Ads by Google X

رواية سطور عانقها القلب الفصل العشرون 20 - بقلم سهام صادق

الصفحة الرئيسية
الحجم

 رواية سطور عانقها القلب الفصل العشرون 20 - بقلم سهام صادق

صل العشرون


******


جلست شارده فوق فراشها ، ورغم جمال الغرفة التي أصبحت تُقيم فيها ، والسعاده التي أتت بها لهنا ، إلا ان كل شئ أختفي من داخلها ..ضاع حلمها الجميل ، و لم تبقي إلا عباراته القاتله تقتحم عقلها منذ تلك الليلة


- عايزاني احط في حسابك كام ياصفا ، عايزه كام لموافقتك على عرض الجواز


عبارة أحرقت قلبها الحالم ، فاطبقت فوق جفونها بقوة ..، وقد عاد المشهد يتجسد إليه ثانية وهو يُضيف علي حديثه دون أن ينظر إليها


- مليون جنيه كويس ياصفا ، لو عايزه اكتر انا موافق


أرتسم الألم فوق ملامحها ..، تهز رأسها رافضه لعلها تطرد كلماته ، إنه وقف يُسعرها وكأنه يُسعر شئ يشتريه ، سقطت دموعها فلم تكن تظن أن هذا الرجل كحال شقيقه لا يمتلكون إلا المشاعر البارده ..، لقد ظنته رجلاً كابطال الروايات ..، ولما لا يكون مثلهم وهو يجعلها تشعر بمثالية أبطالها وتضحياتهم من أجل الحب ، ولكن "احمد السيوفي" كان مختلفاً تماماً عن هذا الرجل الذي رسمته بخيالها ، وقد ركضت وراء سراب واستمعت لقلبها.


فاقت من شرودها ،وهي تستمع لبضعة طرقات فوق باب غرفتها ..فاعتدلت علي الفور ، وكما توقعت .. كانت الخادمة الجميله تدلف لغرفتها ولكن هذه المرة كانت تُخبرها أن السيد "احمد" يُريدها .


خرجت من غرفتها ، تهبط لأسفل حيث غرفة مكتبه ..، ولكن توقفت مكانها وهي تستمع لصوت نداءه باسمها


- صفا


اطبقت فوق جفنيها بقوة ، فصوته يُذكرها بحديثه القاتل معه ..، وهو يعطيها المال من أجل موافقته علي زيجه لن تكون فيها إلا ضيفه وشريكة سكن لا اكثر ولا تحلم بأن تتطور علاقتهم ، حذرها من الوقوع بحبه ..، كان جباراً ، قاسياً وهو يقف أمامها وعيناه في عينيها يُخبرها أن تحترس


اقترب منها ، بعدما ظنها لم تسمعه ..، فالتفت إليه ..، تُجليّ حنجرتها من مشاعر الخيبة


- أفندم


- هعمل تليفون لمصر ، وعامر وماما عايزين يطمنوا عليكي ..، فأنا شايف أن وجودك جانبي وإحنا بنكلمهم هيطمنهم أكتر خصوصا ماما


وابتسم بلطف وهو يتذكر حديث والدته عنه ، وكيف أخذت توصيه عليها ليلة أمس ، والدته التي لا تُحب الناس بسهوله ..، اصبحت هذه الفتاه لديها مكانه كبيرة في قلبها


اماءت برأسها إليه ، فهذا من بنود العقد الذي وقعته ، حتي تحافظ علي ماء وجهها ولا يظنها إنها تسعي للتقرب منه ، فلن تأخذ أمرأة قلبه بعد زوجته الراحله.


.................................. ............................


احتدت عيناه وهو يقترب منها ، فتراجعت للخلف حتي التصق جسدها بالجدار ، أغمضت عيناها بقوة ، بعدما شعرت بأنفاسه قربها


- أنا مش قولتلك إحترام عيلتي من إحترامي


حركت رأسها بخوف ، فضاقت عيناه وهو يرمقها


- كلامي متنفذش ليه


وبصعوبة ، كان يخرج صوتها من شدة ذعرها من نظراته القوية


- أهانتني في بيتي


التقط ذراعها بقسوه ، وقربها منه ..، فانصدمت بصدره الصلب وخرجت شهقتها بفزع


- وأنتِ فاكرة نفسك هانم في بيتي ، تهيني أهلي وتطرديهم


- أنا مطردتش حد


دفعها نحو الجدار ، فارتصم به جسدها ، لتصرخ متأوها


- وأروي أختي ومرات فاخر أخويا هيكدبوا برضوه ، ونيرة اللي غرقتيها بالعصير ..، هقول إيه عن تربية..


وقبل أن يُكمل عبارته ، كانت تهتف صارخه


- متغلطتش في أهلي ، أهلي شرف مليون مرة من واحد زيك


تعالا صوتها هذه المرة بقوة ، فعاد يلتقط ذراعها بقسوة وقد عاد الوعيد لعينيه


- لو دفنتك دلوقتي ، محدش يقدر يسألني عملت كده ليه


شعرت بالأخنتاق وهو تشعر بكفيه ، تُحاوط عنقها


- بكرة تروحي بيت العيله تخدمي وسط الحريم ، وحسك عينك أسمع ليكي صوت تاني


التقطت أنفاسها بصعوبه بعدما دفعها بقوة عنه ، قد كاد يقتلها هذا الوحش الذي لم تري مثيل في جبروته.


................................ ................................


ظلت تتأمل ظلام الليل من الشرفة الصغيرة المفتوحه ، وكأنها تنظر إلى ظلمة قلبها الذي فقد الحياه من شدة ظلمته ، سقطت دموعها ، كحال كل ليلة ..،فلم تعد تعرف أي ليلة باتت فيها دون أن تبكي فوق وسادتها حتي تثقل جفونها وتسقط نائمه


كان الظلام يُحاوط الغرفة ، ولم يكن حال قلبها إلا شبيهاً بتلك الغرفة المظلمه ، طالعت أجساد أولاد شقيقه ..، فمنهم من يغفو أرضاً وأخرين فوق الأسِرَّة الصغيرة ذو دورين


أسرعت في مسح دموعها ، عندما التقطت عيناها ابن أخيها ، وهو يستيقظ ويفرك عيناه بقوة يبحث عنها كعادته ، اقترب منها بلهفة , يرتمي فوق جسدها ، ضمته إليها بقوة تلمس فوق خصلاته النعمه تسأله بحنو


- صحيت ليه ياحبيبي


دفن الصغير رأسه في حضنها


- حلمت بالعفريت يا عمتو ، كان عايز ياكلني من رجلي


ابتسمت علي حديثه ، فبالتأكيد قد قصي عليه أحد اخوته .. حكاية من حكايتهم حتي يجعلوه يخاف وينام علي الفور دون أن يزعجهم بحديثه واسئلته الكثيرة


- محمد وعلى بيضحكوا عليك عشان عارفين إنك بتخاف


ابتعد عنها الصغير ونظر لها براءة يسألها عن كذب أخوته


- يعني هما بيكدبوا عليا


اماءت له برأسها ، فهز رأسه هو الأخر


- أنا هفتن عليهم ، لما يروحوا يلعبوا كرة ، ويهربوا من المدرسة


ورغما عنها كانت عيناها تدمع من الضحك ..، بسبب توعد الصغير لأخوته ، شاركها الصغير الضحك وهو يتثاوب وقد دس رأسها في حضنها


- أنتِ أتأخرتي ليه النهارده ياعمتو


- كان عندي شغل يا حبيبي


- هتجبيلي اللعبة اللي قولتيلي عليها


وضعت بقبلة فوق رأسه ، تخبره بالجواب الذي ينتظره


- هجبهالك يا حبيبي


أتسعت أبتسامة الصغير ، وعانقها ..، يُخبرها أنه يُحبها كثيراً وكثيراً


- احكيلي حدودة كل يوم ياعمتو


…………..


وفي ناحية أخري من هذا البيت القديم ، كانت إحداهن تبث السموم في أذنين زوجها


- هنفضل لحد أمتي يارجب نستحملها ، انا تعبت بقي نفسي احس اني ست البيت ده لوحدي


وتابعت حديثها بحنق ، فقد فعلت الكثير حتي تجعلها تفر من البيت دون راجعه ..، لكنها كانت كاللعلقة في حياتهم .. ، مهما أسمعتها من عبارات متهكمة لا يتحملها أحد ، تنظر إليها مبتسمه بل وتشكرها


- انا ذنبي ايه ان اختك المعنسه ديه تفضل عايشه معايا


نفث الراقد دخان سيجارته المحشيه بالحشيش بتمهل ، وقد بدء يشعر بالضجر من حديثها الذي لا ينقطع عن شقيقته ، فماذا سيفعل لها ..، هل يطرد شقيقته من منزل والديها أم يُطلقها ويرتاح من حياته ومن ثرثرتها ؟


عاد يسحب نفساً عميقاً من سيجارته ، لعله يذهب لعالم أخر ويفقده تركيزه ويري الحياة وردية وجميلة


- كفايه بقي وجع دماغ ياسناء هو انتي مبتزهقيش


وبضيق كانت تتمتم ، بعدما سحبت منه سيجارته


- لا مبزهقش يا رجب


التقط منها السيجارة حانقاً ، فامتعضت ملامحها


- هفضل لحد أمتي أقولك إن حياة ليها نصيب زيها زي في البيت ،


وبضيق كان يردف


- ده لولا شغل حياة أختي ومساعدتها لينا في المصاريف كان زمانا بنشحت ، وبتربيلك العيال ، وعمرها ما اتأخرت عنك في حاجه ..، تنسيتي الجذمه اللي لسا جيبهالك الشهر اللي فات


- أتقطعت يا اخويا


هتفت حانقها ، فاشاح رجب عيناه عنها ..، فلو نطق بكلمه أخري سيكون طلاقها


اقتربت منها ، بعدما وجدته يبتعد عنها ، تُداعب صدره بأنامله مستخدمه سلاحها الأخر، وقد أستطاعت جذبها إليها وقد لمعت في عينيه الرغبه


- يا رجب وافق تجوزها لمسعد اخويا


تأوهت في صدمه ، بعدما دفعها عنه ونهض من فوق الفراش


- اجوزها لمين ياختي ، لمسعد اخوكي تاجر المخدرات .. نامي ياسناء بدل ما يطلعش عليكي صبح


..............................................................


تعلقت عيناه بتلك الزواية التي كانت تجلس بها تترجم له بعض الاوراق ، التمعت عيناه وهو يتذكرها مشاغبتها وثرثرتها الدائمه ، حتي إنها لم تكن تهابه مهما صرخ بها وجعلها تري وجهه الصارم ، عاد السكون لقصره ثانية ..، وقد عاد الخواء يحتل قلبه مجدداً


فاق من شرودها ، بعدما تقدمت منه الخادمة بفنجان قهوته وتنحنحت حرجاً وهي تضعها أمامه


- القهوة يا بيه ، حضرتك عايز مني حاجه تانيه


- شكراً يا سعاد


أسرعت في الأنصراف عائدة للمطبخ بعدما أعطاها جوابه ، عاد لشروده ثانية وهو يرتشف من فنجان قهوته .. متذكراً هذه المرة ، المرأتين اللّتين مروا بحياته وكلاهما أحبوا شقيقه ، فريدة التي غادرت البلاد منذ يومين وقبل رحيلهم سعت للقاءه ثانية ولكن هذه المرة لم يسمح لها برؤيته ، وأميرة التي هاتفته اليوم تشكره علي ما فعله معها وإنقاذه لها ، ومنحها فرصة جديده في بلد أخر ، ترددت عبارتها الأخيرة له وكأنها كانت تدعو عليه بالشر


" اتمني يجي اليوم اللي تحب فيه ، وتعرف يعني إيه حب يا عامر"


سرعان ما كان ينفض رأسه من أفكارة ، للمرة التي لا يعرف عددها يهتف لحاله


- أنا والحب طريقنا بقي مستحيل ، ولو فكرت اتجوز هتكون مجرد ست عارفه دورها كويس في حياتي ، للمتعة وبس


وبارهاق كان يُدلك عنقه ، لعله يسترخي قليلا ، ويعود لمطالعة ملفاته وعمله الذي لا ينتهي ولا يُريد له نهاية ، فهولا يجد نفسه إلا في نجاحه وإتساع مشاريعه


ولكن توقف فجأة وهو يتذكر تلك الهدية التي يجب عليه جلبها ..، لعيد ميلاد أبن صديقه أكرم ، حاول تذكر اليوم الذي ابلغه فيه عن موعد حفل الصغير ..، لتتسع عيناه وهو ينهض عن مقعده غير مصدقاً أنه الليلة وعليه الذهاب لأحضار هدية أولاً، فقد أخذ منه أكرم وعداً


……………….


وقفت تُطالع متجر الألعاب الضخم ، الذي يُقابل متجرهم … وقد علقت عيناها باللعبة التي رأها ابن شقيقها ، عندما أتي معها هنا منذ عده أشهر ..، ومنذ ذلك الحين يُخبرها عن هذه اللعبه ..، حتي إنه أدخر المال من مصروفه الصغير لتجلبها له …، ابتسمت بمرارة وهي تتذكر فئة المائة جنيهات وهو يُعطيها لها ..، يُخبرها أن تجلب له اللعبة بها ، والصغير ينتظر اللعبة التي لا يقل ثمنها عن سبعمائة جنيهاً ..، صحيح ليست باهظه الثمن حكال اللعب الاخري ولكنها لا تستطيع تحمل تكلفتها ، خاصة ان سناء لا تضع أمامها فرصة لتدخر شئ أو تجلب حتي شئ لحالها ، غير الهاتف الذي مازالت تدفع قسطه ولم تهنأ به ..، فالهاتف يحتاج للمال حتي تُصلحه


توسعت حدقتيها وهي تحملق في ذلك الرجل الذي تتذكر أن رأته من قبل ..، إنه هو من أسقطها أرضاً بعدما صدمها بسيارته


رأته وهو يُخرج المال بعدما أشتري هدية من المتجر ، فعلقت عيناها بالهدية التي كانت تُجاور اللعبة التي يُريدها أبن شقيقها ..، تدعو الله أن لا يشتريها أحداً ، ولكن عيناها قد لمع بهما الفزع وهي تراه يأخذ اللعبة الأخري ويدفع ثمنها


أسرعت لداخل المتجر ، تخبر صاحبة المتجر ، و تنظر نحو الفتاه التي تعمل بالمتجر ، وقد طالعتها بأسف ، فصاحبة المتجر هنا اليوم ، ولن تستطيع التفوه بشئ وإخبارها أن هذه اللعبة قد حجزتها منذ أشهر حتي يتوفر المال معها وتأتي لأخذها


- اللعبه ديه أنا حجزاها يا مدام سماح


ضاقت عينين الواقف ، وقد تذكرها ..، إنها هي الفتاة التي صدمها بسيارته ، تجاهلتها صاحبة المكان ..، ونظرة نحو العاملة


- إيه الكلام اللي بتقوله ده يا زينة


هتفت الواقفة بتردد ، بعدما رمقت "حياة" بأن تصمت


- حياة من مده طلبت تشتري اللعبه ، وانا قولتلها طول ما اللعبة موجوده ، تقدري تاخديها بعد ما تجمعي تمنها ..


اماءت السيدة سماح برأسها ، تنظر نحو حياة التي وقفت مرتبكة من نظرات الواقف


- اللعبه أتباعت خلاص


وعادت تصب أهتمامها نحو "عامر" الذي أشاح عيناه عنها


- محتاج حاجة تانية يا فندم


غادرت "حياة" المتجر بحزن ، تتذكر ابن شقيقها وكيف سيحزن لانها لم تبتاع له اللعبة ..، اتجهت نحو المتجر الذي تعمل به فقد أنتهي وقت راحتها وعليها العوده


- أنتِ يا استاذه


هتف بها "عامر" ، وقد اسرع إليها بخطواته ..، يمدّ لها اللعبة منتظراً أخذها منه


- أعتبريها تمن تصليح التليفون


لم تُجيبه بشئ ، فترك حقيبة اللعبة جانبها متمتماً


- لحد ما تفوقي من صمتك ، اللعبة جانبك


وانصرف دون أن يلتف مرة أخري ، ورغما عنها كانت تزيل كبريائها جانباً وتنحني لتلتقط اللعبة ..، فلم يعد بيدها شئ غير القبول


………………


جلس فوق فراشه يًطالع هيئتها في بيجامتها القطنيه ذات اللون الوردي بإستخفاف


، فالتفت بجسدها ناحيته بعدما عدلت من وضع فرشتها علي تلك الاريكه ... فعاد هو للعبث في هاتفه


جنه : هو أنا ممكن اروح انام في اي اوضه تانيه ، البيت كبير وفي اوض كتير


وببرود كان يُجيبها ، بعدما رفع عيناه عن هاتفه


- لا


ونهض من فوق الفراش ، مقترباً منها ، فازدردت لعابها من قربه وتلك النظرة التي يرمقها بها وكأنه يتوعد لها


- أحمدي ربنا إني بنيمك علي الكنبة ، ورحمتك من نومة الأرض


اتسعت عيناها غير مصدقه حديثه ، فهل كان سيجعلها تغفو فوق الارض ..، اتجه بعينيه نحو الفراش واشار اسفل مكان رقدته ، فشعرت بالذل وابتلعت غصتها وهي تشيح بعينيها عنه


جلست على اريكتها وقد تجاهلت عبارته ، وتسطحت فوقها تحت نظراته المحملقة بها، فاسرعت في رفع الغطاء عليها وضمته حول جسدها باحكام ، رغم شعورها بحرارة الجو


فضحك ساخرا علي فعلتها: بكره انا مسافر القاهرة ..، مش عايز أرجع واسمع حد بيشتكي منك في حاجة ، تنفذي كلامهم من غير أعتراض ..، ومش عايز أقولك مكانتك إيه هنا


وبنظرات قد بدء الخواء يحتلهما ، أخبرته بمكانتها التي اصبحت تعلمها ، ولا تلومه ..، فقد تركها والدها مع عائلته القاسية دون أن يُفكر في مصيرها


- مقامي خدامه ، يا جاسر باشا


وبابتسامه جامده كان يرمقها ، قبل أن يغفو براحه فوق فراشه


…………….. ……………


اخذ العرق يتصبب فوق جبينه ، فاعتدل بصعوبة ، يلتقط أنفاسه ، يشعر بالسخنه تجتاح جسده ، لقد مرض بسبب وقوفه الدائم في الشرفة دون أن يهتم ببروده الهواء ، نهض من فوق الفراش يلتقط حبة دواء لعلها تُسكن الألم ، ولكن سرعان ما أنتبه أن دورق الماء فارغ وبتعب كانت يسير بخطوات مرهقة ، يهبط الدرج حافي القدمين ويبتلع لعابه بصعوبة .


تيبث مكانه علي أعتاب المطبخ ، يُحملق في ذهول ، فقد كانت منكبة علي الطعام ..، تأكل بشراهة من شدة جوعها


أبتسم بإرهاق .. وسار ناحيتها وقد حاول أن يتجاهلها حتي لا يُحرجها ، ولكنها أنتفضت مفزوعه وقد تركت المعلقه ، واخذت تمضع الطعام بسرعه


- أصل كنت جعانه


هتفت عبارتها وهي تبتلع باقية الطعام العالق في حلقها


وفرت من امامه مهرولة قبل ان يتحدث هو بشئ ، فالتقط كأس الماء الموضوع فوق طاولة المطبخ .. وارتشف منه وهو يتذكر هيئتها الطفولية ويبتسم.


........................................................ ....


كانوا جميعهم يضحكون إلا هي ، تتماسك امامهم حتي لا تبكي من حديث أروى وما يزيده اكثر حديث ابنة خالتها اللاذع ، ف أروي تستطيع ان تتحملها وتلتمس لها العذر فهي وحيدة اخويها ويتيمه فقد فقدت والدتها منذ الصغر .. ولكن تلك الأفعي لماذا تأتي كل يوم إلى بيت العائله ، لتلعن قرار هذا الظالم في أمرها بأن تذهب الي بيت والده كل يوم صباحا ...


أنتبهت علي صوت عمتها وهي تُناديها


- تعالي ياجنه انا عايزاكي ياحببتي


فنهضت "جنه" تُلبي طلبها ، وقد خلصتها أخيراً عمتها من جلستهم ،هاربه من نظرات السخريه من زوجة فاخر شقيق زوجها و أروي وعلى رأسهم أفعتهم الكبيره ابنة خالتهم شقيقة هدي زوجة فاخر .. يا الله عيلة مكتمله وهي الوحيده المنبوذة بينهم


كل هذا كانت تتمتم به بين طيات نفسها،


وقفت في منتصف غرفة عمتها ،فاقتربت منها "منيرة" تضمها بحنان ثم أبعدتها لتمسح فوق خديها


شعرت بالامان وهي تراها تعود لضمها مجدداً ، ولن تنكر أن عمتها حنونه معها ، لا يستطيع أحد التفوه بحقها بشئ أمامها


- انا حاسه بيكي ياجنه ، وشايفه معاملة جاسر ليكي يا بنتي.. بس جاسر مينفعش معاه الضعف لازم تبقي أقوي ، اتمردي عليه يابنت اخوي وانا معاكي


لتنظر اليها جنه ، وقد صدمتها عباراتها ، فهل تطلب منها أن تتمرد وهي التي كانت تخبرها أن الزوجه العاقلة لا بد أن تكون صامته ..، تسمع وتنفذ فقط


- بس جاسر بيعاملني كويس ياعمتي ، هو بس طبعه شديد


حافظة علي كبريائها وكبريائه معا ، فحدقت بها منيرة تستعجب عباراتها ، فالذي يظهر أمامها علي عكس ما تسمعه منه


- أنتِ متأكده يابنت اخوي ، ولا بتداري عني ..


اماءت لها برأسها ، تتهرب من نظراتها ، فهي بالفعل كاذبه ..، جاسر ليس إلا قاسي ، متحجر القلب


- بنت اصول ياجنه ، وابن اخوي في يوم من الايام هيحمد ربنا انك بقيتي مراته ومن نصيبه ، الراجل مسيره في يوم بيعرف قيمة النعمه اللي في أيده يا بنتي


وهل سيأتي هذا اليوم ، هتفتها داخلها ساخره ..، ولكن كان هناك سؤال يلح علي ذهنها


جنه : جاسر طلق مراته ليه ياعمتي ، وهي ماتت فعلا ولا لسا عايشه


تلاشس الاسترخاء من فوق ملامح منيرة ، وابتعدت عنها تنظر نحو الشرفة المفتوحه


- سيبي الماضي في حاله يابنت أخويا ، وبكره كل حاجه هتنكشف ليكي .. المهم حربي في معركتك كويس عشان تنتصري ، وبلاش تبقي ضعيفه خليكي ذكيه


واشارت منيره نحو عقلها وهي تضحك ، وتابعت حديثها :


- عايزه اشوف ذكاء الست فيكي


طالعتها "جنه" في صمت ، وقد بدأت تفهم حديثها رويداً ..، منيرة لم تضعها في طريق أبن أخيها إلا لتتغلب علي قسوته ، وتمحي ذكري أمرأة أخري من داخله


- أروي طيبه هتقدري تكسبيها بسهوله ، ومرات فاخر هي بس محموقه عشان جاسر مرضيش يتجوز اختها .. بس هابله ويقدر يضحك عليها . بس خدي بالك من اللي حاطه عينيها على جوزك وعايزه تفوز بيه


استمعت إليه في صمت ، واغمضت عينيها بارهاق من كثرة ما يدور حولها من خبث ووجع ، فيكفي إنها تعيش في بيت واحد مع ذلك المعقد السليط .. وكادت ان تتكلم لتجده يدلف الحجرة دون ان يعيرها اهتماما وكأنها ليست مرئية


جاسر : قالولي انك في اوضتك ، قولت اجي اخد البركه منك ودعواتك ..


وانحني بجسده الرجولي الذي ترتجف منه البدن خوفاً، فهو يحمل قدرا كبيرا من الرجوله والوسامه الصعيديه المهيبة ..


وسرعان ما كان يتجه بعينيه نحوها فيري نظراتها الشارده إليه.. فارتسمت السخرية فوق شفتيه ، فقدت بدأت العروس تهيم به ، وها هي تفتح نحو قلبها طريقاً لدماره قد أختارته لحاله وسيكون أكثر من سعيد وهو يذلها


تعلقت عينين "منيرة" بنظراتهم التي طالت ، فهتفت مازحه:


- مافيش كلمه حلوه هتقولها لمراتك


اسرع جاسر في إشاحه عيناه عنها ، وقد طرقت رأسها أرضاً ، تجاهل حديث عمتها وابتسم وهو يصب نظرات أهتمامه عليها


- النهارده حجزتلك تذاكر العمره انتي وبابا وكمان حجزتلك في فندق قدام الكعبه علطول


فتتهلل اسارير منيرة سعادة، وهي تسمع ما يزفه إليها


- فرحتني يا ابن قلبي ، ربنا ما يحرمني منك يا ابن الغالي


فرتفعت دقات تلك الواقفه خلفهم ، وقد أسعدها فعلته ن وحنانه علي أهل بيته رغم إنه لا تنال منه إلا القسوة ، انتبهت علي صوته بعدما أقترب منها ولطم خدها بخفه ، وهو يُلقي مزحته نحو عمته


- مراتي سرحانه فيا ، شايفه السعد اللي أنا في يا عمتي


والعمه ترفع يداها عاليا تهتف بدعاء


- ربنا يسعدكم يا بني


...........................................................


ارتجفت صفا من رؤيته بهذه الحاله وهي تراه يصعد الدرج بتعب ، فركضت نحوه تسأله بقلق :


- انت تعبان، فيك حاجة بتوجعك


طالعها احمد بألم وهو يحرك ساقه اليمني بصعوبه ، فألم فخذه مازال يؤلمه ..


احمد : ممكن ياصفا تروحي تجبيلي علبة المسكن من فوق


حدقت به بفزع ، وسرعان ما كانت تُهرول لاعلي نحو غرفته ، توقفت في منتصف الغرفة ، وقد وقعت عيناها لاول مره علي تفاصيل حجرته ذو اللون الاسود في متعلقاتها ، ورغم ذلك فكل شئ يلمع بهدوء كصاحبه ، لطمت جبهتها وقد عادت تتذكر لما هي هنا ،


واتجهت نحو علبه الدواء الوحيده التي تتوسط المنضده الصغيره .. واسرعت بخطاها إليه تلهث بانفاسها


وبضجر من حالها ، أخذت تتمتم


- نسيت المية ،هجيبلك المية بسرعة


ورغم تعبه إلا انه ابتسم على ردة فعلها، عادت اليه لاهثه وهي تمد يدها بكأس الماء


طالعها "احمد" ، بنظرة لم تفهمها ..، ولكن سرعان ما كانت تُدرك خطأها ، فهو ينتظر منها أن تعطيه علبة الدواء يدها ، وبدعابة كانت من سماتها هتفت مازحها


- معلش أنا لما بتوتر ، بكون غبية


اتسعت أبتسامته وهو يسمع عبارتها ، ولكن سرعان ما تلاشت وهو يشكرها


- شكرا يا صفا


تجاهلت ملامحه الجامده ، وقد المها قلبها ..، إنه أسرع في إخفاء أبتسامته وكأنها لا تستحق إلا الجمود منه


- خليني أساعدك لحد أوضتك ، متخافش أنا صحتي كويسه،


كانت عفوية في حديثها ، لم تنتظر جوابه علي عرضها ، بل أسرعت في إسناده ، تلتقط يده بعفويه


- هات ايدك عشان اساعدك


ثم داعبته بحديثها مرة أخري :


- ما انا مش هقدر اشيلك


حاول أن لا يتأثر بحديثها ، ويضحك ..، ولكن لم يتحمل رؤيتها وهي تسير بصعوبة جوارها ، وكأنها بالفعل تسنده ، وهو كان يمنحها المهمه دون أن يُحمل عليها


- حابسه نفسك ليه علطول في اوضتك يا صفا ، أنا قولتلك أعتبري البيت بيتك وأننا رفقاء سكن


ابتعدت عنه وقد عاد حديثه هذا اليوم يخترق أذنيه ، من بنود وضعه في عقد ، فهي لم تقبل بالزواج منه إلا لتحقق حلمها فيه , وليس من اجل الحصول على مال منه


- لو أسلوبي كان غليظ معاكي يومها ، متزعليش ..، بس حاولي تتعوضي علي طباعي ياصفا


فتحت فاها كالبلهاء ، وهي تستمع لعباراته ، إنه تعلم طباع هذه العائله ..، ولكن أن يصرح بها بهذا الهدوء ..، كان الأمر صعب علي قلبها البائس


أتسعت أبتسامته ، وهو يري تنظر إليه بتلك النظرة ، وكأنها مصدومه من حديثه معها ، خلع سترته يُلقيها جانبا ...، وجلس فوق الفراش يفك أزرار قميصه ... وهي مازالت في وقفتها تُطالعه بحدقتي متسعتين ذهولاً ، ولكن فجأة انتفضت من مكانها ، تنتبه علي تحديقها به ، و وقوفه في غرفته وقد أخذ يزيل عنه قميصه ، وظهر جزعه العلوي


وبخطوات سريعه كانت تهرول نحو غرفتها ، تلتقط أنفاسها بصعوبه ، أغلقت باب غرفتها واسندت ظهرها عليه قليلاً ، مبتسمه بحماقة ، وسرعان ما كانت تفيق من شرودها تلطم جبهتها كالعادة ، تسأل حالها


- هو أنا ليه قلبي بيدق كده


والحقيقة هي تعلمها ، إنه تحب هذا الرجل ، ولكنه لا يُريد حبها ..، تلاشت سعادتها واتجهت نحو فراشها ..، تُلقي بجسدها عليه .. غارقه في أحلامها هاربة من أفكارها


***** 

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

google-playkhamsatmostaqltradent