ، ضاقت عيناه وهو يرمقها متجاهلاً عبارتها الطفولية التي تمت للنساء بصلة :

- لاء وعلي ايه ألعبي هنا ،بدل ما تفضحيني

واقترب منها ، حتي أنعدمت المسافه بينهم ، يمدّ كفه نحوها ، يربت علي أحد وجنتيها ساخراً وهو يري نظرات القلق في عينيها

- اجلي اللعب يا شاطرة ، لحد ما تبقي في البيت لوحدك ، لاني مبحبش جو الهبل والعيال الصغيره

....................

ليله طويله قد قضاها بجوارها يتحسس سخونة جبهتها ، ليتنهد بأرتياح بعدما وجد حرارتها بدأت تنخفض ، ولكن نبضات قلبه وهو يعيد بذهنه شريط اعترافها بحبه مازال يعصف داخله .. فتنهد بألم لما فعله بها فقد أحبته حتي اصبح اسمه محفورا بداخلها

فتمتمت بتعب ومازالت أثار الحُمي عليها

صفا : احمد انا بحبك ، مش بحب مراد زين

فتجمدت ملامحه وهو يستمع لباقية اعترافاتها فهي تعلم بحقيقة مراد زين ، فلا بد بأن عامر قد اخبارها بذلك

وتابعت بحديثها الذي تطويه داخل قلبها قائله بأنفاس تحمل معها السخونه :

- متسبنيش يا احمد ، بابا وماما سبوني اوعي انت كمان تسبني

ويالها من كلمات قد جعلته ينتفض من جوارها ، ينظر إليها وقد اصابته كلماتها الراجيه ، فهي تطلب منه أن يظل جوارها وألا يتركها كما تركها والديها

عاد ينحني بجسده نحوها ثانيه ، بعدما تمالك مشاعر وتحكم في صراعه بين قلبه وعقله، أخذ يتحسس وجنتيها وجبتها مجدداً ، وقد أرتسمت الراحه فوق ملامحه ، يهمس لها بنبرة حانية لم يشعر بها سوي قلبه:

- صفا ، صفا فوقي

استمعت لصوته وكأنه يأتي من أميال عنها ، وبصعوبه فتحت عينيها , تُقاوم ثقل جفنيها تتأمل ملامحه القريبة منها بابتسامه ظلت مرتسمه فوق ملامحها المرهقة .. رغم عودتها لأغلاق عيناها مجدداً ، تطلب منه بهمس خافت ما جعل ملامحه تتصلب وتتسارع دقات خافقة

صفا : احضني

أسرع في ضمها إليه بعدما نفض أي شعور داخله ، شعر بأحتياجها القوي إليه , فمنحها ما أرادت مرحباً

برفق أخذ يمسد فوق ظهرها، لا يُصدق ما عاد يفعله معها ..، فهو يغمرها بذراعيه وقد كان يوماً واحده فقط من تحتلهما ، تنهد بوجع مشفقاً عليها ، فقد أحبته "صفا" لقد وقعت في الشرك الذي حذرها منه ، احبت شخصاً أسير الذكريات ..، لا يرغب بمنح أمرأة قلبه ثانية ، سيكون اكبر كاذب إذا أستمر في تعليقها به .. ، سيمنحها جرعات من الحب ثم سيتخلي عنها ، وعندما راودته تلك المشاعر , كان ينتفض عنها كالملسوع ..، ينظر إليها بعدما غفت ولم تعد تشعر به ..، متأملاً تعرقها وشحوب وجهها .. فهو اكثر من يعرف مرارة الحب ، فكيف يذيقها حبه ثم يتخلي عنها ؟

- أنا قفلت علي قلبي خلاص يا صفا ، قلبي ملكته ست زمان ..، ومش مستعد أتجرع مرارته من تاني

وبهمس كان يعود لوعده لتلك الحبيبه ، التي سيظل يراها بصورة ناقيه مهما حدث

- منستش وعدي ليكي يا مها ، هدفن نفسي في الذكريات .. زي ما دفنتك في قبرك يا حببتي

ولم تكن هي إلا غافية في أحلامها الجميله ، تظن نفسها بأنها ما زالت بين ذراعيه وتتوسد صدره . 

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات