رواية سطور عانقها القلب الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم سهام صادق

الفصل الواحد والعشرون

***********

أنتفض جسدها فزعاً ، وهي تراه يتقدم منها بملامح جامده بعدما صفع باب الغرفة خلفه بقوة ، أنتظرت سماع كلماته اللاذعة ككل ليلة ، ولكنه أخذ يقترب منها في صمت ، فجعلها تزدرد لعابها بذعر، تراجعت للخلف بخطوات مرتجفة حتي التصق جسدها بالجدار

- بتشتكيني لعمتي ياجنه، بتظهري ليها إنك ضحية

نفت برأسها خائفة من ثورته ، فلم تزده حركتها إلا تحجراً وهو يراها ليست إلا مراوغة ..،قبض فوق ذراعها بقوة ..، وأخذ يُحركها بين ذراعيه صارخاً

- بتقوليلها مافيش اي حاجه حصلت بينا واني مبدكيش حقوقك

وبصراخ أكبر ، أصم أذنيها هتف

- عايزه حقوقك يا هانم

أنصدمت من سماع عبارته ، فما الذي يتحدث عنه ، أنسابت دموعها فوق خديها وهي تري عيناه تزداد قتامة

- انا مقولتش حاجة ، أزاي تفكر إن ممكن أقول كده

تفرسها بنظرات جامده ، وببطئ كان يميل فوق أذنيها يهمس برغبة قد أوقدتها داخله

- لو عايزه قولي

ارتجف جسدها من عبارته الوقحة ، وهي تري نظراته تفحصها وكأنه يُعريها من ثيابها ، عاد يدنو منها ، يهمس في اذنيها بكلمات جمدتها في وقفتها وسرعان ما كانت تدفعه عنها بقوة

- انت حيوان ،حيوان

تجهمت ملامحه ، وارتفع كفه لأعلي .. فهبط كفه فوق خدها بصفعة قوية ، انفجرت علي أثرها دماء شفتيها ، رفعت وجهها نحوه وهي تتحامل على نفسها من قوة صفعته وجرح كبريائها

جنه : ومريض ومعقد وظالم ومعندكش رحمه ، انا بكرهك بكرهك .. روح طلع عقدك على اللي خانتك مش عليا انا

القت عباراتها بحرقة ،فتجمدت ملامحه وأخذت تتردد عبارتها الاخيره في أذنيه وقد اعادت له سنوات مضت ، أقترب منها يرمقها بغضب وقد تطاير الشر من عينيه..

وبقسوة كان يجذبها من حجابها ، فسقط عن رأسها ، وانسدل شعرها الغزير ..توقف لبرهة يُحدق بها ، ولكن سرعان ما كان يعود لقسوته ..يقبض فوق خصلاتها بقوة

- عرفتي منين ، انطقي

كلماتها اصابته في مقتل ، اصابة رجولته التي طلما سعي أن يُداريها خلف قناع قسوته ..، فتحت نيران لم تخمد وذكريات لم ينساها عقله يوماً ، قبض فوق عنقها وقد عاد يتسأل بأنفاس متقطعه ، من أين عرفت بخيانة زوجته

- أنطقي ، بدل ما ادفنك مكانك

هزت رأسها نافيه وهي تُشعر بالأختناق من قبضته ، فهي لا تعرف شئ عما تفوهت به ، إنها ارادت وجعه بأي طريقة .. حتي لو نطقت بجهالة عن شئ لا تعرفه ..

- معرفش حاجة ، أبعد عني

هتفت برجاء ، فلم تعد تتحمل قبضته وقد بدأت جفونها تثقل من شده الأعياء، ازدادت قبضته فوق خصلاتها ، فنسابت دموعها بغزارة وخرج صوت نحيبها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة

- أنت قاسي ، و وحش

وبضعف كان يخرج صوتها مهزوزاً قبل أن تسكن بين ذراعيه

- أنا دلوقتي عرفت حقيقه قسوتك

...............................

كانت تجلس وسط اطفال الدار تلاعبهم بحنو وتبتسم بسعاده علي سعادتهم وركضهم حولها، ركض أحد الصغار نحوها ، فانحنت تضمه إليها ، تمسح فوق خصلاته والصغير يتمتم ببكاء

- أتعورت يا ابلة حياة

وضعته أرضاً ، وجثت فوق ركبتيها ..، تري جرحه الصغير , فأبتسمت وهي تدنو نحو جرحه وتلثمه له بقبلة حانيه

- وكده بتوجعك

أبتسم الصغير وهويومئ لها برأسه ..، فقد طاب جرحه وأنتهي ألمه من قبلتها ..، دار الصغير حول نفسه يُخبرها إنه أصبح بخير ..، فضحكت وهي تراه يركض ويقفز بين رفقاءه ، ولو كانت تمتلك يوماً أخر أجازة لها ..، لقضته بينهم

ورغماً عنها كانت دموعها تنساب ، وهي تتذكر ذكري بعيده

فلاش باك

- و أختك تخرج معانا ليه يا رجب ، مش كفاية صابره وساكته إنها قاعده معايا في البيت ، ومش عارفه أخد راحتي

- وطي صوتك يا سناء ، بدل ما أحلف إن مافيش خروج

- هي ديه خروجه ، ده أحنا بنروح نقعد في جنينة الحيوانات

هتفت عبارتها ممتعضه ، و أخذت تلوي شفتيها إستنكاراً

- أحمدي ربنا أني بخرجك أنتي والعيال ، وكفاية رغي كتير وألبسي يلا خلينا نلحق قبل الزحمه

- مش عايزه أروح خلاص يا أخويا ، ما هو أصل لا أنا لا أختك

وكالعادة كان ينتهي الشجار ، بترك زوجة شقيقها للمنزل

مسحت دموعها ، فقد أراحت زوجة شقيقها من خروجها هذا اليوم معهم ..، تأتي لهنا لتجلس مع الأطفال وتقضي يوم عطلتها بينهم

أنتبهت على صوت مديرة الدار وقد أقتربت منها السيدة "فاتن"

- ربنا يباركلك ياحياه يابنتي ، أنتي متعرفيش الأطفال بيستنوا وجودك أد يه كل أسبوع ..، اليوم بيكون كله فرح وسعاده ليهم

ابتسمت حياه ، واطرقت عيناها خجلاً من كلمات السيدة "فاتن"، والقت بنظرة سريعة نحو الأطفال وركضهم بحديقة الميتم بسعاده

- كان نفسي أقدم ليهم أكتر من كده

هتفت بها بقلة حيلة ، فلو كانت تملك المال لجلبت لهم كل ما أرادوا من ألعاب وثياب ، أنتبهت علي الدعوات التي تحملها السيدة فاتن ، وقد تذكرت للتو الحفله التي ستقام عن قريب في الدار

- هي ديه الدعوات اللي هنبعتها لرجال الاعمال

أماءت لها السيدة "فاتن" ، ومدّت لها يدها بالدعوات .. ، تستبشر الخير بذهابها هي وإعطاء الدعوة لأصحابها

- أنا عارفه إن طلبي صعب عليكي يا بنتي ، بس أنا مستبشرة خير ..، روحي وزعي أنتي الدعوات ديه يا حياة ، مافيش حاجة بتكوني فيها إلا وبيجي خير من بعدها

علقت الدموع بعينيها ، من كلمات السيده "فاتن" والتقطت منها الدعوات تبتسم لها

- أن شاء الله هيقبلوا الدعوات ، عشان يفوزوا بالجنه

وعادت عيناها تُحدق بالدعوات ، تدعو داخلها أن يقبلوا الدعوه ويأتوا للدار ، يُلبون دعوتهم
.....................................

جلست تطالعه بإرتباك بعدما دعاها كي تحتسي معه مشروبه الساخن ، شعرت بالضجر من جلوسها في صمت ، وقد أنشغل هو قليلا بحاسوبه الشخصي ، واخذ يرتشف من فنجان مشروبه الدافئ

تعلقت عيناها به ، تتسأل داخلها ..، لما قد دعاها وهو مشغول..، تعالت صوت أنفاسها الحانقة ..، وقد أنتبه للتو إنه أندمج في عمله ونسي أمرها وهو الذي دعاها لتجلس برفقته بدلاً من مكوثها الدائم في غرفتها

- أعذريني يا صفا ، انشغلت عنك

حاولت تلاشي حنقها ، وابتسمت بعدما وضعت كأس المشروب الفارغ فوق الطاولة

- مافيش مشكله ، أنا هروح أوضتي مدام مشغول ..، تتعوض مرة تانية

القت عبارتها وهي تنهض ، ولكن يده كانت أسرع وهو يجذبها لتجلس ، معتذراً مرة أخري بلطف

- هخلي مدام صوفيا ، تعملنا حاجة تانية نشربها ..، ونقعد ندردش سوا

طالعته وهو ينهض ، بعدما منحها أبتسامة سلبت قلبها ، أغمضت عيناها وهي تضع كفها فوق ملمس يده فوق كفها الأخر الذي لمسه ، إنه لطيف جداً معها اليوم ..، وهي لن تتحمل كل هذا اللطف ..، فقد اصبحت تُقاوم حبها له

عاد بعد دقائق ، وما زالت أبتسامته مرتسمة فوق شفتيه ، جلس جوارها وقد التف بجسده نصف التفافه يسألها

- أحكيلي عن حياتك يا صفا

ضاقت عيناها ، وقد تفاجأت من سؤاله، طال صمتها فهي لا تعلم بما ستقوله له ، ولكن سرعان ما دمعت عيناها وقد عادت جراحها تندمل

- مافيش حاجه احكيها

اقترب منها "احمد" وقد تلاصقت ساقيهم وشعرت بانفاسه تلفح صفحات وجهها:

- ليه الدموع في عينك يا صفا

هتف بلطف ، كان صعب عليها أن تتحمله ..، أسرعت في مسح دموعها تتسأل هذه المره هي

- هو انت ليه بتصحي من نومك علي كوابيس

كان فضولها ، يأخذها لمعرفة السبب ، ولكنه راوغها في جوابه ، وبفتور كان ينهض من جوارها

- الماضي بيفضل مستوطن عقولنا يا صفا

لم يستوعب عقلها ما يتفوه به من كلمات مبهمه كحال صاحبها ، وبانفاس مثقلة بألام الماضي كان يردف

- الذكريات ببتحفر جوانا يا صفا

كانت خير من يعلم جوابه ، فقد أصبحت تعيش علي الذكريات

وبصعوبة كانت تتمالك دموعها ، تنظر نحو ساقه وهو يعرج عليها قليلاً ..، رغم إنها من قبل لم تراه هكذا

- هو ليه رجلك بتوجعك ، أنت كنت كويس من يومين

ابتسم وهو يلتف نحوها ،يحدقها بنظرات قوية ، ارتبكت علي ملاحظتها الدقيقة لكل شئ يُخصه ، فاقترب منها يمنحها الجواب تلك المرة دون مراوغة

- ديه اصابه حصلتلي زمان في رجلي ، وفي كل شهر من السنه لازم الألم يرجع ليا ..، مش عارف ليه الموضوع ده مستمر ..، بس ممكن تكون حالة نفسيه

تعلقت عيناها به وهي تسمعه ، تتسأل داخلها ..، ما الحادث الذي حدث له ..، ولكن "احمد" كان يمنحها ما يُريدها أن تعرفه

- بكره في حفله تبع الشركه ، ووجودك مهم معايا ، زي ما أتفقنا في بنود العقد ..، أي دعوة لازم تكوني معايا فيه

ليته لم ينطق عبارته الاخيرة ، وذكرها ببنود عقده ..، عاد الألم ينهش فؤادها ، وبصعوبة كانت تتمالك حالها ، تبتسم إليه ..، تمنحه ما ينتظره ..، فهو المالك وهي المملوك الذي عليه الطاعة

- حاضر

تعجب من نطقها بأقتضاب لكلمتها ، ولكن سرعان ما تلاشي تعجبه وهتفت بمرح أعجبه

- أخيراً هخرج واشوف الشوارع هنا

ورغما عنه كان يضحك ، وهو يراها تضم كفوفها نحو صدرها ممتنه لدعوته

- شكلك مرحه اووي ياصفا

ابتسمت بصعوبة ، فلم يكن مرحها إلا لتُداري خلفه حسرتها

اقترب منها ، فاسبلت أهدابها ..، لتشعر بملمس كفه فوق خدها

- أنتِ مُسلية ولطيفة يا صفا

........................



لم تكن صفعته لها ليلة امس سوي إلا غباراً قد سقط فوق قلبها أدماه أكثر ، تحسست شفتيها المتورمة من صفعته ، ورغم محاولتها لتُداريها عن عيناهم المتربصة ، كان الفضول يدفعهم ليعرفوا لماذا هيئتها اليوم هكذا ، كانت تري في نظرات البعض الشماته ، والقلق والحزن في نظرات عمتها وعمها حسن

وبنبرة حانية ، أخذ يسألها عمها

- مال وشك يا جنه ، في حاجه حصلتلك يابنتي

وكادتها كانت ترسم أبتسامة هادئه فوق ملامحها ، تناوله كأس الماء وحبوب علاجه

- لا ياعمي مافيش حاجه ، انا بس وقعت امبارح

تناول منها عمها كأس الماء ، يرتشف منه ، وقد تلاقت عيناه بعينين شقيقته "منيرة" التي أتخذت دور الصمت وقلبها يحرقها علي حال أبنة شقيقها ..، تلوم حالها ..، لأنها السبب علي إتمام هذه الزيجة ، ولم تستمر منيرة في صمتها ، وبنظرة حانية أخذت ترمقها ، وتمدّ لها كفها ، لتقترب منها

- مكنتيش جيتي النهارده مدام تعبانه ، كنتي خليتك في بيتك يابنتي ، مش لازم كل يوم تيجي بيت العيلة

أندفعت "جنه" صوبها بعدما دعتها لحضنهم ، فقد أصبح حضن العم منيرة ملاذ غربتها وقسوة ما تعيشه

- انا جيت اودعك انتي وعمي قبل ما تسافروا العمره ، وكمان أستأذنكم اخد أروى معايا البيت عشان متحسش بغيابكم

أندهشت منيرة من عرضها ، كحال حسن ..، ف أروي كالأخرين تُعملها بكبر ، تُهينها بنظراتها وتجاهلها كالباقية

منيره : بس مرات فاخر هنا في البيت وغير الخدم ، انتي لسا عروسه يابنتي ، غير إن أروي طبعها صعب

سقطت كلمة عروسه على مسمعها كالجمر المُلتهب .. فتمتمت تُداري خيبتها

- عروسه مين بقي ياعمتي .. هو انا هدلع اكتر من كده ، وكمان جاسر علطول في الشركه أو في مصر أو مش فاضي ،وانا و أروي هنعرف نسلى بعض وفرصة نقرب من بعض اكتر

تفهمت "منيرة" طلبها ، فأماء لها "حسن" أن تنفذ الأمر ..، لعلا أبنته تتقرب تلك الفترة من أبنة عمها وتعرف معدنها الطيب كما عرفه هو ، اخذت موافقتهم ، واسرعت في خطاها تُغادر الغرفة تهتف بسعاده

- هروح اشوف فين اروي واقولها

شيعتها منيرة بنظرات حانية ، وعادت تُطالع شقيقها الراقد فوق فراشه بوهن ، تُخبره بندم

- تفتكر إني غلطت لما أصريت أجوزها لجاسر يا حسن ، أنا بقيت أحس بالذنب يا حسن

وهذه المرة كان يُطمئنها قبل أن يغمض عيناه ويغفو قليلاً

- بكره يعرف معدنها الطيب يا منيرة ، ويعشقها

..............................

وقف يتأملها طويلا وهي تهبط درجات الدرج بخفه .. طالعها بتمعن يدرس كل تفاصيل جسدها في فستانها الذي قد اهداه لها صباحاً .. ، اتسعت أبتسامته اكثر ، وقد لمعت عينيه من شدة جمالها

رأت الأنبهار في عينيه ، فتوردت وجنتاها وهي تخفض رأسها أرضاً ..، أقترب منها يلتقط كفها مبتسماً بلطف

- مكنتش أعرف إن ذوقي حلو كده يا صفا

توترت من سماع عبارته ، وقربه المهلك لمشاعرها ..، وما فجأها حقاُ إنه لثم كفها بشفتيه

ابتعدت عنه ، وكأن شئ قد لدغها ، فطالعها بنظرات متسائله عما حدث ..، ولكن اسرعتفي وضع يدها فوق كفها تسأله بتوتر

- طب لفة الحجاب كده كويسه ، ومناسبه للحفله ولا اروح اجرب لفه حجاب تانية

تعالت ضحكات "احمد" وهو يراها لا تلتقط أنفاسها وهي تُحادثه من شدة ربكتها أمامه ، وسرعان ما كان ينتبه علي إمتعاض ملامحها ، وزمها لشفتيها كالأطفال

التقط أنفاسه بعدما توقف أخيراً عن الضحك ، وأشاح عيناه عنها غير مصدقاً إنه بات يضحك هكذا

- كلك على بعض حلو ياصفا ، ويلا عشان هنتأخر

تلاشت حنقها ، واتبعته وهي تحمل طرفي فستانها ، ولكن وقفت تشهق بفزع بعدما التوي كاحلها أسفلها ، حاوط خصرها بقلق وضمها لصدره ، فاغمضت عيناها وهي تتنفس رائحته التي سلبت أنفاسها لقربها منه

- شكلنا كده مش هنروح الحفله ، وهنروح علي المستشفي يا صفا

ابعتدت عنه بعدما تداركت أمرها ، وقد تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل ، اعتدلت في وقفتها ، تُهندم من نفسها ، فابتسم بخفه وتقدم أمامها نحو الخارج

- يلا عشان أتأخرنا علي الحفله

اتبعته بحزن ، فقد تمنت ان يحدث مشهد اخر ، تمنت لو امسك يدها ، وتبطأت ذراعه , تسير جواره وكأنهم أزوج حقاً ، وليست مجرد زوجة بعقد مشروط

.............................

ظلت تعبث بحقيبتها إلى ان تهللت اساريرها اخيرا وقد وجدت ضالتها ، تنفست براحه بعدما كانت تظن بأنها قد فقدته ..، فأخذت تحرك المفتاح في باب الشقة ،

ودلفت للداخل، وسارت بخطوات متعبه فأنتبهت على صوت زوجة أخيها في المطبخ وهي تحادث أبنتها

سناء : محدش يقول قدام اللي ما تتسمي اننا طبخنا النهارده ، وبالذات ادم نبهي عليه .. الواد ده انا مش عارفه مين هي امه انا ولا هي

فتهتف ابنتها ، تشعر بالشفقة نحو عمتها ، فوالدتهم تعملها بقسوة رغم تحذير والدهم الدائم وشجارهم الذي لا ينقطع بسبب قسوة معاملتها لها

- ياماما ديه عمتو طيبه اووي، شوفتي أشترت لأدم اللعبة اللي كان نفسه فيها ، وبتحاول تجبلنا كل حاجة عايزينها

وبحزن كانت تردف الصغيره ، تسأل والدتها

- انتي ليه مبترضيش تأكليها من الاكل الحلو اللي , بابا ساعات بيجيبه .. وبتأكليها بتنجان وفول كل يوم وتقوليلها ان ده أكل النهارده مع اننا ساعات بناكل حاجات تانيه حلوه

تجهمت ملامح سناء ، واقتربت منها متوعده ، وقبل أن تقبض فوق ذراعها وتدفعها من أمامها ..، لوقوفها أمامها بهذه الطريقة من اجل عمتها ، ولكن وقفت مكانها تُحدق بحياة التي دلفت للمطبخ وتنظر إليها مبتسمه تخفي خلفها قهرها

- ممكن يا ام رانيا تجهزيلي اكل كل يوم .. ده لو مش هتعبك يعني وياسلام لو جبتيلي الفول بتاع امبارح كان طعمه حلو اوي

وسارت من امامها تحبس دموعها ، فحدقت سناء بأبنتها صارخه بعدما أفتضحت أمر الطعام الذي يتناولوا دونها

- أمشي غوري من وشي

............................

كانت المره الأول التي تجمعهم مائدة طعام واحده ، تخلو من باقية أفراد العائله ، بل وتكون في منزلها عزيزة النفس ، تنفست براحه وهي تمضغ طعامها ، فأخيراً ستأكل وتمتلئ معدتها دون الشعور بأن أحداً يرمقها بنظرات ساخره

استمع لتنهيداتها ، فرفع عيناه صوبها يتأملها وهي تمضغ طعامها ببطئ وقد أرتسمت الراحه فوق ملامحها ، طالت نظراته نحوها ، ولكن سرعان ما أشاح عيناه عنها ، وهو يستمع لصوت شقيقتها ، وقد فهم مقصدها من سؤالها

- هو انتوا ليه مروحتوش تقضوا شهر عسل ياجاسر ؟ ، اشمعنا مرام اخدتها شهر لفيتوا فيه اوروبا..

امتقعت ملامحه ، وقد أحتلت الظلمه عيناه ، بعدما أستمع لعبارتها الأخري ، صفع طاولة الطعام بقوة وهو يصرخ بها ، بعدما أشعلت النيران داخل قلبه ..، فلما عادوا يذكرونه بتلك الخائنه

- لو خلصتي أكلك ، تقدري تقومي

ألجمها حديثه ، فنهضت علي الفور تخفي دموعها عنه ، بعدما أحرجها بهذه الطريقة أمام زوجته ، أسرعت "جنه" في التقاط ذراعها تنظر إليها برجاء

- كملي اكلك يا اروي انتي مأكلتيش حاجه

ولكن أروي كان غضبها الأكبر منها ، دفعت ذراعها عنه ، ترمقها بحنق

- شبعت خلاص ، هخرج الجنينه اشم هوا وبكره الصبح هروح

القت عبارتها وانصرفت بخطوات سريعه نحو الخارج ، فتعلقت عيناها به ..، فوجدته ينهض عن مقعده ، وعلامات الوجوم تظهر فوق صفحات وجهه ، امتعضت من أنسحابه بهذه السهوله دون أن يعبأ بمغادرة شقيقته وصراخه عليها

- ابقي صالحها لو سامحت ، مكنش ليه لزوم تزعق فيها هي مكنش قصدها ، ديه دردشه عاديه

سكن في وقفته ، وهو يسمعها ..، والتف نحوها ببطئ يرمقها بنظرات قاتمة ، وسرعان ما كانت تحتله الصدمه ، وهو يجدها تطالعه بكبرياء ، وقوه لأول مره يراها في عينيها منذ ان تزوجها .. ثم انصرفت ..تغادر المكان هي الأخري دون أن ترتجف من نظراته كما أعتاد.

................................

وقفت "جنه" تتأملها من بعيد وهي تتمني قربها كصديقه واخت كما كانت هي وأبنه خالها ولكن اين هي الان فقد رحلت بعيدا ولم تهاتفها منذ ان سافرت ..، تنهدت بحزن أتخذت قرارها في الاقتراب منها .. وسارت نحوها :

- الوقت اتأخر يا أروي مش هتنمي

فالتفت اروي نحوها ، ولكن سرعان ما اشاحت وجهها بعيدا عنها ، وصمتت

فأبتسمت جنه وجلست جانبها :

- طب ممكن اقعد جنبك ونتكلم شويه

لتنهض أروى تهتف بتأفف: لاء انا هسيبلك المكان كله تقعدي براحتك فيه

ولكن سرعان ماأمسكت جنه ذراعها راجيه :

- اروي احنا في سن بعض ليه منقربش من بعض

فترمقها اروي بأستخفاف ، تهتف بكبر

- انا مبقربش غير من الناس اللي نفس مستوايا

تقبلت "جنه" حديثها ، و تجاهلته

- طب انزلي بمستواكي معلش واقعدي معايا ، انا نفسي اتكلم مع حد اووي واضحك وهزر معاه ،وياستي مش هقلل من مستواكي ومش هتخطي حدودي معاكي

فرفعت أروي أحد حاجبيها مدهوشة من تقبلها لأهانتها ، و بغرورها هتفت :

- اتكلمي

جنه : انتي في كلية صيدله صح ، انا لسا متخرجه جديد منها

أرادت أن تخلق معها أي حديث ، فلم تجد إلا الحديث عن دراستهما

فطالعتها أروي بذهول ، ف لأول مرة تعرف أن أبنة عمها خريجة جامعه

- أنتِ كنتي في صيدله

فابتسمت "جنه" وهي تومئ برأسها ، فقد رسموا نحوها صورة الفتاة الجاهلة الفقيرة:

- بس تصدقي ايام الكليه وحشتني مع انها كانت ايام رخمه برضوه بس صحابي وحشوني

فبدأت اروي في الحديث معاها عن مغامراتها هي الأخري بعدما شعرت بلطافتها

- ده انتي مصيبه يا أروي ..، عملتي في الدكتور كده

- انا مالي هو قال عايز يشوف نتيجة التجربه وحظه إنها فرقعت في وشه ، ولولا ان في معرفة بينه وبين جاسر كان زماني مفصوله

فتعلقت عينين جنه بها، وهتفت بأمل أن تكون تقبلتها :

- هو احنا ليه منبقاش صحاب واخوات

اروي بتردد : لاء انتي هتاخدي جاسر في يوم مني وهيبقي ليكي انتي لوحدك .. زي ما مرام اخدته زمان ليها

شعرت بالصدمه من حديثها ، ولكنها أسرعت في أحتوائها بحب وصدق

- عمري ما هعمل كده ..

وداعبتها ضاحكه

- ياختي خدي اخوكي كله ، ده عليه شخطه تخض

وتابعت بحديثها تهتف بمزاح

- قربي كده هقولك حاجه ..

فاقتربت منها اروي ، تنظر إليها بترقب

- بخاف منه عامل زي الغوريلا ، اوعي تقوليله

انفرجت شفتي أروي في ضحكة قويه .. تُشاركها "جنه" في الضحك، وسرعان ما كانت تضع أروي بيدها فوق فمها تكتم ضحكتها ..، خوفاً من شقيقها ، ولكنه بالفعل كان قد خرج يصرخ بهم

- جنه

ورغم إنها لم تكن وحدها من ضحكت ، إلا إنه أصبح كالعاده لا يخرج حنقه إلا بها

............................

أخذ يقلب في الملفات الموضوعه امامه بضيق ، فصرخ حانقاً بتلك التي تقف أمامه ، وتنظر إليه بقلق :

- فين ورق الصفقه الجديده ياهاله

لتبتلع ريقها بصعوبه خوفا من بطشه

- صدقني ياعامر بيه انا ادتهولك امبارح

فجلس عامر على مقعده بضيق ، وقد بدء يتذكر إنها بالفعل قد اعطته له أمس ،

فرك عنقه بضيق من حاله ، فالورق بمنزله وقد اخذه معه حتي يُراجعه بتركيز .. وبتنهد وهو يزيل عنه رابطة عنقه

- خلي عم نصر السواق يروح يجبهولي من القصر

فهرولت سريعا من امامه وهي حامدة الله بأنه قد تذكر أين قد وضعه ...

ورغما عنه كان حديث أكرم يقتحم عقله

" أنت اللي بتخسر يا عامر ، محدش غيرك عمره بيضيع غيرك أنت "

حاول طرد عبارة صديقه عن عقله ، وقد لفت نظره احد الاظرف الموضوعه فوق سطح مكتبه ، التقطها فضولاً حتي يراها ، وقعت عيناه علي اسم الجمعيه ، فعاد يُلقيها مجدداً أمامه ، يُذكر حاله إنه سيبعث إليهم مبلغ من المال ، لكن ليس لديه وقت ليُلبي الدعوه

ولكن تلك المرة قد علقت عيناه بالعبارة المكتوبه

(دي دعوه من ربنا ليك ، حاول تفوز بيها )



***** 

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات