رواية سطور عانقها القلب الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم سهام صادق
الفصل الثاني والعشرون
*******
ابتسمت بسعاده وهي تُطالع تفاصيل الحفل من حولها، ورغم انها قضت معظم وقتها تغمض عينيها خجلاً مما تراه من تحرر في المظاهر والتعامل..، فالخمر تُقدم للمدعوين ..،و جميع نساء لا يشبهونها ، علقت عيناها بالبعض وما زادها صدمه أن هناك عرب يحتسون الخمر بل ويتباسطون في تعاملاتهم كالغرب…، كانت شاردة في التفاصيل لعلها تُسلي حالها ، فقد تركها بعدما عرفها علي البعض ..
ففاقت من شرودها بعدما ضجرت من حملقتها في المدعوين ..، فقد فحصت وحللت كل شئ حولها ، خرجت أنفاسها بسأم وأخذت تبحث عنه بعينيها ، متجها بنظراتها نحو المكان الذي أتجه إليه
تقدمت منها احدي النادلات وهي تحملبمشروباتهم الكحوليه المُثلجه ،حدقت "صفا"بالمشروب حانقة ..، تتسأل داخلها .. هل هي عمياء أم ماذا .. فمظهرها وحجابها واضحين فلا تحتاج أن تخبرها بشئ ..
وقفت النادلة تُخبرها إنه ليس كحولاً ..، وانه مشروب من نوع خاص ولكن "صفا" لم تفهمها بسبب ركاكتها في اللغة الأنجليزيه ..، ابتعدت عنها النادله بعدما ضجرت من توضيح الأمر لها ..، فاتسعت عينين صفا وهي تراها تبتعد دون أن تتركها تُكمل حديثها الغير مرتب ..، اقترب منها "احمد" وقد لاحظ الأمر وعندما رأي علامات الأستياء فوق ملامحها ..فهم ما حدث
صفا : أنا عايزه أمشي من الحفله
وقبل أن يهتف بشئ ويسألها عن سبب ضيقها من الحفل ، رغم إنها كانت منذ دقائق تُطالع الحفل باستمتاع ..، كما كان يري من بعيد كلما وقع بنظراته نحوها
- احمد
هتفت بها أحدي النساء ..، واقتربت منه تُعانقه ..، وما أدهشها إنه سمح لها باحتضانه
تجهمت ملامح "صفا" وهي تراها ملتصقة به ، و ما زادها حنقاً إنها تُحادثها بالأنجليزيه رغم انها عربية كما يبدو لها من ملامحها ونطقها لأسمه
خرجت زفراتها بصوت مسموع ، فانتبه عليها وقد أشاحت عيناها عنهم
- بوس وأحضان ، و أنا واقفة .. ده أنا حتي زي مراتك
استمع لهمسها ، فابتسم رغماً عنه ..وكاد أن ينفجر ضاحكاً بسبب عبارتها الأخيرة ولكنه تمالك نفسه وأنهي حواره مع الواقفة معتذراً منها بعدما أخبرها برغبة زوجته بالرحيل
شيعتها المرأة بنظرات مستاءة ، ورحلت تحت نظرات "صفا" المتعجبه من نظرتها إليها
- هي بتبصلي كده ليه؟
وبابتسامه جاهد علي إخفاءها ، تمتم وهو يُشيح عيناه عنها
- أصلها عرفت إنك مراتي
- هي مراتك كلمة عيب ، ولا شكلي ضيعت فرصتها
أنفرجت شفتيه في ضحكه عاليه ، وسرعان ما تمالك حاله وهو يلتقط ذراعها
- أنا بقول كفاية عليكي كده ، ويلا يا مجنونه
التمعت عيناها وهي تراه يسحبها خلفه ، حتي توفف بها أمام السيارة ..التقت عيناهم ..، وقد احاط خصرها بذراعيه .. ارتفعت أنفاسها وهي تري نظراته إليها ..، ولكن سرعان ما كان يفيق من شروده وهو يُذكر حاله ..أن التي أمامه ليست "مها" إنها أخري تشبهها في شخصيتها.
...........................
كانت السعادة تملئ قلبها ، وهي تتأمل ثيابها البسيطه وتختار من بينهم ما يناسبها من اجل حفل الدار التي ستقام غداً ، وبابتسامه واسعه كانت تتجه نحو المرآة الصغيرة في الغرفة ..، تنظر نحو الثوب الذي سعت جاهدة في تنسيقه علي أمل أن يكون جميلاً عليها ويظهرها بشكل أصغر ، فقد أصبحت تشعر بالحزن كلما نداها أحداً بالسيدة ولم يسبق لها الزواج ،
حدقت بالثوب بأعين لامعة ، فالثوب جميل ومبهج ويُنير ملامحها
تأملتها "سناء" بعدما دلفت للغرفة بملامح حانقه ، وعندما علقت عيناها بهيئتها لم يزيدها الأمر إلا حقداً
- يعني طردتي ولادي من الاوضه عشان حضرتك تعمليلي حفله عرض ازياء بالهلاهيل بتاعتك ديه ياست حياه
التفت نحوها وقد تلاشت سعادتها ، ولكنها كانت تعلم إذا تحدثت بشئ ..، فلن تنتهي الحكاية إلا بشجاراً
- معلش يا سناء استحمليني ، الحفله بكره وعايزه يكون شكلي حلو
التمعت عينين "سناء" بخبث ، فها هي الفرصه قد أتتها حتي تُلقي عليها عباراتها وتشعرها بنقصها ، رمقت ما ترتديه بنظرات متهمكه رغم جمال الثوب وبساطته
- مهما حاولتي تلبسي مش هتكوني زي بنات اليومين ، أنتِ خلاص يا حياة القطر فاتك ومحدش هيبصلك
وبحقد كات يتقطر من كلماتها ، كانت تردف
- ده أنتِ ، لا مال ولاجمال
ومدّت يدها تلتقط بضعة أثواب ملقاه فوق الفراش
- أنتِ فاكرة شوية الهلاهيل ديه تعجب حد
واستطردت متهكمه وقد شعت عيناها سعاده ، وهي تراها تُقاوم ذرف دموعها
- هدوم موضتها انتهت من التمانينات ..، لولا بس ان اخويا عينيه حلوه مكنش بصلك وطلب ايدك وقال ايه بتدلعي وتقولي لاء
انسابت دموعها فوق خديها ، بعدما فقدرة قدرتها علي مقاومتها ..، لقد هزمتها "سناء" كعادتها ، وجعلتها تفقد كل ذرة أمل داخلها .. بأن تجد من يُحبها ويرضي مهما
- أخوكي يستاهل واحده أحسن مني يا سناء ، مش واحده فاتها قطر الجواز
رمقتها "سناء" بزهو وسعاده ملئت قلبها الحاقد ، وهي تراها تُغادر الغرفه بعدما مسحت دموعها
- لازم افضل احسسك علطول ان مافيش حد هيبصلك ، ما انتي ميبقاش فيكي كل الصفات الحلوه وانا لاء ياست حياه
..............................
نظر إلى ساعته بإرهاق ، بعدما اغلق اخر ملف كان يطالعه .. ليتذكر تلك الدعوة , التي كان قد قرر إرسال المال إليهم عن طريق أحد موظفينه ..، ولكن لا يعلم كيف غير قراره فجأة وقرر الذهاب بنفسه ..
دلك عنقه لعله يسترخي للحظات قبل نهوضه والأستعداد للذهاب ، فبضعة دقائق لن تضيع من وقته شئ
نهض عن مقعده ، واتجه لغرفته ..، يستبدل ملابسه بأخري أكثر أناقة ورسميه ، نثر الكثير من عطره ، والتقط ساعته الباهظه ، وخاتمه ذو الحجر العتيق وأرتداهما ، ثم هندم سترته وقد ألقي بنظرة أخيرة علي هيئته
هبط الدرج بخطوات متعجله ، ولكنه توقف في منتصفه ..، بعدما صدح رنين هاتفه ، طالع رقم صديقه متعجباً من إتصاله وقد كانوا معاً اليوم في الشركة
- من غير اعذار انا عزمك علي العشا النهارده
تعجب من أمر العزيمه التي يعرضها عليه صديقه ، وقبل أن يعترض كان أكرم يُصر عليه
- مافيش إعتراض يا عامر ، أنا وعدت المدام خلاص إني هخرجها ..، ولا أنت عايز صاحبك يطرد من البيت
أكمل خطواته وهو يضحك علي عبارات صديقه ، يرتب خصلاته بيده الأخري متمتماً
- و أنا ميرضنيش إنك تزعل المدام
- عقبال ما أقولك الكلمه ديه يا عامر
هتف بها "أكرم" ، فتصلبت ملامحه وهو يصعد سيارته ..، فلن يسمعها من أحداً , لأنه لن يعطي أي أمرأه مكانه بحياته ..، هو لو تزوج ، و وجد المرأة التي يبحث عنها ..، ضعيفة ، لا تتحدث ، ترضي بأي شئ يقدمه لها
- أنا مضطر أقفل يا أكرم ، عندي مشوار مهم لازم أروحه وابقي أبعتلي مكان المطعم
وبفضول كان يتسأل أكرم
- مشوار إيه المهم يا عامر ، اوعي تقولي إنك لقيت العروسه
تجهمت ملامح عامر من سخافة صديقه اليوم
- مش ملاحظ إنك بقيت سخيف يا أكرم
- خلاص يا باشا ، هقفل بكرامتي
هتف بها أكرم مازحاً ، قبل أن يغلق الخط ، ويتجه نحو دار الأيتام وقد عاد عقله يشرد في أمر العروس التي سينهي بها أمل "محسن الصواف " في العودة لأبنته ، وسينجب الوريث الذي سيُخبر به الجميع إنه رجلاً بالفعل ، سيوجع تلك التي رأي الندم في عينيها بعد فعلتها الشنيعة به .
.............................
وقفت حياه توزع بلالين على الاطفال ، وقد لمعت السعادة في عينيهم ، ربطت للبعض البلالين في أقدامهم كما طلبوا منها ، ركضوا سعداء بالحفل ..، فبعد الحفل سيكون لديهم الكثير من الألعاب والثياب والحلوي
أقتربت منها أحدي الصغيرات وقد كانت تحمل بيدها حذائها ، انحنت نحوها تضحك علي كرهها لأرتداء الاحذيه ، تداعب وجنتيها الشهية ، وتمازحها
- أنا مش عارفه ، إيه سبب عدم حبك للجذم يا ليلي
والصغيرة تُخبرها ، إنها لا تُحب الاحذيه وتجرح أقدامها ..، ركضت الصغيرة من أمامها بعدما نداها اصدقائها وأتجهت نحوهم لتأكل الحلوي
طالعتهم "حياه" بابتسامه واسعه .. تدعو الله أن يمنحهم حياة أجمل حينا يكبرون
تقدمت منها السيده "فاتن" تهتف برضي وهي تتأمل حديقة الملجأ
- الجنينه بقي شكلها جميل اووي ، ربنا يسعدك ياحياه يابنتي زي ما بتسعدي غيرك كده .. وتابعت حديثها تردف بطيبه
- بس مكنش ليه لزوم تاخدي اجازه من شغلك النهارده يا بنتي
- عارفه ياماما فاتن نفسي اقدر اساعد الدار بأكتر من كده ، كنت اتمني يبقي مرتبي كبير واقدر اسعد الأطفال
التمعت عينين "فاتن" بحب ، لطيبتها وحنانها وتقديمها لكل ما تستطيع إلي الأطفال
- كفايه علي الاطفال ابتسامتك وحنانك ، الفلوس عمرها ما بتعادل الحنان يابنتي
...............................
ضحكاتهم أصبحت تتعالا وقربهم بدء يثمر بصداقه رائعه ، وما نفعها من هذا التقارب هو إنشغال تلك الافعي نيره في السفر للفرع الأكبر بالعاصمة
ركضت أروي ضاحكه بعدما سكبت بعض الدقيق على وجهها
- النهارده حرب الدقيق ، وبلاها الكيكه اللي كنا ناوين نعملها
فاتبعتها جنه بكوب من الدقيق ، راكضه خلفها نحو الحديقه الخلفيه في المنزل ، وأخذوا يتمازحون ، وسرعان ما كانت تتعلق عينين "جنه" بشئ ما خلف أروي ، فالتفت أروي بجسدها ، بعدما أخذها الفضول لتري ما تُحدق به ، صدحت صرخة أروي وهي تري الدقيق ينسكب فوق خصلاتها ، وجنه تركض من أمامها ضاحكه ..، تُخبرها إنها نالت حقها
تعالت صوت ضحكاتهم ، وهم ينفضون ملابسهم ..، عائدين للداخل ، ولكن تيبثت أقدامهم فجأة وكلتاهما تُطالع الأخري بعدما أستمعوا لصوته الجامد ، وقد ودع للتو أحد رجاله ، وكالعادة صرخ باسمها وحدها ، وتقدم منها بملامح يتطاير منها الشر
- جنه
وسرعان ما كانت تفر أروي من أمامه ، وقد تركتها تنال بطشه بمفردها ..، ازدردت لعابها وهي تراه يُحدق بها ويقبض فوق كفيه بوعيد
فتسارعت دقات قلبها خوفاً ، والتفت حولها تبحث عن أروي لعلها تأتي وتخلصها من شقيقها ، ولكن أروي كانت اجبن منها ، بل وأكثر معرفة منها بطباع شقيقها
- عملالي البيت مهزله ، ولا كأنكم في ملاهي ..
تتدافقت عليها كلماته اللاذعه التي أعتادتها منه ، ولم تعد تهتم بشئ يُخبرها به ..، التقط ذراعها وهو يري صمتها هاتفاً بقسوة
- أكلت القطه صوتك دلوقتي يا هانم واتخرستي
ضاقت عيناها ، وبحيلة ماكره لا تعلم كيف أتت على عقلها سلطت عينيها على شئ ما خلفه ،فليس أمامها شئ إلا الهرب من أمامه
جنه : غريبه يعني فاخر جاي لينا البيت
ترك ذراعها ، وقد التف خلفه ، ولكن سرعان ما كان يكتشف كذبتها وتلاعبها به ، ركضت من أمامه وقد تعالت ضحكتها تهتف بسعاده
- الهروب في الحالات ديه نص الجدعنه
تطاير الشر من عينيه وهي يسمعها
- هزارك ماسخ ، ومش مقبول ....
عادت ضحكاتها تتعالا ، غير عابئة بحديثه ، مما زاده حنقاً وتوعداً ..، فقد بدأت هذه الفتاه تخرق قوانينه ، تثير غضبه بل أصبحت لا تهابه ..، وشيئاً فشئ ستقف أمامه تُناطحه
رمقها وهي تصعد الدرج بخطوات راكضه ، ولولا عدم رغبته في رؤية شقيقته معاملته لها لكن صعد خلفها وعاد إليها تورم وجهها ..، وعلي ما يبدو إليه إنها قد أشتاقت للأمر.
........................
اتسعت ابتسامة السيدة "فاتن" ، وهي تحملق بالمبلغ الضخم الذي تبرع به الواقف أمامها ، التمعت السعاده في عينيها ، غير مصدقة قيمة المبلغ الذي سيساعدها في تصليحات الدار وجلب كل ما ينقص الأطفال من إحتياجات
- ربنا يباركلك ياعامر بيه ، وشكرا انك قبلت دعوة الدار النهارده
فحرك عامر رأسه بإيماءة بسيطة وهو يري السعاده في عينين المرأه السمحه
- اوعدك ان زيارتي مش هتكون الأخيرة
- ماما فاتن انا هبدء بفقرة الأراجوز دلوقتي
تصلبت حواسه وهو يستمع للصوت الذي أصبح يعرفه تماماً ، التف ببطئ نحو صاحبة الصوت ، تتعالا الدهشة فوق ملامحه
تعلقت عينين "حياه" به وقد أصابها الذهول ، تتسأل داخلها لما أتي هذا الرجل لهنا ، لكن سرعان ما كانت تنتبه علي حمقتها ..، فالرجل ميسور الحال وبالتأكيد من المدعوين للحفل لتبرع بالمال ، تلاشت صدمتها عندما وجدت يشيح عيناه عنها
فاشارت نحوها فاتن تدعوها للأقتراب
-أعرفك بحياة يا عامر بيه ، من الزوار الدائمين علي الدار ..، والأطفال بيحبوها أوي ..، ده غير الخدمات الكتيره اللي بتقدمها للدار
تعالت الدهشة فوق ملامح "عامر" ، وقد عادت عيناه تتعلق بها ، احتلي التوتر ملامحها ، فمدّ يده يُصافحها وكأنه لأول مره يراها ، فطالعت يده الممدودة ..، وأبتسمت بحبور وهي تُخرج من جيب تنورتها إحدي الحلوي
- أتفضل
فما كان منه غير انه ابتسم ، من مغزي تلك الهديه ، فقد رفضت مصافحته ولكنه تقبل الأمر برحابة صدر متفهماً سبب رفضها
- شكراً يا أنسه الحياة
هذه المرة أصبح يعلم إنها ليست متزوجه ، من خلو يدها من محبس الزواج
طالعتها فاتن بابتسامة محبة
- روحي ابدأي فقرة المهرج ياحياه ، عشان استاذ عامر يحضرها لانه شكله مستعجل
فانصرفت حياه علي الفور من امامهم ، وقد خفق قلبها من رؤية هذا الرجل مجدداً ، قاومت خفقان قلبها وعادت السعادة ترتسم فوق ملامحها وهي تري الصغار يركضون نحوها بالهدايا التي حصلوا عليها
وقف يُحدق بها ، ولم يعد منتبهاً علي حديث السيدة فاتن ، وقد أخذت تخبره عن الدار والمشرفات وما يسعون له من أجل توفير حياة كريمة للاطفال ، علقت عيناه بها مرة أخري وهي تبتسم ..، ولا يعلم لما أقتحمت صورة المرأة التي يرغب بها عقله.
............................
حاولت جاهدة بكتم صوت أنفاسها حتي يظنها غافيه ، و يبتعد عنها ..، شعرت بأنفاسه الساخنه فوق صفحات وجهها ، فارتفعت وتيرة أنفاسها رغماً عنها ، ابتسم بخبث وهو يكتشف تظاهرها بالنوم :
- انا عارف انك صاحيه ياجنه ، متحاوليش تهربي مني بالنوم .. بدل ما اعمل حاجه اخليكي تندمي عليها
احتلي الخوف قلبها ، ولكنها حاولت التماسك وتظاهرها بالنوم ، حتي يضجر منها ويتركها
اقترب منها "جاسر" اكثر، وعلامات المكر مرتسمه فوق شفتيه ، انتفضت فزعاً وهي تنهض من فوق الاريكة ..، تشهق بصدمه وهي تضع بيدها فوق شفتيها ، فقد حاول تقبيلها:
- انت قليل الادب
صدحت ضحكاته الساخرة ، وهو يراها بتلك الهيئة ، وقد عاد الذعر يحتل عينيها
طالعها بخبث... ينتظر رؤية صدمتها الأخري ، وقد كان متوقع ما سيحدث ، وها هو يري ردة فعلها التي زادته عبثاً ..،اطبقت فوق جفنيها بقوة ..، لا تُصدق إنه يقف أمامها عاري الصدر لا يرتدي سوى بنطالا قطنياً ..
- أستر نفسك
عادت ضحكته تتعالا ، لا يستوعب ما تفوهت به ، ولكن سرعان ما عاد لتلاعبه بها
- عشان متحاوليش تلعبي معايا تاني سامعه ..واتجه نحو المنضدة التي تجاور فراشه ، والتقط علبة سجائره ، دس السيجارة بين شفتيه وعاد يرمقها بتمهل ونظرات جامده :
- أنتِ في بلد في الصعيد ، والناس هنا ليها قواعد غير مكانتي وسط الناس بحذرك من اي تصرف يهز صورتي ، لا إلا هوريكي الجزء الوحش من جاسر المنشاوي .. واللي حصل النهارده هعتبره غلطه
أراد أن يري الخوف في عينيها ، ولكنها وجدها تستلقي فوق الاريكه تعبث في هاتفها القديم بطريقه عشوائيه حتي تتجاهله ، أستشاط غضباً من فعلتها واقترب منها يلتقطها من ذراعها ، فانتفضت صارخة :
- طب برود ببرود بقي ياجنه ، قومي هاتي ميه سخنه واغسليلي رجلي .. ما انا النهارده حابب ألعب معاكي لعبة القط والفار
دفعها من أمامه ، وقد ظنها سترفض أمرها ، ولكنها تفاجأ بابتسامتها المصطنعه
- عنيا ليك يا سي جاسر
تطايرت حمم الغضب من عينيه ، وهو يسمع عبارتها قبل أن تفر من أمامه ، ضغط فوق شفتيه بقوه يحادث نفسه :
- ماشي يا جنه
وبعد وقت .. كنت تجلس تحت قدميه تُدلكهما له بتمهل :
- قولتلك اللعب مع جاسر مينفعش
فرفعت وجهها نحوه وبنبرة بارده , كما أصبحت تتعلمه منه :
- هو أنت فاكر أإن أنا بعمل كده عشان خايفه منك ، يبقي للاسف مفهمتنيش يا ابن حسن المنشاوي .. بس انا بطيعك عشان طاعة الزوج
واردفت بخبث ، تنتظر رؤية ردة فعله
- غير لما اطلب منك وانا تعبانه تغسلي رجلي تبقي تغسلها ليا
ألجمته عبارتها ليرفع حاجبه الأيسر يرمقها بمقت ، يهتف حانقاً:
- نعم ياختي
جنه : اه وفيها ايه ، هقدم السبت عشان الاقي باقي الاسبوع ..غير ان اللي أنا أعرفه ان سيادة النائب راجل خدوم واللي بيقدم ليه خدمه بيقدمله عيونه ولا ايه
فانتفض من مكانه يتوعد لها :
- نجوم السما أقربلك ، وشكلي اتهونت معاكي في حاجات كتير
فنهضت قبلته ترفع شفتيها إستنكاراً :
- هتضربني تاني ، بس افتكر ان كل صفعة بتفقد فيها رجولتك
ليصرخ بها بعدما لم يعد يستطيع تحمل ردودها :
- اطلعي بره الاوضه مش عايز اشوف وشك السعادي ،غوري نامي في اي مكان تاني
لتترك له الغرفة ، فأخذ يدور بها كالمجنون وقد فقد صوابه بسبب وقوفها أمامه غير عابئة منه
ارتسم الزهو فوق شفتيها وهي تهبط الدرج... فتلاقت عينيها بعينين أروي وعلي ما يبدو إنها أستمعت لشجارهم، طالعتها أروي بأسف :
- أنا أسفه ياجنه !
.......................
اغمض عيناه بقوه وهو يطرد أحداث ذلك اليوم من عقله ، فقد اصبح يكره التفكير في اي يوم يمر عليه ولكن اليوم كان مختلفاً تماماً عن باقية الايام .. ، ليتذكر تفاصيل يومه في دار الايتام ويتذكرها هي خصيصاً وكيف شيعها بنظره طويلة قد ألقاها عليها قبل الرحيل ..، وكأنه عقله بدء يتخذ القرار نحوها ،
أتكأ بجسده على جانبه الايمن ، وقد عاد لشروده في تفاصيل ملامحها فلم تكن بارعة الجمال ، ولكنه لن يختارها لجمالها ..، فهو لا يُريد إلا زوجه يضعها في قصره كأثاثه الثمين ، لا تسمع ولا تري ولا تتكلم ..، تعرف تماماً إنه تفضل عليها بالزواج منها ، وانها لا قيمه لها بحياته ..، إنما هي زوجة تمتعه متي يشاء ، لا يسمع منها غير كلمة نعم .
اقتحمت هذه المرة صورة أخري علقه ، تلك التي شاركتهم طاولة العشاء برفقة عائلة صديقه ، وقد دعتها زوجة صديقه ، لعلها تجذبه بملامحها الجميلة الفاتنه وجسدها المتناسق الذي يشبه عارضات الأزياء ، بجانب شهادتها الجامعيه , فهي طبيبة أسنان ، ذو أصل عريق ، مثقفة .. وقد ظن صديقه إنها نالت إعجابه لتحاوره معها في بعض الحديث ، ورغبته في زيارة عيادتها ، ولكنها كانت بعيدة عن الصورة التي يرغبها.
........................
كان الملل يحتل كل جزء من عقلها فلا شئ يُسليها في هذا المنفي ، رغم انه منفي جميلا وبجانب من تمنته في أحلامها , إلا أن المكان كالجليد مثل صاحبه ..
زفرت أنفاسها بضجر، وهي تُفكر في شئ تفعله إلى ان وقفت امام خزانة ملابسها وقد ملئها لها بكل ما تحتاجه من ثياب عصرية.
التقطت تنوره قصيره ، لا تعرف لما جلبها لها , وهي محجبه وبالتأكيد لن ترتديها في المنزل ..، فهي ليست زوجه حقيقية تتزين لزوجها حتي تغريه بفتنتها وجمالها ، نفضت هذه الأفكار من رأسها متهكمة علي حالها ..، واسرعت في التقاط بلوزه رائعة التصميم تُناسقها في اللون
أرتدتهم بسعاده وخاصة بعدما تأملت هيئتها بالمرآة ورأت جمالها فيهما
اشعلت المسجل وقد أتتها رغبة بالرقص ، و أخذت تدور بالتنورة على غنوة صاخبة بلحنها وشعرها يتطاير نحوها بخفه ..
شردت في لحظات ليست بقديمة ، فتذكرت رقصتها التي أصرت عليها "ناهد" بأن ترقصها وسط صباح وسعاد رفيقاتها بالقصر ..، أقتحمت صورة ناهد عقلها بحنين وشوق عصف بفؤادها ، تتمني مهاتفتها , ولكن اين هاتفها فقد تحطم منها قبل ان تأتي لهنا ..
اطفأت المسجل ، وجلست على فراشها بأسي تلتقط أنفاسها .. وقد ضاع رغبتها في الرقص مع أحزانها
ومع مشاعرها الحزينه المشتاقه ، لم تسمع صوت الطرقات علي باب حجرتها ثم دلوفه الغرفة ، يضع هاتفه على أذنيه يهتف بمن يحادثه :
- ثواني ياماما هخليها تكلمك
رفع بهاتفه نحوها : صفا .. ماما عايزه تكلمك لانك وحشاها
وسرعان ما كانت أحزانها تتلاشي ، تلتقط منه الهاتف وتُحادث ناهد ، تحركت أمامه بخفة ودلال لما تقصده ..، فانتبه علي ما ترتديه أخيراص ، و لأول مرة يراها بهذا التحرر ، أخذت عيناه تتفرسها بتفحص
أنتهت المكالمه لتناوله الهاتف بسعاده :
- كان نفسي أكلمها اووي ، مكنتش عارفه ان ربنا هيحققلي امنيتي بالسرعه ديه
ولكن لا رد كانت تتلقاه منه ، فقد كانت عيناه عالقه بجسدها الذي يظهر إليه بسخاء وبدعوه صريحة .
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية